منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (05-08)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (05-08) Empty
مُساهمةموضوع: السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (05-08)   السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (05-08) Emptyالأحد 16 فبراير 2014, 5:14 am

اُولئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَاُولئِكَ هُم المُفْلِحُونَ 5

(اُولئِك عَلَى هُدىً مِنْ رَبٍّهِمْ)

اعلم! ان المظان التي تتلمع فيها النكت: هي نظمها مع سابقتها، ثم المحسوسية في "اولئك"، ثم البُعْدية فيها، ثم العلو في "على"، ثم التنكير في "هدى"، ثم لفظ "من"، ثم التربية في "ربهم".

اما النظم، فاعلم! ان هذه 1 مرتبطة بسابقتها بخطوط مناسبات. 

منها الاستيناف أي 2 جواب لثلاثة اسئلة مقدرة:

منها: السؤال عن المثال،كأن السامع بعدما سمع ان القرآن من شأنه الهداية لاشخاص من شأنهم - بسبب الهداية - الاتصاف بأوصافٍ، أحبَّ أن يراهم وهم بالفعل تلبسوا بتلك الاوصاف متكئين على ارائك الهداية. فأجاب مُريئاً للسامع بقوله (اولئك على هدى من ربهم).

ومنها: السؤال عن العلة ، كأن السائل يقول: ما بال هؤلاء استحقوا الهداية واختصوا بها؟ فأجاب: بأن هؤلاء الذين امتزجت واجتمعت فيهم تلك الاوصاف - إن تأملت - لجديرون بنور الهداية.

فان قلت: التفصيل السابق أجلى للعلة من الاجمال في "اولئك"؟

قيل لك: قد يكون الاجمال اوضح من التفصيل لاسيما اذا كان المطلوب متولداً من المجموع؛ اذ بسبب جزئية ذهن السامع، والتدرج في اجزاء التفصيل، وتداخل النسيان بينها، وتجلي العلة من مزج الاجزاء قد لايُتفطن لتولد العلة. فالاجمال في "اولئك" لاجل الامتزاج أجلى للعلية.

ومنها: السؤال عن نتيجة الهداية وثمرتها، والنعمة واللذة فيها. كأن السامع يقول: ما اللذة والنعمة؟ فاجاب بأن فيها سعادة الدارين. أي ان نتيجة الهداية نفسها وثمرتها عينها، اذ هي بذاتها نعمة عظمى ولذة وجدانية، بل جنة الروح؛ كما ان الضلالة جهنمها، ثم بعد ذلك تثمر الفلاح في الآخرة.

_____________________

1 ان هذه الآية (ش).

2 اى انها جواب

واما المحسوسية في (اولئك) فاشارة الى ان ذكر الاوصاف الكثيرة سبب للتجسم في الذهن، والحضور في العقل، والمحسوسية للخيال. فمن العهد 1 الذِكري ينفتح باب الى العهد الخارجي، ومن العهد الخارجي ينتقل الى امتيازهم، وينظر الى تلألئهم في نوع البشر كأنه من رفع رأسه وفتح عينيه لا يتراءى له الا هؤلاء.

واما البُعدية في (اولئك) مع قُربيتهم في الجملة فللاشارة الى تعالي رتبتهم؛ اذ الناظر الى البعداء لا يرى الا اطولهم قامة، مع ان حقيقة البعد الزماني والمكاني اقضى لحق البلاغة؛ اذ هذه الآية كما ان عصر السعادة لسان ذاكر لها وهي تنزل، كذلك كلٌّ من الاعصار الاستقبالية كأنه لسان ذاكر لها، وهي شابة طرية كأنها اذ ذاك نزلت لا انها نزلت ثم حكيت.فاوائل الصفوف المشار اليهم بـ "اولئك" يتراؤن من بُعْدٍ. ولأجل الرؤية مع بُعدهم يُعلم عظمتهم وعلوّ رتبتهم.

واما لفظ (على) فاعلم! ان سر المناسبة بين الاشياء صيَّر اكثر الامور كالمرايا التي تتراءى في أنفسها؛ هذه في تلك وتلك في هذه. فكما ان قطعة زجاجة تريك صحراء واسعة؛ كذلك كثيراً ماتذكِّرك كلمةٌٌ فذة خيالا طويلا، وتمثل نصب عينيك هيئة كلمة حكاية عجيبة. ويجول بذهنك كلام في عالم المثال المثالي. كما ان لفظ "بارَزَ" يفتح لك معركة الحرب، ولفظ "ثمرة" في الآية يفتح لك باب الجنة وقس! فعلى هذا لفظ "على" للذهن كالكُوَّة الى اسلوب تمثيلي هو ان هداية القرآن بُراقٌ إلهي أهداه للمؤمنين ليسلكوا، وهم عليه في الطريق المستقيم سائرين الى عرش الكمالات.

واما التنكير في (هدى) فيشير الى انه غير (هدى للمتقين) اذ المنكّر المكرر غير الاول في الاغلب 2. فذاك مصدر وهذا حاصل بالمصدر.. وهو صفة محسوسة قارة 3 كثمرة الاول.

_____________________

1 حيث ذكرت اوصافهم فاصبحت معهودة (ت: 65).

2 حيث ان النكرة اذا كررت بصورة معرفة، فتلك المعرفة هى عين تلك النكرة، اما اذا ذكرت النكرة نكرة فلا تكون عين النكرة في الاغلب (ت: 67).

3 قارة : ثابتة.

واما لفظ (من) فيشير الى ان الخلق والتوفيق في اهتدائهم - المكسوب لهم - من الله. 1

واما لفظ الـ "رب" فيشير الى ان الهداية من شأن الربوبية فكما يربيهم بالرزق يغذيهم بالهداية.

(وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)

اعلم! ان مظان تحري النكت هي: عطف "الواو"، ثم تكرار "اولئك"، ثم "ضمير الفصل"، ثم الالف واللام، ثم إطلاق "مفلحون" وعدم تعيين وجه الفلاح.

اما العطف فمبني على المناسبة؛ اذ كما ان (اولئك) الاول اشارة الى ثمرة الهداية من السعادة العاجلة؛ فهذه اشارة الى ثمرتها من السعادة الآجلة. ثم انه مع ان كلاً منهما ثمرة لكل ما مر، الا ان الأَولى أَن (اولئك) الاول يرتبط عِرْقُه بـ(الذين) الاول، الظاهر انهم المؤمنون من الأميين، ويأخذ قوته من اركان الاسلامية، وينظر الى ماقبل (وبالآخرة هم يوقنون). و (اولئك) الثاني ينظر برمز خفي الى (الذين) الثاني، الظاهر انهم مؤمنو اهل الكتاب. ويكون مأخذه اركان الايمان واليقين بالآخرة. فتأمل!

واما تكرار (اولئك) فاشارة الى استقلال كل من هاتين الثمرتين في العلة الغائية للهداية والسببية لتميزهم ومدحهم، الا ان الأولى ان يكون (اولئك) الثاني اشارة الى الاول مع حكمه كما تقول: ذلك عالم وذلك مكرّم.

واما ضمير الفصل فمع انه تأكيد الحصر الذي فيه تعريض بأهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بالنبيّ عليه السلام، فيه نكتة لطيفة وهي: ان توسط (هم) بين المبتدأ والخبر من شأنه أن يحول المبتدأ للخبر الواحد موضوعاً لاحكام كثيرة يُذكَر البعضُ ويُحال الباقية على الخيال؛ لان (هم) ينَبِّه الخيال على عدم التحديد ويشوّقه على تحري الاحكام المناسبة. فكما انك تضع زيداً بين عيني السامع فتأخذ تغزل منه الاحكام قائلا: هو عالم، هو عامل، هو كذا وكذا. ثم تقول قس! كذلك لما قال (اولئك) ثم جاء (هم) هيّج الخيال لان يجتني ويبتني بواسطة الضمير أحكاماً مناسبة لصفاتهم،كـ: اولئك هم على هدى.. هم مفلحون.. هم فائزون من النار.. هم فائزون بالجنة.. هم ظافرون برؤية جمال الله تعالى الى آخره.

_____________________

1 اذ الاهتداء، اى سلوك طريق الصواب، هو ضمن اختيارهم وداخل كسبهم، مع ان الهداية التى هى صفة ثابتة، فهى من الله تعالى (ت: 67).

وأما الألف واللام فلتصوير الحقيقة. كأنه يقول: ان أحببت أن ترى حقيقة المفلحين، فانظر في مرآة (اولئك) لتمثل لك.. أو لتمييز ذواتهم، كأنه يقول: الذين سمعت أنهم من أهل الفلاح ان أردت ان تعرفهم فعليك بـ (اولئك) فهم هم.. او لظهور الحكم وبداهته نظير "والده العبد" اذ كون والده عبداً معلوم ظاهر..

وأما إطلاق "مفلحون" فللتعميم؛ اذ مخاطب القرآن على طبقات مطالبهم مختلفة. فبعضهم يطلب الفوز من النار.. وبعض إنما يقصد الفوز بالجنة.. وبعض انما يتحرى الرضاء الالهي.. وبعض مايحب الا رؤية جماله.. وهلم جرّا.. فاطلق هنا لتعم مائدة احسانه فيجتني كلٌّ مشتهاه.

اِنًّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءَاَنْذَرْتَهُمْ اَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لايُؤْمِنُونَ 6

وجه النظم:

اعلم! ان للذات الاحديِّ في عالم صفاته الازلية تجلِّيَيْن جلاليّ وجماليّ. فبتجليهما في عالم صفات الافعال يتظاهر اللطف والقهر والحسن والهيبة. ثم بالانعطاف في عالم الافعال يتولد التحلية والتخلية والتزيين والتنزيه. ثم بالانطباع في العالم الأُخروي من عالم الآثار يتجلى اللطف جنة ونوراً، والقهر جهنم وناراً. ثم بالانعكاس في عالم الذكر ينقسم الذكر الى الحمد والتسبيح. ثم بتمثلهما في عالم الكلام يتنوع الكلام الى الأمر والنهي. ثم بالارتسام في عالم الارشاد يقسمانه الى الترغيب والترهيب والتبشير والانذار. ثم بتجليهما على الوجدان يتولد الرجاء والخوف.. وهكذا. ثم ان من شأن الارشاد ادامة الموازنة بين الرجاء والخوف، ليدعو الرجاء الى ان يسعى بصرف القوى، والخوف الى ان لايتجاوز بالاسترسال فلا ييأس من الرحمة فيقعد ملوماً، ولا يأمن العذاب فيتعسف ولا يبالي. فلهذه الحكمة المتسلسلة مارغّب القرآن إلاّ وقد رهَّب، وما مدح الابرار الا وقرنه بذمّ الفجار.

ان قلت: فلِمَ لم يعطف هنا كما عطف في (اِنَّ الابْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ _ وَاِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) 1.؟

قيل لك: ان حسن العطف ينظر الى حسن المناسبة، وحسن المناسبة يختلف باختلاف الغرض المسوق له الكلام. ولما اختلف الغرض هنا وهنالك، لم يستحسن العطف هنا؛ اذ مدحُ المؤمنين منجر ومقدمة لمدح القرآن، ونتيجة له، وسيق له. وأما ذم الكافرين فللترهيب لايتصل بمدح القرآن.

ثم انظر الى اللطائف المندمجة في نظم اجزاء هذه الآية!

فأولا: استأنس بـ (إنّ) و(الذين) فانهما أجْوَلُ وأسْيَرُ ما يصادفك في منازل التنزيل. ولأمر مّا أكثر القرآنُ من ذكرهما؛ اذ معهما من جوهر البلاغة نكتتان عامتان غير ماتختص كل موقع.

_____________________

1 سورة الانفطار: 13،14

أما (إنّ) فان من شأنها ان تثقب السطح نافذة الى الحقيقة، وتوصل الحكم اليها؛ كأنها عرق الدعوى اتصلت بالحق. مثلا: ان هذا كذا.. أي الحكمُ وهذه الدعوى ليست خيالية ولا مبتدعة ولا اعتبارية ولا مستحدثة؛ بل هي من الحقائق الجارية الثابتة. وما يقال من أن "إنّ" للتحقيق فعنوان لهذه الحقيقة والخاصية. والنكتة الخصوصية هنا هي أن "إنّ" الذي شأنه رد الشك والانكار مع عدمهما في المخاطب للاشارة الى شدة حرص النبي عليه السلام على ايمانهم.

واما (الذين) فاعلم! ان "الذي" من شأنه الاشارة الى الحقيقة الجديدة التي أحس بها العقل قبل العين، وأخذت في الانعقاد ولم تشتد، بل تتولد من امتزاج أشياء وتآخذ أسباب مع نوع غرابة. ولهذا ترى من بين وسائط الاشارة والتصوير في الانقلاب المجدد للحقائق لفظ "الذي" أسيرَ على الالسنة وأكثر دورانا. فلما ان تجلى مؤسس الحقائق وهو القرآن، اضمحل أنواعٌ ونقضت فصولُها وتشكلت انواع اُخر وتولدت حقائق اخرى. اما ترى زمان الجاهلية كيف تشكلت الانواع على الروابط الملّية وتولدت الحقائق الاجتماعية على العصبيات القومية؟ فلما ان جاء القرآن قطع تلك الروابط وخرب تلك الحقائق فأسس بدلاَ عنها انواعاً، فصولها الروابط الدينية. فتأمل!.. فلما أشرق القرآن على نوع البشر تزاهر بضيائه واثمر بنوره قلوب فتحصلت حقيقة نورانية هي فصل نوع المؤمنين. ثم لخبث بعض النفوس تعفنت في مقابلة الضياء تلك النفوسُ فتولدت حقيقة سمّية هي خاصة نوع مَن كفر 1..

وايضا بين "الذين" و"الذين" تناسب. 2

اعلم! ان الموصول كالالف واللام يستعمل في خمسة معان اشهرها العهد. فـ"الذين" هنا اشارة الى صناديد الكفر امثال ابي جهل وابي لهب وأُمية بن خلف وقد ماتوا على الكفر. فعلى هذا في الآية إخبار عن الغيب. وامثال هذا لمعاتٌ يتولد منها نوعٌ من الاعجاز من الانواع الاربعة للاعجاز المعنوي.

واما لفظ (كفروا) فاعلم! ان الكفر ظلمة تحصل من انكار شئ مما عُلِمَ ضرورةً مجئ الرسول عليه السلام به.

_____________________

1 فلأجل الاشارة الى هذه الحقيقة الكفرية، ذكر "الذين"(ت: 72)

2 لأن كلاً منهما يدلان على حقيقة مضادة للاخرى (ت: 72)

ان قلت: ان القرآن من الضروريات وقد اُختلف في معانيه؟

قيل لك: ان في كل كلام من القرآن ثلاث قضايا:

احداها: "هذا كلام الله".

والثانية: "معناه المراد حق"؛ وانكار كلٍّ من هاتين كفر.

والثالثة: "معناه المراد هذا"؛ فان كان مُحْكَماً أو مفسراً فالايمان به واجب بعد الاطلاع، والانكار كفر. وان كان ظاهراً، او نصاً يحتمل معنى آخر، فالانكار بناء على التأويل - دون التشهّي - ليس بكفر 1. 

ومثل الآية الحديث المتواتر؛ الا ان في انكار القضية الاولى من الحديث تأملا. 2

ان قلت: الكفر جهل وفي التنزيل (يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ اَبْنَاءهُمْ) 3 فما التوفيق؟

قيل لك: ان الكفر قسمان:

جهليّ ينكِر لأنه لا يعلم. والثاني جحودي تمردي يعرف لكن لايقبل، يتيقّن لكن لايعتقد، يصدِّق لكن لايذعن وجدانُه. فتأمل!..

ان قلت: هل في قلب الشيطان معرفة؟

قيل لك: لا، اذ بحكم صنعته الفطرية يشتغل قلبُه دائما بالاضلال ويتصور عقلُه دائماً الكفر للتلقين فلا ينقطع هذا الشغل، ولا يزول ذلك التصور عن عقله حتى تتمكن فيه المعرفة.

ان قلت: الكفر صفة القلب فكيف كان شدّ الزُنّار - وقد قيس عليه "الشَّوْقَة" 4 - كفراً؟

قيل لك: ان الشريعة تعتبر بالامارات على الامور الخفية حتى اقامت الاسباب الظاهرية 5 مقام العلل. ففي شد الزُنَّار المانع بعضُ نوعه عن اتمام الركوع، وإلباس "الشَوْقَة" المانعة عن تمام السجود علامة الاستغناء عن العبودية، والتشبه بالكفرة المومِئ باستحسان مسلكهم وملّيتهم. فما دام لم يُقطَع بانتفاء الامر الخفي يُحكَم بالامر الظاهر.

_____________________

1 واختلاف المفسرين ليس الاّ في هذا القسم (ت: 73).

2 اى ثبوت صحته وتواتره (ت: 73).

3 سورة البقرة: 146.

4 القبعة.

5 التى هى ليست عللاً (ت: 74).

ان قلت: اذا لم يُجدِ الانذار فلِمَ التكليف؟

قيل لك: لإلزام الحجة عليهم. 1

ان قلت: الاخبار عن تمردهم يستلزم امتناع ايمانهم فيكون التكليف بالمحال؟

قيل لك: ان الاخبار وكذا العلم والارادة لا تتعلق بكفرهم مستقلا مقطوعاً عن السبب، بل انما تتعلق بكفرهم باختيارهم. كما يأتيك تفصيله. ومن هنا يقال: "الوجوب بالاختيار لا ينافي الاختيار".

ان قلت: ايمانهم بعدم ايمانهم 2 محال عقليّ يشبه "الجذر الاصم الكلاميّ".؟ 3

قيل لك: انهم ليسوا مكلفين بالتفصيل حتى يلزم المحال.

ثم في ايراد (كفروا) فعلاً ماضياً، اشارة الى انهم اختاروا الكفر بعد تبين الحق فلذا لايفيد الانذار.

واما (سواء) فمجاز عن: "انذارك كعدم الانذار في عدم الفائدة او في صحة الوقوع" اي لاموجب للانذار ولا لعدمه.

واما (عليهم) ففيه ايماء الى انهم اخلدوا الى الارض فلا يرفعون رؤوسهم ولا يصغون الى كلام آمرهم.. وفيه أيضا رمز الى انه ليس سواء عليك، لان لك الخير في التبليغ؛ اذ (مَا عَلَى الرَّسُولِ إلاّ البَلاغُ) 4.

_____________________

1 اذ يمكنهم ان يقولوا لم نبلّغ بالتكليف ولا علم لنا به، ويكون هذا مدار نجاتهم من الجزاء (ت: 74)

2 كما في "لايؤمنون" وامثالها من الآيات (ت: 74).

3 مغلطة الجذر الاصم هى هذه: قيل ان اجتماع النقيضين واقع، لانه لو قال قائل كل كلامي في هذه الساعة كاذب والحال انه لم يقل في تلك الساعة غير هذا الكلام، فلا يخلو من ان يكون هذا الكلام، صادقاً أوكاذباً. وعلى التقديرين يلزم اجتماع النقيضين. اما اذا كان صادقاً فيلزم كذب كلامه في تلك الساعة، وهذا الكلام مما تكلم به في تلك الساعة ولم يتكلم بغيره؛ فيلزم كذب كلامه. والتقدير انه صادق فيلزم اجتماع النقيضين وان كان كاذباً يلزم ايضاً اجتماع النقيضين لانه يلزم ان يكون بعض افراد كلامه صادقاً في تلك الساعة لكن ما وجد عنه في تلك الساعة سوى هذا الكلام فيلزم صدقه، والمفروض كذبه فيلزم اجتماع النقيضين. وهذه المغلطة مشهورة تحير جميع العلماء في حلّها. (ب).

4 سورة المائدة: 99.

_____________________

واما (ءَاَنذرتهم ام لم تنذرهم) فالهمزة واَمْ هنا في حكم "سواء حرفي"، تأكيد لسواء الاول. أو تأسيس نظراً الى اقتسامهما المعنيين المذكورين للمساواة.

ان قلت: فلِمَ عبّر عن المساواة بصورة الاستفهام؟

قيل لك: اذا اردت ان تنبه المخاطب على عدم الفائدة في فعل نفسه بوجه لطيف مقنع لابد ان تستفهم ليتوجه ذهنُه الى فعله فينتقل منه الى النتيجة فيطمئن.. ثم العلاقة بين الاستفهام والمساواة تضمنه لها؛ اذ السائل يتساوى في علمه الوجود والعدم.. وايضا كثيرا مايكون الجواب هذه المساواة الضمنية.

ان قلت: لِمَ عبّر عن الانذار في "أنذرتهم" بصورة الماضي؟

قيل لك: لينادي "يا محمد قد جرَّبْتَ" فقس!

ان قلت: لِمَ ذكر (ام لم تنذرهم) مع ان عدم فائدة عدم الانذار ظاهر؟

قيل لك: كما قد ينتج الانذار اصراراً، كذلك قد يجدي السكوت انصاف المخاطب.

ان قلت: لِمَ انذر بالترهيب فقط مع انه بشير نذير؟

قيل لك: اذ الترهيب هو المناسب للكفر، ولان دفع المضار أولى من جلب المنافع وأشد تأثيراً، ولأن الترهيب هنا يهز عِطف الخيال ويوقظه لان يتلقى ويجتني بعد قوله (لايؤمنون) "أبشّرتهم ام لم تبشرهم".

ثم اعلم! كما ان لكل حكمٍ معنى حرفياً ومقصدا خفياً؛ كذلك لهذا الكلام معان طيارة ومقصد سيق له هو تخفيف الزحمة، وتهوين الشدة عن النبي عليه السلام، وتسليته بتأسّيه بالرسل السالفين. اذ خوطب اكثرهم بمثل هذا الخطاب، حتى قال نوح بعده (لا تَذَرْ عَلَى الاَرْضِ مِنَ الْكَافِرينَ دَيَّاراً) 1.. ثم لأن آيات القرآن كالمرايا المتناظرة، وقصص الانبياء كالهالة للقمر تنظر الى حال النبي عليه السلام؛ كان كأن هذا الكلام يقول: هذا قانون فطريّ الهيّ يجب الانقياد له.

_____________________

1 سورة نوح: 26

واعلم بعد هذا التحليل!

ان مجموع هذه الآية الى (ولهم عذاب عظيم) سيقت: مشيرةً بعقودها الى تقبيح الكفر وترذيله، والتنفير منه والنهي الضمني عنه، وتذليل أهله، والتسجيل عليهم، والترهيب عنه، وتهديدهم.. منادية 1 بكلماتها بأن في الكفر مصائب عظيمة، وفوات نِعَم جسيمة، وتولد آلام شديدة، وزوال لذائذ عالية.. مصرحةً بجملها بأن الكفر أخبث الاشياء وأضرها.

اذ أشار بلفظ (كفروا) بدل "لم يؤمنوا" الى انهم بعدم الايمان وقعوا في ظلمة الكفر الذي هو مصيبة تفسد جوهر الروح وايضا هو معدن الآلام.

وبلفظ (لايؤمنون) بدل "لايتركون الكفر" الى انهم مع تلك الخسارة سقط من ايديهم الايمان الذي هو منبع جميع السعادات.

وبلفظ (ختم الله على قلوبهم) الى ان القلب والوجدان - الذي حياته وفرحه وسروره وكمالاته بتجلي الحقائق الالهية بنور الايمان - بعدما كفروا صار كالبناء الموحش الغير المعمور المشحون بالمضرات والحشرات، فاُقْفِل واُمْهِر 2 على بابه ليُجتَنب، وتُرك مفوضاً للعقارب والافاعي.

وبلفظ (وعلى سمعهم) الى فوات نعمة عظيمة سمعية بسبب الكفر؛ اذ السمع من شأنه - اذا استقر خلف صماخه نورُ الايمان واستند اليه - الاحتساس بنداء كل العالم وفهم اذكارها، وسمع صياح الكائنات وتفهم تسبيحاتها.. حتى ان السمعَ ليسمعُ من ترنمات هبوب الريح، ومن نعرات رعد الغيم، ومن نغمات امواج البحر، ومن صرخات دقدقة الحجر، ومن هزجات نزول المطر، ومن سجعات غناء الطير كلاماً ربانياً، ويفهم تسبيحا علويا، كأن الكائنات موسيقية عظيمة له، تهيّج في قلبه حزناً علوياً وعشقاً روحانياً فيحزن بتذكر الأحباب والانيس فيكون الحزن لذة؛ لا بعدم الاحباب فيكون غماً.. واذا اظلم ذلك السمع بالكفر صار اصم من تلك الاصوات اللذيذة، ولايسمع من الكائنات إلا نياحات المأتم ونعيات الموت، فلا يلقي في القلب الا غم اليتمة -اي عدم الاحباب- ووحشة الغربة -اي عدم المالك والمتعهد- فبناء على هذا السر أحل الشرع بعض الاصوات وهو ماهيّج عشقاً علوياً وحزناً عاشقياً، وحرّم بعضها وهو ما انتج اشتهاء نفسياً وحزناً يتمياً، ومالم يُرِكَ الشرع فمَيِّزْه بتأثيره في روحك ووجدانك.

_____________________

1 بالنصب، عطف على قوله: مشيرةً. وكذا مصرحة.

2 اى ختم على بابه. والمهر- بالضم - هو الختم الذى يطبع ويوقع به. والكلمة اعجمية استعملها تفنناً. وله من الحسن مقام(ش)

وبكلمة (وَعلى ابصارهم غشاوة) الى زوال نعمة جسيمة بسبب الكفر؛ اذ البصر من شأنه اذا استضاء نوره واتصل بنور الايمان الساكن خلف شُبيكته ممداً ومحركاً له كان كل الكائنات كجنة مزينة بالزهر والحور، ويصير نور العين نحلا تطير عليها فتجتنى من تلك الازاهير عصارة العبرة والفكرة والانسية والاستيناس والتحبب والتهنئة، فتأخذ حميلتها فتتخذ في الوجدان شهد الكمالات.. واذا أظلم - العياذ بالله - ذلك البصرُ بالكفر طمس، وصارت الدنيا في نظره سجناً، وتسترت عنه الحقائق وتوحشت عليه الكائنات وتلقى الى قلبه آلاماً تحيط بوجدانه من الرأس الى القدم..

وبلفظ (ولهم عذاب عظيم) الى ثمرة شجرة زقوم الكفر في العالم الاخروي من عذاب جهنم ومن نكال الغضب الالهي. هذا.

واما "لايؤمنون" فتأكيد لـ "سواء" ينص على جهة المساواة.

خَتَمَ الله عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى اَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ 7

مقدمة

اعلم! انه لزمنا ان نقف هنا حتى نستمع لما يتكلم به المتكلمون؛ اذ تحت هذه الآية حرب عظيمة بين اهل الاعتزال واهل الجبر واهل السنة والجماعة. ومثل هذه الحرب تستوقف النُظّار. فناسب ان نذكر اساسات لتستفيد منها:

ان مذهب اهل السنة والجماعة هو الصراط المستقيم، وماعداه إما افراط او تفريط.

منها: انه قد تحقق "اَنْ لا مُؤَثِّرَ فِي الْكَوْنِ اِلاّ الله" فإذاً لا تفويض. 1

ومنها: "ان الله حكيم" فلا يكون الثواب والعقاب عبثين فحينئذ لا اضطرار. فكما ان التوحيد يدفع في صدر الاعتزال؛ كذلك التنزيه يضرب على فم الجبر.

ومنها: ان لكل شئ جهتين: جهة مُلكية هي قد تكون حسنة وقد تكون قبيحة تتوارد عليها الاشكال كظهر المرآة. وجهة ملكوتية تنظر الى الخالق. وتلك شفافة في كل شئ كوجه المرآة. فخلقُ القبيح ليس قبيحاً؛ اذ الخلق من جهة الملكوتية حسن، ولان خلقه لتكميل المحاسن فيحسن بالغير. فلا تصغ الى سفسطة الاعتزال!

ومنها: ان الحاصل بالمصدر 2 أمر قارٌ مخلوق جامد لا يشتق منه الصفات 3. واما المصدر فمكسوب نسبيّ اعتباريّ يشتق منه الصفات. فلا يكون خالق القتل قاتلا.. فَذَرْ اهلَ الاعتزالِ في خوضهم يَلْعَبُون!..

ومنها: ان الفعل الظاهريّ في الاغلب نتيجة لافعال متسلسلة منتهية الى ميلان النفس الذي يسمّى "بالجزء الاختياري". فتدور المنازعات على هذا الاساس.

_____________________

1 كما يقول اهل الاعتزال من ان العبد خالق لافعاله (ت: 79).

2 كالألم والموت الحاصلين بالضرب والقتل (ت: 79).

3 اى لا يشتق من الجامد اسم الفاعل كما هو معلوم في علم الصرف (ت: 80).

ومنها: ان الارادة الكلية الالهية ناظرة بعادته تعالى الى الارادة الجزئية للعبد، فلا اضطرار.

ومنها: ان العلم تابع للمعلوم، فلا يتبعه المعلوم حتى يدور. فلا يُتعلل في العمل باحالة مقاييسه على القدر.

ومنها: ان خلق الحاصل بالمصدر متوقف على كسب المصدر بجريان عادة الله تعالى باشتراطه به. والنواة في كسب المصدر والعقدة الحياتية فيه هي الميلان، فبحلّه تنحل عقدة المسألة.

ومنها: ان الترجح بلا مرجح محال دون الترجيح بلا مرجح فلا تُعلّلُ أفعالُه تعالى بالاغراض؛ بل اختياره تعالى هو المرجح.

ومنها: ان الامر الموجود لابد له من مؤثر وإلا لزم الترجح بلا مرجح وهو محال كما مر. واما الامر الاعتباري 1 فتخصصه بلا مخصص لا يلزم منه المحال.

ومنها: ان الموجود يجب ان يجب ثم يوجد 2. واما الامر الاعتباري فالترجح بلا انتهاء الى حد الوجوب كاف فلا يلزم ممكن بلا مؤثر.

ومنها: ان العلم بوجود شئ لايستلزم العلم بماهيته، وعدم العلم بالماهية لايستلزم العدم. فعدم التعبير عن كُنهِ الاختيار لاينافي قطعية وجوده.

واذا تفطنت لهذه الاساسات فاستمع لما يُتلى عليك:

فنحن معاشر اهل السنة والجماعة نقول: يا اهل الاعتزال! ان العبد ليس خالقاً للحاصل بالمصدر كالحاصل من المصدر 3، بل هو مصدر المصدر فقط 4؛ اذ "لا مؤثر في الكون الا الله"، والتوحيد هكذا يقتضي. ثم نقول: يا اهل الجبر! ليس العبد مضطراً بل له جزء اختياري لان الله حكيم. وهكذا يقتضي التنزيه.

فان قلتم: كلما يُشرّح الجزء الاختياري بالتحليل لايظهر منه الا الجبر.

قيل لكم: اولاً: ان الوجدان والفطرة يشهدان ان بين الامر الاختياري والاضطراري امرا خفيا فارقا، وجودُه قطعي. فلا علينا ان لانعبِّر عنه.

_____________________

1 هو الذى لا وجود له الاّ في عقل المعتبر مادام معتبراً (التعريفات).

2 اى لا يأتى الى الوجود شئ مالم يكن وجوده واجباً. فعند تعلق الارادتين الجزئية والكلية في شئ يكون وجود الشئ واجباً، فيوجد حالاً (ت: 80).

3 اى ليس خالقاً للأثر الحاصل بالمصدر، وهو الذى يطلق عليه الكسب (ت: 81).

4 فليس بيد العبد الاّ الكسب (ت: 81).

يتبع إن شاء الله...



السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (05-08) 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأربعاء 05 مايو 2021, 6:19 am عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (05-08) Empty
مُساهمةموضوع: وثانياً: نقول ان الميلان ان كان امراً موجوداً    السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (05-08) Emptyالأحد 16 فبراير 2014, 7:16 am

وثانياً: نقول ان الميلان ان كان امراً موجوداً -كما عليه الاشاعرة - فالتصرف فيه امر اعتباري بيد العبد 1؛ وان كان الميلان امرا اعتباريا -كما عليه الماتريدية - فذلك الامر الاعتباري ثبوته وتخصصه لايستلزم العلة التامة الموجبة 2 فيجوز التخلف 3. فتأمل!

والحاصل: 

ان الحاصل بالمصدر موقوف عادة على 4 المصدر الذي اساسه الميلان الذي هو - او التصرف فيه - ليس موجوداً حتى يلزم 5 من تخصصه مرة هذا ومرة ذاك ممكن بلا مؤثر، او ترجح بلا مرجح.. ولامعدوماً ايضاً حتى لايصلح ان يكون شرطا لخلق الحاصل بالمصدر او سبباً للثواب والعقاب.

ان قلت: العلم الازلي والارادة الازلية ينحيان على الاختيار بالقلع؟ 6

قيل لك: ان العلم بفعلٍ باختيارٍ لاينافي الاختيار 7.. وايضا ان العلم الازلي محيط كالسماء لا مبدأ للسلسلة كرأس زمان الماضي حتى تسند اليه المسببات متغافلا عن الاسباب موهما خروجها.. وايضا ان العلم تابع للمعلوم، أي على أي كيفية يكون المعلوم، كذلك يحيط به العلم، فلا يستند مقاييس المعلوم الى اساسات القدر.. وايضا ان الارادة لاتتعلق بالمسبب فقط مرة وبالسبب مرة اخرى حتى لاتبقى فائدة في الاختيار والسبب؛ بل تتعلق تعلقاً واحداً بالمسبب وبسببه. وعلى هذا السر لو قتل شخص شخصاً بالبندقة مثلا، ثم فرضنا عدم السبب والرمي هل يموت ذلك الشخص في ذلك الآن ام لا؟ فاهل الجبر يقولون: لو لم يُقتل لمات ايضا لتعدد التعلق والانقطاع بين السبب والمسبب.. واهل الاعتزال يقولون: لم يمت، لجواز تخلف المراد عن الارادة عندهم.. واما اهل السنة والجماعة فيقولون: نتوقف ونسكت؛ اذ فرض عدم السبب يستلزم فرض عدم تعلق الارادة والعلم بالمسبب ايضا، اذ التعلق واحد. فهذا الفرض المحال جاز ان يستلزم محالا. فتأمل!

_____________________

1 اى تحويل ذلك الميلان من فعل الى آخر (ت: 81).

2 بحيث لا تبقى الحاجة الى الارادة الكلية (ت: 81).

والعلة التامة: هى جملة ما يتوقف عليه وجود الشئ (التعريفات).

3 اذ كثيراً لا يقع الفعل بوقوع الميلان (ت: 81).

4 على عادة الله الجارية (ت: 81).

5 فيحتاج الى مؤثر (ت: 81).

6 اى يزيلان الاختيار ويقضيان عليه.

7 لان المؤثر هو القدرة وليس العلم الذى هو تابع للمعلوم (ت: 82).

مقدمة اخرى:

اعلم! ان الطبيعيين يقولون: ان للاسباب تأثيراً حقيقياً. . والمجوس يقولون: ان للشر خالقاً آخر.. والمعتزلة يدّعون: ان الحيوان خالق لإفعاله الاختيارية. وأساس هذه الثلاثة مبنية على وهمٍ باطلٍ، وخطأ محض، وتجاوز عن الحد وقياس مع الفارق، خدعهم وشبطهم 1؛ اذ ذهبوا ظناً منهم الى التنزيه فوقعوا في شَرَك الشِرك. 

وان شئت التفصيل فاستمع لمسائل تطرد ذلك الوهم:

منها: انه كما ان استماع الانسان وتكلمه وملاحظته وتفكره جزئية تتعلق بشئ فشئ على سبيل التعاقب؛ كذلك همتُه جزئية لاتشتغل بالاشياء إلا على سبيل التناوب.

ومنها: ان قيمة الانسان بنسبة ماهيته.. وماهيته بدرجة همته.. وهمته بمقدار اهمية المقصد الذي يشتغل به.

ومنها: ان الانسان الى اي شئ توجّه يفنى فيه وينحبس عليه. ومن هذه النقطة ترى الناس - في عرفهم - لايسندون شيئا خسيساً وأمراً جزئيا الى شخص عظيم وذاتٍ عال؛ بل الى الوسائل ظناًً منهم ان الاشتغال بالامر الخسيس لايناسب وقاره، وهو لايتنزل له ولا يسع الامر الحقير همته العظيمة، ولا يوازن الامر الخفيف مع همته العظيمة.

ومنها: ان من شأن الانسان - اذا تفكر في شئ لمحاكمة احواله - ان يتحرى مقاييسه وروابطه واساساته، أولاً في نفسه، ثم في ابناء جنسه.. وان لم يجد ففي جوانبه من الممكنات. حتى ان واجب الوجود الذي لايشبه الممكنات بوجه من الوجوه اذا تفكر فيه الانسان تلجؤه القوة الواهمة لان يجعل هذا الوهم السئ المذكور دستوراً، والقياس الخادع منظاراً له. مع ان الصانع جل جلاله لاينظر اليه من هذه النقطة؛ اذ لا انحصار لقدرته.

_____________________

1 لقد وردت هذه الكلمة مصروفة في عدة مواضع من الكتاب، ولعلها: (شطّ) بمعنى: أفرط وتباعد عن الحق، او (شيّط) من شاط اى: هلك.

ومنها: ان قدرته وعلمه وارادته جل جلاله كضياء الشمس - ولله الْمَثَلُ الاعْلى - شاملة لكل شئ، وعامة لكل امر. فلا تقع في الانحصار ولاتجئ في الموازنة. فكما تتعلق باعظم الاشياء كالعرش؛ تتعلق باصغرها كالجوهر الفرد.. وكما خلق الشمس والقمر؛ كذلك خلق عينَي البرغوث والبعوضة.. وكما اودع نظاماً عالياً في الكائنات؛ كذلك اوقع نظاماً دقيقاً في امعاء الحيوانات (الخردبينية) 1.. وكما ربط الاجرام العلوية والنجوم المعلَّقة بقانونه المسمى بالجاذب العمومي؛ كذلك نظّم الجواهر الفردة بنظير ذلك القانون كأنه مثال مصغر لها. اذ بتداخل العجز تتفاوت مراتب القدرة. فمن امتنع عليه العجزُ تتساوى في قدرته الاشياء، اذ العجز ضد القدرة الذاتية. فتأمل!

ومنها: ان اول ماتتعلق به القدرة ملكوتية الاشياء وهي شفّافة حسنة في الكل كما مر. فكما انه جل جلاله جعل وجه الشمس مجلىً ووجه القمر مستضيئا؛ كذلك صير ملكوتية الليل والغيم حسنة منيرة.

ومنها: ان مقياس عظمته تعالى وميزان كمالاته وواسطة محاكمة اوصافه لايسعها ذهنُ البشر، ولا يمكن له الا بوجه 2، بل انما هو بما يتحصل من جميع مصنوعاته.. وبما يتجلى من مجموع آثاره.. وبما يتلخص من كل افعاله. نعم الذرة تكون مرآةً ولا تكون مقياساً.

واذا تفطنت لهذه المسائل فاعلم! ان الواجب تعالى لايقاس على الممكنات، اذ الفرق من الثرى الى الثريا. ألا ترى اهل الطبيعة والاعتزال والمجوس - بناء على تسلط القوة الواهمة بهذا القياس على عقولهم - كيف التجأوا الى اسناد التأثير الحقيقي الى الاسباب، وخلق الافعال للحيوان، وخلق الشر لغيره تعالى؟ يظنون ويتوهمون ان الله تعالى بعظمته وكبريائه وتنزّهه كيف يتنزل لهذه الامور الخسيسة والاشياء القبيحة؟ فسحقاً لهم! كيف صيروا العقل اسيراً لهذا الوهم الواهي هذا؟.. ياهذا ! هذا الوهم قد يتسلط على المؤمن ايضا من جهة الوسوسة فتجنَّب!.

_____________________

1 اي المجهرية التى لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة.

2 اى لايمكن للانسان ان يستوعب اوصافه الجليلة الاّ بما يتحصل له من مشاهدة مصنوعاته سبحانه وتعالى.

اما تحليل كلمات هذه الآية ونظمها:

فاعلم! ان ربط (ختم) بـ "لايؤمنون" وتعقيبه به نظير ترتب العقاب على العمل. كأنه يقول لما افسدوا الجزء الاختياري ولم يؤمنوا عوقبوا بختم القلب وسدّه. ثم لفظ "الختم" يشير الى استعارة مركبة تومئ الى اسلوب تمثيلي يرمز الى ضربِ مَثَلٍ يصوِّر ضلالتهم؛ اذ المعنى فيه منع نفوذ الحق الى القلب. فالتعبير بالختم يصور القلب بيتاً بناه الله تعالى ليكون خزينة الجواهر، ثم بسوء الاختيار فسد وتعفن وصار ما فيه سموما فاُغلق واُمهر ليُجتنب.

واما (الله) فاعلم! ان فيه التفاتاً من التكلم الى الغيبة. ومع نكتة الالتفات ففي مناسبة لفظ "الله" مع متعلق "لايؤمنون" في النية، أعني لفظ "بالله"، اشارة الى لطافة، هي انه لما جاء نور معرفة الله اليهم فلم يفتحوا باب قلبهم له تولى عنه مغضباً واغلق الباب عليهم.

واما (على) فاعلم! ان فيه - بناء على كون الختم متعدياً بنفسه - اشارة الى تضمين ختم "وسم"، كأنه يقول: جعل الله الختم وسماً وعلامةً على القلب يتوسمه الملائكة.. وفي "على" أيضا ايماء الى ان المسدود الباب العلوي من القلب لا الباب السفلي الناظر الى الدنيا.

واما (قلوبهم) قدّمه على السمع والبصر لانه هو محل الايمان.. ولان اول دلائل الصانع يتجلى من مشاورة القلب مع نفسه، ومراجعة الوجدان الى فطرته، لانه اذا راجع نفسه يحس بعجز شديد يلجؤه الى نقطة استناد، ويرى احتياجاً شديداً لتنمية آماله فيضطر الى نقطة استمداد، ولا استناد ولا استمداد الا بالايمان.. ثم ان المراد بالقلب اللطيفة الربانية التي مظهر حسيّاتها الوجدان، ومعكس افكارها الدماغ، لا الجسم الصنوبري. فاذاً في التعبير بالقلب رمز الى ان اللطيفة الربانية لمعنويات الانسان كالجسم الصنوبري لجسده. فكما ان ذلك الجسم ماكينة حياتية تنشر ماء الحياة لأقطار البدن، واذا انسد وسكن جمد الجسد؛ كذلك تلك اللطيفة تنشر نور الحياة الحقيقية لاقطار الهيئة المجسمة من معنوياته واحواله وآماله. واذا زال نور الايمان - العياذ بالله - صارت ماهيته التي يصارع بها الكائنات كشبحٍ لاحراك به واظلم عليه.

واما وعلى (سمعهم) كرر "على" للاشارة الى استقلال كلٍ بنوع من الدلائل. فالقلب بالدلائل العقلية والوجدانية. والسمع بالدلائل النقلية والخارجية، وللرمز الى ان ختم السمع ليس من جنس ختم القلب.. ثم ان في افراد السمع مع جمع جانبيه ايجازاً ورموزاً الى ان السمع مصدر، لعدم الجفن له.. والى ان المُسمِع فرد.. وان المسموع للكل فرد.. وانه يسمع فرداً فرداً.. ولاشتراك الكل كأن اسماعهم بالاتصال صارت فرداً.. ولاتحاد الجماعة وتشخصها يتخيل لها سمع فرد.. والى اغناء سمع الفرد عن استماع الكل فحق السمع في البلاغة الافراد.. لكن القلوب والابصار مختلفة متعلقاتهما، ومتباينة طرقهما، ومتفاوتة دلائلهما، ومعلمهما على انواع، وملقّنهما على اقسام. فلهذا توسط المفرد بين الجمعين. وعقّب القلب بالسمع لان السمع ابٌ لملكاته، واقرب اليه، ونظيره في تساوي الجهات الست عنده.

واما (وعلى ابصارهم غشاوة) فاعلم! ان في تغيير الاسلوب باختيار الجملة الاسمية اشارة الى ان جنانَ البصر التي يجتني منها دلائله ثابتة دائمة بخلاف حدائق السمع والقلب؛ فانها متجددة.. وفي اسناد الختم الى الله تعالى دون الغشاوة اشارة الى ان الختم جزاء كسبهم، والغشاوة مكسوبة لهم، ورمز الى ان في مبدأ السمع والقلب اختياراً، وفي مبدأ البصر اضطراراً ومحل الاختيار غشاوة التعامي. وفي عنوان الغشاوة اشارة الى ان للعين جهة واحدة. وتنكيرها للتنكير، أي التعامي حجاب غير معروف حتى يُتَحفظ منه.. قدّم (على ابصارهم) ليوجه العيون الى عيونهم اذ العين مرآة سرائر القلب.

وأما (ولهم عذاب عظيم) فاعلم! انه كما اشار بالكلمات السابقة الى حنظلات تلك الشجرة الملعونة الكفرية في الدنيا؛ كذلك اشار بهذه الى حنظلة جانبها الممتد الى الآخرة وهي زقّوم جهنّم..

ثم ان سجية الاسلوب تقتضي (وعليهم عقاب شديد). ففي ابدال "على" باللام و"العقاب" بالعذاب و"الشديد" بالعظيم، مع ان كلا منها يليق بالنعمة رمز الى نوعِ تهكم توبيخيّ تعريضيّ؛ كأنه ينعي بهم: ما منفعتهم، ولا لذتهم، ولا نعمتهم العظيمة الا العقاب؛ نظير (تَحِيَّةُ بَيْنهمْ ضَرْبٌ وَجِيعُ). و(فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ اَلِيمٍ) 1

_____________________

1 سورة آل عمران: 21.

اذ اللام لعاقبة العمل وفائدته. فكأنه يتلو عليهم"خذوا اجرة عملكم".

وفي لفظ "العذاب" رمز خفي الى ان يذكرهم استعذابهم واستلذاذهم بالمعاصي في الدنيا فكأنه يقرأ عليهم "ذوقوا مرارة حلاوتكم".

وفي لفظ الـ "عظيم" اشارة خفية الى تذكيرهم حال صاحب النعمة العظيمة في الجنة فكأنه يلقنهم: انظروا الى ماضيعتم على انفسكم من النعمة العظيمة، وكيف وقعتم في الالم الاليم. ثم ان "عظيم" تأكيد لتنوين "عذاب".

ان قلت: ان معصية الكفر كانت في زمان قليل والجزاء أبديّ غير متناه فكيف ينطبق هذا الجزاء على العدالة الالهية؟ وإنْ سُلِّم، فكيف يوافق الحكمة الأزلية؟ وان سُلِّم، فكيف تساعده المرحمة الربانية؟

قيل لك: مع تسليم عدم تناهي الجزاء، ان الكفر في زمان متناهٍ جناية غير متناهية بست جهات:

منها: ان من مات على الكفر لو بقي أبدا لكان كافراً أبداً لفساد جوهر روحه، فهذا القلب الفاسد استعد لجناية غير متناهية.

ومنها: ان الكفر وان كان في زمان متناه لكنه جناية على غير المتناهي، وتكذيب لغير المتناهي أعني عموم الكائنات التي تشهد على الوحدانية.

ومنها: ان الكفر كفرانٌ لنعمٍ غير متناهية.

ومنها: ان الكفر جناية في مقابلة الغير المتناهي وهو الذات والصفات الالهية.

ومنها: ان وجدان البشر - بسر حديث (لاَ يَسَعُني اَرْضِي وَلا سَمائي) 1 - وان كان في الظاهر والملك محصوراً ومتناهياً لكن ملكوتيته بالحقيقة نشرت ومدت عروقها الى الأبد. فهو من هذه الجهة كغير المتناهي وبالكفر تلوث واضمحل.

_____________________

1 الحديث (ما وسعني سمائي ولا ارضي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن). ذكره في الاحياء بلفظ مقارب. قال العراقي في تخريجه: لم ار له أصلاً (كشف الخفاء للعجلوني 2/195 باختصار). وقال السيوطي في الدرر المنتثرة: قلت اخرج الامام احمد في الزهد عن وهب بن منبه: ان الله فتح السموات لحزقيل حتى نظر الى العرش فقال حزقيل: سبحانك ما اعظمك يارب! فقال الله: ان السموات والارض ضعفن ان يسعنني ووسعني قلب المؤمن الوادع اللين» اهـ . قال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الحديثية: وذكرُ جماعةٍ له من الصوفية لا يريدون حقيقة ظاهره من الاتحاد والحلول لأن كلاً منهما كفر، وصالحو الصوفية اعرف الناس بالله وما يجب له وما يستحيل عليه، وانما يريدون بذلك ان قلب المؤمن يسع الايمان بالله ومحبته ومعرفته. ا هـ.

ومنها: ان الضد وان كان معانداً لضده لكنه مماثل له في أكثر الأحكام. فكما ان الايمان يثمر اللذائذ الأبدية، كذلك من شأن الكفر ان يتولد منه الآلام الأبدية.

فمن مزج هذه الجهات الست يستنتج ان الجزاء الغير المتناهي انما هو في مقابلة الجناية الغير المتناهية وما هو إلاّ عين العدالة.

ان قلت: طابق العدالة 1 لكن اين الحكمة الغنية عن وجود الشرور المنتجة للعذاب؟

قيل لك: كما قد سمعت مرة أخرى انه لايُترك الخير الكثير لتخلل الشر القليل لأنه شر كثير. اذ لما اقتضت الحكمة الالهية تظاهر ثبوت الحقائق النسبية التي هي أزيد بدرجات من الحقائق الحقيقية - ولا يمكن هذا التظاهر الا بوجود الشر؛ ولا يمكن توقيف الشر على حدّه ومنع طغيانه الا بالترهيب؛ ولا يمكن تأثير الترهيب حقيقة في الوجدان الا بتصديق الترهيب وتحقيقه بوجود عذاب خارجي؛ اذ الوجدان لا يتأثر حق التأثر -كالعقل والوهم - بالترهيب الا بعد ان يتحدس بالحقيقة الخارجية الأبدية بتفاريق الامارات - فمن عين الحكمة بعد التخويف من النار في الدنيا وجود النار في الآخرة.

ان قلت: قد وافق الحكمة فما جهة المرحمة فيه؟

قلت: لا يتصور في حقهم إلاّ العدم أو الوجود في العذاب، والوجود - ولو في جهنم - مرحمةٌ وخيرٌ بالنسبة الى العدم إن تأملت في وجدانك؛ اذ العدم شر محض، حتى ان العدم مرجع كل المصائب والمعاصي ان تفكرت في تحليلها. واما الوجود فخير محض فليكن في جهنم.. وكذا ان من شأن فطرة الروح - اذا علم ان العذاب جزاء مزيل لجنايته وعصيانه - ان يرضى به لتخفيف حمل خجالة الجناية ويقول: هو حق، وانا مستحق. بل حباً للعدالة قد يلتذ معنى! وكم من صاحب ناموس في الدنيا يشتاق الى اجراء الحد على نفسه ليزول عنه حجاب خجالة الجناية. وكذا ان الدخول وان كان الى خلود دائم وجهنم بيتهم أبدا، لكن بعد مرور جزاء العمل دون الاستحقاق يحصل لهم نوع اُلفة وتطبّع مع تخفيفات كثيرة مكافأةً لأعمالهم الخيرية. اشارت اليها الأحاديث. فهذا مرحمة لهم مع عدم لياقتهم.

_____________________

1 اى ان الجزاء الابدى للكافر طابق العدالة.

وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ امَنَّا بِالله وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤمِنِينَ 8

وجه النظم:

انه كما يُعطف المفرد على المفرد للاشتراك في الحكم، والجملة على الجملة للاتحاد في المقصد؛ كذلك قد تُعطف القصة على القصة للتناسب في الغرض. ومن الأخير عطف قصة المنافقين على الكافرين. أي عطف ملخص اثنتي عشرة آية على مآل آيتين؛ اذ لما افتتح التنزيل بثناء ذلك الكتاب فاستتبع ثمرات ثنائه من مدح المؤمنين، فاستردف ذم اضدادهم بسر "انما تعرف الأشياء باضدادها" ولتتم حكمة الارشاد، ناسَبَ تعقيب المنافقين تكميلا للاقسام.

ان قلت: لِمَ أوجز في حق الكافرين كفراً محضاً بآيتين واطنب في النفاق باثنتي عشرة آية؟

قيل لك: لنكات؛

منها: ان العدوّ اذا لم يُعْرَف كان اضرَّ. واذا كان مخنساً كان أخبث. واذا كان كذاباً كان أشد فساداً. واذا كان داخلياً كان أعظم ضرراً؛ اذ الداخلي يفتت الصلابة ويشتِّت القوة بخلاف الخارجي فانه يتسبب لتشدد الصلابة العصبية. فأسفاً! ان جناية النفاق على الاسلام عظيمة جداً. وما هذه المشوشية 1 الاّ منه. ولهذا أكثر القرآن من التشنيع عليهم.

ومنها: ان المنافق لاختلاطه بالمؤمنين يستأنس شيئاً فشيئاً، ويألف بالايمان قليلا قليلا، ويستعد لأن يتنفر عن حال نفسه بسبب تقبيح أعماله وتشنيع حركاته؛ فتتقطر كلمة التوحيد من لسانه الى قلبه.

ومنها: ان المنافق يزيد على الكفر جناياتٍ اُخَر كالاستهزاء والخداع والتدليس والحيلة والكذب والرياء.

_____________________

1 شوّش الامر: خلطه، صيّره مضطرباً.

ومنها: ان المنافق في الأغلب يكون من أهل الكتاب ومن أهل الجربزة الوهمية فيكون حيّالا دسّاساً ذا ذكاء شيطانيّ، فالاطناب في حقه أعرق في البلاغة.

أما تحليل كلمات هذه الآية، فاعلم! ان (مِن الناس) خبر مقدم لـ (مَن) على وجه.

ان قلت: كون المنافق انسانا بديهيٌّ....؟

قيل لك: اذا كان الحكم بديهياً يكون الغرض واحداً من لوازمه وهنا هو التعجيب. كأنه يقول كون المنافق الرذيل انساناً عجيب؛ اذ الانسان مكرّم، ليس من شأنه ان يتنزل الى هذه الدركة من الخسة.

ان قلت: فَلِمَ قدّم؟

قيل لك: من شأن انشاء التعجب الصدارة وليتمركز النظر على صفة المبتدأ التي هي مناط الغرض وإلا لانتظر ومرّ الى الخبر.

ثم ان عنوان (الناس) يترشح منه لطائف:

منها: انه لم يفضحهم بالتعيين، بل سترهم تحت عنوان "الناس" إيماءً الى ان سترهم وعدم كشف الحجاب عن وجوههم القبيحة أنسب بسياسة النبيّ عليه السلام؛ اذ لو فضحهم بالتشخيص لتوسوس المؤمنون؛ اذ لايُؤْمَن من دسائس النفس. والوسوسة تنجر الى الخوف والخوف الى الرياء والرياء الى النفاق.. ولأنه لو شنّعهم بالتعيين لقيل ان النبي عليهِ السلام متردد لايثق باتباعه.. ولان بعضا من الفساد لو بقي تحت الحجاب لانطفأ شيئاً فشيئاً واجتهد صاحبُه في اخفائه ولو رُفع الحجاب - فبناءً على ما قيل "اِذا لمْ تسْتَحِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ" 1 - لَيقول فليكن ما كان، ويأخذ في النشر ولا يبالي.

ومنها: ان التعبير بـ (الناس) يشير الى انه مع قطع النظر عن سائر الصفات المنافية للنفاق فأعمّ الصفات أعني: الانسانية أيضاً منافية له؛ اذ الانسان مكرم ليس من شأنه هذه الرَذالة.

_____________________

1 هذا المثل اصله حديث نبوى رواه البخارى عن ابى مسعود عقبة بن عمرو الانصارى رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان مما ادرك الناسُ من كلام النبوة الاولى: اذا لم تستح فاصنع ما شئت).

ومنها: انه رمز الى ان النفاق لا يختص بطائفة ولا طبقة بل يوجد في نوع الانسان أية طائفة كانت.

ومنها: انه يُلَوِّح بان النفاق يخلّ بحيثية كل من كان انساناً فلابد ان يتحرك غضب الكل عليه، ويتوجه الكل الى تحديده، لئلا ينتشر ذلك السمّ؛ كما يخلّ بناموس طائفة ويهيِّج غضبهم شناعةُ فرد منهم.

وأما (مَن يقول آمنا)

فان قلت: لِمَ افرد "يقول" وجمع "آمنا" مع ان المرجع واحد؟

قيل لك: فيه اشارة الى لطافة ظريفة هي:

اظهار ان المتكلم مع الغير متكلم وحده فـ "يقول": للتلفظ وحده و"آمنا" لأنه مع الغير في الحكم.. ثم ان هذا حكاية عن دعواهم ففي صورة الحكاية اشارة الى رد المحكيّ بوجهين، كما ان في المحكيّ اشارة الى قوته بجهتين؛ اذ "يقول" يرمز بمادته الى ان قولهم ليس عن اعتقاد وفعل، بل يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم.. وبصيغته يومئ الى ان سبب استمرار مدافعتهم وادعائهم مراآة الناس لامحرك وجداني.. وفي الدعوى ايماء منهم بصيغة الماضي الى: "إنّا معاشر أهل الكتاب قد آمنا قبل فكيف لانؤمن الآن".. وفي لفظ "نا" رمز منهم الى: "انّا جماعة متحزبون لسنا كفرد يَكذِب أو يُكذَّب".

وأما (بالله وباليوم الآخر) فاعلم! ان للتنزيل ان يأخذ المحكيّ بعينه، أو يتصرف فيه بأخذ مآله، أو تلخيص عبارته: فعلى الأول ذكروا الأول والآخر من أركان الايمان اظهاراً للقوي، ولما هو أقرب لأن يُقبَل منهم، وأشاروا الى سلسلة الأركان بتكرار الباء مع القرب. وعلى الثاني بأن يكون كلامه تعالى؛ ففي ذكر القطبين فقط اشارة الى ان أقوى ما يدّعونه أيضاً ليس بايمان؛ اذ ليس ايمانهم بهما على وجههما. وكرر الباء للتفاوت؛ اذ الايمان بالله ايمان بوجوده ووحدته، وباليوم الآخر بحقيته ومجيئه كما مرّ.

واما (وما هم بمؤمنين)

فان قلت: لِمَ لم يقل "وما امنوا" الأشبه بـ "آمنا"؟

قيل لك: لئلا يُتوهم التناقض صورة 1، ولئلا يرجع التكذيب الى نفس "آمنا" الظاهر انشائيته المانعة من التكذيب. بل ليرجع النفي والتكذيب الى الجملة الضمنية المستفادة من "آمنا"، وهي "فنحن مؤمنون".. وأيضا ليدل باسمية الجملة على دوام نفي الايمان عنهم.

ان قلت: لِمَ لا يدل على نفي الدوام مع ان "ما" مقدم؟

قيل لك: ان النفي معنى الحرف الكثيف، والدوام معنى الهيئة الخفيفة، فالنفي أغمس وأقرب الى الحكم.

ان قلت: ما نكتة 2 الباء على خبر ما؟

قيل لك: ليدل على انهم ليسوا ذواتاً أهلاً للايمان وإن آمنوا صورة، اذ فرقٌ بين "ما زيد سخيا" و"ما زيد بسخي"؛ اذ الأول: لهوائية الذات، معناه: زيد لا يسخو بالفعل وان كان أهلا ومن نوع الكرماء. 

وأما الثاني: فمعناه زيد ليس بذاتٍ قابل للسماحة وليس من نوع الأسخياء وإن أحسن بالفعل.

_____________________

1 اي بين "آمنا" التى جاءت في الآية، وبين "وما آمنوا" المذكورة في السؤال.

2 نكتة في غاية الدقة (المؤلف).



السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (05-08) 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (05-08)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (01-04)
» السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (09-13)
» السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (14-16)
» السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (17-18)
» السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (19-20)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: إشارات الإعجاز-
انتقل الى: