المسألة السادسة عشرة
(القدر والليل).
أن الله جل وعلا خلق كل شيء فقدره تقديرًا ومن ذلك أنه يقدر الليل والنهار (والله يقدر الليل والنهار).
فيا أيها العبد:
1) اجتهد في أن تملأ ليلك ونهارك بما ينفعك من أمور الدنيا والآخرة وكن حريصا ً على الاستكثار من طاعة ربك في الليل والنهار ومن ذلك:
أ. أكثر من قراءة القرآن وقد قال تعالى: ((والله يقدّر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤوا ما تيسّر من القرآن)) وقال تعالى: (( فاقرؤوا ما تيسر منه)) وفي حديث أبي أمامة أنّه صلى الله عليه وسلم قال: (اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه)) رواه مسلم.
ب. قم من الليل "تهجّد" فقد قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: (( إن ربك يعلم أنّك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك)) وأفضل القيام أن تقوم ثلثي الليل بعد نصفه الأول وقد قال صلى الله عليه وسلم: (( أفضل الصلاة صلاة داوود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه)) رواه الشيخان.
ج. استغل ثلث الليل الآخر في الاستغفار والتوبة وسؤال الله والدعاء وفي صحيح مسلم عنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ » وقال تعالى: ((علم أن لن تحصوه)).
د. اعلم أن هذا الليل هو جزء من عمرك الذي قدّره الله لك وقد تكون هذه الليلة هي آخر ليلة ٍ من حياتك فتضرع فيها إلى ربك وأكثر من سؤاله والتوبة إليه والإنابة فعسى أن توافق ساعة الإجابة في ليلتك وفي حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((إن في الليل لساعة لا يوافقها عبدٌ مسلم يسأل الله فيها خيرا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إيّاه وذلك كل ليله)) رواه مسلم.
ه. أكثر من الاستغفار وقت السحر وقد قال تعالى: ((والمستغفرين بالأسحار)) واعلم أن وقت السحر هو من عمرك فاستغلّه في القيام إذا كنت في سفر وفي مسند أحمد بن حنبل عن أبي العلاء بن الشخير عن بن الأحمس قال لقيت أبا ذر فقلت له بلغني عنك انك تحدث حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أما انه لا تخالني أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما سمعته منه فما الذي بلغك عنى قلت بلغني انك تقول ثلاثة يحبهم الله وثلاثة يشنؤهم الله عز وجل قال قلت وسمعته قلت فمن هؤلاء الذين يحب الله قال الرجل يلقى العدو في الفئة فينصب لهم نحره حتى يقتل أو يفتح لأصحابه والقوم يسافرون فيطول سراهم حتى يحبوا ان يمسوا الأرض فينزلون فيتنحى أحدهم فيصلى حتى يوقظهم لرحيلهم والرجل يكون له الجار يؤذيه جواره فيصبر على أذاه حتى يفرق بينهما موت أو ظعن قلت ومن هؤلاء الذين يشنؤهم الله قال التاجر الحلاف أو قال البائع الحلاف والبخيل المنان والفقير المختال.
و. كن قائمًا بالطاعات الواجبة بالليل ومنها صلاة العشاء والمغرب وأدِّها كما أمر الله عزّ وجل بطهارتها وأركانها وواجباتها وخشوعها وأدٍّ الحقوق التي عليك بالليل واحذر من التفريط فيها.
المسألة السابعة عشرة
(القدر والنهار).
إن الله جل وعلا هو الذي يقدر الليل والنهار فليعلم العبد أنهما من عمره الذي يعيشه وأن هذا النهار هو جزء من حياته.
فيا أيها العبد:
1) اجتهد في القيام بما اوجب الله عليك في النهار من الصلوات وغيرها وقم بأشغالك وحوائجك في النهار لتتفرغ بالليل للصلاة ولا تملأ وقتك كله بأعمال الدنيا حتى لا تترك لك فرصة لأعمال الآخرة وقد قال تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لك في النهار سبحًا طويلاً) أي تصرفًا وتقلبًا وإقبالاً وإدبارًا في حوائجك وأشغالك.
2) إذا علمت أن هذا النهار (هذا اليوم الذي تعيشه) هو من عمرك (حياتك) فاستغله في طاعة ربك من النوافل بعد الفرائض ومن هذا النوافل:
أ. الصيام وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أحب الصيام إلى الله صيام داود وكان يصوم يوما ويفطر) رواه الشيخان.
أو تصوم ثلاثة أيام من الشهر وهي أيام البيض أو غيرها أو تصوم الاثنين والخميس وكل صوم جاءت به السنة الصحيحة.
ب. الصلاة ومنها (صلاة الضحى) وفي حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى أربعًا ويزيد ما شاء الله) رواه مسلم.
وإن لم تصل الضحى أربعا فصلها ركعتين واعلم أن لها من الفضل أنها تجزئ عن ثلاثمائة وستين صدقة وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِى الأَسْوَدِ الدُّؤَلِىِّ عَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلاَمَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنَهْىٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى ».
ج. السنن الراتبة ومنها أربع قبل الظهر وركعتان بعدها والسنن غير الراتبة ومنها أربع قبل العصر وفي حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم: (رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا)رواه أبو داود والترمذي "حسن".
د. كفارة المجلس سواء بالليل أو بالنهار وفي المستدرك على الصحيحين للحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس إلا قال: سبحانك اللهم ربي وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك فقلت له: يا رسول الله ما أكثر ما تقول هؤلاء الكلمات إذا قمت قال: لا يقولهن من أحد حين يقوم من مجلسه إلا غفر له ما كان منه في ذلك المجلس.
هـ. قل في المجلس مائة مرة (رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور) وفي مسند أحمد بن حنبل عن ابن عمر: إن كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس يقول رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور مائة مرة.
المسألة الثامنة عشرة
(قل إن الأمر كله لله ونحن عبيده).
اعلم أيها المسلم أن الأمر كله لله وإنا عبيده بنو عبيده بنو إمائه وقد قال تعالى: (قل إن الأمر كله لله).
فيا أيها العبد:
1) جرد نفسك لعبودية الله في أعمالك وأقوالك وقصدك واجعل ذلك محط اهتمامك واعلم أنك عبد قد قدر الله لك أو عليك كل ما يتعلق بحياتك وموتك وجميع شأنك فالجأ إليه وأقبل عليه مطيعًا خاضعًا متذللاً مخبتًا راغبًا فيما عنده خائفًا منه واجعل هم المعاد "الآخرة" نصب عينيك ليكفيك الله سائر همومك ولا تتشعب همومك للدنيا فتهلك.
وفي سنن ابن ماجه عن عبد الله سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ جعل الهوم هما واحدًا هم المعاد كفاه الله هم دنياه . ومَنْ تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديته هلك).
2) إذا عرفت أنك عبد لربك فتوسل إليه معترفًا بعبوديتك له وأنه خالقك وربك وأنك على عهده ووعده في حدود استطاعتك.
وفي صحيح البخاري شداد بن أوس رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم (سيد الاستغفار أن تقول اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت . قال ومن قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة).
3) أنك أيها العبد ملك لله وحكمه ماض فيك وأمرك بيده فتوجه إليه بما جاء في صحيح ابن حبان عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما قال عبد قط إذا أصابه هم أو حزن: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدًا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور بصري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله همه وأبدله مكان حزنه فرحًا) قالوا: يا رسول الله ينبغي لنا أن نتعلم هذه الكلمات؟ قال: (أجل ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن).
4) أن كل الأمر بيد ربك وخالقك سبحانه وأنت محتاج إليه أن يمدك بالخير فكل خزائن الخير بيده جل وعلا وأنت المحتاج أن يعيذك من الشر فتوجه إليه أن يحفظك بدينه "الإسلام" وان يكرمك ويعطيك من الخير وفي حديث ابن مسعود: ( أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو: "اللهم احفظني بالإسلام قائمًا، واحفظني بالإسلام قاعدًا، واحفظني بالإسلام راقدًا، ولا تشمت بي عدوًا حاسدًا، واللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك، وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك) رواه الحاكم "حسن".
5) أن كل الأمور بيد الله سبحانه ومن ذلك الشفاء فاسأل الله أيها المريض ربك أن يُذهب عنك البأس وأخلص له في ذلك وفي حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان يرقي بهذه الرقية "اذهب البأس رب الناس بيدك الشفاء لا كاشف له إلا أنت") رواه الشيخان واللفظ لمسلم.
المسألة التاسعة عشرة
(القدر والموت).
أن الله تعالى قدَّر كل شيء ومن ذلك الموت كما قال تعالى: (نحن قدرنا بينكم الموت).
فيا أيها العبد:
1) إذا علمت ان الموت مقدر مكتوب عليك فتذكر أنك مأمور بعبادة الله وطاعته حتى ينزل بك الموت وقد قال تعالى: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) يعني الموت.
2) ما دمت تعيش في هذه الحياة ولم يصل أجلك (الموت) فاحرص على أمرين هامين:
أ) ازدد من الخير في كل عمل صالح، وابتعد عن الذنوب.
ب) اعتذر إلى الله بالتوبة والاستغفار.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ولا يتمنين أحدكم الموت إما محسنًا فلعله أن يزداد خيرًا وإما مسيئًا فلعله أن يستعتب) رواه البخاري.
3) لا تستعجل الموت فإن له وقتًا مقدرًا قد قضاه الله عز وجل ولا تتمن الموت ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه فإن كان لا بد فاعلا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي).
4) اعلم أنك مملوك لله فالأمر كله لله فإذا مات قريبك أو ولدك فذلك قدره الذي قدره الله له فالله هو الذي أعطى وهو الذي أخذ ما أعطى فاصبر واحتسب وفي صحيح البخاري عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم إليه إن ابنا لي قبض فائتنا فأرسل يقرىء السلام ويقول: (إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب).
5) اعلم أن أجلك مكتوب مقدر وأنت في بطن أمك فلن تتقدم أو تتأخر وقد قال تعالى: (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) وفي حديث انس أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله عز وجل قد وكل بالرحم ملكًا. فيقول: أي رب! نطفة. أي رب! علقة. أي رب! مضغة. فإذا أراد الله أن يقضي خلقًا قال الملك: أي رب! ذكر أم أنثى؟ شقيٌ أم سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فيُكتب كذلك في بطن أمه) رواه الشيخان.
المسألة العشرون
(القضاء والشفاعة)
إن القدر لا يتخلف ولكن العبد لا يتكل على مجرد القدر.
ولذا أيها العبد:
1) قم بعمل الخير لنفسك ولإخوانك المسلمين باذلا الأسباب في الحصول على كل خير واعلم أنك تؤجر على ذلك حتى وإن لم يحصل ما بذلت السبب لحصوله ومن ذلك الشفاعة لأخيك فقم بها ,وفي حديث أبي موسى أنه صلى الله عليه وسلم قال: (اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء) رواه الشيخان.
2) إذا كان عندك شيء فسألك أحد أن تعطيه فمنعته أو أخرت ذلك ليشفع له آخر فيؤجر حرصا منك على حصول الأجر لذلك الشافع فهذا أمر طيب وفي حديث معاوية بن أبي سفيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرجل ليسألني الشيء فأمنعه حتى تشفعوا فيه فتؤجروا وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اشفعوا تؤجروا) رواه النسائي.
3) إذا شفعت لأخيك شفاعة فاعلم أن ما حصل هو بفضل الله ورحمته الذي يسر لك هذا الأجر فلا تقبل من أخيك هدية على شفاعتك له وفي حديث أبي أمامة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها منه فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا) رواه أحمد وأبو داود "حسن".
4) إذا جاءك من يرغب أن تشفع له عند شخص آخر في موضوع مشروع أو مباح فلا تعتذر بحجة أن هذا الرجل لا يقبل شفاعة أحد لأنه قد ييسر الله الخير على يديك فيقبل شفاعتك وإن لم يقبل كتب لك أجرًا والنبي صلى الله عليه وسلم قال لبريرة شافعًا لزوجها عندها: لو راجعتيه؟ قالت يارسول الله أتأمرني؟ قال: إنما أنا شافع. قالت: لا حاجة لي فيه) رواه البخاري.
5) اعلم أن الشفاعة يوم القيامة إنما تكون بإذن الله عز وجل ورضاه كما قال تعالى:(إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى).