مسائل يحتاج إليها الحاج والمعتمر
===================
حج الزوجة والأولاد:
ينبغي للمستطيع من الأباء والأولياء العمل على حج من تحت ولايتهم من الأبناء والبنات، لعموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) أخرجه البخاري (7138) ومسلم (1829).
ويتأكد ذلك في حق البنت قبل زواجها ، لأن حجها قبل أن تتزوج سهل وميسور ، بخلاف ما إذا تزوجت فقد يعتريها الحمل والإرضاع والتربية ، فحجها قبل زواجها في غاية المناسبة.
وليس للزوج أن يمنع زوجته من حجة الإسلام لأنها واجبة بأصل الشرع ، وينبغي للزوج إن كان قادراً أن يبادر بحج زوجته ، ولا سيما من كان حديث عهد بزواج ، فيسهل مهمتها إما بسفره معها ، أو بالإذن لأحد اخونها أو غيرهم من محارمها بالحج بها ، وعليه أن يخلفها في حفظ الأولاد ، والعناية بالمنزل ، فهو بذلك مأجور.
الاستنـابة في الحـج:
===========
تجوز الاستنابة في أداء فريضة الحج في حق المستطيع بماله العاجز ببدنه ، بحيث لا يقوى على السير إلى مكة لضعفه ، أو مرضه الذي لا يرجى برؤه ، أو كبر سنه ، وكذا لو قدر على السير ولكن بمشقة شديدة.
وكذا الميت يجب الحج عنه من تركته ، أوصى أو لم يوصِ ، إذا تمكن من الحج في حياته ولم يحج ، لأن هذا دَيْنُ لله تعالى، ودَيْنُ الله أحق أن يقضى ، كما ثبت في السنة.
أما من مات قبل استطاعة الحج ، لعدم تحقق شروطه ، فهذا لا إثم عليه ، ولا دَيْنَ لله تعالى عليه.
وهذا في حج الفريضة، وأما الاستنابة في حج التطوع، فمن أهل العلم من منع ذلك، لأن الحج عبادة، والأصل فيها التوقيف، ولم يرد في الشرع ما يدل على جواز الاستنابة في التطوع، ومنهم من أجاز ذلك قياساً على الفريضة.
وشرط النائب عن غيره أن يكون قد حج عن نفسه حجة الإسلام . ولا يلزم أن يكون حَجُّ النائب من بلد من أنابه ، بل لو أناب من يحج عنه من أهل مكة جاز , وتحج المرأة عن الرجل ، والرجل عن المرأة.
ولا ينبغي أن يكون قصد النائب كسب المال ، فإن الارتزاق بأعمال البر ليس من شأن الصالحين ، بل ينبغي أن يكون قصده الإحسان إلى أخيه بإبراء ذمته ، مع قصد رؤية المشاعر والتعبد فيها ، فهذا محسن ، والله تعالى يحب المحسنين.
وما يعطاه من المال فهو له ، فينفق منه ما يليق به في أكله وشربه ومركبه ، فإن بقي منه شيء أخذه ، وعليه عمل الناس اليوم ، وللفقهاء تفاصيل لا حاجة إلى ذكرها.
وصفة النسك أن ينوي بقلبه الإحرام عن فلان – وهو من أنابه – ثم يقول : لبيك عمرة عن فلان ، أو لبيك حجاً وعمرة – حسب النسك الذي طُلب منه – فإن نسي اسم من قَصَدَ الحج له لم يضرَّه ، وتكفي النية.
ويجب على النائب أن يتقي الله ، ويحرص على تكميل النسك ، ولا يتساهل في شيء منه ، لأنه مؤتمن على ذلك.
ثياب الإحرام:
=======
الإحرام هو نية الدخول في النسك، وليس هو لبس ثياب الإحرام، لأن لبسها تهيؤٌ للإحرام الذي لا ينعقد إلا بالنية، ويستحب إحرام الرجل في إزار ورداء أبيضين نظيفين، تأسياً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، ولأمره بذلك، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما، عند أحمد (8/500) وغيره، بإسناد صحيح.
والإزار:
ما يستر أسفل البدن، ويُشدُّ على الحَقْوَيْنِ (1).
والرداء:
ما يستر أعلى البدن ويوضع على المنكبين.
وأما ما ظهر في الأسواق أخيراً من الإزار المخيط فالذي يظهر أنه لا ينبغي استعماله.
لأنه لما خيط خرج عن كونه إزاراً، لأمرين:
==================
الأول:
من جهة اللغة، فقد ذكر في ( تاج العروس ) (3/11) أن الإزار غير مخيط، ويؤيد ذلك قول الشاعر:
النازلين بكل معتركٍ والطيبين معاقد الأُزُرِ
فالإزار يعقد على الحقوين ولا يخاط.
الثاني:
حديث جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: (إن كان الثوب واسعاً فخالف بين طرفيه، وإن كان ضيقاً فاتزر به) متفق عليه، فبيّن له -صلى الله عليه وسلم- كيفية لباس الصلاة، وهو أنه إن كان الثوب واسعاً ستر به جميع البدن، وإن كان ضيقاً اكتفى بستر أسفل البدن، ومعلوم أنه لو كان مخيطاً لما أمكن فيه ذلك، فدل على أن الإزار اسم لما يستر أسفل البدن وليس مخيطاً.
ما يجتنبه المحرم من اللباس:
================
عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ: ما يلبس المُحرم من الثياب؟ فقال: «لا تلبسوا القُمُص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا شيئاً من الثياب مسَّه الزعفران ولا الورس» أخرجه البخاري (1542) ومسلم ( 1177) واللفظ له، وهذا الحديث من جوامع الكلم، فإنه -صلى الله عليه وسلم- سُئل عمَّا يلبس المحرم؟ فأجاب بما لا يلبس، لبيان أن كل ما عدا هذه المذكورات وما يشابهها فإنه يلبسه المحرم.
وقد ذكر فيه ستة أنواع:
=============
1 – القُمُص:
وهو جمع قميص ، وهو الثوب ذو الأكمام ، ويلحق به ما يشبهه مثل : الكوت ، والقباء ، والفنيلة.
2 – العمائم:
وهي جمع عمامة ، وهي ما يلف على الرأس ، ويقاس عليها الطاقية وما في معناها.
3 – السراويلات:
وهي جمع سراويل ، وه المئزر ذو الأكمام ، ويقاس عليه التبان ، وهو سروال قصير ، ويجوز لبس السراويل لعدم الإزار ، كما ثبت في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
4 – البرانس:
وهي جمع برنس ، وهو الثوب الشامل للبدن والرأس ، ويلحق به العباءة .
5 – الخفاف:
وهي جمع خف ، وهو ما يلبس على القدم ساتراً لها من جلد . ويجوز لبسه لعادم النعلين ، ولا يلزم قطعهما أسفل الكعبين ، لأن الأمر بذلك منسوخ . وهذه الأنواع الخمسة خاصة بالذكور.
6 – الثياب المطيبة بزعفران ، أو ورس:
« وهو نبت طيب الرائحة ، لونه أحمر » ، ويقاس عليهما بقية أنواع الطيب ، وهذا محرم على الذكور والإناث، وضابط ما تقدم أن كل ما خيط على قدر البدن أو على جزء منه، أو عضو من أعضائه فالمحرم ممنوع منه.
وقد اشتهر في كتب المناسك لفظ « المخيط » وهذا لم يرد في السنة، وإنما جرى على لسان بعض التابعين حتى كثر استعماله في كتب الفقه ، فطن كثير من الناس أن المقصود به كل ما فيه خيط ، فطنوا أنه لا يجوز لبس الرداء الموصَّل لقصره ، أو لضيقه ، أو ما خيط لشقٍّ فيه ، وكذا الأحذية والأحزمة التي فيها خيوط، وهذا غير صحيح ، بل المراد به ما تقدم ، وليس المراد ما فيه خيط ، ولو اقتصر الفقهاء على ما ورد في السنة ، وأُلحق به ما أشبهه لكان أوضح ، وأبعد عن الإيهام.
ما تجتنبه المرأة من اللباس:
============
وأما المرأة فتحرم بما شاءت من الثياب، من غير تقيد بلون معين، بشرط ألا تكون ملابس زينة تلفت النظر، أو فيها تشبه كالثوب الأبيض.
وتمنــع من شيئين:
========
الأول:
النقاب، وهو ما يُنقب فيه للعينين ، فلا يجوز لها لبسه.
الثاني:
القفاز، وهو غلاف ذو أصابع تُدخل فيه الكف ، وهو المعروف بشراب اليدين ، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين ) أخرجه البخاري (1542) ومسلم (1177) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وهذا لفظ البخاري (1838).
أما ما تفعله بعض النساء من لبس النقاب وفوقه الحجاب، لقصد رؤية الطريق فالظاهر -والله أعلم- أن عموم النهي عن النقاب يشمله، لتحقق لبسه، فإن قيل: ألا يجوز للحاجة، ولكونه غير ظاهر؟
فالجواب:
أن ما فُعل من محظورات الإحرام للحاجة ففيه الفدية، وكونه غير ظاهر قد لا يؤثر في الحكم، لما تقدم، ويجوز لكل من الرجل والمرأة تبديل ثياب الإحرام وغسلها بعد الإحرام، وأما ظن بعض النساء أن المحرمة تبقى على ثياب إحرامها، وليس لها تبديلها أو غسلها، فكل ذلك لا أصل له، والله أعلم.
الأنساك الثــلاثة:
=======
نقل ابن قدامة : في « المغني » (5/82) إجماع أهل العلم على جواز الإحرام بأيّ الأنساك الثلاثة شاء، وإنما الخلاف في الأفضل، وأفضل الأنساك في حق من لم يسق الهدي هو التمتع -وهو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ، ثم يَحِلُّ منها، ثم يحرم بالحج في اليوم الثامن-.
وأما من ساق الهدي فالأفضل في حقه القِران -وهو أن يحرم بالعمرة والحج معاً من الميقات-، وهو نسك النبي -صلى الله عليه وسلم-، لأنه -صلى الله عليه وسلم- أمر أصحابه بالتمتع، وقال: «لولا أن معي الهدي لأحللت» وفي لفظ: «ولولا هديي لحللت كما تَحِلُّون» أخرجه البخاري (1651-7367) ومسلم (1216).
فإن أحرم بالقِران وليس معه هدي جاز ، لكن عليه هدي على أحد القولين لأهل العلم ، قياساً على المتمتع، لأنه في معناه.
ولا فرق في حكم التمتع والقِران بين أهل مكة وغيرهم من أهل الآفاق، إلا أن أهل مكة لا هدي عليهم، لكونهم حاضري المسجد الحرام، على أحد الأقوال، وهو أن الإشارة في قوله تعالى: "ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام" راجعة إلى الهدي والصوم.
أما من أحرم بالحج وحده -وهو المفرد- وكذا القارن الذي لم يسُق الهدي، فإنه يستحب في حقه أن يفسخه إلى عمرة، كما هو مذهب الإمام أحمد: وذهب جماعة من أهل العلم إلى وجوب الفسخ ، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر أصحابه بذلك.
فإن ضاق الوقت كمن أحرم صبح يوم عرفة فهذا يُحتمل أن يقال: بإمكان تمتعه، ويحتمل أن يقال: بأن يحرم مفرداً أو قارناً، وهذا هو الأظهر، لأن صورة التمتع غير ظاهرة في حقه، لقوله تعالى: "فمن تمتع بالعمرة إلى الحج" وعلى هذا فيبقى على نسكه ، ولا يشرع له الفسخ ، لضيق الوقت ، ولأن الإفراد أحد الأنساك الثلاثة ، ولا سيما في حق من يفرد للعمرة سفراً مستقلاً ، والله تعالى أعلم.
والمتمتعة التي أحرمت بالعمرة إذا حاضت قبل الطواف وخافت فوات الحج بأن لم تطهر حتى يوم عرفة فإنها تحرم بالحج وتصير قارنة، وهكذا لو خشي غيرها فوات الحج أحرم وصار قارناً، لفعل عائشة -رضي الله عنها-.
صـلاة الإحــرام:
=======
يرى أكثر أهل العلم استحباب ركعتين قبل الإحرام، تأسياً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، فإنه أحرم في حجة الوداع بعد فريضة، والذي يظهر -والله أعلم- أنه إن وافق الإحرام وقت فريضة فأحرم بعدها فحسن، وكذا لو أحرم بعد صلاة تطوع اعتادها كركعتي الضحى، وإلا فليس للإحرام صلاة تخصه، فيحرم بدون صلاة؛ لأنه لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك شيء، لكن من أحرم من ذي الحليفة سُنَّ له أن يصلي ركعتين ؛ لحديث عمر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوادي العقيق، يقول: (أتاني الليلة آتٍ من ربي، فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرةٌ في حجة) أخرجه البخاري (1534).
وظاهر هذا أن هذه الصلاة خاصة بهذا المكان ، لبركته ، لا لخصوص الإحرام ، فإنه يحتمل أن المراد صلاة الفريضة لا صلاة ركعتي الإحرام ، ويحتمل أن المراد الصلاة لأجل الإحرام ، لكن لا يثبت هذا الحكم في المواقيت الأخرى ، والله أعلم.
استعمال الصابون للمحرم:
===========
يجوز للمحرم أن يستعمل الصابون لإزالة الوسخ أو الدسم ونحو ذلك، لأنه لا يسمى طيباً، ولا يُعَدُّ مستعمله متطيباً، وكذا يجوز له أن يستعمل في غسل رأسه المستحضرات الحديثة، وقد أجاز الفقهاء شمَّ ما نبت بنفسه مما له رائحة طيبة، كالشيح والخزامى ونحوهما مما لا يُتخذ طيباً، أو ما ينبته الآدمي كالريحان الفارسي -وهو الحَبَقُ- ومثله النعناع.
وأما الزعفران فهو طيب ، لذا فالأحوط تركه في القهوة ما دام محرماً ، وقد ورد نهي المحرم عن الثوب الذي مسَّه زعفران . وله استعمال الهيل والقرنفل في القهوة ، لأنهما لا يدخلان في مسمى الطيب.
ويجوز للمحرم الادهان في بدنه بالزيت ونحوه من المستحضرات الحديثة ، وأما دهن رأسه ففيه خلاف مشهور ، وتركه أولى.
الاضطبــــــاع:
======
هو أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن، وطرفيه على عاتقه الأيسر، وهذا من سنن طواف القدوم -وهو أول طواف يأتي به القادم إلى مكة- والاضطباع محله إذا أراد الطواف، وليس كما يفعله كثير من المحرمين، من الاضطباع منذ أن يحرم إلى أن يخلع ثياب الإحرام ، فهذا لا أصل له ، فينبغي التنبه له ، والتنبيه عليه، قال ابن عابدين في « حاشيته » (2/512): ( والمسنون الاضطباع قبيل الطواف إلى انتهائه لا غير ).