| أعمال المستشرقين مصدراً من مصادر المعلومات عن الإسلام والمسلمين | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51224 العمر : 72
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51224 العمر : 72
| موضوع: رد: أعمال المستشرقين مصدراً من مصادر المعلومات عن الإسلام والمسلمين الأربعاء 07 فبراير 2024, 12:57 am | |
| مشكلة البحث: ومن أبرز الجهود على الساحة العلمية والثقافية الإسلامية اليوم قبل الأمس ولوج المستشرقين التراث والكتابة عنه دراسة وتحقيقاً ونشراً وتبويباً وتصنيفاً وتكشيفاً، حيث وصلت مؤلفاتهم في فترة مائة وخمسين سنة (1800 – 1950م) إلى ما يربو على ستين ألفاً بين كتاب ومقالة في الفلسفة والتاريخ والتصوف وتاريخ الأدب واللغة العربية[27].
ونحن بحاجة اليوم إلى إحصاء ما كتبوه في النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي[28]. وهو عمل أسهل بكثير من إحصاء الناتج الفكري في الفترة السابقة، حيث تطورت أدوات الحصر الوراقي (الببليوجرافي) وانتشرت المعرفة بحكم تقنية المعلومات[29].
ويضاف إلى هذا إصدار أكثر من خمسمائة (500) دورية ذات علاقة بالاستشراق، وإصدار أكثر من ثلاثمائة (300) دورية متخصصة به[30]. ومنها ما يحمل عنوانات لها جاذبية للمسلمين أنفسهم. أما المعاهد والمراكز التي تهتم بالاستشراق والدراسات العربية والإسلامية فهي اليوم تعد بالمئات في آسيا وأوربا واستراليا وأمريكا[31]. ونحن بحاجة إلى مزيد من التقويم الموضوعي لهذه المعاهد من خلال إسهاماتها، إذ لا يكفي أن نتخذ موقف المدافع الذي يترقب سهماً فيحتمي دونه، أو رصاصة فيهرب منها، أو صاروخاً فيطلق عليه آخر مضاداً له! ولكننا في الحق لا ندري كيف نبدأ. هل نبدأ بتصحيح الأخطاء التي وقع بها المستشرقون عمداً أو عن غير قصد؟ إذاً لا نكون قد خرجنا عن موقف الدفاع. هل نتهجم على المستشرقين ونطلق عليهم عبارات بعيدة عن الروح العلمية القادرة على المواجهة والإقناع؟ إذاً نحن نغالط أنفسنا، لأن القوم مستمرون في طريقهم، ولا تصلهم رشاقتنا، هل نفتح باباً للحوار المباشر وننشر لهم أعمالهم ونعقد المؤتمرات معهم في ديارهم وفي ديارنا؟ وهنا نقف عاجزين إذا ما قابلناهم بالشعور أنهم متفوقون علينا، وتكون نظراتنا له نظرات المستجدي الذي يطلب من الطرف المتفوق عليه سماع ما لديه، ليس فقط الاستماع له من طرف واحد، وهنا تبرز أمامنا مشكلة الثقة، كما تبرز أمامنا مشاعر مختلطة قوامها أن القوم ضدنا، فهم يريدون التأثير علينا لا التأثر بنا. ويبدو أن المجال هنا غير محدد في مدى السماع منهم ولهم، ويبدو أن معظمهم قد حددوا موقفهم منا، فيقربون منها من يسير على نهجهم ويبدو عليه تأثيرهم، كما يبدو عليه شيء من القدرة على أن يسهم في هذا النهج[32].
ولذا نراهم أبعدوا من دائرتهم ذلك الباحث الذي كتب رسالة الماجستير عن أمهات المؤمنين – رضي الله عنهن – كتابة إسلامية، فلم يتيحوا له الاستمرار في الدراسة ناصحين إياه أن يتوجه إلى (الأزهر) إذا كان سينظر إلى موضوعات الدراسة هذه النظرة[33].
وكانوا يتوقعون منه أن يسهم في شيء يغير فيه النظرة – ولو قليلاً – حول زوجات الرسول –عليه السلام– ؛ وبخاصة منهن من كان لها التأثير القوي على المجتمع المسلم إلى اليوم مثل ((عائشة بنت أبي بكر الصديق))، و((خديجة بنت خويلد)) – رضي الله عنهما – ومن كان لهن إسهام في رواية الحديث، فما استطاعوا أن يملوا على الباحث الكفيف وجهة نظرهم في هذا المجال. ولم يستطيعوا تشكيله ثقافياً في ضوء رؤيتهم المحدودة ولم يتمكنوا من أن يملوا عليه وجهة نظرهم بشكل أو بآخر[34].
وإذ لم يوفقوا إلى كثير من التلاميذ العرب والمسلمين فإن هذا يعد عندهم هدفاً ثانوياً وإن كان يدخل – أيضاً – في الغاية الثانية المذكورة سلفاً، ومع هذا فالأدبيات حول الاستشراق تتحدث عن التلاميذ وتذكرهم بالاسم، وتبين مدى تأثرهم بأساتيذهم من المستشرقين[35].
وإذ لم يوفقوا إلى كثير من التلاميذ العرب والمسلمين فقد نجحوا في التأثير على مجتمعاتهم فيما يتعلق بالنظرة إلى الإسلام وإلى نظام الإسلام في الحياة. وكان التأثير منطلقاً للنظرة إلى المجتمع المسلم المعاصر، حيث يبرز تأثر المثقفين العرب تأثراً غير مباشر بهؤلاء المستشرقين، وإنما التأثر ينصب على الأفكار التي جاء بها المستشرقون فساحت وانتشرت آخذة سبلاً وقنوات عدة في هذا التأثير، وكان هذا أسهل بكثير من التلقي المباشر لهذه الأفكار على أيدي المستشرقين وفي معاهدهم، فكان أن أسهموا في الفجوة بين المسلم وثقافته. وهذا واضح في كثير من الإسهامات التي اعتمدت على دراسات المستشرقين مراجع لها في مادتها العلمية.
وذكر أسماء مؤلفات بعينها متأثرة بهذه الدراسات قد يعني الحصر أو يوحي به، والحصر غير ممكن. وبالإمكان إعادة قراءة إسهامات ((طه حسين)) في السيرة والخلفاء الراشدين والوعد الحق، وإسهامات ((أحمد أمين)) في فجر الإسلام وضحاه وظهره ويومه، وغيرها كثير جداً إلى أن نصل إلى الأكثر منها سطحية مع بروزه – سياسياً – على الساحة وهو إسهام الكاتب المسلم الأصل الهندي المولد البريطاني الجنسية ((سلمان رشدي)) في روايته (آيات شيطانية). فهذا نموذج بارز وواضح التأثر، وإن كان التأثر قد صيغ بشكل غال جداً، ولكنه يذكر دائماً بأعمال المستشرق البريطاني ((مونتغمري وات)) عن النبي –صلى الله عليه وسلم– (محمد في مكة) و(محمد في المدينة) و(محمد النبي القائد). بل ربما ذهب الزعم إلى حد أن عنوان الرواية نفسه مستقى من فصل من فصول كتاب (محمد في مكة) إذ يأتي الفصل الخامس من الكتاب متحدثاً عن تنامي المعارضة للرسول –عليه السلام–، وكل فصل من الكتاب مقسم إلى مباحث، والمبحث الأول من الفصل الخامس يركز على بدايات المعارضة The Beginning of Opposition وفي هذا المبحث مما يتبع العنوان عبارة هي نفسها عنوان الرواية ((The Satanic Veصلى الله عليه وسلمses )) ويتحدث فيها ((مونتغمري وات)) عن قصة الغرانيق[36].
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51224 العمر : 72
| موضوع: رد: أعمال المستشرقين مصدراً من مصادر المعلومات عن الإسلام والمسلمين الأربعاء 07 فبراير 2024, 12:58 am | |
| أسئلة البحث: وحيث فشا الاعتماد على إسهامات المستشرقين في مجالات عدة كالدراسات والتحقيق والنشر والتكشيف والفهرسة، فإن السؤال هنا ماهو مدى الاعتماد على هذه الإسهامات في الكتابة عن الإسلام والمسلمين؟ وما مدى عملية إسهامات المستشرقين في الحديث عن الثقافة الإسلامية؟ وهل يمكن الاعتماد على هذه الإسهامات مصدراً موثوقاً من مصادر المعلومات عن الإسلام وعن تراث المسلمين؟ وهل تكتسب الأعمال العلمية التي يقوم باحثون مسلمون علمية أكثر إذا ما اقتبست من أعمال المستشرقين أو استشهدت بآرائهم؟ وهل بالإمكان قبول اقتباسات المستشرقين واستشهاداتهم من أمهات الكتب العربية دون التوثيق أولاً، اعتماداً على أن منهجيتهم في البحث والدراسة قد أملت عليهم قسطاً كبيراً من التجرد والموضوعية؟ ثم هل يمكن الاستغناء عن إسهامات بعض هؤلاء المستشرقين في هذا المجال بعد أن يتبين للباحثين والدارسين المسلمين أخطاء كثيرة وقع فيها المستشرقون تحول دون قبول ما وصلوا إليه من نتائج؟ وهل يمكن تصحيح هذه الأخطاء من خلال حوار مباشر أو غير مباشر مع المستشرقين بعامة يُدَعون فيه إلى مزيد من الموضوعية ومن العلمية والتجرد؟ وهل المستشرقون قابلون لهذا الحوار ولديهم الرغبة في تصحيح الأخطاء التي وقع فيها أترابهم؟ أو عندهم الرغبة في عدم الوقوع فيها من خلال نقلهم عن أترابهم؟.
ولا يتوقع لهذه الوقفة أن تجيب إجابة شافية ومقنعة عن جميع هذه الأسئلة. ولعله يكتفى منها بإثارة الأسئلة والتدليل على إمكان الإجابة عن جزء منها سعياً إلى الاستمرار في الإجابة على جزء كبير منها، مع التأكيد على أن جهوداً للمستشرقين تدخل في جانب الإسهامات المحمودة التي لا ينبغي إغفالها أو تناسيها، فلم تكن إسهامات المستشرقين كلهم سيئة أو متحاملة على تراث المسلمين وثقافتهم، وهذا في النهاية يؤدي إلى عدم القدرة على تعميم النتائج على ظاهرة الاستشراق. ولعل هذا سر من أسرار عدم الاتفاق بين الباحثين والدارسين والمفكرين والعلماء المسلمين على موقف موحد تجاه المستشرقين قدمائهم ومحدثيهم.
مصادر المعلومات عن التراث: ومنذ انطلاقة التدوين، في بداية البعثة المحمدية ثم التجميع في عهد الخلفاء الراشدين ثم التصنيف والتبويب في القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي) إلى نهاية القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي)، والمسلمون في رصد مستمر للتراث في أعمال موسوعية أو موضوعية في العلوم الإنسانية والاجتماعية والطبيعية والطبية والرياضية وسائر المعارف. ومنذ انطلاقة التدوين من قرطبة غرباً إلى سمرقند شرقاً والمكتبات الإسلامية مجال للتنافس بين الولاة والأمراء[37] وهناك مظاهر كثيرة ذكرها دارسو التراث حول مجالات التنافس.
وليس الغرض من هذه الوقفة استعراض الجهود العلمية للمسلمين، إذ سيدخل هذا في الجانب الدفاعي والاعتذاري الذي لجأ إليه بعض المتحمسين للثقافة الإسلامية عندما أرادوا أن يلفتوا أنظار الآخرين لها[38].
ولكن الغرض من هذه الوقفة التأكيد على أن المعلومات التراثية كانت موضع اهتمام المسلمين أنفسهم، على أقل تقدير في القرون الثمانية التي حددت بين القرنين الثاني والتاسع الهجريين، ومعظم الأعمال التي جاءت بعد القرن التاسع الهجري أخذت طابع الشروح والتعليقات والتلخيصات[39]
وكل ما يدور حول مصادر المعلومات عن التراث، إلى الوصول إلى التحقيق والنشر في القرنين الأخيرين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين، مع عدم إغفال الجهود العلمية التي ابتُدئت ابتداءاً، ولكن الطابع العام في هذه القرون التالية كان يهمس إلى الدارسين والمؤلفين أنهم بطريقة أو بأخرى عالة على علماء السلف.
ولا يعني هذا أن الخلف لم يكونوا على مستوى التفكير وتأليف الأعمال العلمية ابتداءاً، ولو كان هذا المقصود لوقعنا في محظور هو مجرد ردة فعل لأولئك المتعلقين بالثقافات الحديثة على حساب الماضي. ولكننا نقدر هنا أن بعض الأعمال العلمية ذات الصبغة التراثية تستمد معلوماتها من مصادر التراث التي ألفها السلف في زمن النهضة العلمية، ثم أُخضع شيء منها للشرح أو الاختصار أو التعليق في زمن الشروح والاختصارات[40].
فيأتي زمننا – وهو المعد زمن العودة إلى النهضة فيبتدئ أعمالاً علمية تقر بالفضل لما أسهم به علماء السلف فتكون امتداداً لهذه الإسهامات.
ومع أن هذه الوقفة مع مصادر المعلومات عن التراث تحاول التأكيد على وجود الأساس، وهو المصادر إلا أنها لا تملك إلا أن تذكر للمستشرقين جهودهم في إظهار شيء من هذه المصادر خاصة في مجال النشر أو الطبع الابتدائي دون تحقيق[41].
إلا أن هذه الجهود تحتاج إلى تمحيص ودراسة متأنية يبين فيها مدى هذه الجهود ونوعية التركيز على المجالات. وفيما يلي من الصفحات إشارات سريعة إلى مثل هذا. وفيها وقفات على نماذج محدودة جداً من الدراسات ثم النشر والتحقيق فالترتيب والتكشيف، وعينات محدودة جداً كذلك من المنشور أريد منها التمثيل فقط. ولم يرد من هذا التعميم، ولكنها وقفات تفتح المجال إلى مزيد منها في سبيل الوصول إلى حكم قابل للتعميم مما يحتاج معه إلى مزيد من البحث والغوص والتحليل.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51224 العمر : 72
| موضوع: رد: أعمال المستشرقين مصدراً من مصادر المعلومات عن الإسلام والمسلمين الأربعاء 07 فبراير 2024, 12:59 am | |
| مصدرية الاستشراق: والمقصود هنا هو مناقشة أعمال المستشرقين للنظر في مدى الاعتماد عليها مصدراً من مصادر المعلومات في الدراسات العربية والإسلامية. وهل تصل هذه الأعمال إلى درجة من الثقة يمكن معها الاستشهاد بها؟ وقد ذكرت أن قسطاً من الإسهامات العربية في مجالات التراث قد بدا عليها التأثر غير المباشر، وكان لهذا التأثر أثره في الفجوة بين المسلم وثقافته. هذه الفجوة التي حفرها المستشرقون بالغوص في معلومات التاريخ ينقلونها من مصادر معلومات عربية معتمدة عندنا على أنها من ((أمهات الكتب)) ولكنهم بغوصهم هذا يعتمدون سوء النقل وسوء الاقتباس وسوء الاستشهاد ضاربين صفحاً عن مفهومات علمية كالأمانة والدقة والتجرد والموضوعية.
وهم بهذا يلجأون إلى المعلومات الغربية غير الموثقة في أمهات الكتب العربية فيتكئون عليها. وتراهم يحيلونك إلى المصادر التي يستشهدون بها أو يقتبسون منها ببياناتها الوراقية (الببليوجرافية) التامة، فتعود إلى هذه الإحالات في هذه المصادر فلا تجد لها أثراً فيها، أو ربما يتبين لك عندما تعود للموضع المستشهد به أو النص المقتبس منه أنه على خلاف تام ومناقض للمقصود من الاستشهاد أو الاقتباس. أو ربما يتبين أن في الأمر تحريفاً أو تصحيفاً مع الرجوع إلى المصادر العربية التي تترك عند القاريء أثراً بأن المستشرقين قد اعتمدوا على مصادرنا في تعضيد أفكارهم التي يسعون إلى الإتيان بها. أو تراهم من وجه رابع يسعون إلى تفسير بعض المعلومات بما يؤمنون به هم أو بما يريدونه من المتلقين أن يؤمنوا به إزاء معلومات حول حادثة تاريخية لها مساس بالثقافة والخلفية الفكرية والعلمية التي يتبناها المسلم في حياته. وكل هذه الأساليب لها أمثلة في الإنتاج الفكري للمستشرقين، وتساق لها أمثلة هنا. وربما دعا الأمر إلى الوقوف على كل أسلوب على حده ودراسته واسعة والخروج بالنتيجة التي تمليها الدراسة وتجيب على سؤال من أسئلة البحث، فيصدق السؤال البحثي، أو تثبت عدم صحته. وهذه نماذج لما ينبغي أن تكون عليه الدراسة أو لما يتوقع أن تكون عليه الدراسة.
في مجال الدراسات: 1 – كتاب (النظام والفلسفة والدين في الإسلام) لهاملتون جب[42] مليء بالمغالطات التي لا تغيب عن ذهن القاريء العادي. ومع أنها تحتاج إلى وقفة طويلة مستقلة إلا أن هذه ومضات سريعة لما يذكره المؤلف المستشرق حول القرآن الكريم، والرسول الكريم –عليه السلام– يقول: أ – ((سأتحدث في المقالة الثانية عن المسارب الجديدة التي يسرها القرآن للطاقات الشعورية والخيالية لدى العرب[43] وعن أثرها في المواقف الدينية الإسلامية. أما في هذا المقام فإن ما يهمنا هو جمهور العرب الوثنيين الذين تقبلوا التعاليم القرآنية دون أن يتخلوا تمام التخلي عن معتقداتهم القديمة. فكان ما حققه محمد لديهم هو أنه فرض قوة سيطرة عليا باسم (الله القوي المتعال)[44] وجعلها فوق ما عندهم من حصيلة (نسميه)[45] وبذلك ظل الموروث العربي القديم قائماً تحت هيمنة ذلك القادر الأعلى، وظل لديهم إيمانهم بالسحر وبالقوى الغيبية، وبخاصة الشرير منها كالجن وبالقرينة أو التابع – كل هذه المعتقدات وأشباهها ظلت قائمة مصبوغة بصبغة إسلامية تكثف هنا أو ترق هناك، لتلعب دوراً كبيراً في أفكار المسلمين من العالم))[46].
ب – ((وبما أن كل دين يظل في قاعدته مرتبطاً بالحياة التخيلية فإنه لا يستطيع أن يمس الروح دون توجه نحو الحواس والمشاعر. وإذا لم تكن الحواس متنبهة، ولم تستثر شعائره ورموزه استجابة شعورية بقي الدين هيكلاً من التعاليم العقائدية والأخلاقية. وظل مفتقراً إلى الروح والرؤى، ليس الفن فحسب خادماً للدين، بل هو حارس قدس أقداسه.
وذلك هو الحال أيضاً بالنسبة للمسلم، فالذي يمنح القرآن قوة على تحريك قلوب الناس وتشكيل حياتهم ليس محتواه من مباديء ونذر[47] وإنما هو سياقه اللفظي، إذ يتكلم كأسفار النبوءات في التوراة بلغة الشعر[48] وإنما لم يخضع لقيود الشعر من وزن وقافية))[49].
ج – ((إن الكنيسة المسيحية لجأت إلى عون الموسيقى لتعلي من التوتر الشعوري في الصلوات، وإن الإسلام كذلك طور في القراءة المرتلة للقرآن كي يشحذ من قدرته على اجتذاب الخيال والشعور. والفرق بين الفنين الموسيقيين لدى الدينين لافت للنظر حتى إنه يستحق أن يكون موضع تحليل ممتع. ولكنه يجب ألا يحجب وجه الحقيقة هنالك، وهي أن الغاية القصوى واحدة في الحالتين[50].
د – ((سعينا في الفصل السابق[51] لنبين أن القرآن سجل لتجربة محمد الحدسية من ناحية. وأنه المنبع الذي يعود إليه المسلم بين الحين والحين لينعش رؤاه الروحية من ناحية أخرى))[52].
هـ – ((في التصوف قاعدة فعالة هي قدرته على استثمار التجربة الدينية على نحو منظم، وهو ينشأ كعلم الكلام في مرحلة راقية من مراحل التطور الديني. ولم يكن في القرن الأول من تاريخ الإسلام متكلمون أو متصوفة، ففي ذلك القرن كانت الجماعة الدينية المسلمة تمثل نوعاً من المجتمع الأخلاقي القائم على المبادئ المحسوسة حول الله واليوم الآخر، وعلى الواجبات الدينية المحسوسة التي وردت في القرآن))[53].
و – ((وأنا أرى أن وحدة الوجود – شبه الإسلامية – تحاول النقيض التام لما أخذ محمد نفسه بتحقيقه، فقد حاول حين واجهته عقائد النسمية العربية أن يحكمها فجاء بفكرة إله منزل متعال على العالم المادي الذي خلقه، وحرم عبادة أي مخلوق، وعرف في الوقت نفسه من تجربته الصوفية[54] أن الله أيضاً موجود في العالم الذي خلقه على نحو خفي لا يستطاع التعبير عنه))[55].
وإذا خلت هذه الاقتباسات من التعليق التحليلي فإنما ذلك عائد إلى الوضوح في الخلط الذي لجأ إليه المؤلف مما جعله يوحي به كالمسلمات.
2 – يحدد ((ولفرد سميث))[56] في كتابه (الإسلام في التاريخ الحديث) معنى الدين بقوله: "العرب لا يدركون كنه الإسلام الحقيقي، فهناك ثلاثة أنواع من الدين الإسلامي: دين القرآن، ودين العلماء، ودين الدهماء، ويتسم النوع الجديد (الأخير) منها بالخرافة والجمود، أما الثاني (دين العلماء) فمثقل بتراث قديم عقيم، وهو بعد ذلك غير عصري، ومادته صعبة تقضي على الإنسان ألا يتصرف في أي شيء إلا بحسب فتوى العلماء وقد تخلصت تركيا من هذا النوع الثاني، ووجدت أن الوقت قد حان للقضاء عليه. وبذلك كان الأتراك قادة العالم الإسلامي[57] وما زال العرب وغيرهم من الحمقى مقيدين في تفكيرهم بأن تركيا تركت الإسلام، وهذا غير صحيح"[58].
3 – ويربط المستشرق ((مورو بيرجر))[59] في كتابه (العالم العربي اليوم) بين الدين والبيئة. فإذا تطورت البيئة تطورت القيم، فالشريعة الإسلامية نشأت متأثرة بالبيئة العربية من حيث اهتمامها بالكرم عندما كانت البيئة بدوية رعوية، هذه البيئة التي قامت على الحاجة إلى الأمطار فنشأت فيها سجية الخوف من الله الذي يحجب المطر فيحل بالقوم جوع ومرض وموت. والقصاص جاء ليشبع مفهوم الثأر في المجتمعات الصحراوية. هذه كلها تتطور في المجتمع الصناعي ((الذي عرف شيئاً كثيراً عن تطبيقات علم النفس والمباديء الإنسانية فلم يحتج إلى مبدأ القصاص لأنه سيراعي جانب المجرم))[60] ولم يعد يهتم بالخوف من الله لأن وسائل الحصول على الماء متوافرة، ولم يعد بحاجة إلى الكرم، لأن كلاً مشغول بحياته المتطورة، وهكذا يبدو التبرير لتطوير الدين ونقل القيم وحسب البيئات.
4 – في مادة ((إجماع)) في ((دائرة المعارف الإسلامية)[61] يذكر المستشرق الأمريكي ((دونكان بلاك ماكدونالد))[62] أن ما كان في أول الأمر بدعة أصبح بفضل الإجماع أمراً مقبولاً نسخ السنة الأولى. فالتوسل بالأولياء مثلاً صار عملياً جزءاً من السنة، وأعجب من هذا أن الاعتقاد بعصمة النبي قد جعل ((الإجماع)) ينحرف عن نصوص واضحة في القرآن، فلم يقتصر الإجماع هنا على تقرير أمور لم تكن مقررة من قبل فحسب، بل غير عقائد ثابتة وهامة جداً تغييراً تاماً. وعلى هذا فهم يقولون إن المسلمين يستطيعون أن يجعلوا من الإسلام ما شاؤوا على شريطة أن يكونوا مجتمعين. على أن الآراء غير متفقة فيما يمكن أن يكون له شأن كبير، على خلاف ((سنوك هورجرنيه))[63] الذي يرى أن (الفقه) قد جمد، ولذلك لا رجاء في الإجماع[64].
5 – عني المستشرقون بترجمة معاني القرآن الكريم، ووضعوا للترجمات مقدمات لهم تحدثوا فيها عن القرآن الكريم من حيث طبيعته ومصدره[65]. وكمثال على ذلك يقول ((جورج سيل))[66] في مقدمة ترجمة معاني القرآن الكريم التي صدرت سنة 1734م: "أما أن محمداً كان في الحقيقة مؤلف القرآن والمخترع الرئيسي له فأمر لا يقبل الجدل. وإن كان المرجح – مع ذلك – أن المعاونة التي حصل عليها من غيره في خطته لم تكن يسيره. وهذا واضح في أن مواطنيه لم يتركوا الاعتراض عليه بذلك"[67].
ويوصف ((سيل)) بأنه نصف مسلم نظراً لاهتمامه البالغ بالإسلام، وقد صادفت مقدمته هذه ((التي جزم فيها بتأليف محمد للقرآن نجاحاً عظيماً في أوربا، الأمر الذي أدى بمستشرق آخر هو ((كاسميرسكي))[68] أن يجعل من مقدمة ((سيل)) مقدمة لترجمته الفرنسية لمعاني القرآن الكريم التي صدرت عام 1841م. وقد استطاعت هذه المقدمة أن تثبت وجودها زمناً طويلاً جداً كمصدر علمي موثوق به لدى المستشرقين من حيث اشتمالها على عرض شامل للدين الإسلامي))[69].
ومسألة مصادر ملعومات القرآن الكريم واستعانة الرسول –صلى الله عليه وسلم– بمصادر معلومات الثقافات كالنصرانية واليهودية وغيرها مما ظهر به المستشرقون مسألة متداولة بين المهتمين بمصادر المعلومات عن الإسلام. وقد أعاد المستشرقون المعلومات في القرآن الكريم إلى مصادر وزعت توزيعاً عجيباً على الحضارات والثقافات السابقة.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51224 العمر : 72
| موضوع: رد: أعمال المستشرقين مصدراً من مصادر المعلومات عن الإسلام والمسلمين الأربعاء 07 فبراير 2024, 1:00 am | |
| ويزعم المستشرقون أن الرسول –صلى الله عليه وسلم– قد ألف القرآن مستعيناً بهذه المصادر على النحو التالي: أ – استعان بالمصادر الجاهلية في فكرة صلاة الجمعة، وصوم عاشوراء، وتطبيب البيت الحرام وحظ الذكر في الميراث مثل حظ الأنثيين، والتكبير، والأشهر الحرم، والحج والعمرة، ونتف الإبط، وحلق العانة، والوضوء، والاغتسال، والختان، وتقليم الأظافر.
ب – واستعان بالمصادر الصابئة في مسألة الصلوات الخمس، والصلاة على الميت، وصيام شهر رمضان المبارك، والقبلة، وتعظيم مكة المكرمة، وتحريم الميتة ولحم الخنزير، وتحريم الزواج من القرابات.
ج – واستعان بالمصادر الهندية والفارسية في المعلومات عن المعراج، والجنة والحور والولدان والصراط.
د – واستعان بالمصادر اليهودية في المعلومات عن قصة هابيل وقابيل، وقصة إبراهيم –عليه السلام–. وقصة ملكة سبأ، وقصة يوسف –عليه السلام–.
هـ – واتكأ الرسول –عليه السلام– على المصادر النصرانية في استقاء المعلومات عن قصة أهل الكهف، وقصة مريم – عليها السلام –، وقصة طفولة المسيح عيسى بن مريم –عليه السلام–[70].
6 – وفي (قصة الحضارة) يقول ((ول ديورانت)) عن الرسول –عليه السلام–: "وقد أعانه نشاطه وصحته على أداء جميع واجبات الحب والحرب. ولكنه أخذ يضعف حين بلغ التاسع والخمسين من عمره، وظن أن يهود خيبر قد دسوا له السم في اللحم قبل عام من ذلك الوقت، فأصبح بعد ذلك الحين عرضة لحميات ونوبات غريبة، وتقول ((عائشة)) إنه كان يخرج من بيته في ظلام الليل ويزور القبور، ويطلب المغفرة للأموات، ويدعو الله لهم جهرة ويهنئهم على أنهم موتى"[71].
ولم يكن دس السم ظناً، بل هو مشهور وموجود في مصادر المعلومات النبوية، فقد أورده ((ابن هشام)) في سياق غزوة خيبر[72] وأورده ابن سعد في الطبقات[73] ورواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والدارمي[74].
7 – وينقل عن ((جولدتسيهر)) قوله عن ((زياد بن عبدالله البكائي)) نقلاً عن وكيع: "أنه مع شرفه كان كذوباً. وقد جاء في التاريخ الكبير للإمام البخاري – رحمه الله – قوله عن زياد: وقال بن عقبة السدوسي عن وكيع إنه (أي زياد) أشرف من أن يكذب"[75].
8 – وينقل عنه كذلك قوله عن الزهري: "قد كانت تقواه تجعله يشك أحياناً، ولكنه لا يستطيع دائماً أن يتحاشى تأثير الدوائر الحكومية، وقد حدثنا معمر عن الزهري بكلمة مهمة وهي قوله: أكرهنا هؤلاء الأمراء على أن نكتب أحاديث".
وعن ابن عساكر وابن سعد أن الزهري كان يمتنع عن كتابة الأحاديث للناس فأصر علي هشام أن يملي على ولده فأملى عليه أربعمائة حديث، وخرج على الناس وناداهم أن ((كنا قد منعناكم أمراً قد بذلناه لهؤلاء، وأن هؤلاء الأمراء أكرهونا على كتابة الأحاديث فتعالوا حتى أحدثكم بها، فحدثهم بالأربعمائة حديث))[76]. والفرق هنا بين كلام ((جولد تسيهر وكلام ((الزهري)) أن ((جولد تسيهر)) حذف أداة التعريف من ((أحاديث)).
9 – ويقول ((ول ديورانت)) في (قصة الحضارة)): "وكان ((للزبير)) بيوت في عدة مدن مختلفة وكان يملك ألف جواد وعشرة آلاف عبد، وكان عبدالرحمن يمتلك ألف بعير وعشرة آلاف رأس من الضأن، وأربعمائة ألف دينار (1.912.000) دولار، وكان عمر ينظر بحسرة إلى الترف الذي أخذ مواطنوه يتردون فيه"[77].
وأصل النص في المصادر الإسلامية: ((كان للزبير ألف مملوك يؤدون إليه خراجهم كل يوم، فما يدخل إلى بيته منها درهماً واحداً يتصدق بذلك كله))[78].
10 – ويقول نفسه عن ((هارون الرشيد)) وعلاقته بـ((جعفر البرمكي)): "وكان هارون الرشيد يحب جعفراً حباً أطلق ألسنة السوء في علاقتهما الشخصية، ويقال إن الخليفة أمر بأن تصنع له جبة ذات طوقين يلبسهما هو وجعفر معاً فيبدوان كأنهما رأسان فوق جسم واحد، ولعلهما في هذا الثوب يمثلان حياة بغداد الليلية"[79].
وقبل هذا قال عن هارون الرشيد: "وإنه كان يحج إلى مكة مرة كل عامين"[80].
والمشهور في مصادر المعلومات الإسلامية أنه كان يحج سنة ويغزو سنة[81].
11 – وفي كتاب (السيطرة العربية) لفان فلوتن[82] رواية عن الطبري (2/ 806) يقول فيها: "ولقد أصابت الأسر المرموقة في الكوفة ثراء فاحشاً كان مصدره المغانم والأعطيات السنوية، فكان الكوفي إذا ما ذهب إلى الحرب يصطحب معه أكثر من ألف من الجمال عليها متاعه وخدمه"[83].
وعبارة الطبري جاءت على لسان ((قيس بن الهيثم)) أحد أصحاب ((مصعب بن الزبير)) يرغب أهل العراق في القتال ويبين لهم حسن معاملة ((ابن الزبير)) لهم، يقول: "والله لقد رأيت سيد أهل الشام على باب الخليفة يفرح إن أرسله في حاجة، ولقد رأيتنا في الصوائف أحدنا على ألف بعير، وإن الرجل من وجوههم ليغزو على فرسه وزاده خلفه"[84].
فالواحد من أهل الكوفة قائد للجيش يأتمر له أكثر من ألف مقاتل، ولا يصطحب معه ألف جمل عليها متاعه وخدمه!!.
تلكم أمثلة متناثرة تروى عن المستشرقين، ومنهم المشهورون المعروفون، ويطول بنا المقام لو أردنا المزيد من الأمثلة والوقفات. ولو تتبعنا إصدارات المستشرقين لما استطعنا الوقوف عند حد. والأولى من هذا كله أن تبحث دراسات كل مستشرق على حده، ويحلل مضمون ما قاله، وتقابل استشهاداته المرجعية بالمصادر التي رجع إليها، وخاصة منها ما يتصل بالاقتباس أو الاستشهاد بمصادر المعلومات الإسلامية، وعندئذ يستطيع المرء الخروج بأحكام موثقة لها ما يدعمها.
وفي سبيل الوصول إلى هذا يمكن الاستعانة بالحصر الذي أسهمت به الدراسات حول الاستشراق فيما يتعلق بمواقف المستشرقين من المعلومات الإسلامية ومصادرها التاريخية والدينية والأدبية وغيرها من المصادر. والحصر هذا محاولة لوضع مجالات اتسمت بها إسهامات المستشرقين.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51224 العمر : 72
| موضوع: رد: أعمال المستشرقين مصدراً من مصادر المعلومات عن الإسلام والمسلمين الأربعاء 07 فبراير 2024, 1:00 am | |
| ومن هذه المجالات على سبيل المثال: (أ) – الخضوع للأهواء وعدم التجرد للبحث. (ب) – العجز عن تمثل الثقافة واللغة. (جـ) – التعسف في التفسير والاستنتاج. (د) – التفسير بالإسقاط. (هـ) – منهج العكس. (و) – التشكيك في الدليل القاطع. (ز) – التحريف والتزييف والادعاء. (ح) – إصدار الأحكام القاطعة دون دليل يعضدها. (ط) – الاختلاق والتمويه[85].
ويقول أحد المسهمين في الدراسات الاستشراقية عن واحد من أبرز أعلام المستشرقين وهو المستشرق ((هنري لامانس)) [86]: "وأبشع ما فعله خصوصاً في كتابه (فاطمة وبنات محمد) هو أنه كان يشير في الهوامش إلى مراجع بصفحاتها. وقد راجعت معظم هذه الإشارات في الكتب التي أحال إليها فوجدت أنه إنما يشير إلى مواضع غير موجودة إطلاقاً في هذه الكتب، أو يفهم النص فهماً ملتوياً خبيثاً، أو يستخرج إلزامات بتعسف شديد يدل على فساد الذهن وخبث النية، ولهذا ينبغي ألا يعتمد القارئ على إشارته إلى مراجع، فإن معظمها تمويه وكذب وتعسف في فهم النصوص. ولا أعرف باحثاً من بين المستشرقين المحدثين قد بلغ هذه المرتبة من التضليل وفساد النية"[87].
وكلام عبدالرحمن بدوي هذا له وزنه لأنه يأتي من باحث اشتهر عنه تعاطفه مع المستشرقين وميله إلى الإعجاب بإسهاماتهم في مجالات الدراسة والتحقيق والنشر والتصنيف. وهذا يجر إلى تتبع مستشرقين بأعينهم – كما مر ذكره – من خلال إنتاجهم الفكري للنظر في مدى مطابقة هذه المجالات التسعة أو بعضها عليهم. ويمكن أيضاً أخذ عينة متحيزة منهم ممن درس أو كتب في سيرة الرسول –صلى الله عليه وسلم–، بل إن الوقوف على كتب ((مونتجمري وات)) الثلاثة حول حياة محمد –عليه السلام– (محمد في مكة)، و(محمد في المدينة)، و(محمد النبي القائد)، موضوع يستحق المتابعة.
وهكذا نجد أن المجال واسع في تقرير ادعاء أو اتهام أو فرضية، أو الإجابة على أسئلة تقوم على تحقق المجالات التسعة في المستشرقين، أو تحقق مجموعة منها في مستشرق بعينه إن لم تتحقق فيه كلها، وكل هذا داخل في الغوص في الدراسات التي قاموا بها، ودقتهم في استشهاداتهم المرجعية واقتباسهم من المصادر.
في مجال التحقيق والنشر: أما فيما يتعلق بمدى إسهامهم في تحقيق التراث الإسلامي ونشره فهذا موضوع لا يقل أهمية عن تتبع الدراسات، فالمعروف عن المستشرقين عنايتهم بنشر المخطوطات التي كانت حبيسة المكتبات الغربية، والتتبع هنا ربما ينصب على نسبة المحقق والمنشور عن طريق المستشرقين مقابلاً بما حققه ونشره العلماء المسلمون من العرب وغيرهم. كما ينصب على الاتجاهات التي طغت على الموضوعات أو العنوانات المحققة والمنشورة. والمفترض الآن أنهم ركزوا على موضوعات معرفية هي على العموم لا تسير على الخط الإسلامي السليم، وربما قيل إن النسبة الكبرى لما حققه المستشرقون ونشروه لا يسير على الخط الإسلامي السليم. وعند النظر إلى العنوانات أو الموضوعات وحصرها يمكن للمرء أن يخرج بهذه النتيجة السلبية. فإن كان العكس بأن خرج الباحث بنتائج طيبة، فليكن كذلك، معتمدين في هذا على العدل الذي لا يردنا عنه عدم اتفاقنا معهم فيما قاموا به من تأثير على بيئتنا الدينية والثقافية والعلمية والسياسية والاجتماعية[88].
ومن هذا القبيل الدراسة التي قام بها ((عبدالعظيم الديب)) حيث قام بعمل إحصائي حصر فيه شيئاً مما تم تحقيقه ونشره من تراث العرب والمسلمين معتمداً في هذا على مصدرين أساسيين في هذا المجال هما (معجم المخطوطات العربية) لصلاح الدين المنجِّد، وقد صدر في خمسة أجزاء من الفترة 1398هـ إلى 1400هـ، وكتاب (ذخائر التراث العربي الإسلامي) لعبدالجبار عبدالرحمن، وقد صدر في جرأين من الفترة 1401هـ إلى 1403هـ[89].
فالجزء الأول من معجم المنجد يغطي ما نشره في الفترة من سنة 1374هـ إلى 1380هـ، حيث نشر فيها أربعمائة وأربعة عشر (414) عنواناً، كان نصيب المستشرقين منها ثمانية وخمسين (58) عنواناً، وهذا يعدل أربعة عشر بالمئة (14%).
والجزء الثاني يغطي ما نشر في الفترة من سنة 1381هـ إلى سنة 1385هـ، حيث نشر في هذه الفترة ثلاثمائة واثنان وخمسون (352) عنواناً، وكان نصيب المستشرقين منها سبعة عشر (17) عنواناً فقط، وهذا يعدل خمسة بالمائة (5%).
والجزء الثالث من المعجم يغطي الفترة من سنة 1387هـ إلى سنة 1395هـ، حيث نشر فيها أربعمائة وثلاثون (430) عنواناً، وكان نصيب المستشرقين منها ثمانية عشر (18) عنواناً، وهذا يعدل 4%.
ولو وزعت هذه العنوانات البالغة ألفاً ومائة وستة وتسعين (1196) عنواناً على السنين التي غطاها المعجم وهي سبع عشرة (17) سنة لكان نصيب كل سنة منها سبعين (70) عنواناً، ونصيب المستشرقين في كل سنة منها خمسة عنوانات ونصف العنوان (5.5)، إذ إن النصيب الإجمالي للمستشرقين في السنين كلها ثلاثة وتسعين (93) عنواناً. وهذا يعدل (8%) من مجموع المنشور والمحقق.
وكانت الطريقة التي اتبعها ((عبدالعظيم الديب)) مع كتاب (ذخائر التراث العربي الإسلامي) لعبدالجبار عبدالرحمن تختلف عنها مع معجم البلدان المخطوطات العربية) لصلاح الدين المنجِّد، حيث اتبع هنا أسلوب العينة العشوائية، فاختار عدداً متساوياً من الصفحات من كل مائة صفحة من الجزء الأول، فحصل على ست وخمسين بواقع ثماني صفحات من كل مائة صفحة[90]. على أن الكتاب كله يغطي المخطوطات المؤلفة في القرون العشرة الأولى للهجرة، ويجعل سنة (1400هـ) حداً نهائياً للمنشور منها. وكانت النتيجة أن حصر المؤلف ((عبدالعظيم الديب)) ثلاثمائة وعشرين عنواناً (320) كان نصيب المستشرقين منها اثنين وثلاثن (32) عنواناً، وهذا يعدل عشرة بالمئة (10%).
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51224 العمر : 72
| موضوع: رد: أعمال المستشرقين مصدراً من مصادر المعلومات عن الإسلام والمسلمين الأربعاء 07 فبراير 2024, 1:00 am | |
| الاتجاهات الفكرية للمنشور: ودرس المؤلف ((عبدالعظيم الديب)) الاتجاهات الفكرية لمنشورات المستشرقين من حيث المخطوطات من خلال ما أثبته لهم ((صلاح الدين المنجِّد)) و((عبدالجبار عبدالرحمن)). وحيث كان نصيب المستشرقين في معجم البلدان ((صلاح الدين المنجِّد)) ثلاثة وتسعين (93) كتاباً.
فقد جاءت على النحو التالي: - الفن عدد الكتب النسبة التصوف والفلسفة وعلم الكلام40 43% التاريخ والتراجم 28 30% الجغرافيا والرحلات 4 4.3% الفقه 4 4.3% اللغة والنحو 3 3.3% الأدب 3 3.2% الشعر والطرائف 3 3.2% البلاغة 3 3.3% العلوم 2 3.2% التفسير 2 2.1% المجموع 93 99.7% جدول رقم (1) الاتجاهات الفكرية في المخطوطات المنشورة في معجم ((صلاح الدين المنجد))
وحيث كان نصيب المستشرقين من المخطوطات المنشورة في العينة المأخوذه من كتاب (ذخائر العرب) لـ((عبدالجبار عبدالرحمن)) اثنين وثلاثن (32) عنواناً.
فقد جاءت موزعة على النحو التالي: الفن عدد الكتب النسبة التاريخ 7 21% التصوف والأخلاق4 12.5% التراجم 3 9% الشعر 3 9% اللغة والنحو 3 9% الديانات 2 6% العقيدة والكلام 2 6% الأدب 2 6% السيرة 1 3% التفسير 1 3% الحديث 1 3% المجموع 32 98% جدول رقم (2) الاتجاهات الفكرية في عينة المخطوطات المنشورة في معجم ((عبدالجبار عبدالرحمن))
والاتجاهات واضحة في الكتب والعنوانات من (معجم البلدان المخطوطات العربية) حيث برزت فنون التصوف والفلسفة وعلم الكلام على بقية الفنون الأخرى بنسبة تعد عالية (43%)، ثم يليها التاريخ والتراجم (30%).
والتشابه هنا في علو النسبة لدى كتاب (ذخائر التراث العربي الإسلامي) إذ التاريخ يشكل (21%) وهي أيضاً تعد نسبة عالية، ثم يليها التصوف والأخلاق (12.5%)، كما أن هناك تشابهاً في ترتيب الفنون فيما يتعلق بالفنين الذين احتلا المرتبتين الأولى والثانية، وإن تنافسا على الأولية في المصدرين، وهذا مؤشر على الاتجاهات الفكرية التي حرض عليها جماعة المستشرقين في نشر المخطوطات العربية، مع عدم إغفال أهمية الفنون الأخرى رغم صغر نسبتها.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51224 العمر : 72
| موضوع: رد: أعمال المستشرقين مصدراً من مصادر المعلومات عن الإسلام والمسلمين الأربعاء 07 فبراير 2024, 1:01 am | |
| عينات من المنشور والمحقق: عني المستشرقون بأمهات الكتب، نشروها وعلقوا على بعضها وترجموا بعضها، ويذكر لهم في هذا مجموعة مما نشروه مثل السيرة النبوية لابن هشام، وفتوح البلدان للبلاذري، والطبقات الكبرى لابن سعد، والمغازي للواقدي، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي، وبدائع الزهور لابن إياس، والكامل للمبرد، ونقائض جرير والفرزدق، وتاريخ الطبري، والوافي بالوفيات للصفدي ووفيات الأعيان لابن خلكان، وغيرها.
وفي الوقت نفسه عنوا بنشر المخطوطات الأخرى التي لا تستطيع أن نقول إنها موضع اتفاق من حيث قيمتها العلمية أو الثقافية والفكرية من أمثال: أخبار الحلاج الحسين بن منصور، والطواسين للحلاج، وطبقات الصوفية للسلمي، والبلغة في الحكمة لابن عربي، وآداب الصحبة حسن العشرة للسلمي، والتشوف إلى رجال التصوف لابن الزيات الشاذلي يوسف بن يحي، والرسائل الصغرى لابن عياد الرندي، والخلوة والتنفل في العبادة ودرجات العابدين للحارث بن أسد المحاسبي، وذم الدنيا لابن أبي الدنيا، والمنتقى من كتاب الرهبان لابن أبي الدنيا، المسائل للخراز، ومثلى الطريقة في ذم الوثيقة للسان الدين بن الخطيب، والأئمة المستورون للمهدي عبدالله، والشافية لأبي فراس شهاب الدين الإسماعيلي، والهفت والأظلة لمفضل بن عمر الجعفي، وتاج العقائد ومعدن الفوائد لعلي بن محمد الراعي، والإيضاح لشهاب الدين الراعي، وتنقيح الأبحاث لملل الثلاث لابن كمونة اليهودي سعد بن منصور، ورسالة راهب من فرنسة إلى المقتدر بالله لراهب من فرنسة، والدياسطرون أو الإنجيل الرباعي لططيانس وترجمة بن الطيب البغدادي، ومثالب علي بن أبي بشر (أبي الحسن الأشعري) للأهوازي، ورسالة في الحكمين وتصويب أمير المؤمنين علي في فعله للجاحظ، والنهج السديد والدر الفريد لأبي الفضائل مفضل القطبي المصري، والأخلاق والانفعالات النفسية لابن سينا، وعيون الحكمة لابن سينا أيضاً، وتعبير الرؤيا لأرطاميدس ونقله إلى العربية حنين بن اسحق، والآثار العلوية لأرسطو طاليس، ورسالة في ماهية العدل لمسكويه أحمد بن محمد، والحيل (في الفقه) للخصاف أبي بكر بن عمرو، وديوان أبي نواس، ورسالة التربيع والتدوير للجاحظ (يسخر فيها من أحمد بن عبدالوهاب، ويهزأ بعيونه الخلقية) والمفاخرة بين الجواري والغلمان للجاحظ[91].
وينبغي التأكيد هنا على أن بعض هذه الآثار لها قيمتها العلمية والفلسفية، ومع هذا نجدها تأتي في وقت الحاجة فيه إلى ما هو أكثر علمية وأنفع فائدة من النفائس، ذلك الوقت الذي بدأت فيه الحركة العلمية في البلاد العربية والإسلامية تعود إلى التراث تجمعه من الخارج وتسعى إلى إخراجه نشراً وتحقيقاً.
والحق الذي يتبين من مجموعة من الأعمال التي تشيد باهتمام المستشرقين بتحقيق التراث تنظر إلى الاهتمام بالتراث لذاته، وربما أغفلت الاتجاهات في تحقيق التراث، وأظن أن دراسة الاتجاهات تحتاج إلى وضوح في المعايير التي ستقاس عليها هذه الاتجاهات، بحيث لا يكون نشر كتاب صوفي –مثلاً– يعد عملاً حسناً من خلال قياسه على المعايير، أو ربما كان حسناً إذا ما كان العيار يحتويه، ولذا فإن الأهمية هنا تكمن في صياغة المعايير بحيث تكون منبثقة من أصالة الإسلام التي عرفتها القرون الأولى، بحيث يخرج منها كل من يمكن أن يكون قد أسهم في الابتعاد عن هذه الأصالة من إسهامات المسلمين الأوائل أنفسهم مما كان مجالاً للتحقيق والنشر عند المستشرقين. وعند عدم الالتزام بمثل هذه الجزئية للمعيار وعدم مراعاته سبب في أن ينظر إلى عمل واحد على أنه حسن كما ينظر إليه نفسه على أنه عمل سيئ.
وعلى أي حال فإن خدمة التراث ((ميدان واسع متشعب الجوانب بدءاً بجمع المخطوطات وانتهاء بتحقيقها))[92] ولا تقف جهود المستشرقين عند جمع المخطوطات وصيانتها وتحقيقها ونشرها أو تصنيفها وفهرستها، بل ربما زادوا على ذلك بالتعريف بها والكتابة عنها وترجمتها إلى اللغات الأخرى.
وإذا ثبت حكم أو ظهرت نتيجة من خلال دراسة إتجاهات المستشرقين في نشر المخطوطات بني على النتيجة الحكم الموضوعي الذي يعمل على حسم الموقف من تحقيق التراث فيخفف من الاندفاع في تأييد الفكرة تأييداً مطلقاً، ويخفف من الاندفاع أيضاً في عدم الثقة بهذه الوسيلة من وسائل المستشرقين في العمل مع مصادر المعلومات الإسلامية[93]. وربما يترك حكماً وسطاً بين الاندفاعين فيحفظ لأهل الفضل فضلهم، ويبين التجاوزات والانحرافات والإساءات والأخطاء، كما يبين أسبابها ومبرراتها حتى لا تكون كلها دليلاً عليهم. وبهذا نتجنب الثناء المطلق كما نتجنب التحامل المطلق الذي ((يتنافى مع الحقيقة التاريخية التي سجلها هؤلاء المستشرقون فيما قاموا به من أعمال، وما تطرقوا إليه من أبحاث))[94].
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51224 العمر : 72
| موضوع: رد: أعمال المستشرقين مصدراً من مصادر المعلومات عن الإسلام والمسلمين الأربعاء 07 فبراير 2024, 1:01 am | |
| في مجال الترتيب والفهرسة والتكشيف: وللمستشرقين جهودهم في مجالات الفهرسة والتكشيف. ويذكر هنا العمل الكبير الذي قاموا به تحت إشراف ((أرنيت يان فنسنك))[95] وآخرين (المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي) الذي ظهر في سبعة أجزاء، وغطى الكتب الستة ومسند الدارمي وموطأ الإمام مالك ومسند الإمام أحمد بن حنبل. والعمل الآخر الذي قام به ((فنسنك)) نفسه حيث حاول حصر الأحاديث النبوية مرتبة تريباً هجائياً، ونقله إلى العربية ((فؤاد عبدالباقي)) تحت عنوان (مفتاح كنوز السنة) وكانت طبعته الأصلية قد ظهرت في ((حجم الربع)) ونشرها بريل في ليدن سنة 1934م في 18، 268ص، وطبع في مصر العربية سنة 1353هـ – 1934م.
ويذكر هنا في هذا المجال كشاف ((نجوم الفرقان في أطراف القرآن)) للمستشرق الألماني ((جوستاف فلوجل))[96] ونشر في لايبتزج سنة 1842م. وكشاف ((تفصيل آيات القرآن الحكيم)) الذي وضعه بالفرنسية ((جول لابوم))[97] ونقله إلى العربية أيضاً ((محمد فؤاد عبدالباقي)) وفيه ترتيب للآيات تريباً موضوعياً[98].
ويذكر العمل الذي قام به كل من ((فيشر)) و((برويونلخ)) حيث حاولا حصر شواهد الشعر في أمهات كتب النحو العربية في كتاب صدر في كل من لايبتزج وفيينا بين سنة 1934م – 1954م، وطبعته دار أوتو تزيلر في أوزنا بروك بألمانيا سنة 1982م في 352 صفحة[99].
وتذكر أعمال أخرى كثيرة حول فهرسة المخطوطات العربية الموجودة في المكتبات والمتاحف الغربية، وهناك أكثر من مستشرق عني بهذا العمل يصعب حصرهم هنا، ويذكر منهم المستشرق الألماني ((آلوارد)) الذي وضع فهرساً للمخطوطات العربية بمكتبة برلين في عشرة مجلدات، وصدر هذا الفهرس في نهاية القرن الميلادي الماضي، وحوى نحو عشرة آلاف (10.000) مخطوطة[100]، وقد عمل الأستاذ ((فؤاد سزكين)) على حصر الفهارس في مكتبات العالم ضمن العمل الذي قام به حول تاريخ التراث العربي[101]. وقبله عمل ((كارل بروكلمان)) في (تاريخ الأدب العربي) على حصر بعض فهارس المخطوطات في مكتبات العالم[102].
ولا شك في تأثير هذه الأعمال الحصرية على المكتبة العربية وعلى الباحث العربي، ومع هذا فهي لا تكاد تخلو من ملحوظات بعضها يدخل في جانب التقصير البشري الذي يصاحب أي عمل جاد ومضن، وبعضها الآخر قد يتعدى مجرد ذلك إلى ما يدخل في الخطأ والإساءة والانحراف في التبويب أو التكشيف أو الترتيب أو الفهرسة مما قد يدخل في الأسباب غير العلمية.
وقد لحظ المراجعون لما هو متوافر من هذه الكشافات والفهارس في المكتبة العربية شيئاً من هذا القصور الذي يستحق المتابعة. وخير ما يذكر في هذا المقام وقفة ((سعد المرصفي)) مع أخطاء المستشرقين في المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي. ومع أنه لم يعمد إلى استقصاء الأخطاء في المعجم إلا أنه وصل أربعمائة وتسعة وسبعين (479) نموذجاً للأخطاء كلها تتعلق بصحيح مسلم أحد مواد المعجم التسع، وزعها على سبع مجموعات ويورد لكل مجموعة نماذج من الأخطاء التي وقف عليها على النحو التالي[103]:
المجموعة الأولى: التحريف في العبارة: وأختار مثالاً لهذه المجموعة النموذج رقم (26) في الكتاب، حيث ورد في الجزء السابع من المعجم، ص303 في مادة ((وكع)) كلمة فوكعت في جملة ((فقدمنا المدينة فوكعت شهراً)) والأصل أنها فوعكت شهراً[104].
المجموعة الثانية: الخطأ في العزو: ومثاله النموذج رقم (66) حيث ورد في الجزء السابع ص382 في مادة ((يمن)) جملة ((كان يسلم ثم يقول السلام.. عن يمينه وعن يساره)) فأشار إلى ورودهما في مسلم، إقامة 28، وهو خطأ، حيث لا يوجد في مسلم كتاب باسم الإقامة[105].
المجموعة الثالثة: الخطأ في الإشارة إلى الكتب: ومثاله ورود مادة ((جنب)) في الجزء الأول ص380، في جملة ((وجنب الشيطان ما رزقتنا)) مشاراً إليها في مسلم، طلاق 6، وهو خطأ، والصحيح أنها في 16 النكاح 116[106]. وأراد بالكتب هنا تقسيم الكتاب إلى مجموعة أبواب عبر عنها السلف بالكتب وهي أقرب إلى رؤوس الموضوعات.
المجموعة الرابعة: الخطأ في الإشارة إلى أرقام الكتاب الواحد: ومثاله النموذج رقم (12) حيث ورد في الجزء الرابع، ص153 في مادة عدل جملة ((إمام عادل)) مشاراً إليها في مسلم، زكاة، وهو خطأ، والصحيح أنها في 12 – زكاة 91 (1031) وهي فيه ((الإمام العادل)) بأل التعريف[107].
المجموعة الخامسة: وضع اللفظ في غير مادته: وأختار له مثالاً النموذج رقم (15) حيث ورد في الجزء الأول ص272 كلمة ((ترياق)) في مادة ((ترى)) وهو خطأ والصواب وضعها في مادة ((ترق)) وهي في ((وإنها ترياق أول البكرة)) 36 – الأشربة 156 (2048)[108].
المجموعة السادسة: المخالفة في الترتيب والتداول: ومثالها في النموذج رقم (13) حيث ورد في الجزء الأول ص361 – 362 مادة ((جمم)) قبل ((جمح)) والمشهور المتداول وضعها بعد ((جمل)) وهي في ((فأتى الناس الماء جامين رواء)) 5 – المساجد[109].
المجموعة السابعة: عدم الاستيعاب: ومثاله النموذج (4) حيث لم يذكر في المعجم الجزء الثالث ص124 مادة ((شطر)) في ((الطهور شطر الإيمان)) مع ورودها في مسلم، 2 – الطهارة – 1 (223)[110].
وإذا كان في المستشرقين رجال أحرار الفكر لا يقصدون إلى التعصب، ولا يميلون مع الهوى، إلا أنهم أخذوا العلم – في الغالب – عن غير أهله، ((وأخذوا من الكتب، وهم يبحثون في لغة غير لغتهم، وفي علوم لم تمتزج بأرواحهم، وعلى أسس غير ثابتة وضعها متقدمون، ثم لا يزال ما نشئوا عليه واعتقدوا يغلبهم، ثم ينحرف بهم عن الجادة.
فإذا هم قد ساروا في طريق آخر، غير ما يؤدي إليه حرية الفكر والنظر السليم))[111].
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51224 العمر : 72
| موضوع: رد: أعمال المستشرقين مصدراً من مصادر المعلومات عن الإسلام والمسلمين الأربعاء 07 فبراير 2024, 1:02 am | |
| ويقول أحمد محمد شاكر: ((ومعاذ الله أن أبخس أحداً حقه، أو أنكر ما للمستشرقين من جهد مشكور في إحياء آثارنا الخالدة، ونشر مفاخر أئمتنا العظماء، ولكني رجل أريد أن أضع الأمور مواضعها، وأن أقر الحق في نصابه، وأريد أن أعرف الفضل لصاحبه، في حدود ما أسدى إلينا من فضل، ثم لا أجاوز به عن حده، ولا أعلو به عن مستواه، ولكني رجل أتعصب لديني ولغتي أشد العصبية، وأعرف معنى العصبية وحدَّها، وأن ليس معناها العدوان، وأن ليس في الخروج عنها إلا الذل والاستسلام، وإنما معناها الاحتفاظ بمآثرنا ومفاخرنا، وحوطها والذود عنها، وإنما معناها أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وأعرف أنه ((ما غزى قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا)) وقد –والله– غُزينا في عقر دارنا، وفي نفوسنا، وفي عقائدنا، في كل ما يقدسه الإسلام ويفخر به المسلمون...
وكان قومنا ضعافاً، والضعيف مغرى أبداً بتقليد القوي وتمجيده، فرأوا من أعمال الأجانب ما بهر أبصارهم، فقلدوهم في كل شيء، وعظموهم في كل شيء، وكادت أن تعصف بهم العواصف، لولا فضل الله ورحمته)) [112].
الخاتمة والنتيجة: في العرض السابق محاولة لإعطاء أمثلة مقتبسة من مصادر عربية تحدثت عن ظاهرة الاستشراق وأبرزت في حديثها شيئاً مما أسهم به المستشرقون في تشويه الآثار الإسلامية حول الرجال الذي نعدهم قادة في العلم والفكر والسياسة، وحول ظواهر نعدها من مقومات هذا الدين.
وربما تكون هذه المحاولة ظاهرة الميل إلى الحكم العام على إسهامات المستشرقين بأنها لم تكن في مصلحة الدراسات الإسلامية، وأنها لم تتعامل مع مصادر المعلومات عن الإسلام والمسلمين بتجرد وموضوعية مطلوبة من كل عالم يخوض في مجالات العلم مهما كانت انتماءاتها العقدية والفكرية.
وليست هذه المحاولة بشاملة لهذه الهفوات التي وقع فيها المستشرقون، إذ إن إسهامات الكتاب المسلمين لا تزال تترى لتبيان الأخطاء التي يصر عليها هؤلاء المستشرقون ضد الإسلام والمسلمين. وهي على العموم أخطاء مقصودة في غالب الأحيان، وإن كانت هناك هفوات ((عفوية)) ما أرادها بعض المستشرقين لذاتها، ولكنهم وقعوا فيها لاعتمادهم على أترابهم الذين وقعوا هم فيها.
وحيث إن الأمر يحتاج إلى مزيد بحث ودراسة مستقلة تطغى عليها العلمية ويقودها منهج البحث الموضوعي فإن الوصول إلى النتيجة يحتاج إلى مزيد من الاقتناع والإقناع.
وقد قدم لنا المسهمون في نقد آثار المستشرقين أنفسهم، الأرضية التي يمكن أن نسير عليها في سبيل الوصول إلى النتيجة. وقد يقال إن الإسهامات وحدها كفيلة بالوصول إلى النتيجة دون مزيد بحث أو دراسة، ولكني أقول إن هذه الإسهامات قد طغت عليها –في غالبها– التعميمات التي تريد أن تثبت ما وصلت إليه عن طريق الاستشهاد بأكثر من عمل لأكثر من مستشرق في أكثر من فرع من فروع المعرفة. بل إن من الإسهامات حول هذه الظاهرة ما لا يتعدى كونه ترديداً لمفهومات قديمة مكررة من محاضرة ألقيت، أو كتاب ألف في بدايات مناقشة ظاهرة الاستشراق، ويحصل في هذه المجموعة شيء من الخلط يعمد إليه المستشرقون أنفسهم يستشهدون به، ويردون به على أولئك الذين يرغبون في حوار علمي مباشر تنجلي من خلاله كثير من المغالطات.
وهذا لا يغفل وجود دراسات متخصصة حول إسهامات المستشرقين في موضوعات محددة كالقرآن الكريم[113]، وسيرة الرسول –عليه السلام[114]– وأحاديثه –عليه الصلاة والسلام[115]– والتشريع الإسلامي ومصادره[116]، والعقيدة[117]، والتاريخ الإسلامي[118]، ونحوها من الإسهامات المتخصصة التي تحتاجها المكتبة العربية قصداً إلى الوصول إلى النتيجة.
والنتيجة الأولية التي تدعو إليها معظم هذه الإسهامات هي الدعوة الصادقة إلى العلماء المسلمين والمثقفين، والمفكرين للاستغناء عن إسهامات المستشرقين وإسقاط جانب الدراسات والتعليقات من قائمة مصادر المعلومات عن الإسلام والمسلمين.
وهذه دعوة سهلة الوضع النظري، ولكنها من الناحية العملية سابقة لأوانها لأن عاملي الاقتناع والإقناع لا يزالان في مراحلهما الأولى.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51224 العمر : 72
| موضوع: رد: أعمال المستشرقين مصدراً من مصادر المعلومات عن الإسلام والمسلمين الأربعاء 07 فبراير 2024, 1:03 am | |
| وليس من السهل الميسور أن يقف مثلي هذا الموقف داعياً إلى مثل هذه النتيجة، لأن مدى قبولها مرهون بمدى تعمق الداعي نفسه في هذه الظاهرة (الاستشراق)، وإلمامه بجل جوانبها بحيث يكون ما يقوله أو يدعو له مستنداً على تلكم الأرضية التي مهدها لنا أولئك الذين تتبعوا المستشرقين ولا يزالون. وأخص منهم هنا ((الجادين)) الذين لا يشكلون صدى الآخرين لمجرد أنهم متحمسون لفكرة، وغيورون على انتمائهم الثقافي من تلك الفئة التي تعتقد اعتقاداً لا يخلو من السطحية أن نظرية المؤامرة تلاحق هذه الثقافة من كل مكان ووجهة[119]. 1 – والاستغناء عن الاعتماد على إسهامات المستشرقين في مجالات الدراسات والتعليقات على مصادر المعلومات الإسلامية يمكن أن يبدأ مرحلياً، بحيث لا نصر –مثلاً– على الباحثين في العلوم العربية والإسلامية أن يجعلوا ضمن مراجعهم المراجع الأجنبية، ولا يكون هذا ديدنهم إلا إذا كان البحث يتطلب –علمياً– مثل هذا الاستشهاد.
وقد رأينا بحوثاً، في التاريخ الإسلامي خاصة، كثيرة المصادر والمراجع العربية ثم تضع في ختامها مجموعة من المراجع الأجنبية ومعظمها لمستشرقين. ورأيت في هذا شيئاً من التكلف وعدم الاقتناع من الباحث. فيزال هذا المطلب الضمني، وتعتمد علمية البحث أو الرسالة على مدى اقتصارها على أمهات الكتب والمصادر الموثوقة والمراجع المقبولة.
2 – كما يمكن أن يبدأ الاستغناء هذا بعدم التبجح بالاستشهاد بأقوال المستشرقين التي تبدو فيها الإيجابية حول مصادر المعلومات عن الإسلام والمسلمين. ولا أخال الإسلام بحاجة إلى هذه الأقوال إذا ما كان موضع اقتناع كامل من أهله العلماء والمثقفين وعامة الناس. فحاول الجميع غرس الثقة بالموروث الثقافي، وخاصة ما صلح منه.
3 – ويمكن أن يبدأ الاستغناء أيضاً عن إسهامات المستشرقين في مصادر المعلومات عن الإسلام والمسلمين في مجالات الدراسات والتعليقات عندما يتحقق البديل لهذه الدراسات والتعليقات باللغة العربية أولاً، ثم باللغات الأخرى التي يتكلمها المسلمون ثانياً، ثم باللغات الباقية الأخرى ثالثاً. هذا البديل الذي يراد منه أن يسد النقص في مجالات كثيرة لا تقتصر على الدراسات الإسلامية التي تملأ الساحة اليوم، بل تتعدى هذا إلى إيجاد الأدوات المرجعية كالموسوعة الإسلامية المؤصلة[120]، والوراقيات ((الببليوجرافيات)) العربية للإسهامات الإسلامية[121] وتعدد مراكز البحوث التراثية التي تهتم بالمخطوط العربي دراسة وتحقيقاً ونشراً وصيانة[122] وأعلم، ويعلم كثير من المتابعين، أن هناك دراسات وتحقيقات لمخطوطات أريد منها الحصول على مؤهلات علمية عالية، ثم بقيت عند أصحابها والمؤسسات التعليمية التي أجازتها مطبوعة بالآلة الكاتبة، واعتمد نشرها على قدرة الباحث المادية على تحمل نفقات نشر هذا الانتاج، وهناك بدائل أخرى كثيرة ذات علاقة مباشرة بخدمات المكتبات والمعلومات من وراقيات ((ببليوجرافيات)) وفهارس وكشافات ونحوها مما لا يستغني عنه الباحث اليوم، وإن وجدت هذه بكثافة أسهمت في تحقيق الدعوة إلى الاستغناء عن أسهامات المستشرقين في دراسات مصادر المعلومات الإسلامية.
4 – ثم يمكن أن يبدأ الاستغناء هذا عندما تقوم المؤسسات العلمية المتخصصة بدراسة ظاهرة الاستشراق بتوجيه جهودها إلى المستشرقين أنفسهم بلغاتهم، تحاورهم محاورات علمية، وتناقشهم مناقشات موضوعية، وتناظرهم مناظرات هادئة، يقصد من ورائها كلها الوصول إلى الحق. فيعترف من خلال المؤسسات العلمية المتخصصة بدراسة الاستشراق بالجيد المقبول من الإسهامات الاستشراقية، ويرد غيرها مما حصل فيه خلط أو سوء فهم أو قصد فيه إلى المغالطات. والمحاورات والمناظرات يمكن أن تكون مباشرة من خلال الندوات والمؤتمرات والحلقات العلمية وغيرها، أو يمكن أن تكون عن طريق الدراسات والأبحاث والمقالات التي تنشر في دوريات علمية محكمة رصينة.
والوسائل متعددة وكل ما أسهم في تذليل عقبات اللقاء مع المستشرقين قصداً إلى الاستغناء عن الاعتماد عليهم في مجالات الدراسات والتعليقات فهو مقبول ما دام لا يجر إلى محذور يدخل في متاهات أخرى، وإن كان البعض ربما لا يروقه مثل هذا الأسلوب، ويرى إغفال القوم وعدم إعارتهم أي انتباه مباشر، والاستمرار في الوقوف مع إسهاماتهم نقداً ومراجعة، ولا أظن هذا الموقف سوف يغنينا عن الاعتماد على إنتاج المستشرقين العلمي مصدراً من مصادر المعلومات عن الإسلام والمسلمين وعن تراث المسلمين في ماضيهم وحاضرهم. ولا أرى من الحكمة تجاهل هذا الأمر وإثارة سؤال استنكاري حول التصدي لإسهامات المستشرقين في إثراء المكتبة الإسلامية بالأعمال حين يقال: ثم ماذا؟! ماذا يهمنا أن يقول عنا المستشرقون وأرى أن من الحكمة إعطاء هذا الأمر ما يستحق، لأني أزعم أنه جزء مهم وفاعل في محاولة نزع سلطان الدين من النفوس.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51224 العمر : 72
| |
| |
| أعمال المستشرقين مصدراً من مصادر المعلومات عن الإسلام والمسلمين | |
|