منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (05)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (05) Empty
مُساهمةموضوع: الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (05)   الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (05) Emptyالإثنين 14 سبتمبر 2015, 9:24 pm

الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (05) SCvSBPK6Hem5I0c7wWVBCiRlLd9qRpc4uwRINvrukqxGxQEDPMCwy679e8_0kAFC9lM=w300
فصل
فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى علاج ذاتِ الجنب
روى الترمذى فى ((جامعه)) من حديث زيد بن أرقمَ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم، قال: ((تَدَاوَوْا مِنْ ذاتِ الجَنْبِ بالقُسْطِ البَحْرى والزَّيْتِ)).
وذاتُ الجنب عند الأطباء نوعان: حقيقى وغيرُ حقيقى. فالحقيقى: ورمٌ حار يَعْرِضُ فى نواحى الجَنب فى الغشاء المستبطن للأضلاع. وغير الحقيقى: ألم يُشبهه يَعْرِضُ فى نواحى الجنبِ عن رياح غليظة مؤذيةٍ تحتقِن بين الصِّفاقات، فتُحْدِث وجعاً قريباً من وجع ذات الجنب الحقيقى، إلا أن الوجعَ فى هذا القسم ممدودٌ، وفى الحقيقى ناخسٌ.
قال صاحبُ ((القانون)): قد يعرِضُ فى الجنبِ، والصَّفاقات، والعَضَل التى فى الصدر، والأضلاع، ونواحيها أورامٌ مؤذية جداً موجِعةٌ، تسمى شَوْصةً وَبِرساماً، وذاتَ الجنب. وقد تكون أيضاً أوجاعاً فى هذه الأعضاء ليست من ورم، ولكن من رياح غليظة، فيظن أنها من هذه العِلَّة، ولا تكون منها.
قال: واعلم أنَّ كُلَّ وجع فى الجنب قد يُسمى ذاتَ الجنب اشتقاقاً من مكان الألم، لأن معنى ذات الجنب: صاحبةُ الجنب، والغرضُ به ههنا وَجَعُ الجنب، فإذا عَرَضَ فى الجنب ألمٌ عن أى سبب كانَ نُسِبَ إليه، وعليه حُمِلَ كلام ((بقراط)) فى قوله: إنَّ أصحابَ ذات الجنبِ ينتفعون بالحَمَّام. قيل: المراد به كلُّ مَن به وجعُ جنب، أو وجعُ رِئة من سوء مِزاج، أو من أخلاط غليظة، أو لذاعة من غير ورم ولا حُمَّى.
قال بعضُ الأطباء: وأما معنى ذات الجنب فى لغة اليونان، فهو ورمُ الجَنب الحار، وكذلك ورمُ كل واحد من الأعضاء الباطنة، وإنما سمى ذاتَ الجنب ورمُ ذلك العضو إذا كان ورماً حاراً فقط.
ويلزم ذاتَ الجنب الحقيقى خمسةُ أعراض، وهى: الحُمَّى، والسعال، والوجع الناخس، وضيق النَّفَس، والنبضُ المنشارى.


والعلاج الموجود فى الحديث، ليس هو لهذا القسم، لكن للقسم الثانى الكائن عن الريح الغليظة، فإنَّ القُسْطَ البحرى   وهو العود الهندى على ما جاء مفسَّراً فى أحاديث أُخَر  صِنفٌ من القُسْط إذا دُقَّ دقاً ناعماً، وخُلِط بالزيت المسخن، ودُلِكَ به مكانُ الريح المذكور، أو لُعِق، كان دواءً موافقاً لذلك، نافعاً له، محلِّلاً لمادته، مُذْهِباً لها، مقوياً للأعضاء الباطنة، مفتحاً للسُّدد، والعودُ المذكور فى منافعه كذلك.
قال المسيحىُّ: العود: حار يابس، قابض يحبسُ البطن، ويُقوى الأعضاء الباطنة، ويطرُد الريح، ويفتح السُّدد، نافعٌ من ذات الجنب، ويُذهب فضلَ الرطوبة، والعُود المذكور جيد للدماغ. قال: ويجوز أن ينفع القُسْط مِن ذات الجنب الحقيقيةِ أيضاً إذا كان حدوثها عن مادة بلغمية، لا سيما فى وقت انحطاط العِلَّة.. والله أعلم.


وذاتُ الجنب: من الأمراض الخطرة، وفى الحديث الصحيح: عن أُم سلمةَ، أنها قالت: بدأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بمرضِه فى بيت ميمُونةَ، وكان كلَّما خَفَّ عليه، خرجَ وصلَّى بالناس، وكان كلَّما وَجَد ثِقَلاً، قال: ((مُرُوا أبا بكرٍ فليُصَلِّ بالناس))، واشتد شكواه حتى غُمِرَ عليه مِن شدةِ الوجع، فاجتمع عنده  نساؤه، وعمُّه العباس، وأُمُّ الفضل بنت الحارث، وأسماءُ بنت عُمَيْس، فتشاوروا فى لدِّهِ، فَلدُّوه وهو مغمورٌ، فلما أفاق قال: ((مَن فعل بى هذا ؟ هذا من عمل نساءٍ جِئْنَ من ههُنا))، وأشار بيده إلى أرضِ الحبشةِ، وكانت أُمُّ سلمةَ وأسماءُ لَدَّتاهُ، فقالوا: يا رسولَ الله؛ خشِينَا أن يكون بكَ ذاتُ الجنب. قال: ((فَبِمَ لَدَدْتُمُونى)) ؟ قالوا: بالعُودِ الهندىِّ، وشىءٍ من وَرْسٍ وقَطِرَاتٍ من زيت. فقال: ((ما كان اللهُ لِيَقْذِفَنِى بذلك الدَّاءِ))، ثم قال: ((عَزَمْتُ عليكم أنْ لا يَبْقى فى البيتِ أحدٌ إلا لُدَّ إلا عَمِّىَ العَبَّاس)).
وفى ((الصحيحين)) عن عائشةَ رضى الله تعالى عنها قالت: لَدْدنَا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأشار أن لا تَلُدُّونِى، فقلنا: كراهِيةُ المريض للدواءِ، فلما أفاق قال: ((ألم أنْهَكُمْ أن تَلُدُّونِى، لا يَبْقَى منكم أحدٌ إلا لُدَّ غَيْرَ عَمِّى العباس، فإنَّه لَمْ يَشْهَدْكُم)).
قال أبو عبيد عن الأصمعىِّ: اللَّدُودُ: ما يُسقى الإنسان فى أحد شِقَّى الفم، أُخِذ من لَدِيدَى الوادى، وهما جانباه. وأما الوَجُورُ: فهو فى وسط الفم.
قلت: واللَّدود  بالفتح : هو الدواءُ الذى يُلَدَّ به. والسَّعوطُ: ما أُدخل من أنفه.
وفى هذا الحديث من الفقه معاقبةُ الجانى بمثل ما فعل سواء، إذا لم يكن فِعلُه محرماً لحق الله، وهذا هو الصوابُ المقطوع به لبضعةَ عشر دليلاً قد ذكرناها فى موضع آخر، وهو منصوص أحمد، وهو ثابت عن الخلفاء الراشدين، وترجمة المسألة بالقِصاص فى اللَّطمة والضربة، وفيها عدةُ أحاديث لا مُعارِضَ لها ألبتة، فيتعين القولُ بها.


فصل
فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى علاج الصُّدَاع والشقيقة
روى ابن ماجه فى ((سننه)) حديثاً فى صحته نظر: أنَّ النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا صُدِع، غَلَّفَ رأسَه بالحنَّاءِ، ويقول: ((إنَّهُ نافعٌ بإذنِ الله من الصُّداعِ)).
والصُّدَاع: ألم فى بعض أجزاء الرأس أو كله، فما كان منه فى أحد شِقَّى الرأس لازماً يُسمَّى شقيقةً؛ وإن كان شاملاً لجميعه لازماً، يسمى بَيضْةً وخُودَةً تشبيهاً بِبَيْضَة السلاح التى تشتمل على الرأس كلِّه، وربما كان فى مؤخَّر الرأس أو فى مقدمه.
وأنواعه كثيرة، وأسبابه مختلفة. وحقيقة الصُّداع: سخونةُ الرأس، واحتماؤه لما دار فيه مِن البخار يطلُب النفوذ من الرأس، فلا يجد منفذاً، فيصدَعُه كما يصدع الوَعىُ  إذا حمى ما فيه وطلب النفوذ، فكل شىء رطب إذا حمى، طلب مكاناً أوسع من مكانه الذى كان فيه، فإذا عرض هذا البخار فى الرأس كله بحيث لا يمكنه التَّفَشِّى والتحلل، وجال فِى الرأس، سمى: السَّدرَ.


والصُّداع يكون عن أسباب عديدة:
أحدها: من غلبة واحد من الطبائع الأربعة.
والخامس: يكون من قروح تكون فى المعدة، فيألم الرأس لذلك الورم لاتصال العصب المنحدر من الرأس بالمعدة.
والسادس: من ريح غليظة تكون فى المعدة، فتصعَدُ إلى الرأس فتصدعه.
والسابع: يكون من ورم فى عروق المعدة، فيألمُ الرأسُ بألم المعدة للاتصال الذى بينهما.
والثامن: صُداع يحصل من امتلاء المعدة من الطعام، ثم ينحدر ويبقى بعضُه نيئاً، فيصدَع الرأس ويثقله.
والتاسع: يعرض بعد الجِمَاع لتخلخل الجسم، فيصل إليه مِن حر الهواء أكثرُ من قدر.
والعاشر: صداع يحصُل بعد القىء والاستفراغ، إما لغلبة اليبس، وإما لتصاعد الأبخرة من المعدة إليه.
والحادى عشر: صُداع يعرِضُ عن شدة الحر وسخونة الهواء.
والثانى عشر: ما يَعْرِضُ من شدة البرد، وتكاثفِ الأبخرة فى الرأس وعدم تحَلُّلها.
والثالث عشر: ما يحدُث مِن السهر وعدم النوم.
والرابع عشر: ما يحدُث مِن ضغط الرأس وحمل الشىء الثقيل عليه.
والخامس عشر: ما يحدُث مِن كثرة الكلام، فتضعف قوةُ الدماغ لأجله.
والسادس عشر: ما يحدُث مِن كثرة الحركة والرياضة المفرطة.
والسابع عشر: ما يحدُث من الأعراض النفسانية، كالهموم، والغموم، والأحزان، والوساوس، والأفكار الرديئة.
والثامن عشر: ما يحدُث  من شدة الجوع، فإن الأبخرة لا تجد ما تعمل فيه، فتكثر وتتصاعد إلى الدماغ فتؤلمه.
والتاسع عشر: ما يحدُث عن ورم فى صِفاق الدماغ، ويجد صاحبُه كأنه يُضْرَب بالمطارق على رأسه.
والعشرون: ما يحدُث بسبب الحُمَّى لاشتعال حرارتها فيه فيتألم.. والله أعلم.


فصل
فى سبب صُداع الشقيقة
وسبب صُداع الشقيقة مادة فى شرايين الرأس وحدها حاصلة فيها، أو مرتقية إليها، فيقبلُها الجانب الأضعف من جانبيه، وتلك المادةُ إما بُخارية، وإما أخلاط حارة أو باردة، وعلامتُها الخاصة بها ضرَبان الشرايين، وخاصة فى الدموى. وإذا ضُبِطت بالعصائب، ومُنِعت من الضَّربَان، سكن الوجع.
وقد ذكر أبو نعيم  فى كتاب ((الطب النبوى)) له: أنَّ هذا النوع كان يُصيب النبى صلى الله عليه وسلم، فيمكث اليوم واليومين، ولا يخرج.
وفيه: عن ابن عباس قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد عَصَبَ رأسه بعِصَابةٍ.
وفى ((الصحيح)): أنه قال فى مرض موته: ((وَارَأْسَاهُ)). وكان يُعصِّبُ رأسه فى مرضه، وعَصْبُ الرأس ينفع فى وجع الشقيقة وغيرها من أوجاع الرأس.


فصل
فى علاج صُداع الشقيقة
وعِلاجه يختلف باختلاف أنواعه وأسبابه، فمنه ما علاجُه بالاستفراغ، ومنه ما علاجُه بتناول الغذاء، ومنه ما عِلاجُه بالسُّكون والدَّعة، ومنه ما عِلاجُه بالضِّمادات، ومنه ما علاجُه بالتبريد، ومنه ما علاجُه بالتسخين، ومنه ما عِلاجُه بأن يجتنب سماعَ الأصواتِ والحركات.
إذا عُرِفَ هذا، فعِلاجُ الصُّداع فى هذا الحديث بالحِنَّاء، هو جزئى لا كُلِّى، وهو علاج نوع من أنواعِه، فإن الصُّداع إذا كان من حرارة ملهبة، ولم يكن من مادةٍ يجب استفراغها، نفع فيه الحِنَّاء نفعاً ظاهراً، وإذا دُقَّ وضُمِّدَتْ به الجبهةُ مع الخل، سكن الصُّداع، وفيه قوة موافقة للعصب إذا ضُمِّدَ به، سكنت أوجاعُه، وهذا لا يختصُّ بوجع الرأس، بل يعُمُّ الأعضاءَ، وفيه قبض تُشَدُّ به الأعضاء، وإذا ضُمِّدَ به موضعُ الورم الحار والملتهب، سكَّنه.
وقد روى البخارى فى ((تاريخه))، وأبو داود فى ((السنن)) أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ما شَكا إليه أحدٌ وجَعاً فى رأسِهِ إلا قال له: ((احْتَجِمْ))، ولا شَكى إليه وجَعاً فى رجلَيْه إلا قال له: ((اخْتَضِبْ بالحِنَّاء)).
وفى الترمذى: عن سَلْمَى أُمِّ رافعٍ خادمِة النبى صلى الله عليه وسلم قالتْ: كان لا يُصيبُ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قرحةٌ ولا شَوْكةٌ، إلا وَضَع عليها الحِنَّاءَ


فصل
فى الحِنَّاء ومنافعه وخواصه
والحِنَّاءُ باردٌ فى الأُولى، يابسٌ فى الثانية، وقوةُ شجر الحِنَّاء وأغصانها مُركَّبةٌ من قوة محللة اكتسبتْها من جوهر فيها مائى، حار باعتدال، ومِن قوة قابضة اكتسبتْها من جوهر فيها أرضى بارد.
ومن منافعه أنه محلِّلٌ نافع من حرق النار، وفيه قوةٌ موافقة للعصب إذا ضُمِّدَ به، وينفع إذا مُضِغ من قُروح الفم والسُّلاق العارض فيه. ويبرىءُ القُلاع الحادث فى أفواه الصبيان، والضِّماد به ينفعُ مِن الأورام الحارة الملهبة، ويفعَلُ فى الجراحات فِعل دم الأخوَين، وإذا خُلِطَ نَوْرُه مع الشمع المصفَّى، ودُهن الورد، ينفع من أوجاع الجنب.
ومن خواصه أنه إذا بدأ الجُدرِىُّ يخرج بصبى، فخُضِبَت أسافل رجليهِ بحنَّاءٍ، فإنه يُؤمَنُ على عينيه أن يخرُج فيها شىء منه، وهذا صحيح مُجرَّب لا شك فيه. وإذا جُعِل نَوْرُه بين طى ثياب الصوف طيَّبها، ومنع السوس عنها، وإذا نُقِعَ ورقُه فى ماءٍ عذب يغمُره، ثم عُصِرَ وشُرِبَ من صفوه أربعين يوماً كلَّ يوم عشرون درهماً مع عشرة دراهم سكر،  ويُغذَّى عليه بلحم الضأن الصغير، فإنه ينفع من ابتداء الجُذام بخاصيةٍ فيه عجيبة.
وحُكى أنَّ رجلاً تشقَّقَتْ أظافيرُ أصابِع يده، وأنه بذل لمن يُبرئه مالاً، فلم يجد، فوصفت له امرأة، أن يشرب عشرة أيام حِناء، فلم يُقْدِم عليه، ثم نقعه بماء وشربه، فبرأ ورجعت أظافيرُه إلى حسنها.
والحِنَّاء إذا أُلزِمَتْ به الأظفار معجوناً حسَّنها ونفعها، وإذا عُجِنَ بالسمن وضُمِّدَ به بقايا الأورام الحارة التى تَرْشَحُ ماءً أصفر  نفعها، ونفع من الجرَب المتقرِّح المزمن منفعة بليغة، وهو يُنْبت الشعرَ ويقويه، ويُحَسِّنه، ويُقوِّى الرأس، وينفع من النَّفَّاطات، والبُثور العارضة فى الساقين والرِّجْلين، وسائر البدن.


فصل
فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى معالجة المرضى بترك إعطائهم  ما يكرهونه من الطعام والشراب، وأنهم لا يُكرَهون على تناولهما
روى الترمذى فى ((جامعه))، وابنُ ماجه، عن عقبة بن عامر الجُهَنِى، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تُكْرِهوا مَرضاكُم عَلَى الطَّعامِ والشَّرابِ، فإنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ يُطْعِمُهُم ويَسْقِيهمْ)).
قال بعضُ فضلاء الأطباء: ما أغزرَ فوائدَ هذه الكلمة النبوية المشتملة على حِكم إلهية، لا سِيَّما للأطباء، ولمن يُعالِج المرضى، وذلك أنَّ المريضَ إذا عاف الطعامَ أو الشراب، فذلك لاشتغال الطبيعة بمجاهدة المرض، أو لسقوط شهوته، أو نُقْصانها لضعف الحرارة الغريزية أو خمودها، وكيفما كان، فلا يجوز حينئذ إعطاءُ الغِذاء فى هذه الحالة.
واعلم أنَّ الجوعَ إنما هو طلبُ الأعضاء للغذاء لتُخلِفَ الطبيعة به عليها عِوضَ ما يتحلل منها، فتجذب الأعضاء القصوى من الأعضاء الدنيا حتى ينتهىَ الجذبُ إلى المعدة، فيُحِسُّ الإنسان بالجوع، فيطلبُ الغِذاء، وإذا وُجِدَ المرض، اشتغلت الطبيعةُ بمادته وإنضاجها وإخراجها عن طلب الغذاء، أو الشراب، فإذا أُكْرِهَ المريضُ على استعمال شىء من ذلك، تعطلَّتْ به الطبيعة عن فعلها، واشتغلت بهضمه وتدبيره عن إنضاج مادة المرض ودفعه، فيكون ذلك سبباً لضرر المريض، ولا سِيَّما فى أوقات البُحْران، أو ضعفِ الحار الغريزى أو خمودِه، فيكون ذلك زيادةً فى البلية، وتعجيل النازلة المتوقَّعةَ. ولا ينبغى أن يُسـتعمل فى هذا الوقتِ والحال إلا ما يحفظُ عليه قوَّته ويُقويها مِن غير استعمال مزعج للطبيعة ألبتة، وذلك يكونُ بما لَطُفَ قِوامه من الأشربة والأغذية، واعتدلَ مِزاجه كشراب اللَّينوفر، والتفاح، والورد الطَّرِى، وما أشبه ذلك، ومن الأغذية مرق الفراريج المعتدلة الطيبة فقط، وإنعاش قواه بالأراييح العَطِرَة الموافقة، والأخبار السارة، فإنَّ الطبيبَ خادمُ الطبيعة، ومعينها لا معيقها.
واعلم أنَّ الدم الجيد هو المُغَذِّى للبدن، وأنَّ البلغم دم فج قد نضج بعضَ النضج، فإذا كان بعض المرضى فى بدنه بلغم كثير، وعُدِم الغذاءُ، عطفت الطبيعةُ عليه، وطبخته، وأنضجته، وصيَّرته دماً، وغَذَّت به الأعضاء، واكتفت به عما سواه، والطبيعةُ هى القوة التى وكلها الله سبحانه بتدبير البدن وحفظه وصحته، وحراسته مدة حياته.


واعلم أنه قد يُحتاج فى النَّدرة إلى إجبار المريض على الطعام والشراب، وذلك فى الأمراض التى يكون معها اختلاطُ العقل، وعلى هذا فيكونُ الحديثُ من العامِّ المخصوص، أو من المُطْلَقِ الذى قد دلَّ على تقييده دليلٌ، ومعنى الحديث: أنَّ المريضَ قد يعيش بلا غذاء أياماً لا يعيش الصحيحُ فى مثلها.
وفى قوله صلى الله عليه وسلم: ((فإنَّ الله يُطعِمُهم ويَسْقِيهِم)) معنى لطيفٌ زائد على ما ذكره الأطباءُ لا يعرفُه إلا مَن له عناية بأحكام القُلوب والأرواح، وتأثيرها فى طبيعة البَدن، وانفعالِ الطبيعة عنها، كما تنفعل هى كثيراً عن الطبيعة، ونحن نُشير إليه إشارةً، فنقول: النَّفْسُ إذا حصل لها ما يشغَلُها مِن محبوبٍ أو مكروهٍ أو مَخُوف، اشتغلَتْ به عن طلب الغِذاء والشراب، فلا تُحِسُّ بجوع ولا عطش، بل ولا حر ولا برد، بل تشتغل به عن الإحساس المؤلم الشديد الألم، فلا تُحِسُّ به، وما من أحد إلا وقد وجدَ فى نفسه ذلك أو شيئاً منه، وإذا اشتغلتْ النفس بما دهمها، وورد عليها، لم تُحِسَّ بألم الجوع، فإن كان الوارد مفرِّحاً قوىَّ التفريح، قام لها مَقامَ الغِذاء، فشبعتْ به، وانتعشتْ قُواها، وتضاعفَت، وجرت الدمويةُ فى الجسد حتى تظهر فى سطحه، فيُشرِقُ وجهه، وتظهر دمويتهُ، فإنَّ الفرح يُوجبُ انبساطَ دم القلب، فينبعثُ فى العروق، فتمتلئُ به، فلا تطلبُ الأعضاءُ حَظَّها من الغذاءِ المعتاد لاشتغالها بما هو أحبُّ إليها، وإلى الطبيعة منه، والطبيعةُ إذا ظَفِرَتْ بما تُحبُّ، آثرتْه على ما هو دونه.
وإن كان الواردُ مؤلماً أو محزناً أو مخوفاً، اشتغلتْ بمحاربتِه ومُقاومتِه ومُدافعته عن طلب الغذاء، فهى فى حال حربها فى شغل عن طلب الطعام والشراب. فإن ظفرتْ فى هذا الحرب، انتعشت قواها، وأخلَفت عليها نظيرَ ما فاتها من قوة الطعام والشراب، وإن كانت مغلوبةً مقهورة، انحطَّتْ قواها بحسب ما حصل لها من ذلك، وإن كانت الحربُ بينها وبين هذا العدوِّ سِجالاً، فالقوةُ تظهرُ تارةً وتختفى أُخرى، وبالجملة فالحربُ بينهما على مثال الحرب الخارج بين العدوين المتقاتلين، والنصرُ للغالبِ، والمغلوب إما قتيل، وإما جريح، وإما أسير.


فالمريض: له مَددٌ مِنَ الله تعالى يُغذيه به زائداً على ما ذكره الأطباء من تغذيته بالدم، وهذا المَددُ بحسب ضعفِه وانكسارِه وانطِراحِه بين يدى ربه عَزَّ وجَلَّ، فيحصُل له من ذلك ما يُوجب له قُرباً من ربه، فإنَّ العبدَ أقربُ ما يكون من ربه إذا انكسر قلبُهُ، ورحمةُ ربه عندئذٍ قريبة منه، فإن كان ولياً له، حصل له من الأغذية القلبية ما تَقْوى به قُوَى طبيعته، وتَنتعشُ به قواه أعظمَ مِن قوتها، وانتعاشها بالأغذية البدنية، وكلما قَوى إيمانُه وحُبُّه لربه، وأُنسُه به، وفرحُه به، وقَوى يقينه بربه، واشتد شوقه إليه ورضاه به وعنه، وجَدَ فى نفسه من هذه القوة ما لا يُعَبَّرُ عنه، ولا يُدركُه وصف طبيب، ولا يَنالُه علمه.
ومَن غَلُظ طبعُه، وكَثُفتْ نفسُه عن فهم هذا والتصديق به، فلينظرْ حالَ كثير من عُشَّاقِ الصور الذين قد امتلأتْ قلوبُهم بحُب ما يعشَقوُنه من صُورةٍ، أو جاهٍ، أو مال، أو علم، وقد شاهد الناسُ من هذا عجائبَ فى أنفسهم وفى غيرهم.
وقد ثبت فى ((الصحيح)): عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم، أنه كان يُواصلُ فى الصِّيام الأيامَ ذواتِ العددِ، وينهَى أصحابه عن الوِصال ويقول: ((لستُ كَهَيْئَتِكُمْ إنى أَظَلُّ يُطعِمُنى رَبِّى ويَسْقِينى)).
ومعلومٌ أنَّ هذا الطعام والشراب ليس هو الطعام الذى يأكله الإنسانُ بفمه، وإلا لم يكن مواصلاً، ولم يتحقق الفرق، بل لم يكن صائماً، فإنه قال: ((أَظَلُّ يُطْعِمُنى رَبِّى ويَسْقِينى)).
وأيضاً فإنه فرق بينه وبينهم فى نفس الوِصال، وأنه يَقدِرُ منه على ما لا يقدِرُون عليه، فلو كان يأكلُ ويشرب بفمه، لم يَقُلْ: ((لَسْتُ كَهَيْئَتِكُم ))، وإنما فَهِمَ هذا من الحديث مَنْ قَلَّ نصيبُه من غذاء الأرواح والقلوب، وتأثيرِهِ فى القوة وإنعاشِها، واغتذائها به فوقَ تأثير الغِذاء الجسمانىِّ.. والله الموفق.


فصل
فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى علاج العُذْرة وفى العلاج بالسَّعوط
ثبت عنه فى ((الصحيحين)) أنه قال: ((خَيْرُ مَا تَدَاوَيْتُم به الحِجَامةُ، والقُسْطُ البَحْرِىُّ، ولا تُعَذِّبُوا صِبْيانَكُمْ بالغَمْزِ من العُذْرَةِ)).
وفى ((السنن)) و((المسند)) عنه من حديث جابر بن عبد الله قال: دَخَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على عائشة، وعِندَها صَبِىٌ يَسِيلُ مَنخراهُ دماً، فقال: ((ما هذا)) ؟ فقالوا: به العُذرةُ، أو وَجعٌ فى رأسه، فقال: ((وَيلكُنَّ، لا تَقْتُلنَ أَوْلادَكُنَّ، أيُّما امرأةٍ أصابَ وَلَدَها عُذْرَةٌ أو وَجَعٌ فى رأسِه، فَلْتَأخُذْ قُسْطاً هِنْدِيَّاً فَلْتَحُكَّه بماءٍ، ثم تُسْعِطْهُ إيَّاهُ)) فأمَرتْ عائشةُ رضى الله عنها فصُنِعَ ذلك بالصبىِّ، فبَرَأَ.
قال أبو عُبيدٍ عن أبى عُبيدَةَ: العُذْرَةُ: تهيُّجٌ فى الحَلْق من الدم، فإذا عُولج منه، قيل: قد عُذِرَ به، فهو معذورٌ.. انتهى.
وقيل: العُذْرَةُ: قرحة تخرج فيما بين الأذُن والحلق، وتَعرض للصبيان غالباً.
وأما نفعُ السَّعوط منها بالقُسْط المحكوك، فلأن العُذْرَةُ مادتُها دم يغلب عليه البلغمُ، لكن تولده فى أبدان الصبيان أكثر، وفى القُسْط تجفيفٌ يَشُدُّ اللَّهاةَ ويرفعها إلى مكانها، وقد يكون نفعُه فى هذا الداء بالخاصية، وقد ينفع فى الأدواء الحارة، والأدوية الحارة بالذات تارة، وبالعرض أُخرى. وقد ذكر صاحب ((القانون)) فى معالجة سُقوط اللَّهَاة: القُسطَ مع الشَّب اليمانىِّ، وبذر المـرو.
والقُسْطُ البحرىُّ المذكور فى الحديث: هو العود الهندى، وهو الأبيض منه، وهو حلو، وفيه منافعُ عديدة. وكانوا يُعالجون أولادَهم بغَمز اللَّهاة، وبالعِلاَق، وهو: شىء يُعلِّقونه على الصبيان، فنهاهم النبىُّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأرشدهم إلى ما هو أنفعُ للأطفال، وأسهلُ عليهم.
والسَّعوطُ: ما يُصَبُّ فى الأنف، وقد يكون بأدوية مفردة ومُركَّبة تُدَق وتُنخل وتُعجن وتُجفف، ثم تُحَلُّ عند الحاجة، ويُسعط بها فى أنف الإنسان، وهو مستلقٍ على ظهره، وبين كتفيه ما يرفعُهما لتنخفض رأسُه، فيتمكن السَّعوطُ من الوصول إلى دماغه، ويُستخرج ما فيه من الداء بالعطاس، وقد مدح النبى صلى الله عليه وسلم التداوىَ بالسَّعوط فيما يُحتاج إليه فيه.
وذكر أبو داودَ فى ((سننه)): ((أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَعطَ)).


فصل
فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى علاج المفؤود
روى أبو داود فى ((سننه)) من حديث مُجاهدٍ، عن سعد، قال: ((مَرضتُ مرضاً، فأتَانِى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَعُودنى، فَوَضَعَ يَدَه بين ثَديَىَّ حَتَّى وَجَدتُ بَرْدَها على فؤادى، وقال لى:  إنَّكَ رجُلٌ مَفْؤُودٌ فأْتِ الحارَثَ بن كَلَدَةَ من ثَقِيفٍ، فإنَّه رجلٌ يتطبَّبُ، فلْيأْخُذْ سبعَ تَمَراتٍ من عَجْوَةِ المدينةِ، فلْيَجأْهُنَّ بِنَواهُنَّ، ثم لِيَلُدَّكَ بِهِنَّ)).
المفؤود: الذى أُصيب فؤادُه، فهو يشتكيه، كالمبطون الذى يشتكى بطنه.
واللَّدُود: ما يُسقاه الإنسانُ من أحد جانبى الفم.
وفى التَّمْر خاصيَّةٌ عجيبةٌ لهذا الداء، ولا سِـيَّما تمرَ المدينة، ولا سِـيَّما العجوة منه، وفى كونها سبعاً خاصيةٌ أُخرى، تُدرَك بالوحى، وفى ((الصحيحين)): من حديث عامر بن سعد بن أبى وَقَّاصٍ، عن أبيه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ تَصَبَّحَ بسبعِ تَمَرَاتٍ من تَمْرِ العَالِيَة لم يَضُرَّهُ ذلك اليومَ سَمٌ ولا سِحْرٌ)).
وفى لفظ: ((مَن أكل سَبْعَ تمراتٍ ممَّا بَيْن لاَبَتَيْها حينَ يُصبحُ، لم يَضُرَّهُ سَمٌ حتى يُمْسِى)).


والتَّمْرُ حارٌ فى الثانية، يابس فى الأُولى. وقيل: رطبٌ فيها. وقيل: معتدل، وهو غذاءٌ فاضلٌ حافظٌ للصحة لا سِيَّما لمن اعتاد الغِذَاءَ به، كأهل المدينة وغيرهم، وهو من أفضل الأغذية فى البلاد الباردةِ والحارةِ التى حرارتُها فى الدرجة الثانية، وهو لهم أنفعُ منه لأهل البلاد البارِدةِ، لبرودةِ بواطن سكانها، وحرارةِ بواطن سكان البلاد الباردة، ولذلك يُكثِرُ أهلُ الحجاز واليمن والطائف، وما يليهم مِن البلاد المشابهةِ لها من الأغذية الحارة ما لا يتَأتَّى لغيرهم، كالتَّمْر والعسل، وشاهدناهم يَضَعُون فى أطعمتهم من الفُلْفُل والزَّنْجبيل، فوقَ ما يضعه غيرُهم نحوَ عشرة أضعاف أو أكثر، ويأكلون الزَّنْجبيل كما يأكل غيرُهم الحَلْوى، ولقد شاهدتُ من يَتَنَقَّل به منهم كما يتنقل بالنُّقْلِ، ويوافقهم ذلك ولا يضرُّهم لبرودةِ أجوافهم، وخروج الحرارة إلى ظاهر الجسد، كما تُشاهَدُ مياهُ الآبار تبرُدُ من الصيف، وتسخن فى الشتاء، وكذلك تُنضج المعدة من الأغذية الغليظة فى الشتاء ما لا تُنضجه فى الصيف.
وأما أهل المدينة، فالتَّمْر لهم يكاد أن يكونَ بمنزلة الحِنطة لغيرهم، وهو قوتُهم ومادتُهم، وتمرُ العاليةِ مِن أجود أصناف تمرهم، فإنه متينُ الجسم، لذيذُ الطعم، صادق الحلاوة، والتَّمْر يدخل فى الأغذية والأدوية والفاكهة، وهو يُوافق أكثر الأبدان، مقوٍّ للحار الغريزى، ولا يتولَّد عنه من الفَضلات الرديئة ما يتولَّد عن غيره من الأغذية والفاكهة، بل يمنع لمن اعتاده مِن تعفن الأخلاط وفسادِها.
وهذا الحديثُ من الخطاب الذى أُريد به الخاصُّ، كأهلِ المدينة ومَن جاوَرَهم، ولا ريبَ أنَّ للأمكنة اختصاصاً ينفع كثير من الأدوية فى ذلك المكان دونَ غيره، فيكون الدواء الذى قد ينبت فى هذا المكان نافعاً من الداء، ولا يوجد فيه ذلك النفعُ إذا نبت فى مكان غيره لتأثير نفس التُّربة أو الهواء، أو هما جميعاً، فإنَّ للأرض خواص وطبائع يُقارب اختلافُها اختلافَ طبائع الإنسان، وكثيرٌ من النبات يكون فى بعض البلاد غذاءً مأكولاً، وفى بعضها سُمّاً قاتلاً، ورُبَّ أدويةٍ لقوم أغذية لآخرين، وأدوية لقوم من أمراض هى أدويةٌ لآخرينَ فى أمراض سواها؛ وأدوية لأهل بلدٍ لا تُناسب غيرهم، ولا تنفعهم.
وأمَّا خاصية السَّبْعِ، فإنها قد وقعت قدْراً وشرعاً، فخلق الله عَزَّ وَجَلَّ السَّمواتِ سبعاً، والأرضَينَ سبعاً، والأيام سبعاً، والإنسان كمل خلقه فى سبعة أطوار، وشرع الله سبحانه لعباده الطواف سبعاً، والسعى بين الصفا والمروة سبعاً، ورمىَ الجمارِ سبعاً سبعاً، وتكبيراتِ العيدين سبعاً فى الأولى. وقال صلى الله عليه وسلم: ((مُرُوهم بالصَّلاةِ لسَبْعٍ))، ((وَإِذَا صَارَ للغُلامِ سَبْعُ سِنِينَ خُيِّرَ بين أبويه)) فى رواية.


وفى رواية أخرى: ((أبُوه أحقُّ به من أُمِّهِ))، وفى ثالثة: ((أُمُّهُ أحَقُّ به)) وأمر النبىَّ صلى الله عليه وسلم فى مرضه أن يُصَبَّ عليه من سبعِ قِرَبٍ، وسَخَّر الله الريحَ على قوم عادٍ سبع ليال، وَدَعَا النبىُّ صلى الله عليه وسلم أن يُعينَه اللهُ على قومه بسبعٍ كسبعِ يوسف، ومَثَّلَ اللهُ سبحانه ما يُضاعِفُ به صَدَقَةَ المتصدِّقِ بِحَبَّةٍ أنبتت سبعَ سنابل فى كلِّ سُنبلة مائة حَبَّةٍ، وَالسَّنابل التى رآها صاحبُ يوسفَ سبعاً، والسنين التى زرعوها دأْباً سبعاً، وتُضاعَفُ الصدقة إلى سبعمائة ضِعف إلى أضعاف كثيرة، ويدخل الجنََّة من هذه الأُمَّة بغير حساب سبعون ألفاً.
فلا ريب أنَّ لهذا العدد خاصيَّة ليست لغيره، والسبعة جمعت معانىَ العدد كله وخواصه، فإن العددَ شَفْعٌ ووَتْرٌ. والشَفْع: أول وثان. والوَتْر: كذلك، فهذه أربع مراتب: شفع أول، وثان. ووتر أول، وثان، ولا تجتمع هذه المراتبُ فى أقلِّ مِن سبعة، وهى عدد كامل جامع لمراتب العدد الأربعة، أعنى الشَفْع والوَتْر، والأوائل والثوانى، ونعنى بالوَتْر الأول، الثلاثة، وبالثانى الخمسة؛ وبالشَفْع الأول الاثنين، وبالثانى الأربعة، وللأطباء اعتناءٌ عظيم بالسبعة، ولا سِيَّما فى البحارين. وقد قال ((بقراط)): كل شىء فى هذا العالَم فهو مقدَّر على سبعة أجزاء، والنجوم سبعة، والأيام سبعة، وأسنان الناس سبعة، أولها طفل  إلى سبع، ثم صبى إلى أربع عشرة، ثم مُراهِقٌ، ثم شابٌ، ثم كهلٌ، ثم شيخٌ، ثم هَرِمٌ إلى منتهى العمر، والله تعالى أعلم بحكمته وشرعه، وقدره فى تخصيص هذا العدد، هل هو لهذا المعنى أو لغيره ؟
ونفع هذا العدد مِن هذا التَّمْر من هذا البلد من هذه البقعة بعينها من السُّم والسِّحر،  بحيث تمنع إصابته، من الخواصِّ التى لو قالها ((بقراط)) و((جالينوس)) وغيرهما من الأطباء، لتلقَّاها عنهم الأطباءُ بالقبول والإذعان والانقياد، مع أنَّ القائل إنما معه الحَدْسُ والتخمين والظنُّ، فمَن كلامُه كلُّه يقينٌ، وقطعٌ وبرهانٌ ووحىٌ، أولى أن تُتلقى أقوالُه بالقبول والتسليم، وترك الاعتراض. وأدوية السُّموم تارة تكون بالكيفية، وتارة تكون بالخاصية كخواص كثير من الأحجار والجواهر واليواقيت.. والله أعلم.


فصل
ويجوز نفعُ التَّمْر المذكور فى بعض السموم، فيكونُ الحديثُ مِن العام المخصوص، ويجوز نفعُه لخاصية تلك البلد، وتلك التُّرْبة الخاصة من كل سُمٍّ، ولكن ههنا أمر لا بد من بيانه، وهو أنَّ مِن شرط انتفاع العليل بالدواء قبولَه، واعتقاد  النفعُ به؛ فتقبله الطبيعة، فتستعين به على دفع العِلَّة، حتى إنَّ كثيراً من المعالجات ينفع بالاعتقاد، وحُسْن القبول، وكمال التلقِّى، وقد شاهد الناس من ذلك عجائب، وهذا لأن الطبيعة يشتد قبولُها له، وتفرحُ النفس به، فتنتعشُ القُوَّة، ويقوى سلطانُ الطبيعة، وينبعثُ الحار الغريزى، فيُساعد على دفع المؤذى، وبالعكس يكون كثير من الأدوية نافعاً لتلك العِلَّة، فيقطعُ عملَه سوءُ اعتقاد العليل فيه، وعدمُ أخذ الطبيعة له بالقبول، فلا يجدى عليها شيئاً. واعتبرْ هذا بأعظم الأدوية والأشفية، وأنفعِها للقلوب والأبدان، والمعاش والمعاد، والدنيا والآخرة، وهو القرآن الذى هو شفاءٌ مِن كل داء، كيف لا ينفع القلوب التى لا تعتقد فيه الشفاء والنفع، بل لا يزيدها إلا مرضاً إلى مرضها، وليس لِشفاء القلوب دواءٌ قَطُّ أنفعَ مِن القرآن، فإنه شفاؤها التام الكامل الذى لا يُغادر فيها سقماً إلا أبرأه، ويحفظ عليها صحتها المطلقة، ويحميها الحمية التامة من كل مؤذٍ ومُضرٍ، ومع هذا فإعراضُ أكثرِ القلوب عنه، وعدم اعتقادها الجازم الذى لا ريب فيه أنه كذلك، وعدمُ استعماله، والعدول عنه إلى الأدوية التى ركبها بنو جنسها حال بينها وبين الشفاء به، وغلبت العوائدُ، واشتد الإعراض، وتمكنت العللُ والأدواءُ المزمنة من القلوب، وتربَّى المرضى والأطباء على علاج بنى جنسهم وما وضعه لهم شيوخُهم، ومَنْ يُعظمونه ويُحسنون به ظنونهم، فعظم المصابُ، واستحكم الداءُ، وتركَّبت أمراضٌ وعللٌ أعيَا عليهم عِلاجُها، وكلمَّا عالجوها بتلك العلاجات الحادثة تفاقَمَ أمرها، وقويت، ولسانُ الحال يُنادى عليهم:
ومِنَ العَجائِبِ والعَجائِبُ  جَمَّةٌ                  قُرْبُ الشِّفَاءِ وما إليهِ وصولُ
كَالْعِيسِ فى الْبيْدَاءِ يَقْتُلُهَا الظَّما                  والماءُ فوق ظُهُورِهَا  مَحْمولُ


فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى دفع ضرر الأغذية والفاكهة وإصلاحها بما يدفع ضررها، ويُقوِّى نفعَها
ثبت فى ((الصحيحين)) من حديث عبد الله بن جعفر، قال: ((رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يأكل الرُّطَبَ بالقِثَّاء)).
والرُّطب: حارٌ رَطْبٌ فى الثانية، يُقَوِّى المَعِدَة الباردة، ويُوافقها، ويزيد فى الباه، ولكنه سريعُ التعفُّن، معطِّش مُعَكِّر للدم، مُصَدِّع مُوَلِّد للسُّدد، ووجع المثانة، ومُضِرٌ بالأسنان، والقثاء بارد رطب فى الثانية، مسكن للعطش، منعِش للقُوَى بشمه لما فيه من العطرية، مُطفىءُ لحرارة المَعِدَة الملتهبة، وإذا جُفِّف بزره، ودُقَّ واستُحْلِبَ بالماء، وشُرِب، سكَّن العطش، وأدرَّ البول، ونفع من وجع المثانة. وإذا دُقَّ ونُخِل، ودُلك به الأسنان، جلاها، وإذا دُقَّ ورقُه وعُمِل منه ضماد مع المَيْبَخْتَج، نفع من عضة الكلب الكَلِب.
وبالجملة: فهذا حار، وهذا بارد، وفى كل منهما صلاحُ الآخر، وإزالة لأكثر ضرره، ومقاومة كل كيفية بضدها، ودفع سَوْرتِها بالأُخرى، وهذا أصل العِلاج كله، وهو أصل فى حفظ الصحة، بل علم الطب كله يُستفاد من هذا. وفى استعمال ذلك وأمثالِهِ فى الأغذية والأدوية إصلاحٌ لها وتعديلٌ، ودفعٌ لما فيها من الكيفيات المُضِرَّة لما يُقابلها، وفى ذلك عَوْنٌ على صحة البدن، وقُوَّته وخِصبِه، قالت عائشة رضى الله عنها: سَمَّنونى بكلِّ شىء، فلم أسَمْن، فسَمَّنونى بالقِثَّاء والرُّطَب، فسمنت.
وبالجملة: فدفعُ ضررِ البارد بالحار، والحار بالبارد، والرَّطبِ باليابس، واليابس بالرَّطب، وتعديلُ أحدِهما بالآخر من أبلغ أنواع العلاجات، وحفظ الصحة. ونظيرُ هذا ما تقدَّم من أمره بالسَّنا والسَّنُوت، وهو العسل الذى فيه شىء من السمن يصلحُ به السَّنَا، ويُعدله، فصلوات الله وسلامه على مَن بُعث بعمارة القلوب والأبدان، وبمصالح الدنيا والآخرة.


فصل
فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى الحِميـة
الدواء كله شيئان: حِميةٌ وحفظ صحة. فإذا وقع التخليطُ، احتِيجَ إلى الاستفراغ الموافق، وكذلك مدارُ الطب كله على هذه القواعد الثلاثة.
والحِمية حِميتان: حِمية عمَّا يجلِبُ المرض، وحِمية عما يزيده، فيقف على حاله، فالأولى: حِمية الأصحاءِ. والثانية: حِمية المرضى. فإنَّ المريض إذا احتمى، وقف مرضُه عن التزايد، وأخذت القُوَى فى دفعه. والأصل فى الحِمية قوله تعالى: {وَإن كُنْتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً} [المائدة :6 ]، فَحَمَى المريضَ من استعمال الماء، لأنه يضرُّه.
وفى ((سنن ابن ماجه)) وغيره، عن أُمِّ المنذِر بنت قيس الأنصارية، قالت: دَخَلَ علىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علىّ، وعلىٌ ناقِهٌ من مرض، ولنا دوالى مُعلَّقة، فقام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يأكل منها، وقام علىٌّ يأكل منها، فطفِقَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلىٍّ: ((إنك ناقِةٌ)) حَتَّى كفَّ. قالت: وصنعت شعيراً وسِلْقاً، فجئت به، فقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم لعلىٍّ: ((مِنْ هذا أَصِبْ، فإنه أنفعُ لَكَ))، وفى لفظ فقال: ((مِنْ هذا فَأصِبْ، فإنه أوفَقُ لَكَ)).
وفى ((سنن ابن ماجه)) أيضاً عن صُهَيْبٍ، قال: قدمِتُ على النبىِّ صلى الله عليه وسلم وبين يديه خبزٌ وتمرٌ، فقال: ((ادْنُ فَكُلْ))، فأخذتُ تمراً فأكلتُ، فقال: ((أتأكُلُ تمراً وبِكَ رَمَدٌ)) ؟ فقلت: يا رسول الله؛ أمضُغُ مِنَ الناحية الأخرى، فتبسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفى حديث محفوظ عنه صلى الله عليه وسلم: (( إنَّ اللهَ إذا أحبَّ عبداً، حماه مِنَ الدُّنيا، كما يَحْمِى أحَدُكُم مريضَه عَنِ الطَّعَامِ والشَّرابِ)).
وفى لفظ: ((إنَّ اللهَ يَحْمِى عَبْدَه المؤمِنَ مِنَ الدُّنيا)).


وأما الحديثُ الدائرُ على ألسنةِ كثير من الناس: ((الحِميةُ رأسُ الدواءِ، والمَعِدَةُ بيتُ الداءِ، وعوِّدُوا كلَّ جسم ما اعتاد)) فهذا الحديث إنما هو من كلام الحارث ابن كلَدَةَ طبيب العرب، ولا يصحُّ رفعُه إلى النبى صلى الله عليه وسلم، قاله غيرُ واحد من أئمة الحديث. ويُذكر عن النبى صلى الله عليه وسلم: ((أنَّ المَعِدَةَ حوضُ البدن، والعُروق إليها واردةٌ، فإذا صحَّت المَعِدَةُ صدرت العروقُ بالصحة، وإذا سَقِمَتِ المَعِدَةُ، صدرت العروقُ بالسقم)).
وقال الحارث: رأسُ الطِّبِّ الحِمية، والحِمية عندهم للصحيح فى المضرة بمنزلة التخليط للمريض والنَّاقِه، وأنفعُ ما تكون الحِمية للنَّاقهِ من المرض، فإنَّ طبيعته لم ترجع بعدُ إلى قُوَّتها، والقوة الهاضمة ضعيفة، والطبيعة قابلة، والأعضاء مستعدة، فتخليطُه يُوجب انتكاسَها، وهو أصعب من ابتداءِ مرضه.
واعلم أنَّ فى منع النبىِّ صلى الله عليه وسلم لعلىٍّ من الأكل من الدَّوالى، وهو ناقِهٌ أحسنَ التدبير، فإنَّ الدَّوالىَ أَقْنَاءٌ من الرُّطَبُ تعُلَّقُ فى البيت للأكل بمنزلة عناقيدِ العِنَب، والفاكهةُ تضرُّ بالناقِه من المرض لسُرعة استحالتها، وضعف الطبيعة عن دفعها، فإنها لم تتمكن بعد من قُوَّتها، وهى مشغولةٌ بدفع آثار العِلَّة، وإزالتها مِن البدن.
وفى الرُّطَبِ خاصةً نوع ثقلٍ على المَعِدَة، فتشتغل بمعالجتِه وإصلاحه عما هى بصدده من إزالة بقية المرض وآثاره، فإما أن تقف تلك البقية، وإما أن تتزايدَ، فلمَّا وُضع بين يديه السِّلْقُ والشعيرُ، أمره أن يُصيب منه، فإنه من أنفع الأغذية للناقِه، فإنَّ فى ماء الشعير من التبريد والتغذية، والتلطيفِ والتليين، وتقويةِ الطبيعة ما هو أصلَح للناقِه، ولا سِيَّما إذا طُبِخَ بأُصول السَّلق، فهذا مِن أوفق الغذاء لمن فى مَعِدَتِهِ ضعفٌ، ولا يتولَّد عنه من الأخلاط ما يُخاف منه.
وقال زيدُ بن أسلم: حَمَى عُمَرُ رضى الله عنه مريضاً له، حتى إنه من شدة ما حماه كان يَمَصُّ النَّوَى.
وبالجملة: فالحِمية من أنفع الأدوية قبل الداء، فتمنع حصولَه، وإذا حصل، فتمنع تزايدَه وانتشارَه.


فصل
ومما ينبغى أن يُعلم أنَّ كثيراً مما يُحمى عنه العليلُ والناقِه والصحيحُ، إذا اشتدت الشهوة إليه، ومالت إليه الطبيعة، فتناول منه الشىءَ اليسيرَ الذى لا تَعْجِزُ الطبيعةُ عن هضمه، لم يضرَّه تناوُله، بل ربما انتفع به، فإنَّ الطبيعة والمَعِدَة تتلقيانه بالقبول والمحبَّة، فيُصلحان ما يُخشى مِن ضرره، وقد يكون أنفعَ مِن تناول ما تكرهه الطبيعةُ، وتدفعهُ من الدواء، ولهذا أقرَّ النبىُّ صلى الله عليه وسلم صُهَيْباً وهو أرمدُ على تناولِ التَّمَرَاتِ اليسيرة، وعلم أنها لا تَضُرُّه.
ومن هذا ما يُروى عن علىٍّ أنه دخل عَلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهو أرمَدُ، وبَيْنَ يَدَىْ النبىِّ صلى الله عليه وسلم تمرٌ يأكلُه، فقال: ((يا علىُّ؛ تشتهِيهِ)) ؟ وَرَمَى إليه بتمرة، ثم بأُخرى حَتَّى رَمَى إليه سَبْعاً، ثم قال: ((حَسْبُكَ يا علىٌ)).
ومن هذا ما رواه ابن ماجه فى ((سننهِ)) من حديث عِكْرِمَةَ، عن ابن عباس، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم عادَ رَجُلاً، فقال له: ((ما تَشتَهِى)) ؟ فقال: أشتَهِى خُبْزَ بُرٍّ وفى لفظٍ: أشتَهِى كَعْكَاً فقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم: ((مَن كانَ عندَهُ خُبزُ بُرٍّ، فَليبعَثْ إلى أخيه))، ثم قال: ((إذا اشتَهَى مريضُ أحدِكَم شيئاً، فَلْيُطْعِمْهُ)).
ففى هذا الحديث سرٌ طبىٌ لطيف، فإنَّ المريضَ إذا تناول ما يشتهيه عن جُوع صادق طبيعى، وكان فيه ضررٌ ما، كان أنفعَ وأقلَّ ضرراً مما لا يشتهيه، وإن كان نافعاً فى نفسه، فإنَّ صِدْق شهوتِهِ، ومحَبَة الطبيعة يدفع ضررَه، وبُغض الطبيعة وكراهتها للنافع، قد يَجْلِبُ لها منه ضرراً.
وبالجملة: فاللذيذُ المشتَهَى تُقبِلُ الطبيعةُ عليه بعناية، فتهضِمُه على أحمَدِ الوجوه، سِيَّما عند انبعاثِ النفس إليه بصدْقِ الشهوة، وصحةِ القوة..
 والله أعلم.


الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (05) 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (05)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (07)
» الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (08)
»  الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (09)
»  الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (10)
» الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (11)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الــطـــــــــــــب والأطــبــــــــــــــاء :: الطب النبـوي-
انتقل الى: