منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 الباب الثانى: موقف الجـماعات اليهودية من الصهيونية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48824
العمر : 71

الباب الثانى: موقف الجـماعات اليهودية من الصهيونية  Empty
مُساهمةموضوع: الباب الثانى: موقف الجـماعات اليهودية من الصهيونية    الباب الثانى: موقف الجـماعات اليهودية من الصهيونية  Emptyالإثنين 03 مارس 2014, 7:15 am

الباب الثانى: موقف الجـماعات اليهودية من الصهيونية 
موقف الجماعات اليهودية من الصهيونية 
Attitude of the Diaspora to Zionism 
تروِّج الدعاية الصهيونية لصورة مفادها أن الأغلبية العظمي من يهود العالم تؤمن بالعقيدة الصهيونية، وتؤازر الدولة الصهيونية وتقف وراءها صفاً واحداً. وقد يكون هناك شيء من الحقيقة السطحية والمباشرة في هذا القول، فرغم أن يهود إسرائيل لا يشكلون إلا نسبة ضئيلة من يهود العالم لا تتجاوز الثُلث بأية حال فإن الحركة الصهيونية قد هيمنت علي معظم المؤسسات اليهودية في العالم، ومنها كثير من الجمعيات اليهودية الأرثوذكسية والإصلاحية التي يوجد بينها وبين الصهيونية تَناقُض من ناحية العقيدة. فاليهودية الأرثوذكسية تري أن اليهود شعب بالمعني الديني وحسب وليس بالمعني العرْقي كما يتصوَّر الصهاينة. أما اليهودية الإصلاحية فتري أن اليهود ليسوا شعباً أساساً وإنما جماعة دينية يؤمن أفرادها بالعقيدة نفسها. وقد أصبح منْ يرفضون الصهيونية بشكل علني وعقائدي أقليةً هامشيةً لا يُعتد بها ولا يُسمَع لها صوت. 
ولكن، رغم ذلك، ليست العلاقة بين الجماعات اليهودية والحركة الصهيونية علاقة طيبة دائماً. والمعروف أن الحركة الصهيونية لاقت مقاومة شديدة عند ظهورها من أغلبية أعضاء الجماعات اليهودية في العالم واضطرت إلي «غزو الدياسبورا»، أي لجأت إلي أنواع من العنف لقهرها والسيطرة عليها، وهذا ما تم بالفعل مع منتصف الخمسينيات. ولكن حتي بعد أن حققت الحركة الصهيونية ذلك، رفض أعضاء الجماعات اليهودية ـ في الممارسة العملية ـ الخضوع للأوامر والنواهي الصهيونية. فهم، علي سبيل المثال، يرفضون الهجرة إلي إسرائيل «وطنهم القومي» الوهمي، وهم قد يقبلون الصهيونية اسماً وشكلاً لكنهم يرفضونها فعلاً وعملاً. وهذا ما نسميه «التملص اليهودي من الصهيونية». كما أن اهتمام أعضاء الجماعات اليهودية في العالم ينصب علي موروثهم الثقافي من المجتمع الذي يعيشون في كنفه، فيهود الولايات المتحدة علي سبيل المثال يهتمون بموروثهم الأمريكي اليهودي ويتعلمون اللغة الإنجليزية ويضعون مؤلفاتهم الدينية والدنيوية بها، كما أنهم لا يدرسون العبرية إلا في مراكز خاصة لدراسة اليهودية يعاني خريجوها من البطالة لعدم وجود اهتمام كاف بهذه الدرسات. وهذا الوضع هو تعبير عن رفض ضمني كامن للمفاهيم الصهيونية الخاصة بنفي الدياسبورا وبمركزية إسرائيل في حياة الدياسبورا، وهي مفاهيم تؤكد أن يهود العالم مجرد أداة لتحقيق الهدف الصهيوني، وأنهم يمثلون هامـشاً يدور حـول المركز «القومي» الصهيوني أي الدولة الصهيونية. 
وحتي في إطار الخضوع الظاهري الكامل لإسرائيل، تنشأ مشاكل عدة بين يهود العالم من الصهاينة واليهود غير الصهاينة من جهة وإسرائيل من جهة أخري. ولعل أهم هذه القضايا هي تلك التي أُثيرت منذ عام 1948 عن مدي حق أعضاء الجماعات، علي مستوي العالم، في توجيه النقد إلي إسرائيل. فالدولة الصهيونية تحاول أن تكون علاقتها بيهود العالم علاقة هيمنة، فتتلقي منهم العون والمساعدات والتأييد دون أن يكون لهم حق التدخل في شئونها. ولكنهم، في نهاية الأمر، رفضوا الهجرة إليها وآثروا البقاء في «المنفي»، وما يقدمونه هو تكفير عن عدم مساهمتهم في تحقيق رؤية الخلاص والمثل الأعلي الصهيوني. أما يهود العالم، فيرون المسألة بشكل مختلف، إذ كيف يُطلَب منهم قبول قرارات سياسية إسرائيلية لم يشتركوا في صياغتها، أو تأييد هذه القرارات دون اعتراض؟ وإذا كان لدي الدولة الصهيونية استعداد لأن تتلقي نقودهم بصدر رحب وحماس زائد، فيجب أيضاً أن يتسع صدرها لانتقاداتهم التي تَنصبُّ في الغالب علي مسائل محدَّدة. 
وأولي المسائل المهمة التي يثيرها يهود العالم أن الصهيونية وعدتهم بأن تؤسِّس دولة يهودية تسمح لليهود بالتحكم في مصائرهم مستقلين عن مجتمع الأغيار. ولكن هؤلاء، حين ينظرون، يرون دولة مصابة بأزمة اقتصادية مزمنة وصل فيها التضخم في وقت من الأوقات إلي معدلات قياسية. ورغم أن التضخم تمت السيطرة عليه، فإن حجم مديونية هذه الدولة يجعل المواطن فيها من أكثر المواطنين مديونية في العالم، حيث تصل إلي 6.200 دولار بالنسبة إلي الشخص الواحد. ويُلاحَظ كذلك تَناقُص معدل النمو الاقتصادي. وقد أدَّي كل ذلك إلي الاعتماد المتزايد والمذلّ علي الولايات المتحدة. وقد ادعت الصهيونية أن اليهود مصابون بشتي أمراض المنفي، مثل الهامشية والطفيلية وانقلاب الهرم الإنتاجي، وأنها ستقوم بتحويلهم إلي شعب منتج يعمل بيديه. ولكن هذه النبوءة لم تتحقق إذ أن عدد اليهود في الدولة الصهيونية الذين يشتغلون بأعمال إنتاجية في الوقت الحالي يبلغ 23%، وكانت النسبة 24% قبل عام 1948. وقد تزايد قطاع الخدمات وتَضخَّم في المجتمع الإسرائيلي وفي الجيش نفسه. 
ومن القضايا التي يثيرها يهود العالم من المؤمنين باليهودية، مشكلة معدلات العلمنة المتزايدة في الدولة اليهودية التي لا تسودها القيم اليهودية، فكثيراً ما يجدون أن بعض مبعوثي الدولة اليهودية لم يقرأوا التوراة في حياتهم قط، ولم يذهبوا إلي معبد يهودي. وتضطر الدولة التي يقال لها «يهودية» إلي أن تعطي دورات مكثفة في الدين اليهـودي لبعـض مبعـوثيها إلي الخـارج حتي لا ينكشف السر، فهم لا يعرفون كيف تُقام الصلوات اليهودية ولا يدرون شيئاً عن السلوك الواجب اتباعه في المعبد اليهودي. 
ويشير هؤلاء المتدينون أيضاً إلي أن الدولة اليهودية، التي كان من المفترض أن تكون مثلاً أعلي يُحتذَي، أصبحت ذات توجُّه استهلاكي حاد يُقبل سكانها علي استهلاك السلع الغربية بشغف شديد. وهي، علاوة علي هذا، دولة تنتشر فيها الجرائم والمخدرات والدعارة، كما أصبحت ترتع فيها الجريمة المنظمة، وأصبح الجهاز الحكومي لا يتمتع بسمعة طيبة بسبب فضائحه المالية المتتالية. 
وحينما تتهم الدولة الصهيونية أعضاء الجماعات اليهودية بأنهم آخذون في الاندماج، بل في الانصهار والتلاشي، يشيرون هم بدورهم إلي حياة إسرائيل العلمانية، ويؤكدون أن الإسرائيليين هم الذين يفقدون هويتهم اليهودية بالتدريج، وأنهم هم الذين سيندمجون تماماً في حضارة الأغيار. بل إن بعضهم يري أن ما يحدث في إسرائيل هو ظهور قومية جديدة إسرائيلية لا علاقة لها باليهودية، وبالتالي لا علاقة لها بهم.ويثير يهود العالم قضية أساسية أخري يبدو أنها دون حل في الوقت الحاضر، وهي أن المؤسسة الدينية الأرثوذكسية في إسرائيل ترفض الاعتراف باليهود الإصلاحيين والمحافظين كيهود، وهم يشكلون مع اليهـود اللا أدريين والملحـدين ما يزيد علي 80% من يهود العالم الغربي، في حين لا يشكل الأرثوذكس إلا أقلية صغيرة. وتأخذ القضية شكلاً حاداً، كلما أثارت المؤسسة الدينية الأرثوذكسية في إسرائيل قضية تغيير قانون العودة حتي يصبح تعريف اليهودي هو من تهوَّد حسب الشريعة، أي علي يد حاخام أرثوذكسي وحسب. 
ويري بعض المفكرين الدينيين اليهود أن ظهور الدولة الصهيونية قد أدَّي إلي انهيار اليهودية وتآكُلها من الداخل، فأصبحت الدولة هي دين يهود العالم، ومصدر القيمة المطلقة لهم، كما أصبح جمع التبرعات من أهم الشعائر «الدينية». وهم يرون أن اليهودي العادي قد أصبح يُفرغ أية شحنة دينية داخله عن طريق النشاط الصهيوني، وهو نشاط دنيوي بالدرجة الأولي. 
ويثير يهود العالم قضية أساسية أخري، وهي: هل الدولة اليهودية مجرد دولة تخدم مصالحها بغض النظر عن مصالح اليهود، أو هي دولة يهودية تضع مصالح يهود العالم في الاعتبار؟ وقد أثيرت القضية مؤخراً بكل حدة بسبب التعاون الوثيق بين الحكومة الصهيونية وحكومة الأرجنتين العسكرية. وقد قام شامير، باعتباره وزيراً لخارجية إسرائيل، بزيارة الأرجنتين في الأيام الأخيرة للنظام العسكري، وقد ثبت أن هذا النظام، المشهور بميوله النازية المعادية لليهود، كان يقوم بتعذيب معارضيه، واليهود منهم علي وجه الخصوص. ومع هذا، فقد استمر النظام الصهيوني في الحفاظ علي علاقاته بالنظام العسكري في الأرجنتين. وكانت السفارة الإسرائيلية ترفض التدخل لصالح المعتقلين السياسيين اليهود. وثمة حقيقة مهمة تدعو إلي التساؤل: إن أحد أهداف الدولة اليهودية هو توفير الأمن والحماية لليهود، ومع ذلك فإن أعضاء الجماعات اليهودية يشعرون بأن أمنهم قد تزعزع بسبب الأحداث في الشرق الأوسط وأن الجو الذي يعيش فيه اليهود في عدة بلاد قد تحوَّل من جو آمن إلي جو قلق مشحون. وفي الواقع، فإن كثيراً من المؤسسات اليهودية تحتاج الآن إلي حراسة مسلحة. وقد صرح شامير مؤخراً بأن الدولة الصهيونية لا يمكنها أن تضطلع بمسئولية حماية أعضاء الجماعات اليهودية إذ أنها مشغولة بحماية وبناء نفسها. 
ويشير اليساريون اليهود في العالم إلي علاقات إسرائيل بالنظم العسكرية في أمريكا اللاتينية، فهي من أكبر موردي السلاح إليها، كما أن علاقاتها السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية مع نظام جنوب أفريقيا محل انتقادهم، إذ كيف يتأتي لدولة يهودية متمسكة بالقيم اليهودية أن تتحول إلي حليف لكل قوي القمع والإرهاب في العالم؟ ويضطر الليبراليون أيضاً إلي الاحتفاظ بمسافة بينهم وبين الكيان الصهيوني حينما يقوم بعمليات وحشية تفوح رائحتها مثل صابرا وشاتيلا. وقد حاولت الصهيونية أن تحل مشكلة سلوكها العنصري والإرهابي بأن قلَّصت مجال هذه العنصرية وجعلتها مقصورة علي مكان واحد فقط هو فلسطين، فهي ليست عنصرية كونية علي الطريقة النازية بل عنصرية مقصورة علي بؤرة واحدة (فلسطين)، وعلي شعب واحد. ولذا، تستطيع العقيدة الصهيونية أن تتخذ ديباجات اشتراكية في الاتحاد السوفيتي، وديباجات رأسمالية ليبرالية في العالم الغربي، وديباجات فاشية في أمريكا اللاتينية، ويمكنها في النهاية أن تمارس وحشيتها كاملة في فلسطين دون أن تسبب حرجاً كبيراً لمناصريها في الخارج. ومع هذا، نجد أن اندلاع الانتفاضة قد غيَّر هذه الصورة، فقد أصبح الاحتفاظ بالازدواجية صعباً واضطر يهود العالم إلي شجب الأعمال الوحشية التي تمارسها إسرائيل. 
ومن القضايا التي تثير بعض التوتر بين أعضاء الجماعات اليهودية والدولة الصهيونية، هجرة عدد كبير من مواطني الكيان الصهيوني إلي الولايات المتحدة واستيطانهم فيها. ويبلغ عدد المهاجرين 600 ألف، أكثر من نصفهم من مواليد إسرائيل (فلسطين)، أي من جيل الصابرا، ومن هنا يتم طرح السؤال التالي: هل من الواجب أن تقوم المؤسسات اليهودية بتقديم المساعدة لهؤلاء المهاجرين باعتبارهم يهوداً أم تجب مقاطعتهم باعتبارهم خونةً مرتدين؟.
ويمكن القول بأن واحداً من أكبر أشكال فشل الدولة الصهيونية في الهيمنة الفعلية علي أعضاء الجماعات اليهودية في العالم أنه بعد مرور ما يزيد علي مائة عام علي الاستيطان الصهيوني في فلسطين، وبعد مرور نحو أربعة عقود علي إنشاء الدولة الصهيونية، وبعد الحملات المكثفة، بل الهستيرية، التي تهدف إلي إقناع أعضاء الجماعات بالهجرة إلي فلسطين انطلاقاً من إيمانهم الديني القوي، والتي تؤكد لهم أن هذه الهجرة هي السبيل الوحيد إلي الحفاظ علي وطنهم القومي، أي إسرائيل، بعد كل هذا لم تقابل المنظمة الصهيونية والدولة الصهيونية كثيراً من النجاح، الأمر الذي فرض عليهما أن تطرحا جانباً في الآونة الأخيرة تلك المنطلقات العقائدية الصهيونية وتطرحا بدلاً منها شعارات مادية استهلاكية. فإسرائيل، حسب الحملات الدعائية الجديدة، ليست أرض الميعاد ولا مسرح الخلاص، وإنما هي بلد تتوافر فيه أسباب الراحة المادية للمهاجر حيث يمكنه أن يمتلك بيتاً واسعاً كبيراً بشروط ائتمانية سهلة، وبالتقسيط المريح، أو يمكنه أن يجد فرصاً أحسن للعمل أو الاستثمار. بل تم تعديل الأسطورة الصهيونية نفسها، فبدلاً من الإصرار علي اليهودي الخالص، اليهودي مائة في المائة، تم الاعتراف بالأمريكي اليهودي، أي اليهودي الذي ينتمي إلي وطنه الأمريكي انتماءً كاملاً، ويعتز بتراثه الإثني ما دام هذا الاعتزاز لا يتناقض مع انتمائه الأمريكي. ولا يختلف الأمريكي اليهودي في هذا عن الأمريكي الإيطالي أو الأمريكي البولندي. وداخل هذا الإطار، تصبح إسرائيل مثل إيطاليا وبولندا أي «مسقط الرأس» الذي أتي منه المهاجر. ولكــن المفــارقة تكمــن في أن هذه الأسـطورة تقف علي النقيــض من الأســطورة الصهيــونية، لأن «مسـقط الــرأس» هي البلـد الــذي يهاجر منه اليهودي، علي عكس «صهيون» أو «أرض الميعاد» فهي البلد الذي يعود إليه. وهكذا تحوَّلت الأسطورة الصهيونية إلي نقيضها من خلال محاولتها التكيف مع الوضع الأمريكي. وهذا هو أحسن تعبير عن مدي ارتباط أعضاء الجماعات بأوطانهم، وعن حقيقة موقفهم المتعيِّن من الصهيونية الذي يتجاوز التصريحات الساخنة والشعارات النارية الصهيونية.
مركزية الدياسبورا Centrality of the Diaspora 
«مركزية الدياسبورا» عبارة تعني الإيمان بأن الحياة الحضارية والسياسية لأعضاء الجماعات اليهودية تتشكل خارج فلسطين، وبأن علاقتهم بإسرائيل قد تكون مهمة ولكنها ليست أهم شيء في حياتهم إذ أن لديهم مصالحهم وثقافتهم وحركياتهم الاجتماعية المستقلة عن الدولة الصهيونية. وبالتالي فلابد أن تكون العلاقة بين الدولة وبين الجماعات اليهودية علاقة متكافئة. ولا يرد هذا المصطلح في الكتابات الصهيونية أو اليهودية، ولكنه افتراض كامن في كتابات دبنوف الذي يستخدم مصطلح «قومية الدياسبورا». ولا يمكن تفسير سلوك أعضاء الجماعات إلا في إطار هذا المفهوم. وتُعَدُّ استجابة يهود الولايات المتحدة لحادثة بولارد دليلاً جيداً علي الإيمان بمركزية الدياسبـورا وبانفصـال أعضـاء الجـماعات عن المركز الصهيوني المزعوم. كما أن المصطلح يتجلي في بعض التصريحات مثل تصريح مدير عام منظمة إيباك الصهيونية: "إذا كانت إسرائيل هي مركز العالم اليهودي، فنيويورك هي إذن مصدر وجوده". أما الحاخام جيكوب نيوزنر، فقد أكد بلا مواربة أن أمريكا أفضل من القدس بالنسبة إلي يهود الولايات المتحدة، وأنه إذا كانت هناك أرض ميعاد فإن اليهود الأمريكيين يعيشون فيها بالفعل علي نحو لا يمكن أن يتاح لهم في إسرائيل. ومن الثابت أن إسرائيل لا تلعب دوراً رئيسياً من الناحية الثقافية والدينية في حياة الأمريكيين اليهود. ومع ضعف صورة الدولة الصهيونية وتراجع نفوذها، وخصوصاً بعد الانتفاضة، فإن من المُتوقَّع أن يحقق أعضاء الجماعات قدراً أكبر من الاستقلال ويؤكدوا بالتالي أهميتهم ومركزيتهم بشكل أكبر. 
قومية الدياسبورا Diaspora Nationalism 
«قومية الدياسبورا» مصطلح شائع في الكتابات الصهيونية واليهودية، وهو يشير إلي أن الجماعات اليهودية تشكل شعباً واحداً وقومية يهودية لها مركز واحد. ولكن هذا المركز لم يكن هو فلسطين في سائر اللحظـات التاريخية، وإنما كان ينتقل بانتقال القيادة الفكرية لليهود. فهو مرة في بابل، وأخري في الأندلس، وثالثة في ألمانيا أو في روسيا، ولعله الآن في الولايات المتحدة أو إسرائيل. 
ويتفـق مفهـوم قومية الدياسـبورا مع الفكر الصهيوني في عدة نقاط، من أهمها أن اليهود يكوِّنون شعباً واحداً وأن له تراثاً واحداً. ولكن قومية الدياسبورا تختلف عن الصهيونية في قبولها تعددية المركز، وفي رفض فكرة مركزية إسرائيل في حياة الدياسبورا، أي الجماعات اليهودية. وقد يبدو هذا الاختلاف سطحياً، ولكنه في الواقع اختلاف جوهري إذ أن تعددية المركز تعني أن الدولة الصهيونية ليست مسألة ضرورية أو حتمية أن اليهود يمكنهم التعبير عن هوياتهم أينما وُجدوا. كما أنه يعني أن تراث يهود العالم تراث يستحق الحفاظ عليه، وأن الشعار الصهيوني الداعي إلي تصفية الدياسبورا ونفيها شعار معاد لليهود. ويُعتبر كلٌّ من المؤرخ الروسي اليهودي سيمون دبنوف والكاتب الروسي اليديشي حاييم جيتلوسكي من أهم دعاة قومية الدياسبورا. 
وعلي مستوي البنية الفكرية الكامنة، تعني قومية الدياسبورا بالنسبة إلي هذين الداعيين قومية يهود اليديشية أو القومية اليديشية باعتبارها قومية يهودية شرق أوربية يمكن التعبير عنها من خلال إطار الدولة متعددة القوميات (علي نمط الإمبراطورية الروسية والدولة السوفيتية والإمبراطورية النمساوية المجرية). وبالفعل، نجد أن قومية الدياسبورا أصبحت، علي مستوي الممارسة، هي حق يهود اليديشية في التعبير عن هويتهم الثقافية وفي الحفاظ علي تراثهم ولغتهم داخل إطار الدولة متعددة القوميات. ولذا، فإن مصطلح «قومية الدياسبورا» ليس دقيقاً البتة، وقد يكون من الأدق الإشارة إلي «القومية اليديشية الشرق أوربية» أو «القومية اليهودية الشرق أوربية»، وعلي كلٍّ فقد تهاوي هذا المفهوم بتزايد معدلات الاندماج بين يهود الاتحاد السوفيتي ويهود الولايات المتحدة. 
ويوجد تيار داخل الفكر الصهيوني يميل إلي قبول صيغة معدلة من قومية الدياسبورا، إذ يذهب بعض الصهاينة إلي أن تراث الدياسبورا مهم ويجب الحفاظ عليه ولكنهم يصرون، مع هذا، علي أن مركز الثقافة اليهودية يجب أن يظل في فلسطين. ولعل صيغة مثل هذه هي التي تحكم العلاقة بين الجماعات اليهودية في العالم وفي إسرائيل، فإسرائيل تَقَبل الآن وجودهم في المنفي باعتبارها حالة نهائية، وتَقَبل إسهاماتهم الحضارية كشيء يستحق المحافظة عليه. وفي المقابل، يَقَبل يهود العالم مركزية إسرائيل في حياتهم الثقافية ويستمدون منها شيئاً من هويتهم، وهذا ما يُطلَق عليه «الصـهيونية التوطينية»، وهي صهـيونية يؤمن بها اليهــودي في الغرب، حتي يحافظ علي هويته التي يهددها المجتمع الاستهلاكي بالهلاك ودون أن يُضطر إلي الاستيطان في إسرائيل. 
القومية اليديشية Yiddish Nationalism 
انظر: «قومية الدياسبورا«. 
سـيمون دبنــوف (1860-1941) Simon Dubnow 
مؤرخ روسي يهودي، والمُنظِّر الأساسي لفكرة قومية الدياسبورا، ذلك المفهوم الذي طُرح كأحد حلول المسألة اليهودية. وُلد في مقاطعة موجيليف في روسيا، وتلقَّي تعليماً دينياً تقليدياً إلا أنه تخلي عن ممارسة الشعائر الدينية في سن مبكرة، كما حصل علي قدر من التعليم العلماني في المنزل وأتقن العبرية والروسية إلي جوار اليديشية لغته الأصلية. وفي الفترة 1880 ـ 1906، انتقل بين عدة مدن روسية من أهمها أوديسا التي كانت تُعتبر آنذاك مركزاً للبعث الثقافي للجماعة اليهودية في روسيا وانضم هناك إلي دائرة آحاد هعام (فيلسوف الصهيونية الثقافية، أي الإثنية العلمانية)، ثم استقر في بطرسبرج حيث عمل بتدريس ما يُسمَّي «التاريخ اليهودي» الذي أصبح اهتمامه الرئيسي. وقد أصدر عدة أعمال في هذا المجال شملت دراسة في تاريخ الجماعات اليهودية في شرق أوربا، ودراسة موجزة لتاريخ الجماعات اليهودية وتاريخ الحسيدية. 
تأثر دبنوف بكل من فكر الاستنارة، والفكر المعادي للاستنارة؛ تأثر بوضعية أوجست كونت وليبرالية جون ستيورات ميل، فرفض اليهـودية من حيث هي فكرة تتناقـض مـع الفردية والحرية والتفـكير العلمي، وطرح جانباً مقولات مثل «رسالة الشعب المقدَّس» و«الارتباط الأزلي بأرض الميعاد» إذ وجد أنها لا تفسر وضع الجماعات اليهودية في العالم، وتبنَّي بدلاً من ذلك منهجاً يأخذ في الاعتبار المعطيات المادية (البيئية والحسية) ويؤكد التفاصيل والأشياء المتعينة والقراءة المتعينة للتـاريخ وينظر إلي اليهـود واليهودية باعتبارهما ظواهر اجتماعية وتاريخية. لكن تأثير الفكر المعادي للاستنارة يتبدَّي في اهتمامه بالبُعد الخاص والعضوي والروحي في الظواهر الإنسانية. 
وقد تأثر دبنوف بفلسفة فختة في تأكيده العنصر الروحي في القومية، وبفكر إرنست رينان في تأكيده العنصر الذاتي فيها. كما تأثر بمفاهيم المؤرخ الفرنسي فولي الذي عرَّف القومية بأنها (أولاً وقبل كل شيء) مجموعة من الأفراد الذين ينظرون إلي أنفـسهم علي أنهـم أمة، وقال إن جـوهر الأمــة هو وعيها. وكذلك تأثر دبنوف بفكر المفكر والمؤرخ الأدبي تايين الذي اعتبر القـيم الروحية لأي شـعب إنما هي نتـاج تطلعاته وظروفه الخاصة. وقد تَبنَّي في نهاية الأمر المفهوم العضوي للأمة الذي طرحه كلٌّ من رينان وتايين والذي أصبح جزءاً من الخطاب السياسي الغربي في القرن التاسع عشر. ولذا، فرغم أن رفضه اليهودية انطلاقاً من رؤيته العلمية المستنيرة، إلا أنه عاد وقَبلها انطلاقاً من الفكر المعادي للاستنارة باعـتبارها تعبيراً إيجابياً عن الروح القـومية للشعب اليهودي. 
ومن الأفكار الأساسية التي أثرت في دبنوف بشكل جوهري فكرة دولة القوميات، أي الدولة الإمبراطورية التي تضم عدة قوميات لكل منها هويتها ولغتها بل تاريخها المستقل، بحيث تحتفظ كل جماعة أو أقلية قومية بقدر من الحكم الذاتي (وخصوصاً في الأمور الثقافية والدينية) وتشارك في صنع القرار السياسي من خلال مؤسسات الدولة الواحدة والتمثيل السياسي. وكانت هذه الفكرة مطروحة في كل من الإمبراطورية الروسية والإمبراطورية النمساوية المجرية كنموذج سياسي يمكن أن يضمن للإمبراطوريات الاستمرار دون أن يكون هذا الاستمرار، بالضرورة، علي حساب الشعوب والقوميات التي تعيش داخل حدودها، وهو نموذج يختلف عن نموذج الدولة القومية المركزية الذي شاع في إنجلترا وفرنسا وهولندا وفي أوربا الغربية بشكلٍّ عام. 
وقد لاقت دولة الأقليات صدي في نفس دبنوف لأنها تستند إلي معطيات تاريخية متعينة (شعوب قومية قائمة بالفعل ودولة حديثة) وهو ما يجعله، وهو المفكر العلمي المستنير، قادراً علي قبولها. فهي، مع علميتها، تقبل قدراً من الخصوصية دون أي استدعاء للغيبيات. وقد كانت هذه الازدواجية ضرورية لدبنوف، فقد لاحظ أن خصوصية يهود اليديشية لا تكمن في يهوديتهم "العالمية" التي تستند إلي عناصر ثابتة ومطلقة وإنما في يديشيتهم الخاصة والنابعة من وضعهم كأقلية داخل التشكيل السياسي والحضاري الشرق أوربي. ولذا، فإن كل الحلول التي يطرحها نابعة من تَصوُّره أن يهود شرق أوربا يشكلون ظاهرة اجتماعية تشترك في الخصائص مع الظواهر المماثلة دون أن تفقد بالضرورة خصوصيتها. 
ينطلق دبنوف، علي عادة كثير من مفكري أوربا في القرن التاسع عشر، من طرح رؤية للتاريخ الإنساني تُقسِّمه إلي مراحل، فتَطوُّر الإنسانية هو أساساً تَطوُّر من المادية إلي الروحية ومن البساطة الخارجية إلي التعقيد الداخلي. وهو يُقسِّم النماذج القومية إلي ثلاثة نماذج: النموذج القَبَلي، والنموذج السياسي الإقليمي أو النموذج المستقل، والنموذج الحضاري التاريخي أو النموذج الروحي. وهذه النماذج مترابطة بشكل عضوي، بمعني أن كل أمة لابد أن تمر من خلال المراحل أو النماذج الثلاثة. والنموذج القَبَلي، حسب تصوُّر دبنوف، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالطبيعة، في حين أن النموذج السياسي أقل ارتباطاً بها. أما النموذج الروحي فهو مستقل عنها إلي حدٍّ بعيد. وهذا الابتعاد التدريجي عن الطبيعية يتضح أكثر ما يتضح في علاقة كل نموذج قومي بالأرض. فالأرض، بالنسبة إلي النموذج الأول، تمثل جزءاً جوهرياً من كيانه وبيئته، أما بالنسبة إلي النموذج الثالث فهي لا تعني شيئاً علي الإطلاق، لأن كيانه ووجوده يستندان أساساً إلي الوعي بالذات التاريخية. ويؤمن دبنوف بأن الشعب اليهودي «شعب روحي» ينتمي إلي النموذج الثالث من القوميات، ولذا فهو في غني عن الأرض والدولة (علي عكس الصهاينة الذين يصرون علي عودة اليهود إلي الطبيعة وإلي الأرض، كما يصرون علي تأسيس الدولة اليهودية).
والتاريخ اليهـودي حســب تصوُّر دبنوف قد مرّ بالمراحل الثلاث. فالقبائل العبرانية تجمعت في كيان قومي في فلسطين علي رقعة واحدة من الأرض وتحت حكم دولة موحدة. وقد فقد اليهود أولاً الدولة ثم بعد ذلك الأرض. ورغم ذلك، فقد حافظوا علي كيانهم الحضاري الروحي المستقل، وعلي وعيهم بذاتهم كجماعة مستقلة. ولكن لماذا يحتفظ اليهود باستقلالهم؟ يقول دبنوف: إن هذا ليس معجزة تاريخية، فأوضاع اليهود الفريدة هي التي خلقت كيانهم الفريد، فهم يشكلون أمةً لا دولة ولا أرض لها، ولذا، فقد أُعفوا من مسئولية الحكم والاضطرار إلي اللجوء للعنف والقسر، إذ أن الدولة الحاكمة هي وحدها التي تجد نفسها مضطرة إلي ذلك. بل علي العكس من هذا، وجد اليهود أنفسهم مرغمين علي تطوير العناصر الروحية في حضارتهم وتراثهم لتُحرِّرهم من عبء السلطة السياسية، فهم أمة الروح (علي حد قول آحاد هعام).
ويُفرِّق دبنوف بين الأنانية القومية والفردية القومية، ويري أن القومية اليهودية يجب عليها أن تعرف حدودها وألا تطمع في الاستيلاء علي أرض الآخرين، ولكن يجب عليها في الوقت نفسه أن تتخطي الاندماجية بأن تحاول تمجيد ذاتها دون أنانية وبأن تحاول تطوير الذات اليهودية وملامحها المستقلة. ولكن مستقبل الأمة اليهودية لا يتوقف علي أية رسالة سرمدية تنقلها للعالم، بل يعتمد أساساً علي مدي نجاحها في تطوير شخصيتها الحضارية المستقلة. وهذه الشخصية ليست شخصية ثابتة متقولبة تعبِّر عن فكرة جوهرية أزلية، وإنما هي شخـصية كانت ولا تزال في حــالة تَطوُّر وتَغيُّر دائمين، أي أن دبنوف يقف علي الطرف النقيض من الصهاينة الذين يخلعون صفة الأزلية علي الشخصية اليهودية ويرون أنها تجسيد لرسالة اليهود السرمدية التي تتخطي حدود التطورات التاريخية وتعلو عليها. 
والمُلاحَظ أن مقدمات دبنوف التحليلية رغم ديباجتها الإنسانية والتاريخية الواضحة، صهيونية حتي النخاع، ولا تختلف كثيراً عن مقدمات فيلسوف الصهيونية الثقافية آحاد هعام. فكلٌّ منهما، شأنه شأن كل صهيوني، يفترض وجود أمة يهودية لها شخصية متميِّزة ووضع فريد بين الأمم، وأن ثمة تاريخاً يهودياً عالمياً، وأن ثمة وحدة عالمية بين جميع الجماعات اليهودية في العالم تفصلها عن التشكيلات التاريخية التي توجد فيها هذه الجماعات (وهذه المقدمات هي نفسها مقدمات الفكر الصهيوني، وبالتالي لم يكن مفر من أن يصل إلي نتائج صهيونية). ولكن دبنوف لا يتحدث في واقع الأمر عن القومية اليهودية وإنما عن القومية اليديشية أو عن السمات القومية الخاصة بيهود شرق أوربا الذين كانوا يُشكِّلون ما يقرب من 80% من يهود العالم، لكن تجربتهم التاريخية لم تكن سوي تجربة تاريخية واحدة ضمن عشرات التجارب التاريخية الأخري لأعضاء الجماعات اليهودية في العالم. والخطأ الذي يرتكبه دبنوف لا يكـمن في تزييف الحقـائق وإنما يكمن في مستوي التعميم، فهو يتحدث عن الجزء (يهود اليديشية) باعتباره الكل (يهود العالم). 
ولعل هذا يعود إلي أن كل أوربا، عبر تاريخها، تتحدث دائماً عن اليهود بشكل مطلق، وعن اليهود "ككل"، وعن اليهود "في كل زمان ومكان"، وعن "التاريخ اليهودي". ولذا، فإنه لم يستطع الإفلات من الخطاب الغربي ـ اليهودي وغير اليهودي. كما أن أوربا (في القرن التاسع عشر) كانت تظن نفسها مركز العالم وكان يُشار إلي ما هو غربي بوصفه عالمياً (وحتي الآن نتحدث نحن أنفسنا عن الرأي العام العالمي ونحن نعني في واقع الأمر " الرأي العام الغربي"). ويمكننا أن نضيف إلي كل هذا ضخامة الجزء اليديشي مقابل ضآلة ما تبقَّي من الكل اليهودي. 
ولكن الدارس المدقق سيجد أن ثمة عناصر أساسية في رؤيته جعلته يُعدِّل مستوي تحليله ويتخلي عن مستوي التعميم الخاطئ. فهو يختلف عن الصهاينة في أنه يري أن تراث يهود الدياسبورا، أي يهود العالم خارج فلسطين، لا يُشكل انحرافاً عما يُسمَّي "التاريخ اليهودي الواحد الحقيقي"، أي تاريخ اليهود في فلسطين. وعلي هذا، فإنه لا يذهب إلي أن كل اليهود مرتبطون بمركز واحد هو فلسـطين، بل إنه يري أن التاريخ اليهودي إن هو إلا تاريخ الدياسبورا. ولهذا، فإن النسق الدبنوفي نسق متعدد المراكز لا يتسم بالعضوية الصارمة والتجانس والواحدية. فهو يؤكد وجود وحدة بين الجماعات اليهودية المتناثرة في العالم، لكن هذه الوحدة لا تعني عدم التنوع، فالحضارات اليهـودية تختـلف باختلاف الظروف التاريخية والجـغرافية التي تنشـأ فيها. وهو لهذا، يري أن مركز هذه الحضارة أو الحضارات كان وسيظل متغيِّراً ينتقل من بلد إلي آخر. فهو مرة يكون في بابل، ومرة أخري يكون في الأندلس، وفي المرة الثالثة في روسيا، فالبلد الذي تزدهر فيه الحضارة اليهودية أكثر من البلدان الأخري تنتقل إليه القيادة الفكرية. ومن هنا، فإنه لا يفترض وجود مركز واحد وحيد (أزلي ثابت) في فلسطين، بل يفترض وجود مراكز متغيِّرة متنوعة متساوية في الأهمية، وهو يتحدث في واقع الأمر عن أقليات يهودية مركز ديناميتها الحضارية هو البلد الذي توجد فيه، ولذا فيهود أوربا في رأيه أوربيون أولاً وأخيراً ولا وجود لهم خارج تراثهم الأوربي. وإذا أصرَّ دبنوف بعد كل هذا علي أن هذا البلد هو مركز كل الأقليات اليهودية، فإن هذا من قبيل اختلاط الخطاب. كما أن دراسته التاريخية ليهود روسيا وبولندا لم تركز قط علي تبعيتهم في مرحلة من المراحل ليهود الأندلس أو فرنسا، ولم تُبيِّن كيف تولوا قيادة كل الأقليات اليهودية في العالم، ذلك لأنها دراسة في أوضاعهم ومؤسساتهم الثقافية والإدارية التي لا يمكن فهمها إلا في إطارها السلافي الشرق أوربي. كما أن الحلول التي يطرحها لمسـألة يهود شرق أوربا اليديشـية لا تنبع من فكرة القـومية اليهـودية العـامة، وإنما من فكرة القومية اليديشية الشرق أوربية. ولذا، فهو حينما يرفض اندماج اليهود، فإنه لا يفعل ذلك باسم جوهر يهودي عالمي أزلي وإنما باسم هوية يديشية متعينة توجد في الزمان والمـكان. ومن هـنا، فإنه يرفض فكرة الدولة اليهودية المستقلة، كما يرفض إحياء اللغة العبرية (لغة الهوية اليهودية العالمية المزعومة) ويطالب بدلاً من ذلك بإحياء اليديشية (لغة يهود شرق أوربا) لأنها اللغة التي عرفوها، وبأن يحقق يهود اليديشية هويتهم الخاصة من خلال إطار الدولة متعددة القوميات. 
وتتجلَّي دقة مستوي التحليل لدي دبنوف، وتخليه عن فكرة اليهودية العالمية، في تحليله وضع اليهود في عصره. لقد لاحظ تفكك الجماعات اليهودية في أوربا وروسيا بالذات، ولاحظ الهـجرة اليهـودية المتجهة إلي الولايات المتحـدة وإلي غيرها من الدول، كما لاحظ أخيراً معدلات الاندماج المرتفعة. ولكل هذا فإنه تنبأ بأن يهود اليديشية سيتحولون إلي يهود روس، ومعظم يهود العالم سينتقلون إلي الولايات المتحدة، حيث سيكون بوسعهم تطوير شخصيتهم اليهودية الأمريكية في الدياسبورا الجديدة، لأن مجتمع الولايات المتحدة مجتمع أقليات مهاجرة لكل منها تراثها الحضاري الخاص بها والمستقل عن التراث الحضاري المشترك للأمة الجديدة. 
ورغم الدينامية الهستيرية التي تتصف بها الصهيونية وتنظيماتها العديدة، فإن التطور التاريخي أثبت زيف الأطروحات الصهيونية وصدق تحليلات دبنوف. وقد كان دبنوف واعياً تماماً بهذا، ولذا فقد وصف الصهيونية بأنها "مجرد صيغة مُجدَّدة لعقيدة انتظار الماشيَّح نُقلت من عقول القبَّاليين المنتشية إلي عقول الزعماء الصهاينة الساسيين". وقد تَبنَّي البلاشفة في روسيا (في نهاية الأمر وبعد تخبُّط لعدة سنوات) الصيغة الدبنوفية الداعية إلي البعث اليديشي فتم تأسيس مقاطعة بيروبيجان، ثم تصاعدت عملية دمج وترويس يهود اليديشية حتي تحوَّلوا إلي يهود روس. كما اتجه أكثر من 85% من المهاجرين الروس، ثم السوفييت، إلي الولايات المتحدة. ولا يزال هذا هو الاتجاه الأساسي لحركة هجرة اليهود السوفييت. وبعد استقرارهم في الولايات المتحدة، نجح يهود اليديشية (لبعض الوقت) في الاندماج في مجتمعهم الجديد دون أن يفقدوا هويتهم. 
ولكن حركيات المجتمعين الأمريكي والسوفيتي (والمجتمع الغربي ككل) تؤدي إلي تَصاعُد معدلات الدمج والزواج المُختلَط وانصهار واختفاء أعضاء الجماعات اليهودية. لكن دبنوف لم يتنبأ بهذا التطور الأخير، وكان من الصعب عليه أن يفعل ذلك في نهاية القرن التاسع عشر. وعلي كلٍّ، فإن إحدي السمات الأساسية في المجتمعات العلمانية الحديثة، مجتمعات ما بعد الصناعة والأيديولوجيا، هي تَصاعُد معدلات الترشيد والعلمنة التي تؤدي إلي تَساقُط الخصوصيات الدينية (بل الإنسانية) بحيث يندمج الجميع في حركة المجتمع المحكومة الآلية. 
وقد اشترك دبنوف بشكل نشيط في عدد من النشاطات الخاصة بالجماعة اليهودية في روسيا، فأيَّد جهود العناصر اليهودية في جمعية تنمية الثقافة في روسيا لفَتْح مدارس يهودية، وطالب بتشكيل نظام يهودي للدفاع عن الذات بعد مذابح كيشينيف التي وقعت عام 1950، كما أيَّد المشاركة اليهودية في انتخابات عام 1950 واشترك في العام نفسه في نشاط الجمعية من أجل الحقوق الكاملة والمتساوية للشعب اليهودي، وفي عام 1906 أسس «حزب الشعب اليهودي» ذا التوجه القومي العضوي الذي استمر حتي عام 1918. وظل دبنوف معارضاً لحزب البوند بسبب سياسته الاشتراكية والماركسية، وذلك برغم وجود اتفاق بنيوي في الرأي. وقد وُجِّهت إليه الدعوة في بداية الثورة البلشفية للاشتراك في اللجـان المختلفة لإعـداد بعـض المطبوعات حول المسـألة اليهودية. وقد غادر دبنوف روسيا عام 1922 واستقر في برلين. وباعتلاء هتلر السلطة، رحل دبنوف إلي ريجا (عاصمة ليتوانيا) حيث قتل علي يد شرطي ليتواني.
يتبع إن شاء الله...


الباب الثانى: موقف الجـماعات اليهودية من الصهيونية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48824
العمر : 71

الباب الثانى: موقف الجـماعات اليهودية من الصهيونية  Empty
مُساهمةموضوع: أهارون ليبرمان (1849-1880) Aharon Lieberman    الباب الثانى: موقف الجـماعات اليهودية من الصهيونية  Emptyالإثنين 03 مارس 2014, 7:36 am

أهارون ليبرمان (1849-1880) Aharon Lieberman 
كاتب روسي يهودي وُلد في ليتوانيا، تلقَّي تعليمه في إحدي المدارس التلمودية العليا (يشيفا)، وكان من دعاة حركة الاستنارة اليهودية، كما كان عضواً في الحركات الثورية السرية في فلنا. وقد مثَّل ليبرمان (داخل حركة الاستنارة اليهودية) التيار المطالب بالجمع بين التحول الاجتماعي والاقتصادي والاحتفاظ بالانتماء القومي اليهودي متأثراً بالفكر الشعبوي الروسي، فرفض المفهوم القائل بأن التحديث ينطوي علي نفي ما هو قومي. وبرغم هجومه علي المدارس اليهودية التقليدية ومدرسيها، إلا أنه رفض محاولات القيصر نيقولا الأول الرامية إلي فَرْض نظام تعليمي روسي حديث علي الأطفال اليهود وطالب بأن ينظم أعضاء الجماعة اليهودية مدارسهم الحديثة الخاصة بهم حيث يتم تدريس اللغتين الروسية والعبرية. وقد اعتبر ليبرمان أن العبرية هي لغة اليهود القومية الحقة، أما اليديشية فما هي إلا رطانة ألمانية. وقد هاجم ليبرمان بشدة فكرة أن يتولَّي أثرياء اليهود قيادة عملية التغيير وهي الفكرة التي دعا إليها كثير من دعاة التنوير اليهود ووجَّه هجومه اللاذع للبورجوازية اليهودية. 
وفي عام 1875، اضطر ليبرمان، بسبب نشاطه الثوري، إلي الفرار إلي لندن حيث انضم إلي دائرة الثوريين الروس، والتحق بواحدة من أهم المجلات الروسية الثورية في ذلك الحين (فيبريد)، ونشر بها مقالات عديدة في الفترة بين عامي 1875 و1876. ورغم أن نبرته الثورية والأممية أصبحت أكثر وضوحاً وقوة، إلا أن ليبرمان ظل يؤكد الجانب الإثني (الذي يُقال له «قومي» في مصطلحه)، وطالب بتضامن الجماهير اليهودية واعتبر أن "التاريخ اليهودي" والتعاليم اليهودية قد مهَّدت الطريق أمام اليهود ليكونوا الممثلين الطبيعيين للاشتراكية الثورية. وهذا اللجوء إلي الرموز الدينية أو التاريخية كان في الواقع من سمات الحركة الشعبوية الروسية، وكان يهدف إلي تعبئة الجماهير وكسب تأييدها للقضايا الثورية. كما طالب بضرورة إيجاد إطار تنظيمي مستقل لأعضاء الجماعـة اليهـودية يعمل داخل الإطار الأوسع للحركة الثورية الروسية. 
وقد هاجم ليبرمان المثقفين اليهود المتروِّسين بشدة، واعتبرهم نخبة منفصلة عن الجماهير اليهودية وبعيدة عن حقيقة أوضاعهم. كما اعتبر أن أكثر العناصر قدرة علي تأسيس حركة ثورية بين الجماهير اليهودية هي العناصر القريبة من هذه الجماهير والمرتبطة بعالمها، ورأي أن طلبة المدارس التلمودية العليا (اليشيفا) هم أكثر العناصر المؤهلة لهذا الدور. وهذا أيضاً أحد الأسباب التي دفعته للاهتمام باللغة العبرية باعتبارها أفضل أداة للعمل بين طلبة المعاهد التلمودية وتجنيدهم للعمل الثوري وتدريبهم لكي يصبحوا من القيادات الثورية اليهودية. وفي عام 1876، أصدر بياناً بالروسية والعبرية مُوجَّهاً للشباب اليهودي في روسيا بشكل عام ولطلبة المدارس التلمودية العليا بشكل خاص هاجم فيه البورجوازية اليهودية وحمَّلها مسئولية الشقاء والاضطهاد اللذين تعاني منهما الجماهير اليهودية، كما ناشد المثقفين من الشباب اليهودي الانضمام للجماهير الكادحة. وبالتالي، يُعَدُّ ليبرمان من أوائل من نادوا بالعمل الدعائي الثوري بين الجماهير اليهودية الكادحة علي غرار حركة "الذهاب إلي الشعب" التي أطلقتها الحركة الشعبوية الروسية في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن التاسع عشر والتي كانت مُوجَّهة لجماهير الفلاحين الروسية. وقد اتخذ ليبرمان خطوات عملية في هذا الاتجاه حينما شارك عام 1876 في تأسيس الاتحاد الاشتراكي العبري في لندن علي أن يقوم هذا الاتحاد بتنظيم نقابة عمالية تضم العمال من المهاجرين اليهود القادمين من روسيا وشرق أوربا. إلا أن هذا المشروع لم ينجح بعد أن تَسبَّب هجوم ليبرمان علي المؤسسة الدينية اليهودية وقيادات الجماعة اليهودية في لندن في ابتعاد كـثير من الجـماهير العمالية عن الاتحاد. وقد أدَّي ذلك، بالإضافة للخلافات الداخلية، إلي انهيار الاتحاد في العام نفسه. 
وفي عام 1877، أصدر ليبرمان جريدة باللغة العبرية لاقت قبولاً كبيراً لدي دعاة التنوير الراديكاليين، ولكنه تَعرَّض أيضاً لانتقادات حادة من جهات عدة حيث رأي البعض (داخل الدوائر الراديكالية) أن هجومه الشرس علي المؤسسة الدينية وتأييده فكرة الأممية سيؤدي إلي تباعد الجماهير اليهودية، بينما أكدت بعض الآراء الأخري أن جريدته بعيدة عن الاشتراكية وذات تَوجُّه قومي (أي صهيوني) بدليل أن ليبرمان اختار لإصدارها اللغة العبرية (لغة الأرسـتقراطية الدينية) بدلاً من اللـغة اليديشـية (لغة الجماهير الكادحة). كما أن اقتباساته الكثيرة من التراث الديني اليهودي في كتابة مقـالاته دليل آخر علي هذه النزعة المتعالية. وقد أغلقت الجريدة، قبل صدور العدد الرابع، نتيجة المشاكل المالية وتزايد الانتقادات لها من جميع الجهات. 
وفي عام 1878، أُلقي القبض علي ليبرمان في فيينا بتهمة الإقامة في البلاد تحت اسم مستعار ورُحِّل إلي خارج البلد. ثم أُلقي القبض عليه مرة أخري في ألمانيا (عام 1879 حيث حُوكم بتهمة المشاركة في تأسيس منظمة سرية وسُجن لمدة تسعة أشهر. وفي عام 1880، انتقل إلي لندن مرة أخري. وقد راودته في هذه الفترة فكرة الانضمام إلي منظمة إرادة الشعب الإرهابية ولكنه لم يُقدم علي ذلك نظراً لشكوكه حول مدي التزامها بمبدأ الثورة الاشتراكية التي ستتخطي المرحلة البورجوازية. 
وفي تلك الآونة، ارتبط ليبرمان عاطفياً بسيدة متزوجة لم تبادله المشاعر نفسها، وسافر وراءها إلي الولايات المتحدة حيث مات منتحراً عـام 1880 بعد أن أطـلق الرصاص علي نفسه أثناء زيارته لها في منزلها. ورغم تأكيد ليبرمان أهمية اللغة العبرية قياساً إلي اللغة اليديشية، إلا أن كثيراً مما طرحه مهَّد الطريق أمام بلورة الأساس الفكري لحزب البوند فيما بعد. ومع هذا، يمكن القول بأن تأرجحه بين اللغة العبرية من جهة والتوجه إلي الجماهير اليديشية من جهة أخري هو تعبير عن أحد التناقضات الأساسية الكامنة في حركة الاستنارة (بين النزعة الاندماجية الثورية والنزعة القومية الانعزالية، أي الصهيونية) وربما لو عاش ليبرمان مدة أطول لحسم التناقض لصالح أحد الطرفين. 
حاييم جيتلوسكي (1865-1943) Hayyim Zhitlowsky 
كاتب يهودي كان يكتب باليديشية والروسية، وهو من كبار مفكري ما يُسمَّي «قومية الدياسبورا». وُلد في روسيا، وتلقي تعليماً علمانياً، ثم انخرط في سن مبكرة في الحركات الاشتراكية والثورية الروسية. وقد ظل جيتلوسكي بعيداً عن أي اهتمام خاص بأوضاع الجماعات اليهودية في روسيا إلي أن تدهورت أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية بشكل حاد في الثمانينيات من القرن التاسع عشر، مع تعثُّر التحديث في روسيا وتزايد الاضطهاد الموجَّه ضدهم (وضد غيرهم من الأقليات) فيما أصبح يُعرَف باسم «المسألة اليهودية». وقد دفعه ذلك إلي البحث عن حلول لهذه المسألة وإلي إيجاد صيغة تجمع بين الاشتراكية والخصوصية القومية. وبعد أن كان جيتلوسكي يري في الاندماج حلاًّ لمشاكل يهود روسيا، أصبح رافضاً له. وقد احتك بحركة أحباء صهيون وتأثر بها، ولكنه لم يقبل الحل الصهيوني، وأصدر عام 1887 دراسة بالروسية عنوانها أفكار حول المصير التاريخي لليهودية تضمنت نقداً كاملاً للرؤية الصهيونية للتاريخ. 
وقد ذهب جيتلوسكي في هذه الدراسة إلي أن اليهود تحولوا، بعد سقوط الهيكل عام 70م، من أمة تناضل من أجل العدل الاجتماعي والقيم الإنسانية العليا إلي أمة من الوسطاء والطفيليين تستغل عمل الآخرين. وفي حين أن جيتلوسكي كان يري أن الاندماج حل طبيعي بالنسبة إلي يهود الغرب (غرب أوربا ووسطها)، فإنه كان يري أن الأمر مختلف بالنسبة إلي أعضاء الجماعة اليهودية في شرق أوربا (روسيا وبولندا بالأساس) فهم يشكلون قومية شرق أوربية لغتها اليديشية (قومية يديشية)، وتتحدد هويتها علي هذا الأساس الإثني المحلي الروسي، أي أنها أقلية قومية ضمن الشعوب والأقليات القومية في روسيا القيصرية. ومن هنا، كان جيتلوسكي مؤمناً بأن البعث القومي اليهودي ممكن في «الدياسبورا» أو «الشتات» داخل إطار اشتراكي. وقد قوبلت دراسة جيتلوسكي بالهجوم الشديد من قبَل دبنوف رغم اتفاقهما في المنطلقات. كما اتهمته الصحافة، وخصوصاً المكتوبة بالعبرية، بمعاداة اليهود. 
وفي عام 1888، انتقل جيتلوسكي إلي برلين ثم إلي زيوريخ وبرن حيث حصل علي درجة الدكتوراه عام 1892، وأصدر في العام نفسه كتابه من يهودي إلي اليهود يناشد فيه المفكرين والقادة اليهود أن يتحالفوا مع الجماهير ليحلوا مشاكلهم الاقتصادية علي أساس ثوري. ودعا إلي إعادة توطين اليهود في الأرض وإلي اشتغالهم بالزراعة، فهذا الإجراء "سيضع نهاية لانحطاطهم الأخلاقي الناتج عن اشتغالهم بالتجارة" علي حد قوله. كما طالب بأن يسعي أعضاء الجماعة اليهودية لا إلي تحقيق المساواة في مجال الحقوق المدنية وحسب ولكن أيضاً إلي تحقيق المساواة في مجال ما سماه "حقوقهم القومية"، أي حقوقهم كأقلية قومية. وقد ساهم جيتلوسكي في تأسيس الحزب الاشتراكي الثوري الروسي في المنفي عام 1893، وشارك في تحرير جريدته، كما أسَّس اتحاداً يهودياً اشتراكياً يُصدر مطبوعاته باليديشية. 
وكتب دراسة عام 1897 بعنوان لماذا اليديشية؟ نشرت عام 1900 أكد فيها ضرورة أن تكون اليديشية اللغة القومية لأعضاء الجماعات اليهودية. وقد أكد هذا الرأي أثناء حضوره المؤتمر الصهيوني الأول (1897). وقد رفض جيتلوسكي الصهيونية باعتبارها حركة برجوازية رجعية ذات ارتباط وثيق بالتيارات الدينية الأرثوذكسية وبأثرياء اليهود. وبعد انضمامه لحزب البوند عام 1898، كتب مقالاً في صحيفة تحت عنوان "الصهيونية أم الاشتراكية؟" أكد فيه أن الاشتراكية هي الإطار الأمثل الذي تستطيع الجماعة اليهودية من خلاله تحقيق ذاتيتها واستقلالها الثقافي والحضاري كأقلية قومية في ظل دولة متعددة القوميات. وبعد مذابح كيشينيف في روسيا (عام 1903)، نادي جيتلوسكي بضرورة وجود مركز إقليمي. 
وفي زيارته الأولي للولايات المتحدة (عام 1904)، شارك في تحرير جريدة داس فولك الإقليمية. وفي سلسلة من المحاضرات، هاجم جيتلوسكي فكرة بوتقة الانصهار (أي أن ينصهر كل المهاجرين إلي الولايات المتحدة في بوتقة قومية واحدة)، ودعا إلي ضرورة أن يحتفظ المهاجرون اليهود وغيرهم من الأقليات المهاجرة إلي الولايات المتحدة بتراثهم الحضاري الخاص في إطار مجتمع متعدد القوميات. وأكد أن اللغة أساس الحياة الثقافية لأي شعب، وبالتالي فإن الحفاظ علي اللغة والثقافة اليديشية سيحمي اليهود من الاندماج، ولن يهدد تخليهم عن العقيدة الدينية بقاءهم واستمرارهم القومي. 
وعاد جيتلوسكي إلي أوربا عام 1906 ورشح نفسه للانتخابات في روسيا وانتُخب بالفعل، لكن الحكومة ألغت انتخابه بسبب نشاطه الثوري. وفي عام 1908، ترأس جيتلوسكي مؤتمر تشيرنوفتس اليديشي. وفي العام نفسه، عاد مرة أخري إلي الولايات المتحدة حيث استقر بشكل دائم في نيويورك، وقام بتحرير مجلة شهرية عبَّر فيها عن آرائه. كما انضم إلي دائرة العمال بهدف نشر تعليم اللغة اليديشية بين العمال اليهود. 
وفي عام 1914، ذهب إلي فلسطين، لكنه تركها بعد شهرين بعد أن وجد هناك معارضة شديدة لليديشية. غير أنه تأثر بحركة عمال صهيون وانضم إليها عام 1917، كما شارك في الحملة الرامية لإقامة الفيلق اليهودي خلال الحرب العالمية الأولي وفي تجنيد المتطوعين له. ولكنه عاد ليرفض الصهيونية تماماً في أعقاب الانتفاضة العربية عام 1929. وبرغم انتقاده للماركسية والبلشفية، اتجه جيتلوسكي إلي التقارب مع الدولة السوفيتية في أعقاب صعود النازية في ألمانيا، ودافع عن محاكمات موسكو عام 1936. وقد أيَّد جيتلوسكي تأسيس إقليم بيروبيجان في الاتحاد السوفيتي كتجسيد لفكرة الإقليم اليهودي الذي يتيح للجماهير اليهودية التعبير عن ثقافتهم وتقاليدهم الخاصة في إطار قومي ومحتوي اشتراكي. 
جيكـوب نيوزنر (1932-) Jcob Neusner 
عالم ومؤرخ أمريكي يهودي تلقَّي تعليمه في كلية اللاهوت اليهودية (المحافظة)، ودرس في جامعة كولومبيا وجامعة براون. من أهم مؤلفاته كتاب تاريخ اليهود في بابل (خمسة أجزاء، 1965 ـ 1970) والتقاليد الحاخامية عند الفريسيين (1971)، واليهودية في عصر علماني (1970). وله دراسات مهمة في التلمود. ويُعَدُّ من أهم علماء التلمود في العصر الحديث. 
ويُعَدُّ نيوزنر من أهم المفكرين الأمريكيين اليهود الذين يدافعون عن الوجود اليهودي خارج فلسطين (فيما يُسمَّي «قومية الدياسبورا»)، ولذا فهو يرفض المفهوم الصهيوني لإسرائيل باعتبارها المركز الروحي ليهود العالم. وينطلق نيوزنر من تعريفين للشعب اليهودي أحدهما ديني وثقافي والآخر سياسي وقومي. وهو يري أن الدولة اليهودية قد يكون لها مركزية في حياة اليهود (الزمنية التاريخية)، ولكنها لا مركزية لها في حياة اليهود المتعينة كأناس "يعيشون ويعانون، يولدون ويموتون، يفكرون ويشكون، يربون أطفالهم ويقلقون عليهم، يحيون ويعملون. فما دام اليهود بشراً يعيشون في ظل ظروف إنسانية مستقلة، فلا الصهيونية ولا دولة إسرائيل يمكنها أن تكون محور حياتهم". كما أكد الحاخام نيوزنر أن الصهيونية ليـس لديها ما تقوله بالنسـبة لقضـايا الحياة الثابتـة الخالدة، لأنها (أي الصهيونية) لم تثر قط مشكلة الوجود اليهودي كما عبَّرت عنها اليهودية. 
ورفض الحاخام نيوزنر الصهيونية في كتابه المعنون اليهودية الأمريكية (1972) عميق للغاية إذ يري أن الصهيونية أخذت تصبح تدريجياً بديلاً زائفاً عن الدين اليهودي، فاستولت علي الخطاب الديني اليهودي وعلي رموز اليهودية الدينية، ولذا يعتقد الكثيرون أن الصهيونية واليهودية هما شيء واحد. ونتيجة هذا، يفشل كثير من يهود أمريكا في ممارسة أي نوع من أنواع التسامي الديني والتجاوز الروحي للعالم المادي، ذلك لأنهم يركزون كل اهتمامهم علي قطعة أرض لا يعيشون فيها.... وثمة فارق شاسع بين أن يحلم المرء بأرض توجد في السماء في نهاية الزمان وأن يحلم ببلد بعيدة كل ما فيها خير "ولكن، مع هذا، بإمكان الإنسان أن يذهب إليها إن أراد"، أي أن صهيون بالنسبة ليهود أمريكا لم تَعُد حلماً دينياً وإنما أصبحت تذكرة ذهاب وعودة إلي إسرائيل لمدة أسبوعين. 
ويبدو أن حدة رفض نيوزنر للفكرة الصهيونية عن مركزية إسرائيل آخذة في التزايد كما يتضح في مقاله الغاضب المنشور في الواشنطن بوست في10/3/1987 بعد وقوع فضيحة بولارد، فقد أكد بلا مواربة أن الوقت قد حان للقول "إن أمريكا أفضل من القدس بالنسبة لليهود، وإن كانت هناك أرض ميعاد فإن اليهود الأمريكيين يعيشون فيها ويشعرون بالسلام والأمن علي نحو لا يمكن أن يُتاح لهم في إسرائيل.
 فاليهود في الولايات المتحدة طائفة مقبولة تجري مع التيار الرئيسي للحياة الأمريكية، وينتمي سبعة أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي، أي 7% من أعضاء المجلس لطائفة تشكل 2% من مجموع السكان". لكل ذلك، دعا نيوزنر الجميع لطي المسألة وتساءل: "أين يفضل أن يعيش اليهودي؟" والسؤال خطابي استنكاري. فالمقال يقرِّر بما لا يدع مجالاً للشك أن اليهودي الأمريكي يعيش حياة يهودية كاملة في الولايات المتحدة، وأن الدولة اليهودية لا تشكل مركزاً روحياً بالنسبة له. 
ورغم هذا الموقف الحاد، فإن نيوزنر يُسمِّي نفسه صهيونياً، ولا ندري بأي معني من المعاني يمكن أن يهاجم مفكر المفاهيم الصهيونية الأساسية بهذه الحدة ويستمر في تسمية نفسه صهيونياً. ولكن رؤية قومـية الدياسـبورا أو ما نسـميه نحن «الصهيونية التوطينية»، مثلها مثل الرؤية الاندماجية، قد تم استيعابها هي الأخري داخل إطار صهيونـية الدياسبورا، وهذا ما كان يعنيه الحاخام نيوزنر نفسه حينما تحدَّث عن مركزية الدولة الصهيونية في الحياة السياسية لليهود وحسب، وهامشيتها في حياتهم الروحية أو الحقيقية، فهو بذلك قد قسَّم حياة اليهود والشتات إلي قسمين: قسم سطحي «صهيوني» يعبِّر عن نفسه من خلال دفع التبرعات والضغط الســياسي. والقسـم الآخر، وهو الـكيان اليهودي الحقيقي، ويقع خارج نطاق الرؤية الصهيونية ويشمل حياة اليهودي في معظم أبعادها. 
ويمكننا أن نقول إن الرؤية السائدة في وجدان معظم يهود العالم هي هذه الصهيونية التوطينية التي تأخذ شكل سلوك سياسي سطحي صهيوني، وسلوك حياتي عميق لا علاقة له بالصهيونية، وبالتالي بإمكان يهودي من نيويورك أن يذهب للاجتماعات الصهيونية المختلفة وأن يرفع علم إسرائيل علي سيارته ويرسل شيكه إلي الجباية اليهودية الموحَّدة وأن يضع نجمة داود في سترته ويرسل خطاباً لممثله في الكونجرس الأمريكي يطلب منه أن يتخذ موقفاً ممالئاً لإسرائيل (وهذا هو الجانب السياسي من حياته)، ولكنه في الوقت نفسه يندمج في مجتمعه الأمريكي اندماجاً كاملاً ويتبنَّي المُثُل الأمريكية ويركب السيارة الفارهة ويعيش في الضواحي، كما يمكنه أن يُطوِّر هويته (الأمريكية) اليهودية داخل إطار الحضارة الأمريكية نفسها فيدرس العبرية أو اليديشية. وإن كان كاتباً، فإنه يكتب قصة أو قصيدة أمريكية ذات ملامح يهودية أمريكية محددة دون أن تكون للصهيونية أية مرجعية في حياته. 
أ. ف. ستون (1907-1989) I. F. Stone 
كاتب وصحفي أمريكي يهودي، عمل صحفياً ومراسلاً لعدد من المجلات والصحف الأمريكية منذ عام 1922 ودرس الفلسفة في جامعة بنسلفانيا. ويُعَدُّ ستون من المؤمنين بأن الجماعات اليهودية خارج فلسطين لها تراثها وهويتها وإسهاماتها الحضارية وبوجوب الحفاظ علي هذا الوضع وتدعيمه. وهو ينظر نظرة قاتمة إلي ما يسميه قومية ليليبوت (بلاد الأقزام في رواية مغامرات جلفر) ويعني بها إسرائيل (أو الصهيونية)، وهي قومية ضيقة الأفق إذا ما قورنت بما يسميه «قومية الشتات» بنظرتها العالمية (و«قومية الشتات» في مصطلحنا هي عبارة عن الانتماءات الثقافية والإثنية المختلفة لأعضاء الجماعات اليهودية والتي تختلف باختلاف الزمان والمكان). ويؤكد ستون أن القومية الأولي ثمرة الاهتمام الضيق بالمصلحة القَبَلية، أما الثانية فتنبع من رؤية إنسانية. وقد ألقَي ستون نظرة شاملة علي منجزات الشتات (أي أعضــاء الجمــاعات اليهــودية في العــالم)، فوجـد أن الفترات التي ازدهرت فيها حياة اليهود مرتبطة بحضارات ذات رؤية تعددية، سواء في الفترة الهيلينية (في الإسكندرية)، أو الفترة التي ســادت فيــها الحضــارة العــربية في الأندلـس (وشمال أفريقيا)، أو في العصر الحــديث في غـرب أوربــا والولايــات المتـحدة. 
وهــو يــري أن ازدهـار حياة اليهود في الشتات وإسهاماتهم الحضارية ظاهرة إيجابية جــديرة بالحــفاظ عليـها وتدعيمها. ولذلك، فبدلاً من المطالبة بتصفية الوجود اليهودي في الاتحاد السوفيتي أو تهجير اليهود إلي أرض الميعاد، وبدلاً من التهييج ضد الاتحاد السوفيتي، يقترح حث الاتحاد السوفيتي علي القضاء علي معاداة اليهود وعلي مَنْح اليهود السوفييت الحقوق الخاصة بالاستقلال وحرية التعبير التي يمنحها لغيرهم من الأقليات المختلفة. ويؤكد ستون أن الصهاينة لم يتفقوا معه في المنهج لأن الصهيونية تزدهـر مع الكــوارث اليهودية، فبــدون هــذه الكوارث لن تقوم لها قائمة. ثم يهاجم ستون الدولة الصهيونية لاضطهادها الفلسطينيين وإنكارها حقوقهم. ومن أهم مؤلفات ستون كتاب محاكمة سقراط.


الباب الثانى: موقف الجـماعات اليهودية من الصهيونية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الباب الثانى: موقف الجـماعات اليهودية من الصهيونية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــــافـــــــــــة والإعـــــــــــلام :: موســـــوعة اليهــــــود-
انتقل الى: