منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 الفصل الرابع: ابن الجزري بين التأثر والتأثير

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49250
العمر : 72

الفصل الرابع: ابن الجزري بين التأثر والتأثير  Empty
مُساهمةموضوع: الفصل الرابع: ابن الجزري بين التأثر والتأثير    الفصل الرابع: ابن الجزري بين التأثر والتأثير  Emptyالسبت 16 يناير 2016, 8:22 am

الفصل الرابع:
ابن الجزري بين التأثر والتأثير
وفيه مبحثان:
المبحث الأول:
تأثـر ابن الجـزري بمَـْن قبلـه
إنه من يتأمل حياة بن الجزري العلمية، ويتصفح مؤلفاته، ويتفحص أعماله ووظائف، يجده متأثراً تأثراً ظاهراً بأغلب أئمة القراءات وبأغلب شيوخه عموماً؛ حيث استقى من آثارهم مذهبه في الإقراء، واتخذ منها مصادر لمؤلفاته في القراءات...

وأما خصوصاً فإن تأثره كان أكبر وأبرز بالأئمة الثلاثة وهم:
- القاسم الشاطبي.
- أبو عمرو الداني.
- أبو عبد الله الذهبي.
وفي ثنايا هذا المبحث سوف نعرف بهؤلاء الأئمة الأعلام أقطاب علم القراءات ونحاول إبراز مدى تأثر ابن الجزري بهم ومدى استفادته من آثارهم.

المطلب الأول: تأثره بالقاسم الشاطبي
الإمام الشاطبي هو أبو محمد القاسم بن فيره بن خلف أحمد الشاطبي الرعيني الضرير، ولد سنة ثماني وثلاثين وخمسمائة بشاطبة الأندلس وتوفي سنة تسعين وخمسمائة كان أحد الأعلام المشتهرين في الأقطار.

قال فيه الإمام الذهبي:
"...وكان إماماً علامة ذكياً كثير الفنون منقطع القرين، رأساً في القراءات حافظاً للحديث بصيراً بالعربية واسع العلم"، قرأ القراءات بمسقط رأسه وأتقنها على أبي عبد الله محمد بن أبي العاص النفزي ثم رحل إلى بلنسية  فعرض القراءات وكتاب التيسير من حفظه على الشيخ أبي الحسن بن هذيل وسمع منه الحديث أيضاً وسمع على غيره كما قام بتحصيل كتاب سيبويه والكامل للمبرد وغير ذلك.

وبعد ذلك رحل إلى الحج فسمع من أبي طاهر السلفي بالإسكندرية واستوطن القاهرة حيث عرف قدر علمه فعظم وأكرم، وجعل شيخاً لإحدى مدارس القرآن بها فصار يقرئ فقصده الخلائق من شتى البلاد للقراءة عليه وكان يبدأ مجلسه من بعد صلاة الفجر ولا يبرحه حتى يأتي على آخر التلاميذ واحداً واحداً.

قال عبد الله بن الآبار في تاريخه:
"تصدر الإقراء فعظم شأنه وبعد صيته وانتهت إليه الرئاسة في الإقراء"، ومن جملة مَنْ قرأ عليه من التلاميذ العلامة أبو الحسن علي بن محمد السخاوي المقرئ المفسر النحوي، وهو من أجل أصحابه وهو من كان سبباً في العناية بالشاطبية ونشرها والترويج لها وتقديسها ومن تلاميذه أيضاً أبو عبد الله القرطبي ومرتضى بن جماعة والكمال الضرير وكل هؤلاء ممَّنْ قرأوا عليه وأكملوا القراءات وغيرهم كثير وكان ابن الجزري بالإضافة إلى الإقراء قد نظم ثلاث منظومات أولاها في القراءات السبع وثانيتها في الرسم القرآني وثالثتها في عد الآي معتمداً في ذلك على مؤلفات الإمام الداني.

وجملة ما نظمه الشاطبي ما يلي:
1- حرز الأماني ووجه التهاني وهي الشهيرة بالشاطبية في القراءات السبع وهي عبارة عن نظم لكتاب التيسير في القراءات السبع لأبي عمرو الداني.
2- عقيلة أتراب القصائد في الرسم العثماني وهي الشهيرة بالرائية وهي عبارة عن نظم لكتاب المقرئ في رسم مصاحف الأمصار للإمام الداني.
3- ناظمة الزهر في عد الآي وهي عبارة عن نظم لكتاب البيان في عد آي القرآن.
وقد كان لهذه القصائد الثلاث شأن عظيم لاسيما الشاطبية حيث حفظها الناس وساروا بها ورزقت من الشهرة والقبول ما لم يرزقه كتاب غيره.

قال ابن الجزري:
"...ولقد رزق هذا الكتاب من الشهرة والقبول ما لا أعلمه لكتاب غيره في هذا الفن، بل أكاد أن أقول: ولا في غير هذا الفن."

وقال الإمام الذهبي:
"...وقد سار الركبان بقصيدتيه: "حرز الأماني" وعقيلة أتراب القصائد" اللتين في القراءات والرسم، وحفظهما خلق لا يحصون، وخضع لهما فخول الشعراء وكبار البلغاء وحذاق القراء، ولقد أبدع وأوجز وسهل الصعب"، ولقد تأثر ابن الجزري بالإمام الشاطبي مبكراً، حيث كان أول ما حفظ بعد القرآن الكريم الشاطبية وأخذ يقرأ على شيوخه القراءات بمضمنها.

ويمكن أن نسجل ملامح هذا التأثر فيما يلي:
أولاً: الاعتماد على منهج الشاطبي في النظم
يتجلى ذلك من خلال النظر في منهج ابن الجزري في نظمه لقصائده في القراءات حيث نجده يعتمد على منهج الشاطبي في طريقة التصنيف وأسلوب التأليف.

وذلك ما نلاحظه فيما يلي:
أ- شكل القصائد
لقد حاكى ابن الجزري الشاطبي في شكل قصائده بأن جعل بعضها على وزن الشاطبية التي نظمت على البحر الطويل،وذلك ما نظمت عليه الدرة المضية في القراءات الثلاث المرضية ولم يكن التأثر حبيس بحر الشاطبية بل تعدى ذلك إلى رويها وقافيتها فكانت لامية، وما هذه المحاكاة لمنهج الشاطبي إلا لأن ابن الجزري كان يقصد من وراء عمله هذا إتمام عمل الشاطبي الذي قصره على القراءات السبع، حيث أتمه فجعله يشمل العشر، ولذا نجده يحاول ألا يقع تباين بين الشاطبية والدرة من حيث الشكل والنسق وطريقة النظم.

ب- استخدام المنهج الرمزي
لقد كان اعتماد الشاطبي على المنهج الرمزي حيث نجده يرمز لكل قارئ بحرف أبجدي يدل عليه في حال انفراده كما جعل رموزاً أخرى للمجموعات من الرواة والقراء في حال اجتماعهم ويستعمل هذه الرموز حيث يتعذر تسمية القراء والرواة للضرورة الشعرية ومن أمثلة ذلك أن الشاطبي رمز إلى الإمام نافع بالحرف (أ) وإلى عاصم بالحرف (ن) وإلى حمزة بالحرف (ف).
 
قال الشاطبي:
جعلت أبـا جـاد عـن كـل قــارئ  *** دليـلاً علـى المنظـوم أولا أولاً  
وهو ما نجده قد اعتمده ابن الجزري في طيبة النشر إلا أنه أضاف رموزاً جديدة للقراء الثلاثة التي لم ترو في الشاطبية وذلك نحو الحرف (ظ) الذي يرمز به إلى يعقوب والحرف (ث) الذي يشير به إلى أبي جعفر المدني.

قال ابن الجزري:
جعلت رمـزهــم علـى التــرتيب  ***  مـن نافـع كـذا إلـى يعقـوب 

ج- اعتماده طريقة الشاطبي في إيراد الطرق والروايات
لقد عمد الشاطبي إلى إيراد القراء السبع وأورد قراءة كل منهم من روايتين فقط، وأورد كل رواية من طريق واحد فقط، وهذه الطريقة نفسها التي عول عليها ابن الجـزري فـي قصيدتـه الدرة حيث أورد لكل قارئ روايتين ولكل راو طريق واحدة فقط.

ومثـال ذلك أنـه أورد قـراءة أبي جعفر المدنـي من روايتي ابن وردان وابـن جـماز، وأورد روايـة ابـن وردان مـن طريـق الفضـل بـن شاذان، ورواية بن جماز من طريق أبي أيوب الهاشمي وإن كان من روى عنهما كثيرين.

د- اعتماده الشاطبية كأصل
لقد عمد ابن الجزري في قصيدته الدرة المضية إلى جعل لكل قارئ من الثلاثة وراوييه أصلاً من الشاطبية، فإن هو وافق أصله في حكم المسألة فلا يذكره ولا يعرج عليه، وإن هو خالف ذكره ونطق له بالحكم فقد جعل نافع وراوييه أصلاً لأبي جعفر المدني و راوييه، وجعل أبي عمرو البصري وراوييه أصلا ليعقوب وراوييه، وجعل حمزة وراوييه أصلاً لخلف في اختياره وراوييه.

قال ابن الجزري  في بيان ذلك:
أبـو جعفـر عنه ابن وردان ناقـل  ***  كذاك ابن جماز سليمان ذو العلا
ويعقوب قل عنه رويس وروحهــم  ***  وإسحاق مع إدريس عن خلف تلا
لثان أبـو عمــرو والأول نافــع  ***   وثالثهـم عـن أصلـه تأصـلا
ورمزهـم ثـم الــرواة كأصلهـم   ***   فإن خالفوا أذكر وإلا فأهمــلا

هـ - اعتماده اصطلاح الشاطبي في ذكر الأحكام
قال الإمام الزبيدي في شرحه عن الدرة المضية: "وقد اصطلح فيها اصطلاحات الإمام الشاطبي، وربما يطلق الكلمة أو يعبر بعبارة غامضة… وقد اعتذر عن ذلك بقوله: "فالشهرة أعتمد، إذا ذكر التنكير استغنى عن ذكر التعريف، وإذا ذكر التعريف استغنى به عن ذكر التنكير".

وأوضح ذلك الإمام النويري في شرحه على الدرة فقال: "اختار الناظم -رحمه الله تعالى- ترتيب الشاطبي في نظم الدرة، وذلك في الحروف المختلف فيها والترجمة والرمز، تقديماً وتأخيراً وتخليلاً وإيراد الفصل، أي بالواو وتركه في أحرف لا ريب في اتصالها وتكرار الرمز لما عارض تزيين اللفظ أو تتميم القافية وأمثال ذلك مما سار عليه الشاطبي"، والاصطلاح نفسه أتبعه ابن الجزري في طيبة النشر.

ثانيا: إكماله لجهود الشاطبي
لقد نظم الإمام الشاطبي قصيدة حرز الأماني وتناول فيها أحكام القراءات السبع على اعتبار أنها المتواترة دون غيرها، ولما جاء الإمام ابن الجزري وقام بإلحاق القراءات الثلاثة إلى حضيرة السبع بأن أثبت تواترها، وعمل على إلحاقها بمنظومة الشاطبي، فنظم الدرة إتحافاً لها ولذا نجده حاول ألا يباين بين الدرة والشاطبية لا في الأسلوب ولا المنهج ولا الروي ولا القافية ولا الوزن ونظم أيضا طيبة النشر التي اشتملت على القراءات العشر من طرقها الثمانين فزادت على الشاطبية بنحو ست وستين طريقاً.

ثالثاً: إعجابه الشديد بالشاطبية
كان ابن الجزري من المعجبين بالشاطبية لما حوت من مادة علمية في أسلوب شعري بليغ مبدع موجز سهل فراح يحاكيها قدر استطاعته وكان قد وصفها بأنها لم ينظم على منوالها قط وأنها مضرب إعجاز البلغاء فقال: "...ومن وقف على قصيدته علم مقدار ما أتاه الله في ذلك خصوصاً اللامية التي عجز البلغاء من بعده عن معارضتها، فإنه لا يعرف مقدار مقدارها إلا من نظم على منوالها أو قابل بينهما وبين ما نظم على طريقها"، وكان -رحمه الله- قد عبر عن مكانه هذه القصيدة عنده بأنه أعطي وزنها فضة على أن يتنازل عنها لغيره فأبى ذلك فقال: "ولقد تنافس الناس فيها ورغبوا من اقتناء النسخ الصحاح بها إلى غاية حتى أنه كانت عندي نسخة باللامية والرائية بخط الحجيج صاحب السخاوي مجلدة فأعطيت بوزها فضة فلم أقبل".

رابعاً: اتخاذه الشاطبية كطريق أساس في النشر
لقد اعتمد ابن الجزري في جمع مادة كتابه النشر في القراءات العشر على جملة هامة من كتب القراءات.

وفي مقدمة تلك المؤلفات الشاطبية وشروحها الستة المشهورة وهي:
1- شرح الشاطبية لأبي الحسن السخاوي المتوفي سنة ثلاث وأربعين وستمائة.
2- شرح الشاطبية لأبي شامة المتوفى سنة خمس وستين وستمائة.
3- شرح الشاطبية لأبي العز الهمذاني المتوفي سنة ثلاث وأربعين وستمائة.
4- شرح الشاطبية لأبي عبد الله الفاسي المتوفي سنة ست وخمسين وستمائة.
5- شرح الشاطبية لأبي إسحاق الجعبري المتوفي سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة.
6- شرح الشاطبية لأبي العباس المقدسي المتوفي سنة ثمان وعشرين وسبعمائة.

خامساً: مقارنة أسانيده بأسانيد الشاطبي
كان ابن الجزري تواقاً لعلو الأسانيد كغيره من القراء والمحدثين؛ إذ علو الإسناد قربة إلى الله ورسوله، ونظراً لشهرة الشاطبي وسمو مكانته وعلو مقامه وتأثر ابن الجزري الكثير به راح يقارن بعض أسانيده العالية بأسانيد الإمام الشاطبي فكان له في بعضها المساواة بينه وبينه، وله في بعضها مساواة بينه وبين شيخ الشاطبي أي علا إسناد الشاطبي بدرجة بالرغم ما بينهما من فارق زمني؛ إذ هو حوالي قرنين من الزمن، وما كان ابن الجزري يطمح إلى علو الشاطبي ويعقد مقارنة بينه وبين الشاطبي في علو الإسناد إلا للتأثر الشديد به ومحاولة إدراك مقامه والتشبه به في أعماله ومميزاته وخواصه.

المطلب الثاني: تأثره بالإمام أبي عمرو الداني
الإمام أبو عمرو الداني هو عثمان بن سعيد بن عمرو الأموي مولاهم القرطبي المعروف في زمانه بابن الصيرفي، وبعده بأبي عمرو الداني لنزوله بدانية من بلاد الأندلس،وهو إمام علامة حافظ شيخ للقراء في زمانه، ولد أبو عمرو في سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة، وأخذ في طلب العلم سنة ست وثمانين بمسقط رأسه، ثم رحل إلى المشرق سنة سبع وتسعين أستوطن دانية، وظل بها حتى مات سنة أربع وأربعين وأربعمائة.

أخذ القراءات عرضاً على جماعة من القراء منهم: أبو الحسن طاهر بن غلبون وأكثر على أبي الفتح فارس بن أحمد، وروى كتاب السبعة في القراءات وسمع الحديث على جماعة وقرأ عليه جماعة كثيرة، ونبغ في علم القراءات والحديث وأسماء الرجال وأحوالهم كما كان له علم بالفقه ودراية بالتفسير وإلمام بسائر الفنون الأخرى.

قال ابن بشكوال:
"كان أحد الأئمة في علم القرآن ورواياته وتفسيره ومعانيه وطرقه وإعرابه جمع في دلك تواليف حساناً... وله معرفة بالحديث وطرقه وأسماء رجاله ونقلته، وكان حسن الخط، جيد الضبط من أهل الحفظ والذكاء والتفنن ديناً فاضلاً ورعاً سنياً".

وقال بعض الشيوخ فيه:
"لم يكن في عصره ولا بعد عصره -بمُدد- أحد يضاهيه في حفظه وتحقيقه وكان يقول: ما رأيت شيئاً إلا كتبته ولا كتبت شيئاً إلا حفظته، ولا حفظته ونسيته، وكان يُسأل عن المسألة مما يتعلق بالآثار وكلام السلف فيوردها بجميع ما فيها مسندةً عن شيوخه إلى قائليها".

وله جملة هامة في التآليف في علم القراءات والتجويد والرسم القرآني هي:
1- جامع البيان في القراءات السبع وهو أجمع كتبه حيث بسط فيه المشهور والغريب من طرق القراءات.
2- التيسر في القراءات السبع وهو مجلد اختصر فيه ما أورده في جامع البيان واقتصر فيه على إيراد روايتين لكل قراءة ولكل رواية، طريق واحدة فقط وقراءات سبع.
3- إيجاز البيان وهو مجلد تناول فيه كل ما يتعلق برواية ورش من طرق وأوجه.
4- كتاب التلخيص وهو أيضاً في رواية ورش غير أن هذا جاء مختصراً.
5- كتاب المقنع في رسم المصحف وهو مصنف تناول فيه أحكام الرسم القرآني وكيفياته وقواعده وأصوله.
6- كتاب المحكم في النقط وهو ما تناول فيه أحكام ضبط وشكل المصحف العثماني وكيفياته وأصوله.
7- كتاب المحتوى للقراءات الشواذ.
8- كتاب طبقات القراء وأخبارهم وهو في أربعة مجلدات.
9- كتاب في الوقف والابتداء.
10- كتاب اللامات والراءات.
11- كتاب مذاهب القراء في الهمزتين.
12- كتاب الفتح والإمالة.
13- كتاب اختلاف القراء في الياءات.
14- التمهيد لاختلاف قراءة نافع.
15- التحديد في الإتقان والتجويد.
16- منظومة الاقتصار في القراءات السبع وهي أرجوزة في مجلد.
وقد تأثر ابن الجزري كثيراً بالإمام الداني من خلال مؤلفاته في علم القراءات وفي طبقات القراء حيث كانت له عناية خاصة بمادة كتاب التيسير في القراءات السبع وكتاب جامع البيان الذي كان حقاً جامعاً لكل طرق وروايات القراءات السبع.

ويمكن أن نبرز مدى هذا التأثر بالداني من خلال الملاح التالية:
أولاً: الإفادة الكثيرة من كتب الداني
لقد أفاد ابن الجزري كثيراً من كتب الإمام الداني لاسيما كتاب التيسير وجامع البيان وطبقات القراء والتحديد في الإتقان والتجويد، وجعل تلك الكتب من أهم مصادر مؤلفاته، وكان لكتاب التيسير الأهمية الخاصة لدى ابن الجزري ذلك لأنه أصل الشاطبية التي سارت بها الركبان، ولأنه حصلت له روايته عن المؤلف نفسه بسند صحيح متسلسل كان في غاية العلو. 

ومن جهة أخرى فإنا نجد ابن الجزري إذا تعرض لجزيئات المسائل وذكر الخلاف فيها فإنه لا يفوته أن يذكر رأي الداني في المسألة مظهراً ذلك أو مضمراً، وربما كان ينقل ما حكاه الداني كاملاً بنصه ويبزره في كتابه، ومن ذلك ما أورده في معنى التجويد ومراتب القراءة وكيفية التلاوة فهو يكاد يكون ناقلاً نقلاً حرفياً عن كتاب التحديد للداني.

قال الدكتور غانم قدوري في تعليقه على هذا الباب:
"ما أورده المؤلف في هذا الباب هو الثاني موجود في كتاب التحديد في الإتقان والتجويد لأبي عمرو الداني مع تصرف يسير في العبارات"، وهذا النقل لم يصرح به ولم يشر إليه، ومما أفاده ابن الجزري من الداني وصرَّح به ما نقله عنه في مسألة بيان الظاء إذا وقعت قبل التاء فقال: "وقال الداني في كتاب التحديد له: وقد جاء عن أبي عمرو والكسائي ما لم يصح في الأداء ولا يؤخذ به في التلاوة".

ثانياً: إتحافه لكتاب التيسير للقراءات الثلاث
لقد صنف الإمام الداني كتابه التيسير وتناول فيه قراءات الأئمة السبعة فقط ولما جاء ابن الجزري رأى أن يلحق الٌقراءات الثلاث إلى كتاب التيسير فيصر في القراءات العشر، على أن يظل ملتزماً بمنهج الداني وطريقته في الكتاب، ومحافظاً على نصه ولفظه، وإذا ما دعت الضرورة لإضافة كلمة أو عبارة فإنه يمايز بين ما أضافه وبين ما هو أصل في الكتاب وسماه تحبير التيسير.

قال ابن الجزري بعد ما أضاف الدرة على الشاطبية:
"...رأيت أن أفعل ذلك في كتاب التسير، وأضيف إلى السبعة الثلاثة في أحسن منوال يكون كالتحبير... من غير  أن أغير لفظ الكتاب أو أعدل به إلى غيره من خطأ أو صواب...".

ثالثاً: اعتماد توثيق الداني لرواة القراءات
لقد كان اعتماد الإمام ابن الجزري في معرفة أحوال القراء السابقين عليه الذين ترجم لهم في طبقاته الصغرى والكبرى لاسيما المغاربة منهم على الإمام أبي عمرو الداني كما اعتمد على توثيق الإمام أبي العلاء الهمذاني في خصوص القراء المشارقة.

قال ابن الجزري:
"...وإذا كان صحة السند من أركان القراءة... تعين أن يعرف حال رجال القراءات كما يعرف أحوال رجال الحديث... وحرص الأئمة على ضبطه عظيما، وأفضل ما علمناه تعاطي ذلك وحققه وقيد شوارده ومطلقة إمام الغرب والشرق الحافظ الكبير الثقة أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني مؤلف التيسير وجامع البيان وتاريخ القراء وغير ذلك... ومن انتهى إليه علم تحقيق هذا العلم وضبطه وإتقانه من ببلاد الأندلس والقطر الغربي، والحافظ الكبير أبو العلا الحسن بن أحمد العطار الهمذاني في مؤلفه الغاية في القراءات العشر، وطبقات القراء وغير ذلك ومن انتهى إليه معرفة إليه معرفة أحوال النقلة وتراجمهم ببلاد العراق والقطر الشرقي، ومن أراد الإحاطة بذلك فعليه بكتابنا غاية النهاية".

وكان ابن الجزري يعتمد قول الداني في الرجل إذا اختلفت الأقوال فيه بين معدل ومجرح ومثال ذلك أنه اعتمد توثيق أبي أحمد السامري الذي تكلم فيه من جهة حفظه وقلة ضبطه لتوثيق الداني له بالرغم من تضعيفه عند الذهبي وأيضاً توثيقه للنقاش.


قال ابن الجزري في شأنه:

"وقد تكلم فيه وفي النقاش إلا أن الداني عدلها وقبلها وجعلها من طرق التيسير ، وتلقى الناس روايتهما بالقبول ولذلك أدخلناهما كتابنا."   

وقال أيضاً مرجحاً قول الداني بعد عرضه أقوال مجرحيه:

"...وخيار من أثنى عليه الداني قبله وزكاه قلت: وناهيك بالداني سيما في رجال القراءة".

رابعاً: اعتماد طبقات الداني كأصل في كتاب غاية النهاية
لقد اعتمد ابن الجزري في كتابه طبقات القراء الكبرى والصغرى على جملة من المصادر في التاريخ والتراجم إلا أنه جعل الأصل المعتمد فيها هو طبقات القراء للداني وطبقات القراء للذهبي واعتماده على طبقات الداني كان أكثر ذلك لتقدم الداني على الذهبي بنحو ثلاث قرون ولضلوع الداني في معرفة أحوال القراء.

وهذا ما صرح به ابن الجزري في مقدمة طبقاته فقال:
"فهذا كتاب غاية النهاية، ومن حصله أرجو أن يجمع بين الرواية والدراية ،اختصرت فيه كتاب طبقات القراء الكبير الذي سميته نهاية الدرايات في أسماء رجال القراءات وأتيت فيه على جميع ما في كتابي الحافظين أبي عمرو الداني وأبو عبد الله الذهبي وزدت عليهما نحو الضعف".

خامساً: إعجابه بشخصية الداني والثناء على بعض مصنفاته
لقد عرف ابن الجزري الإمام أبا عمرو الداني فأعجب بشخصيته العلمية من خلال ما أثبته في مؤلفاته الجياد الحسان فراح يقتني ويملك كل ماعتر عليه منهما.

قال ابن الجزري:
"ومن نظر كتبه علم مقدار الرجل وما وهبه الله  تعالى فيها فسبحـان الفتـاح العليـم، ولاسيمـا كتابـه جامع البيان فيما رواه في القراءات السبع".

وقال أيضاً في كتاب طبقات القرء للداني:
"وكتاب طبقات القراء في أربعة أسفار وهو عظيم في بابه لعلي أظفر بجمعيه إن شاء الله تعالى".

وقال بعد سرد كتبه ومؤلفاته:
"... وغالب ذلك رأيته وملكته".

المطلب الثالث: تأثره بالإمام أبي عبد الله الذهبي
الإمام الذهبي هو محمد بن أحمد بن عثمان بن قيماز أبو عبد الله الذهبي ولد سنة ثلاث وسبعين وستمائة، وكانت له عناية بالقراءات منذ صغره فقرأها إفراداَ وجمعاً، ورحل في سبيل تحقيقها وإتقانها، فقد رحل إلى الإسكندرية وقرأ على علي بن يحي الصواف بعض القراءات ورحل إلى بعلبك وقرأ على الموفق النصيبي، وقرأ كثيراً من كتب القراءات السبع والعشر وغيرهما، وقرأ أيضاً على الشيخ جمال الدين أبي إسحاق إبراهيم بن غالي المقرئ بالجمع الكبير وقرأ كتاب المبهج في القراءات لسبط الخياط وكتاب السبعة وغيرهما على جملة من الشيوخ.

ونتيجة لهذا كله أصبح الذهبي الأستاذ الحافظ الثقة الكبير كما وصفه ابن الجزري، وكان الذهبي بعد ما برع في القراءات وتمكن منها قد تولى حلقه شيخه محمد بن عبد العزيز الدمياطي المقرئ النجود بعد مرضه الذي توفي فيه، وهي حلقة بالجامع الأموي فصار يقرئ بها ويدرس التجويد إلا أنه لم يطل به المقام فيها حيث نازعه فيها أبو عبد الله الرقي فأخذها منه حين سافر في وحلة إلى بعلبك. 
 
قال الذهبي:
"ولما سافرت إلى بعلبك سنة ثلاث وتسعين وتعوقت بالقراءات على الموفق، وثبت على حلقتي فأخدها لكوني لم أستأذن الحاكم في الغيبة وهو الآن يقرأ بالجامع"، وبالرغم من أستاذيته في القراءات إلا أنه ليس له من التلاميذ مَنْ أكمل عليه القراءات، حيث كل من قرأ عليه إما قرأ بعض القرآن بالقراءات أوختمات مفردات لبعض الأئمة القراء فهذا أحمد بن إبراهيم المنبجي الطحان، قرأ عليه جميع القرآن بقراءة أبي عمرو البصري، وقرأ عليه سورة البقرة فقط بالجمع وسمع منه الشاطبية يحي بن أبي بكر البوني وحدث بها في اليمين آخرين.

ولما أضر الذهبي في آخر حياته ترك الاشتغال بالقراءات وتفرغ للحديث وأسماء رجاله، فبلغت شيوخه في الحديث وغيره نحو الألف على ما قدره ابن الجزري، وهذا يدل على مقدار علمه وسعة إطلاعه ورسوخ قدمه في هذا الفن، وتوفي سنة ثماني وأربعين وسبعمائة، وكان الذهبي -رحمه الله- حريصاً على التأليف فصنف مؤلفات في غاية الحسن والجودة والجمع.

وأهم تلك المؤلفات ما يلي:
1- أخبار قضاء دمشق
2- الإعلام بالوفيات
3- تاريخ الإسلام في اثني عشر مجلداً
4- تذكرة الحفاظ في مجلدين
5- تقويم البلدان
6- تهذيب التهذيب في أسماء الرجال
7- الدرر اليتيمية في سيرة ابن تيمية
8- دول الإسلام في التاريخ
9- سير أعلام النبلاء في التاريخ والتراجم وهو في عشرين مجلداً
10- العبر في خبر من غير
11- معرفة القراء الكبار في مجلدين
12- ميزان الاعتدال في نقد الرجال وهو في مجلدين وغير ذلك
ولقد تأثر الإمام ابن الجزري بالإمام الذهبي أيما تأثر لاسيما في كتابه معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار، وكتابه تاريخ الإسلام.

ونلحظ مدى ذلك التأثر من خلال الملامح التالية:
أولاً: اعتماده كتابه معرفة القراء الكبار كأحد أصوله في طبقاته
رأينا أن ابن الجزري قد جعل كتابه غاية النهاية في طبقات القراء يعتمد على أصلين أساسين هما:طبقات الداني ثم طبقات الذهبي وابن الجزري كان قد أثبت كل ما أثبته الذهبي وزاد عليه واستدرك، ولدقة ابن الجزري وأمانته العلمية كان يثبت كلام الذهبي بالأحمر مخالفاً لون النص الأصلي لكتابه.

قال ابن الجزري في مقدمة طبقاته:"فهذا كتاب غاية النهاية... أثبت فيه على في كتابي الحافظين: أبي عمرو الداني وأبي عبد الله الذهبي-رحمهما الله- وزدت عليهما نحو الضعف فما كان في كتاب الذهبي كتبه بالحمرة وما زدت عليه كتبت اسمه وإسم أبيه بالحمرة جميعاً"، واعتماد ابن الجزري على طبقات الذهبي كان أكبر من اعتماده على طبقات الداني ذلك لأن كتاب الذهبي كان بحوزته كاملاً بينما لا يملك من كتاب الداني بعضه، ذلك أنه صرح أنه في بحث عن إكماله لعله يظفر بجميعه.
يتبع إن شاء الله...



الفصل الرابع: ابن الجزري بين التأثر والتأثير  2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الخميس 10 يونيو 2021, 5:23 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49250
العمر : 72

الفصل الرابع: ابن الجزري بين التأثر والتأثير  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الرابع: ابن الجزري بين التأثر والتأثير    الفصل الرابع: ابن الجزري بين التأثر والتأثير  Emptyالسبت 16 يناير 2016, 8:31 am

ثالثاً: تأثره بمنهج الذهبي في طبقاته
إن المتأمل في كتاب معرفة القراء الكبار يجد أن الإمام الذهبي اعتمد في تراجمه على عرض وبيان العناصر التالية:
- اسم المترجم له واسم أبيه وجده وكنيته ونسبته
- ذكر ألقاب المترجم له العملية
- مولد المترجم له
- شيوخه الذين أخذ عنهم
- تلاميذه الذين أخذوا عنه
- حال المقرئ وأقوال أصحاب الجرح والتعديل فيه واعتماد أحدها حال الاختلاف
- ذكر سنة وفاة المترجم له


وإذا ما تصفحنا طبقات ابن الجزري، وتفحصنا منهجه في عرض تراجمه وجدنا المنهج نفسه الذي سلكه الذهبي، وإن كان هناك بعض التصحيحات والإضافات على أقوال الذهبي فهي لا تخرجه عن المنهج الذي اعتمد الذهبي، كما نجد ابن الجزري –أيضاً- يهمل بيان حالة المترجم له الاجتماعية والسياسية والإشارة إلى حوادث عصره وهو ما دأب عليه الذهبي من قبل.

ثالثاً: الإفادة الكثيرة من طبقات الذهبـي
لم يكتف ابن الجزري بأن يسلك منهج الذهبي في طبقاته بل أفاد منه أيضاً في مواضع كثيرة جداًّ، لاسيما في تلك المواقف التي يكون فيها الذهبي شاهداً أوحاضراً أو معاصراً، ومن أهم تلك الأمثلة التي أفاد فيها ابن الجزري من طبقات الذهبي ما ذكره في ترجمة قنبل شيخ القراء بالحجاز من قيامه بشؤون الشرطة بمكة حيث قال: "قال الذهبي: إن ذلك كان في وسط عمره، فحمدت سيرته، ثم إنه طعن في السن وشاخ وقطع الإقراء قبل موته بسـبع سنين".

وأفاد منه أيضاً في ترجمة ابن مقسم البغدادي عند تعرضه لحفظه فقال: "وقال الذهبي: كان أحفظ أهل زمانه لنحو الكوفيين، وأعرفهم بالقراءات مشهورها وغريبها وشاذها"، وأفاد منه كذلك في ترجمة أبي عبد الله التاذفي لدى ذكر مكانته العلمية فقال: "قال الذهبي: حضرت عنده وكتبت عنه، ولم أنشط للجمع عليه، وكان حاذقاً بالفن مليح الحل لرموز الأماني والعقلية وأقام برهة ثم انتقل إلى حماه يقرئ بها ويدرس إلى أن توفي في رمضان...".

رابعاً: اعتماده على ترجيحات الذهبي
كان ابن الجزري في أحيان كثيرة إذا ما عرض لمسائل الخلاف في بعض تراجمه فإنه يميل إلى ترجيحات الذهبي لاسيما في أحوال الرجال وضبط أسمائهم وتحديد تواريخ ميلادهم ووفياتهم، ومن الأمثلة لذلك ما ذكره ابن الجزري في ابن شنبوذ لدى عرضه الاختلاف في عدالته، إذ كان يقرئ بالشاذ الذي يخالف رسم المصحف العثماني، وعقد له مجلس تأديب بسبب ذلك فقال ابن الجزري: "قال الذهبي الحافظ: ...مع أن الخلاف في الجواز ذلك معروف بين العلماء  قديماً وحديثاً، فقال: وما رأينا أحداً أنكر القراء بمثل قراءة يعقوب وأبي جعفر، وإنما أنكر القراءة بما ليس بين الدفتين، والرجال كان ثقة في نفسه صالحا ديناً متبحراً في هذا الشأن لكنه كان يحط على ابن مجاهد".

وذهب الذهبي إلى توثيق ابن شنبوذ بناء على أن الإقراء بالشاذ ليس قادحاً لذاته إذا كان المقرئ يعتقد جوازه، على خلاف من أقرأ به وهو يعتقد حرمة ذلك، وهذا الذي رجحه الذهبي مال إليه ابن الجزري فقال: "أبو الحسن البغدادي شيخ القراء بالعراق، أستاذ كبير أحد من رجال في طلب القراءات مع الثقة والخير والصلاح والعلم".

خامساً: اختصاره  لكتاب الذهبي تاريخ الإسلام
نلحظ أيضاً أن من ملامح تأثير ابن الجزري بشخصية الذهبي العلمية وبما حوته مؤلفاته من فوائد ودرر أنه قام باختصار كتابه تاريخ الإسلام خدمة للكتاب وتسهيلاً على مبتغيه وطالبيه، إذ بلغ الكتاب نحو اثني عشر مجلداً.

سادساً: ثناؤه على كتاب طبقات القراء
لقد أشار ابن الجزري في ترجمة الذهبي إلى عموم مؤلفاته وخص بالذكر كتاب معرفة القراء الكبار ووصفه بالحسن والجودة فقال: "... وكتب كثيراً وألف وجمع وأحسن في تأليف طبقات القراء"، وليس لهذا الوصف بالحسن إلا دلالة على إعجابه بهذا الكتاب وتأثره به، وفي ختام الحديث عن هؤلاء الذين تأثر بهم ابن الجزري نسجل أن تأثره بهم لم يكن له مانعاً من تعقب أقوالهم والاستدراك عليهم وبيان الصواب في مواطن كثيرة، فقد خالف الشاطبي في عدد مخارج الحروف حيث ذهب الشاطبي إلى أنها ستة عشر مخرجا، بينما ذهب ابن الجزري إلى إنها سبعة عشر.

واستدرك على الداني في تسمية أبي بكر السلمي حيث سماه محمد بن عبد الوهاب، فقال: "... وقال فيه الداني محمد بن عبد الوهاب فأسقط اسم أبيه"، وأستدرك أيضاُ على الذهبي في شأن إسماعيل بن مسلم المكي: "فقال: وقال الحائط الذهبي: هذا المكي لا يعرف" فقال: الجزري: "قلت: بل هو معروف قرأ على ابن كثير ولكنه ضعيف"، ومن خلال هذا برزت شخصية ابن الجزري وظهر استقلاله العلمي.

المبحث الثاني: أثـر ابـن الجـزري فيمـن جـاء بعـده
لا شك أن ابن الجزري بشخصيته العلمية الفذة قد ترك أثراً كبيراً لدى تلاميذه ولدى من جاء بعدهم من خلال جهوده التي بذلها في مجالسه إقراء وتحديثاً، ومن خلال آثاره ومؤلفاته الجياد في علم القراءات والحديث والتراجم وبيان مدى ذلك التأثير في المطلبين التاليين:

المطلب الأول:
أثره في تلاميذه وأصحاب الشروح والمختصرات والترجمات

أولاً: أثره في تلاميذه
لقد تبين مما تقدم من تلاميذ ابن الجزري أنه قد تتلمذ عليه عدد كثير من طلبة العلم لاسيما في علم القراءات، وكان الكثير منهم قد تأثر به فسلك مسلكه واقتفى أثره في الإقراء والتأليف، فمنهم من حفظ  بعضاً من كتبه. فهذا ابنه أبو بكر أحمد قد حفظ النشر في القراءات العشر وتقريبه وطيبته وشرح عدد منها، وذلك ابنه الآخر أبو الخير محمد قد حفظ المقدمة الجزرية وذلك محمد بن محمد ميمون البلوي قد حفظ اللامية.

ومنهم من ألف وصنف في القراءات والتجويد تأثراً به، ومن هؤلاء إبراهيم بن عمر البقاعي الذي صنف كتابه القول المفيد في أصول التجويد، وألف كتابه: كفاية القارئ في رواية أبي عمرو، ومنهم الإمام محمد بن محمد أبو القاسم النويري الذي ألف في القراءات الثلاث وشروحها ومنهم من قام بشرح بعض مؤلفات شيخه كما فعل عثمان بن عمر الزبيدي الناشري الذي قام بشرح منظومة الدرة، والإمام أبو القاسم النويري الذي شرح طيبة النشر في مجلدين.

ومنهم من تصدر للإقراء ببلدة اقتفاء أثر شيخه كطاهر بن محمد بن علي بن مكين النويري الذي ولي الإقراء بالجامع الطولوني، وخطاب بن عمر بن مهنا بن يوسف بن يحي الغزاوي العلجوني الدمشقي الذي تصدر للإقراء بدمشق وصار المشار إليه بها، وأحمد بن أسد بن عبد الواحد الأسيوطي الذي ظل زمانا يقرئ الناس إلى أن مات، وعلي بن حسن الخرمابادي الذي ولاه ابن الجزري مدرسته القرآنية التي أنشأها بدمشق فظل على مشيختها حتى أدركته منيته، والشيخ محمد بن أبي بكر الحمصاني الذي تصدى للإقراء وولي مشيخة القراءات بالمدرسة الشيخونية.

وهذا ابنه أبو الفتح تولى جميع وظائف أبيه من إقراء وتدريس وخطابة... بعد ما هاجر نحو بلاد الروم، وظل أبو الفتح على تلك الوظائف إلى أن مات فخلفه فيها أخوه، ومن هذا يتضح مدى تأثر هؤلاء التلاميذ والأبناء بشيخهم ومدى اقتفائهم أثره ومدى سيرهم على نهجه.

ثانياً: أثره في أصحاب الشروح والمختصرات والترجمات
لم يكن أثر ابن الجزري حبيس تلاميذه في حياته بل أمتد ذلك بعد موته من خلال مؤلفاته النافعة الغزيرة حيث حفل بعضها بشروح وبعضها بمختصرات وبعضها بترجمة إلى لغات أخرى.

وإليك بيان بعض أولئك المتأثرين:
1- أصحاب الشروح
لقد كانت قصائد ابن الجزري موجزة مختصرة معتمدة على الأسلوب الرمزي وملغزة أحياناً ، فكانت بذا تقتضي شرحاً ميسراً لتكون في متناول الطلبة والباحثين، ومن عكف على شرح قصائده من يلي:

أ – شراح متن الدّرة المضية
لقد قام بشرح هذه المنظومة المشتملة على القراءات الثلاث جماعة من المشتغلين بفن القراءات والمهتمين بإيضاح مسائله ومن أولئك:
-عثمان بن عمر الناشري الزبيدي وأسمى شرحه الإيضاح على متن الدرة.
- جمال الدين حسن بن علي الحصني المتوفي سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة وسمى شرحه الغرة في شرح الدّرة.
- على بن حسين الصعيدي الرملي المتوفي بعد سنة ثلاثين ومائة وألف والذي سمى شرحه المنح الإلهية في شرح الدرة المضية وهو بصدد التحقيق من طرف صاحبنا الأستاذ المقرئ زياد أحمد الحج الطرابلسي اللبناني.
- وعبد الفتاح القاضي الذي سمى شرحه الإيضاح لمتن الدرة.

ب – شراح متن الطيبة
قام بشرح هذه المنظومة المشتملة على القراءات العشر من طرقها الثمانين كل من:
- أحمد ابن المؤلف.
- أبو القاسم النويري.


جـ - شارح العقد الثمين
قال في كشف الظنون: "العقد الثمين… شرحه سراج الدين أبو حفص عمر بن قاسم الأنصاري وسماه العقد الجوهري في حل ألغاز الجزري".

د – شرح المقدمة
أول الشارحين لهذه المقدمة المشتملة على أحكام التجويد أبو بكر أحمد ابن المؤلف وسمى شرحه الحواشي المفهمة لشرح المقدمة.
- الشيخ زكريا الأنصاري المتوفى سنة ست وعشرين وتسعمائة والذي وضع حاشيته على شرح أبي بكر وسماها الحواشي المفهمة في شرح المقدمة، وله أيضا شرح غير هذا وهو المشهور بشرح شيخ الإسلام.
- أبو العباس أحمد بن محمد القسطلاني المتوفى سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة وسمى شرحه العقود السنية في شرح المقدمة الجزرية.
- الشيخ رضي الدين محمد بن إبراهيم الحلبي المعروف بابن الحنبلي المتوفى سنة ستين وتسعمائة وسمى شرحه الفوائد السرية في شرح المقدمة الجزرية.
- المولى عصام الدين أحمد بن مصطفى الشهير بطاش كبرى زاده المتوفى سنة ثماني وستين وتسعمائة.
- الشيخ خالد بن عبد الله الأزهري المتوفى سنة خمس وتسعمائة والذي سمي شرحه بالحواشي الأزهرية في حل ألفاظ المقدمة الجزرية.

2 – أصحاب المختصرات
نظر لأهمية كتاب النشر في القراءات العشر وكبر حجمه وتشعب مسائله قام باختصاره وتهذيبه من بعد اختصار المؤلف له كل من:
- القاضي أبو الفضل محمد بن محمد بن محمد بن الشحنة الحلبي المتوفى سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة.
- الشيخ مصطفى بن عبد الرحمان الإزميري الرومي الحنفي المتوفى سنة خمس وخمسين ومائة وألف، في نحو النصف.

3 – المترجمين إلى اللغات الأجنبية
لقد حظيت بعض مؤلفات ابن الجزري شهرة عالية لما تضمنه من نوادر ودرر ونفائس في مسائل علم القراءات وتمكينا للطلاب غير العرب قام بعضهم بترجمة ما رآه هاما وكان قد تأثر به إلى لغته.


ومن بين هؤلاء:
- الشيخ محمد بن عمر المعروف بقرود المتوفى سنة ستة وتسعين وتسعمائة الذي قام بشرح المقدمة في التجويد باللغة التركية.
- والشيخ أصيل الدين عبد الله بن عبد الرحمان الحسيني الواعظ الذي ترجم عدة الحصن الحصين إلى اللغة الفارسية وذلك سنة سبع وثلاثين وثمانمائة.
- والشيخ يحيى بن عبد الكريم الذي ترجم الحصن الحصين إلى التركية وسماه مصباح الجنان.

المطلب الثاني: أثره في أصحاب الإفادات
لقد ظلت مؤلفات ابن الجزري في علم القراءات مصدراً أساساً ومورداً هاماً للمهتمين بالدراسات القرآنية من بعده ولا أكون مبالغاً إذا قلت: إنه لا يسع الباحث في فن القراءات أن يستغني عن مؤلفاته لما حوته من صحيح القراءات والروايات والطرق ولما تضمنه من مسائل كانت غاية في الدقة وأراء كانت غاية في السداد.

وممن استفاد من آثار ابن الجزري وأرائه من العلماء الأئمة الثلاثة:
- الشيخ أحمد بن محمد الدمياطي الشهير بالبناء.
- الشيخ متولي.
- الشيخ عبد الفتاح القاضي.

واختياري لهؤلاء الثلاثة بقصد التمثيل فقط لا بقصد الحصر وإلا فكل من جاء بعده كان عالة على أراءه وتحقيقاته، وبيان مدى تأثر هؤلاء الثلاثة به فيما يلي:

أولاً: الشيخ البنـاء
الشيخ البناء هو أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الغني الدمياطي الشافعي الشهير بالبناء، إمام مقرئ حفظ القرآن مبكراً ثم رحل إلى القاهرة وأخذ القراءات على شيوخها، وبلغ من الدقة والتحقيق غاية قلّ من يدركها، وألف جملة من المصنفات منها كتاب إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربع عشرة أظهر فيه سعة إطلاعه وزيادة اقتداره، حيث ذكر فيه جملة من العلوم القرآنية: القراءات والرسم القرآني وعد الآي وكانت له عناية فائقة بتوجيهات القراءات كما تضمن كتابه فوائد أخرى توفي سنة سبع عشرة ومائة وألف.

وكان الشيخ البناء في كتابه الإتحاف ظاهر التأثر بالإمام ابن الجزري ونلمح ذلك من خلال النقاط التالية:
1- اعتماده على مؤلفات ابن الجزري:
لقد كان اعتماد البناء في كتابه الإتحاف على كتاب النشر وتقريبه وطبية وشروحها، وهو ما صرح به البناء نفسه في قوله لدى في مقدمته فقال: "...فخطر لي... أن ألخص ما صح وتواتر من القراءات العشر حسبماً تضمنته الكتب المعتمدة المعول عليها ككتاب النشر في القراءات العشر وطبيته وتقريبه للشيخ الذي ترجموه بأنه لم تسمح الأعصار بمثله، ووصف كتابه النشر بأنه لم يسبق بمثله، وكشرح طيبته للإمام أبي القاسم العقيلي الشهير بالنويري".

2 – الإفادة الكثيرة من مؤلفات ابن الجزري
لقد استفاد البناء كثيراً من مؤلفات ابن الجزري وربما كان ينقل عنه بعض المسائل كاملة ويوردها في كتابه على أنها مسلمة لا خلاف فيها، ومن ذلك ما ذكره في تعريف القراءات والمقرئ والقارئ... فقال في المقرئ: "والمقرئ من علم بها أداءً ورواها مشافهة، فلو حفظ كتاباً امتنع عليه إقراؤه بما فيه إن لم يشافهه من شيوخه مسلسلاً، لأن في القراءة شيئاً لا يحكم إلا بالسماع..."، وهذا التعريف هو نفسه الذي ذكره ابن الجزري في منجد المقرئين ولم يذكر البناء غيره من التعاريف مما يدل أنه يتبنى هذا التعريف ولا يرى غيره.
 

3 – سلوكه منهج النشر في إيراد الطرق
لقد عمد البناء في كتابه الإتحاف إلى إيراد كل قراءة من روايتين وكل رواية من طريقتين، وهذا هو الذي سلكه ابن الجزري في النشر خلافاً للشاطبي والداني الذين أوردا كل رواية من طريق واحدة فقط، وما خالف ابن الجزري إلا في عدد القراءات حيث جعل إتحافه في القراءات الأربع عشرة، وأيضاً مما أخذه البناء عن ابن الجزري طريقة التأليف حيث جعل الإتحاف على مقدمة وقسمين، أما المقدمة فقد ضمنها مقدمات في علم القراءة وأما القسم الأول فقد تناول فيه أصول القراء وأما القسم الثاني فقد تناول فرش الحروف وخلاف الأئمة القراء، وهذه الطريقة نفسها التي اتبعها ابن الجزري في النشر.

4- اعتماده أراء ابن الجزري
إن الإمام البناء يركن ويجنح إلى أراء ابن الجزري في المسائل الخلافية في علم القراءات ولا يلتفت إلى غيرها إلا نادراً، وهو ما يظهر مدى تأثره به، ومن ذلك مثلاً ما ذهب إليه في تواتر القراءات الثلاث حيث قال: " القراءات بالنسبة إلى التواتر وعدمه ثلاثة أقسام: قسم أتفق على تواتره، وهم السبعة المشهورة وقسم اختلف فيه والأصح بل الصحيح المختار المشهور تواتره كما تقدم، وهم الثلاثة بعدها، وقسم اتفق على شذوذه وهم الأربعة الباقية.

وهذا القول يظهر رأيه في القراءات الثلاث ويظهر ميله إلى رأي ابن الجزري الذي قام بتحقيق المسألة وأبدع في عرض أدلتها والرد على المخالفين، ومن ذلك أيضا ما ذهب إليه في مسألة تعيين حد التواتر حيث رأى رأي ابن الجزري بألا تعيين، وعبر عن رأيه بسوقه عبارة ابن الجزري نفسها فقال: "والمراد بالتوتر ما رواه جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب من البداية إلى النهاية من غير تعيين عدد على الصحيح، وقيل بالتعيين سنة أو اثنا عشر أو عشرون أو أربعون أو ستون وهذا هو رأي ابن الجزري بل قوله ولفظه.

ثانياً: الإمام متولي
الإمام متولي هو أحمد بن عبد الله الضرير الشهير بمتولي مقرئ مشارك في كثير من العلوم الشرعية والعربية، ولد بالقاهرة وتخرج بالأزهر الشريف وصار ينعت بشيخ القراء، وأسندت إليه مشيخة الإقراء بالديار المصرية في سنة ثلاث وتسعين ومائتين وألف، توفي سنة ثلاث عشر وثلاثمائة وألف.

وخلف متولي تسعة وأربعين مؤلفاً من المؤلفات المفيدة في القراءات وغيرها من العلوم القرآنية وأهمها ما يلي:
- تحقيق البيان في المختلف فبه من آي القران.
- تهذيب النشر وخزانة القراءات العشر.
- الروض النضير في أوجه الكتاب المبين.
- الضوابط الكبرى في تحرير القراءات العشر.
- فتح الكريم في تحرير أوجه القرآن الحكيم.
- الفائدة السنية والدرر البهية في تحرير وجه التقليل في الألفات التي قبل راء للسوسي من طريق الشاطبية.
- الوجوه المسفرة في القراءات الثلاث.
وكان الإمام متولي قد تأثر بالإمام ابن الجزري أيما تأثر.

ونلمح ذلك من خلال الآتي:
1- الإفادة الكثيرة من كتب ابن الجزري
لقد أفاد الإمام متولي كثيرا من مؤلفات ابن الجزري في علم القراءات وربما كان ينظم ما هو منثور عند ابن الجزري أو ينثر منظوماً أو يلخص مسألة أو يحرر أوجهها من كتاب النشر، ومن أشهر كتبه التي ظهر فيها ذلك فتح الكريم في تحرير أوجه القرآن الحكيم الذي جاء في مقدمته:
وينبـئ عمـا أضمرتـه مفصــلاً
ودونك تذييـلا يحل رمـوزهـا
ووافيـت مـن فيض البدائـع منهلاً 
ومن أصلها السامي نظمت قلائـد


وقال في شرح هذه الأبيات: "أصول هذه النظم ثلاثة: أحدها أصل الطيبـة وهو كتاب النشر، وقد أعانني الله على تلخيصه في ثلاث مجلدات"، وأما كتابه الوجوه المسفرة فما هو إلا نثر لدرة ابن الجزري، وأما منظومته في التكبير فهي ليست إلا تلخيصاً لباب التكبير في النشر.

2 – إعجابه الشديد بابن الجزري
لقد كان الإمام متولي معجباً أيما إعجاب بشخصية ابن الجزري فراح يفصح عن ذلك في تبجيله والثناء عليه والاستنارة بنوره حين يضيق صدره.


فقال في حاشية الروض المنير:
وعـم به نفـع الوجـود بأســره
إمام على كل البرية فضلــه
بطيبـة من نظمــه وبنشـــره
هو الجزري الحبر حسبك يا فتى
إذا ضاق صدري استنرت بنـوره
لقد كان في الإسلام عدلاً وإننـي


ثالثاً: الشيخ عبد الفتاح القاضي
الشيخ القاضي هو عبد الفتاح بن عبد الغني بن محمد القاضي، ولد في الخامس والعشرين من شعبان سنة خمس وعشرين وثلاثمائة وألف من الهجرة، حفظ القرآن الكريم وجوده ثم أخذ القراءات العشر على غير واحد من الثقات الأثبات، وقام بتحصيل علوم القرآن والتفسير والنحو والفقه على شيوخ الاسكندرية وكانت دراسته النظامية بمعاهد الأزهر الشريف الأولية والثانوية، وحصل على الشهادة العالية النظامية سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة وألف.

تولى رئاسة قسم القراءات التابع لكلية اللغة العربية بالأزهر، ثم عين مفتشاً عاماً بالمعاهد الأزهرية ثم شيخاً لمعهد القراءات بالقاهرة ثم رحل إلى المدينة المنورة وعين رئيساً لقسم القراءات بكلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية، وكان له دور هام في وضع مناهج هذا القسم وتطويرها والإشراف على تنفيذها.

 وأهم إنجازاته تتمثل فيما يلي:
أ – الإقراء والتعليم
كان له دور هام في تنشيط حركة الإقراء ودفع عجلته، فقد مكث يقرئ من سنة خمس وخمسين حتى سنة ثلاث وأربعمائة وألف السنة التي توفي فيها، وكان قد قرأ عليه جماعات لا تحصى عدداً ومن أولئك الدكتور عبد العزير القارئ والشيخ عبد الرحمان الحذيفي إمام المسجد النبوي اليوم والشيخ إبراهيم الأخضر إمام أيضاً بالمسجد النبوي حالياً الذي قرأ عليه القراءات الثلاث بمضمن الدرة وأكمل عليه ختمته. 

ب – الإسهام في تصحيح المصاحف بمصر
كان الشيخ القاضي رئيساً للجنة تصحيح المصاحف وكان يمتاز بدقة الملاحظة عند التصحيح.

ج – التأليف في علم القراءات: وأهم مؤلفاته ما يلي:
- الوافي في شرح الشاطبية في القراءات السبع.
- الإيضاح لمتن الدرة في القراءات الثلاث.
- البدور الزاهرة في القراءات العشر.
- النظم الجامع لقراءة نافع، وشرحه.
- القراءات الشاذة وتوجيهها من لغة العرب.
- شرح المقدمة الجزرية.
- القراءات في نظر المستشرقين، وغير ذلك.

ويظهر تأثير الشيخ القاضي بالإمام ابن الجزري من خلال الملامح التالية:
1 – الاعتماد على مؤلفات ابن الجزري
وذلك ما نجده في كتابه البدور الزاهرة حيث أن كل ما أورده فيه من طرق فهو ما ثبت في نظم الدرة وفي نظم الشاطبية ولم يورد القاضي طرقاً أخرى من غير هذين الطريقين.

2 – خدمته لبعض مؤلفات ابن الجزري
وظهر ذلك من خلال شرحه لمنظومة ابن الجزري الدرة المضية في القراءات الثلاث المرضية في كتاب أسماه الإيضاح لمتن الدرة، وأيضاً قام بشرح منظومة المقدمة الجزرية لما اشتملت عليه من المسائل المجملة في علم التجويد، كما قام بتحقيق كتاب ابن الجزري تحبير التسيير في قراءات الأئمة العشر وعلق عليه.

3 – اعتماده كتب ابن الجزري في مناهج قسم القراءات
لقد شرف الشيخ القاضي بتكليفه بوضع مناهج قسم القراءات بكلية القرآن الكريم فكان مما اعتمده في تدريس القراءات الثلاث منظومة ابن الجزري الدرة وشروحها، كما اعتمد مذهب ابن الجزري في جمع القراءات كمنهج لتلقي القراءات جمعاً -فبذلك كان شيوخ الكلية يقرئون الطلاب- وهذا المنهج لا يزال معمولاً به معولاً عليه إلى يومنا هذا.


الفصل الرابع: ابن الجزري بين التأثر والتأثير  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الفصل الرابع: ابن الجزري بين التأثر والتأثير
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» البـــــاب الأول ابـــن الجزري: دراسة حياته - الفصل الأول نشأة ابن الجزري وتكوينه
» الفصل الثاني: ابن الجزري بين الشيوخ والتلاميذ
» الفصل الثاني: القراءات المتواترة وطرقها عند ابن الجزري
» الفصل الثالث: ابن الجزري: وظائفه وآثاره العلمية
» الفصل الرابع

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: رســـالة دكـتـــوراه-
انتقل الى: