منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 الباب الثانى: إحلالية الاستعمار الاستيطاني الصهيوني

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

الباب الثانى: إحلالية الاستعمار الاستيطاني الصهيوني  Empty
مُساهمةموضوع: الباب الثانى: إحلالية الاستعمار الاستيطاني الصهيوني    الباب الثانى: إحلالية الاستعمار الاستيطاني الصهيوني  Emptyالخميس 06 مارس 2014, 8:25 am

الباب الثانى: إحلالية الاستعمار الاستيطاني الصهيوني 
إحلالية الاستعمار الاستيطاني الصهيوني 
Depopulation as a Structural Trait of Zionist Settler Colonialism
كلمة «إحلال» من فعل «أحلَّ»، والاستعمار الاستيطاني الإحلالي يُطلَق على هذا النوع من الاستعمار حين يقوم العنصر السكاني الوافد (عادةً الأبيض) بالتخلص من السكان الأصليين إما عن طريق الطرد أو عن طريق الإبادة حتى يُفرغ الأرض منهم ويحل هو محلهم. وفي أمريكا اللاتينية، كان هدف الاستعمار الاستيطاني هو استغلال كلٍّ من الأرض وسكانها عن طريق إنشاء المزارع الكبيرة التي يقوم السكان الأصليون بزراعتها لتحقيق فائض القيمة من خلالهم، ولذا لم يُطرَد السكان الأصليون. أما في الولايات المتحدة، فقد كان المستوطنون البيوريتان يبغون الحصول على الأرض فقط لإنشاء مجتمع جديد، فكان طرد أو إبادة السكان الأصليين وإحلال عنصر جديد محل العنصر القديم أمراً لا مفر منه. 
وكانت جنوب أفريقيا، حتى عهد قريب، من هذا النوع الإحلالي، فنجد أن المستوطنين البيض استولوا على خير أراضيها وطردوا السكان الأصليين منها. ولكن، بمرور الزمن، طرأت تغيرات بنيوية على الدولة الاستيطانية في جنوب أفريقيا، وأصبح تحقيق فائض القيمة واستغلال السكان الأصليين أحد الأهداف السياسية. ولذا، كان يوجد في جنوب أفريقيا استعمار استيطاني يقوم بتجميع السود في أماكن عمل ومدن مستقلة (بانتوستان) تقع خارج حدود المناطق والمدن البيضاء، ولكنها تقع بالقرب منها حتى يتسنى للعمال السود الهجرة اليومية داخل المناطق البيضاء للعمل فيها. 
والأمر بالنسبة لإسرائيل لا يختلف كثيراً عنه في جنوب أفريقيا إذ أن الهدف من الصهيونية هو إنشاء دولة وظيفية قتالية تستوعب الفائض البشري اليهودي وتقوم بحماية المصالح الغربية. وحتى تحتفظ هذه الدولة بكفاءتها القتالية، لابد أن تظل هذه الدولة بمعزل عن الجماهير (العربية) التي ستحارب ضدها، ولذا كان طرد العرب من نطاق الدولة الصهيونية ضرورياً حتى تظل يهودية خالصة، فكأن يهودية الدولة مرتبطة بوظيفتها القتالية ووظيفتها مرتبطة بإحلاليتها. 
وقد كان جابوتنسكي مدركاً لشيء من هذا القبيل حين بيَّن أن الدولة الصهيونية المحاطة بالعرب من كل جانب، ستسعى دائماً إلى الاعتماد على "إمبراطورية قوية غير عربية غير إسلامية". وقد اعتبر جابوتنسكي هذه الانعزالية "أساساً إلهياً لإقامة تحالف دائم بين إنجلترا وفلسطين اليهودية (واليهودية فقط)". (يرى أعضاء الجماعات الوظيفية أن عزلتهم علامة من علامات الاختيار الإلهي ومن علامات تميُّزهم على العالمين)، وإصرار جابوتنسكي على صفة اليهودية هو إصرار على العزلة، فالعزلة هي أساس الكفاءة الوظيفية. ففلسطين عربية ستدور في الفلك العربي (على حد قوله)، بل وستهدد المصالح الغربية (على حد قول نوردو)، ذلك لأن العرب عنصر مشكوك في ولائه. أما فلسطين اليهودية (الوظيفية) ذات التوجه الحضاري الغربي فستكون حليفاً موثوقاً به وسيشكل سكانها عنصراً موالياً للغرب بشكل دائم، فهو بسبب عزلته لا ينتمي للمنطقة (على حد قول جابوتنسكي ونوردو ووايزمان). وقد قام الصهاينة بتهويد دوافع طرد العرب بطرق مختلفة. 
وتذهب العقيدة الصهيونية إلى أنها تهدف إلى توطين اليهود في دولة يهودية خالصة (ومن ثم طرد العرب) لأيِّ سبب من الأسباب الآتية: 
1 - أن تصبح الدولة مركزاً ثقافياً ليهود العالم. 
2 - أن يحقق اليهود حلمهم الأزلي بالعودة لوطنهم الأصلي. 
3 - أن يتم تطبيع الشخصية اليهودية حتى يصبح اليهود أمة مثل كل الأمم (ومن هنا المفاهيم العمالية المختلفة عن اقتحام العمل والحراسة والزراعة والإنتاج). 
4 - أن يؤسس اليهود دولة يمارسون من خلالها سيادتهم ومشاركتهم في صنع القرار والتاريخ. 
وعلى كل صهيوني أن يختار الديباجات التي تلائمه. ولكن، مهما كانت الدوافع، فإن الأمر المهم هو أن تكون الدولة المُزمَع إنشاؤها دولة يهودية خالصة ليس فيها عنصر غير يهودي بحيث أصبح حضور الدولة يعني غياب العرب (ومن ثم أصبح حضور العرب يؤدي إلى غياب الدولة)، ومن هنا طرح كل من الاستعماريين غير اليهود والصهاينة اليهود شعار «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض». ولكن مثل هذه الأرض لا توجد إلا على سطح القمر (على حد قول حنه أرنت). ولذا، كان يتحتم على الاستعمار الصهيوني أن يستولي على قطعة أرض ثم يفرغها من سكانها عن طريق العنف. ولذا فطرد الفلسطينيين من أراضيهم جزء عضوي من الرؤية الاستيطانية الصهيونية، ولا تزال هذه هي السمة الأساسية للاستعمار الصهيوني في فلسطين، فهو استعمار استيطاني إحلالي، وإحلاليته إحدى مصادر خصوصيته بل تفرُّده، وهي في الواقع مصدر صهيونيته ويهوديته المزعومة. 
وإخلاء فلسطين من كل سكانها أو معظمهم (على أقل تقدير) هو أحد ثوابت الفكر الصهيوني، وهو أمر منطقي ومفهوم إذ لو تم الاستيلاء على الأرض مع بقاء سكانها عليها لأصبح من المستحيل تأسيس الدولة اليهودية، ولتم تأسيس دولة تمثل سكانها بغض النظر عن انتمائهم الديني أو الإثني وتكتسب هويتها الإثنية الأساسية من الانتماء الإثني لأغلبية سكانها. ومثل هذه الدولة الأخيرة لا تُعَدُّ تحقيقاً للحلم الصهيوني الذي يطمح إلى تأسيس الدولة/الجيتو. ومن هنا، كان اختفاء العرب ضرورياً. والعنصرية الصهيونية ليست مسألة عَرَضية، ولا قضية انحلال خلقي أو طغيان فرد أو مجموعة من الأفراد. وإنما هي خاصية بنيوية لأنه (لكي يتحقق الحلم الصهيوني) لابد أن يختفي السكان الأصليون، ولو لم يختـفوا لما تحقق الحلم. ولهـذا، نجد أن الصهـاينة (كل الصهاينة، بغض النظر عن انتمائهم الديني أو السياسي، وبغض النظر عن القيم الأخلاقية التي يؤمنون بها) يسهمون في البنية العنصرية وينمونها. 
فالمستوطن اليهودي الذي يصل إلى فلسطين سوف يسهم - حتى لو كان حاملاً مشعل الحرية والإخاء والمساواة وملوِّحاً بأكثر الألوية الثورية حُمرة - في اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم وفي تشويه علاقاتهم الاجتماعية والاقتصادية والحضارية، ويعمل (شاء أم أبى) على تقوية مجتمع استيطاني مبني على الاغتصاب. وهذه مشكلة أخلاقية حقيقية تواجه الإسرائيليين الذين يرفضون الصهيونية، والمولودون على أرض فلسطين المحتلة. ويؤكد كل هذا التوجه إسرائيل زانجويل إذ يقول: "إن أردنا أن نعطي بلداً لشعب بلا أرض، فمن الحماقة أن نسمح بأن يصبح في هذا الوطن شعب". 
وقد كان بن جوريون مدركاً تماماً للفرق بين الاستعمار الاستيطاني والاستعمار الإحلالي. وفي إطار إدراكه هذا، اقترح على ديجول أن يتبنَّى الشـكل الإحلالي من الاسـتعمار الاسـتيطاني حلاًّ للمشكلة الجزائرية، فتقوم فرنسا بإخلاء المنطقة الساحلية من الجزائر من سكانها العرب، ليُوطَّن فيها الأوربيون وحدهم أو يقيموا فيها المستوطنات، ثم تُعلَن دولة مستقلة لسكانها حق تقرير المصير (وكان رد ديجـول يتسـم بالذكاء التاريخي إذ قال: "أتريدني أن أخلق إسرائيل أخرى؟"). وقد أشار كارل كاوتسكي إشارة عابرة لتلك السمة المميِّزة والأساسية للاستعمار الاستيطاني الصهيوني في كلاسيكيته هل يُشكِّل اليهود جنساً؟ كما تَكهَّن بأن يعاني المستوطنون اليهود الكثير خلال النضال العربي من أجل الاستقلال، "ذلك لأن الاستعمار اليهودي لفلسطين يدل على أنهم ينوون البقاء فيها، وعلى أنهم لا ينوون عدم استغلال السكان الأصليين فحسب بل طردهم نهائياً".
وثمة عناصر خاصة بالاستعمار الاستيطاني الإحلالي الصهيوني تضمن استمرار آليات الاحتكاك والتوتر بينه وبين السكان الأصليين وسكان المنطقة ككل. فمعظم التجارب الإحلالية الأخرى حلت مشكلتها السكانية (أي وجود سكان أصليين) بعدة طرق: التهجير أو الإبادة أو التزاوج مع عناصر السكان الأصليين، أو بمركب من هذه العناصر. 
ولكن التجربة الاستيطانية الصهيونية تختلف عن معظم التجارب الإحلالية الأخرى فيما يلي: 
1 - أنها بدأت في أواخر القرن التاسع عشر، أي في تاريخ متأخر نوعاً عن التجارب الأخرى. 
2 - أنها لم تتم في المناطق النائية عن العالم القديم (الأمريكتين وأستراليا ونيوزيلندا) وإنما تمت في وسط المشرق العربي، في منطقة تضم كثافة بشرية لها امتداد تاريخي طويل وتقاليد حضارية راسخة وامتداد بشري وحضاري يقع خارج حدود فلسطين. 
ولكل هذا، فإن حل التهجير صعب إلى حدٍّ ما، كما أن حل الإبادة يكاد يكون مستحيلاً. والتزاوج أمر غير مطروح أصلاً، وهو ما يجعل المسألة الفلسطينية (السكانية والتاريخية) مستعصية على الحل الاستعماري التقليدي الذي مورس في مناطق أخرى في مراحل تاريخية سابقة، ولذا فإن من المتوقع استمرار التوتر والعزلة والشراسة. والتعرف على الجذور الحضارية للاستعمار الاستيطاني الإحلالي له أهميته، إذ يبدو أن النوع الاستيطاني (غير الإحلالي) في الجزائر وأنجولا قد نشأ في الدول الكاثوليكية بينما تعود جذور النوع الإحلالي في جنوب أفريقيا والولايات المتحدة إلى الدول البروتستانتية ذات النزوع الحلولي. فالحلولية الكمونية تؤدي إلى حلول المطلق في النسبي وكمونه فيه بل توحُّده به، ولذا يتوحد الدال والمدلول وتُسد كل الثغرات، وهو ما يؤدي إلى انتشار التفسيرات الحرفية للعهد القديم والتي تخلق حالة عقلية تُسهِّل عملية نقل السكان وتجعلها أمراً طبيعياً، فالأوامر المقدَّسة الحرفية بتدمير الكنعانيين قد جاءت من عل ولا يمكن تفسيرها إلا بشكل حرفيّ. كما أن معظم اعتذاريات الاستعمار الاستيطاني والاستعمار الاستيطاني الإحلالي مُستمَدة من العهد القديم. والكنيسة القومية هي عادةً كنيسة حلولية، إذ أنها موضع الحلول وكل عضو فيها وكل مؤمن بعقيدتها هو عضو في جماعة مقدَّسة - جماعة من الأنبياء أو أشباه الأنبياء. 
وهي، لهذا السبب، كنيسة مقتصرة على مجموعة بشرية يجمعها انتماء إثني أو عرْقي واحد (كما هو الحال مع الكنيسة الهولندية الإصلاحية في جنوب أفريقيا التي لا تسمح للسود بالانضمام إليها). مثل هذه الكنيسة تضفي قدراً من القداسة على الأفعال التي يأتيها أعضاؤها، وتقدم التبريرات الدينية التي تكون عادةً ذات طابع إنجيلي مقدَّس. فتسوغ عمليات الطرد باعتبار أن الآخر يقع خارج نطاق القداسة. أما الكنيسة الكاثوليكية، فقد حاصرت الحلول الإلهي، وهي تؤمن بالتفسيرات الرمزية والروحية بحيث تفسر أوامر الطرد والإبادة تفسيراً رمزياً، الأمر الذي يخلق مجالاً للحوار مع النص المقدَّس. وهي أيضاً كنيسة عالمية، أي كنيسة تفتح أبوابها لأي إنسان، فهي تمنح المؤمن (سواء كان من المستوطنين أو كان من السكان الأصليين) حقوقاً معينة بغض النظر عن انتمائه القومي أو العنصري، وهو ما يجعل تبنِّي المستوطنين الذين يتبعون الكنيسة العالمية الرؤية الحلولية للكون والنمط الإحلالي من الاستعمار أمراً صعباً. 
وكان هرتزل يدرك تماماً الاعتراض الكاثوليكي على مشروعه، ولكنه كان يعتقد أن هذا الموقف قد نَجَم عن المنافسة المستعرة بين كنيستين أو ديانتين عالميتين (اليهودية والكاثوليكية) تتنازعان القدس (باعتبارها قاعدة أرشميدس)، وهو تفسير ينم عن عدم الفهم وعن عدم إدراك لطبيعة اليهودية. ومهما يكن الأمر، فيبدو أن هناك نوعاً من العلاقة الأساسية التي تستحق المزيد من الدراسة بين الشكل المحدد الذي تتخذه مختلف الجيوب الاستيطانية، وبين جذورها الحضارية. ولعل أطروحة فيبر، بشأن علاقة الرأسمالية بالبروتستانتية، قد تساعد بعض الشيء في هذا المضمار، شريطة أن يضع الدارس في الاعتبار الأطروحات الخاصة بالحلولية والإحلالية والعلاقة بينهما. 
ومهما كان الأمر، فإن إحلالية الاستعمار الاستيطاني الصهيوني صفة بنيوية لصيقة به، ويشهد الواقع التاريخي بذلك. ففي عام 1948 (أي قبل إعلان الدولة)، بلغ عدد اليهود في الأراضي المحتلة 649.633 يهودياً. ولو جمعنا هذا العدد في عائلات تتألف الواحدة منها من خمسة أشخاص لحصلنا على رقم 129.927 عائلة على حين كانت أملاك اليهود المشتراه حتى 1948 لا تتسع إلا إلى 35.521 عائلة يهودية - أي أن هناك 97.406 عائلة فائضة عن القدرة الاستيعابية التي يفترض وجودها في الأملاك. ولهذا، فإن استقلال إسرائيل كان يعني طرد العرب. 
وترى وثيقة أصدرها مكتب الإحصاء المركزي في إسرائيل أن عدد اللاجئين بعد حرب 1948 هو 577.000 لاجئ، وتخالفها وثيقة وزارة الخارجية البريطانية التي صدرت بهذا الصدد وقد حسبتهم بما يقارب 711.000 لاجئ عربي. ويشير تقرير المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أوثروا) في شهر يوليه 1993 إلى مليون و199 ألف لاجئ (1960) زاد عددهم إلى مليون و425 ألف لاجئ عام 1970 ثم إلى مليون 844 ألف عام 1980 وإلى مليونين و423 ألف لاجئ عام 1990، ليصل العدد عام 1994 إلى مليونين و908 ألف لاجئين. وقد واصلت إسرائيل الإبعاد في الفترة من 1967 وحتى عملية إبعاد "مرج الزهور" وقد بلغ عدد المُبعدين 1.120.889 لاجئاً عام 1994. 
هؤلاء المبعدون حل محلهم مستوطنون بطبيعة الحال بلغ عددهم في الفترة من 1948 - 1966 (1.199.739) مهاجراً، وفي الفترة 1967 - 1970 (109.425) مهاجراً، وفي الفترة 1971 - 1985 (403.706). وقد استمرت الهجرة الصهيونية الاستيطانية الإحلالية مع ضغط الرئيس الأمريكي ريجان على نظيره السوفيتي جورباتشوف لتهجير يهود سوفييت. وقد تصاعدت معدلات الهجرة الاستيطانية الإحلالية بعد عام 1948 واستمرت عمليات طرد السكان الأصليين. 
وفيما يلي جدول يبيِّن الميزان السكاني في فلسطين المحتلة قبل وبعد إعلان الدولة الاستيطانية الإحلالية:
تطور عدد سكان إسرائيل ، اليهود والعرب ، ونسبة العرب من مجموع السكان بين 8 / 11/ 1948 ونهاية 1993 (الأعداد بالآلاف).
السنة / العدد الإجمالي / يهود / عرب / نسبة العرب من مجموع السكان
8-11-1948 / 872.7 / 716.7 / 156.0 / 17.9 
نهاية 1948 /---- / 758.7 / ---- / -----
نهاية 1949 / 1.173.9 / 1.013.9 / 160.0 / 13.6
نهاية 1950 /1.370.1 / 1.203.0 / 167.1 /12.2 
نهاية 1951 /1.577.8 / 1.404.4 / 173.4 / 11.0
نهاية 1952 / 1.629.5 / 1.450.2 / 179.3 / 11.0
نهاية 1953 / 1.669.4 / 1.483.6 / 185.8 / 11.2 
نهاية 1954 / 1.717.8 / 1.526.0 / 191.8 / 11.2 
نهاية 1955 / 1.789.1 / 1.590.5 / 198.6 / 11.1 
نهاية 1956 / 1.872.4 / 1.667.5 / 204.9 / 10.9 
نهاية 1957 / 1.976.0 / 1.762.8 / 213.1 / 10.8 
نهاية 1958 / 2.031.7 / 1.810.2 / 221.5 / 10.9 
نهاية 1959 / 2.088.7 / 1.858.8 / 229.8 / 10.9 
نهاية 1960 / 2.150.4 / 1.911.3 / 239.2 / 11.1 
نهاية 1961 / 2.234.2 / 1.981.7 / 252.5 / 11.3 
نهاية 1962 / 2.331.8 / 2.068.9 / 262.9 / 11.3 
نهاية 1963 / 2.430.1 / 2.155.6 / 274.6 / 11.3 
نهاية 1964 / 2.525.6 / 2.239.2 / 286.4 / 11.3 
نهاية 1965 / 2.598.4 / 2.299.1 / 299.3 / 11.5 
نهاية 1966 / 2.657.4 / 2.344.9 / 312.5 /11.8 
نهاية 1967 / 2.776.3 / 2.383.6 / 392.7 / 14.1 
نهاية 1968 / 2.841.1 /2.432.8 / 406.3 / 14.3 
نهاية 1969 / 2.929.5 / 422.6 / 422.6 / 14.4
نهاية 1970 / 3.022.1 / 2.582.0 / 440.0 / 14.6 
نهاية 1971 / 3.120.7 / 2.662.0 / 485.6 / 14.7
نهاية 1972 / 3.225.0 / 2.752.7 / 472.3 / 14.6
نهاية 1973 / 3.338.2 /2.845.0 / 493.2 / 14.8
نهاية 1974 / 3.421.6 / 2.906.9 / 514.7 / 15.0
نهاية 1975 / 3.493.2 / 2.959.4 / 533.8 / 15.3 
نهاية 1976 / 3.575.4 / 3.020.4 / 555.0 / 15.5 
نهاية 1977 / 3.653.2 / 3.077.3 / 575.9 / 15.8 
نهاية 1978 / 3.737.6 / 3.141.2 / 596.4 / 16.0 
نهاية 1979 / 3.836.2 / 3.218.4 / 617.8 / 16.1 
نهاية 1980 / 3.921.7 / 3.282.7 / 639.0 / 16.3 
نهاية 1981 / 3.977.7 / 3.320.3 / 657.4 / 16.5
نهاية 1982 / 4.063.6 / 3.373.2 / 690.4 / 17.0 
نهاية 1983 / 4.118.6 / 3.412.5 / 706.1 / 17.1 
نهاية 1984 / 4.199.7 / 3.471.7 / 727.9 / 17.3 
نهاية 1985 / 4.226.2 / 3.517.2 / 749.0 / 17.6
نهاية 1986 / 4.331.3 / 3.561.4 / 769.9 / 17.8
نهاية 1987 / 4.406.5 / 3.612.9 / 793.6 / 18.0
نهاية 1988 / 4.876.8 / 3.659.0 / 817.7 / 18.3
نهاية 1989 / 4.559.6 / 3.717.1 / 842.5 / 18.5
نهاية 1990 / 4.821.7 / 3.946.7 / 875.0 / 18.1 
نهاية 1991 / 5.058.8 / 4.144.6 / 914.3 / 18.1 
نهاية 1992 / 5.195.9 / 4.242.5 / 953.4 / 18.3 
نهاية 1993 / 5.327.6 / 4.335.2 / 992.5 / 18.6 
ويُعدُّ قانون العودة التعبير القانوني الواضح عن طبيعة الاستعمار الاستيطاني الإحلالي. ويبدو أن الاستعمار الصهيوني بدأ يفقد شيئاً من طبيعته الإحلالية بعد عام 1967، ويكتسب بدلاً من ذلك شكلاً مماثلاً للاستعمار الاستيطاني في جنوب أفريقيا القائم على التفرقة اللونية والذي يقوم على استغلال الأرض والسكان معاً. ولكن، تجـب الإشـارة إلى أن ثمة رفضـاً عمـيقاً لهذا التحول بين بعض الصهاينة، لأنه يعني أن الدولة اليهودية ستفقد هويتها الخالصة. ولم تحل اتفاقية أوسلو أياً من الإشكاليات الأساسية للاستعمار الاستيطاني الإحلالي الصهيوني.
حتميـــة طـــرد الفلســـطينيين ونقلـــهم (ترانســـفير)
Inevitability of the Zionist Tranfer of the Palestinians 
يهدف المخطَّط الصهيوني (شأنه شأن أي مشروع استيطاني إحلالي) إلى طَرْد وترحيل السكان الأصليين الذين يشغلون الأرض التي سيُقام فيها التجمُّع الصهيوني. وهذا أمر حتمي حتى يتسنى إقامة دولة يهودية خالصة لا تشوبها أية شوائب عرْقية أو حضارية أخرى. ولذا طُرح شعار "أرض بلا شعب". وهو ما يجعل طرد الفلسطينيين أمراً حتمياً نابعاً من منطلق الصهيونية الداخلي. 
وقد كتب هرتزل في يومياته عن الطرق والوسائل المختلفة لنزع ملكية الفقراء، ونقلهم، واستخدام السكان الأصليين في نقل الثعابين وما شابه ذلك، ثم إعطائهم وظائف في دول أخرى يقيمون فيها بصفة مؤقتة. وحينما كتب هرتزل لتشامبرلين عن قبرص، بوصفها موقعاً ممكناً آخر للاستيطان الصهيوني، لم يتردد في أن يرسم له الخطوط العريضة لطريقة إخلائها من السكان "سيُرحَّل المسلمون، أما اليونانيون فسيبيعون أرضهم بكل سرور نظير ثمن مرتفع ثم يهاجرون إما إلى اليونان أو إلى كريت". 
كما نجد أن إسرائيل زانجويل، المفكر الصهيوني البريطاني، يؤكد في كتاباته الأولى ضرورة طرد العرب وترحيلهم، فيقول: "يجب ألا يُسمَح للعرب أن يحولوا دون تحقيق المشروع الصهيوني ولذا لابد من إقناعهم بالهجرة الجماعية... أليست لهم بلاد العرب كلها... ليس ثمة من سبب خاص يحمل العرب على التشبث بهذه الكيلو مترات القليلة... فهم بـدو رُحل يطوون خيامهم ويَنْسَـلون في صمت وينتقلون من مكان لآخر". 
وذكر جوزيف وايتز، مسئول الاستيطان في الوكالة اليهودية، في عدد 29 سبتمبر 1967 من جريدة دافار، أنه، هو وغيره من الزعماء الصهاينة، قد توصلوا إلى نتيجة مفادها أنه "لا يوجد مكان لكلا الشعبين (العربي واليهودي) في هذا البلد" وأن تحقيق الأهداف الصهيونية يتطلب تفريغ فلسطين، أو جزء منها، من سكانها، وأنه ينبغي لذلك نَقْل العرب، كل العرب، إلى الدول المجاورة. وبعد إتمام عملية نَقْل السكان هذه سـتتمكن فلسـطين من استيعاب الملايين من اليـهود. 
وكان جابوتنسكي بطبيعة الحال من مؤيدي هذا المخطَّط، فأعد حيلة جديرة بعقله الصهيوني الصغير، إذ اقترح أن تعلن المنظمة الصهيونية العالمية معارضتها نزوح العرب عن فلسطين، وبذا تهدئ مخاوف العرب بشأن مخطَّط نَقْل السكان الأصليين، بل سيظن هؤلاء السكان، السذج، أن الصهاينة يريدون منهم البقاء حتى يتسنى لهم استغلالهم، ولذا فإنهم سيحملون متاعهم ويرحلون. وهذه الخطة، أو الحيلة تتسم بالغباء أكثر مما تتسم بالخبث، فقد أثبت الفلاحون العرب أنهم أقل جهـلاً مما كان يتصـور الزعيم الصهيوني، وأكثر ارتياباً مما تَعشَّم. 
ويمكن القول بأن جابوتنسكي "متطرف"، ولكن سنجد أن وايزمان كان من المطالبين بهذا، وقد نشرت مجلة الجويش كرونيكل، في 13 أغسطس 1937، وثيقة، وقعها وايزمان بالحروف الأولى من اسمه، تدل على أن الزعيم الصهيوني كان يرى أن نجاح مشروع التقسيم يتوقف على مدى إخلاص الحكومة البريطانية للتوصية الخاصة بنقل السكان. ولا يختلف آرثر روبين مدير دائرة الاستيطان الصهيوني كثيراً عن ذلك. فقد اقترح منذ مايو 1911 "ترحيلاً محدوداً" للفلاحين العرب الذين سيُجرَّدون من أمـلاكهم إلى منطقتي حلب وحمص في شـمال سوريا. كان تجريد المزارعين العرب وإجلاؤهم عن أراضيهم، كما كتب روبين بعد تسعة عشر عاماً، أمراً لا مفر منه، لأن "الأرض هي الشرط الحيوي لاستيطاننا فلسطين. لكن لما لم يكن ثمة أرض قابلة للزراعة إلا وهي مزروعة من قبل، فقد نجد أننا حيثما نشتري أرضاً ونسكنها لابد لزرَّاعها الحاليين من أن يُطرَدوا منها...". 
ولم تكن خطة نقل المواطنين اليهود مقصورة على أولئك الذين استوطنوا الأرض من أجل أغراض رأسمالية دنيئة، أو لأسباب قومية عادية، بل كانت أيضاً خطة تبناها أولئك الذين استوطنوا فلسطين لكي يقيموا فيها مجتمعاً مثالياً قوامه المساواة. وقد أبدى بوروخوف، أبو اليسار الصهيوني، وعياً ملحوظاً بحقيقة أن الحل الصهيوني، الذي يتلخص في نقل اليهود وتوطينهم في أرض خاصة بهم، لا يمكن أن يتم "بدون نضال مرير وبدون قسوة وظلم وبدون معاناة البريء والمذنب على السواء". وفي تحديد إطار تَصوُّره لمستقبل المواطنين، قال إن المهاجرين اليهود سيقومون ببناء فلسطين، وأن السكان الأصليين سيتم استيعابهم، في الوقت المناسب، من جانب اليهود من الناحيتين الاقتصادية والثقافية على السواء. "إن تاريخ الاستيطان الصهيوني سيُكتَب بالعرَق والدموع والدم". 
وقد وصف الكاتب الإسرائيلي موشي سميلانسكي ما تصوَّره اجتماعاً للرواد الصهاينة الاشتراكيين، في عام 1891، حيث تم توجيه بعض الأسئلة الخاصة بالعرب: 
ـ "إن الأرض في يهودا والخليل يحتلها العرب". 
ـ "حسناً سنأخذها منهم". 
ـ "كيف؟" (صمت). 
ـ "إن الثوري لا يوجه أسئلة ساذجة ". 
ـ "حسناً، إذن، أيها الثوري، قل لنا كيف؟". 
وجاءت الإجابة في شكل عبـارات واضحة لا لبـس فيها ولا إبهام: "إن الأمر بسيط جداً. سنزعجهم بغارات متكررة حتى يرحلوا.. دعهم يذهبوا إلى ما وراء الأردن". وعندما حاول صوت قَلق أن يعرف ما إذا كانت هذه ستكون النهاية أم لا، جاءت الإجابة، مرة أخرى، محددة وقاطعة: "حالما يصبح لنا مُستوطَنة كبيرة هنا، سنستولي على الأرض وسنصبح أقوياء وعندئذ سنولي الضفة الشرقية اهتمامنا وسنطردهم من هناك أيضاً، دعهم يعودوا إلى الدول العربية".
ثمة رؤية إحلالية صهيونية واضحة لها منطقها الواضح الحتمي، تحوَّلت إلى خطة لحل مشكلة الصهاينة الديموجرافية (التي تشبه مشكلة الإنسان الأبيض الديموجرافية في جميع الجيوب الاستيطانية) وهذه المشكلة عادةً ما يُطرَح حل نهائي جذري لحلها، وقد تتأرجح بين حد أقصى (الترانسفير الكامل أو الإبادة الجسدية الكاملة) أو حد أدنى، خلق أغلبية من العنصر السكاني الجديد. المتحرك هو الحدان الأعلى والأدنى، أما الثابت فهي رؤية الترحيل والإحلال. وبين سنتي 1937 و1948، صيغت وقُدِّمت عدة خطط ترحيل صهيونية، منها: خطة سوسكين للترحيل القسري (سنة 1937)، وخطة فايتس للترحيل (ديسمبر 1937)، وخطة بونيه (يوليه 1938)، وخطة روبين (يونيه 1938)، وخطة الجزيرة (1938ـ 1942)، وخطة إدوارد نورمان للترحيل إلى العراق (1934 ـ 1948)، وخطة بن جوريون (1943 ـ 1948)، وخطة يوسف شختمان للترحيل القسري (1948)، وأثناء الفترة نفسها أُلِّفت ثلاث لجان ترحيل، نيطت بها مهمة مناقشة وتصميم الطرق العملية لترويج خطط الترحيل: اللجنتان الأوليان ألفتهما الوكالة اليهودية (1937 ـ 1942)، أما اللجنة الثالثة فقد ألفتها الحكومة الإسرائيلية سنة 1948. 
والثوابت واضحة والخطة ليست أقل وضوحاً، والآلية في مثل هذه التجارب الاستيطانية الإحلالية معروفة، فالبشر لا يتركون أرضهم هكذا، ولا يطوون خيامهم ويَنْسَـلون من الأرض ويختفـون، كما كان يتمـنى زانجويل، ولابد من استخدام القوة والعنف. ومع هذا لا تفتأ الدعاية الصهيونية تنفي عن نفسها تهمة العنف العسكري الموجه ضد العرب. بل إن بن جوريون بلغت به الجرأة أن يزعم أن كل مفكري الصهيونية العظماء لم يطرأ لهم على بال قط أن الحلم الصهيوني لا يمكن تحقُّقه إلا من خلال الانتصار العسكري على العرب. ولكن بن جوريون، بلا شك، قرأ رسالة هرتزل إلى البارون دي هرش، التي يحدثه فيها عن خطته لخلق البروليتاريا اليهودية المثقفة من قيادات وكوادر الجيش الصهيوني التي ستبحث وتكتشف ثم تستولي على الأرض، أي الوطن القومي. ولا شك في أنه سمع بخطاب زانجويل (في مانشستر في أبريل 1905) الذي قال للصهاينة فيه: "لابد أن نُعد أنفسنا لإخراج القبائل [العربية] بقوة السـيف كما فعل آباؤنا، أو أن نكابد مشـقة وجود سـكان أجانب كُثر، معظمهم من المحمديين" (أي المسلمين). ولابد أنه قرأ ما كتبه أهرون أهرونسون عن ضرورة "إخراج المزارعين العرب بالقوة". وبعد وفاة هرتزل، واصل صديقه نوردو الدفاع عن العنف العسكري، فاقترح تعبئة جيش ضخم، قوامه 600.000 يهودي للذهاب إلى فلسطين حتى يفرض نفسه، بوصفه أغلبية سكانية على الفلسطينيين. وقد كان الزعيم الصهيوني العمالي جوزيف ترومبلدور أكثر تواضعاً، إذ اقترح تكوين جيش قوامه 100.000 فحسب. 
أما جابوتنسكي، الوريث الحقيقي لفكر هرتزل، فقد رسم خطة لخلق أغلبية يهودية فورية في فلسطين، وسماها «مشروع نوردو». وعندما حذر أحد الصهاينة الألمان من نشوب حرب شاملة مع العرب، سخر جابوتنسكي منه، ثم ضرب أمثلة استقاها من تاريخ الاستعمار الغربي في أفريقيا وآسيا: "إن التاريخ يعلمنا أن كل المستعمرين قوبلوا بقليل من التشجيع من جانب السكان الأصليين.. وقد يكون ذلك مدعاة للحزن. ونحن اليهود لن نشذ عن القاعدة". وفي خطابه أمام اللجنة الملكية لفلسطين، عام 1937، قال جابوتنسكي "إن أمة كأمتكم، عريقة في تجربتها الاستعمارية العملاقة، تعرف بكل تأكيد أن المشروع الاستعماري لم ينجح دون نزاعات مع السكان.. (ولذا يجب) السماح لليهود بإقامة حرس خـاص بهـم، مثل الأوربيين في كينيا". وبعـد عـام من ذلك التاريخ، وخلال اجتماع فرعة منظمة بيتار في بولندا ـ وهي منظمة عسكرية صهيونية ـ لعب مناحم بيجين، تلميذ جابوتنسكي المخلص، دوراً مؤثراً وفعالاً في تغيير يمين الولاء ليتضمن قسماً بالاستيلاء على الوطـن اليهودي بقوة السـلاح. وقد تولَّى بيجين زعامة المنظمة عام 1939. 
ومن المعروف أنه مع بداية هذا القرن كان الشباب، من عمال صهيون الذين استوطنوا فلسطين يسيرون مسلحين بعصي كبيرة وبعضهم يسير حاملاً مدى ومسدسات. وفي عام 1907 تأسست منظمة عسكرية صهيونية سرية شعارها "لقد سقطت يهودا بالدم والنار وستنهض بالطريقة نفسها". وقد تحوَّل اسم هذه المنظمة عام 1909 إلى منظمة الهاجاناه. وقد أسقطت الهاجاناه وهي الذراع العسكري للوكالة اليهودية، وللمنظمة الصهيونية العالمية، الشعار الإرهابي آنف الذكر. ولكن الأرجون (أو هاجاناه بيت)، التي كان يترأسها مناحم بيجين، احتفظت به. وقد اتخذت الأرجون ـ رمزاً لها ـ يداً تمسك بندقية فوق خريطة فلسطين وشرق الأردن، أيضاً، نقشت تحته هذه الكلمات: "هكذا فقط"، وفي سنة 1948 اندمجت كل من الهاجاناه، والأرجون لتكوِّنا جيش الدفاع الإسرائيلي. ومن المستحيل أن يكون كل هذا قد فات على بن جوريون، وقد كان واحداً من أهم المخططين الأساسيين في مُخطَّط الاستيطان والتوسع الصهيوني. 
وخلال السنوات الأولى للاستيطان الصهيوني تم تحصين المستوطنات التعاونية الزراعية بمعدات بدائية، تحوَّلت فيما بعد إلى التاكتيك المسمى «البرج والسور». وبعد عام 1948 أصبحت إسرائيل كلها "الدولة القلعة" أو "الجيتو المسلح". وقد تنبأ جابوتنسكي بهذا الوضع حينما قال إن "سوراً حديدياً من القوات المسلحة اليهودية سيقوم بالدفـاع عن عملية الاسـتيطان الصهيوني". وبعد إنشـاء الدولة الصهيونية، أصبح الحديث عن نقل (ترانسفير) العرب خافتاً ولكنه لم ينته قط، إذ لا تزال مشكلة إسرائيل السكانية قائمة، وخصوصاً أن المصادر البشرية للهجرة الاستيطانية آخذة في الجفاف.
يتبع إن شاء الله...


الباب الثانى: إحلالية الاستعمار الاستيطاني الصهيوني  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

الباب الثانى: إحلالية الاستعمار الاستيطاني الصهيوني  Empty
مُساهمةموضوع: طرد ونقل (ترانسفير) الفلسطينيين   الباب الثانى: إحلالية الاستعمار الاستيطاني الصهيوني  Emptyالخميس 06 مارس 2014, 8:39 am

طرد ونقل (ترانسفير) الفلسطينيين Transfer of the Palestinians 
إن إفراغ فلسطين من سكانها هو هدف صهيوني، وضرورة يحتمها منطق الأسطورة والعنف الإدراكي الصهيوني. ولكي يحقق الصهاينة مخططهم تبنوا تكتيكات مختلفة، فلم يكن العنف المسلح الوسيلة الوحيدة، وإنما استخدموا وسائل أخرى أيضاً. وقد اتهم عالم الاجتماع البولندي اليهودي، لودفيج جومبلوفيتش، هرتزل بالسذاجة السياسية، ثم طرح عليه سؤلاً بلاغياً: "هل تريد أن تؤسس دولة بدون عنف مسلح أو مكر؟ هكذا... بالتقسيط المريح؟". ومن المؤكد أن العنف المسلح والمكر هما الأداتان اللتان استخدمهما الصهاينة. ويتمثل المكر في نشر الذعر والإرهاب بين العرب، أما العنف فيتمثل في تعريضهم للإرهاب الفعلي. ويمكن القول بأن الإرهاب الصريح ضد الفلسطينيين قد استُخدم قبل 1948، ثم خلال فترة الحرب كلها، أما نشر الرعب بين السـكان، أي الحرب النفسـية، فقد تصـاعدت حدتها في المرحلة الأخـيرة. وليس لهذا التمييز بين العنف المسلح والمكر أية أهمية، إلا من الناحية التحليلية البحتة، حيث إن الأسلوبين متداخلان، بل إنهما، في الواقع، مجرد عنصرين في مخطط واحد متكامل. ففي حالة مذبحة دير ياسين، على سبيل المثال، حرص الصهاينة حرصاً شديداً على إطلاع جميع الفلسطينيين على الحادث، ليقوموا من خلاله بغرس الخوف والهلع في القلوب. 
وكان أكثر أساليب الحرب النفسية شيوعاً هو أسلوب استخدام مكبرات الصوت والإذاعات لخلق جو من الذعر بين سكان قُضي على قياداتهم أثناء الثورات المتكررة السابقة، ولا سيما بعد قمع ثورة عام 1936 ضد الاحتلال البريطاني. وعلى سبيل المثال، فقد حذر راديو الهاجاناه العرب، يوم 19 فبراير عام 1948، من أن الزعماء العرب سيتجاهلون أمرهم. وفي الساعة السادسة من مساء يوم 10 مارس أذاع الراديو أن "الدول العربية تتآمر مع بريطانيا ضد الفلسطينيين". وفي الساعة السادسة من مساء يوم 14 مارس عام 1948 أذاع الراديو "إن سـكان يافا في حـالة ذعر كبيرة؛ إلى درجة أنهم ظلوا داخل منازلهـم". وأشار الكاتب اليهودي هاري ليفين في مذكراته إلى البيان، الذي كان قد سمعه يوم 15 مايو أثناء إذاعته من عربات مكبرات الصوت الصهيونية باللغة العربية، والذي كان يحث العرب على "مغادرة الحي قبل الساعة الخامسة والربع صباحاً"، ثم نصحهم بقوله: "ارحموا زوجاتكم وأطفالكم، واخرجوا من حمام الدم هذا... اخرجوا من طريق أريحا، الذي ما زال مفتوحاً. وإن مكثتم هنا، فإنكم بذلك ستجلبون على أنفسكم الكارثة"، وقد تجولت أيضاً مكبرات الصوت التابعة للهاجاناه في جميع أنحاء حيفا، تهدد الناس، وتحثهم على الفرار مع أسرهم (وذلك وفقاً لما جاء في كتاب المؤلف الصهيوني جون كيمشي الأعمدة السبعة المنهارة). 
إن الإشارات المتكررة إلى الكوارث المُتوقَّعة والانهيار الوشيك هي من الموضوعات الأساسية التي ركزت عليها إذاعة الهاجاناه، ومكبرات الصوت التابعة لها، في المناطق الآهلة بالسكان العرب. وثمة موضوع آخر تكرر في الحرب النفسية التي شنها المستعمرون الاستيطانيون، هو خطر انتشار الأوبئة الوشيك. ففي الساعة السابعة والنصف مساء يوم 20 مارس 1948 بدأت الإذاعة الصهيونية في إذاعة بيان باللغة العربية جاء فيه: "هل تعلمون أنه يُعتبَر واجباً مقدَّساً عليكم أن تُطعِّموا أنفسكم على وجه السرعة ضد الكوليرا والتيفوس وما شابه ذلك من الأمراض، حيث إن من المتوقع انتشار مثل هذه الأمراض في شهري أبريل ومايو بين العرب في التجمعات الحضرية". وقد تم استخدام الموضوع نفسه يوم 18 فبراير عام 1948، عندما أكدت السـلطات الصهيونية، عن طريق الراديو، أن المتطوعين العرب "يحملون وباء الجدري"، وأضافت تقول، يوم 27 فبراير، إن "الأطباء الفلسطينيين قد أخذوا يفرون". 
ويُقدِّم إيجال آلون، وزير الخارجية الإسرائيلية السابق، تقريراً في كتاب البالماخ عن مساهمته في تكتيكات الإرهاب: "جمعت جميع العمد اليهود، الذين لهم صلة بالعرب في مختلف القرى، وطلبت منهم أن يهمسوا في أُذن بعض العرب بأن قوة عسكرية يهودية كبيرة وصلت إلى منطقة الجليل، وأنها ستحرق سائر قرى منطقة الحولة. وينبغي عليهم أن يقترحوا على هؤلاء العرب، بصفتهم أصدقاء لهم، الهرب، حيث ما زال هناك وقت لتنفيذ ذلك". وشرح آلون كلامه بقوله: "وانتشرت الشائعة في جميع مناطق الحولة بأن الوقت قد حان للفرار، وبلغ عدد الهاربين آلافاً لا تُحصَى. وبذلك حقق التكتيك هدفه تماماً... وتم تنظيف المناطق الواسعة ". وكلمة «تنظيف» مناسبة جداً للتعبير عما يدور في ذهن الاستعماري الاستيطاني الإحلالي الذي لم يُردْ الأرض فحسب، وإنما أراد تفريغها من سكانها. (وهي الكلمة نفسها التي استخدمها الصرب في حديثهم عن إبادة أهل البوسنة من المسلمين). 
هذا عن أساليب الحرب النفسية، أو أساليب المكر التي اتبعها الصهاينة، وهي، بلا شك أساليب كانت مبتكرة. ولكن الملاحظ الموضوعي لا يملك إلا أن يشهد بأن العقل الصهيوني بمقدرته اللامتناهية على الإبداع في مجال العنف المسلح أو الإرهاب، قد طوَّر وجدَّد في مجال العنف المباشر، أكثر من تجديده في مجال المكر والحرب النفسية. 
ولعل من أهم الشخصيات في مجال العنف المسلح الصهيوني غير اليهودي أورد وينجيت. ويمكننا أن نذكر هنا مساهماته في تدعيم تقاليد الإرهاب الصهيوني وتطويرها بما يتفق مع خصوصية الموقف في فلسطين. وقد نجح وينجيت في الحصول على موافقة القيادة البريطانية على تشكيل الفرقة الليلية، التي كان الهدف منها هجومياً وليس دفاعياً. فبدلاً من انتظار الهجوم العربي، طالب وينجيت بأن يقوم المستوطنون بتشكيل وحدات متحركة ليقوموا بالبحث عن العدو في أرضه خلال ظلمة الليل. والافتراضات هنا غريبة بعض الشيء، إذ تفترض أن الفلاحين الفلسطينيين، داخل فلسطين نفسها، يمكن أن يكونوا في حالة "هجوم" في أي وقت من الأوقات. ففي تصوري أنهم طالما ظلوا في فلسطين، فهم في حالة دفاع مشروع عن النفس، ولكن إذا ما عدنا للتصورات الصهيونية والاسترجاعية فإننا سنجد أن الأغيار الذين يقطنون فلسطين هم معتدون، بالضرورة. وقد اعترض بعض أعضاء الهاجاناه على خطط وينجيت خشية أن يؤدي الموقف الهجومي المقترح إلى زيادة حدة توتر العلاقات بين المستوطنين الصهاينة وجيرانهم العرب. بيد أن وينجيت أصر على موقفه، وتم تشكيل الفرقة الليلية. 
وكانت العمليات العسكرية تبدأ عادةً بأن يطلق وينجيت بعض العيارات النارية على إحدى القرى العربية، فيستفز العرب بذلك ويردون بوابل من الطلقات النارية. وحينما يتجمع العرب بحثاً عن المهاجمين، يتم حصارهم بسرعة. وفي إحدى الغارات قتل الصهاينة، تحت قيادة وينجيت، خمســة من تسـعة من العرب الذين ذهبـوا يبحثون عن المهاجمين، وأُسر الأربعة الآخرون. وقام وينجيت بتهنئة أعضاء فرقته في "هدوء وسكون"، ثم بدأ التحقيق مع العرب بشأن أسلحتهم المخبأة. وعندما رفض العرب الإدلاء بأية معلومات عنها، انحنى وينجيت وتناول حفنة من الرمال والزلط من الأرض وأرغم أول عربي على مضغها ودفع بها في حنجرته حتى كادت أن تخنقه "وتزهق روحه". ولكن العرب مع هذا لم يستسـلموا.
وهـنا انتهـج الصهيوني غير اليهودي أسـلوباً آخر، إذ التفت إلى أحد اليهود وأشار إلى العربي قائلاً: "أطلق الرصاص على هذا الرجل". فتردد اليهودي، في بادئ الأمر، ولكن وينجيت قال: في صوت يشوبه التوتر "ألم تسمع؟ أطلق الرصاص عليه". فقام المستوطن الصهيوني -ممتثلاً- بإطلاق الرصاص على العربي، واضطر المسجونون العرب الآخرون إلى أن يتكلموا في النهاية. وقد أشار الجنرال دايان في مذكراته إلى أن الكثير من الرجال الذين كانوا يعملون مع وينجيت "قد أصبحوا ضباطاً في الجيش الإسرائيلي، الذي حارب العرب وهزمهم". وأوضح دايان أن الذين استفادوا من معرفة وينجيت وتكتيكاته لم يكونوا مساعديه المباشرين فقط بل إن كل قائد في الجيش الإسرائيلي حتى اليوم هو تلميذ من تلاميذ وينجيت: "لقد أعطانا التكتيك الذي نسير عليه اليوم، وكان هو الإلهام الذي نستوحي منـه تكتيكـاتنا، لقد كان -بالنسبة لنا- الديناميكية التي تعطينا القوة". 
استفادت قوات الغزو الصهيونية من فكر وينجيت الإرهابي العسكري قبل 1948وبعدها (فكرة الضربة المجهضة على سبيل المثال)، ولكن ما يهمنا هنا هو الغارات الليلية التي كانت تشنها الهاجاناه والبالماخ عام 1948. فقد أشار دايان إلى أن الهاجاناه والبالماخ كانتا تشنان هذا النوع من الغارات خلال عام 1948. وكما أشار المؤرخ اليهودي أرييه يتشاكي فإن التكتيكات كانت شديدة البساطة: "هجوم على قرية العدو، ثم تدمير أكبر عدد ممكن من المنازل". وكانت النتائج بسيطة بالمثل: "مصرع عدد كبير من المسنين والنساء والأطفال في أيِّ مكان تواجه فيه القوة التي تشن الهجوم أية مقاومة". 
ولكن الهاجاناه أدخلت، على ما يبدو، بعض التحسينات المهمة على تكتيكاتها، ولا سيما في نهاية عهد الانتداب. ففي الهجوم على القرى العربية كان رجال الهاجاناه يضعون، أولاً، وبهدوء، شحنات متفجرة حول المنازل المبنية من الحجارة، ويبللون إطارات النوافذ والأبواب بالبنيزين. وبمجـرد أن يتم تنفيـذ هذه الخطوة، يفتحون نيرانهم، في الوقت الذي يبدأ انفجار الديناميت، فيحترق السكان النائمون حتى الموت. وقد علق حاييم وايزمان على نتائج الإرهاب والمكر الصهيونيين قائلاً: إن خروج العرب بشكل جماعي كان تبسيطاً لمهمة إسرائيل ونجـاحاً مزدوجاً: انتصـار إقليمي، وحل ديموجرافي نهائي. إن الأرض، بعد تفريغها من سكانها، أصبحت بلا شعب حتى يأتي الشعب الذي لا أرض له. 
قانـون العـودة: قانون صهيوني أساسي Law of Return: A Zionist Basic Law 
«قانون العودة» قانون صدر في إسرائيل عام 1950 يمنح أي يهودي في العالم حق الهجرة إلى فلسطين وأن يصبح مواطناً فور وصوله. ومن المعروف أن جميع أجنحة الصهيونية تعاونت في مرحلة ما قبل 1948 على إنجاز أهم عنصر مُتضمَّن في الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة، أي التخلص من السكان الأصليين وتغييبهم. وثمة أدبيات ثرية في هذا الموضوع توثق النية الصهيونية المبيتة لطرد العرب، وتبيِّن الطرق المختلفة التي لجأت إليها قوات المستوطنين لطرد الفلسطينيين وتفريغ فلسطين من سكانها. ولكن المشروع الصهيوني لم يُحقِّق النجاح الكامل إذ بقيت أقلية من العرب (وهي آخذة في التزايد). وقد لجأت دولة المستوطنين إلى اتخاذ إجراءات قانونية للضرب على يد هذه الأقلية العربية وتكبيلها. ولم يكن ذلك أمراً عسيراً، إذ ورثت هذه الدولة، فيما ورثت، خاصية اليهودية باعتبارها خاصية رئيسية ومحورية تسم اليهود الذين تقوم على خدمتهم مجموعة من المؤسسات الاستيطانية المقصورة عليهم. وبصدور قـانون العـودة في يولــيه 1950، تحوَّلـت خاصية اليهودية هذه إلى مقولة قانونية تمنح صاحبها حقاً تنكره على غير اليهود. 
وقد صدر هذا القانون عن الكنيست الأول عام 1950، وخضع لتعديل لاحق في أغسطس عام 1954، وهو ينطلق من الافتراض الصهيوني القائل بأن اليهود "شعب بلا أرض"، شعب عضوي نُفي قسراً من وطنه فلسطين منذ ألفي عام. ولكن هذا النفي لم يؤثر في أعضاء هذا الشـعب، فغالبيتهم ـ حسب التصوُّر الصهيوني ـ مرتبطون عضوياً ارتباطاً تاماً بوطنهم ويريدون "العودة" إليه لينهوا حالة الشتات وليحققوا وحدة الشعب اليهودي بأرضه اليهودية. ومن هنا تسمية القانون بـ «قانون العودة». 
ويعني هذا الافتراض أيضاً أن فلسطين "أرض بلا شعب"، وأنه إن وُجد شعب فيها في عشرات القرون الماضية فهو وجود عرضي ومؤقت ولا يُضفي على أعضاء هذا الشعب أية حقوق ثابتة، إذ أن اليهود وحدهم لهم حقـوق عضوية مطلقـة في أرض فلسـطين، أو إرتـس يسرائيل، كما يُقال في الأدبيات الصهيونية والإسرائيلية واليهودية. 
لكل هذا نص قانون العودة صراحةً على حق كل يهودي في الهجرة أو العودة إلى إسرائيل (بعد آلاف السنين "من الغياب المؤقت")، وأنكر بشكل ضمني هذا الحق على الفلسطينيين الذين هاجروا من أرضهم عام 1948 حتى يبـقى المجـال الحيوي لليهود وللدولة اليهودية. خالياً من العرب. ونص القانون على حق كل يهودي في الهجرة إلى إسرائيل ما لم يكن وزير الداخلية مقتنعاً بأن طالب الهجرة يمارس نشاطاً موجَّهاً ضد اليهود، أو يمكن أن يعرض الأمن والصحة العامة للخطر، أو أن له ماضياً إجرامياً. وتضمَّن مواد هذا القانون الفريد حق اليهودي، في حالة رفض هجرته لغير الأسباب السابقة، في اللجوء إلى المحكمة العليا الإسرائيلية لإجبار السلطات على السماح له بذلك حتى لو ظل مواطناً أجنبياً على أرض دولة أخرى. كما يمنح القانون الأشخاص الذين يدخلون إسرائيل بموجبه الجنسية وحقوق المواطنة على الفور. 
وبموجب المادة الرابعة من قانون العودة، يُعتبَر كل يهودي هاجر إلى فلسطين (قبل سريان القانون) وكل يهودي مولود فيها (قبل سريانه أو بعده) شخصاً جاء إلى فلسطين بصفة "مهاجر عائد". ورغم أن هذا القانون قانون هجرة وليس قانون جنسية، فإن اعتماد جوهره في قانون الجنسية الإسرائيلية جعل منهما كلاًّ متكاملاً. 
وقد أشار بن جوريون إلى طبيعة قانون العودة إبان عرضه على الكنيست، حيث ذكر أن هذا القانون لا يمنح اليهودي "الحق" في الهجرة إليها، فهذا الحق كامن في كل يهودي باعتباره يهودياً، وإنما يهدف القانون إلى تحديد طابع الدولة الصهيونية وهدفها الفريد، فهذه الدولة تختلف عن بقية دول العالم من حيث عناصر قيامها وأهدافها، وسلطتها محصورة في سكانها ولكن أبوابها مفتوحة لكل يهودي حيث وُجد. وأكد بن جوريون أن قانون العودة هو التعبير القانوني عن الرؤية الصهيونية (من هنا وصفنا لقانون العودة بـ «الصهيوني»). 
وفي مارس عام 1970، أدخل الكنيست تعديلاً جديداً على القانون، عقب نشوب أزمة وزارية متكررة الحدوث حول تعريف اليهودي. وتَضمَّن التعديل أن اليهودي هو «المولود لأم يهودية أو المهتدي إلى الدين اليهودي والذي لا يدين بدين آخر». كما نص على أن تُمنَح الجنسية الإسرائيلية بصورة آلية لجميع أفراد الأسرة المهاجرة من غير اليهود. 
وعُدِّل قانون العودة فيما بعد، ووفقاً لهذا التعديل لا تُشتَرط الإقامة في إسرائيل أو إتقان اللغة العبرية أو حتى التنازل عن الجنسية الأخرى، ويُكتفى للاستفادة بقانون العودة أن يعرب المهاجر على نيته في الاستقرار في إسرائيل. 
وقد قارن كثير من الكُتَّاب اليهود والإسرائيليين بين قانون العودة والقوانين النازية. فعلى سبيل المثال، أعـرب الأستاذ الإسرائيلي د. كونفيتس ـ خلال النقاش الذي دار قبل الموافقة على قانون العودة ـ عن مخاوفه من احتمال مقارنة هذا القانون بالقوانين النازية، ما دام يُجسِّد مبدأ التمييز بين الأفراد على أساس ديني أو عرْقي. وبعد صدور هذا القانون، حذَّرت جريدة جويش نيوزلتر، في عددها الصادر في 12 مايو 1952، من أن هذا القانون يعيد إلى الذاكرة النظرية العنصرية الخطيرة القائلة بأن الفرد الألماني يتمتع بمزايا جنسيته، بغض النظر عن المكان الذي يوجد فيه. 
وفي مقارنة عقدها روفن جراس بين قانون العودة والقوانين النازية، بيَّن أن قانون العودة يمنح امتيازات الهجرة لأيِّ يهودي بموجب تعريف قـوانين نورمبرج: أي أن يكون جـده يهـودياً. ويؤكد حاييم كوهين، الذي كان قاضياً بالمحكمة العلـيا في إسـرائيل أن "من سخرية الأقدار المريرة أن تُستخدَم نفس الأطروحات البيولوجية والعنصرية التي روَّج لها النازيون والتي أوحت لهم بقوانين نورمبرج الشائنة، كأساس لتعريف الوضع اليهودي داخل دولة إسرائيل". 
وهناك، على الأقل، حالة واحدة معروفة، قامت فيها السلطات الدينية في إسرائيل بالرجوع إلى السجلات النازية، للتأكد من الهوية العنصرية الدينية الإثنية لأحد المواطنين الإسرائيليين. ورغم أن قانون العودة هو الإطار القانوني للإحلالية والتوسعية والعنصرية الصهيونية، وهو مصدر الهوية اليهودية المزعومة للدولة الصهيونية (ومن ثم فهو أساس عزلتها وعدائها لجيرانها)، ورغم أن أعداد اليهود التي ترغب في "العودة" إلى إسرائيل آخذة في التناقص (ومن هنا الضغط على اليهود السوفييت للهجرة إلى إسرائيل)، فإن جميع اتفاقيات ومعاهدات السلام لم تتعرض له من قريب أو بعيد. بل طُلب من منظمة التحرير الفلسطينية أن تلغي بنوداً أساسية في ميثاقها، بينما لم يطلب أحد من إسرائيل أن تلغي قانون العودة. 
ونحن نرى أن قانون العودة هو أهم تجسد للاستيطانية الإحلالية الصهيونية، أي أهم تجسد لجوهر الصهيونية. ولا يوجد حل إلا بمحو هذا الجوهر، أي نزع الصبغة الصهيونية عن الكيان الصهيوني. ويمكن أن يأخذ هذا المطلب المجرد شكلاً إجرائياً متعيناً من خلال إما إلغاء قانون العودة أو أنسنته بمعنى أن يطبق على كل من الفلسطينيين واليهود دون تمييز، وأن يكون المقياس الوحيد هو حاجة فلسطين المحتلة إلى كثافة بشرية ومقدرتها الاستيطانية. 
الطرق الالتفافية By-Pass Roads 
هي طرق تبنيها الدولة الاستيطانية الإحلالية الصهيونية يقتصر استخدامها على المستوطنين الصهاينة في الضفة الغربية بحيث تتحوَّل التجمُّعات الفلسطينية إلى كانتونات مُحاصَرة بالمستوطنات والطرق الالتفافية والمنشآت العسكرية. والطرق الالتفافية بذلك تكون بمنزلة سياج أمني حول المستوطنات، كما أنها تجعل المستوطنين الذين يعيشون وسط القرى والمدن العربية قادرين على التحرك دون أن يضطروا إلى عبور الأراضي الفلسطينية أو مواجهة الفلسطينيين. 
وتستند خطة الاستيطان أمناه (وهي برنامج واسع للاستيطان والبناء في أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة) على نظام متكامل من الطرق الالتفافية أعلنها الجيش الإسرائيلي رسمياً في أواخر سنة 1994 أثناء حكم حزب العمل واكتسبت شرعيتها من خلال اتفاق توسيع الحكم الذاتي عام 1995 (أوسلو ـ2) وموافقة السلطة الفلسطينية عليها لارتباطها بخطة إعادة الانتشار من المناطق الفلسطينية الآهلة. 
وقد كثَّفت إسرائيل بناء هذه الطرق التي تخترق معظم مناطق الضفة الغربية المأهولة بالسكان منذ عام 1995، يتم من خلالها تجديد طرق ترابية قائمة وشق أخرى، إضافة إلى فتح طرق سريعة من الشمال إلى الجنوب عبر وادي الأردن، وشق مداخل ومخارج جديدة في شمال الضفة الغربية، وشق مجموعة طرق عسكرية. وأهم هذه الطرق الطريق رقم 60، والطريق رقم 20. 
وقد بلغ عدد هذه الطرق عام 1996 حوالي عشرين طريقاً تغطي 400 كم تتفرع من الطريق الرئيسي المعروف باسم «الطريق 60» الذي يمتد من الشمال إلى الجنوب لجزئي الضفة الغربية. وبعض هذه الطرق ما زال قيد الإنشاء، وتعتزم سلطات الاحتلال بناء خمس طرق أخرى. ويلتف الطريق 60 حول المدن الفلسطينية في الضفة ويربط عشرات المستوطنات المنتشرة في كل أنحاء الضفة.
ويتم الاستيلاء على معظم الأراضي اللازمة لبناء هذه الطرق من خلال أوامر وضع اليد، وهي غطاء قانوني يحجب المصادرة، وهي أولى الخطوات نحو المصادرة النهائية، والتبرير المعطى في أكثرية أوامر وضع اليد هو الأمن والضرورة العسكرية، وهو تبرير لا يمكِّن المُلاك الفلسطينيين من الاحتجاج ضده. 
وتؤدي هذه الطرق إلى إتلاف آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية وتدمير مئات المنازل، وإلحاق خسائر فادحة لأن هذه الأراضي مزروعة بكثافة بأشجار الزيتون، الأمر الذي يؤدي إلى تدمير مصدر رزق العائلات الفلسطينية الوحيد. كما يؤدي شق هذه الطرق إلى إعاقة نمو القرى الفلسطينية والحد من قدرة البلديات الفلسطينية على توسيع الخدمات البلدية. 
كل هذا يجعلنا نرى الطرق الالتفافية لا باعتبارها مجرد ظاهرة سياسية اقتصادية وإنما صورة مجازية تعبِّر بشكل متبلور عما آل إليه الاستعمار الاستيطاني الإحلالي الصهيوني في فلسطين المحتلة. فهو استيطان يستند إلى أكذوبة (أرض بلا شعب) لم يَعُد بمقدور صاحبها الاستمرار فيها فدب فيها الموت. ولكن الأكذوبة أساسية لبقائه واستمراره ولذا فهو يحاول أن يتشبث بها ويبث فيها الحياة بقدر الإمكان بالطرق الالتفافية، فهي محاولة أخيرة يائسة بعد أن فشل الاستيطان الصهيوني في جانبه الإحلالي، ولم يتمكن من إبادة الشعب أو طرده أو حتى تقليل كثافته وأثبتت فلسطين أنها ليست أرضاً بلا شعب بل أرض مأهولة يزرعها ويحرثها نسلها. ولذا فالحل أن تصبح فلسطين "أرضاً يسكنها شعب لا تقع عيوننا عليه، فكأنها بالفعل أرض بلا شـعب، وإن ظـهر الشـعب على طرقنـا الالتـفافـية حصدته رصاصات جيش الدفاع الإسرائيلي، فتستمر الأكذوبة". 
ومن الواضح أن فلسـطين ثابتة، فمدنها وقراها لا تتحول، وسكانها لا يكفون عن المقاومة. فالطرق الالتفافية من ثم تعبير عن قدرة الصهاينة على خداع الذات. ولكنه خداع للذات يكلف صاحبه الكثير من الناحيتين الاقتصادية والعسكرية. فالطرق الالتفافية تتناقض مع أبسط معايير الجدوى الاقتصادية (أن يكون هناك طريق للمستعمر وآخر للسكان الأصليين) وهدفها تحقيق قدر كبير من الراحة النفسية لصاحبه. ولكن لا شك في أن وجود الجنود الإسرائيليين لحراسة هذه الطرق يؤدي إلى القلق ويُذكِّر المستوطنين "بالشعب الذي لا تقع عيوننا عليه". 
والطرق الالتفافية تُذكِّر المرء بتجربة أعضاء الجماعات اليهودية في أوكرانيا حين أسس النبلاء البولنديين (شلاختا) للمتلزمين اليهود (أرانداتور) مدناً صغيرة شُتلت شتلاً في أوكرانيا (الشتتل) وهي جيتوات متكاملة كان أعضاء الجماعة اليهودية الوظيفية يمارسون فيها حياتهم كاملة، لا يتعاملون مع البيئة الجغرافية والتاريخية والاجتماعية المحيطة (بل والمحدقة) بهم، فهم فيها وليسوا منها، لا يتعاملون مع الأغيار إلا في السوق، في عمليات التبادل المجردة، التي لا تتخللها أية حميمية ولا تعبِّر عن أيِّ تراحم. والطرق الالتفافية تحقق هذا للمستوطنات الصهيونية المشتولة في الضفة الغربية، فهم في الضفة الغربية وليسوا منها، ولا يقابلون السكان الأصليين إلا في السوق. 
ورغم أن إقامة الشتتلات كان يهدف إلى حماية أعضاء الجماعة اليهودية، حتى يمكنهم الاستمرار في استغلال الفلاحين الأوكرانيين لصالح النبلاء البولنديين، فإن الشتتلات تحوَّلت إلى معازل محصنة مسلحة، وحتى المعبد اليهودي نفسه تمت إعادة صياغته معمارياً بحيث أصبح معبداً وقلعة في آن واحد، يتعبد فيه اليهود ومنه يقاتلون، معبداً له أبراج بها كوات تخرج منها المدافع والبنادق، وهو ما يُذكِّرنا بالدولة الصهيونية الوظيفية، التي تزعم أنها في الشرق الأوسط وليست منه، والتي تحاول ألا تتعامل مع العرب إلا في السوق الشرق أوسطية. فهي الدولة/الشتتل، أو الدولة/الجيتو وهي في الوقت نفسه المعبد/القلعة. 
وقد كان الجنود البولنديون يقومون على حراسة الشتتلات حتى لا يهاجمها الفلاحون الأوكرانيون، وهذا ما يفعله الدعم العسكري والاقتصادي الأمريكي الذي يصب في الكيان الصهيوني فيقوي عضده ويجعله قادراً على بناء طرق التفافية ليس لها أية جدوى اقتصادية. وحينما هبت انتفاضة شميلنكي لم تكتسح في طريقها القوات البولندية وحسب وإنما اكتسحت الشتتلات المحصنة والمعابد/القلاع أيضاً. 
ومن هنا خطورة الطرق الالتفافية، فبدلاً من أن يواجه الإسرائيليون طبيعة وضعهم ويتعاملوا معه خارج الإطار الصهيوني (الذي يؤدي إلى عَزْل الآخر وتحصين الذات وإطاحتها بسياج عسكرية) فإنهم يحاولون إطالة عمر الأكذوبة، وهو ما يعني أن الفلسطينيين لن ينالوا حقوقهم إلا من خلال الانتفاضات المتتالية، التي ستقضي على الطرق الالتفافية وغيرها من الطرق. 
المعــــــــــــــــــازل Ghettos; Palestinustans 
«المعازل» كلمة عربية تُستخدَم لوصف القرى والمدن العربية في الضفة الغربية، وربما يقابلها في اللغة الإنجليزية كلمة «جيتو». فبعد أن تحقَّق الصهاينة من أن فلسطين أرضاً بلا شعب، وبعد إدراكهم أن الشعب لا يود أن يخضع لآليات الترانسفير المختلفة، بل إنه يتوالد ويتكاثر تقرَّر تأسيس مستعمرات استيطانية صهيونية في مناطق إستراتيجية وطرق التفافية مختلفة تربط هذه المستعمرات بحيث تتحوَّل القرى والمدن الفلسطينية إلى "مناطق" مأهولة بالسكان معزولة خاضعة للرقابة العسكرية الصارمة، وتمارس حق تقرير المصير في حدود المفهوم الصهيوني للإدارة الذاتية بحيث تتحول فلسطين من وطن إلى أرض، ومجموعة من القرى والمدن الممتازة "يُعزَل" الفلسطينيون فيها ويتم حصارهم. 
وهذا المفهـوم ليـس جديـداً. فالنازيون أسَّسوا جيتوات خاصة باليهود (في وارسو ولودز) كانت تتمتع بصلاحيات إدارية واسعة لا تختلف كثيراً عن الصلاحيات التي تتمتع بها السلطة الفلسطينية. كما أن مفهوم البانتوستان أي المعازل التي تم تأسيسها في جنـوب أفريقيـا للسـكان السـود لا تخـتلف كثيراً عن المعازل التي أسَّسها المستوطنون الصهاينة ومن هنا تسميتنا لها «الفلسطينوستان». 
البلــدوزر الإسـرائيلي The Israeli Bulldozer 
يرتبط الاستيطان الصهيوني في الأذهان بالمدفع الرشاش والنابالم والقنابل. ولكن هناك رموزاً أخرى أصبحت ذات أهمية خاصة. فمع بدايات الاستيطان كان هناك أسلوب السور والبرج في اغتصاب الأرض وطرد سكانها حيث كان يُحضر مئات من المستوطنين الصهاينة أبراج مراقبة والأكواخ الجاهزة في ظلام الليل، ثم يحيطون قطعة أرض بالأسلاك الشائكة يقيمون فيها أبراج الحراسة بحيث يستيقظ أصحاب الأرض في الصباح فيجابهون أمراً واقعاً مسلحاً لا يملكون إلا الخضوع له أو الحرب ضده. ومع ظهور الدولة الصهيونية تطوَّر هذا الأسلوب، فلم يعد هناك حاجة لبرج الحراسة، إذ تأتي القوات الإسرائيلية ومعها البلدوزر الإسرائيلي. 
والبلدوزر الإسرائيلي له طبيعة مزدوجة فهو يُستخدَم لهدم بيوت الفلسطينيين من جانب وبناء المستوطنات من جانب آخر، ومن ثم فهو رمز حقيقي للاستعمار الاستيطاني الإحلالي. وعملية هدم بيت فلسطيني تشبه عملية حربية يشارك فيها مئات الجنود الإسرائيليون في سواد الليل أو عند الفجر ويصحبها حظر التجول في عموم القرية أو البلدة. وهذا الاستخدام المُبالَغ فيه بل الاستعراضي لرموز العنف يجعل هدم بيت واحد بمنزلة رسالة نفسية لبلدة بأسرها. وعملية الهدم نفسها تجرى بشكل بالغ التكثيف والكثافة (دقائق معدودة بين الإنذار بمغادرة البيت وبين تفجيره بالديناميت وإزالته بالبلدوزر). ولا يخفى ما يحمله هذا التكثيف من دلالة، فالبيت الذي بناه الأجداد والآباء وتحوَّل إلى مخزن للحياة المشتركة والتراث والذكريات والأحلام على مدى عشرات السنين ينهار أمام أصحابه في دقائق وربما دون أن يتمكنوا من إنقاذ ما يمكن إنقـاذه من مقتنيـات تحتـضن معنى الحياة المشتركة عميقة الجذور. ثم يبدأ البلدوزر بعد ذلك في عمليات تمهيد الأرض اللازمة لبناء المستوطنات الصهيونية.


الباب الثانى: إحلالية الاستعمار الاستيطاني الصهيوني  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الباب الثانى: إحلالية الاستعمار الاستيطاني الصهيوني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الجزء الثاني.. الباب الأول: الاستعمار الاستيطاني الصهيوني
» الباب الثانى: الإرهاب الصهيوني / الإسرائيلي حتى العام 1948
» الباب الثالث: الإرهاب الصهيوني/الإسرائيلي منذ عام 1948
» الباب الثانى: مفـردات
» الباب السادس: الخطاب الصهيوني المـراوغ

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــــافـــــــــــة والإعـــــــــــلام :: موســـــوعة اليهــــــود-
انتقل الى: