منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (17-18)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48824
العمر : 71

السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (17-18) Empty
مُساهمةموضوع: السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (17-18)   السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (17-18) Emptyالثلاثاء 18 فبراير 2014, 11:29 pm

السورة الأولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (17-18)

مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا اَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لايُبْصِروُن 17 صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ 18

إعلم! ان أساس اعجاز القرآن الكريم في بلاغة نظمه. 

وبلاغة النظم على قسمين: قسم كالحلية وقسم كالحلّة:

فالأول: كاللآلئ المنثورة والزينة المنشورة والنقش المرصع. ومعدنه الذي يتحصل منه هو توخّي المعاني النحوية الحرفية فيما بين الكلم، كإذابة الذهب بين أحجار فضة. وثمرات هذا النوع هي اللطائف التي تعهد بيانها فن المعاني..

والقسم الثاني: هو كلباس عال وحلة فاخرة قدّت من اسلوب على مقدار قامات المعاني، وخيطت من قطعات خيطاً منتظماً فيلبس على قامة المعنى أو القصة أو الغرض دفعة. وصناع هذا القسم والمتكفل به فن البيان.. ومن أهم مسائل هذا القسم التمثيل. ولقد أكثر القرآن الكريم من التمثيلات الى ان بلغت الألف؛ لأن في التمثيل سراً لطيفاً وحكمة عالية؛ اذ به يصير الوهم مغلوباً للعقل، والخيال مجبوراً للانقياد للفكر، وبه يتحول الغائب حاضراً، والمعقول محسوساً، والمعنى مجسماً، وبه يجعل المتفرق مجموعاً، والمختلط ممتزجا، والمختلف متحداً، والمنقطع متصلا، والأعزل مسلّحا. وان شئت التفصيل فاستمع معي لما يترنم به صاحب دلائل الاعجاز في أسرار بلاغته 1؛ حيث قال:

_____________________

1 اسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجانى (المتوفي 471هـ). طبع عدة طبعات منها في مطبعة الاستقامة سنة 1948 بمصر وكتب حواشيه الاستاذ احمد مصطفى المراغي، والفصل المذكور هو في ص128 من الطبعة المذكورة.

_____________________

فصل في مواقع التمثيل وتأثيره

اعلم! ان مما اتفق العقلاء عليه: ان التمثيل اذا جاء في أعقاب المعاني أو برزت هي باختصار في معرضه، ونقلت عن صورها الأصلية الى صورته،كساها ابهةً، وكسبها منقبةً، ورفع من أقدارها، وشب من نارها، وضاعف قواها في تحريك النفوس لها، ودعا القلوب اليها، واستثار لها من أقاصي الأفئدة صبابة وكلفاً، وقسر الطباع على أن تعطيها محبة وشغفاً.

فان كان مدحاً كان أبهى وأفخمَ، وأنبلَ في النفوس وأعظمَ، وأهزَّ للعِطْف، وأسرعَ للإلف، وأجلبَ للفرح، وأغلبَ على الممتدح، وأوجَبَ شفاعة للمادح، واقضى له بغرّ المواهب والمنائح، وأسيرَ على الألسن واذكرَ، وأولى بان تعلقه القلوب وأجدرَ.

وإن كان ذماْ كان مَسُّه أوجعَ، ومِيسمه ألذَع، ووقعه أشدَّ، وحدُّه احدَّ.

وإن كان حجاجاً كان برهانه انورَ، وسلطانه اقهرَ، وبيانه ابهَر.

وإن كان افتخاراً كان شأوه ابعدَ، وشرفه اجدَّ، ولسانه ألدَّ.

وإن كان اعتذاراً كان الى القلوب اقربَ، وللقلوب أخلبَ، وللسخائم اسلّ، ولغرب الغضب افلَّ، وفي عُقَد العقود انفثَ، وعلى حسن الرجوع أبعثَ. وإن كان وعظاً كان أشفى للصدر، وادعى الى الفكر، وأبلغ في التنبيه والزجر، وأجدر بأن يَجْلي الغياية (1)، ويبصر الغاية، ويبرئ العليل، ويشفي الغليل... وهكذا الحكم اذا استقريت فنون القول وضروبه، وتتبعت أبوابه وشعوبه. (انتهى)..

ثم ان في الآيات الآتية دلائل اعجاز واسرار بلاغة فذكرناها هنا لمناسبتها لمسائل المقدمة الآتية.

فمثال التمثيل في مقام المدح ما ذكره القرآن الكريم في وصف الصحابة من: (1) الغياية: ضوء شعاع الشمس، قعر البئر، وكل ما أظل الإنسان كالسحابة والغبرة.

(وَمَثَلهُمْ فِي الاْنْجِيلِ كَزَرْعٍ اَخْرَجَ شَطْئَهُ فَازَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاستَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ) (1) وقس نظائره.. وفي مقام الذم: (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ ان تَحْمِل عَلَيه يَلْهَثْ أو تَتْركْه يَلْهَثْ) (2) و(مَثَل الذين حُمّلوا التورية ثم لم يحملوها كَمَثَلِ الحِمارِ يَحْمِلُ أسفاراً) (3) و(اِنَّا جَعَلْنَا في اَعْنَاقِهِمْ اَغْلاَلاً فَهِيَ اِلَى الاْذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ) (4) وقس.

وفي مقام الاحتجاج والاستدلال: (مَثَلهم كمثل الذي استَوقَدَ ناراً) و (او كَصَيِّبٍ مِن السماءِ فيه ظُلُماتٌ الى آخره و ومَثَلُ الذين كفروا كَمَثلِ الذي يَنْعِق بما لا يسمع الاّ دعاءً ونداءً) (5) و (مثل الذين اتخذوا مِن دون الله اولياءَ كمثلِ العنكبوتِ اتخذتْ بيتاً) (6) و (أنزل من السماء ماءً فسالتْ أوديةٌ بقَدَرها فاحتملَ السيلُ زبداً رابياً ومما يوقدون عليه في النار ابتغاءَ حليةٍ أو متاع زَبَدٌ مِثْلُه) (7) و (ضَرَبَ الله مثلاً رجلاً فيه شركاءُ مُتَشاكِسون ورجُلاً سَلَما لِرَجُلٍ هل يستويان مثلا) (8) وقس عليه.

ونظير مثال الافتخار - وان لم يسمّ افتخاراً - بيان عظمته تعالى وكمالاته الإلهية قوله تعالى: (وما قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِه والأرضُ جَميعاً قَبْضَتُه يومَ القيامةِ والسمواتُ مطويّاتٌ بِيَمِينِهِ سبحانه وتعالى عما يشركون) (9) وقس عليه. ومثال التمثيل في مقام الاعتذار لايوجد الا حكايات أهل الأعذار الباطلة للاحتجاج عليهم كقوله: (وقالوا قُلُوبُنا في اكنّة مما تدعونا اليه وفي اذانِنا وَقْرٌ ومِنْ بَيننا وبينك حِجَابٌ) (10) وقس...

ومن الشعر:

لاتَحْسَبُوا اَنَّ رَقْصِي بيْنَكُمْ طَرَبٌ فَالطّيْرُ يَرْقُصُ مَذبُوحاً مِنَ الاْلَمِ

_____________________

(1) سورة الفتح: 29.

(2) سورة الاعراف: 176.

(3) سورة الجمعة: 5.

(4) سورة يس: 8.

(5) سورة البقرة: 171.

(6) سورة العنكبوت: 41.

(7) سورة الرعد: 17.

(8) سورة الزمر: 29.

(9) سورة الزمر: 67.

(10) سورة فصلت: 5.

إشارات الإعجاز - ص: 116

ومثاله من الوعظ في وصف نعيم الدنيا ما ذكره القرآن الكريم من:

(كمثل غَيْثٍ أعْجَبَ الكفار نَبَاتُه ثم يَهيجُ فتريه مُصْفرّاً ثم يكون حُطاماً) (1) و (أَلَم تَرَ ان الله انزَل مِن السماءِ ماءً فَسَلكه ينابيعَ في الأرضِ ثم يُخرِجُ بهِ زَرْعا مُختلفاً ألوانُه) (2) و (اِنّا عَرَضْنا الأمانةَ على السمواتِ والأرضِ والجبالِ فأَبَيْنَ أنْ يَحْمِلْنَها وأشفقنَ مِنها وحَمَلَها الإِنسانُ إِنه كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (3) و (لو أنزلْنا هذا القرآنَ على جَبَلٍ لرأيتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِن خَشْيَةِ الله وتِلكَ الامثالُ نَضْرِبُها للناسِ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرونَ) (4) و (فَمَالَهُمْ عَن التَذْكِرِةِ مُعْرِضِينَ _ كَأنهُم حَمُرٌ مُستَنْفِرةٌ _ فَرَّتْ مِن قَسْوَرة) (5) و (مثل الذين يُنفِقونَ أَموالَهُمْ في سبيل الله كَمَثلِ حَبةٍ اَنْبَتَتْ سَبْعَ سنابلَ في كلِّ سُنْبلة مائةُ حَبَّة) (6) و (كمثل جَنَّة بِرَبْوة اَصابها وابل) (7) ..

وفي احباط العمل الصالح بالايذاء والرياء:

(أَيَوَدُّ أَحَدُكُم أن تكون له جنةٌ مِن نَخيلٍ وأَعْنابٍ تجري من تحتها الأنهارُ له فيها مِن كلِّ الثَّمَراتِ وأَصابَه الكِبَرُ وله ذُريةٌ ضُعَفاء فأصابَها إعصارٌ فيه نارٌ فاحْتَرَقَتْ) (8) و(مثلُ الذينَ كَفَروا بِرَبِّهِمْ اعمالُهم كَرَمادٍ اشتدتْ به الريحُ في يومٍ عاصفٍ لايَقدِرونَ مِما كَسَبوا عَلى شيءٍ ذلك هو الضلالُ البعيدُ) (9) .

ومثاله من طبقات الكلام في مقام الوصف:

(ثمَّ استوى الى السماءِ وهي دخانٌ فقالَ لها وللأرض ائتيا طَوْعاً أو كرهاً قَالتا أَتَيْنا طائِعين) (10) و (قيلَ يا أرضُ ابلَعي ماءَك ويا سماءُ اقلعي وغيضَ الماء وقُضِيَ الأمر واستوتْ على الجُوديّ وقيلَ بُعداً للقومِ الظالِمين) (11) و (اَلَمْ تَرَ كيفَ ضَرَبَ الله مَثَلاً كلمةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ اصلُها ثابتٌ وفرعُها في السماء _ تُؤتي أُكُلَها كلَّ حِينٍ بإِذنِ رَبِّها) (12) و (ومثلُ كلمةٍ خبيثةٍ كشجرةٍ خبيثةٍ اجتُثَّتْ مِن فوقِ الأرضِ مَالَها مِن قَرارٍ) (13)..

_____________________

(1) سورة الحديد: 20.

(2) سورة الزمر: 21.

(3) سورة الاحزاب: 72.

(4) سورة الحشر: 21.

(5) سورة المدثر: 49، 50، 51.

(6) سورة البقرة: 261.

(7) سورة البقرة: 265.

(8) سورة البقرة: 266.

(9) سورة ابراهيم: 18.

(10) سورة فصلت: 11.

(11) سورة هود: 44.

(12) سورة ابراهيم: 24، 25.

(13) سورة ابراهيم: 26.

ومن الشعر:

والليل تجري الدراري في مجرته كالروض تطفو على نهر ازاهيره (1)

اعلم! ان في كل آية من هذه الآيات التمثيلية طبقاتٍ ومراتبَ وصوراً وأساليبَ متنوعة. كلٌ منها - في كلٍ منها - كفيل وضامن لطائفة من الحقائق. وكما انك اذا أخذت قوارير من فضة وزيّنتها بذوب الذهب، ثم نقشتها بجواهرَ، ثم صيّرتها ذوات نور(2) بإدراج "الكتريق"(3) ترى فيها طبقات حسن وانواعَ زينة؛ كذلك في كل من تلك الآيات من المقصد الأصليّ الى الأسلوب التمثيليّ قد شرعت اشارات ومُدّت رموز الى مقامات كأن أصل المقصد تدحرج على المراتب وأخذ من كلٍ لوناً وحصة حتى صارت تلك الكلمات من جوامع الكلمات بل من جمع الجوامع.

فصل ومقدمة

اعلم! ان المتكلم كما يفيد المعنى ثم يُقْنِع العقل بواسطة الدليل؛ كذلك يلقي الى الوجدان حسِّياتٍ بواسطة صور التمثيل فيحرك في القلب الميل أو النفرة ويهيئُه للقبول. فالكلام البليغ ما استفاد منه العقل والوجدان معاً، فكما يتداخل الى العقل يتقطر الى الوجدان أيضا. والمتكفل لهذين الوجهين التمثيلُ؛ اذ هو يتضمن قياساً وينعكس به في مرآة الممثل القانون المندمج في الممثل به. فكأنه دعوى مدلَّل.

كما تقول في رئيس يكابد البلايا لراحة رعيته: (الجبل العالي يتحمّل مشاقّ الثلج والبَرَد، وتخضرّ من تحته الأودية).

ثم ان أساس التمثيل هو التشبيه. ومن شأن التشبيه تحريك حسّ النفرة أو الرغبة أو الميلان أو الكراهية أو الحيرة أو الهيبة؛ فقد يكون للتعظيم أو التحقير أو الترغيب أو التنفير أو التشويه أو التزيين أو التلطيف الى آخره... فبصورة الأسلوب يوقَظ الوجدان وينبَّه الحسُّ بميلٍ أو نفرة.

_____________________

(1) قائله ابن النبيه المصرى في مدح الايوبيين توفي سنة 619هـ.

(2) ذوات انوار (ش).

(3) الكهرباء.

ثم ان مما يحوِّج الى التمثيل عمق المعنى ودقته ليتظاهر بالتمثيل، أو تفرّق المقصد وانتشاره ليرتبط به. ومن الأوّل متشابهات القرآن الكريم؛ اذ هي عند أهل التحقيق نوع من التمثيلات العالية وأساليب لحقائق محضة ومعقولات صرفة؛ ولأن العوام لايتلقون الحقائق في الأغلب الاّ بصورة متخيلة، ولا يفهمون المعقولات الصرفة الاّ بأساليب تمثيلية لم يكن بدّ من المتشابهات كـ (اِسْتوى عَلَى الْعَرْشِ)(1) لتأنيس اذهانهم ومراعاة أفهامهم.

ثم اني استخرجت - فيما مضى من الزمان - من اسّ اَساس البلاغة مقدِّمة لبيان اعجاز القرآن الكريم ثنتي عشرة مسألة. 

كل منها خيط لحقائق (2) .

ولما ذكرت هذه الآيات التمثيلية هنا - دفعةً - ناسب تلخيص تلك المسائل فنقول وبالله التوفيق:

المسألة الأولى:

ان منشأ نقوش البلاغة انما هو نظم المعاني دون نظم اللفظ كما جرى عليه اللفظيون المتصلفون، وصار حب اللفظ فيهم مرضاً مزمناً الى ان رد عليهم عبد القاهر الجرجاني (3) في دلائل الاعجاز واسرار البلاغة، وحصر على المناظرة معهم أكثر من مائة صحيفة.

ونظمُ المعاني: عبارة عن توخي المعاني النحوية فيما بين الكلمات. اي اذابة المعاني الحرفية بين الكلم لتحصيل النقوش الغريبة. وان أمعنت النظر لرأيت ان المجرى الطبيعيّ للأفكار والحسيات انما هو نظم المعاني. ونظم المعاني هو الذي يشيّد بقوانين المنطق.. وأسلوب المنطق هو الذي يتسلسل به الفكر الى الحقائق.. والفكر الواصل الى الحقائق هو الذي ينفذ في دقائق الماهيات ونسبها.. ونسب الماهيات هي الروابط للنظام الأكمل.. والنظام الأكمل هو الصَدَف للحُسن المجرد الذي هو منبع كل حسن.. والحسن المجرد هو الروضة لأزاهير البلاغة التي تسمى لطائف ومزايا.. وتلك الجنة المزهرة هي التي يجول ويتنزّه فيها البلابل المسمّاة بالبلغاء وعشاق الفطرة.. واولئك البلابل نغماتهم الحلوة اللطيفة انما تتولد من تقطيع الصدى الروحاني المنتشر من أنابيب نظم المعاني.

_____________________

(1) سورة الاعراف: 54.

(2) المقصود المقالة الثانية من كتاب (محاكمات "عقلية") - الصيقل الاسلامي.

(3) (ت 471هـ / 1078م) اِمام في اللغة والبلاغة، له مصنفات منها: كتاب المغني (30 مجلد) المقتصد (3 مجلدات) اعجاز القرآن، المفتاح، دلائل الاعجاز، اسرار البلاغة.

والحاصل: ان الكائنات في غاية البلاغة قد أنشأها وأنشدها صانعُها فصيحةً بليغة، فكل صورة وكل نوع منها - بالنظام المندمج فيه - معجزة من معجزات القدرة. فالكلام اذا حذا حذو الواقع، وطابق نظمُه نظامَه حاز الجزالة بحذافيرها. والاّ فإن توجَّه الى نظم اللفظ وقعَ في التصنع والرياء كأنه يقع في أرض يابسة وسراب خادع.

والسرّ في الانحراف عن طبيعة البلاغة انه:

لما انجذب واستعرب العجم بجاذبة سلطنة العرب صارت صنعة اللفظ عندهم اهمّ، وفسد بالاختلاط مَلَكة الكلام المُضَريّ التي هي أساس بلاغة القرآن الكريم، وتلون معكس أساليب القرآن الكريم؛ وانما معدنها من حسّيات قوم "مُضَر" ومزاجهم. فاستهوى حب اللفظ كثير من المتأخرين.

تذييل: تزيين اللفظ انما يكون زينة اذا اقتضته طبيعةُ المعاني. وشعشعة صورة المعنى انما تكون حشمةً له اذا أَذِن به المآل. وتنوير الاسلوب انما يكون جزالة اذا ساعده استعدادُ المقصود. ولطافة التشبيه انما تكون بلاغة اذا تأسّست على مناسبة المقصود وارتضى به المطلوب. وعظمةُ الخيال وجولانُه انما تكون من البلاغة اذا لم تؤلم الحقيقةَ ولم تثقل عليها ويكون الخيال مثالا للحقيقة متسنبلا عليها. وان شئت الأمثلة الجامعة لتلك الشرائط فعليك بتلك الآيات التمثيلية المذكورة.

المسألة الثانية:

ان السحر البياني اذا تجلى في الكلام صيّر الأعراض جواهرَ والمعانيَ أجساما والجمادات ذواتِ أرواح والنباتاتِ عقلاءَ، فيوقِع بينها محاورة قد تنجرّ الى المخاصمة، وقد تُوصل الى المطايبة فترقص الجمادات في نظر الخيال. وان شئت مثالا فادخل في هذا البيت.

يُنَاجِيني الإِخْلاَفُ مِنْ تَحْتِ مَطْلِهِ فَتَخْتَصِمُ الآمَالُ وَالْيَأْسُ في صَدْرِي(1)

او استمع معاشقة الارض مع المطر في:

(1)لإبن المعتز (دلائل الاعجاز ص61) وفي ديوان ابن المعتز: تجاذبنى الاطراف بالوصل والقلى... ص226.

تَشَكَّى الاْرْضُ غَيْبَتَهُ اِلَيْهِ وَتَرْشُفُ مَاءَهُ رَشْفَ الرُضاب (1)

فهذه الصورة انما تسنبلت على تصوّت الأرض اليابسة بنزول المطر بعد تأخر. ولابد في كل خيال من نواة من الحقيقة نظير هذا المثال، ولابد في زجاجة كل مجاز من سراج الحقيقة، والاّ كانت بلاغته الخيالية خرافة بلا عرق لا تفيد الاّ حيرة.

المسألة الثالثة:

اعلم! ان كمال الكلام وجماله وحُلته البيانية باسلوبه. واسلوبه صورة الحقائق وقالب المعاني المتخذ من قطعات الاستعارة التمثيلية. وكأن تلك القطعات "سيِمُوطُوغْرَاف" (2) خياليّ؛ كإراءة لفظ "الثمرة" جنتها وحديقتها. ولفظ "بارز" معركة الحرب. ثم ان التمثيلات مؤسسة على سرّ المناسبات بين الأشياء، والانعكاسات في نظام الكائنات، واخطار امور اموراً؛ كإخطار رؤية الهلال في الثريا في ذهن ابناء النخلة غصنَها الأبيض بالقدم المتقوس بتدلي العنقود (3). وفي التنزيل (حَتى عادَ كالعُرجُون القديم ) (4).

ثم ان فائدة اسلوب التمثيل كما في الآيات المذكورة هي: ان المتكلم بواسطة الاستعارة التمثيلية يُظهر العروق العميقة، ويوصل المعاني المتفرقة. واذا وضع بيد السامع طرفاً امكنَ له ان يجرّ الباقي الى نفسه، وينتقل اليه بواسطة الاتصال، فبرؤية بعضٍ يتدرج شيئاً فشيئاً - ولو مع ظلمة - الى تمامه. فمن سمِع من الجوهريِّ ما قال في وصف الكلام البليغ: "الكلام البليغ ما ثقبته الفكرةُ".. ومن الخمّار ما قال فيه: "ما طُبخ في مراجل العلم".. ومن الجمَّال ما قال فيه: "ما اخذتَ بخطامه واَنَخْتَهُ في مَبْرك المعنى" ينتقل الى تمام المقصد بملاحظة الصنعة.

ثم ان الحكمة في تشكل الاسلوب هي: ان المتكلم بارادته ينادي ويوقظ المعانيَ الساكنة في زوايا القلب كأنها حفاة عراة. فيخرجون ويدخلون الخيال، فيلبسون ما يجدون من الصور الحاضرة بسبب الصنعة أو التوغل أو الألفة أو الأحتياج، ولا أقل من لفِّ منديلٍ من تلك الصنعة برأسه، أو الانصباغ بلون مّا. وما تجده في ديباجة الكتب من براعة الاستهلال من اظهر امثلة هذه المسألة.

_____________________

(1) للمتنبي في ديوانه 1/263.

(2) الكتابة المتحركة، اصلها: سينماطوغراف ثم اختصرت الى سينما.

(3) لعل الاستاذ يقصد قول قيس بن خطيم:

وقد لاح في الصبح الثريا لمن رأى كعنقود ملاحيّه حين نوّرا

او قول ابن المعتز:

وارى الثريا في السماء كأنها قدم تبدت من ثياب حداد

(4) سورة يس: 39.

ثم ان اسلوب الكلام قد يكون باعتبار خيال المخاطَب كما في أساليب القرآن الكريم فلا تنسَ. ثم ان مراتب الاسلوب متفاوتة فبعضها ارقّ من النسيم اذا سرى يرمز اليه بهيئات الكلام. وبعضها اخفى من دسائس الحرب لايشمه الاّ ذو دهاء في الحرب؛ كاستشمام الزمخشري (1) من (مَنْ يُحْيي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) (2) اسلوب "مَن يبرز الى الميدان". وان شئت فتأمل في الآيات المذكورة تر فيها مصداق هذه المسائل بألطف وجه. وان شئت زُرِ الامامَ البوصيريَّ (3) وانظر كيف كتب "رَجَتَتَهُ" (4) باسلوب الحكيم في قوله:

وَاسْتَفْرغِ الدَّمْعَ مِنْ عَيْنٍ قَدِ امْتَلأَتْ مِنَ الْمَحَارِمِ وَالْزِمْ حِمْيَةَ النَّدَم

ورمز الى الاسلوب بلفظ الحمية. او استمع هدهد سليمان كيف أومأ الى هندسته (5) بقوله: (الاّ يَسْجُدُوا لله الَّذِي يُخْرِج الْخَبْءَ في السَّموَاتِ والارضِ) (6).

المسألة الرابعة:

اعلم! ان الكلام انما يكون ذا قوّة وقدرة اذا كان اجزاؤه مصداقا لما قيل:

عِبَاراتُنا شَتى وَحسْنُكَ وَاحِدٌ وَكُلٌّ اِلَى ذَاكَ الْجَمَالِ يُشير بان تتجاوب قيودات الكلام ونظمه وهيئته، ويأخذ كلٌ بيد الآخر ويظاهره، ويمد كلٌ بقَدَرِه الغرضَ الكليِّ مع ثمراته الخصوصية. كأن الغرض المشترك حوض يتشرب من جوانبه الرطبة، فيتولد من هذه المجاوبة المعاونةَ، ومنها الانتظام، ومنه التناسب، ومنه الحسن والجمال الذاتي.

_____________________

(1) هو ابو القاسم محمود بن عمر بن محمد الزمخشرى جار الله. ولد بزمخشر سنة 467هـ، توفي بعد رجوعه من مكة المكرمة سنة 538هـ. إمام عصره في اللغة والتفسير، له "الكشاف عن حقائق التنزيل " و "الفائق في غريب الحديث " و "المفصل في النحو " و "اساس البلاغة " وغيرها.

(2) سورة يس: 78.

(3) (608 - 698هـ) محمد بن سعيد بن حماد بن عبدالله البوصيري المصري. شاعر، حسن الديباجة، مليح المعاني، له ديوان شعر مطبوع، واشهر شعره البردة المشهورة بـ "بردة المديح " (كشف الظنون 1/288 الاعلام 6/139).

(4) وصفة طبية.

(5) ومعرفته الماء تحت الارض (الكشاف).

(6) سورة النمل: 25.

وهذا السر من البلاغة يتلألأ من مجموع القرآن لا سيما في (الم _ ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين) كما سمعتَه مع التنظير بقوله: (ولئن مسَّتهم نفحةٌ من عذاب ربك) (1) .

المسألة الخامسة:

اعلم! ان غناء الكلام وثروته ووسعته هو انه كما أن أصل الكلام يفيد أصل المقصد؛ كذلك كيفياته وهيئاته ومستتبعاته تشير وترمز وتلوحالى لوازم الغرض وتوابعه وفروعه، فكأنما تتراءى طبقة بعد طبقة ومقاما خلف مقام. وان شئت مثالا تأمل في (واذا قيل لهم لاتفسدوا في الارض) الى آخره. و(واذا لقوا الذين آمنوا) الى آخره، على الوجه المفسَّر سابقا.

المسألة السادسة:

اعلم! ان المعاني المجتناة من خريطة الكلام المأخوذة المنقوشة "بفُوطُغْراف" التلفظ على أنواع مختلفة ومراتب متفاوتة. فبعضها كالهواء يُحسّ به ولايُرى.. وبعضها كالبخار يُرى ولا يُؤْخذ.. وبعضها كالماء يُؤخذ ولاينضبط.. وبعضها كالسبيكة ينضبط ولايتعين.. وبعضها كالدّرّ المنتظم والذهب المضروب يتشخص، ثم بتأثير الغرض والمقام قد يتصلب الهوائي. وقد تعتور على المعنى الواحد الحالات الثلاث. ألا ترى انه اذا أثر أمر خارجي في وجدانك يتهيج قلبُك؟ فيثير الحسيات فيتطاير معانٍ هوائية فيتولد ميولٌ، ثم يتحصل بعضها، ثم يتشكل من ذلك البعض قسم، ثم ينعقد من ذلك القسم بعض. ففي كل من هذه الطبقات يتوضع وينعقد البعض، ويبقى البعض الآخر معلّقا كمعلقية بعض الصوت عند تشكل الحروف، والتبن عند انعقاد الحبوب. فمن شأن البليغ ان يفيد بصريح الكلام ما تعلق به الغرضُ واقتضاه المقام، وطلبه المخاطب. ثم يحيل الطبقات الأُخر - بمقدار نسبة درجة القرب من الغرض - على دلالة القيود، واشارة الفحوى، ورمز الكيفيات، وتلويح مستتبعات التراكيب، وتلميح الأساليب، وإيماء أطوار المتكلم. ثم ان من تلك المعاني المعلقة معاني حرفية هوائية ليس لها ألفاظ مخصوصة، ولا لها وطن معين بل كالسيَّاح السيَّار؛ قد يستتر في كلمة وقد يتشربه كلام وقد يتداخل في قصة، فان عصرتَ تقطَّر.

_____________________

(1) سورة الانبياء: 46.

كالتحسر في (اِنِي وَضَعْتُها اُنْثى) (1) والتأسف في (لَيْتَ الشَّبَابَ.. الخ). والاشتياق والتمدح والخطاب والاشارة والتألم والتحير والتعجب والتفاخر وغير ذلك. ثم ان شرط حسن المعاشرة بين تلك المعاني المتزاحمة تقسيم العناية والاهتمام على نسبة خدمتها للغرض الاساسيّ. وان شئت مثالاً لهذه المسألة فمن رأس السورة الى هنا مثال بيّن على الوجه المشروح سابقاً.

المسألة السابعة:

اعلم! ان الخيال المندمج في اسلوب لابد ان يتسنبل على نواة حقيقة، ويكون كالمرآة في ان ينعكس به - في المعنويات - القوانينُ والعلل المندرجة في سلسلة الخارجيات.

وفلسفة النحو التي هي المناسبات المذكورة في كتبه أيضاً من هذا القبيل؛ كما يقال: الرفع للفاعل لأن القوي يأخذ القوي. وقس عليه..

المسألة الثامنة:

اعلم! ان سيبويه (2) نصّ على ان الحروف التي تعدد معانيها كـ "من" و "الى" و"الباء" وغيرها، أصل المعنى فيها واحد لايزول؛ لكن باعتبار المقام والغرض قد يتشرب معنى معلقاً، ويجذبه الى جوفه، فيصير المعنى الأصلي صورة واسلوباً لمسافره. وكذلك ان العارف بفقه اللغة اذا تأمل عَرف ان اللفظ المشترك في الأغلب معناه واحد، ثم بالمناسبات وقع تشبيهات.. ثم منها مجازات.. ثم منها حقائق عرفية.. ثم يتعدد. حتى ان اسم "العين" التى معناه الواحد البصر أو المنهل، يطلق على الشمس أيضاً (3) بالرمز الى ان العالم العلويَّ ينظر الى العالم السفليِّ بها، او ان ماء الحياة الذي هو الضياء يسيل من ذلك المنبع في الجبل الأبيض المشرف وقس!..

_____________________

(1) سورة آل عمران: 36.

(2) هو عمر بن عثمان، امام نحاة البصرة، ولد بالبيضاء من مدن شيراز نشأ بالبصرة ودرس النحو على الخليل الفراهيدى، ورد بغداد فناظر امام نحاة الكوفة الكسائى فحكم بانتصاره عليه، فأسف وعاد الى موطنه، وألف كتابه الذى يعدّ اصل النحو، توفي سنة 796هـ.

(3) والعين: عين الشمس، وعين الشمس: شعاعها الذى لا تثبت عليه العين. وقيل: العين الشمس نفسها، يقال: طلعت العين، وغابت العين. (لسان العرب لابن منظور).

المسألة التاسعة:

اعلم! ان أعلى مراتب البلاغة الذي يُعجِز الارادةَ الجزئية والفكر الشخصيّ والتصور البسيط: هو ان يحافظ ويراعي وينظر المتكلم دفعةً نسب قيود الكلام وروابط الكلمات وموازنة الجمل التي يُظهِر كلٌ مع الآخر نقشاً متسلسلاً الى النقش الأعظم. حتى كأن المتكلم استخدم عقولا الى عقله كالباني لقصر يضع الأحجار المتلونة بوضعية تحصل بها نقوشٌ غريبة من مناظرة وموازاة الكل مع الكل كـ"العين"(1) في الخط المشترك بين "الخلفاء الراشدين". ومن اظهر مسائل هذه المسألة قوله تعالى: (الم _ ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين) على ما سمعت سابقا..

وأيضاً من أسباب علوّ الكلام أن يكون كشجرة النسب يتسلسل متناسلا الى المقاصد التي تتدلى على المقام والغرض.. وأيضاً من أسباب رفعة طبقة الكلام أن يكون مستعداً لاستنباط كثير من الفروع والوجوه كقصة موسى على نبينا وعليه السلام.

المسألة العاشرة:

اعلم! ان سلاسة الكلام المنتجة للطافته وحُلْوه هو ان تكون المعاني والحسيات المندمجة فيه ممتزجة تتحد أو مختلفة تنتظم؛ لئلا تتشرب الجوانب قوّة الافادة والغرض، بل يجذب المركزُ القوّةَ من الأطراف.. وأيضاً من السلاسة ان يتعين المقصد.. وأيضاً منه ان يتظاهر ملتقى الأغراض.

المسألة الحادية عشرة:

اعلم! ان سلامة الكلام التي هي سبب صحته وقوّته هي: ان يكون الكلام بحيث يشير الى المبادئ والدلائل، ويرمز الى اللوازم والتوابع، وبقيود الموضوع والمحمول وكيفياتهما يومئ الى رد الاوهام ودفع الشبهات؛ كأن كل قيد جواب لسؤال مقدّر. وان شئت مثالا فعليك بفاتحة الكتاب.

_____________________

(1) من المعلوم ان اسماء الخلفاء الراشدين الاربعة تبدأ بحرف "العين" وقد استلهم بعض الخطاطين نقشاً بديعاً استعمل فيه حرف "العين" مشتركاً بين اسمائهم.

المسألة الثانية عشرة:

اعلم! ان الأساليب على ثلاثة أنواع:

أحدها:

الاسلوب المجرد، الذي لونه واحد، وخاصته الاختصار والسليقية والسلامة والاستقامة فهو أملس سوي، ومحل استعماله المعاملات والمحاورات والعلوم الآلية. وان شئت مثالا سلساً منه فعليك بكتب السيّد الجرجاني.

والثاني:

الاسلوب المزين، وخاصته التزيين والتنوير، وتهييج القلب بالتشويق أو التنفير. والمقام المناسب له الخطابيات كالمدح والذم وغيرهما والاقناعيات ونظائرهما. واذا تحرّيت المثال المزيّن فادخل في دلائل الاعجاز واسرار البلاغة ترَ فيهما جناناً مزينة.

والثالث:

الاسلوب العالي، وخاصته الشدة والقوّة والهيبة والعلوية الروحانية. ومقامه المناسب الإلهيات والأصول والحكمة. وإن شئت مثلا بيناً وتمثالاً معجِزاً فعليك بـ "القرآن" فان فيه ما لا عين رأت ولا خطر على قلب بليغ..

(انتهى الفصل بتلخيص).

يتبع إن شاء الله...



السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (17-18) 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأربعاء 05 مايو 2021, 11:38 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48824
العمر : 71

السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (17-18) Empty
مُساهمةموضوع: رد: السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (17-18)   السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (17-18) Emptyالثلاثاء 18 فبراير 2014, 11:50 pm

السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (17-18) 24
ثم اعلم! ان مدار النظر في آيتنا هذه، وهي (مثلهم كمثل الذي استوقد) الخ..:
أوّلاً: نظمها بسابقها.. وثانياً: النظم بين جملها.. وثالثاً: نظم كيفية جملة جملة؛ فمع استحضار مامضى:
اعلم! ان القرآن الكريم لما صرّح بحقيقة حال المنافقين ونص على جنايتهم عقّبها بالتمثيل لثلاث نكت:-
إحداها: تأنيس الخيال الذي هو أطوع للمتخيلات من المعقولات، وتأمين اطاعة الوهم الذي شأنه التشكيكات ومعارضة العقل وانقياده باظهار الوحشي بصورة المأنوس، وتصوير الغائب بصورة الشاهد.
والثانية: تهييج الوجدان وتحريك نفرته ليتفق الحسُ والفكر بتمثيل المعقول بالمحسوس.
والثالثة: ربط المعاني المتفرقة واراءة رابطة حقيقية بينها بواسطة التمثيل.. وأيضا الوضع نصب عين الخيال ليجتني بالنظر الدقائقَ التي أهملها اللسان.
واعلم! ان مآل جمل هذه الآية كما يناسب مآل مجموع قصة المنافقين؛ كذلك يناسب آيةً آيةً منها. ألا ترى ان مآل القصة انهم آمنوا صورةً للمنافع الدنيوية.. ثم تبطنوا الكفر.. ثم تحيروا وترددوا.. ثم لم يتحرّوا الحق.. ثم لم يستطيعوا الرجوع فيعرفوا. وما أنسب هذا بحال من أوقدوا لهم ناراً أو مصباحاً.. ثم لم يحافظوا عليها.. ثم انطفأتْ.. ثم اُظلموا.. ثم لايتراءى لهم شئ حتى يكون كل شئ معدوماً في حقهم!. فلسكون الليل كأنهم صمّ، ولتعامي الليل وانطفاء أنواره كأنهم عُميٌ، ولعدم وجود المخاطَب والمغيث لايستغيثون كأنهم بُكم، ولعدم استطاعة الرجوع كأنهم أشباح جامدة لا أرواح لها.
ثم ان في المشبَّه به نقطاً أساسية تناظر النقط الأساسية في المشبه. مثلا: الظلمة تنظر الى الكفر، والحيرة الى التذبذب، والنار الى الفتنة. وقس!..
ان قلت: ان في التمثيل نوراً فأين نور المنافق حتى يتم تطبيق التمثيل؟.
قيل لك: ان لم يكن في الشخص نور ففي محيطه يمكن له الاستنارة.. وان لم، ففي قومه يمكن الاستضاءة.. وان لم، ففي نوعه يمكن له الاستفادة.. وان لم، ففي فطرته كان يمكن له الاستفاضة كما مر.. وان لم تقنع، ففي لسانه بالنظر الى نظر غيره أو بالنظر الى نفسه لترتب المنافع الدنيوية.. وان لم، فباعتبار البعض من الذين آمنوا ثم ارتدوا.. وان لم، فيجوز ان يكون النور اشارة الى ما استفادوا كما ان النار اشارة الى الفتنة.. وان لم ترض بهذا أيضاً، فبتنزيل امكان الهداية منزلة وجودها كما أشار اليه اشتروا الضلالة بالهدى فانه هو الجار الجنب للتمثيل.
أما وجه النظم بين الجمل: 
فاعلم! ان نظم جملة (مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً) مناسبتُها للموقع.
نعم، حال هذا المستوقد على هذه الصورة تطابق مقتضى حال الصفّ الأول من مخاطبي القرآن الكريم وهم ساكنو جزيرة العرب؛ اذ ما منهم الا وقد عرف هذه الحالة بالذات أو بالتسامع ويحس (1) بدرجة تأثيرها ومشوشيتها؛ اذ بسبب ظلم الشمس يلتجئون الى ظلمة الليل فيسيرون فيها. وكثيراً مايغمى عليهم السماء فيصادفون حزن الطرق وقد ينجر بهم الطريق الى الورطة.. وأيضاً قد يجولون في معاطف الكهوف المشحونة بالمؤذيات فيضلون الطريق فيحتاجون لإيقاد النار أو اشتعال المصباح ليبصروا رفقاءهم حتى يستأنسوا ويروا أهبتهم وأشياءهم كي يحافظوا عليها، ويعرفوا طريقهم ليذهبوا فيها ويتراءى لهم الضواري والمهالك ليجتنبوا. فبينما هم استضاؤا بنورهم اذ اختطفتهم آفة سماوية.. وبينما هم في ذروة كمال الرجاء وآن الظفر بالمطلوب اذ سقطوا في حضيض اليأس المطلق. 
فنص على هذا الحال بقوله:
(فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم). اعلم! ان هذه "الفاء" تشير الى انهم أوقدوا النار ليستضيؤا فاضاءت فاطمأنوا بالاستضاءة فتعقبهم الخيبة وسقطوا في أيديهم. وما أشد تأثير العدم عليهم في آن انتظار الحصول!. ثم ان هذه الشرطية تستلزم استلزام الاضاءة لذهاب النور. وخفاء هذا الاستلزام يشير الى تقدير ما يظهر به اللزوم هكذا: فلما اضاءت استضاؤا بها فاشتغلوا.. فلم يحافظوا.. فلم يهتموا بها، ولم يعرفوا قدر النعمة فيها.. فلم يمدوها.. فلم يديموها؛ فانطفأت.
_____________________
(1) وأحسّ (ش)
لأنه لما كانت الغفلة عن الوسيلة للاشتغال بالنتيجة - بسر (اِنَّ الاِْنْسَانَ لَيَطْغَى _ اَن رَآهُ اِسْتَغْنَى) (1) - سبباً لعدم الإدامة المستلزم للانطفاء كان كأن نفسَ الاضاءة سبب لذهاب النور.
أما جملة (وتركهم في ظلمات) فبعدما أشار الى خسرانهم بذهاب النعم بزوال النور عقبه بخذلانهم بنزول النقم بالسقوط في الظلمات.
أما جملة (لا يبصرون) فاعلم! ان الانسان اذا اظلم عليه وأضل السبيل فقد يسكن ويتسلى برؤية رفقائه ومرافقه، واذا لم يبصرهما كان السكون مصيبة عليه كالحركة بل أوحش.
أما (صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يرجعون) فاعلم! ان الانسان اذا وقع في مثل هذا البلاء قد يتسلى ويأمل ويرجو النجاة من جهات أربع مترتبة:
فأولاً: يرجو أن يسمع تناجي الخلق من القرى أو أبناء السبيل؛ إن يستمِدْ يَمدّوه. ولما كانت الليلة ساكنة بكماءَ استوى هو والأصم، فقال: "صُم" لقطع هذا الرجاء.
وثانياً: يأمل انه إن نادى أو استغاث يُحتمل أن يسمع أحدٌ فيغيثه، ولما كانت الليلة صماء كان ذو اللسان والأبكم سواء فقال: "بُكم" لإلقامهم الحجر بقطع هذا الرجاء أيضاً.
وثالثاً: يأمل الخلاص برؤية علامة أو نار او نيّرٍ تشير له الى هدف المقصد. ولما كانت الليلة طامية رمداء عبوسة عمياء كان ذو البصر والأعمى واحداً فقال: "عُميٌ" لإِطفاء هذا الأمل أيضاً.
ورابعاً: لايبقى له الاّ ان يجهد في الرجوع، ولما أحاط به الظلمة كان كمن دخل في وحْلٍ باختياره وامتنع عليه الخروج. نعم، كم من أمرٍ تذهب اليه باختيار ثم يُسلَب عنك الاختيار في الرجوع عنه تخلّيه انت ولا يخليك هو، فقال تعالى: فهم (لا يرجعون) لسد هذا الباب عليهم وقطع آخر الحبل الذي يتمسكون به، فسقطوا في ظلمات اليأس والتوحش والسكونة والخوف.
_____________________
(1) سورة العلق: 6،7
أما الجهة الثالثة، أعني :
نظم قيودات جملة جملة، فانظر الى (مثلهم كمثل الذيِ استوقد ناراً) كيف تتطاير شرارات النكت من قيوداتها.
أما لفظ "المثل" فاشارة الى غرابة حال المنافقين وان قصتهم اعجوبة؛ اذ المَثَل هو الذي يجول على الألسنة ويتناقله الناس لتضمنه لغرابة؛ اذ أخصّ صفاته الغرابة. ثم لاندماج قاعدة أساسية في الأمثال يقال لها: "حكمة العوام" و "فلسفة العموم". فالمراد بالمثل هنا صفتهم الغريبة وقصتهم العجيبة وحالهم الشنيعة. ففي التعبير بالمَثَل مجازاً اشارة الى الغرابة، وفي الاشارة رمز الى ان من شأن صفتهم أن تدور على لسان النفرة والتلعين كضرب المثل.
وأما "الكاف":
فإن قلت: إن حُذف كان تشبيهاً بليغاً فهو أبلغ؟
قيل لك: الأبلغ في هذا المقام ذكره، اذ التصريح به يوقظ الذهن بان ينظر الى المثال تبعياً فينتقل عن كل نقطة مهمة منه الى نظيرها من المشبه. والا فقد يتوغل فيه قصداً فتفوت منه دقائق التطبيق.
وأما "المَثَل" الثاني فاشارة الى ان حال المستوقد بغرابته ووجوده في حس العموم كان في حكم ضرب المثل.
وأما "الذي":
فان قلت: كيف افردَ مع انهم جماعة؟
قيل لك: اذا تساوى الجزء والكل والفرد والجماعة ولم يؤثر الاشتراك في صفة الفرد زيادة ونقصانا جاز الوجهان مثل (كمثل الحمار) ففي افراده اشارة الى استقلال كل فرد في تمثل الدهشة وتصوير شناعتهم، أوكان "الذي" "الذين" فاختُصر.
وأما (استوقد) فسينُه اشارة الى التكلف والتحري. وفي افراده مع جمع الضمير في "نورهم" رمز لطيف الى أن فرداً يوقدُ لجماعةٍ. ولقد ألطف في الإفراد إيقاداً والجمع استنارة.
وأما (ناراً) بدل "المصباح" أو غيره فاشارة الى المشقة في نور التكليف، ورمز الى انهم يوقدون تحت النور الظاهري نارَ فتنة. وأما تنكيره فايماء الى شدة احتياجهم حتى انهم يرضون بأية نار كانت.
ثم اَجِلِ النظرَ فيما حول جملة (فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم) لترى كيف تضئ قيوداتُها على ظلمات الدهشة التي هي الغرض الأساسي. 
ولقد سمعت في المسألة الرابعة ان قوة الكلام بتجاوب القيود:
أما "الفاء" فإيماء الى ان هجوم اليأس المطلق تعقب كمال الرجاء.
وأما (لما) فلتضمنه قياساً استثنائياً مستقيماً مع دلالته على تحقق المقدم ينتج تحقق التالي وقطع التسلي.
وأما (أضاءت) فاشارة الى ان الايقاد للاستنارة لا للاصطلاء. وفيه رمز الى شدة الدهشة اذ ما أفاد لهم الاضاءة إلا رؤية المهالك والعلم بوجودها. ولولاها لأمكن مغالطة النفس وتسكينها.
وأما (ما حوله) فاشارة الى احاطة الدهشة من الجهات الأربع، والى لزوم التحفظ بالاضاءة عن هجوم الضرر عن الجهات الست.
وأما (ذهب) فلأنه جزاء الشرط، لا بد ان يكون لازماً. ولخفاء اللزوم - كما مر - يرمز الى انهم لم يتعهدوها ولم يعرفوا قَدْرَ النعمة فيها فبنفس الاضاءة اُخذوا عن أنفسهم وأنساهم البطر والفرح تعهّدها فأخذها الله عنهم..
وأما اسناد "ذهب" الى (الله) فاشارة الى قطع رجاءين: رجاء التعمير ورجاء الرحمة؛ لأنه يشير الى ان الآفة سماوية لاتقبل التعمير، ويرمز الى انه جزاءٌ لقصور المرء، ولهذا يأخذه الله تعالى. فينقطع المتمسك به عند انقطاع الأسباب وهو أمل الرحمة، اذ لايستعان من الحق على ابطال الحق.
وأما "الباء" فاشارة الى اليأس عن العَود؛ اذ لا راد لما أخذه الله للفرق البيّن بين ذهب به أي استصحبه، وبين اذهبه أي ارسله، وذهب أي انطلق؛ لإمكان العود في الآخِرَين دون الأول.
وأما "النور" ففيه ايماء لطيف الى تذكر حالهم على الصراط.
وأما الاضافة في (هم) المفيدة للاختصاص فاشارة الى شدة تأثرهم؛ اذ مَن انطفأت نارُه فقط مع ان نار الناس تلتهب أشد تألما.
ولله درّ التنزيل ما ألطفه في فنون البلاغة! ألم تر كيف توجهت هيئاتها الى الغرض الكليّ، أعني الدهشة مع اليأس، كالحوض في ملتقى الأودية؟.
ثم امعن النظر في (وتركهم في ظلمات لايبصرون):
أما "الواو" فاشارة الى انهم جمعوا بين الخسارتين؛ سُلبوا ضياءً وأُلبسوا ظلمةً.
أما "تَرَك" بدل "أبقى" أو غيره فاشارة الى انهم صاروا كجسد بلا روح وقشر بلا لبّ. فمن شأنهم ان يُتركوا سدى ويُلقوا ظهريا.
وأما (في) فرمز الى انه انعدم في نظرهم كل شئ ولم يبق الاّ عنوان العدم وهو الظلمة فصارت ظرفاً وقبراً لهم.
وأما جمع (ظلمات) فايماء الى ان سَواد الليل وظلمة السحاب أولَدتا في روحهم ظلمة اليأس والخوف، وفي مكانهم ظلمة التوحش والدهشة، وفي زمانهم ظلمة السكون والسكوت، فأحاطت بهم ظلمات متنوعة.. وأما تنكيرها فايماء الى انها مجهولة لهم لم يسبق لهم الُفْة بمثلها فتكون أشد وقعا.
وأما (لايبصرون) فتنصيص على اساس المصائب، اذ مَن لم ير كان ارأى للبلايا، وبفقد البصر يبصر أخفى المصائب. وأما المضارعية فلتصوير وتمثيل حالهم نصب عين الخيال ليرى السامع دهشتهم فيتحسس بوجدانه أيضاً.
وأما ترك المفعول فللتعميم، أي لايرون منافعهم ليحافظوها، ولا يبصرون المهالك كي يجتنبوا عنها. ولا يتراءى الرفقاء ليستأنسوا بهم، فكأن كل واحد فرد برأسه.
ثم انظر الى جمل (صم بكم عمي فهم لايرجعون) لتسمع ما تتناجى به؛ اذ هذه الأربعة حدٌّ مشترك بين الممثل والممثل به، وبرزخ بينهما ومتوجهة اليهما؛ تتكلم عن حال الطرفين. ومرآة لهما تريك شأنهما. ونتيجة لهما تسمعك قصتهما.
أما الجهة الناظرة الى الممثل به:
فاعلم! ان من سقط في مثل هذه المصيبة يبقى له رجاء النجاة باستماع نجوى منجٍ، فاستلزمت ابكمية الليلة اصميته.. ثم اسماع مغيث فاقتضت اصمية الليل ابكميته.. ثم الهدى برؤية نار أو نيّر فانتج تعامي الليل عميه.. ثم العود الى بدءٍ فانسد عليه الباب كمن سقط في وحل كلما تحرك انغمس..
وأما الجهة الناظرة الى الممثل:
فاعلم! انهم لما وقعوا في ظلمات الكفر والنفاق امكن لهم النجاة عن تلك الظلمات بطرق أربعة مترتبة:
فاوّلاً:
كان عليهم ان يرفعوا رؤسهم ويستمعوا الى الحق ويصغوا الى ارشاد القرآن، لكن لما صارت غلغلة (1) الهوى مانعة لأن يخلُص صدى القرآن الى صماخهم، وأخذ التهوس بآذانهم جاراً لهم عن تلك الطريق، نعى عليهم القرآن بقوله: (صم) اشارة الى انسداد هذا الباب ورمزاً الى ان آذانهم كأنها قطعت وبقيت ثقبات مشوهة أو قطعات متدلية في جوانب رؤسهم.
وثانياً:
لابد لهم ان يخفضوا رؤسهم ويشاوروا وجدانهم فيسألوا عن الحق والصراط، لكن لما اخذ العناد على يد لسانهم وجره الحقد من خلف الى الجوف، ألقمهم القرآن الحجر بقوله: (بكم) اشارةً الى انسداد هذا الباب أيضا في وجوههم ورمزاً الى انهم بالسكوت عن الاقرار بالحق كانوا كمن قلع لسانه فبقي الفم ككهف خلا عن ساكنه مشوهاً للوجه.
_____________________
(1) في الشئ: دخل فيه على تعب وشدة.
وثالثاً:
لزمهم ان يُرسلوا انظار العبرة لتجتني لهم الدلائل الآفاقية، لكن وضعَ التغافلُ يدَه على عيونهم وردّ - وطرد - التعامي الأنظار الى أجفانهم. فقال القرآن: (عميٌ) اشارة الى انهم عمهوا (1) عن هذا الطريق أيضاً. ورمزَ بحذف أداة التشبيه الى ان عيونهم التي هي أنوار الرأس كأنها قلعت فبقيت نُقرات مشوّهة في جباههم.
ورابعاً:
لابد من ان يعرفوا قبح حالهم القبيح ليتنفروا فيندموا فيتوبوا فيرجعوا. لكن لما زيّنت لهم أنفسُهم - لأجل فساد الفطرة بالاصرار وغلبة الهوى والشيطان - تلك القبائحَ، قال القرآن: (فهم لايرجعون) اشارة الى انسداد آخر الطرق عنهم، ورمزاً الى انهم وقعوا باختيارهم فيما لا اختيار لهم في الخروج كالمضطرب في بحر الرمل.
_____________________
(1) تحيروا في طريقهم او امرهم.


السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (17-18) 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (17-18)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (19-20)
» السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (21-22)
» السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (23-25)
» السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (26-28)
» السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (29-30)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: إشارات الإعجاز-
انتقل الى: