منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 الباب الثانى: التوسع الجغرافي أم الهيمنة الاقتصادية؟

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48361
العمر : 71

الباب الثانى: التوسع الجغرافي أم الهيمنة الاقتصادية؟  Empty
مُساهمةموضوع: الباب الثانى: التوسع الجغرافي أم الهيمنة الاقتصادية؟    الباب الثانى: التوسع الجغرافي أم الهيمنة الاقتصادية؟  Emptyالسبت 15 مارس 2014, 7:56 am

الباب الثانى: التوسع الجغرافي أم الهيمنة الاقتصادية؟ 
بنية الاستغلال الصهيونيـة Structure of Zionist Exploitation
قد يدَّعي الاستعمار الاستيطاني الإحلالي الصهيوني أنه تنفيذ للوعد الإلهي وأن استيلاءه على الأرض المقدَّسة هو تنفيذ للميثاق وهكذا، ولكن النموذج الصهيوني لا يفسر الكثير من جوانب الواقع والبنية التي تشكلت فيه. ولذا فالقول بأن هذا الاستعمار الاستيطاني يهدف إلى الاستيلاء على الأرض الفلسطينية وطرد أهلها أو استغلالهم، له مقدرة تفسيرية أعلى. وفي هذا الباب سنتناول جوانب بنية الاستغلال هذه. فنبدأ بتناول العلاقة الكولونيالية بين الجيب الاستيطاني الصهيوني وما تبقَّى من الاقتصاد الفلسطيني، ثم نتناول التوسعية الصهيونية ومحاولتها الدائبة التهام الأرض الفلسطينية، ثم أخيراً نتناول بعض التحولات الجوهرية التي طرأت على بنية الاستغلال الصهيونية فيما نسميه «التحول عن إسرائيل الكبرى جغرافياً وظهور إسرائيل العظمى اقتصادياً». 
إرتس يسرائيل Eretz Yisrael 
«إرتس يسرائيل» عبارة عبرية وردت في التوراة وفي الكتابات اليهودية الدينية والفقهية، وتعني حرفياً «أرض يسرائيل». ويُستخدَم هذا المصطلح للإشارة إلى أرض فلسطين وبعض المناطق المتاخمة لها. ومعنى العبارة غير واضح بشكل محدَّد، ولكن من مرادفاتها، على أية حال، عبارات مثل: «الأرض المقدَّسة» و«أرض الميعاد». 
وسنحاول تعريف مجالها الدلالي المتناقض من خلال تصنيف الإشارات المختلفة إليها واستخداماتها المتباينة كما وردت في الكتب المقدَّسة والتراث الديني اليهودي: 
1 ـ تشير عبارة في سفر صموئيل الأول (13/19) إلى تلك الأرض التي كان يقطنها العبرانيون بالفعل إبان حكم القضاة، قبل ظهور المملكة العبرية المتحدة، فتقول: "ولم يوجد صانع في كل أرض يسرائيل". وأرض يسرائيل بهذا المعنى لا تضم، مثلاً، القدس التي ظلت مدينة يبوسية حتى عهد داود. كما أنها لم تكن منطقة متصلة، إذ كانت هناك جيوب في الشمال استوطنت فيها قبائل زبولون وآشر ويسكار على بحيرة طبرية، لكن هذه الجيوب كانت غير متصلة بالجيب الأكبر على البحر الميت ونهر الأردن. كما كان يوجد جيب ثالث غير متصل بالجيبين الآخرين، في أقصى الشمال، تشغله قبيلة دان. 
2 ـ تشير العبارة إلى المملكة الشمالية التي تُسمَّى أيضاً «يسرائيل». فقد ورد في سفر الملوك الثاني (5/2): "وكان الآراميون قد خرجوا غزاة فسبوا من أرض يسرائيل فتاة صغيرة"، وهي منطقة تبدأ من الطرف الشمالي للبحر الميت وتضم بحيرة طبرية وضفتي الأردن، ولكنها لا تضم المنطقة الجنوبية كلها ومنها القدس. 
3 ـ تشير العبارة أحياناً إلى مملكة داود في أقصى اتساعها. 
4 ـ تشير العبارة إلى ما يُسمَّى «حدود الآباء»، فقد ورد في سفر التكوين (15/18): "لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات". لكن هذه العبارة صياغة شديدة العمومية لا يمكن أن تُطلَق عليها كلمة «حدود». 
5 ـ وهناك كذلك حدود الخارجين من مصر، وهي لا تختلف كثيراً عن حدود الآباء. وقد وردت في عدة مواضع من بينها سـفر التثنية (1/7، 8): "وارتحلوا وأدخلوا جبل الأموريين وكل ما يليه من العربة والجبل والسهل والجنوب وساحل البحر أرض الكنعاني ولبنان إلى النهر الكبير نهر الفرات". وورد في السفر نفسه (11/24): "يطرد الرب جميع هؤلاء الشعوب من أمامكم فترثون شعوباً أكبر وأعظم منكم. كل مكان تدوسه بطون أقدامكم يكون لكم من النهر نهر الفرات إلى البحر الغربي يكون تخمكم". وجاء في سفر يشوع (1/3 ـ 4): "كل موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته كما كلمت موسى من البرية ولبنان إلى هذا النهر الكبير نهر الفرات جميع أرض الحيثيين وإلى البحر الكبير نحو مغرب الشمـس يكون تخمكم". وهذه الحـدود أكثر تحدداً من خريطة الآباء، ولكنها مع هذا غير واضحة وخاضعة للتفسيرات والاجتهادات. ويرى الباحث الفلسطيني صبري جريس في كتابه تاريخ الصهيونية، استناداً إلى مراجع صهيونية (من بينها مشروع الوكالة اليهودية المقدم إلى مؤتمر فرساي عام 1919) أن إرتس يسرائيل تضم بهذا المعنى تلك المنطقة التي يحدها البحر المتوسط من الغرب، ويحدها من الجنوب خط يبدأ من موقع العريش في سيناء ويتجه متعرجاً حتى يصل إلى العقبة (إيلات) ومن هناك يتجه شمالاً حتى جنوب البحر الميت. ثم يستمر في الاتجاه شمالاً بمحاذاة نهر الأردن (دون أن يضم أياً من المناطق الواقعة شرقي النهر) حتى يصل إلى جبل الشيخ (حرمون). ومن هناك إلى الشمال، ماراً بغربيّ دمشق، ثم بغربيّ حمص حتى يصل إلى محاذاة اللاذقية، فينحرف شرقاً حتى يصل إلى أقرب نقطة في مجرى الفرات من البحر المتوسط، ومن هناك يتجه غرباً إلى البحر ماراً بجنوبي حلب. وبعبارة أخرى، تضم أرض الميعاد، بحسب حدودها هذه، مساحة فلسطين أيام الانتداب مضافاً إليها ذلك الجزء من سوريا ولبنان الذي يقع غربيّ خط دمشق ـ حمص ـ حماة. ويحدها من الشمال خط يمر جنوبي حلب. وتبلغ مساحتها نحو 160ـ 170 ألف كيلو متر مربع. 
ويضيف صبري جريس أن من الواضح أيضاً، من ناحية أخرى، أن تلك الحدود لا تتلاءم أبداً مع حدود المناطق التي عاش العبرانيون فيها أو حكموها في أية فترة من الزمن. ففيما عدا المناطق الممتدة بين دان (شمالي طبرية) وبئر سبع (في فلسطين) التي وُجد اليهود فيها، أو حكموا بعضها من فترة إلى أخرى (ولم يسيطروا عليها كلها دائماً ولم يوجدوا فيها وحدهم على أية حال)، فإن "بطون أقدامهم"، إذا استعملنا لغة التوراة، لم تطأ باقي المناطق. يضاف إلى ذلك أن اليهود أنفسهم لم يتجهوا، في أي وقت من الأوقات، لاحتلال هذه المناطق أو العيش فيها. وتفسير هذا التناقض، هو أن المناطق الأخرى التي لم يصلها اليهود مخصصة لاستيطانهم في المستقبل عندما يتكاثرون. ومرة أخرى، يستند هذا التفسير إلى التوراة: "لأطردهم من أمامك في سنة واحدة لئلا تصير الأرض خربة فتكثر عليك وحوش البرية. قليلاً قليلاً اطردهم من أمامك إلى أن تثمر وتملك الأرض" (خروج 23/29 ـ 30). و"لكن الرب إلهك يطرد هؤلاء الشعوب من أمامك قليلاً قليلاً. لا تستطيع أن تفنيهم سريعاً لئلا تكثُر عليك وحوش البرية. ويدفعهم الرب إلهك أمامك ويوقع بهم اضطراباً عظيماً حتى يفنوا. ويدفع ملوكهم إلى يدك فتمحو اسمهم من تحت السماء. لا يقف إنسان في وجهك حتى تفنيهم" (تثنية 7/22 ـ 24). 
6 ـ ثم هناك إرتس يسرائيل سادسة. ويمكن أن نُطلق عليها أرض القبائل العبرانية الاثنتى عشرة. فقد ورد في سفر التثنية (34/1ـ4): "وصعد موسى من عربات مؤاب إلى جبل نبو إلى رأس القمة التي تطل على أريحا فأراه الرب جميع الأرض من جلعاد إلى دان وجميع نفتالي وأرض إفرايم ومنَسَّى وجميع أرض يهودا إلى البحر الغربي. والجنوب والدائرة بقعة أريحا مدينة النخل إلى صوعر. وقال له الرب: هذه هي الأرض التي أقسمت لإبراهيم وإسحق ويعقوب قائلاً لنسلك أعطيها". ثم قـام موسى، بتقسيم هذه الأراضي بين قبائل يسرائيل الاثنتى عشرة: "إنما اقسمها بالقرعة ملكاً ليسرائيل كما أمرتك. والآن اقسم هذه الأرض ملكاً للتسعة أسباط ونصف سبط منَسَّى" (يشوع 13/6 ـ 7). وكانت الأسباط الباقية قد حصلت على حصصها قبل ذلك. أما حدود هذه الأرض، فقد ذُكرت مطولاً في التوراة عند الحديث عن تقسيمها بين القبائل الاثنتى عشرة (سفر يشوع، 15 ـ 24)، وهذه الحدود أكثرها شيوعاً. ولكن هذه الحدود غير واضحة أيضاً، مثل سابقتها، رغم إسهاب التوراة في وصفها. ومرة أخرى، واستناداً إلى تفسيرات واجتهادات عديدة، فإن حدودها رُسمت بشكل يضم المنطقة الواقعة بين البحر غرباً والصحراء شرقاً، ومنها القسم المأهول من شرق الأردن. أما حدودها الجنوبية، فتمتد على خط يصل بين العريش والعقبة، بينما الحدود الشمالية غير واضحة وتشير إلى جبل الشيخ (حرمون) فقط. وتضم أرض يسرائيل، بحسب هذه الحدود، نحو 43 ألف كيلو متر مربع. 
7 ـ ثم هناك إرتس يسرائيل سابعة حددتها المشناه وسمتها «أرض العائدين من بابل»، وهي وحدها التي تنطبق عليها التشريعات اليهودية (هالاخاه) المتصلة بالأرض مثل السنة السبتية وسنة اليوبيل. وهذه مقاطعة صغيرة جداً تطابق مقاطعة «يهود» الفارسية بعد العودة من بابل، وهي منطقة تمتد من نقطة على البحر الميت من عين جدي نحو البحر الأبيض المتوسط على حدود الخليل ولا تضمها، ثم تتجه شمالاً بمحاذاة ساحل البحر الأبيض وتضم اللد، ثم تتجه شرقاً حتى أسفل نهر الأردن، ولا تضم السامرة، وليست لها أية منافذ على البحر الأبيض المتوسط، ولا تزيد مساحتها عن 1200 ميل مربع. ونتيجة كل هذا التضارب، يختلف المفسرون (السياسيون والدينيون) في تعريف الحدود، ويتأرجحون بين الحد الأقصى، ويضم فلسطين وكل سيناء والأردن وسوريا ولبنان، بل وأجزاء من تركيا وأحياناً قبرص، والحد الأدنى الذي لا يتجاوز حدود مقاطعة يهود الفارسية. وهـناك من يرى أن الخريطـة المنطقيـة هي مملكة داود في أقصى اتساعها، وهكذا!
8 ـ ويضيف صبري جريس أن هناك حدود إرتس يسرائيل الطبيعية، وتضم مزيداً من الأراضي، وهي أكبر قليلاً من الحدود الأصلية، وتصل مساحتها إلى نحو 59 ألف كيلو متر مربع، منها نحو النصف غربي نهر الأردن (أرض إسرائيل الغربية)، والنصف الآخر شرقي النهر (أرض إسرائيل الشرقية). وتجدر الإشارة إلى أن حدود المنطقة التي طلبت المنظمة الصهيونية العالمية (من مؤتمر الصلح في باريس سنة 1919) الاعتراف بها "وطناً قومياً لليهود" متسقة مع التعريف الأخير لحدود أرض إسرائيل. 
والواقع أن مفهوم الحدود الطبيعية هو بكل تأكيد نتاج عملية علمنة المفهوم الديني القديم، إذ أن الدفاع عن هذه الحـدود الطبــيعية المقدَّسة يمكن أن يتم من منظـور دينــي باعتبار أنه ورد في التوراة ومن منظور غير ديني باعتباره شيئاً طبيعياً نابعاً من الضرورات الطبيعية. ولكن الحاخام تسفي كوك، زعيم جوش إيمونيم الروحي، حسم المسألة تماماً حينما طرح المسألة برمتها داخل الإطار الحلولي وقال: "إن الجيش الإسرائيلي هو القداسة بعينها"، فكأن هذا الجيش هو مركز الحلول الإلهي في الكيان الصهيوني والتعبير المتبلور عن إرادة الثالوث الحلولي. ولذا فليس غريباً أن يصرح بن جوريون بأن خير مفسر للتوراة هو الجيش الإسرائيلي، فهو الذي سيقرر حدود إرتس يسرائيل، وهو وحده الذي سيضع حداً للتوسعية الصهيونية. وقد صرح أفنيري بأن ما يحدد حدود الأرض الآن ليس الوعد الإلهي، وإنما قوة إسرائيل العسكرية الذاتية على أن تقوم المؤسسة الدينية باقتباس الديباجات الدينية اللازمة بعد الفعل. 
ومما هو جدير بالذكر أن اللغة العبرية الحديثة لا تعرف كلمة «فلسطين». وهذا يتفق مع التصور الديني اليهودي الذي يرى أن الأرض لا وجود لها إلا بالإشارة إلى اليهود والتاريخ اليهودي. ولهذا، فكلما أشار يهودي إلى فلسطين، فإنه إنما يشير إلى «إرتس يسرائيل». والواقع أن هذا المفهوم الديني الحلولي هو أساس بعض الشعارات الصهيونية مثل «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، باعتبار أن الأرض هي إرتس يسرائيل التي حلَّ فيها الإله، ومن ثم فلا وجود حقيقياً لها إلا بالإشارة إلى الشعب اليهودي المقدَّس الذي لا يستطيع أن يحقق ذاته إلا في هذه الأرض المقدَّسة، ومن ثم فإن وجود اليهود في بلاد العالم المختلفة واستقرارهم فيها ليس وجوداً أو استقراراً وإنما هو غياب وتجوال. 
ويصر الصهاينة، ومنهم مؤلفو الكتابات التي يُقال عنها «علمية» مثل واضعي الموسوعة اليهودية، على عدم الإشارة إلى فلسطين إلا باعتبار أنها إرتس يسرائيل وكأنها مكان مقدَّس لم تطرأ عليه أية تغيرات تاريخية سكانية، وما حدث من تغيرات فهو طارئ، ولا يمس الجوهر الساكن المقدَّس الذي لا يتغيَّر. وقد أكد مناحم بيجين هذه النقطة في حديث له في إحدى مزارع الكيبوتس التابعة للمابام، حيث أخبر أعضاء الكيبوتس بأن اليهود لو تحدثوا عن «فلسطين»، بدلاً من «إرتس يسرائيل»، فإنهم يفقدون كل حق لهم في الأرض لأنهم يعترفون ضمناً بأن هناك وجوداً فلسطينياً. ومما يجدر ذكره أن كلمة «يسرائيل» تُستخدَم للإشارة إلى أرض فلسطين، وكذلك إلى أعضاء الجماعات اليهودية في العالم لتأكيد الوحدة المقدَّسة بينهما. وتُستخدَم كلمة «صهيون» في بعض الكتابات الدينية للإشارة إلى إرتس يسرائيل. 
وتتفاوت البرامج الصهيونية وتختلف فيما يختص بحدود الأرض الواجب ضمها، فهناك صهيونية الحد الأقصى التي تُطالب بإسرائيل الكبرى التي قد تمتد من النيل إلى الفرات. وهناك صهيونية الحد الأدنى التي تكتفي بالأراضي التي تم احتلالها عام 1948 وبعض الأراضي التي ضُمَّت عام 1967. وثمة جدل دائر الآن بين ما يُسمَّى «صهيونية الأراضي» أو «الصهيونية الجغرافية» (مقابل «الصهيونية الاجتماعية» أو «السكانية»). الأولى تصر على الاحتفاظ بكل الأراضي التي ضُمَّت وتصر على عدم التنازل ولو عن شبر من الأرض أياً كانت النتيجة وتطالب بطرد العرب منها. أما الصهيونية السكانية (الديموجرافية)، فتخشى من أن ضم الكثافة السكانية العربية سيؤدي إلى أن تفقد الدولة الصهيونية طابعها اليهودي، وترى أن السبيل الوحيد هو التخلص من العرب عن طريق التنازل عن الأراضي التي تتركز فيها الكثافة السكانية العربية (غزة وأجزاء كبيرة من الضفة الغربية). وقد أصدر الحاخام عوبديا يوسف، حاخام السفارد السابق، فتوى مفادها أنه يمكن التنازل عن الأرض إذا كان في هذا حقن للدماء اليهودية. وقد سبَّبت فتواه هذه رد فعل عنيف بين دعاة ضم أرض إسرائيل الكبرى. 
ويتلاعب الصهاينة في تفسير معنى كلمة «أرض» حينما ترد في الوثائق الخاصة بوقف إطلاق النار والتي تنص على انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة. ولذا يصرون على أن قرار 242 يتحدث عن "أرض احتُـلت عام 1967" وليس عن "الأرض التي احتُـلت عام 1967". وبعد ذلك ظهر الحديث المراوغ عن "الأرض مقابل السلام" دون تحديد نوعية الأرض أو نوعية السلام. ثم تدرَّج الحديث ليصل إلى الإشارة إلى «الأرض المُتنازَع عليها» (بالإنجليزية: ديسبوتيد تيريتوري disputed territory) بدلاً من «الأرض أو الأراضي المحتلة» (بالإنجليزية: أوكيوبايد تيريتوري occupied territory). وقد يكون من المفيد في هذا السياق أن نذكر أطروحة كمال الصليبي، الذي يذهب إلى أن إرتس يسرائيل لم تكن في فلسطين أساساً. فهو يقرر "أن البيئة التاريخية للتوراة لم تكن في فلسطين بل في غرب شبه الجزيرة العربية بمحاذاة البحر الأحمر، وتحديداً في بلاد السراة بين الطائف ومشارف اليمن. وبالتالي، فإن بني إسرائيل من شعوب العرب البائدة، أي من شعوب الجاهلية الأولى". 
وقد اعتمـد الكاتب في بحثـه في الجغرافيـا التاريخيـة للتوراة على "المقابلة اللغوية بين أسماء الأماكن المضبوطة في التوراة بالحرف العبري وأسـماء أماكن تاريخيـة أو حاليـة في جنـوب الحجاز أو بلاد عسير" استناداً إلى الجغرافيين القدامى من العرب (الحموي ـ الهمداني) وإلى معاجم جغرافية وسكانية سعودية حديثة، وعلى خرائط الرحالة فيلبي. ويعلن الكاتب أن فرضيته لم تعتمد على علم الآثار برغم وفرة النقوش لغياب المسح الأثري والأبحاث الجادة. كما يستند إلى القرآن، الذي يوضح أن مقام إبراهيم في مكة ولا يشير إلى علاقة بني إسرائيل بفلسطين. وإذا كانت هذه الدراسة تستند إلى اللغات ونطق أسماء الأماكن على وجه الخصوص "فإنها ضرب من علم الآثار لأن أسماء الأماكن هي في الواقع آثار". وأخيراً، استند الكاتب إلى الرحالة اليونانيين في مشاهداتهم عبر الجزيرة قبل الميلاد، والذين أُهملت ملاحظاتهم عندما رُكِّبت جغرافية التوراة في فلسطين.
التوسعية الصهيونية والوطن الفلسطيني 
Zionist Expansionism and the Palestinian Homeland 
«التوسعية الصهيونية» ليست أمراً عرضياً دخيلاً على الرؤية الصهيونية وإنما هي سمة بنيوية فيها. وقد أعلن أحد أعضاء حركة إسرائيل الكبرى معارضته قرار الأمم المتحدة رقم 242 على أساس أنه قد يسفر عن خنق الصهيونية "وهي في ذروة اندفاعها". فالانتصارات الصهيونية هي التي أعطت دفعة قوية لحركة الهجرة من الاتحاد السوفيتي، وذلك على عكس الانسحاب من الأراضي الذي يتسبب في ضعف الصهيونية ووهنها. وأضاف: إن التوسع الصهيوني هو الذي يعطي المجتمع الإسرائيلي معنى وهدفاً. 
ويمكن تفسير هذا الوضع بالإشارة إلى العناصر التالية: 
1 ـ نبتت الصهيونية في تربة إمبريالية غربية ترى أن العالم إن هو إلا مادة يغزوها الإنسان ويوظفها لصالحه. وعملية الغزو هذه عملية تستمر إلى ما لا نهاية، ذلك أن عقيدة التقدم علَّمت الإنسان الغربي أن التقدم لا نهائي وأن المادة التي سيقوم بغزوها هي الأخرى لا متناهية. 
2 ـ طرحت الصهيونية نفسها على أنها ستقيم دولة الشعب اليهودي بأسره، وهو ما يعني أن عملية نَقْل السكان التي تنطوي عليها الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة يمكن أن تستمر إلى أن يتم نقل كل يهود العالم، كما يعني الشره المستمر للأراضي. 
3 ـ أحد عناصر الثالوث الحلولي الصهيوني هو الأرض، بل إن بعض الاتجاهات الصهيونية تعطيه أولوية على كل العناصر الأخرى، ولكن حدود هذه الأرض غير معروفة المعالم على الإطلاق ولم يتم الاتفاق بشأنها. 
4 ـ الأرض هي المصدر الأساسي لتدفُّق فائض القيمة على الكيان الاستيطاني (وبخاصة قبل عام 1948)، وهي القاعدة التي سيؤسَّس عليها الجيب الاستيطاني، وكلما اتسعت هذه القاعدة ازداد تدفُّق فائض القيمة وازداد الجيب الصهيوني قوة. 
لكل هذا ليس من الغريب أنه بعد انتهاء المؤتمر الصهيوني الأول قام أحد الصحفيين بنصيحـة هرتزل بأن يدرس برنامـج فلسـطين الكـبرى قبل أن يفوت الأوان، بحيث يمكن وضع عشرة ملايين يهودي فيها. وقبل ذلك، كان الصهـيوني غير اليهـودي، وليام هشـلر، قد طلب من هرتزل، في 26 أبريـل 1896، أن يتبنَّى الشعار التالي ويروجه كشعار للدولة اليهودية: "فلسطين داود وسليمان". ويبدو أن الاقتراح قد ترك انطباعاً إيجابياً لدى الزعيم الصهيوني، ذلك أنه، بعد عامين، حدد منطقة الدولة اليهودية على أنها تمتد من نهر مصر إلى الفرات. وقد ردد الحـاخام فيشـمان (عضو الوكالة اليهودية) هذا الشعار في 9 يوليه 1947، أثناء شهادته أمام لجنة التحقيق الخاصة التابعة للأمم المتحدة، فقال: الأرض الموعودة تمتد من نهر النيل حتى الفرات، وتشمل أجزاء من سوريا ولبنان. وهذا يوضح أن شعار "من النيل إلى الفرات" ليس مجرد فرية عربية وليس نتاج العقلية التآمرية، وإنما هو جزء من التصور الصهيوني. 
ومع هذا، ينبغي على المرء ألا يأخذ صيغة "من الفرات إلى النيل" هذه بجدية تامة، فهي لا تعدو أن تكون أحد الأحلام الصهيونية. ولكن، ومع ذلك، يجب ألا يهمل المرء أوهام العدو عن نفسه كلياً، فهي تعطينا مؤشرات عن نيته وعن تصوره لحدود حركته. وعلى كلٍّ، فإن ما يهمنا في السياق الحالي ليس الحدود الجغرافية أو التاريخية الوهمية للدولة الصهيونية وإنما الذهنية الصهيونية التوسعية نفسها. وقد يكون من الأفضل أن نأخذ بعين الاعتبار الكلمات التي سجلها هرتزل في يومياته حين قال: كلما زاد عدد المهاجرين اتسعت رقعة الأرض، أي أنه لم يُعرِّف حدود الأرض بشكل قاطع، وإنما آثر أن يحتفظ بحدود مطاطية تتغير بتغير القوة الذاتية الصهيونية، التي عرَّفها هو بتزايد عدد المهاجرين. ورؤية هرتزل هي الرؤية التي تبناها الصهاينة بعد ذلك. 
ولا يختلف ذلك عن رؤية رعنان فايتس رئيس قسم الاستيطان في الوكالة اليهودية إذ يقول: "إن مخططي الاستــيطان الصهــيوني عملوا على أســاس أن حدود المستقبل للدولة اليهودية يجب أن تعيَّن من خـلال أنظمة من المستـوطنات السكانيــة، تبدأ كنقــاط استيــطانية وتأخذ بالتوسع لأكبر مساحة من الأرض وجمع أكبر عدد من يهود العالم وتركيزهم في (إسرائيل) من خلال عملية انقلاب ديموجرافي يحل من خلالها اليهود محل المواطنين العرب". وهكذا يرتبط الاستيطان بالتوسع بالإحلال. وهذه الرؤية هي التي تم تطبيقها في نهاية الأمر في فلسطين المحتلة قبل وبعد عام1948 وقبل وبعد عام1967، حيث تأخذ التوسعية الصهيونية في ظروف الكثافة السكانية العربيةشكل الزحف من قبل المستوطنات المختلفة التي يتم تشييدها ويتم تسمينها وتوسيعها لتطويق العرب داخل معازل. 
والطريف أن هذا التصوُّر الصهيوني لا يختلف كثيراً عن التصوُّر التقليدي لبعض الحاخامات اليهود الذين شبهوا الأرض بجلد الإبل الذي ينكمش في حالة العطش والجوع ويتمدد بالشبع والري، فالأرض المقدَّسة تنكمش إذا هجرها سـاكنوها من اليهـود وتتمدد إن جاءها اليهود من كل بقاع الأرض. ويبدو أن القيادة الصهيونية، منطلقة من تصورات سياسية شبيهة، آثرت عدم إعلان دستور للدولة الصهيونية حتى يُترَك المجال مفتوحاً أمام التوسع اللانهائي، ذلك لأن الدستور (الرسمي) يتطلب رسماً دقيقاً للحدود. 
ويُقدِّم عضو الكنيست السابق الصحفي أوري أفنيري قراءة ذكية لتاريخ الدولة العبرانية في الماضي وتاريخ الدولة الصهيونية في الحاضر، فيبين أن قيامهما لم يكن يستند إلى قوتهما الذاتية وإنما إلى ضعف الشعوب القاطنة في فلسطين (الكنعانيين في الماضي والعرب في الحاضر). ثم يذكر أفنيري أن ما يدفع الصهاينة ويقرر حركتهم ليس الدافع العقائدي (الآخذ في الضمور) وإنما موازين القوى وحسب. ومن ثم، فإن العقيدة الصهيونية ليست سوى مسوِّغ يتلو "خلق الحقائق الجديدة". ولذا، فإنه يتنبأ بأن التوسع الصهيوني لن يتوقف ما دام هناك فراغ بسبب الغياب العربي، ويتنبأ بأن هذا التوسع سيـستمر حتى يتخـطى حدود إسرائيل الكبرى نفسها إذا سنحت الفرصة، أي أن القوة الذاتية الصهيونية (لا الأوهام العقائدية) هي التي تحدِّد مدى التوسعية الصهيونية. إن كون إسرائيل كياناً توسعياً في جوهرها يجعلها لا تعدم الذرائع والمبررات المختلفة للتوسع، بل إن هذه الذرائع تصير ضرورة لتسويغها التوسع وإضفاء نوع من الشرعية الشكلية عليه. وعندما تلوح الفرصة (المتمثلة في ميل موازين القوى بمعناها الشامل لصالحها) لتوسيع الحدود يتم اتخاذ الوسائل التي تحقق ذلك، فالفكرة الصهيونية قائمة على التوسع والاستيلاء على الأرض.
وقد قال ديفيد بن جوريون في المقدمة التي كتبها لتتصدر الكتاب السنوي لحكومة إسرائيل عام 1952 إن "دولة إسرائيل قد قامت فوق جزء من أرض إسرائيل" وهو ما يؤكد كون التوسع الصهيوني في طليعة الأهداف التي تجاهر بها إسرائيل، حيث كانت حدود "الوضع الراهن" بعد التوقيع على اتفاقيات الهدنة تبقى في نظر بن جوريون أشبه بالحدود الانتقالية أو المؤقتة، طالما أن حدود الدولة لم تأت مطابقة لحدود الأمة المنشودة. فالخريطة التي رسمتها الصهيونية لمملكتها الموعودة ما زالت أوسع بكثير من المساحات التي تم احتلالها والاستيلاء عليها بقوة السلاح. وينتقد بن جوريون افتراض وجود حدود تاريخية وطبيعية ثابتة للدولة، فالحدود تتغيَّر وفق تغيُّر الظروف والمراحل الزمنية المختلفة. ولذا لابد من إعادة النظر في مصطلح «حدود طبيعية»، فهو يرى أن الظروف الطبيعية قد تجبر الدولة على إعادة النظر مرة أخرى في تعيين حدودها الطبيعية واستبدال حدود جديدة بها كلما دعت الضرورة. ومما يجدر ذكره أن الصهيونية قد عرفت تيارات مختلفة، ولكن قيادة المشروع الصهيوني تدور في إطار نوع من الإجماع الصهيوني الذي لا يختلف بشأن مبدأ التوسع نفسه وإنما بشأن وسيلته وشكله. ورغم أن الظروف السائدة بعد حرب 1956 لم تسمح بترسيخ السيطرة الصهيونية على المناطق المحتلة في غزة وسيناء، فإن حرب 1967 ـ وما ترتَّب عليها من احتلال الأراضي العربية في سيناء والجولان والضفة الغربية وغزة ـ شكلت منعطفاً بارزاً في تاريخ التوسع الصهيوني باعتبار أن الكيان الصهيوني حقَّق أقصى اتساع له ووصل إلى الحدود الآمنة. 
ويجب التنبيه إلى أن التوسعية الصهيونية ليست مقصورة على الأراضي العربية التي تقع خارج حدود الدولة الصهيونية، فهناك التوسع الداخلي من خلال مصادرة الأراضي العربية. (انظر: «الاستيطان الصهيوني قبل عام 1948: تاريخ» ـ «الاستيطان الصهيوني بين عامي 1948 و1967: تاريخ» ـ «الاستيطان الصهيوني منذ عام 1967 وحتى الثمانينيات: تاريخ»). وثمة خللٌ أساسي في التوسعية الصهيونية، فالقاعدة السكانية لا يمكن أن تتسع بنفس القدر الذي تتسع بها قاعدتها الجغرافية إن صح التعبير، ولذا فإن ضم الأراضي يعني أيضاً ضم عناصر عربية غير يهودية آخذة في التكاثر وفشلاً في خلق الكثافة السكانية اليهودية التي يتم التوسع باسمها، وهو ما يخلق "مشكلة سكانية" للكيان الصهيوني ويُشكِّل خطراً على الطابع اليهودي للدولة الصهيونية. ولذا، فإن الاستعمار الصهيوني يفقد إحلاليته ويتحول إلى استعمار مبني على التفرقة العرْقية (الأبارتهايد). ومعنى ذلك أنه قد ظهر تناقض عميق بين طابع الدولة الصهيونية الإحلالي وبين طابعها التوسعي. 
ومع تناقُص معدلات الهجرة اليهودية إلى إسرائيل وزيادة معدلات النزوح إلى الخارج، ومع اندلاع الانتفاضة وفشل الصهاينة في قمعها، ظهرت نواة داخل الكيان الصهيوني ترى أن التوسع وضم الأراضي قد يضر بطبيعة الدولة اليهودية لأن الأراضي العربية تأتي معها كثافة عربية سكانية. ومن هنا ظهر التناقض بين الصهيونية السكانية (أو الديموجرافية أو السوسيولوجية) من جهة، ومن جهة أخرى صهيونية الأراضي. ويرى أنصار الصهيونية السكانية أنه لابد من الفصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو ما يعني وقف المشروع الصهيوني التوسعي، والسماح بقدر من الحكم الذاتي الفلسطيني يساهم في واقع الأمر في عزلهم عن الإسرائيليين ويحتوي القنبلة الديموجرافية المتوقعة. إزاء ذلك تم طرح مشروع آلون كنموذج لسائر المشاريع الصهيونية التي كانت تسعى وراء حل وسط يجمع بين الحد الأقصى من "الأمن" و"الأرض" والحد الأدنى من السكان الفلسطينيين العرب الذين يعيشون تحت الحكم الإسرائيلي بحيث تتم إقامة حكم ذاتي للفلسطينيين في بعض مناطق الضفة الغربية وغزة، وتسلَّم المناطق الآهلة بكثافة سكانية عربية إلى إدارة عربية. ويُعتبَر اتفاق أوسلو (سبتمبر 1993) تطبيقآً لفكرة منح الفلسطينيين حكماً ذاتياً في الضفة وغزة مع نمو اتجاه متزايد داخل إسرائيل نحو الفصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، عن طريق عزل الفلسطينيين في "كانتونات" مُحاصَرة بالمستوطنات والطرق الالتفافية التي تحميها القوات العسكرية الإسرائيلية. وعلى الرغم من هذا يمكن القول إن اتفاقية أوسلو قد فرضت حدودا على الدولة الصهيونية لأول مرة فى تاريخها. 
ويوجد اتفاق عام بين جميع هذه المشاريع على عدم الانسحاب الكامل، وعلى ضم أجزاء مهمة إلى إسرائيل بصورة نهائية، في حين أنها تعتبر ضم القدس أمراً مفروغاً منه ولا رجعة فيه، وبالنسبة لمرتفعات الجولان، فهناك إجماع شبه كامل على عدم الانسحاب منها أو الانسحاب بشروط تعجيزية تضمن التطبيع والأمن الكاملين لإسرائيل. وعلى الجانب الآخر هناك عدد من الإسرائيليين،من اليمين الديني والعلماني، يرفض بصورة مطلقة التنازل عن أية منطقة ضمن حدود أرض إسرائيل التاريخية، أرض إسرائيل من البحر حتى النهر، ويعرض فكرة الترانسفير وطرد العرب كوسيلة للتغلب على العقبة السكانية التي تقف دون الضم الرسمي، وهذا ليس بجديد أو بمستعص على الفكرة الصهيونية، مع إمكانية قيام إسرائيل بشن حرب جديدة تدفع في إطارها ـ كما فعلت في الحروب السابقة ـ مئات الآلاف من العرب إلى مغادرة المناطق المحتلة إلى الأردن خاصة.
يتبع إن شاء الله...


الباب الثانى: التوسع الجغرافي أم الهيمنة الاقتصادية؟  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48361
العمر : 71

الباب الثانى: التوسع الجغرافي أم الهيمنة الاقتصادية؟  Empty
مُساهمةموضوع: الحدود التاريخية والأمنية والاقتصادية    الباب الثانى: التوسع الجغرافي أم الهيمنة الاقتصادية؟  Emptyالسبت 15 مارس 2014, 8:15 am

الحدود التاريخية والأمنية والاقتصادية 
Historic, Economic and Security Borders 
تتسـم الصهـيونية بأنها أيديولوجية تنفي كلاً من التاريخ والجغرافيا. فهي تحاول إلغاء تواريخ الجماعات اليهودية في العالم وتاريخ الفلسطينيين في فلسطين حتى تحقق الترانسفير المطلوب: نقل اليهود من المنفى إلى فلسطين، ونقل الفلسطينيين من فلسطين إلى المنفى. ولكن الترانسفير لا يتم في الزمان وحسب، وإنما يتم في المكان (الجغرافيا). وإذا كانت الصهيونية قد ألغت الحدود التاريخية فهي قد ألغت أيضاً الحدود الجغرافية حتى يمكن القول بأن إسرائيل دولة "بلا حدود" فحدودها تقف مؤقتاً عند آخر موقع عسكري تحتله بانتظار أن تتقدم إلى موقع جديد. وقد استخدمت إسرائيل نظرية الأمن كوسيلة للتوسع من أجل الوصول إلى "الحدود الآمنة"، ولذلك لا يوجد دستور للدولة ينص على حدود سـياسية معيـنة. وبصفـة عامة لم يكن الإسرائيليون، إجمالاً، راضين عن حدود الكيان الصهيوني، كما حددتها اتفاقات الهدنة لسنة 1949، وهي الاتفاقات التي جاءت أصلاً لتكرس الأمر الواقع الذي فرضته القوة الصهيونية. 
ويميِّز موشيه ديان بين "الحدود الدائمة" و"الحدود التي تضمن السلامة" أو "الحدود الآمنة"، فالسلام يعتمد على "نوع الحدود وطبيعتها"، وهو ما يتفق في التمييز الصهيوني بين "خطوط الهدنة وخطوط وقف إطلاق النار من جهة" والحدود "الطبيعية" و"الآمنة" و"التاريخية" من جهة أخرى. فالصهيونية نظرت إلى الأراضي العربية التي تطمع في السيطرة عليها باعتبارها "الأجزاء المحتلة من الوطن القومي اليهودي" أو "الأقسام المتممة لأرض إسرائيل التاريخية"، وما أن استتب الأمر للعدوان وتوطدت أقدام الاحتلال حتى تم الترويج للحديث عن "المناطـق المحررة"، والمطالبة بتأمين حدود طبيعية تضمن الســلام وتسـد الحاجـات الاقتصادية. وقد نظر القادة الصهاينة إلى حدود الهدنة التي كانت قائمة عام 1949 (احتلال النقب الأوسط والجنوبي والجليل الأعلى وإيلات [قرية أم الرشراش المصرية]) على أنها تفتقر إلى العمق الإستراتيجي حيث لا يتجاوز عرض إحدى النقط الدقيقة بين الضفة الغربية حيث كان يتواجد الجيش الأردني وساحل البحر المتوسط 12 ميل. 
وبعد حرب 1967 اعتبرت إسـرائيل أنها وصلت إلى "الحـدود الآمنة"، وهو المصطلح الذي نشأ من حرص القادة الصهاينة على إيجاد مسوغ لتبرير السيطرة على الأراضي العربية المحتلة إبان حرب 1967، ويُعرِّفها إيجال آلون بأنها: "الحدود السياسية التي تعتمد على عُمق جغرافي وحواجز طبيعية كالحواجز المائية والجبلية والصحراوية والممرات الضيقة التي تحول دون تقدُّم القوات البرية الآلية". وهو لا شك يقصد بالحواجز المائية قناة السويس ونهر الأردن ونهر الليطاني، ويقصد بالحواجز الجبلية هضبة الجولان، وبالحواجز الصحراوية والممرات الضيقة سيناء وممراتها، فهذه الحواجز الطبوغرافية توفر لإسرائيل عمقاً إستراتيجياً يمكِّنها من الرد المناسب على أي هجوم عربي. 
وللدلالة على أهمية هذه الأراضي بالنسبة لإسرائيل صرَّح إسحق رابين رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بعد حرب 1967 بأن "إسرائيل سوف ترتكب غلطة تاريخية، فيما لو تخلت عن المكاسب الإقليمية التي حققتها". ويؤكد "أننا وصلنا في حرب يونيه إلى خطوط عسكرية مثالية تعتبر في الوقت الحاضر أهم ما حققنا". والشرط الأساسي الذي وضعه رابين لتخلِّي إسرائيل عن بعض مكاسبها أو "انسحابها إلى خطوط أكثر تقلصاً من حدود يونيه 1967" ليس إلا اعتراف العرب بوجود إسرائيل". ومن الواضح أن الانسحاب الكامل مسألة غير واردة في مخططات إسرائيل، ويعتبره رابين غلطة تاريخية. والسلام الذي تحدَّث عنه رابين لا يختلف كثيراً عن التسليم بالأمر الواقع والاستسلام لشروط إسرائيل ومطالبها التوسعية تحت ستار "الحدود الآمنة" وإغراء تقليص "الحدود الحالية" بعض الشيء. 
ويمكن القول بأن نظرية الحدود الآمنة لم تكن مُدرَجة في المفهوم الإسرائيلي قبل حرب 1967 حيث كانت إستراتيجيتها تعتمد على "الضربة الأولى الهجومية" أو "الحرب الاستباقية" و"نقل الحرب إلى أرض العدو"، ولكن انتصار 1967 وتبنِّي نظرية "الحدود الآمنة" دفعها إلى اعتماد إستراتيجية "الدفاع الثابت المرن أو الإيجابي" مع "إستراتيجية الردع". ولكن حرب 1973 نسفت كل آمال إسرائيل وأحلامها بحدود آمنة، وثبت بشكل قاطع أن كل الخطوط الدفاعية التي اعتمدت فيها إسرائيل على هذه الحدود واعتبرتها آمنة فشلت عند أول تجربة لها في حرب 1973، وهو ما جعلها تعود إلى إستراتيجيتها القديمة والأصيلة القائمة على الحرب الإجهاضية أو الاستباقية ونظرية "الردع" و"ذرائع الحرب". 
إلا أن نظرية "الحدود الآمنة" ظلت رغم فشلها تحتل في الإستراتيجية الإسرائيلية مركزاً مهماً باعتبارها التبرير الوحيد لاحتفاظ إسرائيل بالأراضي المحتلة. ويبدو بشكل واضح أن هذه النظرية أصبحت جزءاً من الإستراتيجية السياسية الإسرائيلية أكثر من كونها جزءاً من العقيدة العسكرية، فقد تحوَّلت "الحدود الجغرافية" الآمنة إلى "حدود سياسية" آمنة، فأصبح من المهم لأمن إسرائيل أن تتدخل في شأن كل بلد عربي سواء كان مجاوراً لها أو غير مجاور ومن المحيط إلى الخليج، باعتباره بؤرة معادية لهـا. وهكذا يصبح مفهـوم الأمن الإسرائيلي مزدوجاً، فهو مفهوم سياسي بمعنى أن لإسرائيل الحق في إبداء رأيها في أية مشكلة تخص العالم العربي كله باعتبار أن هذه تؤثر في أمن إسرائيل، ومفهوم جغرافي بمعنى أن لإسرائيل الحق في الوصول إلى "حدود آمنة ومُعترَف بها" وأنها وحدها تحتفظ بحق تحديد هذه الحدود ورَسْمها. 
وقد لحقت تطورات مهمة بمفهوم الحدود في الفكر الصهيوني وتتمثل أهم هذه التطورات في ازدياد أهمية الصواريخ الباليستية باعتبار أنها تُضعف أهمية الحدود الطبيعية والعمق الإستراتيجي. ولكن أهمية هذا المتغير ليست حاسمة لدى جميع التيارات الصهيونية، كما برزت مفاهيم مثل "المنطقة الأمنية" في جنوب لبنان، و"المنطقة منزوعة السلاح" في سيناء، والمفاوضات على جعل الجولان منطقة منزوعة السلاح، وذلك مقابل تخفيض حجم ونوع الجيوش العربية، وفي الواقع فليس هناك ما يمنع الجيش الإسرائيلي من اجتياز تلك المناطق إذا اقتضت الاعتبارات الأمنية الإسرائيلية. وتكشف هذه التطوُّرات عن وجود اقتناع إسرائيلي بأن إسرائيل لن تكون آمنة سواء احتفظت بالأراضي أو تخلت عنها، وأن أية حدود لن تكون آمنة إن لم تكن نابعة من اعتراف وتسليم عربيين بوجود إسرائيل في المنطقة. وهذا ما لم يتم حتى الآن لأن إسرائيل قائمة على الأُسس والمبادئ الصهيونية. وقد حاولت إسرائيل قدر استطاعتها أن تحتفظ بحدودها الأمنية الجغرافية والديموجرافية عبر بنود اتفاق أوسلو. 
ولذا يُقسِّم هذا الاتفاق الأراضي الفلسطينية إلى ثلاثة قطاعات: أ، ب، جـ. 
ـ القطاع (أ):
يشمل المدن الفلسطينية الست الكبيرة في الضفة، وهي جنين ونابلس وطولكرم وقلقليلة ورام الله وبيت لحم والخليل، وتصل مسـاحتها إلى نحو 3% من مسـاحة الضفة الغربية وتضم 20% من السكان، وقد تم الانسحاب الإسرائيلي منها بعد تأخير وتأجيل، وبعد الاحتفاظ بـ 20% من أرض الخليل لتقيم فيها 400 مستوطن صهيوني. وفي هذه المناطق ستكون للمجلس الفلسطيني المسئولية الكاملة عن الأمن الداخلي والنظام العام والمسئوليات المدنية. 
ـ القطاع (ب): 
ويُشكِّل 27% من الأراضي الفلسطينية ويضم 450 بلدة وقرية تتولَّى إسرائيل بموجبه سلطة الأمن العليا لحماية مواطنيها ومكافحة الإرهاب، وتكون لهذه السلطة الأسبقية على المسئولية الفلسطينية المدنية ومسئولية النظام العام، وإقامة 25 نقطة شرطة فلسطينية في مدن وقرى محددة. 
ـ القطاع (جـ):
وهو تحت إدارة إسرائيلية منفردة ويضم 70% من الأراضي الفلسطينية وفيه حوالي 136 ألف مستوطن، فيشمل المناطق غير المأهـولة والمسـتوطنات والمناطق ذات الأهمـية الإسـتراتيجية لإسرائيل. وكان من المفترض أن يكتمل الانسحاب من القطاعين ب، جـ حسب الاتفاق بعد 18 شهراً من انتخاب المجلس التشريعي (يناير 1996) أي ينتهي في يوليه 1997، وهو ما لم يتم على أرض الواقع. ويعتبر التطور الأكثر أهمية بروز فكرة الحدود الاقتصادية لتمتد حدود الدولة الصهيونية فتشمل أية منطقـة تمثل لها مصلحة اقتصادية. 
العلاقة الكولونيالية بين الاقتصاد الإسرائيلي وما تبقى من الاقتصاد الفلسطيني 
Colonial Relationship between the Israeli Economy and What is Left of the Palestinian Economy 
العلاقة الكولونيالية بين الدولة المستعمرة والدولة المستعمَرة علاقة غير متكافئة إذ تقوم الدولة المستعمرة بما تملكه من قوة عسكرية، بنهب الدولة المستعمَرة واستغلال ثرواتها وقدراتها الاقتصادية. وتشمل عملية النهب الاستعماري استغلال المواد الخام والثروات الطبيعية والطاقات البشرية، وبخاصة الأيدي العاملة، واعتبار البلد المستعمَر سوقاً لتصريف المنتجات والبضائع الفائضة عن حاجة الدولة المستعمرة. وتؤدي هذه العملية إلى تشويه اقتصاد البلد المستعمَر وإضعاف هياكله الإنتاجية ليصير في حالة تبعية كاملة لاقتصاد البلد المستعمر يستحيل عليه الفكاك منها. والاستعمار الصهيوني للأراضي العربية الفلسطينية نموذج بيِّن وكاشف لطبيعة هذه العلاقة الكولونيالية، علاوة على أنه استعمار استيطاني قائم على نَقْل اليهود من جميع أنحاء العالم إلى الأراضي المحتلة ليستنزفوا ثرواتها وإمكاناتها الاقتصادية على حساب سكانها العرب الأصليين، الذين يتم طردهم والاستيلاء على أرضهم وموارد المياه الخاصة بهم أو محاصرتهم في معازل، واستغلال طاقتهم البشرية كعمالة رخيصة وسوق مضمونة، مفتوحة أمام البضائع الإسرائيلية. وقد استهدفت السياسة الاقتصادية الإسرائيلية الحيلولة دون إمكانية قيام اقتصاد فلسطيني معتمد على نفسه. 
وقد تمكَّنت إسرائيل من إخضاع اقتصاديات الضفة الغربية وغزة بسبب سيطرتها العسكرية والمؤسساتية من جانب، ولكون اقتصادها أكبر حجماً وأقوى من الاقتصاد الفلسطيني من جانب آخر، فسنَّت من القوانين ما يكفل لها الهيمنة والسيطرة على الاقتصاد الفلسطيني، حيث تجري الحياة الاقتصادية في ظل الاحتلال تحت قيود صارمة. فالحكومة الإسرائيلية تسيطر على الموارد الأساسية والبنية التحتية في مجالات الأرض والمياه والكهرباء والطرق وأنظمة الاتصالات. 
لقد تحركت السلطات الإسرائيلية من أجل تحقيق أهدافها المتعلقة بإضعاف الاقتصاد الفلسطيني وإبقائه في حالة تبعية كاملة عبر مجموعة من الممارسات والإجراءات المتكاملة. فقامت من ناحية أولى بتقليص سيطرة الفلسطينيين على الموارد الطبيعية، فسيطرت السلطات الإسرائيلية على جميع مصادر المياه، بحيث إن الضفة الغربية لم تَعُد تستهلك إلا 15% ـ 20% من مياهها، أما الباقي فيُستخدَم في إسرائيل أو المستوطنات. وسيطرت السلطات الإسرائيلية على معظم الأراضي الفلسطينية عير المصادرة المستمرة، بحيث إنه كانت إسرائيل قد سيطرت بحلول عام 1994 على 68% من أراضي الضفة الغربية و40% من أراضي قطاع غزة. 
وقامت الدولة الصهيونية من ناحية أخرى بعرقلة النشاط الاقتصادي. فوضعت الإدارة العسكرية للأراضي المحتلة يدها على جميع مرافق النشاط الاقتصادي، وعلى أساس ذلك الإشراف، أصبح على كل من يريد إقامة منشأة اقتصادية أو توسيع منشأة قائمة أن يحصل على رخصة الإدارة العسكرية، التي غالباً ما كانت تماطل في منح التراخيص أو ترفضها تماماً. كما تم مضاعفة الضرائب على النشاط الاقتصادي. علاوة على ذلك فقد قامت سلطات الاحتلال بإغلاق المصارف العربية والأجنبية التي تعمل في الأراضي الفلسطينية عقب الاحتلال مباشرةً، ولم تسمح بالعمل إلا لفروع المصارف الإسرائيلية. وبذلك تحكمت إسرائيل في العمليات المصرفية والمالية، وأصبحت العملة الإسرائيلية هي النقد الرئيسي المتداول. 
ومن ناحية ثالثة تمت عملية سلب المصادر المالية الفلسطينية عبر قنوات ثلاثة تمثلت في الضرائب الجمركية على السلع المستوردة، وضرائب الدخل، والضمان الاجتماعي على العمالة الفلسطينية في إسرائيل. والعائد الذي تحصل عليه إسرائيل من جراء استخدام عملتها النقدية (الشيكل) عملة رسمية في الأراضي المحتلة أو ما يُسمَّى بـ «ريع السيادة». وقد بلغ مجموع هذه الاقتطاعات نحو 15% ـ 20% من حجم الناتج القومي الإجمالي الفلسطيني في العام الواحد. وتفيد تقديرات البنك الدولي أن ما دفعه الفلسطينيون من أموال الضرائب منذ أواسط الثمانينيات يفوق ما تنفقه إسرائيل في الأراضي المحتلة. 
وقامت السلطات الإسرائيلية من ناحية رابعة بتخريب البنية التحتية للاقتصاد الفلسطيني وإهمال المرافق والخدمات العامة، حيث انخفض حجم الإنفاق الحكومي كنسبة من الناتج القومي الإجمالي من 15% عام 1968 إلى 8% عام 1990 في الضفة، ومن 14% إلى 10% في غزة في الفترة نفسها. وعمدت السلطات الإسرائيلية ـ من ناحية أخرى ـ إلى السيطرة على التجارة الخارجية، ففرضت على الأراضي المحتلة اتحاداً جمركياً أحادي الجانب وغير متكافئ، بحيث تُمنح حرية تامة لدخول البضائع الإسرائيلية إلى أسواق الضفة والقطاع، مقابل فرض القيود على دخول البضائع الفلسطينية إلى الأسواق الإسرائيلية. ونتج عن ذلك قيام المستورد الفلسطيني باستيراد بضائع إسرائيلية بتكلفة تبلغ أضعاف ما هي عليه في البلاد المجاورة، كما نتج عنها حالة تبعية واضحة، فإسرائيل تستوعب 65% من الصادرات الفلسطينية، وتحصل على 90% من الوارادات إلى فلسطين. 
وقد ظلت التجارة بين الأراضي الفلسطينية المحتلة وإسرائيل في الأساس نشاطاً من جانب واحد. فالمنتجات الإسرائيلية تدفقت إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة من غير أية إعاقة، في حين فرضت قيود كثيرة لا تتعلق بالتعريفة الجمركية (الأمن ـ السلامة والصحة ـ الحظر على الواردات) على الصادرات الفلسطينية إلى إسرائيل، ولم يكن مسموحاً للفلسطينيين أن يستوردوا إلا من خلال إسرائيل. إن الاقتصاد الإسرائيلي مرهون بقيد السوق الذي يؤدي دور المحدد القسري الذي تحاول إسرائيل تجاوزه من خلال السياسة، فهناك أزمة فَيْض الإنتاج الناجمة عن التفاوت بين وتيرة نمو الطاقة الإنتاجية ووتيرة نمو الطاقة الاستهلاكية، فسعت إسرائيل إلى ربط اقتصاديات الضفة وغزة ربطاً وثيقاً بها، مع بقائهما منعزلتين من بعضهما البعض، وتبنت سياسة "الجسور المفتوحة" عبر إقامة وحدة جمركية وحيدة الجانب مع إسرائيل، ووضعت الحواجز والعراقيل لإضعاف القطاعات الإنتاجية الفلسطينية (الزراعة والصناعة). 
وظلت القطاعات الاقتصادية خاضعة لثقل سيطرة القوانين والسياسات الإسرائيلية، التي استخدمت تَحكُّمها في منح التراخيص لعرقلة النمو الصناعي عن طريق رَفْضها المتكرر منح التراخيص للفلسطينيين الراغبين في إنشاء مصانع. وأدَّت الأسعار المرتفعة الناجمة عن المصادرة المكثفة للأراضي الفلسطينية، والقيود المفروضة على استخدامها، وغياب النظام المصرفي الذي يؤمِّن التسليف، وفقر البنى التحتية والخدمات الداعمة للمشاريع إلى وَضْع المزيد من العراقيل أمام نمو قطاع الصناعة. وفي قطاع الزراعة أدت مصادرة الأراضي والتحكم في موارد الميـاه إلى فرض قـيود واسـعة على الزراعة الفلسطينية، وأدَّت المنافسة غير المتكافئة مع السلع الإسرائيلية إلى إضعاف قطاع الزراعة الفلسطينية، كما صارت شركات السياحة الفلسطينية ملحقة بالشركات الإسرائيلية أو الدولية. لقد أدى تراكم هذه التطورات إلى إحداث تشويه قطاعي في الاقتصاد الفلسطيني، حيث انكمش القطاع الصناعي وتراجع القطاع الزراعي، حتى أن حصة الصناعة والزراعة في مطلع التسعينيات كانت لا تتعدى 35% من الناتج القومي الإجمالي، مع أن متوسط حصة هذين القطاعين في البلاد النامية تزيد عن 50%. 
وبذلك تمكنت السياسة الإسرائيلية من تغيير بنية الاقتصاد الفلسطيني ليصبح تابعاً للاقتصاد الإسرائيلي وغير قابل لتكوين الأرضية الضرورية لدولة مستقلة. ولكنها، مع هذا، لم تتمكن من تحقيق هدفها الآخر الذي يتمثل في خلق ظروف اقتصادية في الأراضي المحتلة تساعد في إضعاف حوافز مقاومة الاحتلال. فانبعثت سياسة تفكيك الصلة بين الدخل الفلسطيني والإنتاج الفلسطيني، وفي الواقع فإن زيادة الدخل لم تتناقض مع التخريب البنيوي للاقتصاد ما دامت تلك الزيادة تأتي من مصادر خارجية. بل إن زيادة الدخل بالطريقة التي تمت بها أثناء الاحتلال شكلت آلية لإضعاف القطاعات الإنتاجية، فالعمالة الفلسطينية في إسرائيل تعمل بأجور أعلى من الأجور المتاحة في الاقتصاد الفلسطيني وهو ما أضعف القطاعات الإنتاجية عبْر رفع تكلفة الإنتاج وتغيير هيكل الأسعار بصورة غير ملائمة للإنتاج. 
لقد اعتمدت إسرائيل مجموعة من السياسات لتحقيق هدف إضعاف مقاومة الاحتلال عبر زيادة الدخل، فقامت بتشجيع اليد العاملة الفلسطينية على العمل داخل إسرائيل، واتبعت سياسة الجسور المفتوحة مع الأردن ليتمكن الفلسطينيون من تصدير بضائعهم إلى الأردن ومنه إلى العالم العربي، وكي يتمكن أصحاب الخبرات والمثقفين من السفر والعمل في الأردن وأقطار الخليج العربي. وتُعتبَر العمالة الفلسطينية إحدى نتائج السيطرة على الاقتصاد الفلسطيني. ويعود سبب إقبال إسرائيل على الاستعانة بالعمالة الفلسطينية إلى رفض الإسرائيليين القيام بالأعمال اليدوية والمتدنية، بسبب ارتفاع مستوى الدخل الذي يعود في جانب كبير منه إلى الاعتماد على المعونات الخارجية (وهو ما يشير إلى تراجُع المفاهيم الصهيونية مثل العمل العبري واقتحام الأرض والعمل والحراسة والإنتاج، وتصاعُد النزعة الاستهلاكية). ولجأ الإسرائيليون إلى الاستعانة بالعمالة العربية التي بلغت أكثر من مائة ألف فلسطيني، بما يمثل نحو 35% من العمال الفلسطينيين، وذلك بسبب تفشِّي البطالة. 
وأدَّت العمليات الفدائية والاستشهادية وعمليات المقاومة المسلحة، وخصوصاً في عامي 1993 ـ 1994، إلى انخفاض أعداد العمال الفلسطينيين بشكل حاد نتيجة سياسات الحظر والإغلاق. ولتعويض هذا النقص في الأيدي العاملة لجأت الحكومة الإسرائيلية إلى استيراد عمالة أجنبية من الخارج بخاصة من تايلاند ورومانيا ومصر. وأدَّى ذلك إلى وصول نسبة البطالة إلى معدلات كبيرة جداً في الضفة والقطاع، وصلت في قطاع غزة إلى نحو 60% أحياناً. وتوصف السياسة الإسرائيلية تجاه الاقتصاد الفلسطيني بأنها تعتمد على "الازدهار الشخصي والركود المجتمعي (إندفيديوال بروسبرتي آند كوميونال ستاجنيشن (individual prosperity and communal stagnation)، ويطلق عليها البعض «دي ديفيلوبمنت de-development»، أي أنها ممارسات تقود إلى نتائج معاكسة لعملية التنمية الاقتصادية، ويطلق عليها آخرون «إنترنال كولونياليزم internal colonialism» أو «الاستعمار الداخلي» الذي يختلف عن الاستعمار الخارجي على أساس أن أهدافه ليست عسكرية وسياسية فحسب، بل إنه يعمل بصورة رئيسية على محور اقتلاع السكان الأصليين وترحيلهم عن وطنهم، وفرض علاقة تبعية تقزيمية على أولئك الذين يبقون في الوطن. 
أما فيما يتصل بالفلسطينيين في الأراضي المحتلة قبل عام 1948 فقد مرت سياسة الاقتصاد الإسرائيلية تجاههم بعدة مراحل. فبعد أن كانت السياسة الإسرائيلية تقوم خلال فترة الحكم العسكري (1948 ـ 1966) على أساس منع أيِّ نشاط اقتصادي في المناطق العربية يهدف إلى إقامة اقتصاد عربي يعتمد على نفسه، أخذت هذه السياسة في الفترة الثانية 1967 ـ 1974 تُبدي بعض الاهتمام بالوضع الاقتصادي العربي وتجري محاولات بسيطة لدمجه في الاقتصاد الإسرائيلي. لكن المرحلة منذ عام 1976 التي تميَّزت بتنامي الوعي الوطني عند الأقلية العربية، أثبتت أن صانع القرار في إسرائيل لا يفكر في دمج الاقتصاد العربي في الاقتصاد الإسرائيلي، بل يعمل على اختراقه. ففي الوقت الذي بدأ فيه رأس المال الإسرائيلي في دخول المناطق العربية وإقامة مشاريع مشتركة مع العرب، تعاظم الاهتمام بموضوع الخطر السكاني وضرورة تهويد الجليل. 
ويمكن القول بأن السياسة الإسرائيلية ذات طبيعة احتوائية تجاه الفلسطينيين حيث صرفت جُل اهتمامها في أوائل السبعينيات إلى مسـائل وقضايا ثقافية واجتماعـية بـدلاً من التركيز على البُعْد الاقتصادي، محتجة بأن قصور النمو في القطاع العربي إنما يُعزى إلى تخلُّف الثقافة والقيم العربية. وبصفة عامة فإن الوضع الاقتصادي للفلسطينيين في إسرائيل يخضع لسياسة التمييز العنصري، حيث يتضح أن وجود العرب بشكل فعال في قطاعي الزراعة والصناعة محظور، فمن غير المسموح لهم الوجود في المؤسسات التعاونية الزراعية، كما أنهم لا يستطيعون العمل في أية شركة صناعية إسرائيلية لها علاقة بصناعة السلاح، كذلك لا يحق لهم العمل في المنشآت الحكومية المهمة. 
أما من ناحية الدخل، فهناك فارق كبير بين معدل دخل الأسرة اليهودية ومعدل دخل الأسرة العربية، وتقديرات عام 1983 تبيِّن أن معدل دخل الفرد العربي هو 46% فقط من دخل الفرد اليهودي. والعمال العرب ممنوعون من العمل في صناعة الإلكترونيات والمصنوعات الكهربائية وبناء السفن وصناعة الأسلحة التي تقع كلها تحت سيطرة المجمع العسكري/الصناعي في إسرائيل، وذلك لأسباب أمنية. ويشكل العمال العرب نحو 25% من عدد العمال غير المهرة في إسرائيل، ويعمل العامل العربي في متوسطه خمس ساعات أسبوعياً أكثر من نظيره اليهودي، ونسبة البطالة بين العمال العرب دائماً أعلى من نسبة اليهود. وقد حاول الشعب الفلسطيني ـ بنجاح جزئي ـ خلال الانتفاضة أن يفكِّك خيوط نسيج السيطرة الاقتصادية عن طريق مقاطعة البضائع الإسرائيلية ومقاومة دفع الضرائب، وتشجيع الإنتاج المحلي وهو ما أدَّى إلى حدوث تحسُّن ملموس في القطاعين الزراعي والصناعي بسبب سياسة الاعتماد على النفس. فمقاطعة السلع الإسرائيلية عملت على إضعاف التأثير السلبي للمنافسة غير المتكافئة، وتدعيم الإنتاج الفلسطيني، وبذلك نجحت الانتفاضة في جعل الاحتلال الإسرائيلي أكثر تكلفة من الناحية الاقتصادية. 
لقد أحدثت الانتفاضة تغييراً جذرياً في علاقة إسرائيل بالأراضي المحتلة إذ انقلب الاحتلال من عملية تعود على إسرائيل بالأرباح الاقتصادية إلى عملية مكلفة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وهو ما أدَّى بالسلطات الإسرائيلية إلى انتهاج أسلوب جديد منذ عام 1991، وهذا الأسلوب المتدرج والبطئ يهدف إلى الإنعاش الاقتصادي عن طريق رفع بعض القيود المفروضة على حرية النشاط الاقتصادي، وعن طريق مساعدة بعض المشاريع الزراعية والصناعية. ولكن الهدف الرئيسي للاحتلال ـ وهو ربط الاقتصاد الفلسطيني بعلاقة التبعية للاقتصاد الإسرائيلي ـ ما زال هدف السياسة الإسرائيلية الجديدة، فالاختلاف بين السياستين القديمة والجديدة لا يتعلق بالهدف وإنما بالأسلوب فقط. فالهدف مثلما كان في الماضي هو زيادة اعتماد الفلسطيني على مصادر خارجة عن الإنتاج الفلسطيني، لكن بدلاً من أن يتم ذلك عبر تشغيل الفلسطينيين في إسرائيل، تُقام مصانع في المناطق المحتلة لا يمكنها أن تنتج إلا باستخدام مواد أولية إسرائيلية، ولا أن تبيع إنتاجها إلا عن طريق وسائل التصدير الإسرائيلية. 
كما حاول المفاوضون الفلسطينيون إعادة التفاوض بشأن العلاقة الاقتصادية بين الأراضي الفلسطينية المحتلة وإسرائيل، ولكن الاتفاق الاقتصادي الفلسطيني/الإسرائيلي كرَّس واقع التبعية لإسرائيل، وذلك من خلال إعطاء لجنة إسرائيلية/فلسطينية مشتركة صلاحيات واسعة تنتقص من السيادة الاقتصادية في مناطق الحكم الذاتي، وأبقى الاتفاق أسواق الضفة وغزة مفتوحة بالكامل أمام السلع الإسرائيلية، وتم اعتماد الشيكل الإسرائيلي وقبوله قانونياً لتسوية المدفوعات، وأصبح لإسرائيل حق تحديد عدد العمال الفلسطينيين الذين يُسمَح لهم بالعمل لديها، وذلك رغم أنه أعطى الفلسطينيين هامشاً للحركة في بعض المجالات الاقتصادية. وبذلك يمكن القول بأنه في ظل اتفاق الحكم الذاتي فإن إسرائيل مستمرة في التمتع بصلاحية السيطرة على التطور الاقتصادي، وكما كان الأمر في السابق فإنها ستتصرف بما ينسجم مع نظرتها الخاصة إلى الوضع النهائي للمناطق المحتلة.
التوسـعية الصهيونيـة والمـياه العــربية 
Zionist Expansionism and Arab Waters 
تُعتبَر مصادر المياه العربية من أهم الموارد الطبيعية التي من أجلها تصرُّ إسرائيل على الاحتفاظ بالأراضي العربية. وتنظر دول الشرق الأوسط إلى المشكلة المائية بشكل عام من منطلق الحاجات القائمة ما عدا إسرائيل، حيث تنظر إلى المشكلة من زاوية عدم كفاية الموارد المائية القائمة حالياً لتلبية طموحاتها في مجال تهجير يهود العالم. ولذلك قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967 بوضع يدها على ما يتصل باستغلال موارد المياه وتوزيعها وإدارتها. وبناءً على ذلك، أصبحت موارد المياه السطحية والجوفية كافة تحت سيطرة الحاكم العسكري الإسرائيلي، الذي يتصرف فيها وفق الأهداف الإسرائيلية. 
شكَّل وضع المياه هذا أخطر عقبة أمام التنمية الاقتصادية/ الاجتماعية الفلسطينية؛ فهو بكل بساطة عملية نَهْب مستمر ومُبرمَج لموارد المياه الفلسطينية. إن مجموع إيرادات المياه السنوي يبلغ 700 مليون متر مكعب في الضفة الغربية، و60 مليون متر مكعب في قطاع غزة. وتنقل إسرائيل سنوياً إليها، أو إلى المستوطنات في الأراضي المحتلة، ما بين 515 مليون متر مكعب و530 متر مكعب؛ وهذا يعني أنها تقوم سنوياً بنهب ما نسبته 68% من المياه الفلسطينية. وقد أسفرت هذه السياسة الإسرائيلية عن حدوث ضَغْط شديد على موارد المياه الفلسطينية. ففي قطاع غزة هبطت مناسيب المياه الجوفية إلى أقل من منسوب إعادة التخزين الطبيعي، ونَجَم عن ذلك تردي نوعية المياه المتاحة من جراء المياه الملوثة والملحية. 
وتشير الإحصاءات الإسرائيلية إلى أن عدد السكان في إسرائيل عام 1994 بلغ حوالي 5.1 مليون نسمة، ومن المفترض ـ في ظل تزايد عدد السكان الملحوظ عما كان عليه في السنوات السابقة عبر التهجير المستمر ـ أن يكون دائم البحث عن موارد مائية جديدة، وهو ما يعني إمكانية اللجوء إلى العمليات الحربية للسيطرة على بعض منابع المياه في المنطقة كما حدث سابقاً. ومن هنا ينظر الإسرائيليون إلى مياه الضفة الغربية بوصفها مصادر أمن قومي لا يجوز التنازل عنها. وقد استمرت إسرائيل، في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، في التمسك بالسيطرة على المياه. وبدلاً من تخلِّي إسرائيل عن المياه في مناطق الحكم الذاتي فإنها ما زالت تصرُّ على ضرورة البحث عن مصادر جديدة خارجية لتزويد الضفة والقطاع، مشيرة بذلك إلى أن حقوق المياه في هذه المناطق إنما أصبحت إسرائيلية بحكم الاحتلال والأمر الواقع. ويؤكد رئيس لجنة المياه عن الجانب الإسرائيلي في المفاوضات المتعددة الأطراف كاتس عوز: "أن مياه الضفة الغربية كانت وستبقى إسرائيلية حتى بعد إقامة الحكم الذاتي". 
إسرائيل الكبرى جغرافياً أم إسرائيل العظمى اقتصادياً؟ 
Greater Israel: Geogaphically or Economically ? 
«إسرائيل الكبرى» مصطلح يتواتر في الأدبيات الصهيونية، بشكل كامن في كتابات المعتدلين وبشكل علني في كتابات من يُقال لهم «المتطرفون». و«إسرائيل الكبرى» مصطلح غير محدد المعالم يضم بكل تأكيد الأراضي الفلسطينية التي ضُمَّت عام 1967. ولكن بما أن حدود أرض الميعاد أو إرتس يسرائيل محل خلاف بين المفسرين، فإن المطالبين بضم كل أراضي إسرائيل يختلفون فيما بينهم حول ما يجب ضمه وما يجب تركه. ومفهوم إسرائيل الكبرى لم يَعُد مفهوماً مهماً في الفكر الإستراتيجي الصهيوني في إسرائيل، فظهور النظام العالمي الجديد قد غيَّر وظيفة إسرائيل وطبيعة دورها، ولم يَعُد ضم الأراضي مسألة حيوية بالنسبة لها، بل أصبح (من وجهة نظر بعض الصهاينة) عنصراً سلبياً. فإسرائيل تحاول الآن أن تلعب دوراً وظيفياً جديداً يتطلب منها التغلغل في العالم العربي بالتعاون مع بعض النخب الثقافية والسياسية العربية الحاكمة كجزء من عملية تدويل المنطقة وضمها إلى السوق العالمية والنظام العالمي الجديد. وهذا يتطلب أن تتخلى إسرائيل عن لونها اليهودي الفاقع وكل المتتاليات السياسية والعسكرية المرتبطة بهذا اللون. وإسرائيل الكبرى جزء من المتتالية القديمة التي طرحت إسرائيل كدولة يهودية غربية وقاعدة للاستعمار الغربي في العالم العربي تلعب دور الشرطي وتحـاول اغتصاب الأرض وطرد السـكان أو تسـخيرهم. أما إسرائيل الجـديـدة فهي جدُّ مختلفة. وكما قال بيريز: "إن الشعب اليهودي لم يكن هدفه في أي يوم السيطرة... إنه يريد فقط أن يشتري ويبيع وأن يستهلك وينتج. فعظمة إسرائيل تكمن في عظمة أسواقها". 
وقد حدث تحوُّل في اللهجة الصهيونية مثَّله بعض قادة حزب العمل واليسار الإسرائيلي مثل شيمون بيريز ويوسي بيلين ويوسي سريد. حدث هذا التحول في اتجاه التخلي عن نظرية "الحدود الجغرافية" واستبدال نظرية "الحدود الاقتصادية" بها، ويعود هذا التحوُّل إلى استنتاجهم أن القدرة على احتلال المزيد من الأرض العربية غير ممكن بدون التكلفة الباهظة للاحتلال المستمر وامتلاك الأقطار العربية أسلحة تهدد الأمن الإسرائيلي من جهة، ولعجزها عن إسكان الأراضي المحتلة بالمستوطنين اليهود من جهة أخرى. في ظل عجزها عن توفير الأمن لهم أولاً، ومتطلبات الحياة الاستيطانية ثانياً. 
إن الظروف الذاتية والموضوعية تستلزم استبدال نظرية مشروع "إسرائيل الكبرى" جغرافياً بمشروع "إسرائيل العظمى" اقتصادياً وسياسياً وتكنولوجياً بحيث يستطيع النفوذ والسيطرة الاقتصاديين أن يحققا الأهداف الصهيونية بصورة أكثر رسوخاً وأطول عمراً، وأقل كلفة وخسارة بشرية. أما مشروع إسرائيل الكبرى جغرافياً عندما يضم الفلسطينيين فإن جسمها يتلوث وتظل حبلى بالمشاكل والاضطرابات، وتبقى عرضة للمجابهات المسلحة مع الجيران، وللتوتر في علاقاتها الدولية وللأوضاع الاقتصادية المتقلبة ولانخفاض عدد المهاجرين إليها. فالطريق إلى إسرائيل الكبرى يمر عبر الحروب والمجابهات العسكرية، أما الطريق إلى "إسـرائيل العـظمى" فيمر عبر الدبلوماسية والتلويح بالقوة، فإسرائيل العظمى تظل محتفظة بتفوق عسكري نوعي قائم بالأساس على الرادع النووي. 
إن "إسرائيل العظمى" تقبل التنازل عن بعض الأراضي العربية المكتظة بالسكان، والتي تعتبرها حقاً تاريخياً وجزءاً من أراضي إسرائيل التوراتية ولكنها، كما يقول بيريز، ستكون قد "أدت واجباً تاريخياً تجاه نفسها، وذلك بحماية طابعها الخاص من الإفساد والتشويه". ومقابل ذلك سوف تُرفَع المقاطعة العربية عن إسرائيل وتُفتَح أسواق المنطقة أمام البضائع الإسرائيلية. وتقوم السوق الشرق أوسطية على أساس تكامل الطاقات وتقسيم العمل بين النفط العربي، والمياه التركية، والكثافة السكانية والسوق المصرية، والخبرة والمهارة الإسرائيلية، وتُحَل مشكلة المياه في إسرائيل بإقامة مشاريع مشتركة لاستثمار مياه الأنهار الكبرى في المنطقة. وهذا المشروع هو الذي سوف يحقق الأمن لإسرائيل ويحقق "إسرائيل العظمى" التي لن تحكم الفلسطينيين فقط بل ستحكم العرب جميعاً، وتتحقق لها السيطرة والهيمنة والتربع على كامل المنطقة وثرواتها، وتدجين الشعب العربي وتطويعه، وتخريب النسيج الاجتماعي في العالمين العربي والإسلامي، وهذا تأكيد استمرارية مشروعها الأساسي القائم على التوسع. ومع هذا لا يزال جزء كبير من اليمين الصهيوني يؤمن في قرارة نفسه ويتمسك بفكرة إسرائيل الكبرى، فقد صرَّح إسحق شامير في لحظة تأثُّر وجداني عميق من تدفُّق المهاجرين المستوطنين السوفييت بأن "إسرائيل الكبرى من البحر إلى النهر هي عقيدتي وحلمي شخصياً" وأنه "بدون هذا الكيان لن تكتمل الهجرة ولا الصعود إلى أرض الميعاد ولا أمن الإسرائيليين وسلامتهم"؛ ونتنياهو ما زال يريد العودة إلى "الحدود التوراتية" بإعادة الحياة إلى إسرائيل الكبرى. 
السوق الشرق أوسطية Middle East Market 
ظهر اتجاه داخل النظام السياسي للدولة الصهيونية يتبنى مقولة أن اعتماد التفوق العسكري وحده لا يُلبِّي مطامع إسرائيل في التحوُّل إلى قوة إقليمية لها دورها وحضورها الشرعي في المنطقة، وأن على إسرائيل أن تهيئ نفسها لترتيب اتفاقات "سلام" مع الدول العربية المجاورة، تقوم على تجاوز القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، لأن المصالح الاقتصادية الهائلة المستجدة ستؤدي إلى تذويب هذه المشكلات. وهذه هي المقولة الأساسية التي يستند إليها النظام العالمي الجديد: إن الإنسان كائن اقتصادي دوافعه اقتصادية ومطامحه اقتصادية، وإن الاختلافات الاقتصادية يمكن حلها، وإن خَلْق مصالح اقتصادية مشتركة بين الدول يجعل شعوبها تنسى أفكاراً بالية مثل السيادة والكرامة القومية. وبهذه الطريقة يحاول النظام العالمي الجديد أن يحوِّل العالم إلى سوق واحدة كبيرة لا تعرف الحدود، تمر فيها الشركات عابرة القارات والقوميات دون أن يعوقها عائق وتستطيع أن تبيع سلعها لمستهلكين يتسمون بالعمومية ولا يكترثون بالحدود القومية أو فكرة السيادة أو الحدود أو الأحلام الإنسانية المتجاوزة للمادة، أي أن يظهر الإنسان الطبيعي في كل أنحاء العالم (وهذه هي قمة الترشيد المادي وهذه هي العولمة الحقة). وبهذه الطريقة يقضي النظام العالمي الجديد على كل أشكال المقاومة داخل العالم الثالث ويمكن أن يقوم بتفكيك الشعوب دون أن يضطر إلى اللجوء للمواجهة، التي أصبحت مكلفة بل مستحيلة. 
وهذا التحوُّل نحو الاقتصاد لا يعكس تراجعاً عن الأهداف الإسرائيلية الإستراتيجية والهيمنة السياسية والعسكرية وفرض السلام حسب الشروط الصهيونية، وإنما هو تحوُّل في التكتيك والإجراءات لتحقيق هذه الأهداف في ظل التغيرات والتحولات الجديدة على المستويين العالمي والإقليمي، فيتم إدماج إسرائيل في المنطقة وفق شروط تحفز نموها الاقتصادي، القائم على تفوُّقها التكنولوجي والعلمي، فتصبح إسرائيل الكبرى مفهوماً اقتصادياً لا جغرافياً، وفي هذه الحالة لا يعتبر قيام كيان فلسطيني محدود الصلاحيات خطراً على وجودها لأن اندماجه مع إسرائيل يُيسِّر عملية الهيمنة عليه وتوجيهه. وقد تم استخدام مصطلح «الشرق الأوسط» ليكون بالإمكان إدراج الكيان الصهيوني ضمن المنطقة العربية. 
ويقوم المشروع الشرق أوسطي على عدة مبادئ أساسية أهمها: 
أن تحقيق السلام على أرض الواقع مرتبط بالتفاعل الاقتصادي، وأن خَلْق مصالح اقتصادية مُتبادَلة بين الأطراف الداخلة فيه يؤدي إلى تسهيل التوصل إلى حل سياسي، ويصبح هذا المشروع مفتاح حل جميع مشكلات العالم العربي من خلال ترويج مقولة السلام الذي يجلب الرخاء والتنمية، بحيث يحل محل الإنسان العربي والمسلم الخاص، إنسان اقتصادي عام لا يمارس أية رغبة في تجاوز واقعه المادي الاستهلاكي المباشر، حدوده حدود السوق، وأفقه أفق السلعة، وفضاؤه متعته، وسماؤه لذته. ويقوم هذا المشروع على إعطاء دور كبير للقطاع الخاص ورجال الأعمال، أو ما يُسمَّى «خصخصة صنع السلام» لأن صُنْع السلام في الشرق الأوسط أهم وأكثر تعقيداً من أن يُترَك للسياسيين والدبلوماسيين وحدهم، بل يجب أن تساعدها وتدعمها علاقات تجارية واقتصادية يقوم بها القطاع الخاص. 
وأهم آليات تحقيق الشرق أوسطية المؤتمرات الاقتصادية، التي تتم قيادتها عبر مؤسسات من خارج المنطقة لا من داخلها، مُمثَّـلة في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس (سويسرا) ومجلس العلاقات الخارجية الأمريكية في نيويورك، كما أنها لم تَعُد مقصورة على ممثلي الدول بل تضم مستويات مختلفة من الحكومات ورجال الأعمال والمنظمات الدولية. وقد تم عقد ثلاثة مؤتمرات للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الدار البيضاء (1994) وعمان (1995) والقاهرة (1996). وتهدف هذه المؤتمرات الاقتصادية إلى زيادة نفوذ القطاع الخاص وقطاع رجال الأعمال بحيث يصبحون لوبي (جماعة ضغط) قوية داخل أي نظام سياسي. وفي الوقت نفسه يزيد تفاعُل أعضاء هذه الفئة بعضهم مع بعض ومع المستثمرين الأجانب والشركات ذات النشاط الدولي من جهة أوربا. وهو تفاعُل سيتم في إطار المصالح الاقتصادية المجردة من القيم الأخلاقية أو القومية. وستتصاعد عملية التعامل تدريجياً إلى أن يتحول الشرق الأوسط بأسره إلى سوق مشتركة (على غرار الجماعة الأوربية) تسوده مجموعة من المشاريع الضخمة تموِّلها مؤسسات التمويل الدولية ويتم ربط كل هذا بالسوق العالمية ) أي السوق الغربية). 
يتبع إن شاء الله...


الباب الثانى: التوسع الجغرافي أم الهيمنة الاقتصادية؟  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48361
العمر : 71

الباب الثانى: التوسع الجغرافي أم الهيمنة الاقتصادية؟  Empty
مُساهمةموضوع: آليات إقامة المشروع الشرق أوسطي   الباب الثانى: التوسع الجغرافي أم الهيمنة الاقتصادية؟  Emptyالسبت 15 مارس 2014, 8:27 am

أما آليات إقامة المشروع الشرق أوسطي فتتمثل في: 
1 ـ عقد اتفاقات ثنائية بين إسرائيل وكل دولة من الدول العربية المجاورة من جانب، وعقد اتفاقات متعددة الأطراف من جانب آخر. وتحدِّد الاتفاقات الثنائية علاقات إسرائيل بكل دولة من دول المحيط العربي في المجالات الاقتصادية والتجارية والأمنية والعسكرية، إضافة إلى المجالين الدبلوماسي والسياسي، وما يترتب على هذه من ترتيبات تنظيمية وإدارية وفنية وعسكرية مشتركة. 
2 ـ التركيز في المرحلة الأولى على تأسيس محور ثلاثي يأخذ، بصورة متدرجة، صيغة تشكيلة سياسية اقتصادية أمنية (شكل من أشكال الكونفدرالية) تضم إسـرائيل والأردن والكيـان الفلسـطيني، وترتبط لاحقاً، وعلى نحو متدرج، بتشكيلة أوسع تضم سوريا ولبنان. ويتم في الوقت نفسه توسيع العلاقات الاقتصادية مع مصر، وبالتحديد في مجالي الطاقة والسياحة وبعض الصناعات المحددة، كصناعة النسيج. 
3 ـ تطبيع العلاقات الاقتصادية (إضافة إلى العلاقات السياسية والدبلوماسية) مع سائر دول العالم العربي وفق آليات السوق الرأسمالية، أي من دون اشتراط علاقات اقتصادية متميِّزة كما هي الحال مع الكيان الفلسطيني والأردن، أو مع سوريا ولبنان، لكن مع عدم إغفال الاعتبارات الأمنية أو تجاهلها. ويبدو أن اشتراط إقامة علاقات اقتصادية متميِّزة مع الدول العربية المحيطة يرتبط بمفهوم إسرائيل لأمنها القومي وحاجتها إلى توليد "مصالح مشتركة" تنفي، أو تقلِّص إلى الحـدود الدنيا، إمكان نشـوب حروب أو نزاعات أو عمليات عسكرية جديدة: ترتيبات مائية مشتركة ـ بنية تحتية مشتركة ـ مشاريع اقتصادية مشتركة ـ تبادُل تجاري غير مقيَّد ـ إضافة إلى إقامة هيئات مشتركة مقررة في مجالات اختصاصها.
وهكذا، فالمسألة ليست مسألة سوق فقط، بل تهدف إسرائيل إلى خَلْق واقع اقتصادي جديد، في مناطق ومواقع مفصلية، يتسع نطاقه بشكل مستمر بحيث يتم خَلْق أحزمة اقتصادية جديدة تخترق البلدان العربية ويصعب الفكاك منها وتصبح معها تكلفة الانفصال في حالة توتر الأجواء باهظة الثمن، الأمر الذي يعني زيادة أمن الكيان الإسرائيلي. وأحد أهداف السوق الشرق أوسطية هو طرح تقسيم عمل جديد بالمنطقة تتخصص بموجبه الدول العربية في إنتاج المواد الأولية (البترول) والصناعات التقليدية مثل النسيج والملابس، في حين تتخصص إسرائيل في الصناعات التكنولوجية ذات التقنية العالية. وقد تعاقدت شركة موتورولا العالمية وشركة إنتل على إنتاج بعض منتجاتهما في إسرائيل باستثمارات بلغت 2.6 مليار دولار. 
ومما يعزز مسألة التقسيم السابق نجاح إسرائيل في إبرام أول اتفاق تعاون علمي وتكنولوجي مع الاتحاد الأوربي، الذي ستصبح إسرائيل بموجبه أول دولة غير أوربية وغير عضو في الاتحاد تشترك في الأبحاث العلمية والتكنولوجية الأوربية المتطورة وتنتفع بها، وسيفتح ذلك الباب على مصراعيه للعلماء الإسرائيليين للانتفاع بمزايا الأبحاث العلمية في جميع بلدان الاتحاد الأوربي، ما عدا تلك المتعلقة بالطاقة النووية. كما يهدف المشروع إلى رفع المقاطعة الاقتصادية العربية عن إسرائيل، التي كلفت الاقتصاد الإسرائيلي طبقاً لتقديرات إسرائيلية أكثر من 40 مليار دولار، وإلى زيادة وتيرة التطبيع الاقتصادي بين إسرائيل والدول العربية (رغم أن تجربة التطبيع المصرية الإسرائيلية كشفت عن محاولات اختراق تمثلت في: تجسُّس وتهريب اقتصادي وتزييف عملات، بل يقال أيضاً نشر الإيدز). 
إن المشروع الشرق أوسطي لا يقتصر على كونه سوقاً شرق أوسطية بمضمونها الاقتصادي بل إنه مشروع لنظام إقليمي جديد، أي أنه مشروع إستراتيجي له مقوماته السياسية والاقتصادية والأمنية والأيديولوجية، ويمر عبر إقامة نظام إقليمي جديد يؤسَّس على إعادة تركيـب النظام الإقليمي العربي، بحيث لا يعـود فاعلاً كواقـع أو كمشروع، ويُستبدَل به نظام تحتل فيه إسرائيل موقعاً محورياً، وإن كان بصورة متدرجة ومرحلية. ورغم أن هذا المشروع يعاني ثغرات كبيرة، ورغم أنه ما زال في طور التجريب إلا أنه كتوجهات عامة يلقى دعماً دولياً وإقليمياً بما يملكه من مؤهلات مثل استناده إلى برنامج يحمل الأيديولوجيا الاقتصادية الليبرالية التي تحتفل بها مراكز الاقتصاد العالمي ومؤسساته، وطبيعته الإستراتيجية طويلة الأجل، في ظل غياب مشروع عربي بديل. 
ولكن هناك توترات وثغرات أساسية تتعلق بطبيعة الدولة الصهيونية وتحديداً: 
بين العناصر التي تركز على اعتبارات الأمن، والعناصر التي تركز على اعتبارات اندماج إسرائيلي في المنطقة اقتصادياً؛ بين الحرص على الهوية الصهيونية بمضمونها الاستبعادي السلبي للآخر العربي، وطموحاتها السلمية التي ترغب في تفاعُل إيجابي مع ذلك الآخر؛ وبين الرغبة في الحفاظ على سمة وثقافة إسرائيل الأوربية وعلاقاتـها المتميِّزة بأوربا والولايات المتحـدة (اقتصادياً وسـياسياً وثقافياً)، وموضعها الجغرافي الشرق أوسطي وادعائها الانتماء الحضاري إلى المنطقة. كما نجد تباينات في الآراء بشأن بعض التوجهات الأساسية للمشروع داخل حزب العمل بصورة خاصة، وداخل اليسار الصهيوني بصورة عامة. ومن الطبيعي أن تتسع حدة تلك التباينات أو أن تتقلص بالتوازي مع تطورات مسار المفاوضات العربية ـ الإسرائيلية (بشقيها)، وصيغ الاتفاقات التي يتم التوصل إليها، وأشكال ومشكلات وتناقضات تطبيقاتها على أرض الواقع.
مشــروع إسـرائيل الاقتصادي للشـرق الأوســط 
Israel's Economic project for the Middle East 
يتميَّز كتاب شيمون بيريز الشرق الأوسط الجديد الذي صدر في أواخر عام 1993 بعد توقيع إعلان المبادئ (غزة ـ أريحا) بأنه يمثل وجهة نظر رسمية، وقد قدَّم فيه ملخصاً لما جاء في هذا الكتاب في خطابه أمام الأمم المتحدة (28 سبتمبر 1993)، بصفته ممثلاً لحكومة إسرائيل. وما طرحه شيمون بيريز لم يكن موجَّهاً إلى حكام العرب ومثقفيهم وحسب، ولكنه موجَّه كذلك إلى الرأي العام الغربي وإلى الصهاينة. فهناك بالفعل تغيُّر في المفاهيم وأشكال العمل تدعو لها حكومة إسرائيل، ويجب أن يدركها الجميع. لابد من ترشيد استخدام القوة وفقاً لما طرأ عالمياً وإقليمياً وداخل إسرائيل. 
وقد لخص بيريز تحليله لهذه المتغيرات في: 
الصحوة الإسلامية، وظهور الصواريخ، والقذائف النووية والكيميائية: 
1 ـ بالنسبة للنهضة الإسلامية، يُحذِّر بيريز من الخطر الذي تمثله على إسرائيل وعلى العالم كله! فيقول: "إننا نشهد الآن نهضة إسلامية، وهي تتميَّز حالياً بمعارضة قيم الغرب وحضارته، وبالتراجع عن الحياة الحديثة، وبدعوة لاستخدام القوة لإقامة جمهورية إسلامية أتوقراطية ومستبدة". ثم يضيف: "إن الحركة الإسلامية تتلقى توجيهات وأمولاً من الخارج... إن خطرها يمتد من مصر والسودان إلى تركيا وجمهوريات آسيا الوسطى". 
وهو يطلب من أنظمة الحكم العربية أن تقف مع إسرائيل في هذه الحرب ضد الصحوة الإسلامية، على أساس أن عداء هذه الصحوة لأنظمة الحكم أكبر من عدائها لإسرائيل. وما دام الاثنان يهددهما الخطر نفسه، إذن لابد من تعاونهما. وهو حين يتكلم عن خطورة الدول الإسلامية المجاهدة والمعادية لإسرائيل، نراه يضع إيران إلى جانب العراق وليبيا في سلة واحدة. والتهديد الذي تواجهه إسرائيل يصبح وخيماً ـ كما يقول ـ إذا تمكنت إحدى هذه الدول من امتلاك قوة نووية. 
إن الصحوة الإسلامية ـ حسب تصوُّره ـ تهدِّد السلام والاستقرار في كل المنطقة. فبعد تحطيم الشيوعية ـ كما يقول ـ بقي الإسلام وحده يروِّج لمبدأ "الغاية تبرر الوسيلة". فمن أجل إنجاز هدفه الثوري في إقامة مملكة الله، يجوز للفرد أن يرشو أو يسرق أو يقتل (!) ولكنه يختم كلامه هذا بقولة: "إن الإسلام يضمن لمقاتليه الجنة. فيندفعون للتضحية بحياتهم في هذه الدنيا طمعاً في ثواب الآخرة". 
2 ـ بالنسبة للصواريخ والأسلحة غير التقليدية، يقول بيريز: "إن الإستراتيجية العسكرية التقليدية قامت على ثلاثة أبعاد: الوقت ـ المساحة ـ كمية السلاح. ولكن التكنولوجيا العسكرية الحديثة هزت كل هذه العناصر، فما أهمية الوقت اللازم للاستعداد إذا كان الصاروخ أرض ـ أرض ينطلق من واشنطن إلى موسكو فيما لا يزيد عن ست دقائق؟ وما قيمة الموانع الطبيعية (جبالاً أو أنهاراً أو صحاري) إذا كانت الصواريخ تتجاوز كل هذا نحو أهدافها المحددة؟ ما الميزة التي يعطيها في هذه الحالة امتـلاك مئـات من الدبابات أو المدافع أو الطائرات؟". 
إن هذه المتغيرات تتطلب تعديلاً في المفاهيم الإستراتيجية لدى إسرائيل. من ذلك مثلاً ـ كما يقول بيريز ـ أن يُقللوا قيمة المناطق المحتلة [وإن كان هذا لا يعني الانسحاب منها!]. وإذا كانت التكنولوجيا العسكرية ذات تكلفة مالية تتسم بالارتفاع الشديد، والقدرة التدميرية المهولة، فلابد من تجنُّب هذا حتى لو كانت النتيجة النهائية نصراً في الميدان. ويجب أن يضمن ذلك برنامج لنزع السلاح، وبخاصة الأسلحة غير التقليدية. 
وتقضي الترتيبات الإسرائيلية، في هذا الصدد، بإقامة مراكز للإنذار المبكر ترسل تقاريرها إلى إسرائيل عند أيِّ تحرك مشبوه (كما في سيناء). وإضافة إلى هذا لابد من رقابة منظمة من خلال بعثات تفتيشية ومن خلال الأقمار الصناعية، وتشمل الرقابة مراكز الأبحاث والتطوير التكنولوجي، وأخيراً لابد من إنشاء تشكيلات عسكرية قادرة على الرد المباشر في حالة أيِّ عدوان. [أي إذا زاد الظلم على بلد عربي وأراد أن يدافع عن نفسه، تصدت له إسرائيل وحلفاؤها من الدول العربية الأخرى!]. وبيريز يؤكد هذا في حالة ما إذا ثبت أن إحدى الدول تسعى للحصول على أسلحة غير تقليدية، فإذا كان مطلوباً أن يُقام نظام دولي للدفاع ضد هذا الخطر "لأن الحركة الإسلامية لها مخططات تهدد كل أنحاء الأرض!"، فأهم من هذا أن ينشأ تحالف إقليمي سياسي له سلطة التصرف والضرب "فهذا وحده الذي يضمن إنقاذ الشرق الأوسط من اللقاء المميت بين القوة النووية والإسلام!".
ولم يذكر بيريز أية كلمة عن الأسلحة النووية الإسرائيلية، أو عن خفض أسلحتهم التقليدية، بل قال إن كل شيء في هذا المجال سيبقى على حاله، وكل الدراسات الإسرائيلية تؤكد هذا على أية حال. رغم كل هذا يرى بيريز أن المستقبل مقلق وغير مضمون إذا لم تنتهز إسرائيل اللحظة الحالية، التي تحتكر فيها التفوق العسكري وامتلاك أسلحة الدمار الشامل، وإذا لم تنتهز فرصة وجود أنظمة حكم عميلة أو متعاونة. إذا كان المطلوب فرض الاستسلام على العدو، فإن شن حرب شاملة تحقِّق هذا الغرض الآن مستحيل، وبالتالي فإن الحرب تعني مجرد سقوط ضحايا بدون مقابل. والحل أن يُستفاد من التفوق العسكري الحالي في التخويف، وفي تحقيق السيطرة وإجهاض الصحوة الإسلامية بغير قتال ساخن، وبالتعاون مع النظم العربية الحليفة. في هذا الإطار قدَّم بيريز ملامح «الشرق الأوسط الجديد»، فرسم في الكتاب صورة وردية تبيِّض وجه الحكام الذين يقبلون التعاون مع الصهاينة لتدمير قدراتنا الدفاعية ولحرب الإسلام. 
ويتحدث بيريز في سبعة فصول عن: 
ـ المشاريع المشتركة في المياه: عن إعادة توزيعها وحُسن استثمارها (بفضل الخبرة الصهيونية). 
ـ الزراعة، والتفوق التكنولوجي الساحق لإسرائيل في هذا المجال. وأشاد بالمشروعات المشتركة الناجحة مع مصر. وقال إن العرب ينبغي ألا يحرموا أنفسهم من نعمة التعاون الزراعي مع إسرائيل حتى تتم التسويات السياسية. ومعروف أن التفوق التكنولوجي الإسرائيلي الساحق في مجال الزراعة أسطورة سخيفة، ولكن حتى لو كان هذا صحيحاً يظل السؤال مشروعاً ومن وجهة النظر الاقتصادية البحتة: أيهما أجدى وأيسر بالنسبة لنا أن نتعاون لتأمين الغذاء المصري والعربي مع السودان والعراق، أم مع إسرائيل؟ 
ـ السكك الحديدية والطرق والمطارات والموانئ (وإقامة مناطق حرة حول هذه الموانئ). وقد أفاض المسئول الإسرائيلي في شرح الرواج والتقدم الاقتصادي الذي يترتب على هذه المشروعات. ولكن يُلاحَظ أن كل المشروعات التي اقترحها في هذا الشأن تجعل إسرائيل عاصمة الشرق الأوسط، وكل مشروعات الطرق والمطارات والموانئ التي لا تحقق هذا، أي تلك التي تربط البلاد العربية بعضها ببعض، أو تربطها بالخارج مباشرةً دون مرور على إسرائيل، كل البنى التحتية التي من هذا القبيل أُسقطت من الحساب والإعداد. وإضافة إلى هذا اقترح بيريز أن تُقام مؤسسات إقليمية (تحتل إسـرائيل فيهـا الصدارة) لتتـولى إدارة المطارات والموانئ والطرق المقترحة، أي أن هذه المشروعات الحيوية ستنتزع السيطرة عليها من قبَل الدول العربية! وهو لم يُدخل مصر على أية حال في سلسلة المشروعات هذه، لمجرد تأكيد عزلها عما يجري في دول المشرق. 
ـ بقيت السياحة، ويقول بيريز عنها إنها ستجلب الرخاء العظيم في زعمه، وهو يطلب من أجلها فتح الحدود بلا ضوابط، ويطالب بتنظيم إقليمي لحركتها، يجلب السياح ويحدد حصص الدول المختلفة منهم، وإذا كان هذا التنظيم خاضعاً لهم، فإنهم يضمنون لأنفسهم طبعاً نصيب الأسد، إضافة إلى أنهم يتحكمون في أرزاق الأطراف الأخرى حسبما يرون. ولم ينس الكتاب طبعاً أن يُبشِّر بأن التمويل جاهز لكل المشروعات التي اقترحها بفضل الوساطة الإسرائيلية، فبيريز نفسه ـ كما يقول ـ حصل على وعود بمساعدات كبيرة من الجماعة الأوربية واليابان ومن البنك الدولي، إضافة إلى الشركات الدولية العملاقة التي ستندفع للاستثمار في مشروع «الشرق الأوسط الجديد»، وكل الأموال والخبرات تأتي عبر القنوات الإسرائيلية. 
وثمة أسئلة ونقاط كثيرة التزم بيريز الصمت تجاهها نذكر منها ما يلي: 
1 ـ لم يشر بيريز إلى قطاع الصناعة وهو يتكلم عن «الشرق الأوسط الجديد»؟ فهل يكتمل حديث عن مستقبل المنطقة وعن تكاملها بدون شرح دور الصناعة؟ وإذا لم يكن إهمال الصناعة على سبيل السهو والخطأ، فهل هناك سبب آخر إلا الخوف من انكشاف الصورة البشعة التي تكتب عنها الدراسات الإسرائيلية الأخرى؟ هل هناك سبب إلا أن الحكومة الإسرائيلية لا ترىد أن تعترف رسمياً بأنها تستهدف تقسيماً للعمل يفرض التخلف التكنولوجي على العرب ويجعل الصناعات الجديدة حكراً على إسرائيل، فتتبدَّد الأحلام الوردية التي أراد بيريز أن يبيعها؟ 
2 ـ لم يشر بيريز بكلمة إلى "المتطرفين الصهاينة". لقد هاجم الإسلام "والأصولية الإسلامية"، باعتبارها إرهابية تنشر الخرافة وتعادي العلم، وإذا كان بقوله هذا يبدو علمانياً يخاطب العلمانيين العرب، فهل لم يجد شيئاً مما يهاجمنا به قائماً بين قومه؟ وإذا كان لا يعترف بضلال العقائد الفاسدة التي تسود التجمُّعات الصهيونية، ألا يقضي هذا على أية مصداقية لحديثه عن «الشرق الأوسط الجديد» الخالي من الأحقاد والصراع؟ 
3 ـ ثمة تخطيط واضح لتفكيك الأمة العربية. لقد كشف بيريز في هذا الكتاب (الذي هو تقرير رسمي من الحكومة الإسرائيلية) أنهم توصلوا إلى اتفاق مع الجماعة الأوربية يفصل دول المغرب العربي عن دول المشرق، فتلحق المجموعة الأولى بأوربا، بينما تكون يد إسرائيل هي العليا بين دول المشرق. وفضلاً عن هذا فإن المشروع الإسرائيلي يستبعد من جنته ليبيا والسودان والعراق، ولبنان أيضاً إذا لم تتخلص من علاقتها الخاصة مع سوريا. 
4 ـ يعترف صاحب نظرية السوق الشرق أوسطية بأن فلسطين قلب الصراع العربي الإسرائيلي، ولا يمكن كسب العرب إلى مشروع المستقبل إذا لم يحدث حل مُرض لقضية الفلسطينيين. وهو يرى ـ كما أوضحنا ـ أن التغيير في وسائل القتال قلَّل أهمية استمرار الاحتلال التقليدي للضفة الغربية من أجل تأمين إسرائيل. وبالإضافة إلى ذلك فإن قطاع غزة بوضعه الحالي مركز دائم للثورة، ويقول بيريز إننا لا يمكن أن نفعل في غزة ما سبق أن فعله شمشون حين حطَّم معبدها فوق رأسه ورأس من فيه. ولكن هل خرج الصهاينة من ذلك كله بضرورة الانسحاب وإقامة دولة؟ كلا، فالمستوطنات المسلحة يستحيل تصفيتها ـ كما يقول بيريز ـ وإلا قامت حرب أهلية داخل إسرائيل. وإذا كانت هذه المستوطنات تجعل ما بقي من أرض للعرب أشبه بالجزر المنعزلة عن بعضها البعض، وإذا كانت السيطرة على هذه الجزر تظل في يد إسرائيل تحت قناع إدارة الحكم الذاتي الفلسطينية، فإن بيريز يضيف الحدود "المطاطية الطرية" لأي كيان فلسطيني، ولذا لا معنى لتعيين حدود ثابتة مع الأردن أو مع إسرائيل، تقيد الدخول أو الخروج إلى المناطق العربية فيما بقي من غزة والضفة الغربية. وباختصار، إنهم يرون علاج المشكلة الفلسطينية (التي هي قلب الصراع) من خلال تصفيتها عملياً، وليس من خلال إيجاد أيِّ تنازل معقول فيها. ومع ذلك، فحتى هذه الأفكار الغريبة التي أوردها بيريز تعتبر عظيمة بالنسبة لما يجري الآن، فغني عن البيان أن اتفاق غزة أريحا أثار السخرية المرة، وكان يقل كثيراً عما كتبه بيريز. ومع ذلك، فحتى هذا الاتفاق لم يكن ينفذ حين كان بيريز يتحدث عن ضرورة الانطلاق نحو «الشرق الأوسط الجديد» باعتبار أن المشكلة الجوهرية (المشكلة الفلسطينية) قد حُلت فعلاً! 
5 ـ ومشروع بيريز للشرق الأوسط الجديد يُركِّز في مرحلته الأولى على محور إسرائيل ـ الأردن ـ وما بقي من فلسطين. وقد نص اتفاق غزة ـ أريحا على هذا الأمر بصراحة. وبيريز وصف هذا المحور بأنه مثل مجموعة "بينولوكس"، أي مجموعة بلجيكا ـ هولندا ـ لوكسمبورج. ولكن العلاقة الحميمة بين دول بينولوكس قائمة على الندية، فهل هناك أيّ قدر من الندية بين إسرائيل وبين الطرفين العربيين الآخرين؟ ألا تقوم العلاقة الخاصة التي تدعو لها إسرائيل على أساس الاحتلال العسكري والسيطرة؟ هل يملك الفلسطينيون بعد "خبزهم وعجنهم" وتهشيم مؤسـساتهم أن يبـدوا أي اعـتراض على قرار إسرائيلي؟
6 ـ ثم أين البترول في مخطط «الشرق الأوسط الجديد»؟ يلفت النظر أن الكتاب لم يكد يذكر البترول. وحتى الفصل الذي تكلَّم عن أهمية الشرق الأوسط التاريخية لم تُذكَر فيه الأهمية الإستراتيجية المعاصرة للبترول العربي الإسلامي. وهذا التجاهل المتعمد قد يقصد رفع الحرج عن دول الخليج صاحبة العلاقة الوثيقة مع الترتيبات التي كانت مقدَّمة للشرق الأوسط الجديد، ولكن التجاهل لا ينفي بالقطع أن الدور الإسرائيلي في حماية المصالح الأمريكية البترولية جزء لا يتجزأ من ترتيبات «الشرق الأوسط الجديد»، وهو لا ينفي كذلك تخطيط الصهاينة لكي يتولوا إدارة أموال النفط. 
7 ـ ويجرنا هذا إلى الملاحظة الجوهرية حول علاقة الترتيبات الحالية بهدف تحقيق الهيمنة الصهيونية على المنطقة (إسرائيل الكبرى). كيف عالج بيريز هذه القضية؟ في أكثر من موضع قال بيريز: إن إسرائيل كانت دائماً ضد التوسع واحتلال أراضي الغير. والعلاقات الاقتصادية إذا لم تقم على التكافؤ فإن مصيرها الدمار. وأنقل هنا ما قاله أمام الأمم المتحدة (سبتمبر 1993): "أعلم أن هناك شكاً في أن الإشارة إلى سوق مشتركة في الشرق الأوسط، وإعلان إسهام إسرائيل فيها، قد يعني محاولة للحصول على مزايا أو فرض سيطرة. وأود أن أقول بكل إخلاص وبأعلى صوت إننا لم نتخل عن احتلال الأراضي لكي نمارس سيطرة اقتصادية. وقد أقول ـ باعتباري يهودياً ـ إن فضيلة تاريخنا ـ منذ عصر إبراهيم ووصايا موسى ـ قامت على معارضة متصلة عنيدة لأي احتلال، ولأية سيطرة أو تفرقة عنصرية". وأرجو ألا يندهش القارئ، فقد كتب بيريز أيضاً في كتابه "أن إسرائيل لم تبدأ في تاريخها أية مواجهات عسكرية. إن مصر وسوريا ولبنان والأردن ـ وحتى العراق التي لا توجد لها حدود مشتركة مع إسرائيل ـ هي التي أعلنت علينا الحرب، وكان هذا هو السبب الأوحد والحقيقي لكل حروبنا الرهيبة". 
هل كانت حروبنا نحن ضد الغزو الصهيوني المسلح لفلسطين دفاعاً عن النفس أو هجوماً؟ وهل كان الغزو الصهيوني لسيناء عام 1956 حرباً دفاعية أو سعياً عدوانياً للتوسع في أرض مصر؟ وهل كانت حرب 1967 توسعاً صهيونياً في أرض العرب أو ماذا؟ وهل كانت حرب 1973 من أجل فلسطين وحدها أو دفاعاً في الأساس عن الأراضي المحتلة في مصر وسوريا؟ وعلى أية حال، قد تكون مقاصد الصهاينة حول الشرق الأوسط الجديد أكثر وضوحاً إذا اعتبرنا الترتيبات الخاصة مع الأرض والكيان الفلسطيني الهلامي نموذجاً لعلاقات المستقبل. ويمكن أن نكتفي هنا بقصة القناة بين البحرين الأبيض والميت. هذه القناة تؤدي إلى تبوير مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية على ضفتي نهر الأردن، الأمر الذي قد يهدد المنشآت الصناعية العربية في تلك المواقع، كما يؤدي إلى خفض نسبة المعادن في البحر الميت، ويؤثر على استخراج الملح منه وعلى مشاريع أردنية حيوية مثل استخراج البوتاس والنحاس والكبريت. وإلى جانب هذا فإن زيادة ضخ الماء من المتوسط (الأعلى سطحاً) إلى الميت (الأقل منسوباً) ستؤدي إلى زيادة الضغط على قاعه، وهو ما يسميه الجيولوجيون «الضغط العمودي». ويعني هذا خلخلة ديناميكية ربما ولَّدت هزات أو انكسارات أرضية أو انفجارات بركانية، حيث يقع البحر الميت في منطقة قشرتها الأرضية مضغوطة وتُسمَّى «الأخدود الانهدامي الكبير». 
ومعروف أن إسرائيل حاولت في الماضي أن تستفيد من احتلالها الضفة الغربية لكي تشرع في تنفيذ مشروعها، فتصدت لها الجامعة العربية والوفود العربية في الأمم المتحدة حتى طالبت الجمعية العامة بالتوقف فوراً عن تنفيذ المشروع، لأنه إذا اكتمل سيُلحق بحقوق الشعب الفلسطيني والأردني ومصالحهما الحيوية المشروعة أضراراً مباشرة لا سبيل إلى إصلاحها. وفي الأعوام 1982 و1983 و1984 اتخذت الجمعية العامة الموقف نفسه. ثم فجأة صدر اتفاق غزة ـ أريحا، ونص في الملحق الرابع على إنشاء قناة البحر الأبيض (غزة)، البحر الميت. رغم كل ما رآه في السابق الخبراء العرب وصدقته الجمعية العامة للأمم المتحدة. هل كان ممكناً أن ينص الاتفاق على هذا المشروع لو كانت العلاقة ندية بين إسرائيل والأردن والفلسطينيين؟ أو إذا كانت القرارات تصدر بالتراضي لتحقيق المصالح المشتركة؟ هذا مثال محدد وصارخ لمدى تحكُّم إسرائيل في المشروعات والترتيبات وفقاً لما يحقق مصالحها. أضف إليه ما أشرنا إليه سالفاً في حديثنا عن احتكارها القوة العسكرية، ومشروعاتها في المرافق التحتية وفي الزراعة والري والسياحة (ودعك من الصناعة) لنرى مدى الكذب في حديث بيريز عن أن اليهود يرفضون العدوان والسيطرة على مقدرات الغير كموقف تقليدي. 
8 ـ والتساؤل الأخير: أين أمريكا؟ 
لقد أخفى بيريز تماماً طبيعة الدور الأمريكي في الترتيبات، ولم يذكر بكلمة هدف التحالف الإستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل في هذه المرحلة. وحتى حين تكلَّم عن المساعدات المتوقعة من دول العالم المختلفة لم يأت ذكر أمريكا وإسهامها. وواقع الحال أن بيريز أراد أن يجمل مشروعه بحيث يبدو كل ما يجري مجرد ترتيبات صادرة بإرادة محلية ومن دول المنطقة دون دعم مباشر من قوة كبرى خارجية، ولكن هذا الادعاء لا أساس له من الصحة، فالولايات المتحدة هي دولة الوصاية التي تفرض سلطانها وقراراتها على ما يُسمَّى «سوق الشرق الأوسط».


الباب الثانى: التوسع الجغرافي أم الهيمنة الاقتصادية؟  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الباب الثانى: التوسع الجغرافي أم الهيمنة الاقتصادية؟
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  الباب الثانى عشر: الهيكل
» الباب الثانى: مفـردات
» الباب الثانى: الجـيتو
» الباب الثانى: الحقوق والحريات
» الباب الثانى: التيارات الصهيونية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــــافـــــــــــة والإعـــــــــــلام :: موســـــوعة اليهــــــود-
انتقل الى: