منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 ابن خلدون: محاولة في المنهجية الإسلامية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49219
العمر : 72

ابن خلدون: محاولة في المنهجية الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: ابن خلدون: محاولة في المنهجية الإسلامية   ابن خلدون: محاولة في المنهجية الإسلامية Emptyالثلاثاء 08 أبريل 2014, 5:23 am

ابن خلدون: محاولة في المنهجية الإسلامية
ابن خلدون: محاولة في المنهجية الإسلامية Clip_image001_0005

د. عماد الدين خليل
هناك مدى قد يبدو شاسعا بين (المنهج العلمي) و(الروح العلمية) فالمنتهج انما هو تقنية عمل في هذا الحقل او ذاك من حقول المعرفة البشرية للكشف عن حقيقة ما او مقاربتها تحليلا وتركيبا، وهو بهذا قد يكون مسألة (موضوعية) يتحكم فيها قانون تراكم الخبرة ويتلقاها الباحث عن الخارج مضيفا اليها حينا، ومنفذا مطالبها دونما أي قدر من الاضافة او التعديل حينا آخر.
وهذا يبدو أكثر ما يبدو في العصر الحديث الذي تبلورت عبره الملامح الاساسية لمنهج البحث العلمي بمقاطعه ومراحله جميعا.
اما الروح العلمية فهي أقرب الى أن تكون أمرا ذاتيا يرتبط بالباحث نفسه ويصبغ ـ أو يحكم ـ رؤيته للعالم والظواهر والاشياء، وهو يتعامل معها بحثا وكشفا وتحليلا وتركيبا.
لكننا يجب أن نكون حذرين، فأن هذه الرؤية التي قد تبدو ذاتية ليست منفصلة بالكلية عن الخارج، عن الموضوع.. وبعبارة أخرى فأن البيئة الحضارية التي ينتمي اليها الباحث ستلعب دورا مؤثرا في تشكيل روحه العلمية سلبا وايجابا.
بالنسبة لابن خلدون، حيث لم يكن منهج البحث العلمي في التاريخ على وجه الخصوص قد قطع شوطا كبيرا صوب النضج والاكتمال، تبدو محاولته في (المقدمة) خطوة جريئة بمقدار ما تتضمنه من قدرة على ارتياد آفاق عمل جديدة من أجل صياغة، أو اضافة تقنيات وضوابط منهجية في هذا الحقل ولا ريب أن تكون الروح العلمية في حالة كهذه ذات دور فعال في صياغة المنهج، وأن تكون المرتكزات الاساسية للحضارة الاسلامية ذات تأثير لا يقل خطورة.
وهكذا فأن المدى المتباعد بين المنهج والروح سيتقارب هاهنا وسيكون الحديث عنهما او اعتمادهما كمفردتين أمرا متصلا متداخلا بقدر ما يتعلق الامر بابن خلدون.
***
ثمة مسألة اخرى يجب التأشير عليها قبل المضي في الموضوع.. أن المنهج نفسه ليس طبقة أو دائرة واحدة وإنما هو طبقات ودوائر تنداح من بؤرتها المركزية الحرفية الصرفة باتجاه التأثر بالمعطيات الحضارية ذات الخصوصية، وتمضي لكي تكون في مداها الأكثر اتساعا مرادفا للشريعة التي تتولى مهمة تنفيذ مطالب العقيدة على أرضية العالم.
اذا بدأنا من هاهنا فأننا سنجد القرآن الكريم يعتمد اللفظة للدلالة على هذا المعنى.
ابن كثير ـ مثلا ـ وهو يتناول الآية الثامنة والاربعين من سورة المائدة يفسر قوله تعالى (ولكم جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) بالسبيل والسنة (أي الطريقة)، وأن الشرعة هي الشريعة.. اما المنهاج فهو الطريق الواضح السهل، والسنن الطرائق، وفي (صفوة التفاسير) اننا جعلنا لكل امة شريعة وطريقا بينا واضحا خاصا بتلك الامة. 
واختلاف المناهج هذا ينصب على الاحكام أما المعتقد فهو واحد لجميع الناس: توحيد وإيمان بالرسل وجميع الكتب وما تضمنته من المعاد والجزاء (2)، أي لكافة المنتمين للديانات السماوية في جوهرها الاصيل.
ما الذي يقوله المعجم العربي بصدد المفردة؟
النهج هو الطريق الواضح البين والجمع نهجات.. وطرق نهجة أي واضحة كالمنهج والمنهاج..
وأنهج أي أوضح، قال يزيد العبدي:
سبل المكارم والهدى تعدى
ولقد أضاء لك الطريق وأنهجت
أي تعين وتقوى..
ونهج الطريق أي سلكه، واستنهج الطريق صار نهجا واضحا بينا..
وأنهج الطريق اذا وضح واستبان..
وفلان استنهج طريق فلان اذا سلك مسلكه..
وطريق ناهجة أي واضحة بينة) 3)..
فالمفردة ـ إذن ـ لا تتجاوز هنا حدود اللغوية باتجاه المصطلح الاكثر حداثة والذي يدل على حرفية البحث العلمي حينا، كما يدل في مداه الواسع على رؤية جماعة ما، وبرنامج عملها، أو شريعتها التي تتولى مهمة تحويل مفردات الرؤية الى واقع معاش.
***
بما أن هذه الورقات ليست حديثا عن المنهج، وإنما هي متابعة موجزة لملامح (العلمية الاسلامية) في منهج ابن خلدون فأن هذا يكفي.. كل ما هنالك هو ضرورة أن نضع هذه المسائل في الحسبان ونحن نتحدث عن الرجل، فان المنهج عنده مزيج من التقنيات الحرفية (الموضوعية) التي لعب دورا كبيرا في إغنائها بل في تأسيسها، والروح التي تمثل حصيلة رؤيته المعرفية (الابستمولوجية).. ثم وهذا هو المهم رؤيته الاسلامية التي طبعت بصماتها منهجه وروحه العلمية معا.
وبما أن المنهج العلمي لابن خلدون في حقول المعرفة عامة، والتاريخ على وجه الخصوص، قد قل فيه كثيرا وكتب كثيرا فان الصفحات التالية ستتجاوز هذه المسألة، قدر الامكان، صوب محاولة للكشف، أو التأكيد، بعبارة أدق على طبيعة الارتباط بين الاسلامية والمنهج في مقدمة ابن خلدون، وصولا الى أن العلمية التي أخذ بها الرجل ودعا اليها، لم تكن هبة قادمة من الفراغ، وهي لم تتشكل في عقل ابن خلدون ابتداء، ولكنها وليدة البيئة الحضارية الاسلامية التي قدر له ان يكون ابنها البار.
وقد يكون غريبا التأكيد على هذه المسألة التي قد تبدو للبعض امرا بديهيا ولكننا اذا تذكرنا عددا من استنتاجات الباحثين والمفكرين المحدثين والمعاصرين بصدد المقدمة، عرفنا ان تأكيدا كهذا ضروري كنوع من إعادة الامر الى نصابه بعد أن جنحت به التحليلات الخاطئة التي لم تقف عند حد إقامة جدار عازل أو حفر خندق عميق بين الاسلامية و(المقدمة) في المنهج والمعطيات، وانما مضت خطوات أكثر تطرفا بجعلها (المقدمة) بشكل من الاشكال، نقيضة للاسلامية.
اننا نجد ـ مثلاـ ان احد الباحثين الغربيين وهو دي بوير T. J. de Boer (الهولندي) يذكر (ان الدين لم يؤثر في آراء ابن خلدون العلمية بقدر ما أثرت الارسطوطاليسية الافلاطونية) ويشير باحث آخر هو تاتنيل شميت N. Snhmidt    الاستاذ بجامعة كورنل بامريكا الى ان ابن خلدون «اذا كان يذكر خلال بحثه كثيرا من آيات القرآن، فليس لذكره علاقة جوهرية بتدليله، ولعله يذكرها فقط ليحمل قارئه على الاعتقاد بأنه في بحثه متفق مع نصوص القرآن»(5). 
وثمة مستشرق الماني هو فون فيسندنك Von Wesendonk يقول ان ابن خلدون «تحرر من اصفاد التقاليد الاسلامية في درس شؤون الدولة والادارة وغيرهما، وانه حرر ذهنه ـ كذلك ـ من القيود الفكرية التي ارتبطت في عصره بالعقائد العربية الصحيحة»(6).
وبهذا سيكون المنهج العلمي لابن خلدون متشكلا من الفراغ وستكون روحه العلمية في حالة انشقاق عن مطالب الرؤية العقيدية للاسلام الذي ينتمي اليه، وستكون النتيجة النهائية ان (العلمية) لا صلة لها (بالاسلامية) بل قد تكون في حالة اصطراع معها، وقد يقود هذا الى تكرار الصورة المحزنة للصراع بين العلم والدين والى ان يوضع ابن خلدون في قائمة واحدة مع برونو ونيكوس وغاليلية، والى جعل الحضارة الاسلامية وجها آخر للحضارة النصرانية بقدر ما يتعلق الأمر بطبيعة الارتباط بين العلم والايمان.
بل ان التحليل المادي للتاريخ يمضي خطوة أبعد فيحاول ان يصور منهج ابن خلدون كما لو كان منهجا جدليا ومعطياته كما لو انها وليدة رؤية للعالم والظواهر والاشياء لا علاقة لها بالاسلامية من قريب أو بعيد، بل هي نقيضة لها من أول الرحلة حتى منتهاها.
إننا نقرأ ـ على سبيل المثال ـ واحدة من المحاولات الاكثر حداثة في هذا السياق (في علمية الفكر الخلدوني) (7) ونجد الناشر يلخص المحاولة بالاستنتاج التالي: أن «ثورة ابن خلدون الفكرية تكمن، في انه حرر الفكر التاريخي من هيمنة الفكر الديني، بان اكتشف في واقعات التاريخ عقلها المادي فأحل ضرورة العمران محل الله ـ او ما يشبهه ـ في تفسير الظاهرات جميعا، فاستبدل التأويل بالتفسير، فكان التفسير بالضرورة ماديا، وكان علميا من حيث هو مادي، دون ان يعني هذا رفضا للدين او الشرع ومبادئه، فالشرع شيء والتاريخ او العمران ـ شيء آخر، وليس هذا ذاك ولا ذاك هذا ولئن دخل الشرع، أو الدين: في حقل العمران او التاريخ كما هو واقع الامر في المقدمة فكأمر عمراني او تاريخي مادي لا كأمر غيبي أو الهي. وينظر فيه حينئذ بعين العمران وقوانينه، لا بعين الدين ومبادئه، او بعين الشرع واحكامه فلمسائل الشرع منطقها ولمسائل العمران والتاريخ منطقها، ولا يصح، الخلط بين المنطقين»)8 ) .
والمسألة في أساسها ليست لعبة لجر الحبل بين الاسلاميين والطرف الآخر نصرانيا كان أم علمانيا أم ماديا، لكنها محاولة للاضاءة يتبين من خلالها الموقع الذي وقف عليه ابن خلدون، والدائرة التي تحرك في إطارها.
وفي حالة كهذه فأن تفنيد حجج الاخرين سيتضمن ابتداء – موافقة على الدخول في اللعبة. 
ومن أجل الا نمسك بالحبل من طرفه الاخر لكي نجر الينا ابن خلدون بطريقة متعسفة، فان علينا ان نتابع بعض الملامح المنهجية والموضوعية في معطياته لكي نعرف الارضية التي ينشط عليها، دونما حاجة لاقناع الاخرين او ارغامهم ـ بقوة الشد ـ على إعادة الفكر الخلدوني الينا.
والمدى واسع، وما قاله ابن خلدون في هذا السياق اوسع بكثير من أن تتحمله صفحات بحث كهذا. 
ولذا سيكون الايجاز أمرا لا مفر منه وستتحرك المقاطع التالية على محاور أساسية ثلاثة فحسب في الفكر الخلدوني من بين محاور عديدة اخرى، مؤشرة على علمية الرجل، وعلى إرتباط هذه العملية بمنظوره الاسلامي الاصيل: النشاط المعرفي، الرؤية التربوية، وحركة التاريخ.
أولا: النشاط المعرفي
في حيث ابن خلدون عن طبيعة النشاط المعرفي، وضوابطه، لا يكفي أن نقول بأنه كان يملك (روحا علميا) ولكن أن نضيف الى هذا صفة (الاسلامية) التي كانت تشكل هذه الروح وترسم ملامحها.
يتحدث في مقدمة له بعنوان (الانسان جاهل بالذات عالم بالكسب) عن الفكر بما انه الخصيصة التي تميز الانسان عن سائر الحيوانات وتمكنه من اداء دوره العمراني في العالم كخليفة عن الله سبحانه فيه. 
وهو هنا يشير الى ثلاثة انماط من النشاط العقلي الذي يمارسه الانسان ويطرح في هذا المجال ـ كما فعل في مجالات اخرى من الباب السادس ـ جوانب عديدة من تصوره لنظرية المعرفة، ولا يكاد وهو يتوغل في الموضوع أن يفارق طريقته التي اعتادها: الاحساس الدائم بالحضور الالهي المستمر في التاريخ، والاستشهاد بآيات من كتاب الله وهما امران لهما دلالتهما على عمق المعنى والرؤية الدينية لدى ابن خلدون (قد بينا أن الانسان من جنس الحيوانات وأن الله تعالى ميزه عنها بالفكر الذي جعل له، يوقع به افعاله على انتظام وهو العقل التمييزي، أو يقتنص به العلم بالاراء، والمصالح والمفاسد من ابناء جنسه وهو العقل التجريبي، أو يحصل به في تصور الموجودات غائبا وشاهدا على ما هي عليه وهو العقل النظري. وهذا الفكر انما يحصل له بعد كمال الحيوانية فيه. 
ويبدأ من التمييز، فهو قبل التمييز من النطفة والعلقة والمضغة، وما حصل له بعد ذلك فهو بما جعل له الله في مدارك الحس والافئدة التي هي الفكر. 
قال تعالى في الامتنان علينا (وجعل لكم السمع والابصار والافئدة)، فهو في الحالة الاولى قبل التمييز فقط لجهله بجميع المعارف، ثم تستكمل صورته بالعلم الذي يكتسبه بآلاته فتكمل ذاته الانسانية في وجودها.
وانظر الى قوله تعالى مبدأ الوحي الى نبيه (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الانسان من علق. اقرأ وربك الاكرم. الذي علم بالقلم. علم الانسان ما لم يعلم)»، أي اكسبه من العلم ما لم يكن حاصلا له، بعد ان كان علقة ومضغة فقد كشفت لنا طبيعته وذاته ما هو عليه من الجهل الذاتي والعلم الكسبي، واشارت اليه الآية الكريمة تقرر فيه الامتنان عليه بأول مراتب وجوده وهي الانسانية وحالتاها الفطرية والكسبية في أول التنزيل ومبدأ الوحي وكان الله عليما حكيما) (11).
بصدد الفلسفة كطريقة للمعرفة يتحدد موقف ابن خلدون المرتبط برؤيته الدينية الواضحة تحت هذا العنوان(فصل في إبطال الفلسفة وفساد منتحلها) وهو يرد في الباب السادس من مقدمته والذي يتناول فيه (العلوم وأصنافها)(12) حيث يقوده تحليله العميق الى القول بتعارض الفلسفة والدين.
وهو موقف اسلامي ذكي مقنع يصدر عن فهم دقيق للعلاقات المتبادلة بين العقل والشرع، وبين العقل والعالم، لولا أن ابن خلدون اخطأ العنوان، أو أن العنوان اخطأ الرجل، فجاء بهذه الصيغة التعميمية، و(التعميم) هو احدى ثغرات (المقدمة).
(إبطال الفلسفة) وللوهلة الاولى يبدو أنه يرفض الفلسفة بانماطها وحقولها واختصاصاتها جميعا، ولما كانت هناك انماط شتى من الفلسفة، كفلسفة الاخلاق وفلسفة الجمال، فلسفة الفن، وفلسفة التاريخ: الى آخره.. وكان هو نفسه فيلسوفا على هذا المستوى الاخير، وان لم يكن مصطلح (فلسفة التاريخ) قد برز بعد وتبلور، تبدى لنا كيف ان الرجل يناقض نفسه، وكيف يعلم عن إبطاله للفلسفة وفيها من الفروع ما هو ضروري جدا للتقدم الجاد في حقول المعرفة، ولفهم الارتباطات الشاملة بين الحقائق والظواهر التي تتضمنها هذه الحقول.
لكننا بتجاوز العنوان يتبين لنا، بمجرد اجتياز الاسطر الاولى، ان الرجل لا يقول بابطال عموم الفلسفة، وإنما نوع واحد منها فقط هو المسمى بفلسفة الالهيات أو ما وراء الطبيعة (الميتافيزيقا)، بما أن العقل البشري والادوات الحسية التي يعتمدها، غير قادرتين على سبر أغوار هذا العالم الذي يتحتم ـ على ذلك ـ ان يبقى في دائرة اختصاص الشرائع القومية الموحى بها من الله الذي لا يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء والي أحاط ـ سبحانه ـ بك شيء علما.
وطالما تجاوز العقل وأدواته الحسية حدود اختصاصاتها المعقولة حيثما انتهى بهما المطاف الى الضياع، وحيثما مورس نوع من التبذير في الطاقات البشرية التي كان احرى بها ان تتجه للعمل في ما هو أقرب اليها وأجدى عليها، وأن تترك ما وراء العيان لاصحابه الحقيقيين، فتسلم وتعرف كيف تضع خطاها، مستمدة الضوء في تلك الدائرة اللامتناهية من مصادر اخرى تفوق العقل والحواس قدرة على رؤية ما يجري هنالك.
أن ابن خلدون يذكرنا، بموقفه الملتزم هذا، بالغزالي، الذي كان فيلسوفا هو الآخر، ولكنه سدد ضربات قاسية للفلسفة بمعناها الميتافيزيقي هذا في كتابه (تهافت الفلاسفة) على وجه الخصوص، ويذكرنا ـ في الجهة الاخرى ـ بجهود حشد كبير من الفلاسفة المسلمين: الكندي، الفارابي، ابن سينا.. الى آخره، كانوا اشبه بظلال لفلاسفة اليونان، افنوا اعمارهم في هذا الحقل وكتبوا كثيرا في الالهيات، وأجهدوا عقولهم في تحليل معطيات ما وراء الطبيعة بحثا عن العلة والمعلول وواجب الوجود ومتناهي الاول، ولم يصلوا ـ في نهاية الامر ـ إلا الى تعميمات وإشارات معقدة غامضة.
صحيح انها في معظمها اكدت التوجه صوب الله الواحد سبحانه، إلا انها استنزفت من قدرات العقل البشري جهدا اكبر بكثير من النتائج التي بلغتها لانه ضرب في يم ليس من السهولة بمكان الوصول الى مرافئه وشواطئه في وقت كانت الشرائع الموحى بها من الله سبحانه وتعالى قد حسمته بوضوح وإعجاز بالغين، ولان جهدا كهذا أحرى أن يبذل فيما هو أجدى على الانسان والعمران البشري في تقدمه ورقيه.
وما لنا الا نرجع الى ابن خلدون نفسه لكي نرى ما الذي يريد أن يقوله: «هذا الفصل وما بعده(13) مهم لان هذه العلوم عارضة في العمران كثيرة في المدن، وضررها في الدين كثير، فوجب أن يصرح بشأنها ويكشف عن المعتقد الحق فيها، وذلك أن نوعا من عقلاء النوع الانساني زعموا أن الوجودكله، الحسي منه وما وراء الحسي، تدرك ذواته واحواله باسبابه وعللها بالانظار الفكرية والاقيسة العقلية، وأن تصحيح العقائد الايمانية من قبل النظر (اي العقل) لا من جهة السمع (أي النقل عن الشرائع الموحى بها من الله سبحانه) فأنها بغض من مدارك العقل.
وهؤلاء يسمون فلاسفة، جمع فيلسوف، وهو باللسان اليوناني محب الحكمة. فبحثوا عن ذلك وشمروا له ووضعوا قانونا يهتدي به العقل في نظره الى التمييز بين الحق والباطل وسموه بالمنطق وبع أن يعرف بالمنطق يقول «.. ثم يزعمون أن السعادة في إدراك الموجودات كلها، ما في الحس وما وراء الحس، بهذا النظر وتلك البراهين»)14 ) .
فهو اذن يرفض ما يريده هؤلاء الفلاسفة من تحكيم للعقل في مسائل الحس وما وراء الحس، ومن إخضاعه ـ حتى ـ للعقائد الايمانية التي تند عن دائرة المعقول والمحسوس، ويرى في ذلك ضررا كبيرا يلحق بالدين، لان هذا الموقف هو في نهاية التحليل تجاوز للاختصاص الذي اختصت به طاقات الانسان وقدراته وهذا التجاوز سيكون على حساب المعطيات الدينية التي وان جاءت في كثير من جوانبها مساوقة لبداهات العقل والحس السليمين، الا انها بصدورها عن مصدر هو أكبر بكثير في رؤيته من العقل والحس، واكثر شمولية وموضوعية واستشراقا، بما لا يقبل القياس، يجعلها لا تخضع للحصر الحسي أو العقلي والا كانت النتائج التي ستصل اليها اما خاطئة من الاساس، او انها ـ على أقل تقدير ستجعل العقل فوق الدين، وستفقد الاخير بالتالي الزاماته الفوقية وابعاده الغيبية، وتجعله في نهاية الامر لعبة يتلهى بها الفلاسفة في ضوء معطيات عقولهم النسبية دون ان يحاول احدهم يوما التزام مقولاتها.. وحاشا للدين من هذا المصير
بل يحدث ما هو أبعد من ذلك: رفض لشريعة الله الموحى بها الى انبيائه (عليهم السلام) واتباع للشرائع التي يسنها العقل البشري، وابتكار طريف لمعنى النعيم والعذاب لم يقل به دين من الاديان. وهذا ما يصل اليه ابن خلدون من خلال تحليله لطرائق هؤلاء الفلاسفة في التدرج من الحسي الى ما وراء الحسي، وفي الحكم على مجريات السماء البعيدة استنادا الى ما يلحظونه في الارض القريبة.. يقول «وحاصل مداركهم في الوجود على الجملة، وما آلت اليه، وهو الذي فرعوا عليه قضايا انظارهم، انهم عثروا اولا على الجسم السفلي بحكم الشهود والحس، ثم ترقى ادراكهم قليلا فشعروا بوجود النفس من قبل الحركة والحس بالحيوانات، ثم احسوا من قوى النفس بسلطان العقل ووقف ادراكهم فقضوا على الجسم العالي السماوي بنحو من القضاء على الذات الانسانية ووجب عندهم ان يكون للفلك نفس وعقل كما للانسان. ثم انهوا ذلك نهاية عدد الاحاد وهي العشر، تسع مفصلة ذواتها جمل وواحد اول مفرد وهو العاشر(15). ويزعمون ان السعادة في إدراك الوجود على هذا النحو من القضاء مع تهذيب النفس وتخلقها بالفضائل، وان ذلك ممكن للانسان ولو لم يرد شرع لتمييزه بين الفضيلة والرذيلة من الافعال بمقتضى عقله ونظره وميله الى المحمود منها واجتنابه للمذموم بفطرته، وان ذلك اذا حصل للنفس حصلت لها البهجة واللذة، وان الجهل بذلك هو البقاء السرمدي. وهذا عندهم هو النعيم والعذاب في الآخرة.. الى خبط لهم في تفاصيل ذلك معروف من كلماتهم»(15).
فلا معنى لنزول الاديان اذن، ولا حاجة لاتصال الوحي ببني آدم عن طريق رسل الله سبحانه، ما دام ان مجموعة الفلاسفة قادرة بمنهجها الذي يبدأ من الاسفل ويصعد الى الاعلى، على منح الانسان الدين الذي يسعده ويبهجه! وهكذا يتبدى لنا الضرر الذي حذر منه ابن خلدون في بداية فصله هذا.
إننا هنا قبالة منهج مقلوب: أن نصل الى الدين السماوي من خال الارض السفلية، وان نحظى بنعيم الكلي الخالد من خلال رؤية المحدود الفاني وفضلا عن ذلك، فان هذا الجهد المقلوب، يستنزف من العقول البشرية طاقات كبيرة وهي تعمل في غير حقها، كان أحرى ان تبذل في مجال تنمية العمران في العالم من خلال فهم هذا العالم القريب ومحاولة كشف سننه والسيطرة عليها وتسخيرها لصالح الانسان فيما هو من إختصاص العقل والحس البشريين.
أما المنهج الديني فهو على العكس من ذلك، يجعلنا نعتمد منهجا يقف دائما في وضعه الصحيح: ان السماء هي التي تمنح الارض الهدى الذي تسير فيه الى غايتها، والله سبحانه، الذي هو ادرى بخلقه هو الذي يبحث بوحيه الامين، بين الحين والحين، ينقله الانبياء الكرام الى أجيال البشرية حقبة في إثر حقبة حتى خاتم الانبياء عليهم السلام. وهكذا فأن الكلي هو الذي يقود المحدود، وان الخالد هو الذي يحدد الفاني، ما دام عالم السماء، عالم ما وراء الحس والادراكات العقلية النسبية، يند عن طاقة الانسان، وسعيه فيه لا يعدو أن يكون سعيا ظنيا، فأحرى بالعقل والحس البشريين ان يتجها للعمل في قلب العالم، في دراسة مادته وفهم علاقاته وادراك سننه.. وحينذاك سيعرف الانسان، ليس فقط الطرائق التي تمكنه من إعمار العالم كخليفة عن الله فيه، وإنما سيزداد إيماننا بالله والتزاما بوحيه الامين من خلال إدراكه لحكمة المقصودة في خلق هذا العالم، والتناسق المعجز في وظائفه وتركيبه، وهكذا فبينما ينتهي الامر بالفلسفة الى ان تقف نقيضا للعلم المجدي الفعال، وأدواته عقلا وحواسا، ينتهي الدين الى تأكيد لهذا العلم وتنشيط لادواته.
وبع ان يشير ابن خلدون الى ان امام هذه الفلسفة الذي استوفى مسائلها هو ارسطو المسمى بالمعلم الاول، يلتفت التفاتة ذكية بقوله «.... ثم كان من بعده في السلام من أخذ بتلك المذاهب واتبع فيها رأيه حذو النعل بالنعل الا في التعليل، وذلك لان كتب اولئك المتقدمين لما ترجمها الخلفاء من بني العباس من اللسان اليوناني الى اللسان العربي، تصفحها كثير من أهل الملة من منتحلي العلوم (الفلسفية) وجادلوا عنها واختلفوا في مسائل تفاريعها وكان من اشهرهم ابو نصر الفارابي وابو علي بن سينا.. وغيرهما»(17).
ولكن مهما يكن من أمر هذه الاختلافات فأن فلاسفة المسلمين الاول ما كانوا بأكثر من ظلال لاسلافهم اليونان، اتبعوا رؤيتهم في الفلسفة «حذو النعل بالنعل».
يأخذ ابن خلدون بعد ذلك بمناقشة وجهات هؤلاء الفلاسفة وتفنيد ما يستحق التفنيد، فيما لا مجال لاستعراض تفاصيله(18)، ويختتم مناقشته هذه بقوله «فهذا العلم كما رأيته غير واف بمقاصدهم التي حوموا عليها مع ما فيه من مخالفة الشرائع وظواهرها» ثم يشير الى الثمرة الوحيدة التي نحظى بها من شجرة الفلسفة هذه تلك هي شحذ الذهن البشري وتمكينه من ترتيب الادلة المنطقية وسوق البراهين على ما يسعى الى إثباته. وهذا يدل على انفساح صدر ابن خلدون لكل علم بشري وملاحظة سلبياته وإيجابياته على السواء في محاولة منه ان يأخذ الحكمة من أي وعاء خرجت كما علمه الرسول صلى الله عليه وسلم ان يكون، «وأما مضارها ـ أي الفلسفة ـ فهي ما علمت. فليكن الناظر فيها متحرزا جهده من معاطبها، وليكن نظر من ينظر فيها بعد الامتلاء من الشرعيات والاطلاع على التفسير والفقه، ولا يكبن أحد عليها وهو خلو من علوم الملة، فقل ان يسلم لذلك من معاطبها»(19). وأما الذين يختارون ان يتحصنوا ـ أولا ـ بكتاب الله وسنة رسوله عليه السلام، فلهم ان يسيروا حيث يشاؤون، وان يسبروا غور الفلسفة ايا كانت، فأنهم سوف يصلون شاطئ الامان وقد ازدادوا إيمانا ويقينا.
الا أن ابن خلدون يحبذ«الاعراض عن النظر فيها إذ هو من ترك المسلم ما لا يعنيه» فأن هذه المسائل «لا تهمنا في ديننا ولا في معاشنا فوجب علينا تركها»(20). فكأنه، انطلاقا من موقف الاسلام نفسه، يريد ان يحفظ على العقل البشري طاقته الفعالة فلا تستنزف فيما هو غير مجد، ولا تعمل إلا فيما يعود على الانسان المسلم بالخير في دينه ومعاشه، أي ان ينصب جهدها في صميم العالم، لا فيما وراء العالم حيث إختصاص الاديان.
ومن زاوية الرؤية المتسلحة بالعقل، نفسها، يدعو ابن خلدون الى إبطال خرافة التنجيم، تماما كما دعا الى إبطال خرافة فلسفة الالهيات وما وراء الطبيعة.. كلتاهما خرافة، بما انهما تقودان العقل البشري الى مساحة الكون غير المنظور، بما لم يتهيأ له أساسا. والخرافة بمعنى ما، هي أن نتحرك الى اهدافنا بدون الوسائل المنطقية التي تبلغنا تلك الاهداف. وإذا كانت الممارسة الفلسفية لما وراء الطبيعة تغطي على عبثها وعقلانيتها بنوع من المنهجية المدعاة وبحشد من المصطلحات المعماة، فان التنجيم يضرب بهذا كله عرض الحائط، ويعتمد اسلوبا في العلم ما انزلت معطيات العقل والمنطق وبداهاتهما به من سلطان «فهذه الصناعة ـ يقول ابن خلدون ـ يزعم اصحابها انهم يعرفون بها الكائنات في عالم العناصر قبل حدوثها من قبل معرفة قوى الكواكب وتأثيرها في المولدات العنصرية مفردة ومجتمعة، فتكون لذلك اوضاع الافلاك والكواكب دالة على ما سيحدث من نوع من أنواع الكائنات الكلية والشخصية..»(21) الى آخر هذا الغشاء.
وهو ينفي ان يكون الانبياء عليهم السالم قد مارسوا هذا المنهج الخاصي وحاشاهم «.. ذهب ضعفاء ـ من اصحاب التنجيم ـ الى ان معرفة قوى الكواكب وتأثيراتها كانت بالوحي، وهو رأي قائل «خاطئ وضعيف» وقد كفونا مؤونة ابطاله.. ومن اوضح الادلة فيه ان تعلم ان الانبياء عليهم الصلاة والسلام أبعد الناس عن الصنائع، وانهم لا يتعرضون للاخبار عن الغيب ألا أن يكون عن الله، فكيف يدعون استنباطه بالصناعة ويشيرون بذلك لتابعيهم من الخلق»(22).
وبعد ان يستعرض ابن خلدون مقولات بطليموس وتلامذته في هذا الميدان يتقدم لتفنيدها بحجج عقلية بينة ويصل الى القول بأن «تثير الكواكب فيما تحتها باطل، اذ قد تبين في باب التوحيد ان لا فاعل الا الله، بطريق استلالي كما رأيته، واحتج له أهل علم الكلام بما هو غني عن البيان من أن اسناد الاسباب الى المسببات مجهول الكيفية والعقل متهم على ما يقضي به فيما يظهر بادئ الرأي من التأثير، فلعل استنادها على غير صورة التأثير المتعارف والقدرة الالهية رابطة بينها كما ربطت جميع الكائنات علوا وسفلا، سيما والشرع يرد الحوادث كلها الى درة الله تعالى ويبدأ مما سوى ذلك.
والنبوات أيضا منكرة لشأن النجوم وتأثراتها واستقراء الشرعيات شاهد بذلك مثل قوله (صلى الله عليه وسلم) «أن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته» فقد بان لك بطلان هذه الصناعة عن طريق الشرع، وضعف مداركها مع ذلك من طريق العقل، كما لها من المضار في العمران الانساني لما تبعث في عقائد العوام من الفساد اذا اتفق الصدق في إخفائها في بعض الاحايين اتفاقا لا يرجع الى تعليل ولا تحقيق. فليلهج بذلك من لا معرفة له ويظن اطراد الصدق في سائر احكامها، وليس كذلك، فيقع في رد الاشياء الى غير خالقها». ثم يبين ان حظر الشريعة لهذا العبث المدعو علما، دفع اصحابه الى ممارسته بمعزل عن الجمهور، وتسترهم عن الناس كي لا ينكشف امرهم وهذا مما زاده الغازا وتعيدا..»(23).
ومن المنطلق نفسه يرفض ابن خلدون الكيمياء، لا بمفهومها التجريبي المختبري الذي عرفته بمرور الوقت، ولكن بمفهومها السحري القديم القائم على الدجل والخرافة والذي كان يطمح بتحويل المعادن الرخيصة الى ثمينة بأساليب سحرية ملغزة لا تقل سخفا في تعاملها مع حقائق الطبيعة والكون من الميتافيزيقا او التنجيم»(24).
ان ابن خلدون في دعوته الجادة الى ابطال تلك الفنون الثلاثة ـ ولا أقول علوما ـ الميتافيزيقا والكيمياء السحرية والتنجمي، بقدر ما ينطلق من رؤية دينية واضحة وعميقة، تستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بقدر ما يؤكد مدى احترامه للعقل البشري، وانه برفضه هذه الفنون لا يقف بمواجهة العقل والروح العلمية وانما معها، وتلك هي طبيعة الرؤية الدينية كما يمنحنا إياها كتاب الله وسنة رسوله عليه السلام.(24)
***
يتبع إن شاء الله...


ابن خلدون: محاولة في المنهجية الإسلامية 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49219
العمر : 72

ابن خلدون: محاولة في المنهجية الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: رد: ابن خلدون: محاولة في المنهجية الإسلامية   ابن خلدون: محاولة في المنهجية الإسلامية Emptyالثلاثاء 08 أبريل 2014, 5:27 am

ثانيا: الرؤية التربوية
التربية بايجاز شيد، عمل داينمي يستهدف صقل وتنمية قدرات الانسان العقلية والروحية والجسدية والوجدانية، وبما ان الانسان ـ بايجاز ايضا ـ هو صانع الحضارة، فان التربية ـ بالضرورة ـ تغدو صيغة عمل حضاري يحمل قدرا كبيرا من الأهمية.
وابن خلدون هو واحد من المفكرين الرواد الذين أولوا المسألة الحضارية أهمية بالغة، وتجاوزوا المنظور التسطيحي لقراءة التاريخ البشري صوب التوغل عمقا لفهم أبعاد معطياته الحضارية، والقوانين التي تحكمها، بدءا وصيرورة ونموا وغناء.. وليس من قبل الصدفة ـ إذن ـ ولا لمجرد استكمال الحديث عن كل موضوع وفق نزعة موضوعية فضفاضة، كما كان يفعل الكثير من الكتاب قبله، أو بعده، ليس من هذا القبيل تلك المساحات الواسعة التي يمنحها الرجل للمسألة التربوية في العديد من شعبها واهتماماتها وأنشطتها ما دام ان العمل التربوي سعي متواصل في صميم النشاط الحضاري للجماعة البشرية.
وهو يمنحنا تحليلات طيبة، وعلى قدر كبير من النضج، بالمقارنة مع المعطيات التربوية الحديثة: عن القيم والاهداف ومحتوى التعليم وطرائقه وأساليبه، والمعلم المتعلم، كما انه يقف طويلا عند (نظرية المعرفة) ذات الارتباط الوثيق بالتربية، ويقدم ـ في الوقت نسه ـ رؤية للانسان من خلال نظرة التربية الاسلامية اليه.
وبما أن الرجل هو ابن البيئة الاسلامية لحما ودما وفكرا، فان معطياته التربوية كانت تتشكل بالضرورة من مادة هذه البيئة وتتداخل مع نسيجها.
بعبارة اخرى، انه يتحدث عن التربية الاسلامية على وجه الخصوص لا عن اية تربية اخرى، وضعية او غير وضعية، كما حاول ويحاول بعض الباحثين، منذ اواخر القرن الماضي وعبر القرن الاخير، أن يذهبوا ـ كما رأينا ـ ليس على مستوى التربية فحسب، بل على كافة المستويات المعرفية التي تتضمنها المقدمة.
وتتوزع المادة التربوية على مدى المقدمة، وتنتشر في أبوابها الستة لكنها تتكاثف هنا وتقل هناك، وفقا لطبيعة الباب، أو الفصل الذي يتحدث عن (موضوعة) ما قد ترتبط بالمنظور التربوي بشكل مباشر أو غير مباشر، وقد لا ترتبط به اساسا.
يصدر ابن خلدون في نظرته للانسان، والتعامل التربوي معه بالتالي عن رؤية اسلامية واضحة تضع هذا الكائن المتفرد في مكانه الحق من العالم.
وهو يؤكد ويعيد تأكيده المرة تلو المرة، على تميز الانسان بالفكر الذي وهبه الله اياه، متجاوزا «النظرة التجزيئية للانسان، متعاملا معه بمكوناته كافة: العقل والروح والوجدان والحس والغرائز والجسم، دونما عزل أو نفي أو فصل أو تقطيع، الانسان كما خلقه الله سبحانه وكما اراد له ان يكون.. كما يؤكد حتمية النبوات التي أعان الله الانسان بها على اكتشاف الطريق، وعلى استخلافه العمراني في العالم، وتسخير العالم، بطاقاته وسننه، لهذا المخلوق المستخلف عن الله في الارض، لكي يقدر على مواصلة مهمته في التقدم والتحضر والاعمار. (26)
هذه هي الخطوط الاساسية، أو مراكز الثقل الخمسة التي تميز التصور الاسلامي للانسان، عن سائر المذاهب والتصورات، والتي تنبثق عنها بالضرورة طبيعة التربية التي يتحتم اعتمادها لتنمية قدرات هذا الكائن وتمكينه من أداء مهمته في الأرض، كما تنبثق عنها ملامح وأسس نظرية للمعرفة تتميز هي الاخرى عن سائر النظريات الوضعية، باتساع مداها وتجاوزه لظواهر الاشياء صوب عالم الباطن والغيب.
ويحمل التعليم قيمته الاساسية في مقدمة ابن خلدون من حيث انه ضرورة من ضرورات الاجماع البشري، وأداء لابد منها لتمكين الجماعة من التحقق بالعيش والرفاهية من خلال الخبرات والصنائع التي تنالها بالتعليم. بل أن الأمر ليتجاوز هذا كله فيغدو التعليم ضرورة لقبول ما جاء به الانبياء عليهم السلام والانتماء لدعواتهم. من خلال نظرة إسلامية شمولية يطل بها أبن خلدون على قيمة التعليم فيجدها تمتد كلي تشمل الارض والسماء، الدنيا والاخرة على السواء وتلك هي بحق واحدة من أهم ملامح التربية الاسلامية، بل أهمها على الاطلاق (27).
ويقف ابن خلدون طويلا «عند قيمة العمل ـ الذي تبرمجه وتؤكده الممارسة التربوية التعليمية ـ ويراه ضرورة من ضرورات العمران، ثم هو كعادته يعالجه من زاوية رؤياه الاسلامية ويبلغ به الامر القول بأن قيمة الاشياء انما تقاس بمقدار ما بذل فيها من عمل، وهو يربط ـ كذلك ـ بين مبدأ التسخير الذي يعرض له كتاب الله للانسان في هذا العالم، وحيثما تلفتنا وجدنا الرجل يولي العمل قيمة كبرى كواحد من الوسائل الاساسية لتحقيق مهمة الانسان في الارض واستخلافه العمراني في العالم على عين اله وهدى انبيائه عليهم السلام (28).
حتى اذا ما بلغنا المسائل المباشرة الاكثر ارتباطا بالعملية التربوية التعليمية وجدنا ابن خلدون يقدم مادة طيبة، ويقف وقفات قد تطول وقد تقصر عند هذه المسألة أو تلك من مسائل التربية والتعليم.
انه يرى حتمية وجود (المعلم) كطرف اساسي في هذه العملية، سواء استهدفت تخريج العلماء أم الصناع (29). ليس المعلم فحسب ولكنه المعلم الجيد هو المطلوب لتحقيق النتيجة الافضل. ونجد ابن خلدون يركز المسالة بمبدأ واضح بسيط ولكنه ضروري، أنه (على قدر جودة التعليم وملكة المعلم يكون المتعلم) وهكذا يحتل المعلم مكانه المناسب.
والمهمة التي يمارسها المعلم ليست مجالا «كيفيا» ولا عمل مستقلا بذاته لا يحتاج الى عوامل مساعدة، انها برنامج مرسوم يتدرج من البسيط الى المركب، ومن الضروري الى الكمالي، وهذا يحتاج الى زمن، ولا يستكمل اسبابه الا بعد تقدم الجماعة خطوات واسعة في تحضرها30 ثم أن مهمة المعلم لا تنحصر في تعليم هذا الجانب او ذاك فحسب من أمور المعرفة، بل تمتد لكي تشمل الجوانب كافة، أي ما هو علمي وما هو عملي في الوقت نفسه(31).
وهو يعتبر التعليم من (جملة الصنائع) باعتباره فنا لابد من الالمام بأصوله وقواعده لكي يتمكن المعلم الذي يمارسه من تأدية مهمته على الوجه المطلوب(32) أنه يؤكد (مهنية) المعلم وأن يمارسه ليس مجرد علم فحسب وأنما هو (منهج) للتوصيل يختلف فيه هذا المعلم عن ذاك، ويتباين هذا الجيل عن ذاك(33).
وابن خلدون يعرف كيف يرتبط بين ما يبلغه فن التعليم من مستوى وبين البيئة الحضارية التي ينشط فيها. فالعلاقة بينهما طردية، وحيثما بلغت جماعة ما شأوا متقدم في المضمار الحضاري حيثما تقدم معها فن التعليم ونفق سوقه(34). أنه يجد فرصته للحذق والاكتمال في البيئة المتحضرة بسبب ما تتيحه من مجالات أوسع للمناظرة والجدل والحوار في مناحي العلوم، وتسمح به من الاحتكاك والاتصال والاخذ والعطاء بين الطرائق والمناهج هنالك حيث يتألق المعلم وحيث يجد طلبة المعلم مبتغاهم فيمن يعرف كيف يوصل اليهم المعرفة التي يطلبونها. (35)
والتعليم ليس تحفيظا كما أن التعلم ليس حفظا وإنما هو على جانبيه إعمال للقدرات العقلية وكسب لزمن من أجل التمكن من المعرف في هذا الحقل او ذاك (36). إن غياب المعلم الجيد يحرم الطلبة من الفرص المواتية للتعلم، كما يحرم الجماعات من كسب عامل الزمن في الصراع من أجل المعرفة (37).
واذا كان ابن خلدون ـ فيما سبق ـ يقف عند حدود العلاقة بين درجة التحضر عموما ومستوى التعليم والتعلم، فأنه لا ينسى أن يشير الى بعض المفردات (المساعدة) التي تعين على تحسين العملية التعليمية والتربوية عموما. منها ـ بطبيعة الحال ـ الاكثار من بناء المؤسسات التعليمية من مدرسة وزاوية ومسجد ورباط، ومنها وقف الاوقاف المنحلة على هذه المؤسسات من أجل أن تسير العملية بنجاح، ويجد المعلم والمتعلم فرصته لتجاوز الانهماك بالضرورات فيتحرر منها، بالضمان المعاشي الاكيد، لكي يتفرغ لما هو بصدده: ذاك لمهنته وهذا لمهمته. فحيثما كثرت الاوقاف والضمانات وعظمت الغلات والفوائد حيثما كثر طالب العلم ومعلمه وأحسنوا مهمتهم (ونفقت اسواق العلوم وزخرت بحارها) (38).
وبما ان التعليم يعني توصيل الحقائق المعرفية بين طرفين، فأن ابن خلدون يقف بعض الوقت عند نوعين من صيغ التوصيل: الصيغة الشفافية التي تتم مباشرة بين العلم والمتعلم، والصيغة الكتابية التي تتم بشكل غير مباشر بينهما من خلال الكتب والمؤلفات(39)، هي الصيغة الاكثر ذيوعا وانتشارا بسبب من أن المؤلف كخزين للمعرفة اكثر دواما من صاحبه، واكثر قدرة على الانتشار في المكان. وهكذا يكون دور المعلم ضروريا على هذا المستوى كذلك، بما أن التدليف تحتاج الى من يتقن توصيلها بمهنته المتخصصة في فنه، الى عقول المتعلمين (40).
وابن خلدون يتخذ ازاء (الكتاب) كواحد من أهم الوسائل التعليمية، طريقا وسطا يتميز بالمرونة، ويلاحظ جيدا سايكولوجية التعلم، والقدرات النفسية للمتعلم فهو من جهة يرفض فكرة الاكثار من التأليف وتحميل المناهج التعليمية بالمزيد من الكتب التي تعالج موضوعا واحدا، لأن ذلك يعوق الطالب عن التحصيل ويحدث لديه نوعا من الارباك الذهني(41)، فضلا عن انه يستغرق وقته فيما لا مبرر له ثم ان اختلاف الكتب في المادة الواحدة يعني عند ابن خلدون اختلاف الطرائق المنهجية في العرض والشرح والتعليل الامر الذي يقود الى السلبيات آنفة الذكر ويرى، بدلا من الدخول الى التفاصيل والجزئيات التي تكرر نفسها بصيغ مختلفة، أن يقدم للطالب جوهر المادة العلمية وخطوطا العريضة ـ دون الحاح في الايجاز ـ في كتاب واحد لكي يعينه ذلك على كسب الوقت والتمكن من الالمام بالملامح الاساسية للمادة (42).
وهو ـ بالمقابل ـ يندد بالتلخيصات والاختصارات في المؤلفات المنهجية ويرى أن ذلك بدوره يخل بالتعليم بسبب من الحاحه في الايجاز الامر الذي يجعل المادة عسرة على الفهم بتركيزه المعاني الكثيرة في الفاظ محدودة (43).
ولا ينسى ابن خلدون ان يقدم تصوره لعقلانية التعلم، وصي توصل العقل لحقائق الاشياء، داعيا المتعلم الى إدراك كنه هذا النشاط لكي يتمكن من تجاوز صعابه وعقابيله، ولكي ينفذ الى المعاني من وراء حجب الالفاظ والاستدلالات المنطقية الصناعية باعمال الفكر (الطبيعي) مباشرة في الحقائق المستغلقة وصولا الى الجوهر والمعنى (44).
كما انه لا ينسى ان يفرد فصلا لمسألة التخصص العلمي، أو المهني، أو سايكولوجيته بعبارة أدق، ويرى ان المرء اذا اجاد مهنة ما ورسخت في نفسه فانه قد لا يجيد بعدها مهنة أخرى (45).
وبصدد المراحل المبكرة للتعليم، فيما يسمى بتعليم الولدان، يمنحنا ابن خلدون مادة مقارنة يستمدها من طرائق التعليم الاسلامية واختلافها ويكاد يكون تعلم القرآن الكريم القاسم المشترك، والاساس في هذه الطرائق جميعا عبر مراحل التعليم المبكرة. فالقرآن الكريم كتاب هذه الامة، وهاديها ودليلها، وهو دستور عقيدتها، ومنهاج حركتها في العالم.. وتعليمه لاجيال الناشئة ضرورة محتومة اذا ما اريد لهذه الاجيال ان تكون مسلمة حقا (46).
لكن الذي يختلف فيه بين مصر ومصر ومدرسة وأخرى، هو منهج التعليم وهاهنا يقدم ابن خلدون عرضا مقارنا لهذا المنهج في تعليم كتاب الله في كل من المغرب والانلس، والمشرق، والنتائج التي ترتبت عليه في كل من هذه الاقاليم. (47).
وابن خلدون وهو يتحدث عن محتوى التعليم يشير الى صنفين من العلوم عقلي ونقلي دون أن يغفل عن أن هذا الاخير يتحتم ان يتم التعامل معه عقليا بالقياس والتفريع والاجتهاد. كما ان الرجل لا يفوته كذلك ان يؤكد هاهنا رؤيته الاسلامية وخصوصيته العقيدية اسوة بما كان يفعل في جل مساحات مقدمته الخصبة، بصيغ مباشرة حينا وغير مباشرة حيانا اخرى، فكأنه يرد بذلك على الذين جاءوا في قرون تالية لكي يخرجوه عن الرحم الذي تخلق فيه، ويضعوه على غير إرادة منه في دائرة (الوضعية) هجينا غريبا (48).


ثالثا: الحركة التاريخية
وضع ابن خلدون (مقدمته) في الاساس، وكما يؤكد في تمهيده لها اكثر من مرة(49) لكي تكون اداة أو معيارا في التعامل مع الواقعة التاريخية. فهناك، في نسيج هذه الواقعة، ما يمكن قبوله والتسليم به، وما يستعصي على القبول والتسليم.. ما يمكن ان يصدق وما يخرج الى دائرة الكذب والتلفيق.
واذا كان المؤرخون قبله، في معظمهم، قد اكتفوا بأن يكونوا جماعين للرواية، أو المادة التاريخية، دونما اخذها بما يتطلبه من منهج يمحص ويعزل.. يقبل ويرفض.. يثبت وينفي.. كي لا يمر الا ما هو متحقق في حركة التاريخ، أو مقارب للحقيقة في أقل تقدير، فأنه رأى أن قد آن الاوان لاعتماد منهج مرسوم لكي يصير النشاط التاريخي علما منضبطا لا عواطف وتحزبات واهواء وميولا.
ولقد قيل الكثير في هذه المسألة، ولذا سنجد انفسنا مضطربين لتجاوزها صوب بعض التأشيرات التي تؤكد (اسلامية) هذا التوجه (العلمي)في التعامل مع التاريخ، واستمداده الكثير من الخصائص والمواصفات من البيئة التي انتمى اليها الرجل لا من أية بيئة أخرى. وهكذا ستكون النتائج التي توصل اليها الرجل من خلال منهجه هذا وتساوقه في نسيجها العام، وفي معظم مفرداتها، مع المنظور والمعطيات الاسلامية.
ابتداء وعى سبيل المثال، يطرح ابن خلدون هذه المقولة الاستقرائية ذات التأثير البالغ في صميم الحركة التاريخية للجماعات والشعوب انه ما من دولة (كبيرة) الا وأصلها الدين «اما من نبوة أو دعوة حق» والدول الكبيرة التي يسميها البعض بالامبراطوريات ويسميها ابن خلدون (الدول العامة الاستيلاء، العظيم الملك) هي الدول الاكثر ثقلا وتأثيرا في حركة التاريخ، ليس فقط في مجرياته السياسية، بل في نموه الحضاري، وهذا هو الاهم.
كيف يفسر ابن خلدون ذلك (أن الملك ـ يقول الرجل ـ انما يحصل بالتغلب، والتغلب انما يكون بالعصبية واتفاق الاهواء على المطالب وجمع القلوب وتأليفها انما يكون بمعونة من الله في إقامة دينه.
قال تعالى (لو انفقت ما في الارض جميعا ما الفت بين قلوبهم)(50). وسره ان القلوب اذا تداعت الى اهواء الباطل والميل الى الدنيا حصل التنافس ونشأ الخلاف، واذا انصرفت الى الحق ورفضت الدنيا والباطل وأقبلت على الله، اتحدت وجهتها فذهب التنافس وقل الخلاف وحسن التعاون والتعاضد واتسع نطاق الكلمة لذلك فعظمت الدولة(51).
إنه يتحدث هنا عما يمكن تسميته بالمعامل العقائدي، وذلك الذي يشد طاقات الجماعة البشرية الواحدة التي تنتمي الى عقيدة ما، ويوجهها صوب هدف واحد.. بؤرة واحدة، فتزداد قدرتها على الفعل التاريخي، تماما كما تزداد قدرة أشعة الشمس على الاحراق من خلال تجميعها بالعدسات اللامة. فالدولة الكبيرة ـ إذن ـ هي تعبير تاريخي عن قدرة امة ما على الفعل الموحد الذي صاغته ووجهته صوب هدفه الواحد، عقيدة حيوية آمن بها الجميع.
وبعكس هذا، فان غياب الدين يعني تبعثر الفعل وتشتته صوب اهداف متغايرة متضاربة، ومن ثم تضاؤل دوره التاريخي. فليست الجماعة التي لا تربطها عقيدة بقادرة على ان تمتد في الزمان والمكان، واذا حث وان امتدت فعلا، فان هذا يجيء استثناء للقاعدة، ولا يحكم عليه، ومصيره ان يتلاشى لاول تحد يبرز له في الطريق، ولن يؤخذ يوما بالاستثناء.
في الانتماء الديني ثمة حقيقة اخرى يشير اليها ابن خلدون تزيد فاعلية هذا الانتماء.. انه رفض الانقياد للباطل والاقبال على اله. وتلك هي حجر الزاوية في قدرة الانسان الفرد والجماعة البشرية على التجرد الكامل في مواجهة التاريخ بأقصى قدر من التوتر والفاعلية والتناغم، وباقل قدر من الجذب والشد والاعاقة.. ان القرآن الكريم يصف المؤمنين مرارا بأنهم (يسارعون في الخيرات)52 فيكشف هاهنا البعد الزمني، البعد التاريخي، في حركة الانسان المؤمن في العالم لتحقيق اكبر قدر ممكن من الانجاز في أقل حيز ممكن.
وابن خلدون يختم مقولته تلك بهذه العبارة ذات الدلالة «.. اتسع نطاق الكلمة لذلك فعظمت الدولة»، فالكلمة كما هو معروف، لا تتحول الى فعل تاريخي الا بالايمان الذي يحيلها الى طاقة حركية تعبر عن نفسها من خلال الجماعة المؤمنة وتكون نتيجة هذا التعبير: دولة عظيمة. وكذلك كانت دولة الاسلام الاولى في أعقاب الفتحات التي اختزلت الزمن والمكان، وكذلك كانت الدول الكبرى في التاريخ.
واذا كان ابن خلدون قد أكد مرارا على مفهوم العصبية، باعتباره أساسا لقيام الدول، فانه لم يغفل عن ان الدعوة الدينية تزيد الدولة في اصلها قوة على قوة العصبية التي كانت لها من عددها، كما يقول في احدى فصول الباب الثالث من مقدمته.. لماذا؟ وكيف؟ لأن السبب في ذلك «ان الصيغة الدينية تذهب بالتنافس والتحاسد الذي في اهل العصبية وتفرد الوجهة الى الحق. فاذا حصل لهم الاستبصار في امرهم لم يقف لهم شيء لان الوجهة واحدة والمطلوب متساو عندهم وهم مستميتون عليه. وأهل الدولة التي هم طالبوها، وان كانوا اضعافهم فاغراضهم متباينة بالباطل، وتخاذلهم لتقنية الموت حاصل، فلا يقاومونهم وان كانوا اكثر منهم، بل يغلبون عليهم ويعاجلهم الفناء بما فيهم من الترف والذل كما قدمناه.
وهذا كما وقع للعرب في صدر الفتوحات الاسلامية.. واعتبر ذلك في دولتي المرابطين والموحدين، فقد كان بالمغرب من القبائل كثير من يقاومهم في العدد والعصبية او يشف عليهم، الا ان الاجتماع الديني ضاعف قوة عصبيتهم بالاستبصار والاستماتة، كما قلناه، فلم يقف له شيء». ويواصل ابن خلدون تحليله قائلا «واعتبر ذلك اذا حالت صبغة الدين وفسدت، كيف ينتقض الامر، ويصير الغالب على نسبة العصبية وحدها دون زيادة الدين، فيغلب الدولة من كان تحت يدها من العصائب المكافئة لها او الزائدة القوة عليها الذي غلبتهم، بمضاعفة الدين لقوتها ولو كانوا اكثر عصبية منها وأشد بداوة..»(53).
ان ابن خلدون هنا (يحيد) العصبية في حالة دخول الدين في الصراع فاذا ما غاب الدين كان للعصبية، كقوة عددية واجتماعية، ان تلعب دورها اما مع الدين فتكون اشبه باداة، او عامل مساعد، وهذا الموقف خطير لانه رغم تأكيدات ابن خلدون المتكررة على العصبية، وإقامة اقسام واسعة من نظريته على قواعدها فانه هنا يفوق الدين عليها ويجعله صاحب الفاعلية الاولى في الغلبة السياسية، والفعل التاريخي عموما.
فاذا ما استرجعنا الآن عبارته الدقيقة ذات الدلالة، والتي وردت في ثنايا مقولته، لم ندهش لتأكيد ابن خلدون على دور الدين، فوالذي ادرك بعمق ابعاد هذا الدور «اذا حصل لهم الاستبصار في أمرهم لم يقف لهم شيء لان الوجهة واحدة والمطلوب متساو عندهم وهم مستميتون عليه»
ومن ثم ينهار منطق الاعداد في الصراع التاريخي، ينهار حتى منطق الارتباط النسبي بالعصبية والقوة البدائية المجردة التي تنبثق عنه، لكي يحل محلها جميعا (استبصار) ديني لموقف الانسان العالم وعلاقته بالله خالق الكون والحياة والانسان. وعند ذاك يتحول الانسان المؤمن الى طاقة حركية متقدة لا يقف لها شيء، وهو مع الجماعة المؤمنة التي ينتمي اليها والتي وجهها الايمان الديني والاستبصار صوب الهدف الواحد، تقلب المقاييس الظاهرية للصراع وتفعل المعجزات.
وبرجوع متبصر الى واقعة الفتوحات الاسلامية، والى العديد من التجارب التي شهدها التاريخ الاسلامي، يمكن ان نعثر على النموذج التطبيقي الذي أكد عليه ابن خلدون واستشهد به.
وبالمقابل «فان الدعوة الدينية من غير عصبية لا تتم» كما يؤكد الرجل في فصل آخر من الباب الثالث، ويسعى للتدليل عليه بحشد من الادلة المنطقية والاحايث الصحيحة والوقائع التاريخية «ان كل امر تحمل عليه الكافة لابد له من العصبية».
وفي الحديث الصحيح «ما بعث الله نبيا الا في منعة من قومه» واذا كان هذا في الانبياء وهم اولى الناس من برق العوائد، فما ظنك بغيرهم؟ الا تخرق له العادة في الغلب بغير العصبية؟».
انه يشير الى قدرة الانبياء عليهم السلام على تجاوز التحديات التاريخية فوق العادة، كما حدث لكثير من منهم، لكنهم مع ذلك يعملون في التاريخ في صياغة أبعاد جديدة مستمدة من معطيات الزمان والمكان، فلابد لهم اذن من الافادة من اسبابه الذاتية للانقلاب عليه. وحديث الرسول (صلى اله عليه وسلم) هنا يبدو متساوقا مع معطيات الحركة الاسلامية كلها، تلك التي جاءت لكي تنقلب على التاريخ من خلال التاريخ نفسه، على ضوء برنامج الهي فوقي هو بمثابة دليل عمل أو (استبصار)، اذا اعتمدنا تعابير ابن خلدون، في هذا الانقلاب. ومن أجل مزيد من القانعة يقودنا الرجل الى عديد من الشواهد التاريخية(54).
ولا ينسى ابن خلدون ان يطرح تحفظه الذكي وهو يتحدث عن دعوات الانبياء عليهم السلام.. انهم مؤيدون من الله سبحانه بالكون كله لو شاء، لكنه انما اجرى الامور على مستقر العادة (55). ان الله سبحانه قادر، حيث لا يعجزه شيء في الارض ولا في السماء، على حمل رسله بكلمته التي لا راد لها الى |فاق الانتصار النهائي، لكن حكمته سبحانه، وعلمه المسبق بمصائر لدعوات، في الوقت نفسه، شاءت ان يتحرك رسله في قلب العالم، في صميم التاريخ، ان يعانوا من اثقاله وعوائقه، وان يتجشموا واتباعهم عناء اوهاقه، والا يبلغوا النصر النهائي الا باتخاذ الاسباب التي تمكنهم من هذا الصراع القاسي الذي لا يرحم احدا ولا ينحني لاحد. وذلك هو ما يعنيه ابن خلدون «بمجرى الامور على مستقر العادة» أي سنن التاريخ ونواميس الكون.
ذلك اذن هو التقابل الفعال في نظرية ابن خلدون: الدين والعصبية.. الرؤية أو الاستبصار الايماني، والاداة التاريخية. ان العصبية بدون دين لا تحقق شيئا كبيرا، والدين بدون عصبية لا يتحرك وقتا طويلا.. لابد من اقتران الجانبين. واذا كانت رؤية ابن خلدون للعصبية محدودة في نطاق الروابط القبلية يومذاك فأنها قد تنسحب في الفترات اللاحقة وفي القرن العشرين، على التنظيمات البشرية التي تعتمد القوة والعصبية الحزبية وتحل فيها رابطة الولاء بدلا من رابطة النسب.. والامر سواء.
ولا يقف ابن خلدون عند هذا الحد، بل ان رؤيته الدينية لا تفارق منهجه في الاستقرار والتحليل وهو يطرح مقولاته ويبرهن عليها في ابواب مقدمته الستة عن مسائل مختلفة تتعلق بصيرورة الواقعة التاريخية، ونشاط الجماعات البشرية وعوامل تكوينها ومؤثرات سلوكها التاريخي مما لا يتسع المجال لاستعراضه وربما تكفي الا حالة عليه(56).
بل اننا نلتقي في تمهيده للمقدمة بهذا المقطع«اعلم ان فن التاريخ فن عزيز المذهب، جم الفوائد شريف الغاية، اذ هو يوقفنا على احوال الماضين من الامم في اخلاقهم والانبياء في سيرهم والملوك في دولهم وسياستهم حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في احوال الدين والدنيا»(57). فمنذ اللحظات الاولى يبرز جدوى علم التاريخ كاداة تستهدف خدمة الجماعات البشرية وترقية أحوالها دينيا ودنيا، بجعلها تتحرك على هذين المستويين معا، وهي أكثر ادراكا وأعمق تجربة بما يمنحه التاريخ اياها من قيم وتعاليم.
ومما يؤكد الرؤية الدينية الاصيلة عند ابن خلدون، وكونها مسألة اساسية في منهجه، ذلك الحشد من الاستشهادات المستمدة من كتاب الله حينا، وسنة رسوله عليه السلام حينا آخر، وأقوال ومعطيات صحابته الكرام رضي الله عنهم حينا ثالثا، والتي طالما اعتمدها لتعزيز وجهات نظره وجعل استدلالاته اكثر حجية وإقناعا.
وللوهلة الاولى يبدو ان طريقة ابن خلدون هذه لا تعدو ان تكون مسألة تقليدية قد لا تعني شيئا، لكن المتمعن في هذا التكرار المقصود، وفي النماذج التعبيرية التي ينتقيها الرجل، يتضح له ان الامر أبعد من هذا.. وأبعد حتى من مجرد دلالته على عمق الاحساس الديني لدى ابن خلدون، فالرجل، فضلا عن ذلك، يرى في حركة التاريخ، وقائع وسننا، انعكاسا لمشيئة الله سبحانه وقدره في العالم.
وثمة اخيرا مسألتان اساسيتان في نظرية ابن خلدون طالما اكد عليهما وعلى ارتباطهما الوثيق بصلب النظرية وهما الترف وحتمية السقوط، اذ اننا لا نعتقد انه كان بمعز عن معطيات القرآن والسنة وهو يتحدث عن هاتين المسألتين اللتين كان لهما في المصدرين المذكورين مكان كبير(58).
هذا على المستوى العام للحركة التاريخية، اما على مستوى التاريخ الاسلامي، على وجه الخصوص، فأن ابن خلدون يمضي بالمنهج نفسه، بالروح العلمية المنضبطة برؤيته الاسلامية والمستمدة من حقائقها ومفرداتها لكي يناقش ويحلل مسائل شتى تتميز بأهميتها وحساسيتها. وهو هاهنا يؤكد موقفه الديني من خلال تفسيراته الملتزمة لعديد من وقائع تاريخنا الاسلامي وهو الساحة التي انصبت جل اختباراته عليها والتي مارس فيها معظم جوانب استقرائه الذي قاده الى صياغة قوانينه العديدة التي ضمنها مقدمته.
وابن خلدون في هذا الاتجاه يمارس تحليلا للتاريخ الاسلامي، أو بالاحرى لجوانب من التاريخ الاسلامي، يلقي المزيد من الاضواء على خصائصه وصيرورته وفق معايير منهجية تنحت مفرداتها وأدواتها من معطيات هذا التاريخ وليس من أية بيئة اخرى كما توهم بعض المفكرين والباحثين ممن المحنا الى بعضهم في بداية هذه الصفحات(59).


هوامش البحث
1 ـ تفسير ابن كثير 2/588 (در الاندلس، بيروت ـ 1966م).
2 ـ محمد علي الصابوني: صفوة التفاسير/346 ـ 347 (الطبعة الرابعة دار القرآن الكريم، بيروت ـ 1981م).
3 ـ محمد مرتضى الزبيدي: تاج العروس، 2/109 ـ 110، (دار ليبيا بنغازي ـ 1966م).
4 ـ محمد عبد الله عنان: ابن خلدون، حياته وتراثه الفكري ص177 ـ 178 (الطبعة الثالثة، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة ـ 1965م) عن كتاب
Geschichte der philosophic in Islam
للباحث المذكور.
5 ـ عنان: ابن خلدون ص190 عن:
Ibn Khaldon Historian Sociologist and philosopher
للمؤرخ المذكور.
6 ـ عنان: نفسه ص281 عن
Ibn Khaldoun: Ein arabischer Kulturhistor ker des 14 jahrhunderts.
(ابن خلدون مؤرخ الحضارة العربية في القرن الرابع عشر) للمستشرق المذكور.
7 ـ مهدي عامل (الطبعة الثانية، دار الفارابي، بيروت ـ 1986م).
8 ـ من تعليق الناشر على غلاف المرجع السابق.
9 ـ سورة النحل آية78.
10 ـ سورة العلق الآيات 1 ـ 5.
11 ـ مقدمة ابن خلدون6/983 ـ 984 (الطبعة الثانية، تحقيق د. علي عبد الواحد وافي، لجنة البيان العربي، القاهرة ـ 1965م).
12 ـ المقدمة6/1199 ـ 1210.
13 ـ ابطال صناعة النجوم: المقدمة6/1207 ـ 1215.
14 ـ المقدمة6/1199 ـ 1201.
15 ـ يشير بذلك الى نظرية العقول عند الفارابي وبقية فلاسفة المسلمين، انظر بالتفصيل الهامش رقم 1322 المقدمة ص980.
16ـ المقدمة 6/1210.
17ـ نفسه.
18ـ انظر المقدمة 6/1202 ـ 1207.
19 ـ نفسه 6/1207.
20 ـ نفسه 6/1203.
21 ـ نفسه 6/1207.
22 ـ نفسه 6/1207 ـ 1208.
23 ـ عماد الدين خليل: ابن خلدون اسلاميا ص135 ـ 136 (المكتب الاسلامي بيروت ـ 1983م).
25ـ نفسه ص136 ـ 137.
26 ـ عماد الدين خليل: الرؤية التربوية في مقدمة ابن خلدون، كتاب (من اعلام التربية العربية الاسلامية) المجلد الرابع ص128 (مكتب التربية العربية لدول الخليج، الرياض ـ 1989).
27 ـ نفسه 4/131 ـ 132.
28 ـ نفسه 4/133.
29 ـ المقدمة 3/923.
30 ـ نفسه 3/923 ـ 924.
31 ـ نفسه 3/924.
32ـ نفسه 3/985.
د. عماد الدين خليل


ابن خلدون: محاولة في المنهجية الإسلامية 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
ابن خلدون: محاولة في المنهجية الإسلامية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ابن خلدون مؤسس ورائد علم الاجتماع في العالم
» تعليق الإمام الأكبر على واقعة محاولة منع دفن طبيبة أصيبت بكورونا
» من خصائص شريعتنا الإسلامية
» دور الإنترنت في نشر الدعوة الإسلامية
» حروب الدعوة الإسلامية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــــافـــــــــــة والإعـــــــــــلام :: أبحـاث وكتابات علميـة-
انتقل الى: