منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 الباب الثالث: صهيونية غير اليهود المسيحية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

الباب الثالث: صهيونية غير اليهود المسيحية  Empty
مُساهمةموضوع: الباب الثالث: صهيونية غير اليهود المسيحية    الباب الثالث: صهيونية غير اليهود المسيحية  Emptyالأحد 23 فبراير 2014, 12:27 am

الباب الثالث: صهيونية غير اليهود المسيحية 
الصهيونية الغربية Western Zionism 
«الصهيونية الغربية» مصطلح قمنا بسكه لنشير به إلى الحركة الصهيونية لنبين أنها حركة ليست عالمية وإنما حركة غربية تضرب بجذورها في التشكيل الحضاري والسياسي والغربي. والصهيونية الغربية تَصدُر عن الصيغتين الصهيونيتين الأساسية والشاملة.
ويمكن أن نقسِّم الصهيونية الغربية إلى قسمين: 
أ) صهيونية غير اليهود: 
وهي صهيونية الذين توصلوا إلى الصيغة الصهيونية الأساسية وهم ينظرون لليهود باعتبارهم مادة تُنقَل، ويطلق عليها البعض «صهيونية الأغيار»، وإن كانت ديباجتها مسيحية فإنهم يطلقون عليها «صهيونية مسيحية». 
ب) صهيونية اليهود في الغرب: 
وهي صهيونية اليهود الذين تبنوا الصيغة الصهيونية الأساسية. وهذه نقسمها إلى صهيونية يهود غرب أوربا التوطينية وصهيونية يهود شرق أوربا الاستيطانية. والصهيونية الأولى قد تنتمي من الناحية البنيوية إلى صهيونية غير اليهود، فهي تنظر إليهم من الخارج. 
وإذا كان ثمة فارق بين صهيونية غير اليهود وصهيونية اليهود، فهو يكمن في المنظور والديباجات ولا ينصرف قط إلى الصيغة الأساسية نفسها، فاليهود بالنسبة إلى الصهاينة اليهود وغير اليهود شعب عضوي منبوذ من أوربا يجب أن يُنقَل خارجها ليُوظَّف لصالحها. وبينما ينظر الصهاينة غير اليهود إلى اليهود من الخارج باعتبارهم مجرد مادة بشرية تُوظَّف لصالح الغرب (أي على أنهم مجرد موضوع أو وسيلة لا قيمة لها في حد ذاتها)، فإن الصهاينة اليهود ينظرون إلى اليهود من الداخل باعتبارهم شيئاً مقدَّساً، أي أنهم يهوِّدون الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة من خلال إسقاط مصطلحات الحلولية الكمونية اليهودية عليها والعودة إلى الثالوث الحلولي: شعب ـ أرض ـ قوة ما (الإله ـ روح الشعب ـ التوراة والتراث) تسري في العنصرين وتحل فيهما وتربط بينهما. 
وإذا كان الشعب اليهودي مجرد وسيلة (كما يرى الصهاينة غير اليهود)، فهو من منظور الصهاينة اليهود وسيلة مهمة تُوظَّف في إطار كوني أو تاريخي ضخم بسبب مركزية الشعب اليهودي. ولنا أن نلاحظ أن كثيراً من الصهاينة غير اليهود قد تَقبَّلوا الرؤية الحلولية الكمونية اليهـودية وأن كثـيراً من الصـهاينة اليهـود يقبلون الرؤية النفعية، وأصبح من المألوف أن تمتزج الرؤية الحلولية بالرؤية المادية النفعية، وهذا ممكن في إطار الحضارة الغربية العلمانية الحديثة حيث يَحلُّ المطلق في المادة ويصبح من الممكن (من خلال الصيغة الهيجلية) التعبير عن الأمور المادية بطريقة روحية وعن الأمور الروحية بطريقة مادية. وثمرة هذا المزج هو النظر إلى فلسطين باعتبارها أرض الميعاد وباعتبارها كذلك موقعاً ذا أهمية اقتصادية وإستراتيجية بالغة، وإلى الشعب اليهودي باعتباره شعباً مختاراً يقف في مركز الكون، حجر الزاوية في عملية الخلاص، وفي الوقت نفسه باعتباره مادة استيطانية تخدم الحضارة الغربية. وإسرائيل هنا هي أداة الإله الطيعة، وهي في الوقت نفسه العميل المطيع للحضارة الغربية. 
صهيونية الأغيار Gentile Zionism 
«صهيونية الأغيار» ترجمة لمصطلح «جنتايل زايونيزم Gentile Zionism»، وهو مصطلح شائع في اللغات الأوربية يشير إلى غير اليهود الذين يتبنون الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة. ونحن نفضل استخدام مصطلح «صهيونية غربية»، أو «صهيونية» فقط، بمعنى «صهيونية غربية»، ونشير إلى «الصهيونية ذات الديباجة المسيحية» وإلى «صهيونية غير اليهود العلمانية» بمعنى أنها صهيونية غربية يتبناها بعض مواطني العالم الغربي ويدافعون عنها، إما من منظور مسيحي أو من منظور علماني. 
صهيونية غير اليهود Gentile Zionism 
انظر »صهيونية الأغيار«.
الصهيونية المسيحية Christian Zionism 
«الصهيونية المسيحية» مصطلح انتشر في اللغات الأوربية وتسلَّل منها إلى اللغة العربية، حيث تتم ترجمة كل المصطلحات بأمانة شديدة وتبعية أشد دون إدراك مضامين المصطلح، ومن ثم فإننا لا نعرف إن كان هذا المصطلح يعبِّر عن موقفنا بالفعل وعن رؤيتنا للظاهرة أم لا. والواقع أن مصطلح «الصهيونية المسيحية» يضفي على الصهيونية صبغة عالمية تربطها بالمسيحية ككل، وهو أمر مخالف تماماً للواقع، إذ ليس هناك صهيونية مسيحية في الشرق. بل إن أوائل المعادين للصهيونية بين عرب فلسطين كانوا من العرب المسيحيين، وأول مفكر عربي تنبأ بأبعاد الصراع العربي ـ الصهيوني وبمدى عمقه هو المفكر المسيحي (اللبناني الأصل الفلسطيني الإقامة) نجيب عازوري. كما أن الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية تعارضان الصهيونية على أساس عقائدي ديني مسيحي. وإن حدث تقارب ما (كما هو الحال مع الفاتيكان)، فإن ذلك يتم مع دولة إسرائيل ولاعتبارات عملية خارجة عن الإطار الديني العقائدي إلى حدٍّ كبير. بل هناك في الغرب المسيحي البروتستانتي عشرات من المفكرين المسيحيين الذين يرفضون الصهيونية على أساس ديني مسيحي أيضاً. ولذا، فإن مصطلح «الصهيونية المسيحية» غير علمي نظراً لعموميته ومطلقيته. 
ومن هنا، فإن الحديث يجري هنا، في هذه الموسوعة، عن «الصهيونية ذات الديباجة المسيحية»، فهي صهيونية غير مسيحية بأية حال، بل صهيونية استمدت ديباجتها (عن طريق الحذف والانتقاء) من التراث المسيحي دون الالتزام بهذا التراث بكل قيمه وأبعاده، ودون استعداد منها لأن يُحكَم عليها من منظوره الأخلاقي (ويمكنها أن تستخدم ديباجات إلحادية دون أن يتغيَّر مضمونها أو بنيتها الفكرية الأساسية). وفي تصوُّرنا أن هذا هو الفارق بين أية عقيدة دينية وأية عقيدة علمانية، فالمؤمن بعقيدة دينية يؤمن بمجموعة من القيم المطلقة المتجاوزة لإرادته (فهي ليست من إبداعه ولا من إبداع غيره من البشر)، ومن ثم يمكن تقييمه وتقييم سلوكه من منظور هذه القيم. أما العقيدة العلمانية، فهي مجموعة من القيم النسبية المتغيرة، ولا يمكن أن يُحـاكَم الإنسـان العلمـاني من منظورها إذ بوسعه أن يرفضها ويتنكر لها ويعدِّلها بما يتفق مع مواقفه المتغيِّرة واحتياجاته المتطورة وأهوائه المتجددة ورغباته التي لا تنتهي. 
الصهيونية ذات الديباجة المسيحية Zionism and Christian Apologetics 
«الصهيونية ذات الديباجة المسيحية» هي دعوة انتشرت في بعض الأوساط البروتستانتية المتطرفة لإعادة اليهود إلى فلسطين. وتستند هذه الدعوة إلى العقيدة الألفية الاسترجاعية التي ترى أن العودة شرط لتحقيق الخلاص، وهي تضم داخلها هذا المركب الغريب من حب اليهود الذي هو في واقع الأمر كره عميق لهم، تماماً مثل الصيغة الصهيونية الأسـاسـية: شعب عضوي منبوذ نافع يُنقَل خارج أوربا ليُوظَّف لصالحها. 
وأفكار الصهيونية ذات الديباجة المسيحية جزء لا يتجزأ من فكر الإصلاح الديني (وخصوصاً في أشكاله المتطرفة) برفضه التفسير المجازي للكتاب المقدَّس وفتحه الباب على مصراعيه لفكرة الخلاص الفردي خارج الكنيسة وللتفسير الفردي للنصوص المقدَّسة، بحيث أصبح المسيحي هو نفسه الكنيسة والكتاب المقدَّس، يفرض عليهما ما يشاء من قيم ورؤى، وهو ما يعبِّر عن تَصاعُد معدلات الحلول والعلمنة وانتشار ما نسميه «الرؤية المعرفية الإمبريالية». وقد انتشر الفكر الصهيوني ذو الديباجات المسيحية في أواخر القرن السادس عشر؛ عصر الثورة العلمانية الشاملة والثورة التجارية والحركة الاستيطانية الغربية ونشوء الرأسماليات الأوربية الباحثة عن مصادر الثروات والمواد الخام وعن أسواق لتصريف سلعها. وكانت أهم مراكز الصهيونية ذات الديباجة المسيحية إنجلترا بعد أن تحوَّلت عن الكاثوليكية ونفضت النفوذ الإسباني عنها وأصبحت واحدة من أهم القوى الاستعمارية (ومع هذا، يُلاحَظ أن إنجلترا لم يكن فيها يهود تقريباً). 
ويمكننا هنا أن نذكر بعض المفكرين الصهاينة، مثل توماس برايتمان وسير هنري فنش، الذين طرحوا تفسيراً حرفياً للعهد القديم وطالبوا بعودة اليهود إلى فلسطين. كما يمكن الإشارة إلى فيليب دي لانجالري (الفرنسي). وقد ظهرت عشرات المقالات التي تعالج هذا الموضوع وتتخذ موقفاً مماثلاً. وزاد هذا الموقف عمقاً باستيلاء المتطهرين (البيوريتان) على الحكم فكتب إنجليزيان بيوريتانيان نداء يطلبان فيه إعادة اليهود لإنجلترا وذلك حتى يتشتَّتوا في كل بقاع الأرض. فالشتات الكامل ـ حسب الأسطورة ـ هو شرط عودتهم لأرضهم، على أن تكون عودتهم على "سفن إنجليزية" (ولنتذكر هنا قانون الملاحة المركنتالي، الصادر عام 1651، الذي أصدرته حكومة كرومويل والذي تم بمقتضاه اسـتبعاد السـفن الهولندية من حَمْل التجارة البريطانية، ولذا أصبح حَمْل سلع من أفريقيا أو آسيا غير ممكن إلا على سفن إنجليزية). 
وتُعَدُّ هذه أول مرة في تاريخ العالم المسيحي التي يطرح فيها بشر مشروعاً بشرياً لإنجاز ما كان يُعتقَد حتى ذلك الوقت أنه أمر سيتم بتَدخُّل العناية الإلهية. وقد أدلى كرومويل بدلوه فدافع عن عودة اليهود لإنجلترا بسبب نَفْعهم وإمكانية استخدامهم كجواسيس له. ويُلاحَظ أن الصيغة الصهيونية الأساسية هي النموذج الأساسي الكامن في كل هذه الكتابات. ويُلاحَظ أن الصهيونية ذات الديباجة المسيحية تأخذ شكلاً دينياً استرجاعياً صريحاً وشكلاً تبشيرياً بين اليهود، وهي تنظر لليهودية من الخارج تماماً، فاليهود لا يزالون مجرد أداة للخلاص، وهم قتلة المسيح الذين يجب تنصيرهم وهدايتهم. ودعاة الصهيونية ذات الديباجة المسيحية شخصيات ليست سوية تماماً، معظمهم بعيدون عن مركز صناعة القرار. ومع هذا، يُلاحَظ أن الأبواب كانت دائماً مفتوحة أمامهم. 
وقد قامت جمعيات مسيحية تبشيرية عديدة مهمتها نشر المسيحية بين اليهود وهدايتهم واسترجاعهم إلى فلسطين إعداداً للخلاص. وأهم جمعية صهيونية مسيحية هي جمعية لندن لنشر المسيحية بين اليهود الإنجليز ويهود الدولة العثمانية (1809)، وكان يشـار إليهـا على أنها جمـعية اليـهود («جوز سوسياتي Jews' Society»). كما تم تأسيس جمعية التبشير الكنسية التي ازدهرت إلى درجة أن ميزانيتها بلغت 26ألف جنيه عام 1850، وكان يتبعها 32 فرعاً في لندن والقدس وغيرهما من المدن، وأصبحت المنبر الأساسي للصهاينة من المسيحيين مثل لورد شافتسبري السابع. 
ومع تَصاعُد معدلات العلمنة وتزايد النزعة الرومانسية (الحلولية العضوية)، بدأت الديباجات الدينية تبهت بالتدريج وبدأت تحل محلها ديباجات علمانية عقلانية نفعية تدور في إطار مفهوم الشعب العضوي المنبوذ مجرداً من كل الديباجات المسيحية. ومع ظهور محمد علي في مصر، وبداية التفكير في توظيف الدولة العثمانية كي تصبح سداً ضد الزحف الروسي الأرثوذكسي أو في اقتسامها، أصبحت الصهيونية ذات الديباجة المسيحية هامشية (رغم شعبيتها) إذ نجد أن أعضاء النخبة الحاكمة يستخدمون الصيغة الصهيونية الأساسية مع ديباجات نفعية علمانية (صهيونية غير اليهود). 
ولا يعني ظهور الصهيونية ذات الديباجة الرومانسية العضوية أو العلمانية العقلية (المادية الشاملة) أن الصهيونية ذات الديباجة المسيحية الواضحة اختفت أو حتى توارت. فالعكس هو الصحيح، إذ أن هذه الديباجة استمرت في التمتع بذيوع لا تعادله أية ديباجة أخرى، رغم تزايد علمنة المجتمع الغربي، بل إن النزعة الرومانسية قد أعطتها حياة جديدة وزادتها حيوية ودينامية. ويتضح ذلك في أن القرن التاسع عشر شهد بعثاً مسيحياً متمثلاً في الحركة الإنجيلية (أي المبشرة بالإنجيل) التي كانت تهدف إلى بَعْث القيم المسيحية بين صفوف الطبقة العاملة والفقراء والتبشير بين اليهود. كما يتضح في استمرار كثير من الصهاينة غير اليهود (العلمانيين) في استخدام ديباجات مسيحية. بل يمكن القول بأن الديباجة الأكثر شيوعاً مزيج من الديباجتين العلمانية النفعية والمسيحية كما هو الحال مع شافتسبري وبلفور.
ومن أهم الصهاينة الذين استخدموا ديباجات مسيحية وليام هشلر الذي قام بتقديم هرتزل لأعضاء النخبة الحاكمة في أوربا، وأورد ونجيت (الضابط البريطاني الذي ساهم في أعمال الإرهاب ضد العرب)، ونيبور رينهولد رجل الدين البروتستانتي. ويمكن القول بأن المشروع الاستيطاني الغربي بشكل عام (في فلسطين وغيرها) استخدم ديباجات صهيونية مسيحية توراتية لتبرير عملية غزو العالم فأصبحت كل منطقة يتم غزوها هي أرض كنعان (فلسطين) وأصبح سكانها الأصليون كنعانيين ومن ثم يمكن إبادتهم. وقد استُخدمت هذه الديباجات في استعمار الأمريكتين وجنوب أفريقيا. 
وقد بدأت الصهيونية ذات الديباجة المسيحية تتمتع ببعث جديد بعد إنشاء الدولة الصهيونية. وبدأت الفكرة الاسترجاعية تنتشر بشكل كبير في الأوساط البروتستانتية المتطرفة (الأصولية) في الولايات المتحدة (ومنهم بعض رؤساء الولايات المتحدة مثل كارتر وريجان) والتي تُصر على أن دولة إسرائيل هي تحقق النبوءة حرفياً في العصر الحديث وهي بُشرى الألف سنة السعيدة، أي أن الحلول أو التجسد الذي حدث مرة واحدة وبشكل مؤقت في التاريخ من منظور كاثوليكي، أصبح حلولاً حرفياً ودائماً ومادياً في شكل الدولة الصهيونية وفي أحداث التاريخ الحديث. لذلك، نجد أن الاسترجاعيين المُحدَثين يستغرقون في التفسيرات الحرفية. وعلى سبيل المثال، فإن جيري فالويل يشير إلى أن كتاب حزقيال يشير إلى أرض معادية للماشيَّح هي «روش»، وهي أرض بها مدينتان هما «ميشيسن وتوبال»، وتصبح روش «روسيا» وتصبح ميشسن «موسكو» وتوبال «تيبولسك». وستقوم روش بغزو إسرائيل ونهبها (حسب سفر حزقيال)، ولذا فإن فالويل يفسر هذا بأن روسيا ستقوم بغزو إسرائيل للحصول على الغنائم. وكلمة «النهب» يقابلها في الإنجليزية كلمة «سبويل spoil»، فإن حذفنا أول حرفين فإنها تصبح «أويل oil»، أي البترول، وهنا تصبح الأمور شديدة البساطة (وهذه الطريقة في التأويل ذات جذور قبَّالية، كما يُلاحَظ هنا أيضاً الثنائية الصلبة التي تتبدَّى في التأرجح بين التفسير الحرفي الجامد الذي يصر على معنى واحد مباشر والتأويل السائل الذي يفرض أي معنى على النص). 
ويقوم هؤلاء الاسترجاعيون بحوسلة إسرائيل بشكل حاد. وعلى سبيل المثال، فإن تيري ريزنهوفر (المليونير الأصولي الأمريكي الذي يقوم بتمويل عملية إعادة بناء الهيكل) يرى أن السلام بين إسرائيل وجيرانها مسألة مستحيلة. وبصفة عامة، فإن الرؤية الاسترجاعية ترى أن هرمجدون نبوءة حتمية لابد أن تتحقق. بل يرى الاسترجاعيون ضرورة تحريك الأمور باتجاه الحرب لإضرام الصراع والتعجيل بالنهاية (ولذا، فإن موقفهم من مفاوضات السلام أكثر تشدداً من موقف أكثر صقور إسرائيل تشدداً). ولا يختلف الأمر كثيراً بشأن حدود أرض الميعاد، فهذه الحدود مُعطَى ثابت مقدَّس لا يمكن التفاوض بشأنه. كما أن حدود إسرائيل التي يتخيلها الاسترجاعيون أكثر اتساعاً من حدود إسرائيل الكبرى التي يتخيلها أكثر الصهاينة تطرفاً. فحدودها، حسب الرؤية الاسترجاعية، تضم الأردن وأجزاء من مصر ولبنان ومعظم سوريا (وضمنها دمشق). أي أن الاسترجاعيين يرون ضرورة سفك الدم اليهودي تحقيقاً لرؤيتهم لنبوءات الكتاب المقدَّس. والواقع أن هذا المفهوم لا يختلف كثيراً عن مفهوم آرثر بلفور (صاحب الوعد المشهور) الذي أرسل اليهود إلى فلسطين ليكونوا قاعدة أماميـة للحضـارة الغربية، تُنزَف دماؤهم دفاعاً عن الحضارة التي نبذتهم. وهكذا، فإن الرؤية الاسترجاعية رؤية معادية تماماً لليهود وترى أن هلاكهم طريق الخلاص والبوابة الحتمية لانتشار المسيحية! وغني عن القول أن الرؤية الاسترجاعية رؤية حرفية علمانية لا علاقة لها بالرؤية المسيحية كما عرَّفها آباء الكنيسة ومفسروها الدينيون، وهي تعبير عن تهويد المسيحية أي علمنتها من الداخل. وقد عُقد المؤتمر الصهيوني المسيحي الأول في أغسطس 1985 في الصالة نفسها التي عُقد فيها المؤتمر الصهيوني الأول في بازل (1897)، وحضره 589 مندوباً أتوا من 27 دولة. 
ومن أهم المنظمات الصهيونية المسيحية في الولايات المتحدة: 
1 ـ منظمة الأغلبية الأخلاقية، وزعيمها الروحي القس جيري فولويل (ولعلها أهم المنظمات). 
2 ـ مؤسسة بات روبرتسون. 
3 ـ منظمة السفارة المسيحية الدولية ـ القدس. 
4 ـ المؤتمر القومي للقيادات المسيحية من أجل إسرائيل. 
5 ـ المائدة المستديرة الدينية.
الأحلام والعقائد الألفية Millenarianist Dreams and Doctrines 
«الألفية» ترجمة لكلمة «ميلينيريانزم» الإنجليزية المأخوذة من الكلمة اللاتينية «ميلينياروس» ومعناها «تحتوي على ألف». وثمة نزوع إنساني عام لفرض نظام عام على أحداث التاريخ، وهو عادةً نظام رياضي هندسـي صـارم. ومن ثم، فقد ظهر الإيمـان في كثير من الحضارات بأن العالم يشهد، في نهاية كل ألف من السنين، انتهاء دورة زمنية، وتصاحب هذه النهاية عادةً أحداث ضخمة. بل تذهب هذه الرؤية إلى أن التاريخ كله سيكون في نهاية ألف معينة. والفكرة الألفية متواترة في كثير من الحضارات. ويُقال إن حروب الفرنجة كانت نتيجة تصاعُد الحمى الألفية. وقد كتب الشاعر الأيرلندي وليام بتلريتس في نهاية القرن التاسع عشر قصائد ذات طابع ألفي. ولعل آراء فوكوياما (الموظف بوزارة الخارجية الأمريكية) عن نهاية التاريخ، ذات طابع ألفي هي الأخرى (مع انتهاء القرن العشرين، أي في نهاية الألف الثانية بعد الميلاد). كما أن العراف نوستراداموس من قبله وضع مخططاً يتنبأ فيه بنهاية التاريخ في إحدى الدورات الألفية. وللعقيدة الألفية جذور شعبية في العادة، تماماً مثل النزعات المشيحانية المختلفة التي تعبِّر عن تزايد معدلات الحلولية وضيق بالحدود وعن نفاد صبر بشأن العملية التاريخية وبالخلاص التدريجي. 
والعقيدة الألفية تعود جذورها إلى اليهودية، ولكنها أصبحت فكرة مركزية في المسيحية البروتستانتية إذ يؤمن كثير من المسيحيين البروتستانت بأنه حينما يعود المسيح المخلِّص (أو الماشيَّح حسب الرؤية اليهودية) (الذي يُشار إليه فيها بـ «الملك الألفي») سيحكم العالم (باعتباره الملك المقدَّس) هو والقديسون لمدة ألف عام يشار إليها أحياناً باسم «أيام الماشيَّح» أو «أيام المسيح»، وهي فترة سيسود فيها السلام والعدل في عالم التاريخ والطبيعة وفي مجتمع الإنسان والحيوان. وعقيدة الملك المقدَّس هذه لم يأت لها أي ذكر في العهد القديم ويبدو أنها مجرد صدى في الوجدان العبراني لمؤسـسة الملكية المقدَّسـة العبرانية. وما حدث هو أن مؤسسة الملكية المقدَّسة اختفت مع انهيار الدويلات العبرانية ولم تتم استعادتها حتى بعد عودة اليهود بأمر قورش الفارسي. فأسقط الوجدان العبراني فكرة الملك المقدَّس على المستقبل أصبحت جزءاً من الأفكار الأخروية (وتتحدث جماعة قمران عن الزوج المشيحاني): الماشيَّح بن هارون الكهنوتي والماشيَّح بن داود الملكي، ثم ظهر فيما بعد الماشيَّح بن يوسف والماشيَّح بن داود. 
وقد ظهرت العقيدة الألفية في كتابات معلمي المشناه (تنائيم) وفي الكتب الخارجية أو الخفية (أبوكريفا). بل إن كتب الرؤى (أبوكاليبس)، ومعظم الأفكار الأخروية، والكتب المنسوبة (سيود إبيجرفا)، والأحلام الأخروية، وسائر الأساطير الخاصة بآخر الأيام ونهاية الزمان، تدور جميعاً حول هذه العقيدة. وتظهر العقيدة الألفية في العهد الجديد في سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي الذي يشبه سفر دانيال في كثير من الوجوه والذي يدور حول عودة المسيح الثانية وحُكْمه العالم لمدة ألف عام. والنص، مثل كل كتب الرؤى، مركب مضطرب تنثال فيه صور الحشر الأخروية وتتداخل. والنص يتحدث عن تقييد الشيطان ثم حكم المسيح للعالم مع قديسيه لفترة تمتد لمدة ألف عام (ويبدو أن الألف عام هذه لا علاقة لها بيوم البعث أو يوم القيامة أو الفردوس السماوي إذ هي نوع من الفردوس الأرضي الذي سيتحقق الآن وهنا قبل يوم الحساب). بعد ذلك يُطلَق الشيطان من سجنه لهجمة أخيرة، ولعله عند هذه اللحظة يظهر المسيح الدجال (بالإنجليزية: «أنتي كرايست anti-Christ» وهي كلمة تعني حرفياً: ضد المسيح) فتدور المعركة الفاصلة النهائية. ويُلاحَظ أن المسيح الذي يعود هذه المرة ليس هو مسيح الأناجيل المعروف لدينا الذي يشيح بوجهه عن مملكة الأرض والذي يعرف أنه سيُصلَب فداءً للبشر، وإنما هو مسيح عسكري يجيئ راكباً حصاناً أبيض و"عيناه كلهيب نار" و"متسربل بثوب مغموس بدم" و"من فمه يخرج سيف ماض لكي يضرب به الأمم، وهو سيرعاهم بعصاً من حديد" (رؤيا يوحنا 19/11 ـ 16). 
فهو إذن مسيح جدير بالرؤية المعرفية الإمبريالية، يشبه جيوش أوربا التي داست الأرض ولوثت البيئة وثقبت الأوزون. وهو مسيح سيقتحم التاريخ عنوة ويدخل المعركة النهائية، معركة هرمجدون، ضد ملوك الأرض الذين يساعدهم الشيطان، فيُلحق بهم جميعاً الهزيمة النكراء. ثم يبدأ المسيح حكمه (الثاني) والنهائي، ويبعث كل البشر، المحسن منهم والسيِّئ (إذ يبدو أنه في حكمه الأول لم يبعث سوى القديسين) وذلك لمحاسبتهم ومجازاتهم. وينتهي الزمان ويبدأ حكم مدينة الإله وتختفي مدينة الأرض. وتختلط بكل هذا أقوال عن يأجوج ومأجوج وعلامات الساعة والنهاية، كما أن هناك العديد من الروايات الأخرى التي لا تقل اختلاطاً عن تلك التي لخصناها. وأهـم النقـط التي يدور حـولها الخـلاف بين الروايات المختلفة هو: متى تكون النهـاية النهـائية، هل تكــون بعد عودة المسيح أم قبلها؟ وما علامات هذه العودة الثانية، أهي مزيد من الشر والتدهور أم الخير والتقدم؟ 
ويُقسَّم الألفيون، أي المؤمنون بالعقيدة الألفية، إلى قسمين حسب رؤيتهم لزمن ظهور المملكة الألفية: 
أ) أنصار ما قبل الألف: 
وهؤلاء يؤمنون بأن الملك الألفي أي المسيح سيأتي فجأة ويبدأ مملكة الألف عام التي سيسود فيها العدل والسلام، وهذه الرؤية هي الأكثر شيوعاً. وعلامة النهاية عند هؤلاء تكون عادةً انهيار الحضارة وتدهورها. وعندما ترد كلمة « ألفية» دون إضافات أو تحفظات فهي تشير عادةً إلى العقيدة ما قبل الألفية. 
ب) أنصار ما بعد الألف: 
وهؤلاء يرون أن الملك الألفي سيأتي بعد الألف عام التي سيسود فيها السلام والمحبة وتعم فيها النعمة بسبب أن المسيحيين سيتخذون موقفاً أخلاقياً ويطيعون إلههم. وستكون العودة الثانية للمسيح هي ذروة هذه المرحلة، فهو سيأتي ليبعث الموتى ويحاسبهم على أفعالهم، وهذا هو يوم القيامة أو الحساب الأخير. وعلامة النهاية هنا هي شيوع السلام والمحبة والرخاء في الأرض. والخلافات هنا عميقة وبنيوية، فما قبل الألفيين يرون أن التغير فجائي ناجم عن تَدخُّل أو تجسُّد إلهي في التاريخ دون محاولة من جانب البشر، فهم عنصر سلبي في الدراما الكونية، وسيصاحب تَدخُّل الخالق مذابح وحروب. أما ما بعد الألفيين، فيرون أن التغيُّر تدريجي، وأنه ناجم عن أن المسيحيين سيقومون بتغيير أنفسهم وتحسين دنياهم. والذروة التي يصل إليها التاريخ تدريجياً هي إذن تعبير عن فعل إنساني أخلاقي وليس مجرد تجسُّد فجائي للإله في التاريخ. فالإنسان ليـس عنصراً سـلبياً في الدراما الكونية، بل هو فاعل لا يخضع للحتميات. وقد تزاوجت هذه الرؤية، فيما بعد، مع فكر عصر الاستنارة وعقيدة التقدم، وتمت علمنتها بحيث أصبح تقدُّم المسيحيين التدريجي هو التقدم التدريجي للعلوم، وأصبحت عودة المسيح (والحكم الألفي) هي هذه أو تلك النقطة في التاريخ. والواقع أن هذا الفكر يصل إلى قمته في منظومة هيجل، بل في كل المنظومات العلمانية الهيجلية.
ومن الواضح أن الفكر الأخروي الإسكاتولوجي المسيحي الألفي يتأرجح بين الحلولية المادية (مملكة المسيح في هذا الزمان) والتوحيد الذي ينزِّه الإله عن الطبيعة والتاريخ (المملكة السماوية خارج التاريخ). فبينما تسد الصيغة الأولى أية ثغرات أو ثنائيات، نجد أن الثانية تؤكدها وتحتفظ بقدر من الثنائية الفضفاضة (ومع هذا تتم تصفيتها من خلال عقيدة التقدم والتجسد التدريجي من خلال التاريخ). وقد اقترنت العقيدة الألفية، منذ البداية، بظهور العقلية التجارية والعلمية والمادية، ومن ثم فإنها قد ارتبطت بالتفسير الحرفي لكل عبارات العهد القديم ورفضت التفسيرات الكاثوليكية المجازية التي طــورتها الكنيسة عبر العصـور الوسطى لتُخلِّص الكتاب المقدَّس، وخصوصاً العهد القديم، من العناصر المادية والوثنية فيه. وقد اضطرت الكنيسة إلى قبول هذا الكتاب لأنها اعتبرت نفسها «إسرائيل فيروس» أي «إسرائيل الحقيقية» ـ أي الشعب اليهودي باعتباره جماعة مقدَّسة (جماعة يسرائيل). وفي بداية العهد المسيحي، كان هناك اتجاه لإلغاء العهد القديم وعدم اعتباره ضمن الكتب القانونية، إذ أن تبنيه كان يعني إلغاء مركزية وقدسية ومصداقية رؤية اليهود تاريخياً ودينياً. ولكن الكنيسة رفضت هذا الاتجاه، إذ أن حَذْف العهد القديم كان يعني في واقع الأمر حرمان الكنيسة من حقها في أن ترث جماعة يسرائيل، وهو ما يتنافى مع العقيدة المسيحية ومع رؤيتها لنفسها. ومهما يكن الأمر، فإن الكنيسة حاصرت العناصر الوثنية في العهد القديم وحاولت تحييدها عن طريق التفسيرات المجازية والرمزية. ولكن، مع عصر النهضة والإصلاح الديني، بدأت التفسـيرات الحرفيـة والفردية (الألفيــة) للعهد القديم تنتشر، وذهب الألفيون إلى أن ما ورد في العهدين القديم والجديد نبوءات حرفية عن المستقبل (على عكس الرؤية المسيحية التقليدية التي تذهب إلى أن آيات الكتاب المقدَّس إما آيات عن أحداث وقعت في الماضي أو نبوءات وردت ثم تحققت). فيرى الألفيـون، على سـبيل المثال، أن العبارات التي وردت عن خراب أورشليم (القدس) تشير إلى حروب عام 1967 أو عام 1948. أما الرؤية المسيحية التقليدية، فتذهب إلى أنها تحققت بالفعل عام 70 ميلادية على يد تيتوس. 
والعقيدة الألفية، في كل مفاهيمها، تدور حول تجسُّد الإله في التاريخ بشكل فعلي فجائي، وحول تَدخُّله فيه حتى يمكن مشاهدته في آثاره الفعلية، وفي كل الشواهد المادية التي يمكن إدراكها بالحواس الخمس الآن وهنا في مملكة الأرض، أي أنها رؤية مادية للواقع. وقد استفاد الألفيون من التأملات القبَّالية الخاصة بحساب نهاية الأيام وموعد وصول الماشيَّح. وبهذا المعنى، تكون العقيدة الألفية تعبيراً عن تهويد المسيحية. وقد أدركت الكنيسة الكاثوليكية منذ البداية خطورة العقائد الألفية (التي حملت راياتها العناصر الغنوصية واليهودية والوثنية الشعبية) على العقيدة المسيحية. وقد وصفت الكنيسة العقيدة الألفية بأنها "عقيـدة على طـريقة اليهـود" أي تشبه الفكـر المشـيحاني اليهودي. وقد حاول القديس أوغسـطين محـاصرة ذلك المفهوم الواحدي الكوني المعادي للتاريخ والحدود، وحاول أن يحاصر الحلولية التي يَصدُر عنها ويحوِّلها إلى ما نسميه «حلولية مؤقتة شخصية منتهية» تحققت في لحظة نزول الإله باعتباره الابن ثم صلبه وقيامه، ومع قيامه تنتهي اللحظة الحلولية ويُستأنَف التاريخ الإنساني. وقد بيَّن القديس أوغسطين أن الكنيسة الكاثوليكية هي مملكة المسيح، وأنها التجسيد التام للعصر الألفي، وأنها حالة روحية وصلت إليها الكنيـسة في عيـد العنصرة، أي بعد موت وبعث المسيح. وهذا لا يعني انتهاء الفوضى في الطبيعة والتاريخ، بل إن الفوضى ستستمر إلى نهاية الزمان حتى يعود المسيح ثانيةً، وهي العودة التي سوف تتم في وقت لا يمكن التنبؤ به، أي يتم خارج التاريخ (في يوم القيامة). وقد واكب تلك الرؤية تقديم التفسير المجازي للعهد القديم بحيث تصبح كل القصص والأحداث فيه رموزاً لحالات روحية وأخلاقية. 
ولكن كثيراً من الفرق الغنوصية المهرطقة، وهم من أعداء الكنيسة، استمروا في الدفاع عن العقيدة الألفية. غير أن مثل هذه الجماعات اضطرت إلى أن تكون سرِّية بسبب ما كان يقع عليها من اضطهاد من قبل الكنيسة في روما والتي وصفت تعاليمها بأنها كفر. وقد بُعثت الفكرة من جديد مع الإصلاح الديني ومع استرجاع النزعة الحلولية الذي تزامن أيضاً مع هيمنة القبَّالاه على اليهود وانتشارها في الأوساط الدينية الغربية. ورغم أن لوثر وكالفن تمسكا بتعاليم أوغسطين حول هذه الفكرة، فإنها أخذت تتسـرب إلى الجمـاهير وتسـتقطب أعداداً كبيرة منهم، ثم صارت فكرة محورية في عقول كثير من غلاة البروتستانت، وهو أمر منطقي يتسق مع بنية الفكر البروتستانتي ومع تَصاعُد معدلات الحلولية والعلمنة داخل النسق الديني المسيحي لما بعد الإصلاح الديني. وتُعَدُّ العقيدة الاسترجاعية من أهم تجليات العقيدة الألفية. ومما ينبغي ذكره أن العقائد الألفية بتأكيدها مركزية فكرة نهاية التاريخ قد تأخذ شكلاً فاشياً متطرفاً، يطالب بتطهير النسق تماماً من العناصر الغربية، فترى اليهود باعتبارهم شعباً عضوياً منبوذاً وحسب ولا داعي لتوظيفه ويمكن الاكتفاء بالتخلص منه. 
وتظهر الكراهية العميقة لليهود عند أتباع حركة تُسمَّى «الهوية المسيحية» وهي جماعة ألفية تنادي بنبذ (بل إبادة) كل العناصر البشرية المختلفة الأخرى (أى غير البيضاء غير البروتستانيتة) داخل المجتمع الأمريكي: السود والكاثوليك واليهود. ويرى أتباع هذه الحركة الألفية أنهم هم إسرائيل الحقيقية وأن شعوب شمال أوربا هم قبائل يسرائيل العشرة المفقودة. ويُلاحَظ أن النزعة الوثنية المادية الكامنة في العقيدة الألفية الاسترجاعية تظهر بشكل واضح في أدبيات هذه الحركة. 
فهم يرفضون المسيحيين السود وكل الكاثوليك في الوقت الذي يقبلون فيه أتباع العبادات الوثنية النوردية، كما يعادون إسرائيل ويسمون حكومة الولايات المتحدة «زوج ZOG» وهي اختصار لعبارة «زايونست أوكيوبيشن جوفرنمنت Zionist Occupation Government» أي "حكومة الاحتلال الصهيونية". ويُعدُّ أتباع هذه الحركة أنفسهم لمعركة هرمجدون فيتدربون على السلاح ويقومون بتخزينه. وعلى أية حال، فإن العداء الصريح الذي تبديه هذه الحركة لليهود هو العداء الذي تشعر به أيٌّ من الحركات القومية العضوية تجاه الآخر، فهي حركات تدور في إطار حلولية بدون إله أو في إطار وحدة الوجود حيث يحل الإله في الشعب ويصبح الشعب في قداسة الإله أو أكثر قداسة منه، فهو يحوي داخله ركيزته النهائية ومصدر قداسته، والآخر يقع خارج دائرة القداسة، ولذا فهو مباح. وقد لاحظ المؤرخون أن الرايخ الثالث في الفكر الألماني (الذي سيستمر ألف عام) يقع داخل هذا النمط، فالدولة النازية تحوي داخلها ركيزتها النهائية، أي أن المطلق لا يتجاوزها وإنما هو كامن فيها ومتجسد من خلالها. وكان الغجر والسلاف وأعضاء الجماعات اليهودية يقعون خارج دائرة القداسة العضوية. ومن المعروف أن الأساطير والعقائد الألفية والاسترجاعية غير معروفة لدى المسيحيين الشرقيين، كما أنها ليست موضع حوار أو مناظرة بينهم.
يتبع إن شاء الله...


الباب الثالث: صهيونية غير اليهود المسيحية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

الباب الثالث: صهيونية غير اليهود المسيحية  Empty
مُساهمةموضوع: العقيدة الاسترجاعية Restorationism    الباب الثالث: صهيونية غير اليهود المسيحية  Emptyالأحد 23 فبراير 2014, 12:56 am

العقيدة الاسترجاعية Restorationism 
«العقيدة الاسترجاعية» هي الفكرة الدينية التي تذهب إلى أنه كيما يتحقق العصر الألفي، وكيما تبدأ الألف السعيدة التي يحكم فيها المسيح (الملك الألفي)، لابد أن يتم استرجاع اليهود إلى فلسطين تمهيداً لمجيء المسيح. ومن هنا، فإن العقيدة الاسترجاعية هي مركز وعصب العقيدة الألفية. ويرى الاسترجاعيون أن عودة اليهود إلى فلسطين هي بشرى الألف عام السعيدة، وأن الفردوس الأرضي الألفي لن يتحقق إلا بهذه العودة. كما يرون أن اليهود هم شعب الله المختار القديم أو الأول (باعتبار أن المسيحيين هم شعب الله المختار الجديد أو الثاني). ولذا، فإن أرض فلسطين هي أرضهم التي وعدهم الإله بها، ووعود الرب لا تسـقط حتى وإن خرج الشـعب القـديم عن الطريق ورفض المسيح (وصلبه). ولذا، فإن كل من يقف في وجه هذه العودة يُعتبَر من أعداء الإله ويقف ضد الخلاص المسيحي، فأعداء اليهود هم أعداء الإله . 
ويُلاحَظ هنا أن الفكر الحلولي اليهودي يجعل اختيار الإله لليهود ليس منوطاً بفعلهم الخير وتحاشيهم الشر، فهي مسألة عضوية حتمية تتجاوز الخير والشر. كما أن جَعْل الخلاص مسألة مرتبطة باليهود، ومَنْح اليهود مركزية في رؤيا الخلاص، هو جوهر القبَّالاه اللوريانية التي تجعل خلاص الإله من خلاص اليهود، إذ يستعيد ذاته المبعثرة من خلالهم. ومن الواضح أن العقيدة الاسترجاعية، شأنها شأن العقيدة الألفية، تفترض استمراراً كاملاً ووحدة عضوية بين اليهود في الماضي والحاضر والمستقبل، ومن ثم فهي تنكر التاريخ تماماً. والاسترجاعيون عادةً حرفيون في تفسير العهد القديم، وهذا أمر أساسي لتأكيد الاستمرار، فهم لا يرون إلا دالاً واحداً ثابتاً مرتبطاً بمدلول واحد ثابت لا يتغيَّر. ولكن هذا التقديس لليهود يُضمر كرهاً عميقاً لهم ورفضاً شاملاً لهم ولوجودهم، ذلك أن بنية العقيدة الاسترجاعية هي نفسها بنية فكرة الشعب العضوي المنبوذ، شعب مختار متماسك عضوي يرفض الاندماج في شعب عضوي آخر، ولذا لابد من نبذه! 
ويمكن أن نلخص هذا الكره وذلك الرفض في العناصر التالية: 
1 ـ يذهب الاسترجاعيون إلى أن اليهود أنكروا المسيح وصلبوه، وأن عملية استرجاعهم إن هي إلا جزء من عملية تصحيح لهذا الخلل التاريخي وجزء من عملية تطهيرهم من آثامهم. فاليهود ليسوا مركز الخلاص بل هم مركز الخلل وسببه. والواقع أنهم مركز الخلاص لأنهم بإنكارهم المسيح أصبحوا مركز الخلل وسببه الأساسي (وهذا هو المعادل الديني لفكرة الشعب العضوي المنبوذ). والخلاص لا يمكن أن يتم إلا بتطهير مركز الخطيئة. ولعل هذا التركيز على أن اليهود أصل الخطيئة يُفسِّر أن المسيح الدجال سيكون يهودياً (من سوريا)، وأنه هو الذي سيقود ملوك الأرض ضد المسيح في المعركة الأخيرة (هرمجدون). 
2 ـ تذهب العقائد الألفية والاسترجاعية إلى أن عملية الخلاص النهائي ستصاحبها معارك ومذابح تصل ذروتها في معركة واحدة أخيرة (هرمجدون)، وهي معارك سيروح ضحيتها ثلثا يهود العالم وستخرب أورشليم (القدس). بل إنه كلما ازداد العنف ازدادت لحظة النهاية اقتراباً، فكأن التعجيل بالنهاية لا يتم هنا من خلال فعل أخلاقي يقوم به المسيحيون وإنما من خلال تقديم قربان مادي جسدي للإله (هولوكوست) يُشوَى بأكمله. بل إن أبعاد هذه المذبحة ستكون أوسع مدىً من المحرقة النازية، فكأن العقيدة الاسترجاعية هي عكس العقيدة المسيحية. 
ففي العقيدة المسيحية، يأتي المسيح ويُنزَف دمه ويُصلَب ويُهزَم، فهو قربان يُقدِّمه الإله فداءً للبشر بأسرهم، قربان لا حاجة بعده إلى قرابين. أما العقيدة الاسترجاعية فتذهب إلى أن المسيح قائد عسكري يدخل المعارك ويثخن في الأعداء ثم ينتصر. واليهود هم الذين سينزفون، وهم قربان الرب الذي لا حاجة بعده إلى قرابين، ولذلك فإن ذَبْحهم (أو صَلْبهم) يشير إلى النهاية الألفية السعيدة. كما أن اليهود، حسب الرؤية المسيحية التقلـيدية، كانوا دعـاة القـومية، على حين أن المسيح هو داعية العالمية. أما هنا، فإن العكس هو الصحيح، فاليهود هم مركز خلاص العالم والمسيح هو القائد القومي الذي سيؤسس مملكته في صهيون. 
3 ـ انتهت حياة المسيح الأولى بإنكار اليهود له وصلبه، أما حياته الثانية فستنتهي بإعلان انتصاره وبالتدخل في آخر لحظة لإنقاذ البقية الباقية من اليهود (وإعادتهم إلى أرضهم)، فيخر اليهود أمام المسيح ويعترفون بألوهيته ويقابلونه باعتباره الماشيَّح المنتظَر ويتحولون إلى دعاة تبشير بالمسيحية ينشرون الإنجيل في العالم، أي أن المسيح سينجح في إقناع اليهود بما فشل في إقناعهم به أول مرة. وحينما يحدث ذلك، تكون الدائرة الحلولية قد اكتملت وتمت هداية العالم بأسره. 
4 ـ العقيدة الاسترجاعية عقيدة تُحوسل اليهود تماماً، أي تُحوِّلهم إلى وسيلة أو أداة نافعة وأساسية لخلاص المسيحيين ولكنها لا قيمة لها في حد ذاتها، فهم يستمدون قيمتهم من مقدار أدائهم لوظيفتهم ومقدار تعجيلهم بعملية الخلاص المسيحية. فبنية الصيغة الاسترجاعية (شعب عضوي منبوذ يمكن توظيفه) هي نفسها الصيغة الصهيونية الأساسية، وعلى هذا فإن الفكر الصهيوني في شكله الديني والعلماني فكر استرجاعي. 
هـرمجدون Armageddon 
«هرمجدون» (أو: آرمجدون) كلمة مكونة من كلمتين: «هار» بمعنى «تل» و«مجدو» اسم مدينة في فلسطين («مجيدو») والتي تقع بالقرب منها عدة جبال ذات أهمية إستراتيجية، وهو ما جعل المدينة حلبة لكثير من المعارك العسكرية في العالم القديم. وهرمجدون هي الموضع الذي ستجري فيه المعركة الفاصلة والنهائية بين ملوك الأرض تحت قيادة الشيطان: (قوى الشر) ضد القوى التابعة للإله: (قوى الخير) في نهاية التاريخ، وسيشترك فيها المسيح الدجال حيث سيُكتَب النصر في النهاية لقوى الخير وستعود الكنيسة لتحكم وتسود مع المسيح على الأرض لمدة ألف سنة، وبعدها ستأتي السماوات الجديدة والأرض الجديدة والخلود. 
وقد ورد ذكر هرمجدون مرة واحدة في العهد الجديد (رؤيا يوحنا اللاهـوتي 16/6 "فجَمَعـهم إلى الموضع الذي يُدعَى بالعـبرانية هرمجدون"). ويرتبط كل هذا بعودة اليهود إلى أرض الميعــاد مرة أخرى، فهذا شرط الخلاص (وإن كان يرتبط أيضاً بهلاك أعداد كبيرة منهم تبلغ ثلثي يهود العالم). وهرمجدون هي الصورة المجازية الأساسية في العقائد الألفية الاسترجاعية البروتستانتية. وهي تتواتر في الخطاب الغربي السياسي الديني (خصوصاً في الأوساط البروتستانتية المتطرفة واليهودية الصهيونية) لوصف المعارك بين العرب والصهيونية، أو لوصف أي صراع ينشب في الشرق الأوسط، أو حتى في أية بقعة في العالم، كما يتم إدراك الصرع العربي الإسرائيلي من خلال هذه الصورة المجازية (هرمجدون). 
وكثيراً ما يشير بعض رؤساء الجمهورية في الولايات المتحدة إلى هذه الصورة المجازية في تصريحاتهم الرسمية. ولا يمكن الحديث هنا عن أي تأثير يهودي أو نفوذ للوبي الصهيوني، فمثل هذه المصطلحات المشيحانية متأصلة في الخطاب الديني البروتستانتي منذ عصر النهضة الغربية، وذلك نظراً لتصاعد معدلات العلمنة والحلولية والحرفية التي تصر على أن ترى كل التعبيرات والأحداث المجازية في العهدين القديم والجديد كنبوءات تاريخية لابد أن تتحقق بحذافيرها. 
المسيح الدجال Anti-Christ 
«المسيح الدجال» هي الترجمة العربية للكلمة الإنجليزية «أنتي كرايست» والتي تعني حرفياً «ضد المسيح». وعقيد المسيح الدجال عقيدة مسيحية أخروية ظهرت مع بدايات المسيحية، وزادت أهميتها مع الإصلاح الديني، وهي عقيدة صهيونية بصورة ملموسة إذ أنها تضع اليهود في مركز الدراما الكونية الخاصة بخلاص العالم، وهي أيضا عقيدة معادية لليهود إذ أن مركزيتهم نابعة من كونهم تجسيد للشر في التاريخ، ومن ثم فإن تنصُّرهم (ونهاية التاريخ) شرط أساسي للخلاص. وتذهب هذه العقيدة إلى أن المسيح الدجال شخصية كافرة قاسية طاغية، وهو ابن الشيطان (بل لعله هو نفسه الشيطان المتجسد). ومن علاماته أنه توجد في أقدامه مخالب بدلاً من الأصابع. أما أبوه، فيُصوَّر على هيئة طائر له أربعة أقدام ورأس ثور بقرون مدببة وشعر أسود كثيف. 
والمسيح الدجال ابن امرأة يهودية، وسيأتي من قبيلة دان (فاستناداً إلى نبوءة يعقوب، فإن دان سيكون ثعباناً في الطريق، واستناداً إلى كلمات إرميا فإن جيوش دان ستلتهم الأرض. كما أن الإصحاح السابع في رؤيا يوحنا لم يذكر قبيلة دان عندما ذكر القبائل العبرانية). ويتواتر الآن في الأوساط المسيحية الحرفية أن المسيح الدجال سيكون يهودياً من سوريا. ويُقال إن المسيح الدجال سيظهر في الشرق الأوسط في نهاية الأيام وهو العدو اللدود للمسيح وسيسبق ظهوره عدد من الدجالين، وأنه سيدَّعي أنه المسيح ويصدقه الكثيرون، وخصوصاً أنه قادر على الإتيان ببعض المعجزات (ولذا، فهو يسمَّى «قرد الإله» أي الذي سيقلد الإله كما تقلد القردة البشر) وسيطيعه الرعد وتحرس الشياطين له بعض كنوز الأرض (التي سيستخدمها في غواية البشر). 
وسيقوم الدجال ببناء الهيكل وسيهدم روما (مقر البابا) وسيُحيي الموتى وسيحكم الأرض مع الشيطان لمدة يُقال إنها ستصل إلى خمسين عاماً، وإن كان الرأي الأغلب أن فترة حكمه لا تتجاوز ثلاثة أعوام ونصفاً وسيساعده اليهود في كل أفعاله. وعندما يصل البؤس إلى منتهاه، سيتدخل الإله فتنفخ الملائكة في البوق معلنة حلول يوم القيامة وسينزل المسيح (عودة المسيح الثانية) لينقذ البقية الباقية الصالحة. وستدور معركة كونية هي معركة هرمجدون ويَلقَى ثُلثا اليهود حتفهم أثناءها. وسيعود إلياهو وإنوخ وسيأمر الدجال بقتلهم، ولكنهم قبل أن يلاقوا حتفهم سينصرون اليهود الذين سيقبلون المسيح باعتبارهم أفراداً (لا شعباً). وسيخرج من فم المسيح سيفٌ ذو حدين سيصرع به المسيح الدجال ويحكم العالم بالعدل لمدة ألف عام (أو إلى ما لا نهـاية) حيث ينتـشر السـلام والإنجـيل في العالم. 
وكثيراً ما كان الدجال يُقرَن بالماشيَّح الذي ينتظره اليهود. ويذهب الحرفيون إلى أن إنشاء دولة إسرائيل علامة على أن موعد عودة المسيح قد دنت ومن ثم لحظة هداية اليهود، كما يَقرن الوجدان البروتستانتي الدجال ببابا روما وبأية شخصية تصبح تجسيداً للآخر (دعاة الاستنارة ـ قيصر ألمانيا ـ لينين ـ هتلر ـ جمال عبد الناصر). وعقيدة الدجال هي عقيدة حلولية تُلغي الزمان وتُلغي المسافة التي تفصل بين الخالق والمخلوق، ثم تُلغي الآخر تماماً وتُخرجه من دائرة القداسة والتوبة والهداية. والآخر هنا هو اليهود، والدجال هو رمزهم. والعقيدة هي بلورة لكثير من جوانب الموقف الغربي من اليهود فالحضارة الغربية تضع اليهود (الشعب العضوي المقدَّس المنبوذ) في مركز الكون حيث يتم القضاء عليهم بطريقتين: إما عن طريق الإبادة (الهولوكوست) في معركة هرمجدون (أو في معسكرات الغاز والإبادة)، أو عن طريق التنصير (أو عمليات الاندماج المكثفة في الولايات المتحدة وغيرها: الهولوكوست الصامت). 
فرســان الهيــكل Knight Templars 
جمعية استيطانية صهيونية ذات ديباجة مسيحية. واشتقت الجمعية اسمها من جماعة فرسان الهيكل الأولى، وهم جماعة من الفرسان الرهبان ظهروا في فلسطين عام 1118 بعد وصول حملات الفرنجة لأرض الشام بما لا يزيد على عشرين عاماً، وكوَّنوا جماعة وظيفية قتالية استيطانية في العالم الإسلامي، وجماعة وظيفية مالية وسيطة في العالم الغربي. وقد كانت العلاقة بين العالم المسيحي في العصور الوسطى وجماعة فرسان الهيكل علاقة نفعية. 
وقد دخل الفرسان صراعاً مع كل من الكنيسة والسلطة الزمنية، لكن كلاًّ منهما تَحمَّل استقلالية الفرسان على مضض طالما كانت ثمة وظيفة لهم. وبانتفاء الغرض الذي قامت من أجله جماعة فرسان الهيكل، ومع فقدانها وظيفتها بعد سقوط عكا في يد المسلمين عام 1292، لم يَعُد هناك مجال للاستمرار في العلاقة فهجمت السلطة الزمنية (بتشجيع من الكنيسة) على الفرسان واتهمتهم بالهرطقة وقامت بتعذيبهم ومصادرة أموالهم وتشريدهم وقُتل رئيسهم جاك دي مولاي عام 1312 بأمر من فيليب الجميل ملك فرنسا وبمباركة من البابا كلمنت الخامس، واستولى فيليب الجميل على ثروة فرسان الهيكل وتمكَّن من إضعاف سلطة النبلاء وتقوية الدولة. 
وتعود جمعية فرسان الهيكل الحديثة إلى حركة الأتقياء التي ظهرت في ألمانيا في القرن السابع عشر كحركة إصلاحية في الكنيسة الإنجيلية أكدت دراسة الكتاب المقدَّس وأكدت الإلهام الديني المباشر والذاتي. وقد استمرت هذه الحركة حتى القرن 19 وتركزت حول تيوزوفن بنجل الذي بشَّر بقيام مملكة الرب وعودة المسيح إلى الأرض في أعقاب كوارث مريعة سببها الابتعاد عن الروح المسيحية. وتَوقَّع بنجل عودة المسيح عـام 1836 بعد ظهور المسـيح الدجال متمثلاً في شخص نابليون بونابرت. وعندما حلت مجاعة بمملكة فورتمبرج عام 1817، دعا بنجل أتباعه إلى الهجرة إلى الشرق، فهاجر آلاف الفلاحين من هذه المملكة إلى جنوب روسيا حيث رحب بهم قيصر روسيا ألكسندر الأول. 
وقد رأت مملكة فورتمبرج في هجرة مواطنيها خطراً يتهددها، ولذا لجـأت إلى إنشاء جمـعيات خاصـة للمـــتدينين ذات استقلال ذاتي. وكانت أولى تلك الجمعيات تحت رئاسة جوتليب هوفمان والد كريستوف هوفمان مؤسس جمعية الهيكل الألمانية، الذي وجد أن ازدياد نفوذ الاتجاهات الليبرالية والثورية في البرلمان القائم في فرانكفورت دليل قاطع على سيطرة الاتجاهات الشيطانية بسبب فشل الكنيسة الإنجيلية في رسالتها. ولذا، دعا هوفمان إلى إقامة كنيسة جديدة مستقلة، وساعده في هذا صديقاه جورج ديفيد هارديج وعمانويل باولوس. 
ومع اندلاع حرب القرم عام 1853، اعتقد هوفمان أن الوقت قد حان لإقامة مملكة الرب وسَلْخ أرض الميعاد في فلسطين عن الإمبراطورية العثمانية المتداعية وجَعْلها موطناً لشعب الله المختار تنفيذاً للوعود التوراتية. وقد فسَّر هوفمان هذه الوعود بأنها ليست لليهود ولكن للشعب المسيحي الإنجيلي. 
ومن ثم، شكَّل هوفمان جمعية تحت اسم «أصدقاء القدس» عام 1854 دعـت إلى اتخاذ الوسـائل والتـدابير لوضع مشــروعه موضع التنفيذ. وطرح هارديج فكرة السعي لدى البرلمان الألماني في فرانكفورت من أجل التأثير على السلطان العثماني للسماح للألمان باستيطان فلسطين واستعمارها من أجل إيجاد عمل للمتعطلين من الألمان، وكان شعاره هو "ينبغي إيجاد عمل للشعب الألماني" (أي أنه اكتشـف الحـل الاســتعماري لمشاكل أوربا، وهو تصديرها للشرق). وقد تبنت الجمعية اقتراح هارديج بالإجماع. 
وبناءً على ذلك، كتب هوفمان مشروع دستور للجمعية الجديدة أسماه «مشروع دستور شعب الله» وسُمِّيت الجمعية «جمعية تجميع شعب الإله في القدس». ثم قام هوفمان وهارديج برحلات عديدة في أوربا للدعوة لهذه الجمعية حيث لاقت دعوتهم بعض القبول وتبرعت بعض الأسر الثرية بالأموال لشراء الأراضي لتكون مواضع لتجميع شعب الإله قبل الانطلاق لاستعمار فلسطين. وقد أدَّت المجاعة التي أصابت فورتمبرج إلى انضمام العديد من الأنصار إلى الجمعية. ومع انتهاء حرب القرم عام 1856 وعدم انهيار الإمبراطورية العثمانية كما تَوقَّع هوفمان، شنت الكنيسة الإنجيلية حملة شديدة على الجمعيـة، الأمـر الذي أدَّى إلى تَقلُّص عـدد أعضـائها تدريجـياً. 
وقد دخل هوفمان وأنصاره، نتيجة هذا الهجوم الشرس، معركة كبرى مع الكنيسة الإنجيلية، وهو ما أدَّى إلى طردهم منها عام 1859. ولهذا، فقد أنشأوا طائفة دينية خاصة بهم دعاها هوفمان «الهيكل الروحي». وقد أدَّى انشقاق الجماعة إلى اشتداد الحملة الكنسية عليها الأمر الذي أدَّى إلى انفضاض الأتباع عنها. لكنها استطاعت أن تستمر وتحافظ على كينونتها، بفضل وجود أتباع كثيرين لها بين المهاجرين الألمان في أمريكا الشمالية وجنوب روسيا.
وقد أُعيد تنظيم الجماعة عام 1861 تحت اسم «جماعة الهيكل الألمانية» وكان شعارها "من أجل تجديد الحياة الدينية والاجتماعية لشعب الإله". وكان من الطبيعي أن تتم عملية التجديد هذه من خلال صيغة صهيونية واضحة: خروج الشعب المختار، أو البقية الصالحة، من أرض السبي والمنفى (أوربا التي تسودها الآثام الأخلاقية والبطالة) ـ دخول أرض الميعاد أو صهيون (استعمار فلسطين) ـ قيام مجتمع مثالي (صهيوني) يتسم بصفتين: أن يكون طابعه ألمانياً فاقعاً وسُمِّيت إحدى المستعمرات «فالهالا»، أي قاعة الآلهة التيوتون التي يقيمون فيها الولائم بعد أن يقضوا يومهم في الحرب والقتال، كما سُمِّيت مستوطنة أخرى «فيلهلما»، أي «الوليامية» (نسبة إلى فلهلم أو وليام قيصر ألمانيا)، وأن يتسم المجتمع المثالي الجديد أيضاً بأنه مستقل عن المحيط العربي، فيكون مجتمعاً صهيونياً استيطانياً وربما إحلالياً غير يهودي. وسيقوم المجتمـع الجديد بتمثيل مصـالح ألمانيا في الشـرق، وسـتقوم هي بحمايته، أي أن المجتمع الجديد دولة وظيفية. 
وقد أنشأت الجمعية علاقات وثيقة مع جمعيات صهيونية غير يهودية مماثلة في أوربا بغرض استعمار فلسطين، من أهمها العلاقة بين هارديج وهنري دوتان السويسري مؤسس الصليب الأحمر والذي أسَّس جمعية تحت اسم "جمعية العمل الدولي من أجل تجديد فلسطين" وكانت تدعو إلى هيمنة المسيحيين (أي الاستعمار الغربي) على فلسطين عن طريق الاستيطان السلمي (أي التسلل). ولهذا، فقد سعى دوتان لدى السفير العثماني في باريس (جمال باشا) ولدى الوزير الفرنسي المفوض في إستنبول (المسيو بوريه) من أجل الضغط على الباب العالي للسماح للمستعمرين الألمان من جمعية فرسان الهيكل بشراء الأراضي في فلسطين والاستقرار بها. وقد أدَّت ضغوط دوتان إلى موافقة الباب العالي على هذا عام 1868، وقام دوتان بإبلاغ هارديج بهذا الانتصار. ومن ثم، سافر هوفمان وهارديج مع أسرتيهما إلى فلسطين والتقيا في الطريق مع العديد من الدبلوماسيين الأوربيين الذين زودوهما بنصائح عن كيفية التعامل مع الباب العالي وبينوا لهما ضرورة عدم التجنس بالجنسية العثمانية حتى يتمتعوا بالحماية الأوربية (كما فعل المستوطنون الصهاينة اليهود بعدهم). وكان أحد الأسباب التي شجعت هوفمان وهارديج على البدء بمشروعهما الاستيطاني هو القانون العثماني الذي صدر في 1867 مبيحاً للأجانب حق تملك الأرض في المدن والريف في الولايات العثمانية كافة. 
وعند وصولهما إلى حيفا عام 1868، قام هوفمان وهارديج بالتحايل على رفض الباب العالي الموافقة لهما على شراء الأراضي في حيفا عن طريق وسيط عثماني، وبدأ عام 1869 في بناء أول مستعمرة ألمانية في فلسطين من البحر حتى سفح جبل الكرمل (افتُتحت رسمياً عام 1870). 
وقد حرص هوفمان وأتباعه على بناء المستعمرة على النسق الأوربي مع المحافظة على علاقاتهم بالوطن الأم في ألمانيا. وقد نمت تلك المستعمرة حتى وصل عدد سكانها عام 1914 إلى 750 نسمة. 
وقد أنشأ فرسان الهيكل الألمان مستعمرات أخرى مثل: مستعمرة يافا (1869) ومستعمرة سارونا على طريق تل أبيب ـ يافا (1871)، ومستعمرة ريفايم (1872) التي صارت مقر إدارة الجمعية (1878)، ومستعمرة فالهالا (1892)، ومستعمرة فيلهلما (1902). وقد كان نشـاط المسـتعمرات زراعياً بالدرجة الأولى في بداية الأمـر، ولكن المستوطنين اتجهوا بالتدريج نحو التجارة والصناعة وانصرفوا عن الزراعة، فأنشأوا العديد من الورش والمعامل حتى أصبحوا محور الحياة الاقتصادية في حيفا وأدخلوا أنشطة ثقافية متعددة مثل الأمسيات الموسيقية والمسرح والنوادي الرياضية وأوجه الثقافة الأوربية كافة. 
وكانت علاقة المستوطنات بالوطن الأم علاقة شد وجذب. وثمة عوامل كانت تضغط على ألمانيا باتجاه تقديم العون للمستعمرين الألمان في فلسطين: الرأي العام الألماني، والبلاط القيصري ، ووزارة خارجية فورتمبرج، والبحرية الألمانية. ولكن العوامل الأقوى هنا هي التي أدَّت إلى ابتعاد الوطن الأم عن المستوطنات. فمصالح الوطن الأم عادةً ما تكون ذات نطاق عالمي، فمسرح نشاطها هو العالم بأسره أما المستوطنات فتدور في إطار مصالحها الضيقة المباشرة. 
فمع عام 1871، وبعد تحقُّق الوحدة الألمانية التي تلت انتصار ألمانيا على فرنسا، تحولت ألمانيا إلى دولة عظمى في أوربا وبدأ الاهتمام بالحصول على مستعمرات أفريقية، واتجهت السياسة الألمانية إلى التحالف مع العثمانيين في مواجهة الإنجليز والروس، ولذا لم تحاول ألمانيا دَعْم فرسان الهيكل كثيراً. ومن ثم، أخذت الدعوة للهجرة من ألمانيا تتوقف، وخصوصاً بعد تَحسُّن الأحوال الاقتصادية في ألمانيا نفسها، وانتهت تماماً بحلول عام 1875. وقد أدرك المستوطنون هذا وتوقفوا عن السعي لتحقيق غايتهم المنشودة وهي تجميع شعب الإله في القدس وإقامة مملكة الرب، وتَركَّز اهتمامهم على تحسين أحوالهم المعيشية. 
ودبت الخلافات بين المؤسسين حتى انفصل هارديج عام 1874 وشكَّل رابطة الهيكل. وكانت العلاقة بين المستوطنين وبين السكان العرب متوترة (كما هو الحال دائماً بين أي مستوطنين غربيين وأصحاب الأرض الأصليين). وقد حدثت مشادة بين عربي ومستوطن ألماني، فقتل المُستوطنُ العربي، وانتقم أهله له، وهو ما دعا المستوطنين إلى طلب حماية ألمانيا التي سارعت بإرسال بارجة حربية لشواطئ فلسطين في سابقة لم تحدث من قبل. ولكن التوتر بين المستوطنين والسكان الأصليين أدَّى إلى مزيد من تقليص الدعم الألماني للمستوطنين، وذلك نظراً لأن ألمانيا كانت تود تحسين علاقاتها مع الباب العالي. وقد صدرت تعليمات مشددة من الخارجية الألمانية باعتبار المستوطنين ليسوا ألماناً، ما لم يرسلوا أبناءهم لأداء الخدمة العسكرية. 
وبعدئذ، حاول المستوطنون الألمان، أكثر من مرة، لفت نظر الحكومة الألمانية إلى أهمية فلسطين وإلى الضرر الذي قد يلحق بألمانيا إن وقعت فلسطين تحت السيطرة الفرنسـية، بيد أن موقـف الحكومة الألمانية كان مخيباً لآمال المسـتوطنين. وقد اتخذت جماعة فرسان الهيكل موقفاً معادياً من المستوطنين اليهود لاعتبارات عدة دينية وسياسية واقتصادية. فمن الناحية الدينية، رفض هوفمان اعتبار اليهود شعب الإله لأنهم غارقون في الدنس، ومن الناحية الاقتصادية اعتبرهم فرسان الهيكل منافسين خطرين، ومن الناحية السياسية خشي فرسان الهيكل من سيطرة اليهود على مقدرات الحياة في فلسطين لحُسْن تنظيمهم وقدراتهم المالية. 
وفي المقابل، استفاد الصهاينة من تجربة فرسان الهيكل في كيفية بناء المستوطنات والتنظيم على النسق الأوربي وطالبتهم الجرائد الصهيونية باتخاذ موقف متسامح ومتفهم للمصالح المشتركة بين اليهود والألمان. وقد ساعد على تحسُّن العلاقة، ولو لفترة قصيرة جداً، أن الحركة الصهيونية قبل وعد بلفور كانت تتطور في ألمانيا والتزم فرسان الهيكل بالسياسة الألمانية الرسمية في دَعْم الصهاينة في محاولة منهم للتقرب من الحكومة الألمانية. ولكن الحرب العالمية الأولى جاءت واتجه الصهاينة إلى الحلفاء ضد دول الوسط، وبعدئذ سقطت فلسطين في أيدي الإنجليز لتُنهي كل علاقة طيبة بين فرسان الهيكل والصهاينة، بل لتنهي المستعمرات الألمانية في فلسطين . ومن الأمور التي قد تكون طريفة ودالة في آن واحد أن بقايا فرسان الهيكل قد أصبحوا نواة الحزب النازي في فلسطين في الثلاثينيات واختفوا تماماً مع سقوط النازية. 
وأهمية جمعية فرسان الهيكل تَكمُن في أنها تُبلوِّر النموذج الصهيوني بشكل لم يتحقق من قبل ربما لن يتحقق من بعد (بسبب صغر حجم التجربة):
1 ـ فكما بيَّنا، يدور فرسان الهيكل داخل الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة: خروج من أوربا ـ دخول في فلسطين ـ توظيف المادة البشرية المنقولة ـ إنشاء الدولة الوظيفية ـ دولة راعية تقوم الدولة الوظيفية على خدمتها. 
2 ـ تتشابه الديباجات بين تجربة الصهاينة وتجربة فرسان الهيكل بشكل مدهش فهي ديباجات حلولية كمونية يتداخل فيها المقدَّس والنسبي والتوراتي والعسكري بشكل شبه كامل. 
3 ـ كلتا التجربتين الصهيونية اليهودية والصهيونية الألمانية ترى نفسها استمراراً لتجربة الفرنجة. 
4 ـ العنف العسكري هو آلية حتمية لكلتا التجربتين لأن السكان الأصليين رفضوا المستوطنين. 
5 ـ العلاقة بين المستوطنين (الهيكليين والصهاينة) والدولة الراعية هي علاقة نفعية هي علاقة المرتزق بولي نعمته. 
6 ـ التجربة الصهيونية الألمانية (غير اليهودية) تسبق التجربة الصهيونية اليهودية (وهي في هذا تعبير عن أسبقية الصهيونية ذات الديباجات المسيحية وصهيونية غير اليهود العلمانية على الصهيونية ذات الديباجة اليهودية). 
7 ـ من الأمور التي تستحق التأمل التشابه الكامل بين الصهيونيتين رغم اختلاف الشخصيات التي قامت بتنفيذ كل منهما: ففرسان الهيكل "مسيحيون" والصهاينة "يهود". ولعل هذا يعود إلى أن إشكالية الصهيونية هي إشكالية كامنة على المستوى الحضاري والمعرفي في الحضارة الغربية، ولذا فهي نموذج نهائي قادر على التهام أشكال الخطاب الديني المختلفة (يهودياً كان أم مسيحياً) لتعيد إنتاجه على هيئة مشروع لا ديني يستخدم ديباجات دينية.
يتبع إن شاء الله...


الباب الثالث: صهيونية غير اليهود المسيحية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

الباب الثالث: صهيونية غير اليهود المسيحية  Empty
مُساهمةموضوع: المورمون Mormons    الباب الثالث: صهيونية غير اليهود المسيحية  Emptyالأحد 23 فبراير 2014, 1:07 am

المورمون 
Mormons (Latter-Day Saints) 
«المورمون» حركة دينية شبه مسيحية، مركزها الرئيسي مدينة سولت ليك في ولاية أوتاه، واسمها الحقيقي هو «كنيسة المسيح عيسى، قديس آخر الأيام». وهي حركة ذات طابع حلولي كموني واضح. وتوجد مجموعات متفرقة منفصلة من المورمون في مدينة إندبندانس في ولاية ميسوري ومدينة بيرليختون في ولاية ويسكونسين. والخلفية الاجتماعية والتاريخية لنشوء حركة المورمون مهمة لفهم عقائدهم، فقد بدأت في عشرينيات القرن الماضي وهي فترة توسُّع اقتصادي ضخم في الولايات المتحدة الأمر الذي خلق ردة فعل لدى ضحايا التقدم وتزايدت الدعوات الإنجيلية. 
وقد نشأ جوزيف سميث (1805 ـ 1844) مؤسس الحركة في أسرة تبحث عن الحراك الاجتماعي استقرت في نيويورك لهذا السبب. وفي هذا الجو الذي يتسم بالسيولة بدأ سميث بحثه عن الكنيسة الحقيقية أو الصحيحة. وفي ربيع 1820، في سن الرابعة عشرة، تَلقَّى وحياً من الرب من خلال ملاك يُدعَى موروني (ومن هنا التسمية التي اشتهروا بها) بألا ينضم لأيٍّ من الكنائس القائمة لأنها كلها "خاطئة". ثم تَلقَّى وحياً آخر بأن الرب اختاره ليكون أداته لاستعادة الكنيسة الحقيقية أو الصحيحة بعد أن أفسدها أفراد لا عصمة لهم انحدروا إلى الشر والفساد. 
فقد هداه الملاك إلى أن يذهب إلى تل على مقربة من مزرعة أبويه حيث عثر على صحائف ذهبية فترجمها ونشرها عام 1830 تحت عنوان كتاب المورمون وهو التاريخ المقدَّس لثلاث قبائل هاجرت إلى أمريكا الشمالية (600 ق.م) أي قبل صول كولومبوس، وبعد حروب طويلة انقسمت القبائل إلى قسمين: النفايت (Nephite) واللامانايت (Lamanite) وهم أسلاف الهنود الحمر. وحسبما جاء في كتاب المورمون زار المسيح أمريكا بعد صلبه وعلمهم الإنجيل وأسَّس كنيسة لإقناع اليهود والأغيار أن عيسى هو المسيح، الإله الخالد الذي يكشف عن نفسه لكـل الأمم (وهكـذا تصـبح الولايات المتحـدة موضـع الحلول والكمون). 
وقد أعلن سميث أن كتاب المورمون هو كتاب مُكمِّل للإنجيل وليس بديلاً له. ومع هذا فإن المورمون ينظرون إليه باعتباره كتاباً مقدَّساً. وقد كان سميث يرى أن الكتب المقدَّسة ليست كافية في حد ذاتها لاستعادة الحقيقة المطلقة فالجنس البشري يحتاج إلى سلطة إلهية (شرعية إلهية) وقد اختفت مثل هذه السلطة بعد الأيام الأولى للمسيحية. ولكنها ظهرت مرة أخرى عام 1829 في شـخص سـميث ومسـاعده أوليفر كودري. وهكذا عادت الكنيسة الحقيقية الصحيحة التي يقودها مجموعة من الكهنة ذوي الصلاحية الإلهية الذين يتمتعون بقدر عال من العصمة. 
وفي عام 1833 طوَّر سميث العقيدة المورمونية بعد نشر كتاب الوصايا والعقائد والمواثيق وقد طلب من القديسين (أعضاء الكنيسة) أن يتجمعوا في جماعات وبنوا هيكلاً هو المركز الحرفي والمجازي المقدَّس للجماعة. وحسب ادعاءات الجماعة ظهر عيسى وموسى وإلياس وإلياهو لسميث وكوردي في المعبد عام 1836 وبدأ تأسيس مملكة الرب التي لا تُفرِّق بين المقدَّس والنسبي ويحكمها الكهنة (تماماً كما هو الحال في مملكة يسرائيل القديمة) وقد حقق سميث نجاحات كثيرة في حركته التبشيرية وفكَّر في ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية. 
وبدأت تتبلور بعض العقائد التي تبتعد في جوهرها عن المسيحية ومن هذه العقائد إيمان المورمون بأن الإله ليس ثالوثاً مقدَّساً (كما يؤمن المسيحيون) وإنما ثلاثة آلهة، وأن الإله الأب كان في يوم من الأيام إنساناً وصل إلى الألوهية. وكما يقول لورنزو سنو (أحد "أنبياء المورمون" عام 1901) و"كما هو الإنسان الآن، كان الإله يوماً، وكما هو الإله الآن سيصبح الإنسان"، وهي عبارة لا تختلف كثيراً عن عبارة فتشينو الهرمسي إن الإله قد أصبح إنساناً كي يصبـح الإنسـان إلهاً (ولذا فكـل من يتزوج زواجـاً توافـق عليه الكنيسة، سيصبح إلهاً في العالم الآخر) وكل من يتبع المورمونية في نهاية الأمر سيصبح هو الآخر إلهاً. 
ومن الواضح أن المنظومة المورمونية منظومة حلولية كمونية متطرفة لا تفرق بين الخالق والمخلوق. وهنا نجد ما سماه أحد الدارسين «ميتافيزيقا المادية»، أي عدم الاعتراف بالخلق من العدم، أي أن الإله خَلَق العالم من مادة قديمة (على عكس الديانات التوحيدية التي تصر دائماً على الإيمان بالخلق من العدم) وهم يؤمنون بنوع من الوجود الروحي قبل الميلاد (وليـس بتناسـخ الأرواح) إذ يوجد ما يُســمَّى الإنسان الأزلي أو الأول، وهو إنسان وُجد قبل الخلق كجزء من الخالق، بل إنه هو نفسه الخالق (تماماً كما هو الحال في النظم الغنوصية). 
وينقسم العالم الآخر إلى ثلاثة أقسام (كما هو الحال في الكاثوليكية) قسم أعلى يحتله المؤمنون والثاني لغير المؤمنين والثالث للشيطان وأتباعه. وأعضاء المورمون ممن يودون أن يدخل أسلافهم الجنة يمكنهم تعميدهم بأثر رجعي، ولذا يهتم المورمون بالسلالات وشجرة العائلة. ويُلاحَظ أن النزعة المشيحانية تحوي داخلها تيارين متناقضين: نزعة عميقة وواحدية معادية للحداثة ونزعة لا تقل عمقاً أو واحدية مؤيدة لها، وهو تناقض يوجد داخل المشيحانية المورمونية. ولكن هذا الصراع حُسم عام 1890 لصالح التحديث إذ أصدر الرئيس الثالث للجماعة (ويلفورد وودروف) مانفستو بمنع تعدُّد الزوجات إذ كان هذا يعني التخلي عن فكرة الكنيسة الصحيحة ودخول التيار الأمريكي الذي يقبل التعددية النسبية. 
وبدأ المورمون تأكيد عناصر أخرى هي مصدر للتماسك مثل عدم شرب الكحول والشاي والقهوة وارتداء أزياء معينة والابتعاد عن الممارسات الجنسية الإباحية، كما أكدوا الإيمان بالتقدم اللانهائي للإنسان (ونهاية التقدم أن يصبح الإنسان إلهاً). وهذه القيم هي عبارة عن بعث الأخلاقيات والقيم البروتستانتية التي هي عبارة عن زهد داخل الدنيا يساعد على الانضباط وتوحيد حياة الإنسان وتكثيف طاقتها وتوجيهها بشكل رشيد حتى يمكن غزو العالم، كل هذا يعني في واقع الأمر التكيف مع مرحلة الرأسمالية التنافسية في الولايات المتحدة. 
ورغم أن سميث كان يرى أن الولايات المتحدة موضع الكمون والحلول إلا أنه لم يكن يحصره فيها، فقد كان يرى أن فلسطين هي الأخرى موضع حلول وكمون ولذا كان يرى أن ثمة ضرورة لتجميع اليهود في فلسطين باعتبارها أرض إسرائيل، وذلك من أجل تحقيق الوعد للمؤمـنين الجـدد الذين يجب عليهم التجمُّع في أرض الميعاد الجديدة، مورمون في أمريكا ويهود في فلسطين. وقد كان اهتمام سـميث بفكرة عـودة اليهـود كبيراً لدرجة أنه أنشـأ مع أتباعه، عام 1836، مدرسة لتعليم اللغة العبرية بدون معلم لدراسة التوراة بلغتها الأصلية وأيضاً للتبشير بين اليهود بلغتهم الأصلية من أجل إرسالهم لفلسطين. 
وقد أرسل سميث أحد أنصاره (أرسون هايد) في رحلة تبشيرية دينية لأوربا وفلسطين لنشر دعوة المورمون في الأوساط اليهودية الأوربية عام 1841. وقد قوبلت دعوة هايد بالرفض من قبَل حاخام هولندا. وأرسل هايد لسميث رسالة يخبره فيها بضرورة استخدام القوة السياسية والضغوط الحكومية لإعادة الشعب اليهودي إلى أرضه، وأن إنجلترا مُقدَّر لها أن تلعب هذا الدور لتحقيق هذا المشروع العظيم. وأعرب هايد عن تفاؤله لأن هذه الأرض المباركة ستصير خصبة وعامرة عندما يمتلكها أصحابها الحقيقيون.
وبعد مقتل سميث عام 1844 (على يد بعض أتباعه ممن رفضوا آراءه المتطرفة)، تصاعدت النزعة الصهيونية بين المورمون كما هو الحال مع الصهاينة وغيرهم من ذوي الديباجة المسيحية فبعد أن قضت الدول الغربية على تجربة محمد علي في التجديد الحضاري عام 1840، ساد الإحساس بأن سقوط الدولة العثمانية يبدو وشيكاً وأن اليهود أصبـح مقـدراً لهم أن يلعـبوا دوراً في الشـرق العــربي الإسلامي. وقد أصدر خليفة سميث بريجهام يونج ومجلس الحكماء الإثنى عشر بياناً لكل ملوك العالم ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية، ولكل حكام الأرض وشعوبها، يدعون فيه إلى إصدار أمر باسم المسيح لليهود المشتتين بين كل شعوب الأرض بإعداد أنفسهم للعودة إلى القدس (فلسطين) وبإعادة بناء هذه المدينة والهيكل المكرس للإله، وكذلك تنظيم وإقامة دولتهم الخاصة وحكومتهم وذلك تحت إدارة قضاتهم وحكامهم ومشرعيهم في هذا البلد: "وليكن معلوماً لليهود أننا نحمل مفاتيح القداسة والمملكة التي سيعودون قريباً إليها، ولذا فإن عليهم أيضاً أن يندموا ويتوبوا ويُعِّدوا أنفسهم لإطاعة أحكام الرب". 
وقد لعب المورمون في الولايات المتحدة دوراً مهماً في التبشير بالعقائد الصهيونية وبأفكار عودة اليهود وتجميعهم في فلسطين. وعبَّر ويلفورد وودروف عن إيمانه باقتراب الزمان الذي يقوم فيه أثرياء اليهود باستخدام ثرواتهم لتجميع الشعب المشتت وشراء أراضي أجدادهم في القدس وإعادة بناء المدينة المقدَّسة والهيكل. وفي عام 1899، وبعد المؤتمرين الصهيونيين الأول والثاني (1897، 1898)، نشر د. تانر عميد كلية الزراعة بجامعة ولاية يوتاه مقالة افتتاحية طويلة في جريدة المورمون يحث فيها أغنياء اليهود على رعاية الحركة الناشئة لأن المشكلة الاقتصادية ستطل برأسها لا محالة والاعتبارات العملية ينبغي عدم إغفالها. ويؤكد تانر أن العديد من اليهود لن ينتظروا قرار السلطان التركي. 
ومع صدور وعد بلفور، أعرب المورمون عن فرحهم الشديد لتحقيق الوعد وجَمْع شمل اليهود في فلسطين وذلك لتحقيق ملكوت السموات. وقد سافر اثنان من قادة المورمون إلى فلسطين بمناسبة الذكرى الرابعة لصدور وعد بلفور، وعبَّرا عن دهشتهما مما شاهداه من مظاهر الرفض المسيحي والإسلامي لحركة الاستيطان اليهودي، كما أعلنا أن الأمريكيين يحبذون عودة اليهود لفلسطين لأنهم مسيحيون مخلصون! 
وثمة تَشابُه بنيوي ملحوظ بين حركة المورمون والحركة الصهيونية، فكلتا الحركتين تقومان على فكرة حلول الإله في شعب أو جماعة، سواء كانت هذه الجماعة هي اليهود في حالة الصهيونية أو الأوربيين البيض الشقر في حالة المورمون. وكلتا الجماعتين تؤمن بفكرة العودة المقدَّسة أو بأن ثمة شعباً تائهاً مشتتاً يبحث عن أرض الميعاد. وفي حالة المورمون، كانت هـذه الأرض هي ولاية يوتـاه حيث تنـص تعاليم سمـيث، نبي الحركة، على أن أمريكا هي صهيون الحقيقية كما رأينا. ومن ثم، فإن رؤية المورمون تفترض غياب السكان الأصليين. ومعنى ذلك أنها رؤيـة إبـادية تُغيِّب الآخر، تماماً مثل الرؤية الصهيونيـة للفلسطينيين. وقد أفلت الفلسطينيون من الإبادة لأسباب كثيرة من بينها أنهم ينتمون لتشكيل حضاري مُركَّب ويتمتعون بمستوى تعليمي عال وكثافة سكانية. ولهذا، فإن الصهاينة لم يستطيعوا سوى طردهم من فلسطين، أما قبائل الساليش التي كانت تقطن يوتاه فلم تفلت من هذا المصير إذ أبيد معظمهم. ويتبدَّى التشابه البنيوي بين المورمون والصهاينة في أجلى صوره في عملية اختيار المورمون ليوتاه والبحيرة المالحة لبناء مدينتهم ومستوطَنهم، فلقد وجدوا في هذه البقعة بحيرة مالحة يغذيها نهر حلو وينبع النهر من بحيرة أخرى. وعلى الفور، رأوا التشابه الشكلي مع الأردن والبحر الميت وبحـيرة طبرية، حتى أنهـم سـموا النهر باسـم الأردن. ويمكن القول بأن الأفكار المشيحانية التي تُوجِّه حركة المورمون تقود لا محالة إلى تأييد الفكر الصهيوني من منطلق احتقار اليهود، وحوسلتهم باعتبارهم جزءاً من متتالية الخلاص المسيحية، ومن هنا الرغبة في تنصيرهم وإبادة جرثومة الشر الموجودة في العالم إيذاناً بحلول السلام ونهاية التاريخ. 
وفي إحدى أدبيات المورمون نقرأ أن "ثمة غريزة موروثة تقود اليهود نحو هذا الهدف [أي الذهاب إلى فلسطين] بيد أنهم لا يعرفون سبب هذا فهم وسيلة وليسوا غاية". ولكن السبب واضح لنا، فهم سيذهبون "للإعداد وللترحيب بعودة ابن الرب وملك الملوك وسيد الأسـياد وأمير السـلام الذي سـيضع قدمه على الجبل فيقسمه شطرين". وعلاقة المورمون بالحركة الصهيونية تُذكِّرنا بأولئك الصهاينة غير اليهود الذين يودون جمع اليهود في مكان واحد ليَسهُل إفناؤهم أو تنصيرهم. فموقف المورمون المتعاطف مع الصهاينة يعبِّر عن رغبة عميقة في التخلص من اليهود. وإذا كان صهاينة أوربا مــن غير اليهود يفكرون في التخلص من اليهـود باعتبــارهم عنــصراً بشــرياً فائضــاً يهدد الأمــن الاجتماعي ويمكن نَقْله خارج أوربا وتوظيفه لصالحها، فإن موقف المورمون من اليهود كان أكثر جذرية. فالمورمون أصحاب رؤية حلولية كمونية يدورون في إطار ثالوث مقدَّس: إله يحل في المورمون (ومن ثم فهُم شعب مختار) وفي أرضهم (أمريكا، أرض الميعاد). 
وجماعة المورمون لها حركة تبشيرية قوية إذ أن أعضاء الكنيسة من الذكور لابد أن يقوموا بخدمة تبشيرية تصل أحياناً لمدة عام (ويبلغ عدد المبشِّرين المورمون 48 ألفاً) ولذا ارتفعت عضوية الكنيسة من 5.6 مليون عام 1984 إلى 9 مليون. ويعيش منهم 4.6 مليون في الولايات المتحدة وكندا. ولكن قصة نجاح المورمون الحقيقية في أمريكا اللاتينية (2.7 مليون). وتبلغ ميزانية الكنيسة 8 مليون دولار. وقد حاول المورمون مؤخراً أن يؤسسوا جامعة في إسرائيل لتكون مركزاً للتبشير برسالة المورمون وعقيدتهم، وقد اعترض على ذلك كثير من أعضاء المؤسسة الدينية اليهودية في إسرائيل ولكن المورمون نجحوا في نهاية الأمر، من خلال ضغوط مارسوها على الكونجرس الأمريكي. ويرى الناقد الأدبي الأمريكي اليهودي هارولد بلوم أن حركة المورمون حركة دينية غنوصية، وأنها تعبِّر عن جميع العقائد الدينية السائدة في الولايات المتحدة، أي أنها العقيدة الدينية النماذجية الأمريكية، عقيدة الإنسان المتأله.
شهود يهوه Jehovah's Witnesses 
«شهود يهوه» جماعة دينية مسيحية بروتستانتية اسمها الأصلي هو Watchtower Bible and Tract Society يؤمن أتباعها بعدد من الأفكار المشيحانية الصهيونية. ويعود اسم الجماعة الشائع إلى إيمانها بأن اسـم الإله الحقيقي هو «يهـوه» وأن الاسم الحقيقي للمسيحيين هو «شهود». نشأت الحركة في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1872 في مدينة بتسبرج بولاية فيلادلفيا على يد رجل أعمال شاب يدعـى تشـارلز راسل (1852 ـ 1916) كان ينتمي لجماعة الأدفنتست، وهي جماعة بروتستانتية تدور أفكارها حول أطروحة عودة المسيح (فهم الأدفنتست أو المؤمنون بالعودة) وتنصير اليهود باعتبارهم أس الشر وجرثومة الفساد التي نمت في العالم. ولقد واكب ظهور حركة شهود يهوه نهاية الحرب الأهلية الأمريكية التي شهدت دمار الجنوب وإخضاعه لسيطرة الشمال. وبذا، وُجدت تربة خصبة لنمو الأفكار المشيحانية عن الخلاص ونهاية العالم في جو الإحباط والدمار الذي تلا الحرب. وقد أسس راسل جماعة لدراسة التوراة ونشر عام 1874 على نفقته الخاصة كتيب غرض عودة الرب وكيفيتها الذي يزعم فيه كاتبه أنه كشف للعالم الخطة التي رسمها الرب للبشرية. 
وفي عام 1879، قامت الجماعة بتأسيس مجلة برج صهيون وبشير مجيئ المسيح الشهرية التي ازداد توزيعها بمرور الوقت. وقد انخرط راسل في حسابات معقدة مستمدة من التوراة لمعرفة وقت عودة المخلِّص وبداية العهد الألفي وتخليص العالم من الشر ونهاية التاريـخ وهـي الأفكار التي تمثل حـجر الزاويــة في كل الأنساق الحلولية. وقد حدد راسل عام 1914 لعودة اليهود. وفيما بعد، أعلن أتباعه أنه كان يقصد الإشارة لوعد بلفور الذي صدر عام 1917. وصاغ راسل نظرية دينية تقوم على منظومة تمرُّد الشيطان وخــداعه لآدم وحـواء ودفعهــما للخطيـئة ومحاربته للرب. وبعدئذ، سيطر الشيطان أو قوة الشر على العالم فيما أسماه راسل «إمبراطورية الشر» (المصطلح الذي يتواتر في الخطاب السياسي الأمريكي). 
كل هذا يعني في واقع الأمر أن حُكم المسيح الألفي أصبح وشيكاً وأن معركة هرمجدون بين قوى الخير والشر وشيكة وسيُهزَم الشيطان ويُحطم الأشرار إلى الأبد. أما من يرضى عنهم يهوه فنصيبهم هو الخلود. هذا يعني أن هناك من الأحياء الآن الذين لن يموتوا قط وسيحيون هذه الحياة الخالدة في العصر الألفي. وكما قال أحد قادة شهود يهوه "يوجد ملايين من الأحياء الآن لن ينال منهم الموت". وترى جماعة شهود يهوه أنه يوجد 144 ألف من المؤمنين عميقي الإيمان عبر التاريخ سيولدون كأبناء الإله الروحانيين وسيشاركون في حكم العالم مع المسيح. ومملكة المسيح ليست مفارقة للأرض فالمملكة الألفية ستؤسَّس هنا وهي مملكة كل ما فيها مثالي إذ ستمتلئ الدنيا عدلاً بعد أن امتلأت جوراً، بل إن الطبيعة المادية ذاتها ستتغيَّر، كما هو الحال في الرؤى المشيحانية. 
وعلى عضو جماعة شهود يهوه أن يظل بمنأى عن الدنيا الفاسدة وألا يطيع تلك القوانين والممارسات العلمانية، وأن يتبع تفسير الجماعة للإنجيل، وبناءً عليه يجب عدم استخدام الصور في العبادة وعدم المشاركة في الحوار بين الأديان وألا يسمح عضو الجماعة بنَقْل دم له وألا يُحيِّي العلم القومي لأية دولة ولا يُقسم يمين الولاء لأية أمة من أمم الأرض (وقد أدَّى هذا إلى اضطهـاد أعضاء الجمـاعة وإلى مقتل بعضهـم). ويؤمن الشهود بالثالوث المسيحي، ولكن الأب يهوه يشغل مكانة عالية تفوق مكانة الابن. ومع هذا يشغل الابن مكانة خاصة فهو أول مخلوقات الإله، دفع حياته تكفيراً عن خطايا البشر وقد مات على الخازوق (لا الصليب) ورُفع كروح خالدة، وهو موجود في العالم على هيئة الروح. والابن هو المركز الذي يتجمَّع حول الشهود في صلاتهم، فهم يصلون ليهوه من خلال المسيح. 
ورغم أن الشهود يؤمنون بالميلاد بدون دنس إلا أنهم لا يحتفلون بعيد الكريسماس باعتبار أنه من أصول وثنية ولا يعترفون بالصوم الكبير ولا عيد الفصح، والتعميد عن طريق شهود يهوه يتم من خلال إغراق الجسد كله في الماء. وهم لا يُصلّون يوم الأحد إذ يقولون إن إقامة شعائر السبت تنطبق على اليهود وحدهم وأنه تم نَسْخها من خلال المسيح. ومع هذا يقبل الشهود يوم الأحد كيوم راحة وتغيير (كمحاولة للتكيف مع المعايير الاجتماعية السائدة وليس على أساس عقائدي). ولا توجد طبقة كهنوتية عند شهود يهوه ويجتمع أعضاء الجماعة فيما يُسمَّى «صالات المملكة» للدراسة والتعميد، كما يجتمعون في منازل الأعضاء. ويُلاحَظ أنه بعد موت راسل عام 1916 حدث تَحوُّل عميق في الحركة ظهرت آثاره عام 1931. فقد تبنَّت الحركة في هذه المرحلة اسمها الجديد (شهود يهوه) وتسنَّم رئاستها محام بروتستانتي معمداني هو جوزيف رذرفورد تَبنَّى آراءً أكثر تطرفاً من المجتمعات العلمانية. إذ أعلن نهاية زمن الأغيار وأن الشيطان قد أصبح الحاكم الحقيقي والفعلي لكل حكومات الأرض وأن عصبة الأمم أصبحت ألعوبة في يد الشيطان. 
وينعكس هذا التطور على موقف الجماعة من اليهود ومن المُستوطَن الصهيوني. ففي المرحلة الأولى كان راسل يذهب، وفقاً لحساباته، إلى أن اليهود سيلعبون دوراً حاسماً في صراع الرب ضد الشيطان حيث اصطفى الرب إسرائيل أو اليهود وأعطاهم حكماً دينياً ليكونوا شعبه المختار. لكن اليهود عصوا الرب، فعاقبهم بالنفي والشتات، وسيستمر هذا النفي مدة من الزمان تساوي سبعة أمثال خطاياهم كما ورد في التوراة. وبعدئذ، يعود اليهود إلى أرض إسرائيل، وتعود صهيون لأهلها، ويسامح الرب شعبه المختار. وقد دعا راسل اليهود إلى العودة لأرض إسرائيل كخطوة أولى نحو إقامة مملكة الرب على الأرض. وقد ازداد نمو حركة راسل بسرعة مع نهاية القرن واتصل بالقيادات الصهيونية وأبدى إعجابه الشديد بهرتزل وسماه «رجل الأقدار». 
وقد زار راسل فلسطين عدة مرات وتقابل مع قادة الصهاينة الاستيطانيين هناك، وزاد دعايته للهجرة اليهودية إلى فلسطين وأعرب عن اعتقاده أن فلسـطين تستطيع أن تسـتوعب ضعف عدد اليهود في الأرض، ولكنه أعرب في الوقت نفسه عن شكه في إمكانية هجرتهم جميعاً واقترح "هجرة الفقراء المخلصين باستخدام أموال الأغنياء". ولا يخفي الفكر الاسـتيطاني التوطـيني الذي يقـدمه راسـل ولا تَطابُقه مع الفكر الصهيوني، وخصوصاً الفرع الأمريكي للمنظمة الصهيونية العالمية. وقد قابل جاكوب دي هاس محرر جريدة الجويش أدفوكيت في بوسطن راسل، وأعرب عن إعجابه به وأشار إلى أن آراءه تشبه كثيراً آراء اليهودية الحسيدية، بل سماه «أول محبي اليهود». 
هذا الموقف المتعاطف تراجع مع تسنُّم رذرفوره قيادة الحركة فقد أفزعه أن الصهاينة اتجهوا للتعاون مع المؤسسات العلمانية، ولذا قام بتحذيرهم من خطر الابتعاد عن حظيرة الرب. وقد حدَّد رذرفورد عام 1925 بوصفه عاماً حاسماً في بناء مملكة الرب. وعندما مرّ العام دون حدوث شيء يذكر، تذرَّع الأتباع بواقعة إقامة الجامعة العبرية (فالنسق الحلولي الكموني لا يعدم العثور على الشواهد التي يتم تأويلهـا من خـلال ليّ عنق الواقـع حتى يتفق مع النموذج المطروح). 
وشهد عام 1931 تحولاً كاملاً في حركة شهود يهوه، فقد أعلن رذرفورد أن اليهود باتجاههم المستمر نحو العلمنة وتخليهم عن الحكومة الدينية قد نقضوا، وإلى الأبد، عهدهم مع الرب، وأصبح شهود يهوه هم الشعب المختار الروحي الوحيد. ودعا رذرفورد اليهود إلى نبذ المؤسسات الدولية والانضمام لحركة شهود يهوه. وبعدئذ انقلب من محب لليهود إلى معاد لهم. وعلى كلٍّ لا تقبل الأيديولوجيات التي تدور حول مركب الشعب المختار شعباً مختاراً آخر، إذ لا يمكن أن يوجد أكثر من شعب مختار واحد، ومن هنا جذور الصراع بين شهود يهوه والصهاينة، وهو لا يختلف كثيراً عن معركتهم مع النازيين. وقد سُئل هتلر مرة عن سبب عدائه لليهود، فكانت إجابته واضحة ومباشرة: "لا يمكن أن يكون هناك شعبان مختاران. ونحن وحدنا الشعب المختار، فهل هذه إجابة شافية عن السؤال؟". ولذا عادى النازيون كلاًّ من اليهود وشهود يهوه (باعتبارهم شعوباً مختارة)، بل اتهم النازيون حركة شهود يهوه بأنها ألعوبة يهودية في إطار المؤامرة اليهودية المستمرة من أجل حكم العالم. وبعد إقامة دولة إسرائيل، أصبحت دولة إسرائيل بالنسبـة لأتبـاع شــهود يهوه قلعة أخرى من قلاع الشيطان على الأرض. 
وحركة شهود يهوه حركة تبشيرية قوية لها نشاط ملحوظ في إسرائيل وتحارب الحكومة الإسرائيلية ضدها. وقد وصل عدد أعضاء جماعة شهود يهوه في العالم إلى ما يزيد عن 2 مليون فرد في حوالي مائتي بلد. ومما يجدر ذكره أن الجماعة بدأت تُهدئ قليلاً نزعتها المشيحانية فأعلن قادتها أن كل النبوءات السابقة القائلة بأن هرمجدون والحقبة الألفية وشيكة كانت مجرد نبوءات وليست عقائد مستقرة.


الباب الثالث: صهيونية غير اليهود المسيحية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الباب الثالث: صهيونية غير اليهود المسيحية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الباب الثالث: الإمبراطورية البيزنطية المسيحية وإسبانيا المسيحية
» الباب الرابع: صهيونية غير اليهود العلمانية
» الباب الثالث: معاداة اليهود والتحيز لهم
» الباب الثامن عشر: اليهود الجدد أو الأمريكيون اليهود في الوقت الحاضر
» الباب العاشر: السحر والقَّبالاه المسيحية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــــافـــــــــــة والإعـــــــــــلام :: موســـــوعة اليهــــــود-
انتقل الى: