منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 رسالة في أحكام قيام الليل

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48361
العمر : 71

رسالة في أحكام قيام الليل Empty
مُساهمةموضوع: رسالة في أحكام قيام الليل   رسالة في أحكام قيام الليل Emptyالثلاثاء 05 يوليو 2016, 5:05 am

رســالة في أحكــام قيــام الليـل
تأليف:
سليمـــان بن ناصـــر العـلــوان
غفر الله له ولوالديه وللمسلميـن
=================
الطبعة الأولى

رسالة في أحكام قيام الليل 2Q==
بسم الله الرحمن الرحيم
خص الله بعض عباده بخير عظيم وعمل كبير، وفتح لهم من أبواب الخير والطاعة ما زكت به قلوبهم وعزّت نفوسهم واستنارت صدورهم وطابت حياتهم وأنسهم ونعيمهم، وبصّرهم بطريق الحق ويسّر لهم أسباب السعادة ومنّ عليهم بلذة العبادة ومناجاة الله في أسحارهم وخلواتهم.

قـــــــــــومٌ إذا جن الظلام عليهم
خمصُ البطونِ من التعفف ضمراً
باتــوا هنــالك سجّــداً وقيــامــــاً
لا يعرفون سوى الحلال طعامـــاً


قال ثابت البناني رحمه الله (ما شئ أجده في قلبي ألذّ عندي من قيام الليل) وقال سفيان رحمه الله (إذا جاء الليل فرحت وإذا جاء النهار حزنت) وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله (لأهل الطاعة بليلهم ألذ من أهل اللهو بلهوهم ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا))، فسبحان مَنْ تفضَّل على عباده بهذا النعيم قبل لقائه فحباهم من الخير والفضل ما فضلهم على كثير ممن خلق تفضيلاً فحازوا أسباب السعادة واستمسكوا بطريق النجاة فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

قال بعضهم:
(مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها؟ قيل وما أطيب ما فيها قال محبة الله تعالى ومعرفته وذكره).

وقال آخر:
(إنه لتمر بي أوقات أقول إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب).

وقال شيخ الإسلام رحمه الله:
(إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة).

والحديث عن هذه المقاصد العظيمة والمطالب العالية المتعلقة بفضل قيام الليل وشأنه في حياة القلوب وعز النفوس وانشراح الصدور ونعيم الأرواح ومجاهدة النفس والهوى ودفع الأعداء أمرٌ يطول ذكره.
 
وليس القصد من هذه الرسالة الحديث عن ذلك فأذ كر من أدلة الكتاب والسنة وهدي أئمة السلف ما فيه صلاح الدارين والفوز بالحسنيين وإنما القصد تقييد بعض المسائل في أحكام قيام الليل وذكر أدلتها وبيان صحيحها من سقيمها واستنباط الأحكام منها فلا تطيب الحياة إلا بهذا، ولا يعظم العلم ويثمر إلا بالفقه الصحيح والعودة إلى الدليل وفهم مقاصد الشريعة وأسرارها وتسخير الجهود في ربط الوسائل بالمقاصد والغايات وتحرير الأفهام والأفكار من وهَدِ التقليد، وتغشمُر التعصب.

فالرأي المجرد عن البرهان حجر على العقول وغلق لباب الاجتهاد وسدّ لطريقه وتضييق على المسلمين وتجهيل لفهومهم وعقولهم وهذا لا يدل عليه شرع ولا يقره عقل وصاحبه بمعزل عن العلم ولا يسمى عالماً وقد ذكر الإمام ابن عبد البر وغيره الاتفاق على أن المقلد ليس معدوداً من أهل العلم، وأن العلم معرفة الحق بدليله وهذا حق لم يختلف فيه الناس، فلا يزال الأئمة في كل عصر ينعون على المقلد الأعمى ويذمونه ويبيّنون للناس ضرره وسوء فعله وشذوذ فتاويه فياويله إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور وقد أفتى وقضى بما يخالف الكتاب والسنة ورضى للناس رأيه ورأي إمامه ولم يرض لهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

تالله إنها فتنة عظيمة ومصيبة كبيرة هجر من أجلها القرآن وتركت السنة وظهرت الآراء والأهواء فالله المستعان، وهذه المسألة كبيرة ولها أبعاد ومرامي وتحتاج إلى بسط وشرح وهذا المقام لا يمكن فيه ذلك ولكن هذه لطائف وإشارات دعت إليها الحاجة فإنّ ما لا يدرك كله لا يترك كله.

هذا وقد ذكرتُ في هذا الكتاب مذاهب أهل العلم ولاسيّما الأئمة الأربعة ورجحت من أقوالهم ما يقتضي الدليل ترجيحه ونبهت على مسائل يكثر الجهل بها وأخرى ليس عليها دليل صحيح وكل هذا على وجه الاختصار وإليك البيان.

المسألة الأولى:
اعلم أن الأفضل في صلاة الليل الثلث الأخير لأنه وقت نزول الرب جل وعلا، والحديث في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وجاء في صحيح  الإمام مسلم من طريق حفص وأبي معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ خاف أن لا يقوم آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل فإن صلاة آخر بالليل مشهودة وذلك أفضل)) وقال أبو معاوية محضورة.

ومَنْ قام أول الليل أو أوسطه فلا مانع من ذلك وفي كل خير غيرَ أن آخر الليل أفضل لأنه الأمر الذي استقر عليه فعل النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاء في الصحيحين وغيرهما من طريق مسلم عن مسروق عن عائشة قالت: (من كل الليل قد أوتر رسول الله فانتهى وتره إلى السحر) وفي رواية لمسلم من طريق يحي بن وثّاب عن مسروق عن عائشة قالت: (من كل الليل قد أوتر رسول الله من أول الليل وأوسطه وآخره فانتهى وتره إلى السحر).

وذهب أكثر أهل العلم إلى أن الوتر من بعد صلاة العشاء، سواء جمعت جمع تقديم مع المغرب، أو أخرت إلى منتصف الليل، وأما قبل صلاة العشاء فلا يصح على الراجح.

وقد جاء في مسند الإمام أحمد من طريق ابن هبيرة عن أبي تميم الجيشاني رضي الله عنه أن عمرو بن العاص خطب الناس يوم جمعة فقال: إن أبا بصرة حدثني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله زادكم صلاة، وهي الوتر، فصلّوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر...) إسناده صحيح، وقال عنه ابن رجب في فتح الباري (9/ 146) إسناده جيد، ومَنْ نام عن وتره أو نسيه، فله صلاته بعد طلوع الفجر، قبل صلاة الصبح.

فقد روى أبو داود بسند قوي والحاكم [1 / 302] وقال صحيح على شرط الشيخين من طريق محمد بن مطرف المدني عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى  الله عليه وسلم: (مَنْ نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره)، وهذا القول مروي عن جماعة من الصحابة والتابعين، وهو قول الإمام مالك، وقول للشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى.

وأما إذا فاته الوتر حتى طلعت عليه الشمس فقد قال بعض أهل العلم: يقضيه شفعاً، واستدلوا بما رواه مسلم في صحيحه (746) من طريق قتادة عن زرارة عن سعد بن هشام عن عائشة رضى الله عنها قالت: كان رسول الله إذا غلبه النوم أو وجع عن قيام الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة).

والقول الثاني في المسألة:
أنه يقضيه وتراً قاله طاووس ومجاهد والشعبي وغيرهم، وحجتهم في ذلك حديث أبي سعيد، وقد سبق ذكره، ولفظه (من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره) فهذا الخبر يدل على مشروعية قضاء الوتر بعد طلوع الشمس لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا ذكره) وقد قال الأوزاعي: (يقضيه نهاراً وبالليل ما لم يدخل وقت الوتر بصلاة العشاء الآخرة، ولا يقضيه بعد ذلك لئلا يجتمع وتران في ليلة. 

وأما خبر عائشة السابق فقد قيل ليس فيه نفي الوتر، فلعله أوتر أول الليل مقتصراً على أقل العدد لغلبة النوم أو الوجع، فلما أصبح صلى قيام الليل، وفي هذا التوجيه نظر، ويبعد حمل حديث عائشة على أنه أوتر أول الليل فإن هذا الأمر لو حدث لبينت ذلك عائشة فإن هذا الحكم من الأهمية بمكان.

والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم لم يوتر.. وقول عائشة رضي الله عنها: صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة يدل على ذلك فإنه لو أوتر أول الليل لصلى من النهار عشر ركعات فقد قالت عائشة رضي الله عنها ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة)) متفق عليه.

ويجاب عن حديث أبي سعيد بأنه لم يقل بعمومه أحد من الصحابة والمنقول عن بعضهم الوتر بعد طلوع الفجر قبل صلاة الصبح فيحمل الحديث على قضاء الوتر في هذا الوقت فإنه لا تعارض بين قوله صلى الله عليه وسلم  وفعله والله أعلم، وأما من ترك الوتر متعمداً حتى طلع الفجر، فالحق أنه قد فاته، وليس له حق القضاء، ففي حديث أبي سعيد وقد تقدم تقييدُ الأمر بالقضاء فيمن نام عن وتره أو نسيه، فدل مفهوم الخبر أن العامد بخلاف ذلك.

وقد روى ابن خزيمة في صحيحه (1092) من طريق أبي داود الطيالسي عن هشام الدستوائي عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [مَنْ أدركه الصبح ولم يوتر فلا وتر له) وأصل الحديث في صحيح مسلم (754) بدون هذا اللفظ وهو محمول على التعمد دون النوم والنسيان في أصح أقاويل أهل العلم والله أعلم.

المسألة الثانية: (في عدد ركعات قيام الليل)
ثبتت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم من  غير وجه أنه لا يزيد في  قيام الليل لا في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، فقد جاء في الصحيحين وغيرهما من طريق مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه أخبره أنه سأل عائشة رضي الله عنها كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلى أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلى ثلاثاً...).
 
قال ابن عبد البر رحمه الله:
(وأكثر الآثار على أن صلاته كانت إحدى عشرة ركعة)، وروى مالك في الموطأ بسند صحيح عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد أنه قال: أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة...)، وما جاء أن الناس كانوا يقومون في زمان عمر بن الخطاب في رمضان بثلاث وعشرين ركعة، فلا يصح. رواه مالك وغيره بسند منقطع.

وجاء عند عبد الرزاق عن داود بن قيس وغيره عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد أن عمر جمع الناس في رمضان على أبي بن كعب وعلى تميم الداري على إحدى وعشرين ركعة...)، وهذا الخبر غير محفوظ، ورواية مالك عن محمد بن يوسف بإحدى عشرة ركعة أصح من رواية داود.

وأهل العلم بالحديث يقدمون مثل مالك على من دونه بالحفظ فتقرر بهذا أن السنة عدم الزيادة على إحدى عشرة ركعة، لأن هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم، الذي داوم عليه ولم يذكر عنه خلافه وعليه جرى العمل في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه ووافقه عليه الصحابة ولم يأت عن أحد منهم شيء صحيح يخالف هذا وغاية ما يحتج به القائلون بسنية ثلاث وعشرين ركعة عمومات صحّ تقييدها، واجتماع الناس في عهد عمر على ذلك وهذا لا يصح والمحفوظ أنّه جمعهم على إحدى عشرة ركعة وقد تقدم على أن ترجيح هذا القول لا يجعل القول الآخر بدعة أو ضلالة فالمسألة اجتهادية والخلاف فيها محفوظ.

وقد قال أكثر أهل العلم بالزيادة ورأوا أن مَنْ صلى عشرين ركعة أو ثلاثاً وعشرين أو أكثر أنه مصيب ومأجور، وذكر الإمام ابن عبد البر رحمه الله إجماع العلماء على هذا فقال: (وقد أجمع العلماء على أن لا حدّ ولا شيء مقدراً في صلاة الليل وأنها نافلة  فمَنْ شاء أطال فيها القيام وقلت ركعاته ومَنْ شاء أكثر الركوع والسجود)، غير أن البحث عن الراجح والعمل بالأفضل مطلب من مطالب الشريعة، وقد بينت السنة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم الذي داوم عليه حتى فارق الحياة وجرى عليه عمل أصحابه من بعده أن قيام الليل إحدى عشرة ركعة في رمضان وغيره.

ولم يصح عن أحد منهم التفريق في رمضان بين أول الشهر وآخره على عادة الناس اليوم بل كانوا يقومون بهذا العدد طِوال حياتهم ويجتهدون في العشر الأواخر في الكيفية دون الكمية، فيطيلون القيام والركوع والسجود متلذذين بتدبر القرآن فهو حياة قلوبهم ومتنعمين بالوقوف بين يدي رب العالمين، ولم تكن همة أحدهم مصروفة إلى هَذّ القراءة ابتغاء بدعة يؤدونها آخر الشهر أو تكثير عدد الركعات والإخلال بالطمأنينة بحيث لا يمكن للمأموم متابعة إمامه إلا بمشقة وعناء نسأل الله العافية.
 
المسألة الثالثة: (في كيفية صلاة الليل)
ذهب الإمام مالك والشافعي وأحمد وطائفة من السلف إلى أن صلاة الليل مثنى مثنى إلاّ ركعة الوتر، على خلاف بينهم هل هذا على الوجوب أم على الاستحباب، وحجتهم في هذا ما جاء في الصحيحين وغيرهما من طريق مالك عن نافع وعبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى) وقوله: (مثنى مثنى) معدول عن اثنين اثنين، والمراد أن تُسلّم في كل ركعتين قيل وجوباً وقيل استحباباً.

قال في المبدع:
فإن زاد على ذلك فاختار ابن شهاب والمؤلف أنه لا يصح، قال أحمد فيمن قام في التراويح إلى ثالثة: يرجع وإن قرأ، لأن عليه تسليماً، ولابد، للخبر، وعنه يصح مع الكراهة، ذكره جماعة، وهو المشهور، سواء علم العدد أو نسيه) وعنه لا يكره وهو مذهب أبي حنيفة قال رحمه الله في صلاة الليل (إن شئت ركعتين وإن شئت أربعاً وإن شئت ستاً وثمانياً لا تسلم إلا في آخرهن) والأفضل في مذهبه صلاة أربع بسلام واحد لخبر عائشة في الصحيحين حين سألها أبو سلمة بن عبدالرحمن عن كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل قالت: يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثاً).

وهذا الحديث مجمل ليس فيه التصريح بصلاة أربع بسلام واحد والاحتمال فيه وارد وإن كنت استظهر فيه الأربع بسلام واحد جرياً على الأخذ بالظاهر حتى يرد لفظ صريح يخرجه عن ذلك، وحديث ابن عمر ((صلاة الليل مثنى مثنى)) لا يدل على وجوب التسليم في كل ركعتين ولفظه لا يساعد على ذلك فيحمل على الاستحباب وأنه الأكثر استعمالاً.

وغيره من الأحاديث تحمل على السنية في بعض الأحيان، والعبادات الواردة على وجوه متنوعة يعمل بها كلها وهذا أفضل من المداومة على نوع وهجر غيره  فإن هدي النبي صلى الله عليه وسلم عمل الأمرين على أن المداومة على نوع مراعاة للمصلحة ودرءاً للمفسدة قد تكون أفضل في وقت دون آخر كما أن المفضول يكون فاضلاً وهذا أمر عام في كل العبادات الواردة على هذا الوجه والقول الجامع فيها مراعاة المصالح وهذا يختلف باختلاف الأحوال والبلاد والأشخاص والله أعلم.

وهل يتشهد في الركعتين أم يصلي الأربع بتشهد واحد، لا أعلم في ذلك دليلاً والأظهر فيها التخيير، إن شاء صلى أربعاً بتشهد واحد، وإن شاء تشهد تشهدين، ولا يسلم إلاّ في آخرهن.


وأما الوتر:
فله أن يوتر بركعة، لحديث ابن عمر السابق (فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة...) متفق عليه، وعند مسلم من طريق شعبة عن قتادة عن أبي مجلز قال: سمعت ابن عمر يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الوتر ركعة من آخر الليل) وإن صلى قبلها شفعاً فهذا أفضل.

وله أيضاً الوتر بثلاث وخمس وسبع وتسع إلاّ أنه إذا أوتر بثلاث لا يتشهد تشهدين، بل يقتصر على التشهد في آخر الصلاة، والسنة أيضاً لمَنْ صلى تسع ركعات أن لا يجلس فيها إلاّ في الثامنة فيجلس ويذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض بدون سلام ثم يصلى التاسعة ثم يسلم، والحديث في صحيح مسلم من حديث عائشة وجاء في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعدما سلم وهو قاعد.

والتنويع في هذه الصيغ أفضل محافظة على السنة واتباعاً للنصوص الواردة في هذا الباب، والكل سنة بما في ذلك قيام الليل والوتر إلاّ أنه سنة متأكدة، كما هو قول جماهير العلماء من الصحابة والتابعين، وهو قول مالك والشافعي وأحمد، والأخبار في هذا متكاثرة، وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى وجوبه وقال غيره: واجب على أهل القرآن، والراجح قول الجمهور، وأنه سنة على عامة المسلمين.

وقد روى أبو داود في سننه من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبدالله بن الصُنابِحِيّ قال: زعم أبو محمد أن الوتر واجب، فقال عبادة بن الصامت: كذب أبو محمد، أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خمس صلوات افترضهن الله عز وجل مَنْ أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له، ومَنْ لم يفعل فليس له على الله عهد إن شاء غفر له وإن شاء عذبه) سنده صحيح.

ورواه أبو داود أيضاً من طريق محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز أن رجلاً من بني كنانة يدعى المخدجي سمع رجلاً بالشام يدعى أبا محمد يقول: إن الوتر واجب...).

وأما حديث أبي أيوب الأنصاري مرفوعاً: (الوتر حق على كل مسلم) فلا يصح إلاّ موقوفاً، قاله أبو حاتم والذهلي والدارقطني  وغيرهم، قال ابن حجر: وهو الصواب.

وأما حديث بريدة مرفوعاً: (الوتر حق فمَنْ لم يوتر فليس منا) الحديث رواه أبو داود وغيره، فإنه خبر لا يصح، في إسناده عبيد الله بن عبدالله العتكي، قال عنه البخاري عنده مناكير، وقال العقيلي لا يتابع على حديثه ولا يعرف إلاّ به، وقال ابن حبان يجب مجانبة ما ينفرد به.

وأما حديث علي مرفوعاً: (يا أهل القرآن أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر) ففي صحته نظر فقد رواه أبو داود من طريق زكريا وأبو داود والنسائي وابن ماجه من طريق أبي بكر بن عياش كلاهما عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي به ورواه سفيان الثوري وغيره عند الترمذي والنسائي عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي رضي الله عنه قال: (الوتر ليس بحتم كهيئة الصلاة المكتوبة ولكن سنة سنَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا هو المحفوظ فإن سفيان أحفظ وأضبط من كل من رواه عن أبي إسحق قال الترمذي (2/ 317) في جامعه وهذا أصح من حديث أبي بكر بن عياش.

فترجح من هذا قول الجمهور أن الوتر سنة وليس بواجب على أنه لو صح ليس نصاً في المسألة فقد دلت أحاديث أخرى على عدم الوجوب فيحمل هذا الخبر على تأكد السنية والله أعلم.

يتبع إن شاء الله...


رسالة في أحكام قيام الليل 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48361
العمر : 71

رسالة في أحكام قيام الليل Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة في أحكام قيام الليل   رسالة في أحكام قيام الليل Emptyالثلاثاء 05 يوليو 2016, 5:45 am

المسألة الرابعة: [فيما يقرأ في الوتر].
السنة لمن أوتر بثلاث أن يقرأ بعد الفاتحة (سبح اسم ربك الأعلى) وفي الثانية (قل يا أيها الكافرون) وفي الثالثة (قل هو الله أحد).

لحديث سعيد بن عبدالرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي بن كعب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يوتر بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم.

واستحب الإمامان مالك والشافعي رحمهما الله قراءة المعوذتين بعد الإخلاص، وذلك لما روى أبو داود والترمذي وابن ماجه من طريق خصيف عن عبدالعزيز بن جريج عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعة الأولى بسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية قل يا أيها الكافرون وفي الثالثة قل هو الله أحد والمعوذتين.

وروى ابن حبان في صحيحه والطحاوي والحاكم وغيرهم من طريق يحيى بن  أيوب عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة به، وصححه الحاكم ولم يتعقبه الذهبي بشيء، وحسنه ابن حجر في نتائج الأفكار.

وفي هذا نظر فلم يثبت في الحديث زيادة المعوذتين ولا تشرع قراءَ تهما بعد الإخلاص  وقد أنكر الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين زيادة المعوذتين.

وإليك البيان:
*خبر عائشة الأول فيه انقطاع، فإن ابن جريج لم يسمع من عائشة قاله الإمام أحمد وابن حبان وجماعة وقال البخاري في التاريخ الكبير (6/ 23) عبد العزيز بن جريج عن عائشة لا يتابع في الحديث، والراوي عنه خصيف بن عبدالرحمن سيء الحفظ، وضعفه أحمد وابن خزيمة وقال يحيى بن سعيد  القطان (كنا تلك الأيام نجتنب حديث خصيف).

وأما الحديث الثاني فلا يصح، وتفرد يحيى بن أيوب لا يحتمل، قال الأثرم: سمعت أبا عبدالله يسأل عن يحيى بن أيوب المصري فقال: كان يحدث من حفظه، وكان لا بأس به، وكان كثير الوهم في حفظه فذكرت له من حديثه عن يحيى عن عمرة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الوتر... الحديث، فقال: ها، من يحتمل هذا، وقال مرة: كم قد روى هذا عن عائشة من الناس ليس فيه هذا، وأنكر حديث يحيى خاصة).
 
وقال العقيلي: ((أما المعوذتين فلا يصح)) وحينئذٍ لا تشرع قراءتهما بعد الإخلاص لضعف الخبر في هذا  فيقرأ المصلي بالوارد من صحيح الأخبار (سبح اسم ربك الأعلى) في الأولى وفي الثانية (قل يا أيها الكافرون) وفي الثالثة (قل هو الله أحد) ولا يزيد على هذا.

وبعض أهل العلم لا يرى استحباب تقصد قراءة هذه السور الثلاث وفيه نظر، وحديث أبي بن كعب يرده، وقال بعض أهل العلم لا يداوم على قراءة هذه السور في الوتر لأنه يفضي إلى اعتقاد أنها واجبة.

وفي هذا القول قوة لأنّ المداومة لم تثبت، وأما التعليل ففيه نظر لأنه ينسحب على جميع السنن، وهذا غير صحيح.

واعلم أنه يستحب إذا سلم من وتره أن يقول سبحان الملك القدوس ثلاثاً لحديث أبي بن كعب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر... الحديث) وفيه فإذا سلم قال: سبحان الملك القدوس ثلاث مرات) رواه النسائي.

وفي حديث عبد الرحمن ابن أبزى وهو صحابي صغير (ويرفع بسبحان الملك القدوس صوته بالثالثة )، رواه أحمد والنسائي.
وزاد الدارقطني من حديث أبي ابن كعب (رب الملائكة والروح) ولا تصح هذه الزيادة والمحفوظ ما تقدم.

المسألة الخامسة: في القنوت.
القنوت في الوتر لم يثبت فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لا من قوله ولا من فعله، قال الإمام أحمد: لا يصح فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء...).

وقال الإمام ابن خزيمة رحمه الله: (ولست أحفظ خبراً ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الوتر...).

غير أنه ثبت عن بعض الصحابة رضى الله عنهم كما قال عطاء حين سئل عن القنوت قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يفعلونه. 

وجاء عن بعض الصحابة أنه لا يقنت إلاّ في النصف من رمضان، صح هذا عن ابن عمر، رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن ابن علية عن أيوب عن نافع عن ابن عمر.

وقال الإمام الزهري رحمه الله: (لا قنوت في السنة كلها إلاّ في النصف الآخر من رمضان)، رواه عبد الرزاق في المصنف، بسند صحيح.

وقال الإمام أبو داود قلت لأحمد: القنوت في الوتر السنة كلها؟ قال: إن شئت، قلت: فما تختار؟ قال: أما أنا فلا أقنت إلاّ في النصف الباقي، إلاّ أن أصلي خلف الإمام فيقنت فأقنت معه.

وذكر ابن وهب عن مالك في القنوت في رمضان أنه قال إنما    يكون في النصف الآخر من الشهر، وهذا مذهب الإمام الشافعي   رحمه الله، وفي وجه عنده يستحب القنوت في الوتر بالسنة كلها وهذه آخر الروايات عن الإمام أحمد رحمه الله. 

قال النووي رحمه الله: وهذا الوجه قوي في الدليل لحديث الحسن بن علي رضي الله عنهما.

أقول: وفي هذا نظر من وجهين:
الوجه الأول: أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في هذا الباب قاله أحمد وغيره، واستحباب المواظبة على أمر لم يثبت فعله عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه نظر.

وقد جاءت أحاديث كثيرة تصف وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في شيء منها أنه قنت في الوتر، ولاسيما أن هذه الأحاديث من رواية الملازمين له كعائشة رضي الله عنها، فلو كان يقنت كل السنة أو معظمها أو علم أحداً هذا لنقل ذلك إلينا.

الوجه الثاني: أن عمدة القائلين باستحباب القنوت في السنة كلها هو حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم  كلمات أقولهن في قنوت الوتر: (اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت) رواه أحمد وأهل السنن من طريق أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء عن الحسن به.

ورواه أحمد من طريق يونس بن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء بمثله و إسناده جيد، إلاّ أن زيادة (قنوت الوتر) شاذة، فقد رواه أحمد في مسنده عن يحيى بن سعيد عن شعبة حدثني بريد بن أبي مريم بلفظ ( كان يعلمنا هذا الدعاء، اللهم اهدني فيمن هديت...) وهذا هو المحفوظ لأن شعبة أوثق من كل من رواه عن بريد فتقدم روايته على غيره ومَن قَبل تفرّد الثقة عن أقرانه الذين هم أوثق منه بدون قيود ولا ضوابط فقد غلط، ومن أدّعى قبول زيادة الثقة إذا لم تخالف روايته ما رواه الآخرون فقد أخطأ.

فأئمة الحديث العالمون بعلله وغوامضه لا يقبلون الزيادة مطلقاً كقول الأصوليين وأكثر الفقهاء ولا يردونها بدون قيد ولا ضابط بل يحكمون على كل زيادة بما يقتضيه المقام وهذا الصواب في هذه المسألة وبيان وجهه له مكان آخر فالمقصود هنا ترجيح رواية شعبة على روايتي أبي اسحاق ويونس.

وبعد تحرير هذا وقفت على كلام لابن خزيمة رحمه الله يؤيد ما ذهبت إليه، قال: (وهذا الخبر رواه شعبة بن الحجاج عن بريد بن أبي مريم في قصة الدعاء، ولم يذكر القنوت ولا الوتر، قال: وشعبة أحفظ من عدد مثل يونس بن أبي إسحاق، وأبو إسحاق لا يعلم أسمع هذا الخبر من بريد أو دلسه عنه، اللهم  إلاّ أن يكون كما يدعي بعض علمائنا أن كل ما رواه يونس عن من روى عنه أبوه أبو إسحاق هو مما سمعه يونس مع أبيه ممن روى عنه.

ولو ثبت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالقنوت في الوتر أو قنت في الوتر لم يجز عندي مخالفة خبر النبي صلى الله عليه وسلم ولست أعلمه ثابتاً].

وقد تقدم قول الإمام أحمد: (لا يصح فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء) ولكن ثبت القنوت عن الصحابة رضي الله عنهم على خلاف بينهم، هل يقنت في السنة كلها أم لا، والحق فيه أنه مستحب في بعض الأحيان، والأولى أن يكون الترك أكثر من الفعل، وما يفعله بعض الأئمة من المثابرة عليه فغلط مخالف للسنة.

وإذا ثبت ضعف لفظة القنوت في خير الحسن، فاعلم أن القنوت يشرع بأي دعاء ليس فيه اعتداء ولا سجع مكلف وتلحين مطرب ونحو ذلك مما اخترعه المتأخرون مما لا أصل له في الكتاب ولا في السنة ولا جرى به عمل للأئمة، وغاية ما في  الأمر اجتهادات فردية ممن لا يملك حق الاجتهاد، أدّت إلى ترك المشروع وتتبع الآراء وتحكيم الأهواء، وقد جرّ هذا الأمر المغلوط إلى ملحوظات أخرى من إطالة الدعاء والمبالغة فيه بما يشق على المأمومين ويجعلهم في ملل وتألم وبغض للحال.

هذا والأفضل في دعاء القنوت أن يبدأ الداعي أولاً بحمد الله تعالى والثناء عليه ويُثَنّي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو فإن هذا أقرب إلى الإجابة من دعاء مجرد من الحمد والثناء، لما روى الترمذي في جامعه وأبو داود وغيرهما عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته فلم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عجل هذا ثم دعاه فقال له ولغيره: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليدع بعد بما شاء) قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح.

وحديث تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لسبطه الحسن بن علي أن يقول في قنوت الوتر: (اللهم اهدني فيمن هديت) صحيح بدون ذكر القنوت... وقد تقدم بيان ذلك، وحينئذٍ لا يصح الاستدلال    به على استفتاح دعاء القنوت بغير الحمد، قال ابن القيم رحمه الله (المستحب في الدعاء أن يبدأ الداعي بحمد الله والثناء عليه بين يدي حاجته ثم يسأل حاجته كما في حديث فضالة بن عبيد).

وقد دل هذا الحديث على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من أسباب إجابة الدعاء ومن هنا كان أبيُ بن كعب يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في قنوته بالصحابة رواه ابن خزيمة في صحيحه (2/ 155/ 156).

وقال الإمام إسماعيل القاضي في كتابه فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص/86): حدثنا محمد بن المثنى قال ثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن عبد الله بن الحارث أن أبا حليمة معاذاً كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت)، وهذا سند صحيح إلى أبي حليمة معاذ بن الحارث الأنصاري وهو مختلف في صحبته، وقد ذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وهو ممن أقامه عمر بن الخطاب يصلى التراويح بالناس في شهر رمضان.

*رفع اليدين في القنوت:
وأما رفع اليدين في القنوت فقد منعه الإمام الأوزاعي وجماعة من أهل العلم، حتى قال الإمام الزهري (لم تكن ترفع الأيدي في الوتر في رمضان) رواه عبد الرزاق (3 / 122) بسند صحيح.

وذهبت طائفة من أهل العلم وهم الجمهور إلى استحبابه لأن الأصل في الدعاء رفع اليدين، وقد قاسه جماعة من الفقهاء وأهل الحديث على قنوت النوازل.

فقد سئل الإمام أحمد عن القنوت في الوتر قبل الركوع أم بعده وهل ترفع الأيدي في الدعاء في الوتر؟ فقال: القنوت بعد الركوع، ويرفع يديه، وذلك على قياس فعل النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الغداة.

وقال أبو داود: سمعت أحمد سئل، يرفع يديه في القنوت؟ قال: نعم يعجبني، قال أبو داود: فرأيت أحمد يرفع يديه في القنوت.
وذكر البخاري في جزء رفع اليدين، من طريق أبي عثمان قال: كان عمر يرفع يديه في القنوت.

وذكر عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ في آخر ركعة من الوتر قل هو الله أحد ثم يرفع يديه فيقنت قبل الركعة).

قلت: هذا الأثر في إسناده ليث بن أبي سلِم، ضعيف الحديث وقد قال البخاري رحمه الله بعد ذكر أثر ابن مسعود: (وهذه الأحاديث كلها صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  وأصحابه لا يخالف بعضها بعضاً...).

وقال البيهقي رحمه الله: (إن عدداً من الصحابة رضي الله عنهم رفعوا أيديهم في القنوت مع ما رويناه عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

*وأما مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء فلم يثبت فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يصح عن الصحابة رضي الله عنهم لا في القنوت ولا في غيره، لا داخل الصلاة ولا خارجها.

وقد اعتاد بعض العامة فعل ذلك وهذا غلط، واعتاد آخرون رفع الأيدي عقب النوافل ومسح الوجه بها بدون دعاء وهذا أقبح من الأول والسّنة ترك المسح مطلقاً في الصلاة وغيرها.

قال الإمام أبو داود في مسائله: سمعت أحمد سئل عن الرجل يمسح وجهه بيديه إذا فرغ، قال: لم أسمع به، وقال مرة: لم أسمع فيه بشيء، قال: ورأيت أحمد لا يفعله.

وسئل مالك رحمه الله عن الرجل يمسح بكفيه وجهه عند الدعاء؟ فأنكر ذلك وقال: ما علمت.

وقال الحافظ البيهقي رحمه الله: (لست أحفظه عن أحد من السلف في دعاء القنوت، وإن كان يروى عن بعضهم في الدعاء خارج الصلاة وقد روي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث ضعيف وهو مستعمل عند بعضهم، خارج الصلاة، وأما في الصلاة فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح على ما فعله السلف رضي الله عنهم من رفع اليدين دون مسحهما بالوجه في الصلاة. وبالله التوفيق).
================
تمت الرسالة
على يد الفقير إلى الله
سليمان بن ناصر العلوان 
في مدينة بريدة 2/ 2/ 1418هـ  
والحمد لله رب العلمين
==============
الفهرس
الموضوع
المقدمة    
الرأي المجرد عن الدليل حجر على العقول    
المقلد ليس من العلماء   
الأفضل في صلاة الليل ثلث الليل الآخر   
لا يصح الوتر إلا بعد صلاة العشاء   
حكم من نام عن وتره أو نسيه    
حكم من ترك الوتر متعمداً   
الصحيح في قيام الليل وصلاة التراويح أنها إحدى عشرة ركعة    
تضعيف الأثر الوارد بثلاث وعشرين ركعة    
الزيادة على إحدى عشرة ركعة ليست بدعة ولا ضلالة    
البحث عن الراجح والعمل بالأفضل من مطالب الشريعة    
حاشية في بدعية دعاء ختم القرآن في الصلاة    
صلاة الليل مثنى مثنى   
الأفضل في مذهب أبي حنيفة صلاة الليل أربع بسلام واحد   
كلام عن العبادات الواردة على وجوه متنوعة   
الوتر بركعة   
القول الصحيح أن قيام الليل والوتر سنة مؤكدة   
الجواب عن أدلة القائلين بالوجوب    
تضعيف حديث (الوتر حق على كل مسلم)   
تضعيف حديث (من لم يوتر فليس منا)   
تصحيح قول علي رضي الله عنه (الوتر ليس بحتم كالمكتوبة    
السنة في القراءة بالوتر)    
تضعيف الحديث الوارد في قراءة المعوذتين بعد الإخلاص    
ماذا يقال بعد السلام من الوتر    
حكم القنوت في الوتر    
قال عطاء كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يفعلونه   
قول الإمام الزهري في ذلك    
تعقب على الإمام النووي    
تخريج حديث الحسن بن علي (علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن
شذوذ لفظة في الوتر    
قول الإمام ابن خزيمة في ذلك   
لا يشرع المداومة على القنوت   
لا يشرع الاعتداء والسجع في القنوت    
الأفضل في دعاء القنوت البدأ بحمد الله    
مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت    
حكم رفع اليدين في القنوت   
عدم جواز مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء    
قول الإمام أحمد في ذلك    
قول الإمام مالك في ذلك    
الفهرس.


رسالة في أحكام قيام الليل 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
رسالة في أحكام قيام الليل
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سادسًا: لماذا أَقُومُ الليل (نِيَّات قيام الليل)
» (15) قيام الليل
» (79) سُنَّة قيام الليل
» قيام الليل في رمضان
» (122) سُنَّة استفتاح قيام الليل

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: شـهــــــر رمـضـــــــان الـمـبـــــــارك :: الكـتـابـات الرمضـانيـة-
انتقل الى: