الباب الثامن والعشرون: ما جاء في التنزيل عقيب اسمين كني عن أحدهما اكتفاء بذكره عن صاحبه‏.‏
------------------------------------------------------------------------------------
وقد ذكر ذلك سيبويه في الكتاب واحتج بأبيات وربما أسوقها لك بعد البداية بآي التنزيل‏.‏
فمن ذلك قوله تعالى‏:‏ واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة ولم يقل‏:‏ وإنهما اكتفاء بذكر الصلاة عن ذكر الصبر وقد ذكرنا أنهم قالوا‏:‏ إن الهاء للاستعانة‏.‏
ومن ذلك قوله‏:‏ وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت‏.‏
وقال‏:‏ ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فهذا على القياس المستمر لأن التقدير‏:‏ وإن كان أحد هذين ومن يكسب أحد هذين لأن أو لأحد الشيئين‏.‏
ولو صرح بهذا لصح وجاد‏:‏ له وبه‏.‏
فكذلك إذا قال بلفظة‏:‏ أو ما‏.‏
فأما قوله‏:‏ إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما‏.‏
وقوله‏:‏ أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين‏.‏
فهذا على قياس الآيتين المتقدمتين حقهما‏:‏ فالله أولى به وحرمه ولكنه جاء على قولهم‏:‏ جالس الحسن وابن سيرين على معنى أنه يجوز له مجالستهما‏.‏
ومثل هذا قد جاء في الشعر أنشدوا لرجل من هذيل‏:‏ وكان سيان ألا يسرحوا نعماً أو يسرحوه بها واغبرت السوح وأنت تقول‏:‏ سيان زيد وعمرو ولكنه قال‏:‏ أو يسرحوه على ما ذكرنا‏.‏
ومن ذلك قوله‏:‏ والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها ولم يقل‏:‏ ينفقونهما‏.‏
وقال‏:‏ والنخل و الزرع مختلفاً أكله ولم يقل‏:‏ أكلهما‏.‏
وقال‏:‏ والله ورسوله أحق أن يرضوه والتقدير‏:‏ واله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه‏.‏
وقال‏:‏ فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه فيمن قرأ بالتاء ولم يقل‏:‏ نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف ولم يقل‏:‏ بما عندنا راضون اكتفاء بالثاني عن الأول‏.‏
وقال‏:‏ رماني بأمر كنت منه ووالدي بريئاً ومن أجل الطوى رماني وقال‏:‏ وكان وأنت غير غدور فأحفظها‏.