الباب الحادي والستون في تحذير النساء من مجالس القُصَّـاص
===================================
وما تجلب من المِحَن، وأحداث السوء، ومؤاخاة الرجال النساء، ومصافحتهنَّ، وغير ذلك من المنكرات، أما أفعالهن الظاهرة القبيحة فكثيرة، ولهن مقابح يحتقرنها، وهي عظائم، كالصرير في الخف، والخروج بغير إذن الزوج، وسوء المعاشرة له، والسرقة من ماله، والتدليس في القطن بدقّ الخشن منه ليتوهم أنه ناعم، وتنديته، والخروج إلى المقابر، فإذا أفلحن وتركن ذلك، حضرن أوقات الصوفية المتضمنة للغناء والطرب والرقص واللعب، وتخريق الثياب على الوجد، وتفريقها بعد تخريقها، والنظر إلى الشباب. وغير ذلك من الأسباب المفسدة لقلوبهن على أزواجهن المغيّرة لدينهن.
فإذا حضرن مجالس القُصَّاص، فأكثرها يجري فيها المنكر من إنشاد القصاص أشعار العشق والغزل، وتلحين القراء القرآن، ونحو ذلك مما يوجب الطرب، ويثبت في القلب الهوى، وربما أنشدوا الأشعار الواصفة للبلى وأحوال الموتى، فيهيجون قلوب السامعين، ويخرجونهم من الصبر إلى الجزع، وكل ذلك من القبائح المفسدة.
وربما قالت المرأة:
أنا ألبس قميصاً من يد الواعظ، وأصير بنتاً له.
وبلغنا أن قوماً من المتزهدين يؤاخون النساء، ويخلون بهن، ويصافحونهن، وقد صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه ما صافح امرأة أجنبية، وكل هذا مخرج إلى الفساد والقبيح، وقد ذكرت في كتابي «تلبيس إبليس» طرفاً من هذا.
الباب الثاني والستون في الأمرِ بالتزويج، وفَضْلِ النكاح
===============================
عن عبد الرحمن بن يزيد قال: قال عبد الله: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم شباباً ليس لنا شيء، فقال: «يا معشر الشباب، مَنْ استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإن الصوم له وجاء».
وروى جابر ـــ رضي الله عنه ـــ عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «أيما شاب تزوج في حداثة سنّه عج شيطانه، يا ويله عصم مني دينه».
وعن علقمة عن عثمان قال:
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم على فتية من قريش، وأنا فيهم فقال: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإن لم يستطع فليصم، فإن الصوم له وجاء».
قال المصنف رحمه الله:
هذا الحديث رواه خالد الحذَّاء، وسعيد بن أبي عروبة، ويونس بن عبيد، جميعاً عن أبي معشر عن إبراهيم عن علقمة، وأسنده.
وعن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلّم والصحيح أنه مسند عن عبد الله بن مسعود.
قال البغوي:
حدثني أحمد بن زهير قال: سئل يحيى بن معين عن حديث أبي معشر هذا، فقال: خطأ الأعمش.
حدثنا شيبان قال:
ثنا أبو عوانة، عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال: قال عبد الله لعثمان: لقد قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «يا معشر الشباب»، وذكر الحديث.
هذا هو الصحيح، وهو مخرّج في «الصحيح» على ما ذكرناه في أول الباب، والمراد بالباءة: النكاح. والوجاء: رضّ الأنثيين من الفحل، فكأنه أراد أن الصوم يقطع شهوة النكاح كما يفعل الوجاء.
الباب الثالث والستون في الأمرِ بتزويِج البنت إذا بلغتْ
==============================
عن علي بن أبي طالب ـــ عليه السلام ـــ أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «ثلاث يا علي لا تؤخرهن، الصلاة إذا آنت، والجنازة إذا حضرت، والأيّم إذا وجدت كفؤاً».
وعن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن جدّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «مَنْ أدرك له ولد وقد بلغ النكاح، وعنده ما يزوِّجه فلم يزوِّجه فأحدث، فالإثم بينهما».
وعن محمد بن إبراهيم التيمي عن عائشة ـــ رضي الله عنها ـــ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ما من شيء خير لامرأة من زوج أو قبر».
وعن عمر بن الخطاب ـــ رضي الله عنه ـــ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «مكتوب في التوراة مَنْ بلغتْ له ابنةُ اثنتي عشرة سنة فلم يزوجها، فأصابت إثماً، فإثم ذلك عليه».
وعن زيد بن أسلم قال:
قال عمر بن الخطاب: زوّجوا أولادكم إذا بلغوا، لا تحملوا آثامهم.
وعن الحسن قال:
بادروا نساءكم التزويج، فإنَّ التسويف مغلمة لهن.
وعن ابن أبي نصر العطار قال:
سمعت محمد بن سليمان قال: قال حاتم: كان يقال: «العجلة من الشيطان إلا في خمس: إطعام الطعام إذا حضر ضيف، وتجهيز الميت إذا مات، وتزويج البكر إذا أدركت، وقضاء الدَّيْنِ إذا وجب، والتوبة من الذنب إذا أذنب».
فصل (في أنّ المرأة تحب ما يحّب الرجل)
=======================
واستحب لمن أراد تزويج ابنته أن ينظر لها شاباً مستحسن الصورة، لأن المرأة تحب ما يحب الرجل.
عن الزبير بن العوام ـــ رضي الله عنه ـــ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «يعمد أحدكم إلى ابنته فيزوجها القبيح الذميم، إنهن يردن ما تريدون».
وعن عمر بن الخطاب ـــ رضي الله عنه ـــ قال: «لا تنكحوا المرأة الرجل القبيح الذميم، فإنهن يحببن لأنفسهن ما تحبون لأنفسكم».
فصل (في أنه لا ينبغي لوالدي المرأة أنْ تميل إلى إيثارهم)
================================
ولا ينبغي لوالدي المرأة، ولا لجميع أهلها أن يطلبوا منها الميل إلى إيثارهم أكثر من ميلها إلى زوجها، فإنها تميل إلى زوجها بالطبع، وقد أخبر عنها الشارع بذلك، فلتعذر في ذلك.
عن إبراهيم بن محمد بن عبد الله عن أبيه عن حمنة بنت جحش أنها قيل لها: قتل أخوك. فقالت: رحمه الله {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رجِعونَ} (البقرة: 156). قالوا: قُتل زوجك. فقالت: واحزناه، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «إنَّ للزوج من المرأة لشعبة ما هي لبشر».
الباب الرابع والستون في وجوبِ طاعةِ الزوج، وحقّه على المرأة
====================================
عن قيس بن طلق عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لا تمنع المرأة زوجها حاجته وإن كان على ظهر قتب، وإن كانت على ظهر قتب».
وعنه أيضاً قال:
سأل رسول الله صلى الله عليه وسلّم رجل، فقال: الرجل منّا تكون له الحاجة إلى امرأته فقال: «ليس لها أن تمنعه. وإن كانت على رأس تنُّور».
وعنه أيضاً قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «إن دعا الرجل زوجته فلتأته، وإن كانت على التنُّور».
وعن حصين بن محصن عن عمّةٍ له أتت النبي صلى الله عليه وسلّم في حاجةٍ لها، ففرغت من حاجتها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أذات زوج أنت؟» قالت: نعم. قال: «فكيف أنت له»؟ قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه، قال: «انظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك».
وعن قيس بن سعد بن عبادة قال: أتيت الحيرة، فرأيتهم يسجدون لأساقفتهم ورهبانهم، فلما قدمت على النبي صلى الله عليه وسلّم قلت: يا رسول الله، أنت أحق أن نسجد لك، فإني رأيتهم يسجدون لرهبانهم وأساقفتهم. فقال: «لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها».
وعن معاذ بن جبل ـــ رضي الله عنه ـــ أنه لما رجع من اليمن قال: يا رسول الله، رأيت رجالاً باليمن يسجد بعضهم لبعض، أفلا نسجد لك؟ قال: «لو كنت آمراً بشراً أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها».
وعن فضال بن جبير قال:
سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «لو جاز لأحد أن يسجد لأحد من دون الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها».
وعن أنس بن مالك ـــ رضي الله عنه ـــ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها، والذي نفسي بيده، لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح، والصديد، ثم استقبلته تلحسه ما أدَّت حقه».
وعن عائشة ـــ رضي الله عنها ـــ أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان في نفر من المهاجرين والأنصار، فجاء بعير، فسجد له، فقال أصحابه: يا رسول الله، تسجد لك البهائم والشجر، فنحن أحق أن نسجد لك، فقال: «اعبدوا ربكم، وأكرموا أخاكم، ولو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولو أمرها أن تنقل من جبل أصفر إلى جبل أسود، ومن جبل أسود إلى جبل أصفر، كان ينبغي لها أن تفعل».
(وعن أبي عبد الله الشامي) عن تميم الداري ـــ رضي الله عنه ـــ عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «حق الزوج على زوجته أن تطيع أمره، وأن تبر قسمه، ولا تهجر فراشه، ولا تخرج إلا بإذنه، ولا تدخل عليه مَنْ يكره».
وعن ابن عمر قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله، ما حقُ الزوج على الزوجة؟ قال: «لا تتصدّق من بيته بشيء إلا بإذنه، فإن فعلت، كان له الأجر، وعليها الوزر»، قالت: يا رسول الله، ما حق الزوج على الزوجة؟ قال: «لا تصوم يوماً إلا بإذنه، فإن فعلت لعنتها ملائكة الله، وملائكة الرحمة، وملائكة الغضب، حتى تفيء أو ترجع».
وقد روي هذا الحديث من طريق ابن عباس أيضاً، عن عطاء عن ابن عباس قال: سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلّم قالت: ما حق الرجل على المرأة قال: «لا تمنعه نفسها، وإن كانت على رأس قتب»، قالت: وما حق الرجل على امرأته؟» قال: «لا تصوم يوماً تطوعاً إلا بإذنه، فإن فعلت أثمت ولم يُتقبّل منها»، قالت: وما حق الرجل على امرأته؟ قال: «لا تخرج من بيتها إلا بإذنه، فإن فعلت لعنتها ملائكة الرحمة، وملائكة الغضب حتى تتوب وترجع»، قالت: لا جرم، والله لا يملك على أمري رجل أبداً.
وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «نساؤكم أهل الجنة، الودود، الولود، التي إذا أذت أو أُوذيت، أتت زوجها حتى تضع يدها في كفه فتقول: لا أذوق غمضاً حتى ترضى».
وعن عائشة ـــ رضي الله عنها ـــ قالت: «يا معشر النساء، لو تعلمن بحق أزواجكن عليكن، لجعْلتُ المرأة منكن تمسح الغبار عن قدمي زوجها بحرّ وجهها».
وعن عثمان بن عطاء عن أبيه قال:
قالت ابنة سعيد بن المسيب: ما كنا نكلِّم أزواجنا إلا كما تكلمون أمراءكم.
وعنه أيضاً قال:
قالت امرأة سعيد بن المسيِّب: ما كنا نكلم أزواجنا إلا كما تكلمون أمراءكم، أصلحك الله، عافاك الله.
فصل (في أنّ المرأة كالمملوك للزوج)
=====================
وينبغي للمرأة أن تعرف أنها كالمملوك للزوج، فلا تتصرف في نفسها ولا في ماله إلا بإذنه، وتقدم حقّه على حقّ نفسها، وحقوق أقاربها.
وتكون مستعدة لتمتعه بها بجميع أسباب النظافة، ولا تفتخر عليه بجمالها، ولا تعيبه بقبيح إن كان فيه.
قال الأصمعي:
دخلت البادية فإذا امرأة حسناء لها رجل قبيح، فقلت لها: كيف ترضين لنفسك أن تكوني تحت مثله؟ فقالت: لعله أحسن فيما بينه وبين خالقه، فجعلني ثوابه، ولعلي أسأت، فجعله عقوبتي.
وينبغي للمرأة أن تصبر على أذى الزوج كما يصبر المملوك، وقد رُوِّيْنا أن عبد الملك بن مروان وصفت له جارية اجتمعت فيها مناقب، فلما حضرت سألها عن حالها، فقالت: إني لا أنس نفسي أني لك مملوكة. فقال: هذه المنقبة تساوي جميع الثمن.
فصل (في بيان حقّ الزوج ووصايا الوالدين)
=========================
وينبغي لأبوي المرأة خصوصاً الأم أن تعرِّفها حق الزوج، وتبالغ في وصيتها، عن عمرو بن سعيد قال: كان في عليّ شدّة على فاطمة ـــ سلام الله عليهما ـــ فقالت: والله لأشكونك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فانطلق عليّ، فقام حيث يسمع كلامها، فشكت غلظ عليّ عليها، وشدته، فقال: يا بنيّة استمعي واسمعي واعقلي، فإنه لا امرأة لا تأتي هوى زوجها، وهو ساكت، قال عليّ: فرجعت، فقال: (والله لا آتي شيئاً تكرهينه أبداً، فقالت: والله لا آتي شيئاً تكرهه أبداً).
قال القرشي:
وحدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا عبد الله بن بكر السهمي قال: حدثني بشر أبو نصر أن أسماء بن خارجة زوّج ابنته، فلما أراد أن يهديها إلى زوجها، أتاها فقال: يا بنية، إنّ النساء أحق بأدبك مني، ولابد لي من تأديبك، كوني لزوجك أمة يكن لك عبداً، ولا تدني منه فيملّك، ولا تباعدي منه فتثقلي عليه، ويثقل عليك...
وكوني كما قلت لأمك:
خُــذي العفـوَ منّي تَسْتديمي مودَّتي
ولا تنطقي في سورتي حين أغضبُ
فإنّي رأيتُ الحــبَّ في القلـبِ والأذى
إذا اجتمعــا، لــم يلبث الحــبّ يذهـبُ
قال القرشي:
وحدثني إبراهيم بن سعيد قال: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: ثنا غسان قال: ثنا سعيد بن يزيد، أن أبا الأسود الدؤلي زوّج ابنة له، فأتته الجارية فقالت: يا أبت إني لم أحب أن أفارقك، فأما إذ زوجتني فأوصني. قال: إنك لن تنالي ما عنده إلا باللطف، واعلمي أنَّ أَطْيب الطيب الماء.
وعن أبي عبيدة قال:
زوَّج رجل من العرب أربع بنات له، فزار أولاهن فقال: كيف ترين بعلك يا بنيّة؟ فقالت: السهل بأرض محل، إن سألت أعطى، وإن سكت ابتدأ من غير مَنّ ولا أذى. فقال: أي بنية، رزقتِهِ بجدّك لا بكدّك.
ثم زار الثانية، فقال:
أي بعل بعلك؟ فقالت: جبار عنيد، من الخيرات بعيد، لا توقد له نار، ولا يؤمن له جار. فقال: أي بنيّة، صبَّتْ عليك بليَّة، فليكن الصبر منك سجيّة حتى تأتيك المنيّة.
ثم زار الثالثة فقال:
كيف زوجك؟ فقالت: ذو خلق نزق، وشر غلق، يجود لي في الغنى، ويحرمني إذا افتقر. فقال: أي بنية، تذمّين وتحمدين، وكذا الدهر يكون حين وحين، ويحمل الغث والثمين.
ثم زار الرابعة فقال:
أي بعل بعلك؟ فقالت: ذو خلق جميل، ورأي أصيل، مقبل على أهله، متكرم في رحله. فقال: أي بنية، رزقتيه ماجداً، فامنحيه ودّك، وألطفيه جهدك.
وعن عبد الملك بن عُمَيْر قال:
لما زوّج عوف بن محلِّم الشيباني ابنته أم إياس بن الحارث بن عمرو الكندي، فجهزت، وحضرت لتحمل إليه، دخلت عليها أمها أمامة لتوصيها فقالت: يا بنية، إنَّ الوصية لو تركت لفضل في الأدب أو مكرمة في الحسب لتركت ذلك منك، ولزويتها عنك، ولكنها تذكرة للغافل، ومعونة للعاقل، أي بنيّة، لو استغنت المرأة عن زوجها بغنى أبيها، وشدّة حاجتها إليه، لكنت أغنى الناس عنه، إلا أنهنّ خُلقن للرجال، كما لهن خُلق الرجال.
أي بنيّة، إنك قد فارقت الجوّ الذي منه خرجت، والعش الذي فيه درجت، إلى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، أصبح بملكه عليك مليكاً، فكوني له أمة يكن لك عبداً.
احفظي له خصالاً عشراً، تكن لك دركاً وذكراً.
أما الأولى، والثانية:
فالصحبة له بالقناعة، والمعاشرة له بحسن السمع والطاعة، فإنّ في القناعة راحة القلب، وفي حسن السمع والطاعة رضى الرب.
وأمّا الثالثة والرابعة:
فالتفقد لموضع أنفه، والتعاهد لموضع عينه، فلا تقع عينه منك على شيء قبيح، ولا يشمّ أنفه منك إلا أطيب ريح، وإن الكحل أحسن الحسن الموجود، والماء أطيب المفقود.
وأما الخامسة والسادسة:
فالتعاهد لموضع طعامه، والتفقّد له حين منامه، فإنَّ حرارة الجوع ملهبة، وإنّ تنغيص النوم مغضبة.
وأما السابعة والثامنة:
فالإرعاء على حشمه وعياله، والاحتفاظ بماله، فإنَّ أصل الاحتفاظ بالمال حسن التقدير، والإرعاء على الحشم والعيال حسن التدبير.
وأما التاسعة والعاشرة:
فلا تفشي له سراً، ولا تعصي له في حال أمراً، فإنك إنْ أفشيت سره، لم تأمني غدره، وإن عصيت أمره أوغرت صدره، ثم اتقي يا بنيّة الفرح لديه، إذا كان ترحاً، والاكتئاب إذا كان فرحاً، فإنَّ الخصلة الأولى من التقصير، والثانية من التكدير، وكوني أشدّ ما يكون لك إكراماً، أشد من تكونين له إعظاماً، وأشدّ ما تكونين له موافقة، وأطول ما تكونين له مرافقة، واعلمي يا بنية، أنك لن تصلي إلى ما تحبين منه حتى تؤثري رضاه على رضاك، وهواه على هواك، فيما أحببت وكرهت، والله يخيِّر لك ويحفظك.
فحملت إليه، فعظم موقفها منه، فولدت له الملوك الذي ملكوا بعده.
قال المصنّف رحمه الله:
وقد رويت لنا هذه الحكاية مبسوطة، فقد روى أبو روق الهمداني، عن أبي حاتم السجستاني قال: قالوا: كان ملك من ملوك اليمن يقال له: الحارث بن عمرو الكندي بلغه أنَّ ابنة لعوف الكندي أنها ذات جمال وكمال، فبعث إلى امرأة من قومها يقال لها: عصام.
فقال:
إنه بلغني عن بنت عوف جمال وكمال، فاذهبي واعلمي لي عليها.
فانطلقت حتى دخلت على أمها، وهي أمامة بنت الحارث، فأخبرتها، ما جاءت له، وإذا أمها كأنها خاذل من الظباء، وحولها بنات لها، كأنهن شوادن الغزلان.
فأرسلت إلى ابنتها فقالت:
يا بنية، إنَّ هذه خالتك أتتك لتنظر إلى بعض شأنك، فاخرجي إليها، ولا تستتري عنها بشيء، وناطقيها فيما استنطقتك فيه.
فدخلت عليها، ثم خرجت من عندها، وهي تقول:
تَركَ الخداعَ مَنْ كشفَ القناعَ، فأرسلتها مثلاً.
فلما جاءت إلى الحارث قال:
ما وراءك يا عصام؟
قالت:
أيها الملك، صرح المخضي عن الزبد ـــ فأرسلتها مثلاً، ثم قالت: أقول حقاً، وأخبرك صدقاً، لقد رأيت وجهاً كالمرآة المضيئة يزينه شعر حالك، كأذناب الخيل المضفورة إنْ أرسلته خلته سلاسل، وإن مشطته خلته عناقيد كرم جلاها وابل.
لها حاجبان، كأنما خطا بقلم، أو سُوِّدا بحمم، قد تقوسا على مثل عيني الظبية العَبْهرة، التي لم تر قانصاً، ولم يذعرها قسورة ببهتان المتوسم، بينهما أنف كحد السيف المصقول، لم يخنس به قصر، ولم يمعن به طول، حفَّت به وجنتان كالأرجوان في بياض محض كالجمان، شق فيه فم لذيذ الملثم، فيه ثنايا غر، وأسنان كالدر، ذات أشر، ينطق فيه لسان ذو فصاحة وبيان، يحركه عقل وافر، وجواب حاضر، تلتقي دونه شفتان حمروان، كأنهما في لين الزبد يحملان ريقاً كالشهد، نصب ذلك على عنق أبيض، كأنه إبريق فضة.
لها صدر كصدر التمثال، مدت فيه عضدان مدمجتان ممليتان لحماً، مكسوتان شحماً، متصلة بهما ذراعان ما فيهما عظم يمس، ولا عرق يجس عصبتهما، يعقد إن شئت منهما الأنامل، وتركب الفصوص في حفر المفاصل.
نتأ في ذلك الصدر ثديان يخرقان عليها ثيابها، ويمنعانها أن تقلد سخاباً، أسفل من ذلك بطن، طوي كطي القباطي المدمجة كسي عكناً كالقراطيس المدرجة، كمدهن العاج.
لها ظهر فيه كالجدول، ينتهي إلى خصر لولا رحمة ربك لانبتر لها كفل، يكاد يقعدها إذا نهضت، وينهضها إذا قعدت، كأنه حقف من الرمل، لبده سقوط الطل، أسفل من ذلك فخذان لفاوان، كأنما نصبا على نضد جمان، متصلة بهما ساقان بيضاوان خدلجتان حمل ذلك كله قدمان كحذو اللسان، تبارك الله، مع لطافتهما كيف يطيقان حمل ما فوقهما.
وأما ما سوى ذلك، فإني تركت نعته ووصفه لوقته، إلا أنه أكمل وأحسن مما وصف في شعر أو قول.
قال:
فبعث إلى أبيها، فخطبها إليه، فزوّجها إياه، فبعث إليها من الصداق بمثل مهور نساء الملوك مائة ألف درهم، وألف من الإبل، فلما حان أن تحمل إليه، دخلت إليها أمها لتوصيها، فقالت: أي بنية، إنَّ الوصية لو تركت لعقل أو أدب أو مكرمة في حسب، لتركت ذلك منك، ولزويته عنك.
ولكن الوصيّة تذكرة للعاقل، ومنبهة للغافل.
أي بنيّة:
إنه لو استغنت المرأة عن زوجها بغنى أبيها، وشدّة حاجتها إليه، لكنت أغنى الناس عن الزوج، ولكن للرجال خُلِق النساء، كما لهن خُلِق الرجال.
أي بنيّة:
إنك فارقت الجو الذي منه خرجت، والوكر الذي فيه درجت، إلى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فأصبح بملكه عليك ملكاً، فكوني له أمة يكن لك عبداً.
واحفظي عني خصالاً عشراً تكن لك دركاً وذخراً:
فأما الأولى والثانية:
فالمعاشرة له بالقناعة، وحسن السمع له والطاعة، فإن في القناعة راحة القلب، وحسن السمع والطاعة رأفة الرب.
وأما الثالثة والرابعة:
فلا تقع عيناه منك على قبيح، ولا يشم أنفه منك إلا أطيب ريح، واعلمي أي بنية، أن الماء أطيب الطيب المفقود، وأن الكحل أحسن الحسن الموجود.
وأما الخامسة والسادسة:
فالتعهد لوقت طعامه، والهدوء عند منامه، فإن حرارة الجوع ملهبة، وتنغص النوم مغضبة.
وأما السابعة والثامنة:
فالاحتفاظ بماله والرعاية على حشمه وعياله، فإنّ الاحتفاظ بالمال من حسن التقدير، والرعاية على الحشم والعيال من حسن التدبير.
وأما التاسعة والعاشرة:
فلا تفشي له سراً، ولا تعصي له أمراً، فإنك إن أفشيت سره، لم تأمني غدره، وإن عصيت أمره أوغرت صدره، واتقي الفرح لديه إن كان ترحاً، والاكتئاب إذا كان فرحاً، فإن الأولى من التقصير، والثانية من التكدير، واعلمي أنك لن تصلي إلى ذلك منه حتى تؤثري هواه على هواك، ورضاه على رضاك، فيما أحببت وكرهت، والله يخير لك بخيرته، ويصنع لك برحمته، فلما حملت إليه غلبت على أمره، وولدت له سبعة أولاد ملكوا بعده.
فصل (في السعي لطلب مرضـاة الزوج)
======================
وينبغي للمرأة العاقلة إذا وجدت زوجاً صالحاً يلائمها أن تجتهد في مرضاته، وتجتنب كل ما يؤذيه، فإنها متى آذته، أو تعرضت لما يكرهه أوجب ذلك ملالته، وبقي ذلك في نفسه، فربما وجد فرصته فتركها أو آثر غيرها، فإنه قد يجد، وقد لا تجد هي، ومعلوم أن الملل للمستحسن قد يقع، فكيف للمكروه؟
الباب الخامس والستون في ثوابِ طَاعةِ الزوج
==========================
عن ابن عباس ـــ رضي الله عنهما ـــ قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، ما من امرأة تسمع مقالتي إلى يوم القيامة إلا سرّها ذلك، الله رب الرجال والنساء، وآدم أبو الرجال والنساء، وحواء أم الرجال والنساء، وأنت رسول الله إلى الرجال والنساء، كتب الله الجهاد على الرجال، فإن استشهدوا كانوا أحياء عند ربهم يرزقون، وإن ماتوا، وقع أجرهم على الله، وإن رجعوا آجرهم الله، ونحن النساء نقوم على المرضى ونداوي الجرحى، فما لنا من الآخرة؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:
«يا وافدة النساء، أبلغي من لقيت من النساء، أن طاعة الزوج، واعترافها بحقه، يعدل ذلك كله».
وعنه أيضاً قال:
جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلّم امرأةٌ، فقالت: إني وافدة النساء إليك، والله ما من امرأة سمعت بمخرجي أو لم تسمع، إلا وهي تهوى مقالتي، الله رب الرجال والنساء، وآدم أبو الرجال والنساء، وأنت رسول الله إلى الرجال والنساء، كتب الله الجهاد على الرجال، فإن أصابوا أُجروا، وإن ماتوا وقع أجرهم على الله عز وجل، وإن استشهدوا كانوا أحياء عند ربهم يُرزقون، ونحن نقوم عليهم، ونحْتَش لدوابهم، وليس لنا شيء من ذلك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:
«فأبلغي مَنْ لقيتِ من النساء، أنَّ طاعة الزوج واعترافها بحقه، يعدل ذلك كله، وقليل منكنّ مَن يفعل ذلك».
وعن أمّ سلمة ـــ رضي الله عنها ـــ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أيما امرأة ماتت، وزوجها عنها راضٍ، دخلت الجنة».
وعن أنس بن مالك ـــ رضي الله عنه ـــ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إذا صلّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وأطاعت زوجها، وحفظت فرجها، دخلت الجنة».
الباب السادس والستون في ذكر إثمِ المخالَفة لزوجها
=============================
عن أبي هريرة ـــ رضي الله عنه ـــ عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «إذا دعا أحدكم امرأته إلى فراشه فلم تأته لعنتها الملائكة حتى تصبح».
وفي لفظ:
«فبات وهو عليها ساخط، لعنتها الملائكة حتى تصبح» أخرجه البخاري ومسلم في «صحيحهما».
وعن أبي حازم عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «والذي نفسي بيده، ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه، إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها، حتى يرضى عنها».
وعن أبي هريرة ـــ رضي الله عنه ـــ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تجبه لعنتها الملائكة».
وعن زرارة بن أبي أوفى، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «لا تهجر امرأة فراش زوجها إلا لعنتها ملائكة الله عز وجل».
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة».
وعنه ـــ أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «لا تهجر امرأة فراش زوجها إلا لعنتها ملائكة الله عز وجل.
وعن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة، ولا يرفع لهم إلى السماء حسنة، العبد الآبق حتى يرجع إلى مواليه، فيضع يده في أيديهم، والمرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى، والسكران حتى يصحو».
وعن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه قال: سمعت أبا هريرة قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلّم المسوفة، والمفلسة، فأما المسوفة فالتي إذا أرادها زوجها، قالت: سوف وسوف، والآن».
قال المصنف:
قلت: كذا روي لنا في هذا الحديث المفلسة، ولم يذكر تفسيره، وقد رواه ابن مِقْسَم في كتاب ـــ «الأنوار»، من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه لعن المسوفة، والمفلسة، فأما المسوفة: فهي التي إذا أرادها زوجها قالت: الآن، وسوف، وأما المفلِّسة، فالتي إذا أرادها قالت: إني حائض، وليست بحائض.
قال المصنف رحمه الله ـــ قلت:
فعلى هذا يكون المعنى أنها تقدم ذكر الحيض قبل مجيئه، كما تقدم المفلس.
وقد روى ابن قُتيبة هذا الحديث، وقال:
لعن المفسلة، قال: وقال غير واحد: المفسلة التي إذا أرادها زوجها أن يأتيها قالت: إني حائض، وأصل الحرف من الفسولة، وهي الفتور في الأمر والكسل، فعلى هذا تكون المفسلة تصحيفاً من الرواة.
وعن معاذ بن جبل ـــ رضي الله عنه ـــ
عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا، إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلكِ اللهُ، فإنما هو دخيل عندكِ، يوشك أن يفارقكِ إلينا».
وعن عبد الله بن عمر ـــ رضي الله عنهما ـــ قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها، ولا تستغني به».
وعن الحسن قال:
حدثني مَنْ سمع النبي صلى الله عليه وسلّم يقول: «أول ما تُسأل عنه المرأة يوم القيامة، عن صلاتها، وعن بعلها كيف فعلت إليه».
وعن علي بن زيد عن الحسن قال:
«أيما امرأة قالت لزوجها: ما رأيت منك خيراً قط، فقد حبط عملها».
فصل (في وجوب طـاعة الزوج)
==================
وعلى ما ذكرنا من وجوب طاعة الزوج، فلا يجوز للمرأة أن تطيعه فيما لا يحل مثل أن يطلب منها الوطء في زمان الحيض أو في المحل المكروه، أو في نهار رمضان، أو غير ذلك من المعاصي، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله تعالى.
وعن أبي أمامة ـــ رضي الله عنه ـــ قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم تقود ولدين لها، وتحمل آخر، قال: فما أعلمها سألته شيئاً إلا أعطاها، فلما ذهبت أتبعها بصره، فقال: «حاملات، والدات رحيمات، لولا ما يأتين إلى أزواجهن، دخلت مصلياتُهن الجنة».
وعنه أيضاً، أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم رأى امرأة ومعها أولادها قد حملت واحداً، والبقية يمشون خلفها، فقال: «والدات حاملات، رحيمات، لولا ما يأتين إلى أزواجهن، دخل مصلياتهن الجنة».
فصل (في الغيرة عند المرأة)
================
وقد تخرج الغيرة بالمرأة إلى معصية الزوج، فيجب على المؤمنة أن تحمل نفسها على الصبر، إذا كان لها ضرّة.
عن علقمة عن عبد الله قال:
بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلّم إذ أقبلت امرأة عريانة، فقام إليها رجل فاعتنقها فواراها، وتغيَّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال الرجل: يا رسول الله، إني زوجها. فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «إنَّ الله كتب الغيرة على النساء، والجهاد على الرجال، فمن صبر منهن احتساباً كان لها أجر شهيد».
الباب السابع والستون في جوازِ ضَرْب الرجــل زوجته
==============================
إذا نشزت المرأة على الرجل أو خالفته فيما هو حقّ له، فلتؤدَّب بإذن الله عز وجل، وهو أن يعظها فإنْ أصرَّت على الخلاف هجرها في المضجع، فإن أصرّت ضربها ضرباً غير مبرّح، سوطاً أو سوطين، أو يزيد عدداً قليلاً.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلّم:
«لا يُضرب فوق عشرة أسواط، إلا في حدَ من حدود الله عز وجل».
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه ما ضرب امرأة من نسائه قط.
وليعلم الإنسان أن من لا ينفع فيه الوعيد والتهديد لا يردعه السوط، وربما كان اللطف أنجح من الضرب، فإنّ الضرب يزيد قلب المعرض إعراضاً.
وفي الحديث:
«ألا يستحي أحدكم أن يجلد امرأته جَلْدَ العبد، ثم يضاجعها؟» فاللطف أولى إذا نفع.
وعن محمد بن إبراهيم الأنطاكي قال:
حدثنا محمد بن عيسى، قال: أراد شعيب بن حرب أن يتزوج امرأة فقال لها: إني سيّىء الخلق. فقالت: أسوأ منك خُلُقاً من أحوجك أنْ تكون سيىء الخُلُق، فقال: إذاً أنت امرأتي.
الباب الثامن والستون في ذكْرِ سؤال المرأة عن بيتِ زَوجها
=================================
عن نافع عن ابن عمر ـــ رضي الله عنهما ـــ عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «كلكم راع، وكلكم مسؤول، عن رعيته، فالأمير راع، والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته».
الباب التاسع والستون في ذكر مَا يحِلُّ لها تناوله من ماله
================================
عن سعد بن أبي وقاص قال: لما بايع رسول الله صلى الله عليه وسلّم النساء قامت إليه امرأة جليلة، كأنها من نساء مضر، فقالت: يا رسول الله، إنّا كَلٌّ على آبائنا وأزواجنا، فما يحل لنا من أموالهم؟ فقال: «الرطب أن تأكلنه وتهدينه».
وعن عائشة ـــ رضي الله عنها ـــ قالت: جاءت هند بنت عتبة، فقالت: يا رسول الله، إنّ أبا سفيان رجل مِسِّيك، فهل عليّ من حرج أن أطعم عيالي من الذي له؟ فقال: «لا، (إلا) بالمعروف».
وعن عائشة ـــ رضي الله عنها ـــ قالت: جاءت هند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله ما كان على ظهر الأرض أهل خباءٍ، أحب إليّ من أن يذلهم الله من أهل خبائك، وقد أصبحت، وما على ظهر الأرض أهل خباءٍ أحبّ إليّ أن يعزهم الله من أهل خبائك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأيضاً والذي نفسي بيده، قالت: يا رسول الله إنَّ أبا سفيان رجل ممسك، فهل عليّ حرج أن أنفق على عياله من ماله من غير إذنه؟ فقال: «لا حرج عليك أن تنفقي عليهم بالمعروفة».
فصل (في أخذ المرأة من مال زوجها)
=====================
واعلم أن فصل الخطاب في هذا الباب، أنه متى كان الرجل يفرض للمرأة ما يجب عليه لها من النفقة، لم يجز لها أن تأخذ من ماله شيئاً، إلا عن أمره، إلا أن تعلم أنه إذا اطلع على ذلك لم يكرهه، وكذلك إن تصدقت بما تعلم أنه يأذن فيه جاز.
فأما إذا علمت أنه يكره ذلك لم يجز لها، وإنما يجوز أن تأخذ مقدار نفقتها بالعدل إذا كان يمنعها ذلك.
الباب السبعون في نَهْي المرأة أنْ تتسخَّط نفقة الرجــل
==============================
عن ابن عباس ـــ رضي الله عنهما ـــ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «رأيت النار، ورأيت أكثر أهلها النساء»، قالوا: ولِمَ يا رسول الله؟ قال: «بكفرهن»، قالوا: أيكفرن بالله؟ قال: «يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئاً، قالت: والله ما رأيت منك خيراً قط».
وعن ابن أبي حسين سمع شهراً قال:
سمعت أسماء بنت يزيد تقول: مرّ بنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ونحن في نسوة، فسلّم علينا، وقال: «إياكن وكفر المنعمين»، فقلنا: يا رسول الله، وما كفر المنعمين؟ قال: «لعل إحداكن تطول أيمتها بين أبويها وتعنس، فيرزقها الله زوجاً، ويرزقها منه مالاً وولداً، فتغضب الغضبة، فتقول: ما رأيت منه يوم خير قط» وقال مرَّة: «خيراً قط».
وعن عبد الحميد، قال:
حدثني شهر، قال: سمعت أسماء بنت يزيد الأنصارية تحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم مرّ في المسجد يوماً، وعصبة من النساء قعود، فألوى بيده إليهن بالسلام، وقال: «إياكن وكفر المنعمين، إياكن وكفر المنعمين»، قالت إحداهن: يا رسول الله، أعوذ بالله يا نبي الله من كفران نِعَمِ اللَّه، قال: «بلى، إنَّ إحداكن تطول أيمتها، ويطول تعنيسها، ثم يزوجها الله تعالى البعل، ويفيدها الولد، وقرّة العين، ثم تغضب الغضبة، فتقسم بالله ما رأيت منه ساعةً خيراً قط، فذلك من كفران المنعمين».
وقال المصنف ـــ رحمه الله ـــ:
وقد ذكرنا في «باب إثم المخالفة» عن الحسن «أن المرأة إذا قالت لزوجها: ما رأيت منك خيراً قط أُحبط عملها».