منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 في مدرسة الهجرة الشريفة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49268
العمر : 72

في مدرسة الهجرة الشريفة Empty
مُساهمةموضوع: في مدرسة الهجرة الشريفة   في مدرسة الهجرة الشريفة Emptyالثلاثاء 13 أكتوبر 2015, 4:46 pm

في مـدرســـة الـهـجـــرة الشـــريفة

دكتـور: بـدر عبـدالحمــيد هـمـيــسه

غفر الله لنا وله ولوالديه وللمسلمين

*************************

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعين به ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.



وبعد..؛


فلقد كانت الهجرة النبوية الشريفة فتحاً ونصراً وعزة وانطلاقة كبرى لنشر الدعوة الإسلامية, وإعزاز دين الله تبارك وتعالى.


ولسوف تبقى دروس الهجرة مثلاً يحتذي لجميع الأجيال المسلمة في حسن الثقة واليقين بنصر الله تعالى, وأن العزة دائما لله ولرسوله وللمؤمنين. 


وأن التوكل الحقيقي هو الذي يقوم على الأخذ بالأسباب والتخطيط الجيد, وأن أخوة الإيمان تعلو فوق أخوة النسب والعرق. 


وهذه الرسالة "في مدرسة الهجرة الشريفة" تقف عند بعض الدروس المستفادة من تلك الرحلة المباركة الطيبة. 


والله أدعوا أن يغفر زلاتنا وأن يجنبنا الزلل في القول والعمل، إنه ولي ذلك والقادر عليه, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. 


راجي عفو ربه:


دكتور: بدر عبد الحميد هميسه


hamesabadr@yahoo.com


المواسير – إيتاي البارود – البحيرة


في 15 من شعبان 1430هـ 


6 /8 / 2009م.


***********


في مدرسة الهجرة الشريفة 9k=


1-المؤمن يحسن التوكل على الله تعالى:


حسن التوكل على الله تعالى، يعني صدق اعتماد القلب على الله في دفع المضار وجاب المنافع، وتحقيق الإيمان بأنه لا يعطي إلا الله ولا يمنع إلا الله ولا يضر ولا ينفع سواه. ومن يتوكل على الله فهو حسبه.



قال تعالى: "قال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا" [الطلاق: 2] وقال: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه } [الطلاق:3].




وقال: "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا" [الطلاق: 4]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا » [رواه أحمد].



يقول داود بن سليمان رحمه الله: "يستدل على تقوى المؤمن بثلاث: حسن التوكل فيما لم ينل، وحسن الرضا فيما قد نال، وحسن الصبر فيما قد فات" صيد الخاصر (3830) بتصرف يسير.


في مدرسة الهجرة الشريفة 2Q==


دنياك بحر عميق لا قرار له ... هيهات ينجو الفتى فيها من الغرق


فاجعل سفينتك التقوى ومحملها ... الإيمان واستصحب الناجي من الفرق


واجعل شراعك من حسن التوكل في ... سير الطريق وثق بالله تستبق 



ولقد كان صلى الله عليه وسلم في رحلة الهجرة الشريفة متوكلاً على ربه واثقاً بنصره يعلم أن الله كافيه وحسبه، ومع هذا كله لم يكن صلى الله عليه وسلم بالمتهاون المتواكل الذي يأتي الأمور على غير وجهها، بل إنه أعد خطة محكمة ثم قام بتنفيذها بكل سرية وإتقان.


فالقائد: محمد، والمساعد: أبو بكر، والفدائي: علي، والتموين: أسماء، والاستخبارات: عبد الله، والتغطية وتعمية العدو: عامر، ودليل الرحلة: عبد الله بن أريقط، والمكان المؤقت: غار ثور، وموعد الانطلاق: بعد ثلاثة أيام، وخط السير: الطريق الساحلي.



وهذا كله شاهد على عبقريته وحكمته صلى الله عليه وسلم، وفيه دعوة للأمة إلى أن تحذو حذوه في حسن التخطيط والتدبير وإتقان العمل واتخاذ أفضل الأسباب مع الاعتماد على الله مسبب الأسباب أولاً وأخراً.



ويتجلى ذلك من خلال استبقاء النبي صلى الله عليه وسلم لعلي وأبي بكر معه؛ حيث لم يهاجرا إلى المدينة مع المسلمين، فعليّ رضي الله عنه بات في فراش النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه صحبه في الرحلة.



ويتجلى كذلك في استعانته بعبد الله بن أريقط الليثي وكان خبيراً ماهراً بالطريق, ويتجلى كذلك في كتم أسرار مسيره إلا مَنْ لهم صلة ماسّة، ومع ذلك فلم يتوسع في إطلاعهم إلا بقدر العمل المنوط بهم، ومع أخذه بتلك الأسباب وغيرها لم يكن ملتفتاً إليها بل كان قلبه مطوياً على التوكل على الله عز وجل. 



وحسن التوكل الحقيقي على الله تعالى خير دليل نجاح هذه الرحلة ولقد تمثل ذلك في التالي: 


1- اختيار الصاحب المناسب وهو أبو بكر الصديق اختاره من بين جميع الصحابة.



2- التعريض له بالخبر، فلم يقطع له النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الصحبة في الهجرة وإنما قال: ((لعل الله يجعل لك صاحباً)).



3- إعداد راحلتين قبل مدة طويلة من الهجرة، إذ لو اشترى الراحلتين قبيل الهجرة فربما لفت أنظار قريش إلى ذلك، وماذا يريد أبو بكر بهاتين الراحلتين إلا لأمر بيَّته مع محمد؟ وبخاصة بعد تفاقم الأزمة واشتداد الوحشة بعد بيعة العقبة الثانية، وهذه رواية البخاري.



4- دفع الراحلتين إلى الدليل قبل الهجرة.



5- زيارة أبي بكر كل يوم، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخطئه يوم أن يأتي أبا بكر غدوة وعشية، وعلى هذا لم يكن الأمر غريباً على قريش في مجيئه إليه وقت التخطيط للهجرة.



6- تغيير الوقت المعتاد للزيارة، ولعل ذلك بسبب الرصد من قبل قريش لزياراته في الوقت المعتاد.



7- اختيار الوقت المناسب للزيارة وهو وقت الظهيرة حيث يستظل الناس ويكونون في بيوتهم.



8- الخروج إلى أبي بكر متنكراً بالقناع حتى لا يُعرف.



9- الإسرار لأبي بكر بخبر الهجرة، وكتمان ذلك عن أهل بيته في بداية الأمر حيث قال له: أخرج من عندك.



10- الإسراع في إعداد الزاد وتجهيزه.



11- مبيت "علي" على الفراش، كما في المسند لأحمد.



12- الخروج من خوخة في ظهر بيت أبي بكر ولم يخرجوا من الباب المعتاد، كما في رواية ابن إسحاق.



13- الخروج من الطريق المعاكس لطريق المدينة، فالأصل أن يخرجوا من جهة الشمال حيث طريق المدينة، فخرجوا جهة الجنوب.



14- اختيار الغار حيث البعد عن الأنظار للاختفاء فيه.



15- البقاء في الغار ثلاثة أيام حتى يسكن الطلب عنهما.



16- التخطيط للتعرف على كيد العدو ومتابعته وإعطاء هذا الأمر أهمية كبيرة.



17- اختيار الرجل المناسب لهذه المهمة في متابعة أخبار قريش وترتيباتها للقبض عليهما، فقد اختاروا شاباً قد لا يلفت نظرهم، ويمتاز بالذكاء والفطنة فيلتقط كل خبر ولا يفوته شيء.



18- متابعة الأخبار أولاً بأول حيث يأتي بالخبر كل يوم، فالحدث لا يتحمل التأخير أكثر من هذا.



19- ترتيب مجيء المخبر وانصرافه، سواء في وقت المجيء والانصراف، أو في طريقة الذهاب والإياب.



20- إسناد مهمة الإتيان باللبن للرجل المناسب وهو الراعي عامر بن فهيرة.



21- ترتيب حضور عامر بن فهيرة وانصرافه. 



22- إتباع عامر بن فهيرة أثر عبد الله بن أبي بكر بالغنم حتى تعمي أثره، كما هو عند ابن إسحاق.



23- اختيار الدليل ذي الكفاءة العالية.



24- الخروج من الغار آخر الليل، كما في البخاري وعند موسى بن عقبة.



25- سلوك طريق غير الطريق المعتاد للمدينة.



26- اصطحاب عامر للخدمة.



27- مواصلة السير بدون توقف.



28- تأخير وقت الراحة.



29- حمل أبي بكر جميع ماله، ومن فوائد ذلك أن أبا بكر كان رجلاً غنياً فربما لحقهم الطلب فاستطاع أن يفدي أنفسهما بذلك المال، وكان مبلغاً كبيراً قدر بخمسة آلاف، كما عند ابن إسحاق، وتقدير المبلغ. رواه أحمد والحاكم.



بدأ التخطيط العلمي للهجرة بعرض النبي -صلى الله عليه وسلم- نفسه على الوافدين إلى مكة وعقد بيعة العقبة الأولى والثانية وبايعهم المصطفى -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في المنشط والكسل والنفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وألا تأخذهم في الله لومة لائم، وأن ينصروه ويمنعوه إذا قدم إليهم بما يمنعون منه أنفسهم وأزواجهم.



30 ـ وقبل ذلك كله أرسل المصطفى -صلى الله عليه وسلم- مصعب بن عمير ليعلمهم وليمهد البيئة في المدينة المنورة لقدوم المصطفى -صلى الله عليه وسلم- والمهاجرين.


في مدرسة الهجرة الشريفة Images?q=tbn:ANd9GcTYUIKErSIBrlbFNpv8PGd8Jk3cTlWX-2XUj6IK4zyRny_0uaMM


2- الصبر واليقين طريق النصر والتمكين:


أصحاب الرسالات في هذه الحياة لا بد أن تواجههم المصاعب والمتاعب والمحن والابتلاءات, قال تعالى: "الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)" سورة العنكبوت.



وقال تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ﴾ الأنعام: من الآية 34.



عَنْ سَعْد بن أبي وقاص رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ: الأَنْبِيَاءُ, ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ, فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ, فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُهُ, وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ, فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ. رواه الترمذي (2398) صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (143). 



المرء رهن مصائب لا تنقضي * * *  حتى يوسد جسمه في رَمْسِهِ


فمؤجَّلٌ يلقى الردى في غيره* * *  ومعجَّل يلقى الردى في نفسهِ



فبعد سنوات من الاضطهاد والابتلاء قضاها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة يهيأ الله تعالى لهم طيبة الطيبة، ويقذف الإيمان في قلوب الأنصار، ليبدأ مسلسل النصر والتمكين لأهل الصبر واليقين, قال تعالى: "إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52)" سورة غافر.



وإن طريق الدعوة إلى الله شاق محفوف بالمكاره والأذى، لكن من صبر ظفر ومن ثبت انتصر.



ولقد ثبت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على أذى قريش وكان النبي صل الله عليه وسلم يطمأنهم بأن النصر قادم.



فحينما جاءه خباب بن الأرت يشكو ظلم قريش, عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَهوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ، فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَقُلْنَا: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلاَ تَدْعُو لَنَا، فَقَالَ: قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ ، فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ ، فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ، مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللهِ، لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللهَ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ. أخرجه أحمد" 5 /109 (21371) و "البُخَارِي" 4/ 244 (3612) و"أبو داود" 2649 و"النَّسائي" 8/ 204.



وفي الهجرة المباركة لما خاف الصديق على رسول الله من أذي قريش, وقال لرسول الله: " لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَنْظُرُ إِلَى قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ" رفض الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الرسالة السلبية وقال له في ثبات المؤمن ويقينه بربه: " يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا.



فأنزل الله تعالى: "إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) سورة التوبة. 


في مدرسة الهجرة الشريفة 9k=


سهرت أعين، ونامـت عيـون * * * في أمـور تكـون أو لا تكـون 


فادرأ الهم ما استطعت عن النفس * * * فحملانـك الهـمـوم  جـنـون ‍


إن رباً كفاك بالأمس مـا  كـان * * * سيكفيك فـي غـدٍ مـا يكـون



فليعلم المسلم أن الصراع بين الحق والباطل: صراع قديم وممتد، وهو سنة إلهية نافذة قال الله عز وجل: (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 40]. 


ولكن هذا الصراع معلوم العاقبة: (كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [المجادلة: 21]. 



فالزم يديك بحبل الله معتصماً *** فإنه الركن إن خانتك أركان


وأن النصر ليس بكثرة عدد ولا عدد، ولهذا قال تعالى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} 249 سورة البقرة.


قدم على معاوية بطريق من الروم، يعرض عليه جزية الروم عن كل مَنْ بأرض الروم من كبير أو صغير جزية دينارين، إلا عن رجلين: الملك وابنه، فإنه لا ينبغي للملك وابنه أن يجزيا، فقال معاوية وهو في كنيسة من كنائس دمشق: لو صببتم لي دنانير جزية حتى تملؤوا هذه الكنيسة، ولا يجزى الملك وابنه؛ ما قبلتها منكم، قال الرومي: لا تماكرني، فإنه لا يماكر أحد مكراً إلا ومعه كذب، فقال معاوية: أراك تمازحني! قال الرومي: إنك اضطررتني إلى ذلك، وغزوتني في البر والبحر، والصيف والشتاء، أما والله يا معاوية لا تغلبونا لا بعدد ولا عُدة، ولوددت أن الله جمع بيننا وبينكم في مرج، ثم خلى بيننا، ورفع عنا وعنكم النصر حتى ترى، قال معاوية: ما له، قاتله الله؟ إنه ليعرف أن النصر من عند الله!!. مختصر تاريخ دمشق 8 /381، فالمؤمن بصبره ويقينه وثقته بربه يعلم أن دولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة. 



3- الله تعالى يؤيد رسله بالمعجزات:


الله تعالى قد يبتلي أولياءه وأحبابه من أصحاب الرسالات والدعوات بالمحن والشدائد, ولكن لا يتركهم لتلك المحن والشدائد حتى تعصرهم, بل يمحصهم, ويرفع من قدرهم, ثم يؤيدهم بالمعجزات التي ثبت صدق دعواهم, قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)" سورة الحج. 


وفي رحلة الهجرة الشريفة تجلت معجزات وآيات وبراهين تؤكد صدق دعوى النبي صلى الله عليه وسلم, فهل رأيتم رجلاً أعزلاً مُحاصراً يخرج إلى المجرمين ويخترق صفوفهم فلا يرونه ويذر التراب على رؤوسهم ويمضي. 


وهل رأيتم عنكبوتاً تنسج خيوطها على باب الغار في ساعات معدودة. 


وهل رأيتم فريقاً من المجرمين يصعدون الجبل ويقفون على الباب فلا يطأطيء أحدهم رأسه لينظر في الغار.. هل رأيتم فرس سراقة تمشي في أرض صلبه فتسيخ قدماها في الأرض وكأنما هي تسير في الطين.. هل رأيتم شاة أم معبد الهزيلة يتفجر ضرعها باللبن.



قال البوصيري:


وما حوى الغـــارُ مِن خيرٍ ومِن كَرَمِ * * * وكُــلُّ طَرْفٍ مِنَ الكفارِ عنه عَمِي


فالصدقُ في الغــارِ والصدِّيقُ لم يَرِمَـا* * * وهُم يقولون مـا بالغــارِ مِن أَرِمِ


ظنُّوا الحمــامَةَ وظنُّوا العنكبوتَ على * * * خــيرِ البَرِّيَّـةِ لم تَنسُـجْ ولم تَحُمِ


وِقَـــايَةُ اللهِ أغنَتْ عَن مُضَــاعَفَةٍ * * * مِنَ الدُّرُوعِ وعن عــالٍ مِنَ الأُطُمِ


إن هذه المعجزات لهي من أعظم دلائل قدرة الله تعالى، وإذا أراد الله نصر المؤمنين خرق القوانين، وقلب الموازين: "إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون" 36 يس.




في مدرسة الهجرة الشريفة 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الثلاثاء 25 أغسطس 2020, 1:07 pm عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49268
العمر : 72

في مدرسة الهجرة الشريفة Empty
مُساهمةموضوع: رد: في مدرسة الهجرة الشريفة   في مدرسة الهجرة الشريفة Emptyالثلاثاء 13 أكتوبر 2015, 4:55 pm

ومن المعجزات التي حدثت في طريق الهجرة المبارك:

1ـ روى البخاري عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال‏:‏أسرينا ليلتنا ومن الغد حتى قام قائم الظهيرة وخلا الطريق، لا يمر فيه أحد، فرفعت لنا صخرة طويلة، لها ظل لم تأت عليها الشمس، فنزلنا عنده، وسويت للنبي صلى الله عليه وسلم مكانًا بيدى، ينام عليه، وبسطت عليه فروة، وقلت‏:‏ نم يا رسول الله، وأنا أنفض لك ما حولك، فنام، وخرجت أنفض ما حوله، فإذا أنا براع مقبل بغنمه إلى الصخرة، يريد منها مثل الذي أردنا، فقلت له‏:‏ لمَنْ أنت يا غلام‏؟‏ فقال‏:‏ لرجل من أهل المدينة أو مكة‏،‏ قلت‏:‏ أفي غنمك لبن‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏،‏ قلت‏:‏ أفتحلب‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏،‏ فأخذ شاة، فقلت‏:‏ انفض الضرع من التراب والشعر والقَذَى، فحلب في قعب كُثْبة من لبن، ومعى إداوة حملتها للنبي صلى الله عليه وسلم، يرتوى منها، يشرب ويتوضأ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فكرهت أن أوقظه، فوافقته حين استيقظ، فصببت من الماء على اللبن حتى برد أسفله، فقلت‏:‏ اشرب يا رسول الله، فشرب حتى رضيت، ثم قال‏:‏ ‏(‏ألم يأن للرحيل‏؟‏‏)‏ قلت‏:‏ بلى، قال‏:‏ فارتحلنا‏.‏

2ـ في اليوم الثاني أو الثالث من الهجرة مر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه بخيمتى أم مَعْبَد الخزاعية؛ وهي عاتكة بنت كعب الخزاعية وهي أخت خنيس بن خالد الخزاعي الذي روى قصتها، وهي قصة تناقلها الرواة وأصحاب السير، وقال عنها ابن كثير: «وقصتها مشهورة مروية من طرق يشد بعضها بعضاً» (البداية والنهاية (3/ 188)) وكان موقعهما بالمُشَلَّل من ناحية قُدَيْد على بعد نحو 130 كيلو مترًا من مكة يقول خالد بن خنيس الخزاعي -رضي الله عنه- صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من مكة، وخرج منها مهاجراً إلى المدينة، هو وأبو بكر -رضي الله عنه- ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة -رضي الله عنه- ودليلهما الليثي عبد الله بن الأريقط، مروا على خيمتي أم معبد الخزاعية، وكانت برزة جلدة تحتبي بفناء القبة ثم تسقي وتطعم، فسألوهما لحماً وتمراً، ليشتروه منها، فلم يصيبوا عندها شيئاً من ذلك، وكان القوم مُرْمِلين مسنتين فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة فقال: «ما هذه الشاة يا أم معبد؟» قالت: خلفها الجهد عن الغنم، قال: «فهل بها من لبن؟» قالت: هي أجهد من ذلك، قال: «أتأذنين أن أحلبها؟» قالت: بلى بأبي أنت وأمي، نعم، إن رأيت بها حلباً فاحلبها، فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح بيده ضرعها، وسمى الله عز وجل، ودعا لها في شاتها، فتفاجت عليه، ودرت واجترت ودعا بإناء يُرْبِض الرهط، فحلب فيها ثجا حتى علاه البهاء ثم سقاها حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا، وشرب آخرهم صلى الله عليه وسلم ثم أراضوا ثم حلب فيها ثانياً بعد بدء حتى ملأ الإناء، ثم غادره عندها، ثم بايعها، وارتحلوا عنها، فقلما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزاً عجافاً يتساوكن هُزلاً ضحى، مخهن قليل، فلما رأى أبو معبد اللبن عجب، وقال: من أين لك هذا اللبن يا أم معبد، والشاة عازب حيال ولا حلوبة في البيت؟، قالت: لا والله، إلا أنه مر بنا رجل مبارك، من حاله كذا وكذا، قال: صفيه لي يا أم معبد قالت: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة أبلج الوجه حسن الخلق، لم تعبه نحلة ولا تزر به صعلة وسيم في عينيه دعج وفي أشفاره وطف وفي صوته صهل وفي عنقه سطع وفي لحيته كثاثة، أزج أقرن إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، حلو المنطق، فصل لا هذر ولا نزر كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربع لا يأس من طول ولا تقتحمه العين من قصر غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظراً، وأحسنهم قدراً، له رفقاء يحفون به، إن قال استمعوا لقوله وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود لا عابس ولا مُفنَّد، فقال أبو معبد هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة ولقد هممت أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلاً.

فأصبح صوت بمكة عالياً يسمعون الصوت ولا يدرون مَنْ صاحبه وهو يقول:
جَزَى الله ربُّ الناس خيرَ جزائه ‍*** رفيقَيْن حَلاَّ خيمَتيْ أمِّ مَعْبَدِ
هما نَزَلا بالبِرِّ وارتحلا به ***‍ فأفْلَح من أمْسَى رفيقَ محمدِ
فيالَ قُصَيَ ما زَوَى الله عنكمُ ‍*** به من فِعالٍ لا تُجَازَى وسُؤْدَدِ
سَلُوا أختكم عن شاتِها وإنائها ‍*** فإنكمُ إنْ تَسْأَلوا الشاة تَشْهدِ
دعاها بشاةٍ حائلٍ فتحلَّبَتْ ‍*** له بصريح ضَرَّةُ الشاةِ مُزْبِدِ
فغادَره رَهناً لديها لحالبٍ ‍*** بَدرَّتها في مَصْدرٍ ثم مَوْرِدِ

فلما سمع حسان بن ثابت الأنصاري شاعر رسول الله شبب يجاوب الهاتف وهو يقول:
لقد خاب قومٌ زالَ عنهم نبيُّهم ***‍ وقُدِّس من يَسْري إليه ويَغْتدي
ترحَّلَ عن قومٍ فزالت عقولُهم ***‍ وحلَّ على قوم بنورٍ مجدَّدِ
وهل يَسْتوي ضُلاَّلُ قوم تسفَّهوا ***‍ عمًى وهداةٌ يقتدون بمهتدِي
نبيٌّ يرى ما لا يرَى الناسُ حولَه ***‍ ويتلو كتابَ الله في كل مَشْهدِ
وإنْ قال في يومٍ مقالةَ غائِبٍ ***‍ فتصديقُها في ضحوة اليوم أو غدِ
ليَهْنِ أبا بكر سعادةُ جَدِّه ***‍ بصُحْبته، مَنْ يُسْعِد الله يَسْعَدِ
ويهْنِ بني كعب مكانُ فتاتهم ***‍ ومقعدُها للمسلمين بمَرْصَدِ

3- أعلنت قريش في نوادي مكة بأنه مَنْ يأتي بالنبي صلى الله عليه وسلم حيًّا أو ميتًا، فله مائة ناقة، وانتشر هذا الخبر عند قبائل الأعراب الذين في ضواحي مكة، وطمع سراقة بن مالك بن جعشم في نيل الكسب الذي أعدته قريش لمَنْ يأتي برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجهد نفسه لينال ذلك، ولكن الله بقدرته التي لا يغلبها غالب، جعله يرجع مدافعًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما كان جاهداً عليه.  
في مدرسة الهجرة الشريفة Images?q=tbn:ANd9GcT5Dczf-HBDDuKb_jjsHkbbI0fLZAih6nNY_Hza8Q9FXEFfVac6
قال ابن شهاب:
وأخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي، وهو ابن أخي سراقة بن مالك بن جُعشم، أن أباه أخبره، أنه سمع سراقة بن جعشم يقول: جاءنا رُسُل كفار قريش يجعلون في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، دية كل منها لمَنْ قتله أو أسره، فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج، إذ أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس، فقال: يا سراقة إني رأيت آنفاً أَسْوِدة بالساحل أُراها محمداً وأصحابه، قال سراقة: فعرفت أنهم هم: فقلت له: إنهم ليسوا بهم، ولكنك رأيت فلاناً وفلاناً انطلقوا بأعيننا، ثم لبثت في المجلس ساعة، ثم قمت فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي، وهى من وراء أكمة فتحبسها علي، وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت فخططت بزجه الأرض وخفضت عالية حتى أتيت فرسي فركبتها فرفعتها تقرب بي حتى دنوت منهم فعثرت بي فرسي فخررت عنها، فقمت فأهويت يدي إلى كنانتي فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها، أضرهم أم لا، فخرج الذي أكره، فركبت فرسي، وعصيت الأزلام؛ تُقَرّب بي، حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات، ساخت يدا فرسي في الأرض، حتى بلغتا الركبتين، فخررت عنها، ثم زجرتها فنهضتْ فلم تكد تخرج يديها، فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان ساطع في السماء مثل الدخان، فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره، فناديتهم بالأمان فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم، أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني ولم يسألاني، إلا أن قال: أخف عنا، فسألته أن يكتب لي في كتاب آمن، فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أديم, ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان مما اشتهر عند الناس من أمر سراقة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسراقة بن مالك: «كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟» فألبسه الله إياه بعد القادسية, كان سراقة في بداية أمره يريد القبض على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسلمه لزعماء مكة لينال مائة ناقة، وإذا بالأمور تنقلب رأساً على عقب، وأصبح يرد الطلب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل لا يلقى أحداً من الطلب إلا رده قائلاً: كفيتم هذا الوجه، فلما اطمأن إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم وصل إلى المدينة المنورة، جعل سراقة يقص ما كان من قصته وقصة فرسه، واشتهر هذا عنه، وتناقلته الألسنة حتى امتلأت به نوادي مكة، فخاف رؤساء قريش أن يكون ذلك سبباً لإسلام بعض أهل مكة، وكان سراقة أمير بني مدلج، ورئيسهم.

فكتب أبو جهل إليهم: 
بني مدلج إني أخاف سفيهكم * * * سراقة مستغوٍ لنصر محمد
عليكم به ألا يفــرق جمعكم * * * فيصبح شتى بعد عز وسؤدد

فقال سراقة يرد على أبي جهل: 
أبا حكم والله لو كنتَ شاهداً * * * لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه
علمت ولم تَشْكُك بأن محمداً * * * رسول وبرهان فمَنْ ذا يقاومه
عليك فكُف القوم عنه فإنني * * * أرى أمره يوماً ستبدو معــالمه
بأمر تود الناس فيه بأسرهم * * * بأن جميع الناس طُراً مســالمه

وكان مما اشتهر عند الناس من أمر سراقة ما ذكره ابن عبد البر، وابن حجر وغيرهما، قال ابن عبد البر: روى سفيان بن عيينة عن أبي موسى عن الحسن، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسراقة بن مالك: «كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟» قال: فلما أُتى عمر بسواري كسرى ومنطقته وتاجه، دعا سراقة بن مالك فألبسه إياها، وكان سراقة رجلاً أزب كثير شعر الساعدين، وقال له: ارفع يديك فقال: الله أكبر، الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز الذي كان يقول: أنا رب الناس، وألبسهما سراقة بن مالك بن جعشم أعرابياًّ من بني مدلج، ورفع بها عمر صوته ثم أركب سراقة، وطيف به المدينة، والناس حوله، وهو يرفع عقيرته مردداً قول الفاروق: الله أكبر، الحمد الله الذي سلبهما كسرى بن هرمز، وألبسهما سراقة بن جعشم أعرابياًّ من بني مدلج .تاريخ الطبري 3/ 118, الكامل في التاريخ 1/ 434, البداية والنهاية 7/ 73, الروض الأنف (4/ 218). 

4- دور المرأة المسلمة في الهجرة الشريفة:
دور المرأة المؤمنة في تحمل أعباء الدعوة، دور كبير وعظيم  فقد كانت خديجة رضي الله عنها الملجأ الدافئ الذي يخفف عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم– فحينما نزل عليه الوحي في غار حراء وجاءها يرتجف ويقول زملوني زملوني, ولما ذهب عنه الرَّوْع، قال لخديجة: "قد خشيت علي"، فقالت له: كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم، وتصدُق الحديث، وتحمل الكَلَّ، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. متفق عليه (البخاري: كتاب بدء الوحي، باب بدء الوحي، رقم: 4، ومسلم: كتاب الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول الله، رقم: 160).


ويتجلى دور المرأة المسلمة في الهجرة الشريفة من خلال الدور الذي قامت به عائشة وأختها أسماء رضي الله عنهما حيث كانتا نعم الناصر والمعين في أمر الهجرة؛ فلم يخذلا أباهما أبا بكر مع علمهما بخطر المغامرة، ولم يفشيا سرّ الرحلة لأحد، ولم يتوانيا في تجهيز الراحلة تجهيزاً كاملاً، إلى غير ذلك مما قامتا به. 

وهناك نساء أخريات كان لهن دور بارز في التمهيد لهذه الهجرة المباركة.
منهن: نسيبة بنت كعب المازنية، وأم منيع أسماء بنت عمرو السلمية, فقد بُعث النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة، وأخذ يدعو قومه، فأسلم منهم قليل، وبسطت قريش أيديها وألسنتها بالسوء، فأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- يعرض نفسه على القبائل عله يجد من بينها ناصراً، فلم يجد منها جميعاً أذناً صاغية ولا قلباً واعياً حى لقي في موسم الحج نفراً من الخزرج فعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن فصدقوه وآمنوا به، وقالوا: إنا تركنا قومنا، ولا قوم بينهم من العدواة والشر ما بينهم، وعسى أن يجمعهم الله بك فسنقدم عليهم وندعوهم إلى أمرك، ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين فإن يجمعهم الله إليه، فلا رجل أعز منك، ثم انصرفوا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد بايعوه.


فلما عاد إلى المدينة المنورة أذاعوا بها الإسلام فأجاب داعيتهم خلق كثير، حتى إذا كان موسم الحج من قابل ذلك العام، خرج من المدينة ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان إلى رسول الله ليبايعوه ويؤتوه عهدهم وذمامهم أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأهليهم، فتوافدوا جميعاً إلى العقبة الثانية التي كانت النواة الأولى في لبنة الدولة الإسلامية.


فهذه هي أسماء بنت أبي بكر الصديق بن أبي قحافة القرشية التيمية، وأمها قتيلة بنت عبد العزى بن أسد، وهي شقيقة عبد الرحمن بن أبي بكر، وأم عبد الله ابن الزبير، وأخت عائشة أم المؤمنين لأبيها، أسلمت بعد سبعة عشر مسلماً، وأصبحت بطلة ضربت أروع الأمثلة في البطولة والفداء.

تنقلت العظائم من يد طاهرة إلى يد طاهرة، فبعد أن دعمت العجوز -رقيقة بنت صيفي- أثرها أقامت الفتاة الحدثة "أسماء بنت أبي بكر" أثرها أيضاً، لقد أعجل النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه عن ابتغاء الزاد، وشغلهما الغرض الأسمى عن الغرض الأدنى، فسارا خفيفين إلى غار الذورة العليا في جبل ثور إخفاء لأمرهما، وإعياء للذاهبين في أثرهما.


قامت الفتاة بحمل أمانة يُشفق على الرجال من حملها، فكانت تقطع ثلاثة أميال إلا قليلاً -وهي الصبية الناشئة- في جوف الليل، ووحشة الطريق، بين أسنة الصخر، ومساحات الرمال، تمشى متخفية حذرة مترقبة حتى تصعد إلى هامته، ثم تنحدر في جوفه فتوافي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه كل ليلة بالزاد والماء وبما عسى أن تكون قد سمعته، أو رأته، من حديث القوم وخبرهم.


قامت الصغيرة بدور فدائي وحملت أمانة الإمداد والتمويل للرحلة المباركة، ونقل أخبار الكفار ، ولما أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- الرحيل من الغار متجهاً إلى يثرب جهزت الزاد والماء، ولم تجد ما تربطهما به، فشقت نطاقها وربطتهما به، وحين فعلت ذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة) فقيل لها ذات النطاقين.

تلك هي الصبية التي تركت الولدان والولائد من لداتهها وأترابها يغدون إلى ملاعبهم ويأوون إلى صدور أمهاتهم، وذهبت إلى حيث يعجز أشداء الرجال وأبطالهم، فأي قوة تلك التي أمدها الله بها ، وأي قلب ذلك الذي أودعه الله بين ضلوعها، وأية عزمة تلك التي خفقت في نفسها؟ فلعمري لئن سلمت الفتاة "أسماء" من عثرات الطريق ووعثاء الصحراء تحت جنح الليل البهيم، فلم تسلم من أذى قريش وكفارها، فجاءها نفر واقتحموا عليها وداعتها وهدوءها وأحاط بها رجال القوم وهي فريدة بينهم لا يحمي ظهرها رجل، وسألوها في عصبية: أين أبوك يا بنت أبي بكر؟ فردت في صمود وشموخ وثقة وإباء: لا أدري أين أبي!! فرفع النذل أبو جهل -لعنهُ اللهُ- يده ولطمها لطمة قاسية طار لها قرطها، ولم يوهن ذلك شيئاً من عزيمتها ولا عبث بمكنون سرها. 

وتعد هذه الفتاة الفدائية مثلاً لتلك النفوس التي استخلصها الله لدينه، واصطنعها لدعوته، ونفث فيها من روحه، فكانت مستقراً لفضائل الكمال، ويحدثنا التاريخ بإسهاب لمواقفها البطولية بعد ذلك في مجال الجهاد والدعوة، وليس أعظم من قولتها لابنها عبد الله بن الزبير حين خشي من التمثيل بجثته: يا بني إن الشاة لا يضيرها سلخها بعد ذبحها، فامض واستعن بالله، قالت هذا وهي تحذر مصير ابنها، ولكنها تعلمت أن تضحي منذ الصغر، ولا تبخل في سبيل الله بالجهد بالمال والولد.


وهذه هي هند بنت أبي أمية -واسمه حذيفة وقيل سهل- ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشية المخزومية أم المؤمنين أم سلمة.. تقول أم سلمة: لما توفي أبو سلمة، أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقلت: كيف أقول؟ قال: قولي: اللهم اغفر لنا وله، وأعقبني منه عُقبى صالحة فقلته، فأعقبني الله محمداً -صلى الله عليه وسلم-.

فلما خطبني النبي -صلى الله عليه وسلم- قلت له: فيَّ خلال ثلاث، أما أنا فكبيرة السن، وأنا امرأة معيل، وأنا امرأة شديدة الغيرة، فقال: أنا أكبر منك، وأما العيال فإلى الله، وأما الغيرة فأدعو الله فيذهبها عنك، فتزوجها، فلما دخل عليها قال: إن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي، فرضيت بالثلاث، والحديث في الصحيح من طرق.


ـ وعن أم كلثوم، قالت: لما تزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أم سلمة، قال لها: إني قد أهديت إلى النجاشي أواقي من مسك وحلة، وإني أراه قد مات، ولا أرى الهدية إلا سترد، فإن ردت، فهي لكِ، قالت: فكان كما قال، فأعطى كل امرأة من نسائه أوقية، وأعطى سائره أم سلمة والحلة.

ـ وكان لها يوم الحديبية رأي صائب يدل على وفور عقلها فعندما عقد الصلح مع مشركي مكة كان كثير من المسلمين غير راضين عن بعض شروطه، فلما أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتحلل تأخروا في الاستجابة فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل على أم سلمة وذكر لها الأمر فقالت: يا نبي الله اخرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك. فقام صلى الله عليه وسلم ونحر وحلق فقام أصحابه ينحرون ويحلقون.


ـ وفي بيتها نزل قوله تعالى: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) الأحزاب، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي وفاطمة والحسن والحسين، فقال: هؤلاء أهل بيتي، فقالت: يا رسول الله أنا من أهل البيت؟ قال: بلى إن شاء الله.

وقد حكى ابن هشام قصة هجرتها فقال: "كَانَ أَوّلُ مَنْ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ، مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ: أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللّهِ، هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ بَيْعَةِ أَصْحَابِ الْعَقَبَةِ بِسَنَةٍ وَكَانَ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَلَمّا آذَتْهُ قُرَيْشٌ وَبَلَغَهُ إسْلَامُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْأَنْصَارِ، خَرَجَ إلَى الْمَدِينَةِ مُهَاجِرًا.


قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَدّتِهِ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، قَالَتْ لَمّا أَجْمَعَ أَبُو سَلَمَةَ الْخُرُوجَ إلَى الْمَدِينَةِ رَحَلَ لِي بَعِيرَهُ ثُمّ حَمَلَنِي عَلَيْهِ وَحَمَلَ مَعِي ابْنِي سَلَمَةَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ فِي حِجْرِي، ثُمّ خَرَجَ بِي يَقُودُ بِي بَعِيرَهُ فَلَمّا رَأَتْهُ رِجَالُ بَنِي الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ قَامُوا إلَيْهِ فَقَالُوا هَذِهِ نَفْسُك غَلَبْتنَا عَلَيْهَا، أَرَأَيْت صَاحِبَتَك هَذِهِ؟ عَلَامَ نَتْرُكُك تَسِيرُ بِهَا فِي الْبِلَادِ؟ قَالَتْ فَنَزَعُوا خِطَامَ الْبَعِيرِ مِنْ يَدِهِ فَأَخَذُونِي مِنْهُ. 

قَالَتْ وَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ، رَهْطُ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالُوا: لَا وَاَللّهِ لَا نَتْرُكُ ابْنَنَا عِنْدَهَا إذْ نَزَعْتُمُوهَا مِنْ صَاحِبِنَا، قَالَتْ فَتَجَاذَبُوا بَنِي سَلَمَةَ بَيْنَهُمْ حَتّى خَلَعُوا يَدَهُ وَانْطَلَقَ بِهِ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ، وَحَبَسَنِي بَنُو الْمُغِيرَةِ عِنْدَهُمْ وَانْطَلَقَ زَوْجِي أَبُو سَلَمَةَ إلَى الْمَدِينَةِ، قَالَتْ فَفَرّقَ بَيْنِي وَبَيْنَ زَوْجِي وَبَيْنَ ابْنِي، قَالَتْ فَكُنْت أَخْرُجُ كُلّ غَدَاةٍ فَأَجْلِسُ بِالْأَبْطُحِ فَمَا أَزَالُ أَبْكِي، حَتّى أَمْسَى سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا حَتّى مَرّ بِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمّي، أَحَدُ بَنِي الْمُغِيرَةِ فَرَأَى مَا بِي فَرَحِمَنِي فَقَالَ لِبَنِي الْمُغِيرَةِ أَلَا تُخْرِجُونَ هَذِهِ الْمِسْكِينَةَ فَرّقْتُمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا قَالَتْ فَقَالُوا لِي: الْحَقِي بِزَوْجِك إنْ شِئْت، قَالَتْ وَرَدّ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ إلَيّ عِنْدَ ذَلِكَ ابْنِي، قَالَتْ فَارْتَحَلْت بَعِيرِي ثُمّ أَخَذْت ابْنِي فَوَضَعْته فِي حِجْرِي، ثُمّ خَرَجْت أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ، قَالَتْ وَمَا مَعِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللّهِ، قَالَتْ فَقُلْت: أَتَبَلّغُ بِمَنْ لَقِيتُ حَتّى أَقْدَمَ عَلَيّ زَوْجِي، حَتّى إذَا كُنْت بِالتّنْعِيمِ لَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَخَا بَنِي عَبْدِ الدّارِ فَقَالَ لِي: إلَى أَيْنَ يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيّةَ؟ قَالَتْ فَقُلْت: أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ، قَالَ أَوَمَا مَعَك أَحَدٌ؟ قَالَتْ فَقُلْت: لَا وَاَللّهِ إلّا اللّهُ وَبُنَيّ هَذَا، قَالَ وَاَللّهِ مَا لَك مِنْ مَتْرَكٍ فَأَخَذَ بِخِطَامِ الْبَعِيرِ فَانْطَلَقَ مَعِي يَهْوِي بِي، فَوَاَللّهِ مَا صَحِبْت رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ قَطّ، أَرَى أَنّهُ كَانَ أَكْرَمَ مِنْهُ كَانَ إذَا بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَنَاخَ بِي، ثُمّ اسْتَأْخَرَ عَنّي، حَتّى إذَا نَزَلْت اسْتَأْخَرَ بِبَعِيرِي، فَحَطّ عَنْهُ ثُمّ قَيّدَهُ فِي الشّجَرَةِ، ثُمّ تَنَحّى وَقَالَ ارْكَبِي، فَإِذَا رَكِبْت وَاسْتَوَيْتُ عَلَى بَعِيرِي أَتَى فَأَخَذَ بِخِطَامِهِ فَقَادَهُ حَتّى يَنْزِلَ بِي. 


فَلَمْ يَزَلْ يَصْنَعُ ذَلِكَ بِي حَتّى أَقْدَمَنِي الْمَدِينَةَ، فَلَمّا نَظَرَ إلَى قَرْيَةِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بقُباءٍ قَالَ زَوْجُك فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ -وَكَانَ أَبُو سَلَمَةَ بِهَا نَازِلًا- فَادْخُلِيهَا عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ ثُمّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إلَى مَكّةَ، قَالَ فَكَانَتْ تَقُولُ وَاَللّهِ مَا أَعْلَمُ أَهْلَ بَيْتٍ فِي الْإِسْلَامِ أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَ آلَ أَبِي سَلَمَةَ، وَمَا رَأَيْت صَاحِبًا قَطّ كَانَ أَكْرَمَ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَة". سيرة ابن هشام 1/ 684, وانظر: السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة، د. محمد أبو شهبة (1/ 461). المفصل في أحكام الهجرة: نايف على الشحود 1 /32.

قال الشاعر:
هل يستوي من رسول الله قائده *** دوماً وآخر هاديه أبو لهب
وأين ما كانت الزهراء أسوتها *** ممَّن تقفت خطاً حمالة الحطب



في مدرسة الهجرة الشريفة 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الخميس 20 أغسطس 2020, 12:40 pm عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49268
العمر : 72

في مدرسة الهجرة الشريفة Empty
مُساهمةموضوع: رد: في مدرسة الهجرة الشريفة   في مدرسة الهجرة الشريفة Emptyالثلاثاء 13 أكتوبر 2015, 5:07 pm

5- الصداقة الحقيقية مبادئ ومواقف:

كان من فضل الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن جعل أفئدة من الناس تهوي إليه، وترى فيه المصحوب المربي والمعلم، والصديق؛ مما جعل سادة قريش يسارعون إلى كلماته ودينه: "أبو بكر" و"طلحة" "والزبير" و"عثمان" و"عبد الرحمان بن عوف" و"سعد بن أبي وقاص" متخلين بهذه المسارعة المؤمنة عن كل ما كان يحيطهم به قومهم من مجد وجاه، متقبلين -في نفس الوقت- حياة تمور موراً شديداً بالأعباء وبالصعاب وبالصراع.

فكانوا بحق الوعاء الذي حوى الدين ودافعوا عنه، بذلوا في سبيله المهج والمقل، هجروا المال والبنين والعشيرة، أقبلوا على ربهم إقبالا منقطع النظير، فهم سادة هذه الأمة وزهرتها فاستحقوا بذلك شرف السبق والسمو، يقول الله تعالى يعلمنا: "للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله، أولئك هم الصادقون" (الحشر، الآية: ويقول سبحانه عز وجل: "والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوفٌ رحيم" (الحشر، الآية: 10).

 

ولقد توفرت في أبي بكر خصال عظيمة جعلته خير ناقل لأثر الصحبة، كان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر فحسن مجالسته هذا كان سببا في إسلام السابقين فجاء بهم إلى المصحوب الأعظم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلموا وصلوا.

فالصحبة الصالحة لها أثرها البالغ في ثبوت الإيمان في القلوب، فحينما عاد أبو بكر من رحلة التجارة وأبلغه القوم أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- يزعم أنه يوحى إليه فأجابهم إن قال فقد صدق فما أن حط عنه عناء السفر حتى أقبل إلى النبي عليه الصلاة والسلام متأكداً من ذلك فما أن سمع من النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى فاضت عيناه وقبَّل صاحبه الذي ما تردد في النطق بأعظم كلمة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله.


وها هو الصديق أبو بكر رضي الله عنه يبارك الله تعالى صحبته لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيدعو عثمان بن عفان وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، فكانوا هم السابقين الذين ذكروا الله تعالى في أنفسهم لذلك ذكرهم الله تعالى في حياتهم في الملأ الأعلى وذكرهم في كل مَنْ جاء من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، إنهم السابقون، ومن حقهم علينا أن ندعو الله لهم في ورد الرابطة فإن لهم أجر عملهم وأجر مَنْ عمل بعملهم إلى يوم القيامة ولقد آثر الله تعالى على أيديهم دعوة الثلة الأولى من الجماعة المباركة التي حملت النور إلى العالم فأسلم على أيديهم أبو عبيدة بن الجراح، وأبو سلمة والأرقم بن أبي الأرقم، وعثمان بن مظعون وأخواه قدامة وعبد الله وسعيد بن زيد وغيرهم ومن النساء فاطمة بنت الخطاب، وأسماء بنت أبي بكر وعائشة بنت أبي بكر.


وقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)" متفق عليه)، وإن هذا الحب هو الذي جعل أبا بكر رضي الله عنه يتعرض مرات كثيرة للاضطهاد والإيذاء من المشركين، لكنه بقي على إيمانه وثباته، وظل مؤيدًا للدين بماله وبكل ما يملك، فأنفق معظم ماله حتى قيل: إنه كان يملك أربعين ألف درهم أنفقها كلها في سبيل الله، وكان -رضي الله عنه- يشتري العبيد المستضعفين من المسلمين ثم يعتقهم ويحررهم.

في غزوة تبوك، حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة والإنفاق، فحمل أبو بكر ماله كله وأعطاه للنبي ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم له: "هل أبقيت لأهلك شيئًا؟" فقال: أبقيت لهم الله ورسوله، ثم جاء عمر -رضي الله عنه- بنصف ماله فقال له الرسول: "هل أبقيت لأهلك شيئًا؟" فقال نعم نصف مالي، وبلغ عمر ما صنع أبو بكر فقال "والله لا أسبقه إلى شيء أبدًا" [الترمذي].


وحينما أذن الله تعالى لرسوله بالهجرة، اختاره الرسول صلى الله عليه وسلم ليكون رفيقه في هجرته، وظلا ثلاثة أيام في غار ثور، وحينما وقف المشركون أمام الغار، حزن أبو بكر وخاف على رسول الله صلى الله عليه وسلم: وقال: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلي قدميه، لأبصرنا، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما ظنك يا أبا بكر باثنين اللهُ ثالثهما" [البخاري].

وهذا الحب هو الذي أبكى أبا بكر فرحاً بصحبته صلى الله عليه وسلم، إن هذا الحب هو الذي أرخص عند أبي بكر كل ماله ليؤثر به الحبيب صلى الله عليه وسلم على أهله ونفسه.


يا مدعي حب أحمد لا تخالفه *** فالحب ممنوع في دنيا المحبينا


ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنه ليس أحدٌ أمنُّ علي في نفسه وماله من أبي بكر" فقد كان أبو بكر "الذي يؤتي ماله يتزكى" ينفق أمواله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى الدعوة إلى دين الله.

أخرج ابن عدي وابن عساكر من طريق الزهري وروى الحاكم في مستدركه ج 3/ ص 82, عن أنس رضي الله عنه قال رسول صلى اللّه عليه وسلم لحسان بن ثابت: "هل قلت في أبي بكر شيئاً؟" فقال: نعم. فقال: "قل وأنا أسمع". 


فقال: 

وثاني اثنين في الغار المنيف وقد * طاف العدوّ به إذ صعَّد الجبلا 

وكان حِبِّ رسول اللّه قد علموا * من البرية لم يعدل به رجلاً 

فضحك رسول اللّه حتى بدت نواجذه، ثم قال: "صدقت يا حسان هو كما قلت". 

عن علي رضي الله عنه أنه قال: ألا أنبئكم بخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما, المسند 1 /115، تعليق شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح.

فلقد ضرب الصديق رضي الله عنه مثلاً رائعاً في أن الصداقة مبادئ ومواقف, وليست شعارات وأقوال.


6- المسلم لا يترك الدعوة إلى الله تعالى:

المسلم لا يترك الدعوة إلى الله تعالى حتى في أحلك الظروف, ولقد ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في ذلك, فانظر إليه صلى الله عليه وسلم –بأبي هو وأمي– وهو مطارد قد أحل المشركون دمه, والكل يبحث عنه, كن ذلك كله لم ينسه الدعوة إلى الله تعالى.


إن المسلم الذي تغلغلت الدعوة في شغاف قلبه لا يفتر لحظة واحدة عن دعوة الناس إلى دين الله تعالى، مهما كانت الظروف قاسية والأحوال مضطربة، والأمن مفقود، بل ينتهز كل فرصة مناسبة لتبليغ دعوة الله تعالى، هذا نبي الله تعالى يوسف عليه السلام حينما زج به في السجن ظلماً، واجتمع بالسجناء في السجن، فلم يندب حظه، ولم تشغله هذه الحياة المظلمة عن دعوة التوحيد وتبليغها للناس ومحاربة الشرك وعبادة غير الله والخضوع لأي مخلوق قال تعالى: "قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40)" (سورة يوسف: الآيات: 37-40).

وسورة يوسف عليه السلام مكية، وقد أمر الله تعالى رسوله محمداً -صلى الله عليه وسلم- أن يقتدي بالأنبياء والمرسلين في دعوته إلى الله، ولذلك نجده -صلى الله عليه وسلم- في هجرته من مكة إلى المدينة وقد كان مطارداً من المشركين قد أهدروا دمه وأغروا المجرمين منهم بالأموال الوفيرة ليأتوا برأسه حياً أو ميتاً، ومع هذا فلم ينس مهمته ورسالته.


أ ـ وهو في الطريق دعا بريدة الأسلمي رضي الله عنه في ركب من قومه: فدعاهم إلى الإسلام فآمنوا وأسلموا.

وذكر ابن حجر العسقلاني ـرحمه الله-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- في طريق هجرته إلى المدينة لقي بريدة بن الحصيب بن عبدالله بن الحارث الأسلمي، فدعاه إلى الإسلام، وقد غزا مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- ست عشرة  غزوة وأصبح بريدة بعد ذلك من الدعاة إلى الإسلام وفتح الله لقومه أسلم على يديه أبواب الهداية، واندفعوا إلى الإسلام وفازوا بالوسام النبوي الذي نتعلم منه منهجاً فريداً في فقه النفوس. انظر: الإصابة، (1/ 146).


ب ـ وفي طريق الهجرة أسلم لصان على يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:

كان في طريقه -صلى الله عليه وسلم- بالقرب من المدينة لصان من أسلم يقال لهما المُهانان، فقصدهم -صلى الله عليه وسلم- وعرض عليهما الإسلام فأسلما ثم سألهما عن أسمائهما فقالا نحن المهانان، فقال: بل المُكرمان، وأمرهما أن يقدما عليه المدينة. الفتح الرباني للساعتي (20/ 289).

وفي هذا الخبر يظهر اهتمامه -صلى الله عليه وسلم- بالدعوة إلى الله حيث اغتنم فرصة في طريقه ودعا اللصين إلى الإسلام، فأسلما، وفي إسلام هذين اللصين مع ما ألفاه من حياة البطش والسلب والنهب دليل على سرعة إقبال النفوس على إتباع الحق إذا وجد مَنْ يمثله بصدق وإخلاص، وتجردت نفس السامع من الهوى المنحرف، وفي اهتمام الرسول -صلى الله عليه وسلم- بتغيير اسمي هذين اللصين من المُهانين إلى المُكرمين دليل على اهتمامه -صلى الله عليه وسلم- بسمعة المسلمين ومراعاته مشاعرهم إكراماً لهم ورفعاً لمعنوياتهم.


وإن في رفع معنوية الإنسان تقوية لشخصيته ودفعاً له إلى الأمام ليبذل كل طاقته في سبيل الخير والفلاح، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ:خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا فَقَالَ عُرِضَتْ عَلَىَّ الأُمَمُ فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِىُّ مَعَهُ الرَّجُلُ وَالنَّبِىُّ مَعَهُ الرَّجُلاَنِ، وَالنَّبِىُّ مَعَهُ الرَّهْطُ، وَالنَّبِىُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، وَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ فَرَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ أُمَّتِى، فَقِيلَ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ، ثُمَّ قِيلَ لِى انْظُرْ، فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ فَقِيلَ لي انْظُرْ هَكَذَا وَهَكَذَا، فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ فَقِيلَ هَؤُلاَءِ أُمَّتُكَ، وَمَعَ هَؤُلاَءِ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ فَتَفَرَّقَ النَّاسُ وَلَمْ يُبَيَّنْ لَهُمْ، فَتَذَاكَرَ أَصْحَابُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا أَمَّا نَحْنُ فَوُلِدْنَا في الشِّرْكِ، وَلَكِنَّا آمَنَّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَكِنْ هَؤُلاَءِ هُمْ أَبْنَاؤُنَا، فَبَلَغَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ هُمُ الَّذِينَ لاَ يَتَطَيَّرُونَ، وَلاَ يَسْتَرْقُونَ، وَلاَ يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ»، فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ أَمِنْهُمْ أَنَا فَقَالَ سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ. خرجه البخاري 1/ 163(5705) وأحمد 1 /271 (2448) و "مسلم" 1/ 137(447) و "التِّرْمِذِيّ" 2446 و"النَّسائي" في "الكبرى" 7560.


فلقد ذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف أن النبي من الأنبياء سوف يأتي يوم القيامة ومعه رجل واحد من قومه قد آمن به وبدعوته ورسالته, ونبي آخر معه رجلان وثالث معه الرهيط هُوَ بِضَمِّ الرَّاء تَصْغِير الرَّهْط، وَهِيَ الْجَمَاعَة دُون الْعَشَرَة ورابع ليس معه أحد, ومع هذا لم يثبت أن أحداً منهم لم يترك الدعوة إلى الله, ولم يتخل عن الرسالة التي أمره الله بتبليغها.

 

لأن المسلم لا يخل عن أداء رسالته في الحياة مهما كانت الصعاب والمصائب , فاليأس لا يتسلل إلى قلبه أبداً، فهو يعرف أن اليأس كفر وضياع قال تعالى: {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} يوسف: 87، وعَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ، فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَقُلْنَا: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلاَ تَدْعُو لَنَا، فَقَالَ: قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ، فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ، فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ، مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللهِ، لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللهَ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ.

أخرجه "أحمد" 5/ 109 (21371) و"البُخَارِي" 4/ 244(3612) و"أبو داود" 2649 و"النَّسائي" 8/ 204.


عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلاَ يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ، إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ، أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الإِسْلاَمَ، وَذُلاًّ يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ.

وَكَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ يَقُولُ: قَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، لَقَدْ أَصَابَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمُ الْخَيْرُ، وَالشَّرَفُ، وَالْعِزُّ، وَلَقَدْ أَصَابَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَافِرًا، الذُّلُّ، وَالصَّغَارُ، وَالْجِزْيَةُ. أخرجه أحمد 4/ 103(17082).

فعلى كل داعية ومرب أن يعرف أن الأمل والتفاؤل قوّة وأن اليأس والتشاؤم ضعف وأن الأمل والتفاؤل حياة وأن اليأس والتشاؤم موت.


قال الشاعر:

اليأسُ في ديننا كُفْرٌ ومَنْقَصةٌ * * * لا أعرٍفُ اليأسَ والإحباطَ في غَمَمِ  

يَفيضُ من أملٍ قلبي ومن ثقةٍ * * * لا يُنبِتُ اليأسَ قلبُ المؤمنِ الفَهِمِ 


فالأمل والرجاء من أخلاق الأنبياء، وهو الذي جعلهم يواصلون دعوة أقوامهم إلى الله دون يأس أو ضيق، برغم ما كانوا يلاقونه من إعراض ونفور وأذى, والأمل هو الذي يدفع الإنسان دائمًا إلى العمل، ولولا الأمل لامتنع الإنسان عن مواصلة الحياة ومجابهة مصائبها وشدائدها، ولولاه لسيطر اليأس على قلبه، وأصبح يحرص على الموت، ولذلك قيل: اليأس سلم القبر، والأمل نور الحياة.

وقد ظل المسجد الأقصى بيد المسلمين منذ الفتح العمري حتى استولى عليه الصليبيون وقتلوا من المسلمين ستين ألفًا، ودخلوا المسجد، واستولوا على الأموال، ونصبوا الصليب على المسجد، ودقوا فيه النواقيس، وأشركوا فيه بالله تعالى، حتى استنقذه الله من أيديهم على يد القائد المظفر صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، وكان ملكًا صالحًا صوَّامًا قوَّامًا، وكان قلبه يتفطر على المسجد الأقصى، ولم يفتأ يُحرض المؤمنين على القتال ويُعد العدة حتى انتصر المسلمون بفضل الله في موقعة حطين سنة 583هـ، وكان يومًا مشهوداً، طهر فيه المسجد الأقصى، وارتفع منه الأذان والتوحيد، وقتل من الصليبيين عشرات الآلاف، وأسر عشرات الآلاف، حتى رخص ثمن الأسرى، وصار الفلاح من المسلمين يربط بخيمته عشرة من الأسرى وبيع النعل بالأسير، قال تعالى: "إِن تَنصُرُواْ اللَّهَ يَنصُرْكُمْ" [محمد: 7].

وقد ظل المسجد الأقصى أسيراً في يد الصليبين من عام 1099م إلى عام 1187م أي حوالي 88 عاما ً, لكن أهل الإيمان لم ييأسوا, وبمشيئة الله لن ييأسوا.

في مدرسة الهجرة الشريفة Images?q=tbn:ANd9GcRcGoqMKO1JU1HZX8xyMPI94aUHWzOzV1_IOQcLgik6-Cn67BgC

قال الشاعر:

سيروا كما ساروا لتجنوا ماجنوا ‍* * لا يحصد الحب سوى الزراع

وتيقظوا فالسيل قد بلغ الزبى ‍* * يا أيها النومى على الأمطاع

واسترجعوا ما فات من أمجادكم ‍* * ما دمتم في مهلة استرجاع

يا خاطب العلياء إن صداقها * * صعب المنال على قصير الباع


يُحكى أن قائدًا هُزِمَ في إحدى المعارك، فسيطر اليأس عليه، وذهب عنه الأمل، فترك جنوده وذهب إلى مكان خال في الصحراء، وجلس إلى جوار صخرة كبيرة, وبينما هو على تلك الحال، رأى نملة صغيرة تَجُرُّ حبة قمح، وتحاول أن تصعد بها إلى منزلها في أعلى الصخرة، ولما سارت بالحبة سقطت منها، فعادت النملة إلى حمل الحبة مرة أخري، وفي كل مرة، كانت تقع الحبة فتعود النملة لتلتقطها، وتحاول أن تصعد بها... وهكذا، فأخذ القائد يُراقب النملة باهتمام شديد، ويُتابع محاولاتها في حمل الحبة مرات ومرات، حتى نجحت أخيرًا في الصعود بالحبة إلى مسكنها، فتعجب القائد المهزوم من هذا المنظر الغريب، ثم نهض القائد من مكانه وقد ملأه الأمل والعزيمة فجمع رجاله، وأعاد إليهم روح التفاؤل والإقدام، وأخذ يُجهزهم لخوض معركة جديدة، وبالفعل انتصر القائد على أعدائه، وكان سلاحه الأول هو الأمل وعدم اليأس، الذي استمده وتعلمه من تلك النملة الصغيرة.

فالهجرة كانت بداية لوجود المجتمع الإسلامي الصحيح السليم، مجتمع يعيش فيه المسلمون وغير المسلمين، مجتمع تسوده أحكام العدل، وترفرف عليه رايات الإحسان والبر، وتمده شريعة السماء بتوجيهات القرآن وسنة النبي المصطفى، وتحوطه عزائم المؤمنين وتحميه من كل غائلة.

وإن دروس الهجرة النبوية الشريفة لن تنقطع أبد الدهر, وسيظل معينها فياضاً ولن ينضب أبداً.

*********************

الفهرست:

مقدمة.

1- المؤمن يحسن التوكل على الله تعالى.

2- الصبر واليقين طريق النصر والتمكين.

3- الله تعالى يؤيد رسله بالمعجزات.

4- دور المرأة المسلمة في الهجرة الشريفة.

5- الصداقة الحقيقية مبادئ ومواقف.

6- المسلم لا يترك الدعوة إلى الله تعالى.

الفهرست.



في مدرسة الهجرة الشريفة 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
في مدرسة الهجرة الشريفة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» في مدرسة الهجرة الشريفة - المقدمة
» تذكرت في الهجرة الشريفة
» تذكرت في الهجرة الشريفة
» الهجرة ومقدماتها
» من دروس الهجرة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: فـضـــــائل الـشـهــــور والأيـــــام :: الهجـــرة أعظم حدث في تاريخ الإسلام-
انتقل الى: