منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 الباب الثامن: الآداب المكتوبة بالعبرية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

الباب الثامن: الآداب المكتوبة بالعبرية  Empty
مُساهمةموضوع: الباب الثامن: الآداب المكتوبة بالعبرية    الباب الثامن: الآداب المكتوبة بالعبرية  Emptyالإثنين 09 ديسمبر 2013, 11:08 pm

الباب الثامن: الآداب المكتوبة بالعبرية 


أدب عـبري وأدب مكتوب بالعبرية 
Hebrew Literature and Literature Written in Hebrew 


تُستخدَم أحياناً عبارة «الأدب العبري» للإشارة إلى الأعمال الأدبية المكتوبة بالعبرية. وهو اصطلاح عام مقدرته التفسيرية والتصنيفية ضعيفة للغاية، فهو يشير إلى الانتماء اللغوي للعمل الأدبي وحسب ولا يغطي الانتماء الحضاري أو القومي. فتشرنحوفسكي ويهودا اللاوي كلاهما كتب بالعبرية، غير أن الأول ينتمي إلى التقاليد الأدبية الروسية الرومانتيكية، بينما ينتـمي الثاني إلى التراث الأدبـي العـربي في الأندلس، أي أن القاسم المشترك بينهما ليس سوى اللغة وحسب. بل إن العبرية التي استخدمها كلٌّ منهما متأثرة بالمحيط الحضاري، ومن ثم فإن أياً منهما لم يكتب «أدباً عبرياً» وإنما عبَّر عن نفسه ورؤيته من خلال «أدب مكتوب بالعبرية». وحيث إن هذه الآداب تتنوع بتنوع التقاليد الحضارية والأدبية واللغوية فنحن نتحدث عن «الآداب المكتوبة بالعبرية». أما «الأدب الإسـرائيلي» فهو الأدب المكتـوب بالعـبرية في إسرائيل بعد عام 1960، ونشير له أحياناً بأنه «الأدب العبري الحديث». 


وقد اعتبرنا أن عام 1960 نقطة فاصلة ظهر بعدها الأدب العبري في إسرائيل (فكل من مات بعد هذا التاريخ من أدباء العبرية صُنِّف على أنه «أديب إسرائيلي»)، وهو اختيار فيه شيء من التعسف كما هو الحال في مثل هذه الأحوال. ومع هذا، يمكننا القول بأن الآداب المكتوبة بالعبرية، والتي كُتبت قبل ذلك التاريخ لم تكن متأثرة بالتقاليد الأدبية المختلفة التي وجد فيها الأدباء وحسب، وإنما هي صادرة عنها. ولا يمكن إطلاق مصطلح «أدب إسرائيلي» على تشرنحوفسكي لمجرد أنه هاجر إلى فلسطين، فالإنسان لا يغيِّر وعيه أو وجدانه أو طريقة إبداعه بمجرد انتقاله من مكان إلى آخر، خصوصاً إذا كانت قد تقدمت به السن وتشكلت رؤيته وتحددت أدواته الأدبية. أما في الستينيات، فرغم أن الأدب العبري كان لا يزال متأثراً بالتقاليد الأدبية الغربية (الحداثة وما بعد الحداثة)، والتي يُقال لها «عالمية»)، فإنه كان لا يختلف في ذلك كثيراً عن كثير من الآداب القومية التي تحاول الوصول إلى ما يُسمَّى «العالمية»، كما أنه بدأت تظهر له شخصية مستقلة، وأصبح يعبِّر عن آمال وآلام جيل الصابرا وتجربتهم التاريخية مع الاستيطان. وهو كذلك يعالج مشاكل الاستيطان الإسرائيلي بواقعه ومكوناته التي تشتمل أيضاً على ما هو غير يهودي وغير صهيوني. 


ومع هذا، يمكن القول بأن عبارة «الأدب المكتوب بالعبرية» غير مرادفة تماماً لعبارة «الأدب لإسرائيلي» إذ ليس كل الأدب الإسرائيلي مكتوباً بالعبرية، فلا نعدم أن نجد من يكتب بغير العبرية مثل الكاتبة يئيل ديان التي تكتب بالإنجليزية (ولكنها تمثل الاستثناء وليس القاعدة )، وهناك أدباء عرب يكتبون بالعبرية مثل أنطون شماس صاحب رواية أرابيسك (1986) التي كتبها بعبرية أدهشت النقاد الإسرائيليين. وكان شماس قد كتب ونشر قصائد بالعربية والعبرية في السبعينيات، وفي الفترة نفسها تقريباً بدأت سهام داود، وهي كاتبة وصحفية عربية من حيفا، تكتب الشعر بالعبرية أيضاً. وفي عام 1992 كتب الشاعر الفلسطيني توفيق زياد،عضو الكنيست الإسرائيلي، قصيدة هجا بها ليون زئيفي، أحد ممثلي أقصى اليمين الصهيوني في الحكومة الإسرائيلية. وكانت القصيدة على وزن المقامة، وهي لون شعري عبري كان يُقال على غرار المقامة العربية. ويعكف الشاعر الفلسطيني العربي نعيم عرايدي على كتابة رواية بالعبرية، وهو الذي عُرف بوصفه شاعراً وكاتباً عربياً في إسرائيل. وهناك محاولات ترمي إلى إدخال هذه الكتابات العربية التي كتبها فلسطينيون عرب من مواطني إسرائيل في تصنيف «الأدب الإسرائيلي»، وهو أمر يصعب قبوله. وربما قد يكون من الأفضل الإشارة لكتابة هؤلاء باعتبارها «أدب عربي مكتوب بالعبرية». 


الأدب الإسـرائيلي 
Isreali Literature 


«الأدب الإسرائيلي» عبارة تُستخدَم للإشارة إلى «الأدب المكتوب بالعبرية في فلسطين المحتلة منذ عام 1960» وهي عبارة مرادفة تقريباً لعبارة «الأدب العبري الحديث». 


الآداب المكتــوبة بالعــبرية حـتى العـصر الحـديث 
Literature Written in Hebrew up to the Present 


تُعتبَر أسفار موسى الخمسة أقدم النماذج الأدبية العبرية التي يدل أسلوبها وبناؤها على تأثرها بالتشكيلات الحضارية المجاورة: البابلية والكنعانية والمصرية... إلخ، وجاء بعدها من الناحية التاريخية كتب الحكمة مثل سفر الأمثال وأيوب وسفر الجامعة، والأشعار الدينية مثل المزامير والمراثي،وأشعار الحب والغزل مثل نشيد الأنشاد.ويرى بعض نقاد العهد القديم أن كتب الأنبياء ذاتها، رغم توجُّهها الديني والسياسي الواضح،أعمال أدبية يتسم أسلوبها بالجمال. أما الكتب الدينية التي ظهرت بعد ذلك فمعظمها مكتوب بالعبرية المشوبة بالآرامية، وما كُتب منها بالعبرية ليس ذا قيمة أدبية كبيرة. ويمكن الإشارة إلى بعض الكتب الخفية (أبوكريفا) والفتاوى الدينية وقصائد البيوط، وبعض الكتب الدينية مثل الشولحان عاروخ وكتب القبَّالاه، باعتبارها أعمالاً دينية لا تخلو من القيمة الأدبية، خصوصاً كتب القبَّالاه التي طوَّر كُتَّابها نسقاً رمزياً مركباً يدل على خيال خصب. 


ولكن الكتابات السابقة تظل نصوصاً غير أدبية تُوظِّف القيم الجمالية والأدبية من أجل هدف غير أدبي: ديني أو فلسفي أو تأمُّلي. غير أنه ظهر أدب مكتوب بالعبرية بين يهود العالم العربي والعالم الإسلامي، وكانت أهم مراكزه في الأندلس. ولما كان الشعر الغنائي هو أهم الأغراض الأدبية عند العرب، فقد انعكس هذا على الجماعة اليهودية. فظهر شعر غنائي عبري متأثر في أخيلته وعروضه بالشعر العربي.ووصل هذا الشعر إلى ذروته في الفترة بين القرنين الحادي عشر والثاني عشر.ومن أهم شعراء العبرية في الحضارة الإسلامية،سليمان بن جبيرول ويهودا اللاوي (هاليفي) وموسى بن عزرا المعروف عند العرب باسم «أبو أيوب سليمان بن يحيى بن جبيرول».ومما يجدر ذكره أن أغراض الشعر المكتوب بالعبرية داخل الحضارة العربية لم تكن دينية وإنما كانت دينية ودنيوية، فكانت تضم غزليات وخمريات وفخراً ووصفاً للطبيعة. وقد ظهرت أنواع أدبية أخرى بين يهود الحضارة العربية الإسلامية مثل المقامات والمقالات، ولكن الشعر الغنائي يظل النوع الأدبي الأساسي. وقد ظهر في إيطاليا شعر غنائي مكتوب بالعبرية إبان عصر النهضة. وكان عمانوئيل بن سولومون (عمانوئيل الرومي) هو أهم شاعر غنائي، فكتب سوناتات وقصائد هجائية، كما أن قصيدته «جهنم والجنة» متأثرة بقصيدة دانتي الكوميديا الإلهية. 


سـليمان بــن جــبيرول (1021-1056) 
Solomon Ibn Gabirol 


شاعر وفيلسوف عربي يهودي كتب بعض الأعمال بالعبرية. عاش في إسبانيا الإسلامية (الأندلس)، وعُرف عند العرب باسم أبي أيوب سليمان بن يحيي بن جبيرول. وُلد في ملقا، وكان قبيحاً معتل الجسم. نزح إلى سرقسطة حيث تعرَّف إلى رئيس الجماعة اليهودية في المدينة الذي قُتل عام 1039. ثم اتجه ابن جبيرول إلى غرناطة ملتجئاً إلى ابن نغريلة وانضم إلى حاشيته. ويُقال إنه مات في ظروف مشابهة لموت يهودا اللاوي. وربما يدل هذا على الجانب الأسطوري في القصة التي تذهب إلى أن عربياً قد قتله. 


نَظَم عدة قصائد عبرية على نظام الموشحات، كما نظم قصيدة تتناول النحو العبري على غرار ألفية بن مالك، وكتب المدائح في أولياء نعمته. وتعالج قصائده الدنيوية موضوعات مثل الحب والخمريات ووصف الطبيعة والشكوى من الزمان والعالم. أما قصائده الدينية، فتعالج الموضوعات اليهودية التقليدية مثل البكاء من أجل صهيون. كتب ابن جبيرول بعض الأعمال الفلسفية بالعربية كعادة المفكرين العرب من اليهود، ثم تُرجمت هذه الأعمال إلى العبرية فيما بعد ومنها إلى اللاتينية حيث تركت أثراً في الفكر المسيحي. ومن أهم مؤلفاته كتاب ينبوع الحياة الذي يبيِّن أثر الأفلاطونية المحدثة عليه. وتتميَّز مؤلفاته بأنها خالية من الإشارة إلى اليهودية والعهد القديم، كما أنها تتناول موضوعات فلسفية ذات صبغة إنسانية في العادة. ولذا، كان البعض يتصور أن مؤلفاته من وضع كُتَّاب مسلمين. وقد اشترك بياليك في جمع أشعاره ونشرها عام 1924. 


الآداب المكتوبة بالعبرية منذ بداية العصر الحديث حتى عام 1960 
Literature Written in Hebrew from the Beginning of Modern Times to1960 


يرى بعض مؤرخي الآداب المكتوبة بالعبرية أن نقطة بداية هذه الآداب في العصر الحديث هو عام 1743، باعتباره العام الذي نشر فيه لوتساتو قصيدة مدح المستقيمين. ولكن هناك من يذهب إلى أن البداية الحقيقية إنما كانت في ألمانيا على يد نفتالي هيرتس فيزلي. ومهما يكن الأمر، فإن ما أُنتج من أعمال أدبية مكتوبة بالعبرية منذ عصر النهضة حتى أواخر القرن الثامن عشر لم يكن من الأهمية بمكان، وهو ما يجعل الإشكالية غير ذات موضوع. وفي تصوُّرنا أن تاريخ هذا الأدب يمتد حتى عام 1960 وهو العام الذي تبلوَّر فيه الأدب العبري الحديث،أو الأدب الإسرائيلي، وهو الأدب المكتوب بالعبرية والذي يعبِّر عن تجربة المستوطنين الصهاينة في فلسـطين وبخاصـة أبناؤهـم ممن وُلدوا ونـشأوا في فلسـطين. 


ومنذ عصر النهضة في الغرب كانت الأعمال الأدبية المكتوبة بالعبرية، في الأساس، تقليداً واضحاً وصريحاً للأعمال الأدبية الأوربية التي كان يتفاعل معها الأدباء الذين يكتبون بالعبرية في الغرب، وهو أمر مفهوم تماماً، فقد كانوا يعيشون في كنف الحضارة الغربية وكانت أول لغة يتعلمونها هي لغة البلد الذي يعيشون فيه. ومع غياب أية تقاليد أدبية راسخة، أو أعمال أدبية كبرى بالعبرية، كان لابد أن يتوجه هؤلاء الأدباء من أعضاء الجماعات اليهودية نحو الأعمال الأدبية المتاحة لهم باللغة التي يعرفونها. ولذا، جاءت أغلب الأعمال الأدبية المكتوبة بالعبرية إما مُترجَمة عن أصل أوربي أو مُقلِّدة له دون إبداع، متأثرةً في الشكل والمضمون بعمل أدبي غربي ما. وفي أغلب الأحيان، جاءت الترجمات أبعد ما تكون عن الأصل، هذا على عكس ما يحاول النقاد الصهاينة إثباته حيث يذكرون أن ما يسمونه «الأدب العبري» جاء نتيجة حركيات داخلية وتطوُّر طبيعي حدث بين أعضاء الجماعات اليهودية. ولكن التغيُّر في مجال الأدب لا يختلف عن التغيُّر في المجالات الأخرى، فالتحولات الضخمة التي طرأت على إيطاليا في عصر النهضة هي التي صاغت حياة كل أعضاء المجتمع بما في ذلك أعضاء الجماعات اليهودية باعتبارهم جزءاً منه. وقد تركت الثورة الفرنسية والثورة الصناعية أعمق الأثر في الجماعـات اليهودية داخل أوربا ثم خارجها. 


نشأت الآداب المكتوبة بالعبرية في العصر الحديث من خلال تصاعد معدلات العلمنة في المجتمعات الغربية، إذ أدَّى هذا إلى أن الأدباء الذين يكتبون بالعبرية بدأوا يُسقطون الحديث عن القيم المطلقة في الفكر الديني اليهودي. بل إنهم تناولوا الموروث الديني من منظور لاديني، فمنهم من رفضه تماماً، ومنهم من حوَّله إلى مادة بحث وأعاد النظر فيه، ومنهم من اعتبره تراثاً شعبياً قومياً. ولذا نجد أن السمة الأساسية للآداب المكتوبة بالعبرية في العصر الحديث والتي تُميِّزها عما سبقها من آداب مكتوبة بالعبرية هي توجُّهها نحو الموضوعات الدنيوية وابتعادها عن الموضوعات الدينية (على الأقل داخل التشكيل الحضاري الغربي). 


وظهرت في الآداب المكتوب بالعبرية الموضوعات الأساسية المتواترة في الآداب الغربية مثل العودة للطبيعة والبحث عن الذات والاغتراب عنها، وإن كانت هذه الموضوعات قد اكتسبت أحياناً بُعداً خاصاً في الآداب المكتوب بالعبرية، نظراً للتجربة الخاصة لأدباء العبرية باعتبارهم أعضاء في أقليات تواجه مشاكل خاصة لا يواجهها أديب من أعضاء الأغلبية. وعلى سبيل المثال، فإن الأديب الذي يكتب بالعبرية حين يحاول، بتوجُّهه العلماني، التمرد على التراث الديني اليهودي، شأنه في هذا شأن كثير من الأدباء الغـربيين، ويقرر العـودة إلى تراثه، فإنه يعود لهذا التراث الذي رفضه. ومن هنا ظهرت ازدواجية القبول والرفض. 


وبإمكان الدارس أن يعثر لدى الأديب الواحد على أعمال ترفض التراث وتهاجمه بحدة وعلى أعمال أخرى تمجده، الأمر الذي يدفعنا إلى القول بأن الآداب الحديثة المكتوبة بالعبرية وُلدت فاقدة الاتجاه. ومن هذا المنظور، يمكن أن نفهم يهودا ليف جوردون في محاربته اليهودية الحاخامية في الوقت نفسه الذي تحدث فيه عن داود وبرزيلاي. وكذلك مابو الرومانسي الذي كتب رواية محبة صهيون في الوقت نفسه الذي كَتَب فيه المنافق . ومن الطبيعي أيضاً أن يتحوَّل موشيه ليلينبلوم داعية التنوير إلى صهيوني رومانسي في مرحلة تالية. وحينما ظهر الفكر الصهيوني، حاول آحاد هعام أن يعثُر على صيغة للتوفيق بين النزعتين الدينية والمعادية للدين، فقال: إن الأدب العبري في العصر الحديث هو صورة علمانية للتقاليد القديمة. وفي محاولة تبرير هذه الازدواجية الدينية/اللادينية، في الآداب المكتوبة بالعبرية، حاول النقاد تفسير استلهام التراث على أنه أساساً عملية أدبية حوَّلت التراث نفسه إلى مادة أدبية. فالأصل الإنساني لهذه المادة هو الذي أثار الاهتمام الأدبي لدى أدباء العبرية وليس القداسة الإلهية فيها. 


ومما يؤكد أن ما نتحدث عنه هو «آداب مكتوبة بالعبرية» لا «أدب عبري واحد» أن المراكز التي ظهر فيها هذا الأدب متعددة (بل ونجده متعدد المراكز داخل الدولة الواحدة)، فلقد ظهر في وقت واحد في كلٍّ من إيطاليا حيث تأثر بالأدب الإيطالي، وألمانيا حيث تأثر بأدب التنوير وأعمال شيلر وجوته، وفي روسيا حيث تأثر بالأدب الفرنسي والأدب الألماني وبالأدب الروسي في مرحلة لاحقة. ولا يمكن فَهْم الآداب المكتوبة بالعبرية إلا بالعودة للتقاليد الحضارية والأدبية المختلفة التي وُلد من رحمها هذا الأدب والتي تفاعل معها الأدباء الذين يكتبون بالعبرية. 


ويمكن أن نشير إلى ثلاثة مصادر رئيسية للتأثير في الآداب المكتوبة بالعبرية في العصر الحديث، وهي: الأدب الروسي في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وأدب غرب أوربا في بداية القرن العشرين، والأدب الأنجلو ساكسوني الذي أثر أساساً في أدباء العبرية الذين أقاموا في الولايات المتحدة وعلى الأدباء الشبان بعد ذلك في إسرائيل. ومما عمَّق أثر الآداب الأوربية على الآداب المكتوبة بالعبرية أنه، منذ ثمانينيات القرن الماضي، تُرجمت إلى العبرية العديد من أعمال الأدباء الأوربيين، وقام على هذه الترجمات عدد من كبار أدباء العبرية، مثل: فريشمان وبياليك وبرينر وعجنون وجنسين وبارون، وغيرهم. وفي جيل أبراهام شلونسكي وناثان ألترمان وليئة جولدبرج، تحوَّل أسـلوب الترجمة إلى مصـدر تأثير في الأسـلوب النثـري في العبرية. 


ويمكن أن نقسم مراحل الآداب المكتوبة بالعبرية في العصر الحديث إلى فترات تاريخية على النحو التالي: 


1 ـ الآداب المكتوبة بالعبرية في القرن التاسع عشر (التنوير وإرهاصات الفكر الصهيوني). 
2 ـ الآداب المكتوبة بالعبرية في النصف الأول من القرن العشرين (تبنِّي المُثُل الصهيونية). 
3 ـ المرحلة الفلسطينية.

وسنضيف إلى جانب التقسيم التاريخي تقسيماً جغرافياً. فالجماعات اليهودية عاشت خلال هذه الفترات في أماكن متعددة من أوربا، وخضعت هناك لمتغيرات بيئية جعلت التباين بينها واضحاً من حيث الأنماط السلوكية والحياة الفكرية التي تركت آثاراً واضحة في الإنتاج الأدبي المدوَّن في هذه الفترة. 


1 ـ الآداب المكتوبة بالعبرية في القرن التاسع عشر: 


لا يمكن أن نفهم بداية الآداب الحديثة المكتوبة بالعبرية بمعزل عن المتغيرات التي تعرضت لها أوربا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر. فحينما انتشر فكر الاستنارة في أرجاء أوربا، انعكس ذلك في حركة تنوير بين أعضاء الجماعات اليهودية حيث انتشرت بينهم بسرعة في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، مُثُل حركة الاستنارة، وتبلورت بوضوح إبان القرن التاسع عشر. 


أ) غرب أوربا: 


ظهر في إيطاليا، معقل النهضة الأوربية، الأديب اليهودي موشيه حاييم لوتساتو الذي دفع الآداب المكتوب بالعبرية نحو الموضوعات العلمانية. ولم يكن لوتساتو الوحيد الذي بَرَز من الشعراء اليهود في ذلك الوقت. فقد برز معه أيضاً شعراء أمثال شبتاي حاييم ماريني الذي ترجم التناسخ عن أبوديوس، ويسرائيل بنيامين باسان الذي ترجم العديد من القصائد الإيطالية إلى العبرية، وغيرهما كثير. ولكن لوتساتو كان يتميَّز عنهم بجمال أسلوبه وبتملُّكه ناصية الشعر وبسعة الخيال، الأمر الذي مكَّنه من طَرْق موضوعات جمالية اعتُبرت في ذلك الوقت جديدة على الأدب وخرقاً للتقاليد الدينية اليهودية. وإذا كان موسى مندلسون هو الذي وضع الإطار الفكري لحركة الاستنارة، فإن نفتالي هيرتس فيزلي هو أديب التنوير في ألمانيا والذي وسَّع قاعدته بين أعضاء الجماعات اليهودية وأرسى أُسُس فن المقال في الآداب المكتوبة بالعبرية، كما كتب العديد من القصائد. وعموماً، فإننا نلاحظ أن كثيراً من أعمال أدب التنوير في ألمانيا قد تناولت القصة الدينية، كما يُلاحَظ تكرار استخدام شخصيات موسى وداود وشمشون وشاؤول. وكتب العديد من الأدباء مسرحيات ذات موضوعات توراتية أو مستوحاه من التراث الديني. 


وتُعتبَر حركة التنوير في النمسا فرعاً من فروع حركة التنوير في ألمانيا. وقد سار أدباء النمسا على نفس النهج الذي سار عليه أدباء برلين من استخدام الصورة الشعرية الحديثة واستلهام التراث في أعمالهم. ومن أشهر أدباء التنوير في النمسا، نفتالي هيرتس هومبرج ومناحيم مندل ليفين وشلومو بابنهايم، حيث لعب كلٌّ منهم دوره في إشاعة الاتجاه نحو تجديد الصورة التي اختطها فيزلي. وأشهر أدباء العبرية في النمسا شالوم هاكوهين، وريث فيزلي، الذي يُعتبَر حلقة الوصل بين الأدب المكتوب بالعبرية في ألمانيا والأدب المكتوب بالعبرية في النمسا. 


واستمر أدب التنوير في غرب أوربا حتى عام 1820 تقريباً. ورغم الأهمية التي يضفيها عليه مفكرو الصهيونية، فإنه كان فقيراً في قيمته الأدبية. فلا يوجد في هذه الفترة أديب يهودي واحد يمكن أن ترقى أعماله إلى مرتبة الأدب العظيم. وليس فيها عمل أدبي يرقى إلى مرتبة الإنتاج ذي القيمة الإنسانية التي تعيش معه عبر العصور متجاوزاً الأهمية التاريخية. وعموماً، فإن من سمات هذه الفترة أن الإنتاج الأدبي تنوَّع وطَرَق فروعاً ومجالات لم يعرفها من قبل. كما تم فيها تحديث اللغة العبرية إذ تحوَّلت من لغة تُتلى في المعابد وتُرتَّل بها الصلوات إلى لغة تُستخدَم استخداماً أدبياً. وكان هذا التحديث اللغوي بدوره نتاجاً مباشراً للحركة الرومانسية في أوربا الغربية. 


ومن الأمور التي ينبغي تسجيلها عدم وجود قصة واحدة طويلة باللغة العبرية، بل لم يُترجَم إلى العبرية سوى بعض القصص القصيرة. أما الموضوعات النثرية ذات الطابع القصصي التي نُشرت في الدورية الأدبية العبرية هامآسيف (صدرت في ألمانيا عام 1784)، فلا ترقى بأية حال إلى مستوى الفن القصصي الرفيع. ومما يسترعي الانتباه أيضاً في هذه الفترة نوعية الأدباء أنفسهم، فكثير من الأثرياء من أعضاء الجماعات اليهودية اندمج تماماً في محيطه الثقافي ووصـل به الأمر إلى التحـول عن الدين اليهودي وتجنُّب الكتابة العـبرية. وكان هؤلاء المندمجــون، من أمثال هايني، من كبار الأدباء. ولم يكتب بالعبرية سوى الشخصيات متوسطة الخيال والذكاء. ووضع الآداب المكتوبة بالعبرية يشبه، في هذا، الحركة الصهيونية نفسها، حيث اندمج المثقف اليهودي في الوطن الذي يعيش في كنفه وانخرط في حركاته السياسية، أما أنصاف المثقفين فهم الذين قادوا الحركة الصهيونية. 


ب) شرق أوربا: 


حينما انتقل الأدب المكتوب بالعبرية من غرب أوربا إلى شرقها، كان اليهود هناك يعيشون في جو مشبَّع بالأفكار الدينية الصوفية القبَّالية المتمثلة في الحسيدية، وساعد هذا على أن يأخذ الأدب هناك طابعاً مختلفاً عما كان عليه في دول الغرب. كان دعاة التنوير في جاليشيا، من عائلات التجار والأثرياء، ملمين بثقافة بلدهم ولغاتها. وقد ترك هذا أثره في الأدب المكتوب بالعبرية في شرق أوربا. ويمكن اعتبار حاييم دوف جينسبرج أول أدباء التنوير في جاليشـيا. وقد قلَّد شـعراء العبرية في جاليشيا الشعر الأوربي، وبخاصة الشعر الألماني. ومن أبرز شعراء العبرية، في جاليشيا، ماير هاليفي ليتريس. وقد أرست الحركة الأدبية في جاليشيا أُسُس القصة المكتوبة بالعبرية. ومن روادها يوسف بيرل وإسحق آرثر. وشن كلاهما، في قصصهما الواقعية، الحرب على بعض جوانب حياة الجماعة اليهودية. 


أما في روسيا، فلم يكن أديب العبرية في حاجة إلى أن يتحسَّس الطريق، إذ كانت أمامه إنجازات أدباء العبرية في ألمانيا والنمسا وجاليشيا. ومن أبرز شعراء هذه الفترة آدم هاكوهين ليبنسون، كما برز معه أيضاً ابنه ميخا يوسف ليبنسون الذي تأثر بالشعراء الرومانسيين الألمان، فقدَّم أعمالاً استوحى موضوعاتها من التاريخ العبراني القديم، وأسقط على أبطاله القدامى مفاهيمه الحديثة. ويُعَدُّ ليبنسون (الابن) أول شعراء العبرية الذين كتبوا شعراً عن الحب. وأشهر شعراء هذه الفترة هو يهودا ليف جوردون. أما في مجال الرواية، فتُعتبَر رواية أبراهام مابو محبة صهيون (1853) أول رواية مكتوبة بالعبرية. وصحيح أنه كانت هناك محاولات كثيرة سبقتها، لكنها جميعاً لم تكن موفقة في تقديم صورة كاملة للحدث الدرامي كما فعل مابو في هذه الرواية. ويُعتبَر إسحق ليبنسون أبا التنوير في روسيا، حيث ساعدت كتبه ومقالاته في نشر فكر التنوير بين اليهود. وفي ليتوانيا، ظهرت مجموعة من دعاة التنوير تأثروا بأفكاره وأسلوبه في الكتابة، ربما كان أشهرهم مردخاي أهارون جينسبرج. 


2 ـ الآداب المكتـوبة بالعبـرية في النصـف الأول من القـرن العشـرين: 
أ) في أوربا: 


بعد عام 1881 وما صاحبه من أحداث في روسيا، صدرت قوانين مايو التي أدَّت إلى تعثُّر التحديث في روسيا، وبدأت تظهر بوادر ظاهرة جديدة حلت محل التنوير، وهي ظاهرة الصهيونية التي اتسم بها أدب النصف الأول من القرن العشرين. ففي ذلك الوقت، ظهر جيل من الشبان على دراية بالحضارة الأوربية، ورؤيتهم أوربية في جوهرها. وكانت النزعة الرومانسية قد بدأت تنحسر، لتحل محلها النزعة الطبيعية والفكر الدارويني والنيتشوي الذي يشكل تصاعداً في النزعة العلمانية، وسادت في الأدب الاتجاهات الواقعية والطبيعية. ودعم كل هذه الاتجاهات ظهور الحركات الثورية المختلفة والتحولات الاجتماعية العميقة في المجتمعات الأوربية وبخاصة في الشرق. وتُشكِّل الإمبريالية الخلفية العامة لكل هذه التحولات، فشهدت الساحة اليهودية تبعاً لذلك ازدياد النزعة الصهيونية بين كُتَّاب العبرية، وهو أمر مُتوقَّع باعتبار أن اختيارهم العبرية لغة كتابة كان يتضمن رفضاً لانتمائهم إلى الأوطان المختلفة.


ويُعَدُّ حاييم نحمان بياليك (قبل أن يهاجر إلى فلسطين) من أهم أدباء العبرية في أوربا. وقد كتب أغلب أعماله في الفترة من 1882 إلى 1917. ويتجلى إسهامه في الشكل الأدبي في تحريره الشعر العبري من قيود بلاغة فترة التنوير. كما كانت حساسيته الشعرية أكثر أوربية من أيٍّ من معاصريه، فقدَّم في أعماله المزيد من الأشعار ذات الطابع الأوربي اعتماداً على كم هائل من أشكال الشعر الأوربي مثل: السوناته والبالاد. ومن شعراء هذه الفترة أيضاً زلمان شيناؤور، ويعقوب كاهان، ويعقوب فيخمان، الذين كانت أشعارهم تتَّسم بمحاولة وضع فلسفة شعرية تَصدُر عن الفكر الصهيوني. 


ومن أشهر كُتَّاب القصة والمقال في هذه الفترة، ميخا جوزيف بيرديشفسكي الذي حاول في قصصه العديدة، ذات النزعة النيتشوية، أن يجد حلاًّ لمشكلة الإنسان اليهودي في مواجهة المجتمع. ومعظم أبطاله يحاولون الهرب من هويتهم الضيقة ولكنهم عاجزون عن ذلك، ومن ثم فإنهم يعانون من الضياع والعقم الجسدي والنفسي. واشتهر في هذه الفترة أيضاً القاص بيرتس سمولنسكين، ومندلي موخير سفاريم (شالوم أبراموفيتس) الذي يُعتبَر رائد القصة الواقعية المكتوبة بالعبرية ويُعتبَر في الوقت نفسه رائد القصة في أدب اليديشية. وفي السنوات العشرين الأخيرة من القرن التاسع عشر، برز كل من بيرتس سمولنسكين وموشيه ليلينبلوم في فن المقال، وذلك بعد أن تحوَّلا عن فكر التنوير وبدأت كتاباتهما تضع البذور الأولى للفكر الصهيوني. 


وكما ظهر مندلسون بفلسفته ليوجِّه أدب العبرية توجُّهه الاندماجي في القرن التاسع عشر، ظهر آحاد هعام ليبلور هذا الأدب في القرن العشرين بتوجهاته الصهيونية. فحاول أن يجد صيغة توفيقية بين الدين والحياة حيث كان يرى أن الأمة هي الدين في صيغته الجديدة، وأنها هي المطلق الذي يحل محل المطلق التقليدي أي الخالق. وفي رأى آحاد هعام فإن الأدب العبري يجب علىه أن يُقلِّص حدوده ويقتصر على تناول الموضوعات اليهودية التاريخية، وعلى تناول الإنسان اليهودي في صورته الأدبية. وقد تجلَّى هذا الموقف في مجلته الشهرية هاشيلوح . وظهر في تلك المرحلة أيضاً إليعازر بن يهودا الذي يُعتبَر رائد إحياء اللغة العبرية. 


ب) في فلسطين: 


حينما انتقل مركز الآداب المكتوبة بالعبرية ليمارس نشاطه على أرض فلسطين، لم ينتقل إليها كاستمرار للآداب المكتوبة بالعبرية في أوربا بل كتحوُّل في الصورة والمضمون. وتحتم على كُتَّاب العبرية في فلسطين أن يطرحوا جانباً الموضوعات التقليدية التي تناولتها الآداب المكتوبة بالعبرية حتى ذلك الوقـت، وبدأوا يبحثـون عن موضـوعـات جديدة، وصور جديدة تتلاءم مع الوضع الاستيطاني الجديد الذي تسعى الصهيونية إلى تحقيقه. وفي أوربا، كان أديب العبرية يعيش واقعاً غريباً عنه ويتبنى رؤية صهيونية. وطوال هذه الفترة من تاريخ الآداب المكتوبة بالعبرية، كانت فلسطين موضوعاً مُهمَلاً، ولم يكن هناك إلا بعض الأشعار هنا وهناك أو بعض القصص التي تناولت موضوع الحنين تحت تأثير الرومانسية الأدبية الأوربية. ولذا، حينما انتقل بعض أدباء العبرية إلى فلسطين، لم تَعُد الصهيونية مجرد أفكار يتبنونها وإنما حقائق استيطانية تؤثر في حياتهم اليومية. 


وأظهرت خطوات الاستيطان الصهيوني الأولى في فلسطين مخاوف المستوطنين الجدد من أن تضيع أقدام هذا الجيل في مصير مجهول. وانعكست هذه المخاوف على الصورة الأدبية، وظل هناك سؤال أساسي يلح على وعي الأدباء الذين نزحوا إلى فلسطين: ما صورة الوجود في فلسطين؟ وهل حقاً ستُحدث تلك الثورة (الصهيونية) في داخلهم التحول الوجودي المطلوب؟ وقد أيقن أدباء هذه الفترة أن تغيُّر المكان لا يمكن أن يغيِّر ما يُسمَّى «المصير اليهودي». ولازم هذا التوتر الأدب المكتوب بالعبرية في تلك الفترة، وأدَّى إلى ردود فعل مختلفة تتراوح بين الاقتناع والارتباط بهذ الواقع الجديد من جهة، واليأس والإحباط من جهة أخرى. أما مصادر التأثير في الأدب المكتوب بالعبرية في فلسطين، فهي كثيرة ومتنوعة. فأدب الهجرة الأولى كان لايزال يسير في ركاب أدب حركة التنوير، كما أن الواقعية الاجتماعية كانت تبرز بوضوح في أعمال رواد الهجرتين الأولى والثانية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الأدب الذي أُنتج في أيام الهجرة الثالثة نحا منحى وضعياً. 


وبالإضافة إلى تأثير برينر الذي استمر، لفترة طويلة، عاملاً رئيسياً في توجيه دفة الآداب المكتوبة بالعبرية، وإلى تأثير برديشفسكي بأفكاره الفلسفية عن الفرد والمجموع، نجد أن المهاجرين الجدد جلبوا معهم من روسيا إلى فلسطين دستويفسكي وتشيكوف والأدباء الإسكندنافيين الرومانسيين والجيل الجديد من أدباء ألمانيا. وامتزجت كل هذه التأثيرات مع الميراث الأدبي الذي عاش مع هؤلاء المهاجرين الجـدد في اللاوعي ليُخرج في النهاية أدباً يمزج بين الرومانسية والواقعية، وبين الاغتراب ومحاولة الانتماء، حتى إن الدارس ليمكنه أن يلمس في أدب تلك الفترة، وبسهولة، مدى الأزمة النفســية التي عاشــها المهاجـرون الجـدد، أولئك الذين ما زالوا يتخبطون في أزمة البحث عن الذات. 


إن أغلب أدباء الهجرة الثانية كانوا على وعي كامل بوضعهم الجديد، وبأنهم مُقتلَعون من أرض أوربية ليعاد زرعهم من جديد في أرض شرقية. ولكن، رغم ما كان لدى بعضهم من حماس للالتقاء مع الأرض الجديدة، فإن أغلبهم كان على وعي كامل بحقيقة أنهم يفتقدون الارتباط بالأرض. وإذا كان أبناء الهجرة الثانية قد اعتقدوا أنه سوف تتحقق في فلسطين كل الآمال الصهيونية الاستيطانية، فإنهم سرعان ما شعروا بأنهم تعلَّقوا بآمال واهية، ولذا عاد الكثير منهم إلى حيث أتوا. أما الذين مكثوا في فلسطين، فقد أنتجوا أدباً أكد قيم الصهيونية. وخلق التناقض بين مطالب الهجرة الصهيونية وبين الواقع النفسي للمهاجرين أدبـاً مركَّبـاً يتـأرجح بين رؤية المهـاجرين والواقع المرير الذي اصطدموا به. 


وقد أثيرت مؤخراً قضية جديدة كل الجدة على الأدب المكتوب بالعبرية والأدب العبري، وهي ظهور مجموعة من الكُتَّاب الفلسطينيين العرب الذين يكتبون بالعبرية. ومن أهمهم أنطون شماس صاحب رواية أرابيسك (1986) والتي كتبها بعبرية أدهشت الإسرائيليين. وكان شماس قد كتب ونشر قصائد بالعربية والعبرية في السبعينيات، وفي الفترة نفسها تقريباً بدأت سهام داود وهبى كاتبة وصحفية عربية من حيفا تكتب الشعر بالعبرية أيضاً. وفي عام 1992 كتب الشاعر الفلسطيني توفيق زياد، الذي كان عضواً في الكنيست الإسرائيلي قطعة شعرية على وزن المقامة، وهي لون شعري عبري كان يُقال على غرار المقامة العربية، قصيدة هجا بها لبون زئيفي، الذي كان وزيراً في الحكومة الإسرائيلية ممثلاً أقصى اليمين الصهيوني. ويعكف الشاعر الفلسطيني العربي نعيم عرايدي على كتابة رواية بالعبرية، وهو الذي عُرف بوصفه شاعراً وكاتباً عربياً في إسرائيل. ولعله يمكن الإشارة إلى هذا الأدب على أنه «أدب عربي مكتوب بالعبرية».


موشـيه لوتسـاتو (1707-1747)
Moses Luzzato 


شاعر ومفكر قبَّالي من أتباع القبَّالاه اللوريانية. وُلد في بادوا بإيطاليا، وتلقى تعليماً دينياً، وكان يجيد عدة لغات منها الإيطالية والفرنسـية واليونانية. ونتيـجة تبـحُّره في القبَّالاه والعلوم الدينية اليهودية، سيطرت عليه حالة من التطرف الديني جعلته يؤمن بأنه على اتصال بأرواح أبطال العهد القديم تملي عليه القصائد الباطنية. واحتشد حوله جماعة من المريدين. وألَّف لوتساتو كتاب الزوهار الثاني، الأمر الذي جعل رجال الدين اليهودي في البندقية يُصدرون عام 1735 قراراً بحظر تداول كتبه واعتباره خارجاً على الدين، فهرب إلى فرانكفورت ومنها إلى أمستردام. 


نادى لوتساتو بتحرير الشعر العبري من البحور والأوزان التي كان قد اقتبسها في العصور الوسطى من الشعر العربي. وقدَّم في أشعاره بحراً يحتوي على إحدى عشرة حركة للبيت الطويل وسبع حركات للبيت القصير مع تركيز خاص على النبرة. وظهر له عام 1743 قصيدة «مدح المستقيمين» التي يعتبرها نقاد الأدب الحديث المكتوب بالعبرية نقطة بداية هذا الأدب. وتُعتبَر هذه القصيدة انعكاساً رمزياً لتجربته الشخصية وصراعه مع اليهود، إذ كان يرى أنهم بدَّلوا التعاليم التوراتية بتعاليم أخرى. كتب مسرحية رعوية تُسمَّى برج عوز اعتبرها رواد التنوير بعد ذلك قصتهم هم. وتأثر لوتساتو بالشعر الرعوي الذي انتشر في إيطاليا في القرن السادس عشر فكتب قصائد رعوية في وصف الطبيعة وجمالها، كما تظهر في أعماله روح الأدب اليوناني القديم. ولقد تركت أعماله أثراً واضحاً في شعر العبرية في أوربا. 
يتبع إن شاء الله...


الباب الثامن: الآداب المكتوبة بالعبرية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

الباب الثامن: الآداب المكتوبة بالعبرية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثامن: الآداب المكتوبة بالعبرية    الباب الثامن: الآداب المكتوبة بالعبرية  Emptyالإثنين 09 ديسمبر 2013, 11:25 pm

جوزيف بيرل (1773-1839) 
Joseph Perl
 
أديب روسي يكتب بالعبرية وله مؤلفات بالألمانية واليديشية. وُلد في جاليشيا، وتلقَّى تعليماً دينياً تقليدياً، ولكنه تحمَّس لفكر حركة التنوير وأصبح أحد رواد الحركة. أسَّس عام 1813 في بلدة تارنوبول أول مدرسة حديثة في جاليشيا، وعمل من خلالها على تحديث أعضاء الجماعة اليهودية في البلدة مستعيناً في ذلك بمعونة الحكومة الروسية، ثم بمعونة حكومة النمسا اعتباراً من عام 1815. كما أسَّس معبداً يهودياً كانت تُقام فيه الشعائر باللغة الألمانية. وشن بيرل في أعماله هجوماً شديداً على الحسيدية إذ كان يرى أنها تنطوي على النفاق والجهل والتعصب والخداع، كما كان يعتقد أن المعارضة التي يبديها القادة الحسيديون هي العائق الأساسي أمام تحديث اليهود. ولم يكتف بيرل بذلك، بل عمل على تحريض السلطات الروسية ثم النمساوية في جاليشيا على اتخاذ إجراءات عنيفة ضد الحركة الحسيدية، وذلك من خلال المذكرات والشكاوى الكيدية التي كان يرســلها بانتظام إلى المسـئولين (وقد وُجدت هـذه الكتابات ونُشرت مؤخراً). 


وتتَّسم كتابات بيرل، التي كان يوقعها باسم مستعار، بأنها ذات طابع هجائي ساخر. وأبرز هذه الكتابات هي: كاشف الأسرار (1819) حيث يثبت ما يدَّعي أنها نصوص حسيدية حصل عليها بعد أن تخفَّى بشكل سحري، أما امتحان الأتقياء (1838) الذي يُعَدُّ استمراراً لكتابه الأول، فإنه يصف بقية لوح سحري تسجَّل عليه كل الأحاديث سراً ولا يمكن محوها إلا بأنفاس رجل تقي صالح، ومما له دلالة أن جميع قادة الجماعة اليهودية يفشلون في محو الأحاديث المسجلة ولا ينجح في ذلك إلا المزارعون. وفي هذا العمل، يظهر البطل الجوَّال غير المرئي الذي يكتسب صفات عديدة غير طبيعية. ويصف الكاتب وضع اليهود الاجتماعي والأخلاقي المتدهور في جنوب روسيا من خلال تجواله ومغامراته. وفي كلا العملين، يظهر الحسيدي السابق الذي تمرَّد على حسيديته. وتأثر بيرل في قصصه هذه بالكتابات الهجائية الساخرة التي شاعت في الآداب الأوربية في القرن الثامن عشر، وعلى الأخص كتاب مونتسيكو رسائل فارسية (1721). وقد كتب بيرل بعض أعماله، ومنها كاشف الأسرار، بكلٍّ من اللغة العبرية واللغة اليديشية، كما يُعتَقد أنه ترجم إلى اليديشية بعض الأعمال الأدبية الأوربية (مثل رواية فيدلنج توم جونز)، وكان له بذلك فضل الريادة في إثراء الفن القصصي في اليديشية. غير أنه لم يتبن الكتابة بتلك اللغة إلا لهدف عملي بحت وهو نشر الأفكار التنويرية في أوساط المتحدثين بها. 




أبراهــــام ليبنــسون (1794-1878)
Abraham Lebensohn 


شاعر ونحوي يكتب بالعبرية. وُلد وعاش معظم حياته في فلنا (ليتوانيا) حيث تلقى تعليماً دينياً تقليدياً. وظهر اهتمامه بدراسة نحو اللغة العبرية في سن مبكرة. وعمل ليبنسون بالتدريس لفترة قصيرة، ولكنه هجر عمله هذا لاعتلال صحته، وعمل لسنوات طويلة سمساراً في الوقت الذي كان يواصل فيه أنشطته الأدبية التي تفرَّغ لها تماماً خلال السنوات العشرين الأخيرة من عمره. ويُعَدُّ ليبنسون من أبرز شعراء عصر التنوير ومن أبرز الشعراء الذين كتبوا بالعبرية على وجه العموم. ورغم أن قصائده المبكرة لم تتجاوز نطاق شعر المناسبات الذي يُكتَب تقرُّباً للوجهاء والمشاهير، إلا أن مجموعته الشعرية الأولى أناشيد اللغة المقدَّسة (1842) أثارت اهتماماً كبيراً حيث وُصفت بأنها فاتحة عهد جديد في الأدب الحديث المكتوب بالعبرية في روسيا، ووُصف صاحبها بأنه « أعظم شعراء العبرية في عصره »، وهي مبالغة لا أساس لها في الواقع. 


وقد أصدر ليبنسون مجلدين آخرين من الأناشيد (في عامي 1856 و1869)، وشمل المجلد الثالث بعض قصائد ابنه الشاعر ميخا ليبنسون الذي خلَّف موته المأساوي في سن مبكرة أثراً عميقاً في حياة ليبنسون الأب وفي شعره على حدٍّ سواء، حيث غلبت على قصائده الأخيرة نبرة الكآبة واليأس والتبرم من ظلم الطبيعة والجنس البشري والإحساس بالعجز إزاء الموت. ومع ذلك، ظل شعر ليبنسون بوجه عام محتفظاً بخصائصه الأساسية التي ظهرت في مراحله الأولى، فهو شاعر نمطي يميل إلى التنميق اللفظي والحماس البلاغي، كما أنه يلتزم بالتقاليد القديمة في النظم والبناء دون أن يسعى إلى التجديد أو التجاوز. وعلى أية حال، فإن شعره يفصح عن أن صاحبه لم يكن ذا خلفية فكرية عميقة ولم يكن على دراية بالآداب الأوربية وما طرأ عليها من تطوُّر. وقد ظلت خبراته محصورة في نطاق حياته المحدودة في بلدته الصغيرة. 


وبالإضافة إلى الشعر، كتب ليبنسون مسرحية بعنوان الحقيقة والإيمان (1867) لم تكن لها قيمة تُذكَر، ولكنها أصبحت حينذاك موضوعاً للسجال الأدبي حيث أثارت حفيظة اليهود الأرثوذكس بسبب سخريتها من التعصب الديني ودعوتها إلى إخضاع الدين اليهودي للواقع المادي وإلى ضرورة تطهير الدين من المبالغات، وذلك بينما نجد أن أنصـار حركة التنـوير نظروا إلى مضمـونها بوصفه أمراً عفَّى عليه الزمان. كما وضع ليبنسون كتاباً في نحو اللغة العبرية عام 1874، وأسهم في إصدار الطبعة الثانية من الترجمة العبرية التفسيرية للعهد القديم التي أعدها موسى مندلسون وأتباعه، ولكنه أضاف إليها شروحاً جديدة خلت منها الطبعة الأولى. وقد نُشرت الطبعة الثانية بالعنوان الفرعي شروح جديدة (1858) وقد كان لهذه الشروح دور كبير في ذيوع فكر حركة التنوير في أوساط يهود روسيا. 


مردخــاي جينسـبرج (1796-1846)
Mordechai Ginsberg 


قاص يكتب بالعبرية، وُلد في روسيا، وساهم في إدخال أفكار حركة التنوير الأدب الحديث المكتوب بالعبرية من خلال العديد من مؤلفاته. كان صاحب أسلوب بسيط وسلس، الأمر الذي جعل لغته سهلة على القراء ومحببة إليهم. كتب في العديد من الموضوعات الحية التي عاشها أعضاء الجماعة اليهودية في روسيا مثل ضرورة إصلاح مؤسسات الإدارة الذاتية اليهودية، ووضع مؤلَّفاً عن جغرافية فلسطين وعن السامريين وعن تاريخ اليهود الروس، وترجم بعض القصص عن الأدب الألماني. من أهم أعماله، قصته إليعازر وهي سيرته الذاتية، وقد جاءت على غرار السير الذاتية التي نُشرت بعد اعترافات جان جاك روسو. وكان الهدف من هذه القصة إظهار قصور التعليم اليهودي القديم ولَفْت الأنظار إلى الثقافة الحديثة. وكان من الممكن أن تُعتبَر هذه القصة حجر الأساس في تطوُّر القصة الطويلة المكتوبة بالعبرية، سواء في تصوير الحدث أو في رسم الشخصيات. لكن هذه القصة كان يعيبها غياب وحدة الحدث وافتقارها إلى كثير من الأسس التي تقوم عليها القصة الطويلة. 


أبراهــام مابـــو (1808-1867) 
Abraham Mapu 


روائي يكتب بالعبرية، وُلد في كوفنو (ليتوانيا)، وتلقَّى تعليماً دينياً تقليدياً. ولكنه اهتم، إلى جانب ذلك، بدراسة اللغات اللاتينية والفرنسية والألمانية والروسية، وهو أمر لم يكن معهوداً في أوساط اليهود الأرثوذكس، بل كان يُقابَل بالعداء. وكان مابو، في مطلع حياته، متعاطفاً مع الحركة الحسيدية، ودرس القبَّالاه والسحر (يُقـال إنه حـاول أن يصبح رجـلاً خـفياً من خـلال اتباع تعاليم القبَّالاه). ولكن هذا لم يَدُم طويلاً إذ أصبح مابو من أشد أنصار حركة التنوير وعُيِّن في مدرسة حكومية، وهو منصب احتفظ به بقية حياته. 


بدأ مابو حياته الأدبية برواية محبة صهيون التي استغرقت كتابتها ما يقرب من عشرين عاماً. وعند نشرها عام 1853 حظيت بنجاح كبير حيث تُعَدُّ أول رواية باللغة العبرية، وإليها يرجع الفضل في المكانة الأدبية الرفيعة التي تبوأها صاحبها كمؤسس للفن الروائي في الأدب الحديث المكتوب بالعبرية. وتدور أحداث الرواية في زمن حزقيال والنبي أشعياء، وقد نجحت الرواية في إعادة بناء الجو العام للمجتمع العبراني في ذلك الوقت. ويعود نجاح الرواية إلى الجو المثالي العام الذي يسودها وإلى لغتها التوراتية، أما من ناحية ترابُط الأحداث وتصوير الشخصيات فهي ضعيفة للغاية. وطُبعت الرواية أربع طبعات (حتى عام 1873) وتُرجمت إلى الإنجليزية ثلاث ترجمات مختلفة وسبع مرات إلى اليديشية وإلى الفارسية والعربية (1908) كما ظهرت ترجمة إلى الألمانية (1885) دون ذكر اسم المؤلف على الغلاف. ودفعه هذا النجاح إلى مواصلة الكتابة، فكتب ثلاث روايات أخرى هي: المنافق (1857 ـ 1861)، وهي رواية تدور أحداثها في الوقت الحاضر وتصف الصراع بين الحسيديين ودعاة التنوير، ومن أهم الشخصيات الحاخام صادوق الذي يستخدم الخرافات ليستغل الناس. والرواية سطحية للغاية لا يوجد فيها أي عُمْق نفسي أو إنساني، وهي من النوع الدعائي المباشر الذي يدافع عن قضية بعينها. أما روايته الثالثة خطيئة السامرة (1856)، فهي تُبيِّن الصراع بين القدس والسامرة وتأخذ صف القدس بلا تحفُّظ إذ تصوِّر رجالات مملكة يهودا بشكل مثالي، أما النساء والرجال في السامرة فهم لصوص متآمرون. ومرة أخرى نجد أن تصوير الشخصيات ضعيف. وقد كتب مابو كذلك رواية عن شبتاي تسفي (وشخصيته ذات مركزية خاصة في الوجدان الصهيوني، فهـرتزل مثلاً كان يفكر في كتابة أوبرا عنه). إلا أن خصوم حركة التنوير، ممن صدمتهم أفكار مابو، نجحوا في تحريض السلطات على منع نشر الرواية الأخيرة (وضاعت أجزاء كبيرة منها). كما أن مابو وضع بعض المؤلفات الأخرى في موضوع تطوير طرق التدريس التي كانت شائعة في عصره. 


وتنتمي روايتا محبـة صهيون و خطيئة السـامرة إلى النوع التاريخي، حيث تدور أحداثهما في عصر أشعياء. أما روايته المنافق، فتتناول الحياة المعاصرة لأعضاء الجماعة اليهودية في ليتوانيا. ورغم هذا التباين في زمان ومكان الأحداث، فإن ثمة موضوعاً أساسياً يتواتر في الروايات الثلاث وهو الرغبة في العودة إلى فلسطين وهو ما يجعله من أهم دعاة الصهيونية. وتزخر أعمال مابو بتأثيرات شتى، وهو ما يدفع إلى القول بأنه لم يكن مبدعاً أصيلاً بقدر ما كان مقلِّداً. فهناك، أولاً، التأثر الشديد بلغة العهد القديم وبأسلوبه في القص وفي تصوير الخلفية الزمانية والمكانية. وهناك، ثانياً، السير على نهج الكُتَّاب الرومانسيين الفرنسيين، وعلى الأخص ألكسندر دوماس الأب (حيث رسم الشخصيات ووضع شخصيات تاريخية إلى جانب الشخصيات الروائية فضلاً عن إسقاط أحداث الماضي على الواقع المعـاش). كما تأثر بأيوجين سـو (التركيز على المغامرات والحبكة والعنف). 


وتفتقر أعمال مابو إلى كثير من الأسس التي يقوم عليها الفن الروائي، فالأحداث متعددة ومتداخلة ويعوزها الترابط والاتساق في كثير من الأحيان. أما السرد، فيغلب عليه التكرار والإسهاب الذي لا يبرره شيء، كما أن الاستخدام الرمزي للشخصيات يتَّسم بالسطحية والسذاجة. وهذه العيوب الفنية الواضحة هي أحد مبررات ذلك الرأي الذي يذهب إلى أن القيمة الأساسية لأبراهام مابو تكمن في ريادته وليس في فنيته. 


ميـــخا ليبنســون (1828-1852)
Micha Lebensohn 


يُعرَف أيضاً باسمه الأدبي «ميخال»، وهو شاعر يكتب بالعبرية، وُلد في فلنا (ليتوانيا)، وتلقى تعليماً دينياً تقليدياً يجمع بين دراسة التوراة والتلمود وبين دراسة العلوم والآداب الحديثة، وذلك بتوجيه من أبيه الشاعر أبراهام دوف ليبنسون الذي شجعه كذلك على تنمية مواهبه الأدبية. فاتجه منذ صباه إلى كتابة الشعر فضلاً عن ترجمة مقتطفات من أعمال فرجيل وهوراس وشيلر وجوته، وغيرهم، إلى اللغة العبرية. ولم يُصدر ميخال خلال حياته سوى مجموعة شعرية وحيدة بعنوان أناشيد ابنة صهيون (1851)، ضمت ست قصائد ملحمية تتناول موضوعات وشخصيات توراتية. وبعد وفاته، نشر أبوه مجموعة أخرى من القصائد الغنائية والقصائد المترجمة صدرت بعنوان قيثارة ابنة صهيون (1860)، فضلاً عن طبعة ثانية من الأناشيد (1869(. 


وأبرز الموضوعات المتواترة في الشعر الملحمي لميخا: التناقض بين الحياة والموت، ودور الشعر ورسالة الشاعر، والصراع الأخلاقي بين العواطف الإنسانية والواجبات الوطنية. أما شعره الغنائي، وخصوصاً المتأخر منه، فقد انطبع بمصيره المأساوي إثر إصابته بالسل في مطلع شبابه، وهو الأمر الذي جعله كإنسان وشاعر يقف على عتبة الحياة منتظراً موته المحتوم. ويغلب على قصائده عموماً الطابع الرومانسي الذي ينأى بها عن النزعات الأخلاقية والبلاغية التي سادت بواكير الشعر المكتوب بالعبرية في عصر التنوير. وتحفل تلك القصائد في شكلها ومضمونها بتأثيرات شتى، حيث تعكس هذه القصائد الملحمية التأثر بأسلوب كل من شكسبير وملتون، بينما تتردد في القصائد الغنائية أصداء الشعراء الرومانسيين الألمان وعلى الأخص شيلر وهايني. أما رؤيته الفنية والفكرية، فتأثرت إلى حدٍّ بعيد بأفكار الفيلسوف الألماني شلنج والتي تَخلُص إلى أن الشعور بالجمال في الطبيعة والفن هو أرفع الصور الروحية للحياة وأن الحدس (الفني) هو الطريقة الوحيدة لتصوُّر وحدة الوجود. ورغم قلة إنتاجه ووفاته في سن مبكرة، يُعَدُّ ميخا ليبنسون من أبرز شعراء عصر التنوير، وشعراء العبرية بوجه عام، ممن حققوا وظيفة الشعر العلماني المكتوب بالعبرية كما تصوَّرها أنصار حركة التنوير. ومع أنه لم يغامر بتجديد شكل القصيدة، إلا أنه كان أول من طبَّق قواعد العروض الحديثة على الشعر المكتوب بالعبرية. 


يهـودا جـوردون (1830-1882)
Yehuda Gordon 


شاعر وقاص وناقد كتب بالعبرية، وهو من مواليد ليتوانيا. ويُعَدُّ من أهم دعاة حركة التنوير اليهودية ومن أهم المعبِّرين عنها، ولكن فكره وتمرُّده ضد التراث الديني اليهودي يشيان بما في داخله من بذور الصهيوينة. تلقَّى جوردون تعليـماً تقليدياً في طفولته. وفي سـن السـابعة عشرة، تلقى تعليماً غربياً حديثاً،ودَرَس عدة لغات (الروسية ـ الألمانية ـ البولندية ـ الفرنسية ـ الإنجليزية).وتخرَّج في إحدى الكليات التربوية الحكومية عام 1853 وعمل مدرساً في مدارس الحكومة. 


انضم جوردون إلى جماعة من دعاة حركة التنوير كان من أهم أعضائها شاعر العبرية أبراهام دوف ليبنسون وابنه ميخا. تبنَّى جوردون فكر حركة التنوير تماماً، وشن هجوماً شرساً على التقاليد الدينية، واتهم اليهودية بأنها دين متحجر يحوِّل اليهود إلى شعب من الكهنة، وطالب بإدخال القيم المادية العلمانية في حياة اليهود. وكان مديراً لجمعية نشر الثقافة بين يهود روسيا، وهي من أهم جمعيات نشر مُثُل حركة التنوير. كتب جوردون كتابات نثرية عديدة، من بينها مقالات بالعبرية والروسية. ولكن إسهامه الأدبي الأساسي هو أشعاره. ويُقسِّم النقاد أدبه إلى مرحلتين أساسيتين: مرحلة رومانسية، وأخرى واقعية: 


1 ـ المرحلة الرومانسية: وهي المرحلة التي قاد فيها حركة التنوير التي تهدف إلى إصلاح اليهود وتحويلهم إلى شعب منتج. وتتناول قصائده في هذه المرحلة الموضوعات التاريخية والتوراتية وبعض الموضوعات السائدة في عصره، وإن كان تناوله ليس مباشراً أو واقعياً. وتعكس قصيدة «داود وبرزيلاي» (1851 ـ 1856) الدعوة إلى العودة للأرض. وتؤكد القصائد الأخرى في هذه المرحلة روح الاعتزاز بالذات القومية التي كان يرى جوردون أنها تنعكس في بعض شخصيات العهد القديم. وأهم قصائد هذه المرحلة قصيدة «بين أنياب الأسد» (1868) التي تحكي قصة سيمون بر جيورا (أحد أبطال التمرد اليهودي الثاني ضد الرومان) ونهايته المأساوية. وفي هذه القصيدة، ينحي جوردون باللائمة على التعاليم الحاخامية التي أدَّت باليهود إلى رفض الحياة وقبول العبودية، وإلى أن يقبعوا خلف الأسوار ويكونوا موتى في الأرض أحياء في السماء » فتراب كتابكم وأوراق أحاديثكم الجافة غطتكم تماماً وجعلت منكم مومياء حية لعدة أجيال.« 


ومن الواضح أن رومانسية جوردون من النوع النيتشوي الذي يُمجِّد القيم العضوية والحيوية وقيم البطولة. ومن أهم قصائد هذه المرحلة أيضاً قصيدة «استيقظ يا شعبي» (1856)، وهي دعوة لليهود أن يتبنوا مُثُل حركة التنوير وأن يخرجوا من ظلمات الجيتو ويتعلموا العبرية وينبذوا اليديشية ويعملوا في الحرف اليدوية المنتجة وفي الصناعة والزراعة. وقد اختتم هذه القصيدة بالكلمة المأثورة التي أصبحت فيما بعد شعاراً لهذه الحركة: "كن يهودياً في بيتك وإنساناً خارجه". ومع هذا، يظل التوجه نحو فكرة الشعب العضوي (فولك)، والكتلة القومية المتماسكة وليس نحو الفرد، على عكس مُثُل حركة الاستنارة التي كانت تتوجه أساساً إلى الفرد. ومن أهم أعمال هذه الفترة القصص الخرافية الوعظية التي كتبها جوردون على نمط خرافات إيسوب ولافونتين وكريلوف وسخر فيها من معاصريه أعضاء الجماعات اليهودية الذين نبذوا مُثُل حركة التنوير وعاشوا في الظلام (بحسب تصوُّره(. 


2 ـ المرحلة الواقعية: يشكل عام 1867 نقطة حاسمة في حياة جوردون، إذ وقف إلى جانب ليلينبلوم في دعوته إلى الإصلاح الديني. وكانت قصائده في هذه المرحلة هجوماً مباشراً لا هوادة فيه، في شكل قصص ساخرة، على الخرافات الدينية وانحلال الحياة الدينية الذي أدَّت إليه الشعائر اليهودية التي كان يرى جوردون أنها معادية للحياة. وأهم القصائد هي «حكاية اليود [الياء] أو أتفـه الأشـياء» التي أتمها عام 1876، وهي تتناول مأساة امرأة شابة مطلقة لا يمكنها أن تتزوج مرة ثانية لأن الحاخام رفض الاعتراف بقسيمة الطلاق لأن توقيع زوجها ينقصـه حرف اليـود (أي حرف الياء وهو أصغر الحروف في اللغة العبرية)، ولذا فهي تظل مطلقة (عجوناه) لا يحق لها الزواج. أما قصيدة «اليوسفان بن سيمون»، فهي هجوم على القهال ورئيسه الذي تآمر وأرسل أحد دعاة حركة التنوير، ويُسمَّى يوسف بن سيمون، إلى السجن بدلاً من لص قاتل يحمل نفس الاسم. 


ومن قصائد هذه المرحلة قصيدة «الملك صدقياهو في السجن»، وهي مونولوج درامي يعبِّر عن احتجاج آخر ملوك يهودا ضد روحانية الأنبياء التي قضت على حياة اليهود العادية والطبيعية وعلى وجودهم السياسي. وهذا الموضوع كامن ومتكرر وأساسي في الأدبيات الصهيونية ذات الطابع النيتشوي. وقد أخذت الموضوعات الصهيونية تظهر على السطح بشكل أكثر تزايداً ووضوحاً، ففي قصيدة «لمن أعمل» يُلاحظ الشاعر أن مُثُل حركة التنوير أدَّت إلى اندماج الشبان اليهود في مجتمعهم. وهذا تناقُض كامن في حركة التنوير العبرية، فهي تدعو إلى الاندماج في المجتمع، وفي الوقت نفسه تدعو إلى بعث العبرية التي تعزل المتحدثين بها عن مجتمعهم. ولذا، نجد أن هذا الداعية للتنوير يقول « من بوسعه أن يخبرني عن المستقبل، لعلي آخر شعراء صهيون ولعلك آخر القراء ». 


وبعد تعثُّر التحديث في روسيا عام 1881، نبذ جوردون مُثُل الاندماج ولكنه لم يتبن فكرة هجرة اليهود. وفي قصيدته «أختي روحاماه» (1882)، يدعو جوردون اليهود إلى الهجرة ولكنه يرى أن الهجرة يجب أن تكون إلى الولايات المتحدة لا إلى فلسطين العثمانية. وقد وصل جوردون إلى صيغة صهيونية تشبه الصيغة الآحاد هعامية « لن يتحقق خلاصنا إلا بعد خلاصنا الروحي». وقد أشار آحاد هعام إلى دَينه الفكري لجوردون. وجوردون هو الذي أشاع عبارة « يابيت يعقوب هلم فلنسلك في نور الرب » (أشعياء2/5) التي استخدمها في مقال له عام 1866 ونادى فيها بأن يصبح اليهود جزءاً من أوربا. وقد أصبحت فيما بعد شعاراً لأعضاء جماعة البيلو الذين استوطنوا في فلسطين. ولعل هذا يبيِّن التناقض الكامن في مُثُل حركة التنوير اليهودية. 


وكتب جوردون نقداً لكتاب بنسكر الانعتاق الذاتي، ولكنه كان نقداً متعاطفاً، كما أنه عبَّر عن حماسه لاستعمار إنجلترا لمصر عام 1882 إذ رأى أن هذا الاحتلال سيزيد من أهمية فلسطين كممر إلى مصر ومركز للتجارة الآسيوية « وقد يجذب الحكم البريطاني كثيراً من إخواننا في الدياسبورا ليستقروا في فلسطين ليحرثوا أرضها ويبنوا السكك الحديدية ويحيوا التجارة والفنون والحرف ». ونادى بإنشاء جمعية من أجل الذاهبين إلى فلسطين، أي أنه تبنى المشروع الصهيوني بكل أبعاده. ورغم أهمية جوردون كشاعر يكتب بالعبرية، فإن كثيراً من النقاد يميلون إلى القول بأنه لم يكن شاعراً وأنه كان ناظماً للقصائد ومهيجاً اجتماعياً بالدرجة الأولى. وقد ترجم جوردون كثيراً من الأشعار الغربية إلى العبرية، وهو يُعَد من المجددين في الشعر المكتوب بالعبرية. 


زئيف جافتس (1847-1924) 
Zeev Javitz 


مؤرخ وكاتب وفيلسوف ديني صهيوني يكتب بالعبرية. وُلد في بولندا لأسرة ثرية واتجه إلى الكتابة الأدبية والتاريخية بعد فشله في الأعمال التجارية. كانت أولى كتاباته التي لفتت إليه الأنظار مقالة بعنوان «برج القرن» (1887) كتبها بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة موسى مندلسون وانتقد فيها بشدة فكر حركة التنوير الداعي إلى اندماج اليهود في مجتمعاتهم. وقد استقر جافتس في فلسطين من عام 1888 حتى عام 1898 حيث عمل بالتدريس والمحاماة والصحافة. وساهم بنشاط في أعمال اللجنة التي اضطلعت بمهمة تطوير العبرية وتحديثها، حيث ذهب إلى ضرورة تطعيم العبرية بعناصر لغوية مستمدة من المشناه والتلمود والمدراش. كما وضع جافتس عدة كتب للناشئة تسرد الأساطير التلمودية نظماً، ومن بينها: تل الميلاد (1891)، أنغام من الماضي (1892)، و المعلم (1894). 


أما العمل الرئيسي لزئيف جافتس والذي كرس له جل حياته فهو كتاب تاريخ إسرائيل (1895 ـ 1940) الذي صدر في أربعة عشر مجلداً. وهو كتاب لا يمت بصلة إلى البحث التاريخي الحقيقي، ولكنه يعكس سعيه الدؤوب لإظهار تميُّز الدين والثقافة اليهوديين ولإثبات أن التقاليد اليهودية تشكِّل جذور التراث الإنساني بأسره. ولم يقف نشاط جافتس عند حدود كتابة المقالات والدراسات، فساهم بحماس في الحركة الصهيونية حيث كان أحد أعضاء حركة أحباء صهيون البارزين. وبعد رحيله عن فلسطين، تنقَّل جافتس بين فلنا (ليتوانيا) وألمانيا ولندن حيث شارك في تأسيس حركة مزراحي وتولَّى رئاسة تحرير صحيفتها الشهرية هامزراح (1903 ـ 1904)، ويُعدُّ أحد ممثلي التيار الأرثوذكسي في الأدب المكتوب بالعبرية في العصر الحديث وفي الحركة الصهيونية على حدٍّ سواء. 


ديفيــد فريشــمان (1859-1922)
David Frischman 


أديب وشاعر يكتب بالعبرية واليديشية، وُلد في بولندا، حيث تلقى تعليماً تقليدياً وحديثاً. كان إنتاجه الأدبي غزيراً متنوعاً، حيث كتب القصة وقرض الشعر ومارس الترجمة واحترف النقد الأدبي وعمل محرراً صحفياً. تبرز في أدبه تلك التوترات التي اتسم بها أدب ما بين الجيلين الذي ظهر في فترة ما بين انحسار التنوير وظهور الصهيونية التي تبنَّى مُثُلها في أيامه الأخيرة. ومن أشهر أعمال الشعرية قصيدة «طبقان» التي لخص فيها نظرته إلى التنوير وآماله في الصهيونية، استمد مادتها من الأساطير اليهودية القديمة عن موسى. وتُعتبَر هذه القصيدة من أكثر القصائد تعبيراً عن الصهيونية في أوضح صورها، كما أنها تحمل بين طياتها دعوة صريحة إلى استعباد الشعوب الأخرى. 


وقد دارت أغلب قصصه حول موضوعات مستوحاة من الأساطير الشعبية اليهودية في شرق أوربا. وفيها حاول أن يعبِّر عن الواقع الاجتماعي اليهودي المعاصر له هناك، وعن التمزق بين واجب الاحتفاظ بالتقاليد اليهودية وضرورة الاندماج في المجتمع الأوربي المحيط. كما كتب عدة قصص تناولت موضوع معاداة اليهود. من أشهر أعماله القصصية معلم الحق، و في يوم الغفران . ويُعتبَر موضوع هذه القصة جديداً على الأدب المكتوب بالعبرية، حيث يتحدث فيها عن صراع الأجيال؛ الصراع بين الآباء والأبناء. تتناول هذه القصة حياة فتاة يهودية تعشق الموسيقى وتصبح مغنية شهيرة، فتهجر الجماعة اليهودية وتغني في الكنيسة، ولكنها تلقى حتفها حينما تخنقها أمها التي جُنَّت. أما قصة الرجل وغليونه فهي عن حاخام يدمن التدخين إلى درجة أنه يضطر إلى أن يخرق الشعائر الخاصة بالسبت، سراً في بادئ الأمر ثم علناً، ومن ثم يتم طرده من حظيرة الدين. ويرسـم فريشـمان هـذه الشخصيات بكثير من التعاطف. أما الراقصات، وهي تُعَدُّ من أفضل ما كتب، فقد استوحى موضوعها من التراث الديني اليهودي القديم، وهي ترمز بصورة واضحة إلى صراع الصهيونية مع القيادات اليهودية التقليدية. ومن أهم أعماله وآخرها، سلسـلة قصـص مستوحاة من العهد القديم عنوانها في البرية . 


وحينما عمل فريشمان مساعداً لرئيس تحرير جريدة اليوم، وهي أول جريدة تصدر في روسيا بالعبرية (1886 ـ 1887)، كتب سلسلة من المقالات تعني بالحياة اليومية والحياة الأدبية للكُتَّاب اليهود، وهي تعتبر تطويراً لفن المقال في أدب العبرية. كما نشر أعمالاً قام بترجمتها عن الآداب الغربية، وكذلك بعض أعمال نيتشه. وعمل فريشمان، كذلك، مساعداً لرئيس تحرير الجريدة اليديشية هاينت في وارسو (منذ عام 1908)، ونشر فيها قصائد وقصصاً باليديشية. وقد قام فريشمان بإدخال القيم الأدبية الغربية على الأدب المكتوب بالعبرية وحرَّر الرواية المكتوبة بالعبرية من الحبكة المفتعلة التي تسم روايات فترة التنوير. 


ميخــا بيرديشـفسكي (1865-1921)
Micha Berdyczevsky 


كاتب روسي ومفكر صهيوني رومانتيكي كوني النزعة حلولي الرؤية كان يكتب باليديشية والعبرية. وُلد في مدينة ميدزيبوز الروسية، مَهْد الحسيدية في القرن الثامن عشر، ونشأ في عائلة عريقة في التدين، وكان أبوه يعمل حاخاماً، وفي سن السابعة عشرة كان بيرديشفسكي قد تلقَّى تعليماً تلمودياً كاملاً وألم بكل تعاليم القبَّالاه والحسيدية. حاول في كتاباته الأولى أن يفعل ما وصفه فيما بعد بأنه المسـتحيل: التوفيق بين التقاليد الحاخامية وحركة الاستنارة اليهودية. وفي عام 1890، انتقل إلى أوربا الغربية ليتلقى شيئاً من التعليم العلماني (المحرم). وأثرت فيه هذه الفترة القصيرة ووسمته بسماتها. ثم بدأ بعد ذلك في الترحال بين برن وبرلين حيث قضى أكثر فترات حياته إبداعاً. 


كتب بيرديشفسكي (اسمه الأدبي المستعار «بين جوريون») كثيراً من المقالات النقدية والقصص القصيرة والطويلة العبرية واليديشية. وتأثر بيرديشفسكي بأفكار شوبنهور بشأن علاقة الفرد بالجماعة، وتأثر أيضاً بأفكار نيتشه وبخاصة أفكاره بشأن السوبرمان أو الفرد الممتاز المتميِّز الذي يرتفع على الجماعة والتقاليد، كما تبع نيتشه في إصراره على " إعادة تقييم جميع القيم " وإخضاعها للنقد الكامل. لكل هذا نجد أن بيرديشفسكي يهاجم التقاليد اليهودية الروحية في خضوعها وخنوعها وفي تكبيلها للإنسان بالطقوس المميتة. كما هاجم بعض أدباء العبرية (بياليك وكلاوزنر) واليديشية (مندلي موخير سيفاريم) ولكنه شجع بعض الأدباء الجدد مثل حاييم برنر ممن يشاركونه رؤيته للعالم. وقد هاجم بيرديشفسكي وبشدة جماعة أحباء صهيون وهرتزل وآحاد هعام لأن الآخــير أكـد أهمية ما سـماه «القيم الروحـية»، ولعلـه لو قـرأ كتاباتـه بقليل من الإمعان لاكتشف النزعة النيتشوية القومية فيهـا، ولاكتشف أيضـاً أن مفهـوم آحـاد هعـام بشـأن «السـوبر أمـة» أو الأمة الكاملة لا يختلف كثيراً عن مفهوم السوبرمان أو الإنسان الكامل، ولاكتشف أن القومية العضوية مفهوم يجمع بينه وبين آحـاد هعام ونيتشه. كتب بيرديشفسـكي أكثر من 150 قصة بالعبرية وكتب بعض القصـص باليديشـية. وتصـوِّر قصــصه تمــزُّق اليهــودي في العـصر الحديث بين تقاليد اليهودية وروح الحضارة الغربية، والشتتل هو الخلفــية الأســاسية لعـديد من هـذه القصـص التي تتضمن نماذج بشــرية مختلفـة تجــابه مشـاكل يهــودية محــدَّدة مثـل التقـاليد الخانقـة والزيجــات الاضطـرارية المرتبــة. وتعالج القصص الدوافع الإنسانية لهذه الشخصيات في تصارُعها مع كل هذه العوائق والحواجز. 


وتدور معظم قصصه حول موضوعين أساسيين: 


1 ـ الحياة اليهودية في المدن اليهودية الصغيرة في آخر القرن التاسع عشر التي يقسمها دائماً نهر يفصل حي اليهود عن حي الأغيار. 
2 ـ حياة الطلبة اليهود من شرق أوربا في وسط أوربا وغربها وإحساسهم بالانبهار والاغتراب. 


ويمكن القول بأن هذين الموضوعين هما أهم موضوعين في حياة معظم المفكرين الصهاينة، بل ومعظم المفكرين والأدباء الذين تناولوا الموضوع اليهودي. وثمة صراع يدور بين الخير والشر وبين الجمال والقبح ينتهي بهزيمة الخير والجمال. فالشتتل ـ ساحة هذا الصراع ـ قد وقع في قبضة قوة عمياء قاسية. وتوجد في روايته أنماط إنسانية متكررة: امرأة ذكية رقيقة متزوجة من إنسان فظ خشن ـ رجل لا قسمات له ولا ملامح ـ طالب متمرد على أوضاع مجتمعه ـ أشخاص يقضون حياتهم يعانون من الزيجات المُرتَّبة - شخصيات متمردة على التراث اليهودي مثل المهرطقين ومدَّعي المشيحانية. ومعظم قصصه ذات طابع انطباعي تتكون من مونولوجات عاطفية مع استطرادات هي أقرب إلى المقالات. وطريقة السرد في قصصه تشكل انتقالاً من أشكال السرد الخاصة بالقرن التاسع عشر إلى الأشكال الأكثر دقة. 


جمع بيرديشفسكي بعض الأساطير الحسيدية، واهتمامه بالحسيدية رغم تمرُّده على التراث اليهودي يَصلُح مدخلاً لفهم فكره الصهيوني. فهو يعيد تقييم اليهودية ويذهب إلى أن اليهودية القديمة إنما هي في واقع الأمر العبادة اليسرائيلية القربانية الوثنية، التي تدور حول عبادة الطبيعة والكون والأصنام، وأن الطبقة التوحيدية (التوراتية) دخيلة على هذه العقيدة. وفي كتابه سيناء وجيرزيم، يذهب بيرديشفسكي إلى أن الجبل المقدَّس ليس جبل سيناء، وأن مؤسس العقيدة اليسرائيلية هو يوشع بن نون وليس موسى. فكأن بيرديشفسكي يطالب بالعودة إلى الوثنية الحلولية القديمة كطريقة للتحرر من اليهودية الحاخامية. فالبعث القومي بعث كوني وثني حلولي، وعلى اليهود أن يرفضوا عبوديتهم الظاهرة التي حوَّلتهم إلى أمة من الرجال الذين نضبت قواهم الطبيعية واستوُعبوا في يهودية مجردة خالية من الحياة. عليهم العودة إلى يهودية جديدة: يهودية تضع اليهودي قبل اليهودية وإسرائيل قبل التوراة، وتعيش في وئام مع الطبيعة، وتتغنى بنشيد الأنشاد الذي يحتفي بالجسد وبنشيد داود الذي يتغنى بالطبيعة السامية التي لا حدود لها، الطبيعة التي هي منبع كل شيء، منبع كل ما يحيا وروحه. هذه الوثنية الجديدة ترى أن جوهر الحياة هو السيف، بل هو تجسيدها في أعرض خطوطها المادية والجوهرية إذ حل السيف محل التوراة. وهذه العودة للطبيعة هي برنامج بيرديشفسكي لإصلاح اليهود واليهودية، وعلى حد قوله فإن الشعب المقدَّس سيصبح الشعب الحيّ. 


ويمكننا أن نسمي صهيوينة بيرديشفسكي «الصهيونية الطبيعية» أو «الصهيونية الكونية» أو «الصهيونية العضوية»، باعتبار أن الإنسان اليهودي سيستمد هويته وكينونته من خلال العودة للطبيعة والالتحام بها وبفقدان الذات فيها. ولكن الطبيعة التي يعود إليها هي في واقع الأمر بديل الأرض في الثالوث الحلولي العضوي في مرحلة موت الإله: الأرض ـ الإنسان ـ روح الحياة التي تربط بينهما (التي هي أيضاً العنف أو السيف). ومثل هذه الصياغة الحلولية العضوية الحيوية لا تختلف عن كثير من الصياغات اليهودية التقليدية، فاليهودية تحوي داخلها طبقة حلولية تجُبُّ الطبقة التوحيدية بحيث تحل أصنام جرزيم محل التوحيد. وصهيونية بيرديشفسكي لا تختلف كثيراً في بنيتها عن صهيونية جوش إيمونيم الحلولية العضوية، فكلاهما جعل الأرض موضع الحلول وأهم عناصر الثالوث الحلولي. ولعل هذا التشابه بين المتمرد بيرديشفسكي ومعظم الصهاينة جعله يُفسِّر سرَّ حماسه للحسيدية وقصصها. ويمكننا أن نقول إن بيرديشفسكي لا يعارض الحلولية التقليدية وإنما يعارض سكونها وحسب، وهو سكون اضطرت إليه بعد فشل كثير من الحركات المشيحانية فتحوَّلت النزعة المشيحانية العدمية المدمرة إلى توجُّه نفسي وغوص في الذات، عدميته وتدميريته كانت موجودة بالقوة، ثم تفجرت في الدولة الصهيونية وأصبحت توجد بالفعل. وقد صدرت أعمال بيرديشفسكي الكاملة في 20 جزء (1921 ـ 1925(. 


ديفيـد شـمعوني (1866-1956)
David Shimoni 


شاعر يكتب العبرية، وُلد في منسك (روسيا)، وهاجر إلى فلسطين عام 1909 حيث عمل حارساً وعاملاً زراعياً في إحدى المستوطنات اليهودية، ثم رحل إلى ألمانيا عام 1911 حيث تلقى تعليمه في عدة جامعات بها. وعند اندلاع الحرب العالمية الأولى عاد إلى روسيا وظل بها حتى وضعت الحرب أوزارها، ثم رحل ثانيةً إلى فلسطين عام 1921 واستقر بها حتى وفاته. ونشر شمعوني أولى مجموعاته الشعرية بعنوان البرية (1911) وأتبعها بالمجموعة الثانية العاصفة والسكون (1912)، ثم بدأ بعد ذلك نشر الأناشيد الرعوية التي اقترنت بها شهرته. وقد جُمعت أعماله ونشرت في أربعة مجلدات حملت العناوين التالية: قصائد غنائية (1925)، و أناشيد رعوية وأغان شعبية عن الحياة في فلسطين الجديدة (1927)، و ملحمة وأعمال شعرية تأملية (1930)، و شعر الترحال (1931). 


ويعكس شعر شمعوني قيم وهموم الجيل الثاني من المهاجرين اليهود إلى فلسطين، فرغم أنه شعر يحاول الاحتفاء ببطولات ما يُسمَّى «الرواد الصهاينة» إلا أن الإحساس بالحزن والكآبة وبحتمية المصير المأساوي يغلب عليه، شأنه في ذلك شأن معظم كتابات المستوطنين الصهاينة في فلسطين قبل قيام الدولة الصهيونية. كما يشيع في كثير من قصائده طابع تعليمي مباشر ينأى بها عن الجماليات الشعرية ويجعلها أقرب ما تكون إلى المواعظ والإشارات. وينتمي شمعوني إلى ذلك الجيل من الأدباء الذين بهرهم شعر بياليك وخلَّف أثراً واضحاً في كتاباتهم، إلا أنه لم يسع إلى تجديد شكل القصيدة ولم يغامر بالبحث عن إيقاعات وأخيلة مغايرة، ولم يتجاوز أسلوبه ذلك الأسلوب التقليدي للشعر المكتوب بالعبرية في عصره، والذي بدأت تظهر فيه بوادر اضمحلاله بجلاء نظراً لعدم قدرته على التعبير عن الواقع المتغيِّر والمضطرب. ولهذا كله جاء شعره رتيباً ونمطياً في مجمله. وبالإضافة إلى أعماله الشعرية، ترجم شمعوني إلى العبرية العديد من أعمال الكُتّاب الروس أمثال بوشكين وليرمنتوف وتولستوي. 
يتبع إن شاء الله...


الباب الثامن: الآداب المكتوبة بالعبرية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

الباب الثامن: الآداب المكتوبة بالعبرية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثامن: الآداب المكتوبة بالعبرية    الباب الثامن: الآداب المكتوبة بالعبرية  Emptyالإثنين 09 ديسمبر 2013, 11:42 pm

حاييــم بياليـك (1873-1934)
Hayyim Bialik 


أهم شاعر روسي يهودي كتب بالعبرية في العصر الحديث. وُلد لأبوين فقيرين، وكان أبوه عالماً دينياً وتاجر أخشاب فقيراً. وقد عمل الشاعر نفسه بعض الوقت كتاجر أخشاب، وتزوج من ابنة رجل يعمل بنفس المهنة. قام جـده بتربيته بعـد وفاة أبيه، فدرس في مدرسة تلمودية، لكنه قرأ، في الوقت نفسه، العديد من كتب حركة التنوير اليهودية سراً. رحل بياليك إلى فولوجين، مركز الحركة الحسيدية، إذ تصوَّر خطأً أن المدرسة التلمودية في هذه المدينة تجمع بين الدراسات العلمانية والدراسات الدينية، وبقي في هذه المدرسة ثمانية عشر شهراً، وهناك بدأ في الكتابة الأدبية، والتحق بجماعة أحباء صهيون. وفي عام 1891، ذهب إلى أوديسا التي كانت آنذاك مركزاً للبعث الثقافي الروسي اليهودي حيث تعرَّف إلى "آحاد هعام" الذي شجعه على الكتابة والنشر. هاجر بياليك من روسيا السوفيتية عام 1921، ومكث ثلاث سنوات في برلين، ثم هاجر بعدئذ إلى تل أبيب. وقد درس بياليك أدب العبرية التقليدية، ولكنه في الوقت نفسه قرأ واستوعب الكثير من الأعمال الأدبية الأوربية الروسية والألمانية، وبخاصة أعمال المرحلة الرومانتيكية. 


ولعل الموضوع الأساسي في أعمال بياليك هو الشد والجذب بين القديم والجديد والبحث عن مخَرَج من الأزمة المستحكمة. وقد عبَّر الشاعر عن تطلعاته الصهيونية من خلال ثلاث فكرات أساسية هي: فكرة العودة إلى الأرض والطبيعة، وفكرة الماشيَّح المخلِّص، وفكرة نبذ حركة الاستنارة اليهودية وحركة الاندماج في الشعوب الأخرى. وقد استخدم الشاعر أدوات وقوالب تعبيرية متنوعة، فكتب قصائد في وصف الطبيعة وقصائد مناسبات وقصائد ذات طابع أسطوري. ويتميَّز شعره بالنبرة الغاضبة وبتواتر صور الهلاك والثأر والصور المرتبطة بآخر الأيام. من أهم قصائده قصيدتا «حقاً إن الشعب لشعب» و«في مدينة الذبح» حيث يتمرد على خنوع اليهود أمام هجوم الروس عليهم، وخصوصاً في كيشينيف، وكذلك قصيدتا «إلى الهاجاداه» و«على أعتاب بيت هامدراش» حيث يتأوه من أجل الماضي اليهودي الذي ولَّى ولم يَعُد له وجود. وقد كتب بياليك قصائد للأطفال وترجم بعض الأعمال الأدبية العالمية إلى العبرية. وكانت له نشاطات ثقافية بين أدباء التجمع الاستيطاني الصهيوني. وبعد عام 1934، أُنشئت في إسرائيل جائزة أدبية تحمل اسمه. وقد نُشرت أعماله الكاملة بالعبرية، كما تُرجمت معظم قصائده إلى الإنجليزية والفرنسية والعربية. 


موردخــاي فويربــرج (1874-1899)
Mordecai Feuerberg 


أديب روسي يهودي يكتب بالعبرية، وُلد في نوفجورد لأسرة حسيدية شديدة التدين. وكان أبوه رجل دين متزمتاً. درس في صباه القبَّالاه وفلسفة يهودا اللاوي وابن ميمون. ولكنه اتجه بعدئذ للدراسات العلمانية والأدبية الحديثة المرتبطة بفكر حركة التنوير اليهودية. أدَّت هذه الدراسات العلمانية إلى غضب أبيه وتوتر علاقتهما في الوقت الذي توطدت فيه علاقته بجماعة أحباء صهيون. وقد حاول أبوه إثناءه عن هذه الارتباطات فافتتح له محل بقالة وخطب له ابنة رجل دين حسيدي آخر. لكن هذه الزيجة فشلت بسبب ضعف صحة فويربرج وإصابته بالسل. 


ارتحل فويربرج إلى وارسو عام 1896 محاولاً أن يصنع لنفسه اسماً في عالم الأدب العبري حيث كانت وارسو عاصمة الأدب العبري. وهناك قابل ناحوم سوكولوف الذي كان يصدر مجلة أدبية عبرية وعرض عليه إنتاجه الأدبي من شعر وقصة قصيرة، فنصحه سوكولوف بالتركيز على القصة القصيرة وترك الشعر. ونشر فويربرج قصته الأولى المسماة الحارس ياكوف عام 1897. تعرف أيضاً إلى آحاد هعام وتوثقت علاقتهما، ونشر له آحاد هعام قصصه كلها في المجلة التي كان يصدرها، واشتغل معه فويربرج مراسلاً صحفياً أعوام 1897 ـ 1899. وكان فويربرج يخطط عام 1899 لكتابة رواية تاريخية عن حياة إسرائيل بعل شيم طوف مؤسس الحسيدية في الوقت الذي أعدَّ فيه آحاد هعام رواية فويربرج الوحيدة والمسماة لماذا؟ للنشر. وكان آحاد هعام قد أدخل عليها تعديلات كثيرة بموافقة فويربرج. 


تُوفي فويربرج من جراء إصابته بالسل عام 1899 ولم يستطع أن يتم أياً من مشاريعه الأدبية التي كلم آحاد هعام عنها. ونُشرت روايته وبعض قصصه بعد موته. ورغم أن أعماله الأدبية ينقصها النضج الحرفي، ورغم قلة ما كتب عموماً، سواء من الأدب أو الصحافة، فإنه يُعتبَر من أهم كُتَّاب العبرية الحديثة. والموضوع الرئيسي الذي تدور حوله أعماله هي قضية الصراع بين عملية العلمنة المتزايدة وسيطرة النزعة الأوربية الغربية على اليهود من جهة والقيم الأرثوذكسية التقليدية في اليهودية من جهة أخرى. وقد استخدم القصة القصيرة الشعرية لبيان الاعترافات الداخلية لإنسان بائس وروح مُمزَّقة مهزومة وتحمل رمزاً عاماً في طياتها. 


وكان فويربرج يؤمن بأن وظيفة الأدب العبري هي وصف "صورة اليهودي الأصيلة" والتي تعبِّر عن حالة يهود شرق أوربا الخاصة والتي حكمتها طريقة التربية والنشأة وظروف البيئة المحيطة والتقاليد. ومرجع هذه الرؤية يعود إلى أنه كان يؤمن بأن اليهودي حالة خاصة يختلف عن غيره من البشر حتى أن ما يراه وما يحسه وما يسمعه وما يأكله ليس هو حالة الأشياء في ذاتها وإنما هو قيمة خاصة لا يعرفها ولا يحبها إلا اليهودي. ومن ثم،كان يؤمن بأن محاولة الأدب العبري التعبير عن موضوعات عامة وعالمية أو التشبه بالأدب الأوربي هي محاولة محكوم عليها بالفشل. وتعبِّر قصصه عن مجمل آرائه هذه فهي تذخر بالشخصيات المترددة التي تتأرجح بين التقاليد الأرثوذكسية اليهودية وبين قيم الحياة الأوربية العصرية، مثل ياكوف (الجندي الروسي) في قصته «الحارس ياكوف»، وناثان في روايته لماذا؟. وتمتلئ قصصه أيضاً بوصف حياة التجمعات اليهودية في أوربا الشرقية. وقد استخدم فويربرج كذلك الأساطير الحسيدية كآلية ربط بين البطل وبين التقاليد الدينية كما في قصته «في المساء» من ثلاثية ذكريات الطفولة . 


وتُعتبَر روايته لماذا؟، برغم الضعف البنيوي وتفكُّك اللغة واستخدام الألفاظ الرنانة والانفعالية، من أهم روايات الأدب العبري المعاصر حيث تعبِّر عن معاناة البطل وتمزُّقه بين الإيمان الديني والعلمانية ومحاولته الوصول إلى الخلاص أولاً من خلال المشيحانية ثم من خلال الإيمان بالعلم الخالص، وتنتهي الرواية بخطاب يوجهه ناثان البطل للشعب اليهودي يحثه فيه على التوجه إلى الشرق باعتبار أن تلك الفكرة هي الخلاص الحقيقي. ويُعتبَر فويربرج رائد تيار خاص في الأدب الحديث المكتوب بالعبرية معاد للفكر التنويري. 


جـوزيف كـلاوزنـر (1874-1958)
Joseph Klausner 


مؤرخ وناقد يكتب بالعبرية. وُلد في أولينسك (ليتوانيا) وتلقى تعليماً دينياً تقليدياً، كما درس اللغات السامية والحديثة وعلم اللغة والتاريخ في جامعة هايدلبرج (ألمانيا) حيث حصل على درجة الدكتوراه عام 1902. ثم تولى تدريس التاريخ اليهودي في المدرسة التلمودية الحديثة في أوديسا إلى أن عُيِّن عام 1917 أستاذاً للدراسات الشرقية في جامعة أوديسا. وفي عام 1919، هاجر إلى فلسطين حيث واصل أنشطته الأدبية والبحثية حين عُيِّن عام 1926 أستاذاً لأدب العبرية في الجامعة العبرية. وفي عام 1944، عُيِّن أستاذاً لما يسمونه «تاريخ الهيكل الثاني» في الجامعة نفسها وظل يشغل هذا المنصب حتى وفاته. كما عمل كلاوزنر في مجال الصحافة حيث خلف آحاد هعام في رئاسة تحرير المجلة العبرية هاشيلواح، وظل يشغل هذا المنصب لفترة طويلة (من 1903 حتى 1926). وقد كان يشاركه في بعض الأحيان كلٌّ من حاييم بياليك ويعقوب فيشمان. وفي عامي 1933 و1934، رأس كلاوزنر تحرير المجلة العبرية بيتار لسان حال حزب الصهاينة التصحيحيين، كما أشرف منذ عام 1950 على تحرير دائرة المعارف العبرية. 


خلَّف كلاوزنر عدداً كبيراً من المؤلفات تتوزع بين الدراسات التاريخية والنقد الأدبي وعلم اللغة، ولكنه وجَّه جل اهتمامه إلى إحياء اللغة العبرية وتوسيع نطاق استخدامها. ومن أبرز مؤلفاته في هذا المجال كتاب اللغة العبرية لغة حية (1896) والذي دعا فيه إلى توسيع معجم العبرية لتلبية احتياجات العصر الحديث من خلال تعديل الاستخدامات اللغوية في التلمود والمشناه على أساس استخدامات العهد القديم، وكذلك كتاب موجز نحو اللغة العبرية (1935) الذي كان من المحاولات لوضع قواعد حديثة للعبرية. 


ومن أهم كتابات كلاوزنر مجموعة من المقالات في مجال النقد الأدبي نُشرت في ثلاثة مجلدات بعنوان الخالقون والبناءون (1925 ـ 1929)، يناقش فيها المهام الوظيفية للأدب المكتوب بالعبرية في مرحلة ما أسماه «البعث القومي»، وكذلك كتابه تاريخ الأدب العبري الحديث (1930 ـ 1950) الذي يعرض فيه إسهامات الأدباء في تطوير اللغة العبرية ثم علاقة الأدب المكتوب بالعبرية بالأدب العالمي وكذلك علاقته بما يُسمَّى «القومية اليهودية». ويستخدم كلاوزنر في هذه الكتابات الطرق التقليدية في البحث الأدبي التي كانت سائدة في القرن التاسع عشر بين النقاد الوضعيين، فكان يعطي اهتماماً بالغاً للسيرة الذاتية للكاتب ولعناصر الزمان والمكان والهوية القومية بوصفها عناصر حاسمة في الإبداع الفني، إلا أن رؤيته لتأثير تلك العناصر تشوبها نزعة آلية وعنصرية. وفي تقييمه للأعمال الأدبية، ينطلق كلاوزنر في معظم الأحيان من أحكام أيديولوجية مسبقة تتسم بالثبات والصرامة، الأمر الذي يقوده إلى إغفال خصوصية العمل الفني وجمالياته واستخلاص نتائج قد تبدو مُقحَمة أو مفتَعلة. 


وتكشف كتابات كلاوزنر التاريخية عن ملامح فكره بشكل أكثر وضوحاً. ومن أبرز مؤلفاته في هذا المجال كتاب التاريخ اليهودي (1907)، وكتاب اليهودية والإنسانية (1910)، وكتاب تاريخ الهيكل الثاني (1949). وفي هذه الكتابات، يسعى كلاوزنر إلى تقييم أحداث الماضي لا على أساس سياقها التاريخي بل على أساس قيم الحاضر، كما يسعى إلى إثبات المقولات الأساسية التي تشكل عصب الفكرة الصهيونية مثل تميز اليهود وتفوقهم، ووجود سمات مشتركة بين الجماعات اليهودية في العالم تجعل منها شعباً واحداً له خاصية « الاستمرار التاريخي » والذي لم تَشُبه شائبة منذ بدء الخليقة حتى العصر الراهن. وبالإضافة إلى ذلك، كتب كلاوزنر بعض الدراسات المثيرة للجدل حول تاريخ المسيحية، منها كتاب يسوع الناصري: حياته وعصره وتعاليمه (1922) الذي يتناول فيه يسوع المسيح بوصفه شخصية يهودية زاعماً أنه كان يهودياً قومياً ولم يتخل عن يهوديته قط، وكذلك كتاب من يسوع إلى بولس (1939 ـ 1940) الذي يتتبع فيه تطور المسيحية استناداً إلى مصادر دينية يهودية. ورغم كل دعاوى التجرد والموضوعية في البحث، يظل مفهوم كلاوزنر للتاريخ مفهوماً أسطورياً يتحايل بكل السبل من أجل إيجاد مسوغات للمزاعم الصهيونية التقليدية، الأمر الذي جعل كتاباته تنضح بالتعصب الشديد لليهود وبالازدراء التام لكل ما هو غير يهودي في التاريخ الإنساني بأسره. 


ولم تكن صهيونية كلاوزنر هذه مجرد نزعة فكرية بل كانت قضية حياته بأسرها. فقد انضم في شبابه إلى حركة أحباء صهيون وكان من أنشط أعضائها، كما حضر المؤتمر الصهيوني الأول (1897) وجميع المؤتمرات التالية تقريباً حتى المؤتمر الحادي عشر. ومنذ عام 1930، قام كلاوزنر بدور بارز في صفوف حزب الصهاينة التصحيحيين ثم في حزب حيروت الذي جاء على أنقاضه. وكان يُعَدُّ أحد المنظِّرين الأساسيين للتيار الذي عبَّر عنه الحزبان. وفي عام 1949، قدمه حزب حيروت مرشحاً عنه ضد حاييم وايزمان في أول انتخابات لرئاسة الدولة الصهيونية. 


شاؤول تشرنحوفسكي (1875 ـ1943)
Saul Tschernohvsky 


شاعر روسي يهودي يكتب بالعبرية، ويُعدُّ هو وبياليك قطبي الأدب المكتوب بالعبرية في روسيا. وتشرنحوفسكي هو ابن لأبوين متدينين تأثرا بأدب التنوير اليهودي، ولكنهما انضما إلى حركة أحباء صهيون. وقد أرسل الأبوان ابنهما إلى مدرسة يهودية حيث تلقى تعليماً تقليدياً ودروساً في العبرية، ثم أرسلاه بعد ذلك إلى مدرسة تجارية. 


ولكن الشاعر، مع هذا، قرأ عديداً من الكتب الأدبية والفكرية العالمية. ومن بين قراءاته، نجد قصص جول فيرن وألكسندر دوماس والإلياذة والأوديسة وأعمال جيته ونيتشه، جنباً إلى جنب مع التوراة والتلمود والكتب الدينية اليهودية. درس تشرنحوفسكي الطب في ألمانيا، وتزوج من سيدة روسية مسيحية من أصل أرستقراطي تقية ورعة متمسكة بأهداب دينها وتعاليمه. وبعد أن انتهى من دراسته، توجه إلى روسيا حيث مارس مهنته هناك بعد طول عناء. ولكن وضعه الطبقي تدهور، بنشوب الثورة البلشفية، وهو ما اضطره إلى الهجرة. وقد حاول تشرنحوفسكي جاهداً الحصول على وظيفة طبيب في فلسطين، ولكنه لم يفلح، فهاجر إلى برلين. وتصف قصيدته المعنونة «الماء الآسن» الآلام الروحية والجسدية لمثقف فقد مكانته بسبب النظام الاجتماعي الجديد، ولكنه يظل مع هذا يحلم بالماضي السعيد. ولم يستقر تشرنحوفسكي في فلسطين (عام 1931) إلا بعد أن حصل على وظيفة طبيب. وهناك أيَّد الغزوة الصهيونية، كما أسهم في الدعاية الصهيونية بشكل واضح. ولكنه، رغم ذلك، كانت تمر به لحظات يخامره فيها الشك فيما يفعل على نحو ما صوَّر في قصيدة «ليس لي شيء يخصني». 


ويمكن تقسـيم شـعر تشرنحوفسـكي إلى ثلاث نبرات أساسية: أولاً، النبرة العلمانية الحلولية الوثنية المتمردة، حيث يطرح الشاعر التراث اليهودي التقليدي جانباً ويتوحد بالوجود والكون والطبيعة ويحلم ببعث يهودي وبظهور شعب لا ينوء تحت نير الغيبيات، وتعبِّر عن ذلك قصيدتا «إلى الشمس» و«إني أعتقد». ثانياً، النبرة اليهودية القَبَلية، حيث يعبِّر تشرنحوفسكي عن إحساسه اليهودي بالانفصال عن الأغيار وبالعداء الشديد تجاههم على نحو ما يظهر في قصيدتي «باروخ المغنتسي» و«فليكن هذا هو ثأرنا». ثالثاً، النبرة الغيبية اللادينية، حيث يحاول الشاعر أن يمزج بين النبرتين السابقتين وينجح في أن يقدم رؤية صهيونية علمانية عقلانية المظهر غيبية المخبر، كما في قصيدة «أمام تمثال أبوللو». تأثر تشرنحوفسكي بأفكار المفكر الصهيوني بيرديشفسكي، ونحا منحى كنعانياً ونادى بقومية إسرائيلية جديدة منفصلة عن قومية يهود المنفى. وقد كتب تشرنحوفسكي قصصاً ومقالات وقصائد للأطفال، مقلداً كثيراً من الأشكال الأدبية الغربية من السوناتا إلى الملحمة إلى الخمريات الأناكرونية الإغريقية، وترجم كثيراً من الأشعار الغربية إلى العبرية. وهو يُعَدُّ من المجددين في الشعر المكتوب بالعبرية. 


جـــوزيف برينــر (1881-1921)
Joseph Brenner 


مؤلف روسي يهودي يكتب بالعبرية واليديشية، تأثر بأعمال بيرديشفسكي وبرؤيته للحياة وبأعمال مندلي موخير سيفاريم. وتأثر، شأنه شأن كثير من المؤلفين الذين يكتبون بالعبرية في عصره، بأعمال دوستويفسكي وتولستوي ونيتشه. وُلد في أوكرانيا، ودرس في إحدى المدارس التلمودية العليا، ثم عمل ككاتب (سوفير) حيث كان يكتب رقائق التوراة والتمائم، وانضم إلى حزب البوند. وقد كتب بعض القصص من أهمها روايته القصيرة في الشتاء (1902) التي تُعَدُّ أول أعماله الروائية المهمة. 


عاش برينر بعد عام 1900 في وارسو، وخدم في الجيش الروسي بين عامي 1901 و1904، ولكنه هرب إلى لندن حيث نشط في جماعة عمال صهيون، ثم بدأ العمل بالطباعة والنشر والتأليف بعض الوقت ثم استقر في فلسطين حيث قام بتدريس العبرية في يافا عام 1915، ثم اضطر إلى تركها. ولكنه عاد مع القوات البريطانية واستمر في نشاطاته الصهيونية العـديدة التي كان من أهمها المسـاهمة في تأسـيس الهستدروت. وقد قُتل عام 1921 أثناء بعض أعمال المقاومة العربية ضد الاستعمار البريطاني والصهيوني. 


وُصفت أعمال برينر الروائية بأنها انعكاس مباشر للحياة ولحياته هو على وجه التحديد، ولذا نجد أن الراوي فيها هو الشخص الأول (المتكلم). ومهما اختلف الأسماء والشخصيات الأساسية فهم في نهاية الأمر برينر نفسه: يورمان في قصة «في الشتاء»، وأبراسون في قصة «حول النقطة»، وإليعازر في قصة «في المساء والصباح»، ويوحانان ماهاراشك في قصة «خلف الحدود»، وشاؤول جمسو في قصة «بين الحروب»، ويحزقئيل حيفز في قصة «الفرار والفشل». 


وتأخذ أعماله الأدبية الأشكال التالية: 


1 ـ القصة الوثائقية التي تتبع منهج التعاقب التار يخي. 
2 ـ المذكرات التي تم تحريرها وتحويرها. 
3 ـ الراوي الذي يرى الأحداث بعينه ولكنه لا يشارك فيها. 


وتُقدِّم كثير من شخصيات برينر اعترافاتها وتكشف خبايا نفسها بنفسها، وهي شخصيات تُغيِّر مكان إقامتها لتكتشف أن هذا لا يجدي فتيلاً إذ أن الخلل في الداخل، ولذا فهي تنتهي بالإحساس بالمرارة تجاه نفسها وتجاه العالم. وكثير من أبطاله هم أبطال مضادون، بعضهم قد يبحث عن معنى لحياته، أو عن هويته والبعض الآخر يستسلم تماماً لقدره (من أهم أعماله رواية من هنا وهناك وهي مستوحاه من حياة جوردون الذي تتضمن شخصيته قدراً من الإيجابية والتفاؤل). 


حاول برينر أن يقدِّم الواقع من خلال لغة الحديث العبرية، وهي لغة لم تكن موجودة آنذاك، ولذا فقد حاول تطعيم اللغة بكلمات ومفردات من اليديشية والروسية والألمانية. كما أن بنية الجملة ذاتها كانت تعكس محاولته أن يُدخل الحياة على أسلوب العبرية الحديثة، ولذا فقد كان كثيراً ما يلجأ إلى التكرار واستخدام الجمل الناقصة وعلامات الاستفهام والتعجب وكان لا يستخدم الصور الشعرية إلا في اللحظات التي تصل الأحداث فيها إلى الذروة. 


هاجم برينر آحاد هعام وكان محور الصراع مفهوم المنفى. فبرينر كان يعبِّر عن وجهة النظر الاستيطانية العمالية بكل شراستها وتبلورها وتطرفها ذاهباً إلى أن يهود العالم كيان لابد من تصفيته، ومهمة اليهود هي الاعتراف بوضاعتهم منذ بدء التاريخ حتى يومنا هذا وبكل نقائص شخصيتهم. فاليهود يحيون بأية طريقة، حتى كالنمل أو الكلاب؛ يحب كل يهودي ذاته ويتكيف مع الأوضاع ويذل نفسه من أجل البقاء. والتاريخ اليهودي هو تاريخ طويل من الذل والمهانة. ثم يجيء بعد هذا آحاد هعام، المتـحدث باسـم الإثنية اليهـودية (إثنية يهود المنفى)، ويكيل الثناء للتاريخ المليء بالشهداء والوضعاء؛ وذلك التاريخ الذي تشكلت فيه الهوية اليهودية من خلال الاضطهاد والطرد، حتى ظهر في آخر الأمر شـعب يحـيا بـدون مجتمع، خــارج أي مجتمع على الإطلاق، «شعب هائم شاذ معذب لا هدف لحياته ولا استقلال لها ». وبعد هذه الصورة السلبية ليهود العالم، لم يبق سوى الخروج. ولذا، يقترح برينر إنشاء مجتمع جديد حتى يمكن تطبيع الشخصية اليهودية من داخله: « مستعمرات للعمال هذه هي ثورتنا الوحيدة ». وقد نُشرت أعمال برينر الكاملة في ثمانية أجزاء. 


جيكوب كاهان (1881-1960)
Jacob Kahan 


شاعر ومسرحي يهودي روسي يكتب بالعبرية. وُلد في منسك، وتنقل بين بولندا وسويسرا وألمانيا حيث مارس نشاطاً واسعاً في مجال إحياء اللغة العبرية، فأسس في برن جمعية دولية لتطوير اللغة العبرية، وشغل في برلين منصب أمين جمعية اللغة والثقافة العبريتين. وفي عام 1930، انتُخب رئيساً لنادي القلم العبري في بولندا وظل يشغل هذا المنصب لمدة أربع سنوات. وساهم كاهان بنشاط في الحركة الصهيونية حيث كان عضواً في اللجنة المركزية للمنظمة الصهيونية التصحيحية وأحد القادة البارزين لحزب الدولة اليهودية. وفي عام 1934، هاجر كاهان إلى فلسطين واستقر فيها حتى وفاته. 


بدأ كاهان كتابة الشعر في سن مبكرة، وصدرت أولى مجموعاته الشعرية في وارسو عام 1903، وأتبعها بأربع مجموعات أخرى في الفترة 1905 - 1920. ثم أصدر طبعة جديدة تشمل هذه الأعمال جميعها بعنوان شباب وتجوال (1928) ومجموعة أخرى بعنوان بين الأطلال (1930). وبينما اتسمت قصائد المجموعات الأولى بالغنائية والعذوبة، جاءت المجموعة الأخيرة دعائية فجة تعكس التعطش للعنف الدموي والعدوان كسبيل لتحقيق الحلم الصهيوني، وهو ما توجزه أبيات إحدى قصائد المجموعة: « بالدم والنار سقطت يهودا، وبالدم والنار سوف تنهض يهودا ». 


وبالإضافة إلى الشعر، كتب كاهان حوالي ثلاثين مسرحية تناول فيها الشخصيات التوراتية الأساسية (مثل داود وسليمان وإليشع)، كما تناول دلالتهم التاريخية والأسطورية بالنسبة لمصير اليهود. إلا أن كاهان الشاعر تبوأ مكانة مرموقة في مصاف الأدباء الذين يكتبون بالعبرية في العصر الحديث حيث وصفه بياليك في مقال شهير له بأنه يفوق، في صفاء غنائيته، جميع شعراء العبرية في مطلع القرن العشرين. أما كاهان المسرحي فهو في نظر معظم النقاد لا يعدو أن يكون مجرد كاتب لحكايات ساذجة تقوم على المصادفات المفجعة. ولم يكن كاهان واعياً بصراع القوى السياسية المختلفة، فاعتقد أن من الممكن صهر اليهودية في بوتقة الحضارة العالمية وتخليصها مما سماه « التقاليد البالية وشوائب المنفى». وقد عبَّرت أشعاره عن الحنين الجارف إلى الماضي اليهودي السحيق، والرغبة في تحقيق السعادة التي طال انتظارها، وذلك من خلال بعث هذا الماضي. وقد نُشرت أعماله في أربعة عشر جزءاً. 


يهــودا قرنــي (1884-1949) 
Yehuda Karni 


شاعر وصحفي روسي يهودي يكتب بالعبرية. وُلد في منسك، وانخرط في الحركة الصهيونية في سن مبكرة، حيث ساهم بنشاط في حركة عمال صهيون، وحضر عدة مؤتمرات صهيونية ممثلاً لها. وفي عام 1921، هاجر إلى فلسطين وواصل فيها أنشطته الأدبية والصهيونية، وعمل منذ عام 1923 وحتى وفاته ضمن هيئة تحرير صحيفة هاآرتس. غلب على شعره المبكر الطابع الذاتي المجرد والتأثر الشديد بشعر كلٍّ من بياليك وتشرنحوفسكي، أما القصائد اللاحقة فتعكس التشبع بالأفكار والتقاليد الصهيونية والتطلع إلى تحقيق الحلم الصهيوني بإقامة الدولـة على « أرض الوعـد »، ويظـهر ذلك بوضـوح في مجموعاته الشعرية: بوابـات (1923)، و وطــن على بوابـاتك (1935)، و أغاني القدس (1948). وفي هذه المجموعة، وفي كثير من القصائد الأخرى، يقدم الشاعر مدينة القدس بوصفها رمزاً أبدياً لليهود ولقدرهم الحتمي. أما مجموعته الأخيرة أغاني ودموع (1948)، فقد كرسها لرثاء ضحايا المذابح النازية من اليهود. ولا تخلو مقالات قرني من الطابع الرثائي الذي ساد شعره، حيث خصَّص قسطاً كبيراً منها للبكاء على ما آل إليه مجتمع المستوطنين اليهود في فلسطين، حيث اكتشف الكاتب أنه أبعد ما يكون عن صورة المجتمع الفردوسي الذي حلم به المستوطنون الأوائل. 


ديبـــورا بــارون (1887-1956)
Devorah Baron 


كاتبة قصص روسية يهودية تكتب بالعبرية. وُلدت في منسك، لأسرة متدينة، وكان أبوها حاخام المدينة. وقد أثر الجو الديني الذي نشأت فيه تأثيراً كبيراً في تكوينها الأدبي وفي مفاهيمها الثقافية. وهاجرت بارون إلى فلسطين عام 1911 وتزوَّجت من أحد قادة الصهيونية العمالية، وأخذت تشارك في تحرير الملحق الأدبي لمجلة هابوعيل هاتسعير (العامل الفتي). وفي عام 1915، نفتها الحكومة التركية إلى مصر، ثم عادت إلى فلسطين بعد انقضاء الحرب العالمية الأولى واستقرت هناك حتى وفاتها. 


ومن أبرز أعمال بارون مجموعة قصص قصيرة بعنوان حكايات (1927)، ومجموعة أخرى بعنوان أشياء صغيرة (1933) نالت عنها جائزة بياليك في الأدب عام 1934، وكانت أول أديبة تحصل عليها. والموضوعات المحورية لقصص هاتين المجموعتين هي ذكريات الطفولة وحياة التجمعات اليهودية في شرق أوربا في مطلع القرن العشرين، وكذلك ملامح الأحياء اليهودية التي تصورها الكاتبة بوصفها جزراً منعزلة يشيع فيها الإحساس بالوحدة وسط عالم غريب يملؤه الفقر والعداء لليهود. وتَغلُب على شخوص قصصها مشاعر الخوف والرعب إزاء نهايتهم المأساوية الحتمية، وهي سمة تسود معظم الأعمال الأدبية التي كتبها المستوطنون اليهود في فلسطين قبل قيام الدولة الصهيونية. أما أسلوب الكاتبة، والذي تأثر بتقاليد القصة الأوربية في القرن التاسع عشر، فيجمع بين الواقعية والانطباعية مع مسحة خيالية واضحة تخلع على كثير من أحداث قصصها طابع المصادفات المفجعة. 


وقد كان آخر ما نُشر لبارون في حياتها مجموعة قصصية بعنوان منذ الليلة الأخيرة (1956)، تصف فيها واقع التجمع الاستيطاني اليهودي على أرض فلسطين أثناء الحرب العالمية الثانية وكيف وضع المستوطنون أنفسهم في خدمة القوات البريطانية لمواجهة الزحف النازي مقابل الدعم البريطاني لمشروع الصهيونية. وقد تُرجمت لها إلى الإنجليزية مجموعة قصص قصيرة صدرت تحت عنوان طريق الشوك (1969). 


جيكوب ستاينبرج (1887-1959) 
Jacob Steinberg 


شاعر وكاتب قصة روسي يهودي يكتب بالعبرية. وُلد في أوكرانيا، ولا نعرف سوى القليل عن المراحل الأولى في حياته من خلال قصصه ورواياته القصيرة حيث يصور الفقر والمعارك العائلية والتمرد على التقاليد والهروب إلى المدينة. فرَّ ستاينبرج وهو بعد في الرابعة عشرة من عمره إلى أوديسا حيث قابل بياليك وزلمان شنياؤور، ثم انتقل إلى وارسو عام 1903 حيث نشر أولى قصائده العبرية وكتب في الصحافة العبرية واليديشية. استقر ستاينبرج في فلسطين مع بداية الحرب العالمية الأولى حيث توقف عن الكتابة باليديشية واستمر في الكتابة بالعبرية. ومنذ عام 1942، أصبح أحد محرري المجلة التي كان يصدرها اتحاد الكتاب العبريين. 


من أهم مصادره الأدبية أشعار فرلين وبودلير والكُتَّاب الواقعيين الروس. وكان شعره يبتعد عن التقريرية والمباشرة ويمور بالضجر والإحساس بتخثُّر الأشياء، وثمة إشارات عديدة للمقابر والسم والألغاز، كما يمتلئ شعره بالتناقضات (وهو ما يدل على أثر بودلير العميق). وانطلاقاً من رؤية بودلير للشاعر، يذهب ستاينبرج إلى أن مهمة الشاعر هي اكتشاف علاقات التناظر (بالإنجليزية: كورسبندانس correspondence) الأساسية في الكون. فالقياس يبيِّن أن ثمة نظاماً في العالم وأن ذلك لم يتم بالصدفة، والشاعر هو القادر على اكتشاف علاقات التناظر الكامنة. ولذا، فإن الشاعر هو القادر على المواءمة بين المتناقضات دون تقليل عنصر التوتر بينها، ذلك أن عنصر التوتر هذا مفتاح الوجود وسر الحياة. 


ويتسم أسلوب ستاينبرج بإيقاعاته التوراتية وبحدته. كما أن رؤيته الأدبية رؤية صهيونية تماماً، فهو يرى أن تاريخ الأدب العبري هو عملية اغتراب تدريجية من البيت الشعري المفرد المحدد الذي يُولِّد الحياة، وأن عدم اهتـمام اليهود بالأبعاد الجمالية هو علامة على أنهم شـعب لا جذور له. ولذا، فإن مستقبل الشعر العبري مرتبط عنده بمستقبل الشعب اليهودي. وفي الواقع، فإن عودة الشعر العبري إلى بيت الشعر الحيوي يتضمن عودة اليهودي إلى الحياة الطبيعية، أي أن نقده لتقاليد الأدب العبري مرتبط تماماً بالنقد الصهيوني ليهود الدياسبورا، والحل في كلتا الحالتين هو العودة. وقد تأثر ستاينبرج كذلك بأصحاب مدرسة الصورة الشعرية (بالإنجليزية: إيمجيستس Imagists) الذين طالبوا الشعراء بالبُعد عن الخطابية وأن يكون الشعر مُكوَّناً من صور متعيِّنة موجزة هي ذاتها تولِّد المعنى. وكعادة بعض الأدباء المفكرين اليهود، اكتشف ستاينبرج هذا الاتجاه في التراث اليهودي، فالعبرانيون القدامى لم يمتلكوا ناصية المعمار أو النحت ولكنهم امتلكوا ناصية نحت الأفكار المجردة على هيئة كلمات. وهذه ـ حسب تصور ستاينبرج ـ هي ميزة اللغة العبرية، فكلماتها أحجار صلبة منحوتة وليست رملاً لا شكل له كما هو الحال في اللغات السلافية أو الألمانية. ومرة أخرى، نلاحظ النمط الصهيوني، فهو يعود لتاريخ العبرانيين القدامى ويكتشف هوية يهودية خالصة مختلفة عن هوية الأغيار متجسدة في اللغة. 


كتب ستاينبرج عشرين قصة عن حياة اليهود في الشتتل في أوكرانيا، وهي تصور حياة مليئة بالإحباط والحب الفاشل والقذارة. وتنتهي هذه القصص عادةً بالموت والهزيمة والانتحار وبالعاطفة المشبوبة التي تُحبَط فتتحول إلى قوة من قوى الهدم. والقصص كلها دراسات (صهيونية) في اليهودي الذي لا جذور له. وستاينبرج يقف هنا ضمن عدد كبير من كُتَّاب العبرية أمثال حاييم برينر ومندلي موخير سيفوريم ممن يرون اليهود باعتبارهم جماعةً حُكم عليها أن تعيش خارج مسار الطبيعة وعليها أن تعيش من أجل الموت بسبب غياب أي هدف دنيوي يمكنها أن تكرس نفسها له. ورفض ستاينبرج ليهود العالم (يهود المنفى) رفض كامل، ولذا فهو يصفهم بأنهم «أشباح مشوهة » ولا علاج للأشباح المشوهة إلا بالعودة للأرض لتشفى من مرض الموت. وقد نُشرت أعماله الكاملة في ثلاثة أجزاء (1937)؛ يضم الجزء الأول منها أشعاره، والجزء الثاني قصصه القصيرة، أما الجزء الثالث فيضم المقالات. 
يتبع إن شاء الله...


الباب الثامن: الآداب المكتوبة بالعبرية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

الباب الثامن: الآداب المكتوبة بالعبرية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثامن: الآداب المكتوبة بالعبرية    الباب الثامن: الآداب المكتوبة بالعبرية  Emptyالإثنين 09 ديسمبر 2013, 11:50 pm

زلمــان شــنياؤور (1887- 1959)
Zelman Shneour 


شاعر وروائي وكاتب مسرحي روسي يهودي يكتب بالعبرية واليديشية. وُلد في روسيا البيضاء لأسرة حسيدية وكان أبوه يعمل في تجارة المجوهرات. تلقى شنياؤور تعليماً تقليدياً وأصبح على دراية بالتراث الحسيدي وكان اخوته من دعاة التنوير فتأثر بفكرهم وترك أهله وهو بعد في سن الثالثة عشر وبدأ حياة من التجوال. قضى بعض الوقت في أوديسا حيث تعرَّف إلى بياليك ثم استقر في وارسو لبضعة سنوات حيث عمل في دار نشر عبرية كما عمل سكرتيراً خاصاً لأيزاك بيريتس. وهناك قابل فريشمان الذي أصبح صديقه وأستاذه. 


ثم ذهب إلى فلنا حيث تعرَّف إلى بعض كبار مثقفي اليديشية. ويبدو أنه أحب هذه المدينة فكتب عنها قصيدة طويلة، ومنذ ذلك الوقت أصبح يكتب بالعبرية واليديشية. وساهم بالكتابة في العديد من المجلات العبرية واليديشية. توجه شنياؤور بعد ذلك إلى سويسرا حيث كتب (عام 1908) قصيدة غنائية طويلة بعنوان «في الجبال» تتناول الموضوع الرومانتيكي المألوف: التناقض بين الطبيعة الحرة التلقائية والمدينة الكئيبة المكبلة بالتقاليد المصطنعة. ثم ذهب إلى باريس حيث درس في السوريون بعض الوقت. وقد سافر منذ عام 1908 حتى عام 1913 في أوربا (وزار المغرب العربي)، وأثناء هذه الفترة كتب مجموعة قصائد بعنوان «على أنغام الماندولين» (1912) حيث يعبِّر الشاعر عن حبه العميق « لفتاة إيطالية سمراء لوحتها الشمس» سحرته بجمالها ويطلب منها أن تعزف له على آلة الماندولين. 


ومع هذا يتذكر الشاعر أن أسلافها هم الذين حطموا الهيكل وتسببوا في تشتت الشعب اليهودي. وموقفه المبهم هذا، الذي يتأرجح بين الحب والكراهية، هو تعبير عن موقفه من الأغيار ككل. وفي قصيدة «إيقـاعات إسـرائيل» (1912) يصـف شـنياؤور « انتقام اليهـود من الأغيار»، وهو انتقام يتم في عالم الروح إذ أن اليهودي منحهم اليهودية، هذه الديانة التي فرضت عليهم مفهوماً للإله أبعدهم عن آلهتهم الحسية الجميلة أي أن التوحيد اليهودي هو تعبير عن نقمة اليهودي على عالم الوثنية الحلولي الجميل. 


وفي عام 1913 أثناء محاكمة بيليس كتب شنياؤور قصيدة بعنوان «العصور الوسطى ستعود» يحذر فيها اليهود من الانخداع بمظاهر التقدم والتسامح، إذ أن الكراهية والحروب ستعود مرة أخرى. ومع بداية الحرب العالمية الأولى، كان شنياؤور في ألمانيا فدرس الطب في برلين وعمل في مستشفى، وأسس داراً لنشر الكتب العبرية. ولكن بعد تفرُّق أدباء العبرية استقر في باريس عام 1923 وظل مقيماً هناك حتى عام 1940 (مع وصول القوات النازية) ثم فر إلى الولايات المتحدة. وعند إعلان دولة إسرائيل لم يهاجر إليها على الفور إذ أنه لم يستوطن في فلسطين المحتلة إلا عام 1951. 


وينتمي شنياؤور لهذا الجيل من المؤلفين الصهاينة الذين ينم أدبهم عن كره عميق لليهودية ويهود المنفى (أي كل اليهود في كل أنحاء العالم) ويطرحون بدلاً من ذلك رؤية علمانية مبنية على قيم القوة والبطش، ففي رواية نواه باندري (باليديشية) يُقدِّم شنياؤور شخصية نواه (نوح) باعتباره نموذجاً لليهودي الجديد الذي لم يتلق تعليماً دينياً، فهو ليس حزمة أعصاب يخاف من ورقة الشجر التي تحملها الريح. وهو يهودي بالعرْق والوراثة (لا العقيدة)، قوي لا يهاب؛ يداه هي يدا عيسو تكسب له احترام الأغيار الذين كانوا يظنون أن اليهودي جبان بطبعه يعيش حياة روحية محضة. 


وفي قصيدة «اللوحات المُخبَّأة» يتخيل شنياؤور أنهم أثناء التنقيب عن الآثار في فلسطين قد يجدون بعض الأعمال التي كتبها أعداء التراث الديني التقليدي، أعمال مثل الكتب الخفية (أبوكريفا) ومثل نشيد الأنشاد وسفر الأمثال التي حاول الحاخامات منع نشرها ولكنها نجت من هذا المصير بأعجوبة وتم تضمينها في العهد القديم. والقصيدة أثارت الكثير من النقاش فهي تروي تاريخ إسرائيل بطريقة تختلف عن الرواية التوراتية، تشبه رؤية قورح والصدوقيين وغيرهم ممن يقفون خارج التراث ويحاولون تقويضه. 


إن شنياؤور يشن هجوماً عنيفاً على اليهودية البالية التي شاخت وتحجرت وعلى التراث اليهودي وعلى التاريخ اليهودي ولكنه يصر مع هذا على انتمائه اليهودي الإثني، الذي لا وجود له خارج هذا التاريخ اليهودي الوهمي. ولهذا نجد أن شعره يزخر بالتناقضات، فقصائده تجمع بين النزعة الحسية الواضحة والنزعة التشاؤمية التي لا ترى في الحياة إلا وهماً فارغاً. ورغم تمرُّده على سائر أشكال الضعف والخنوع، إلا أنه يبدو يائساً ومستسلماً تماماً إزاء المصير الإنساني المأساوي المحتوم. وكثيراً ما يأتي ذكر شنياؤور، إلى جانب بياليك وتشرنحوفسكي، بوصفه أحد " الثلاثة العظام " في الأدب الحديث المكتوب بالعبرية، ولكنه يفوقهم من ناحية غلبة الطابع الحسي في شعره. 


ومن مؤلفات شنياؤور الأخرى قصائد للأطفال (1908)، والجسور (1923)، و الرؤى (1924)، و فصول الغابة (1933)، وكلها مجموعات شعرية. ومن مؤلفاته القصصية من الحياة والموت (1910)، و المضايق (1923)، وكلها بالعبرية. أما مؤلفاته اليديشـية (التي تفـوق في غزارتها مثيلتها بالعـبرية) فمـن بينهـا: أعماله الكاملة (1909)، و موت ـ من مذكرات منتحر مجنون (1909)، ورواية نابليون والحاخام التي صدرت لها ترجمة فرنسية عـام 1943. ومعظـم أعماله اليديشـية نُشـرت في صحف ومجلات متنوعة، ولم يظهر منها على هيئة كتب إلا عدد قليل. وقد تُرجم كثير من أعمال شنياؤور إلى اللغات الأوربية، وقام هو نفسه بترجمة كثير من مؤلفاته اليديشية إلى العبرية. 


إليشـيفا (1888-1949) 
Elisheva 


إليشيفا بيخوفسكي هو الاسم الأدبي للكاتبة إليزافيتا جيركوفا، وهي أديبة روسية غير يهودية تكتب بالعبرية. وبدأت حياتها الأدبية بالكتابة بالروسية فنشرت مجموعتين شعريتين هما: دقائق (1919)، أغان خفية (1919). تزوجت من روسي يهودي في عام 1920، وهاجرت معه إلى فلسطين حيث استوطنا فيها. واتجهت إلى الكتابة بالعبرية، فنشرت أعمالاً أدبية متنوعة أهمها: قصائد بعنوان كوب صغير (1926)، ومجموعة قصص بعنوان قصص (1928)، وقصة بعنوان حادثة تافهة (1929)، ورواية بعنوان الحارات (1929)، ودراسة بعنوان الشاعر والإنسان عن الشاعر الروسي ألكسندر بلوك (1929)، ثم قصائد (1946). كما ترجمت إلى الروسية بعض الأعمال الأدبية المكتوبة بالعبرية. كانت إليشيفا تُبدي إعجاباً شديداً بقيم اليهودية، كما أبدت تعاطفاً مع دعاوى «القومية اليهودية» (أي الصهيونية)، إلا أنها ظلت متمسكة بعقيدتها المسيحية ولم تتحول إلى اليهودية. 


ورغم أن إليشيفا ليس لها أية أهمية، إلا أنها تثير قضايا منهجية عديدة. فالتصور العام أن الآداب المكتوبة بالعبرية هي جزء مما يُسمَّى بالأدب اليهودي، وأنه تعبير عن الهوية اليهودية، ولكن ماذا لو كتب أديب بالعبرية عن مواضيع غير يهودية أو كتب أدباً معادياً لليهود واليهودية؟ هل يظل هذا أدباً يهودياً؟ وهناك القضية الأخرى وهي: هل الأعمال الأدبية المكتوبة بالعبرية تشكل أدباً عبرياً أم آداباً مكتوبة بالعبرية؟ وتثير إليشيفا كل هذه القضايا وبحدة، فهي روسية مسيحية أرثوذكسية ظلت متمسكة بعقيدتها المسيحية رغم أنها كانت تكتب بالعبرية ورغم أنها هاجرت إلى فلسطين واستوطنت فيها، ولابد أنها كانت تدور داخل إطار التقاليد الأدبية الروسية، أي أنها ظلت مسيحية من ناحية العقيدة، روسية من ناحية الانتماء الأدبي، وهو ما يجعل العبرية مجرد أداة لغوية. وهي، في هذا، تشبه أنطون شماس الفلسطيني العربي الذي كتب رواية بالعبرية وأصبح من رواد الأدب العبري في إسرائيل! 


آشــير بــاراش (1889-1952)
Asher Barash 


روائي وناقد يكتب بالعبرية. وُلد في جاليشيا واستقر في فلسطين منذ عام 1914. بدأ الكتابة الأدبية في سن مبكرة باللغة اليديشية، وكتب بعض أعماله الأولى باللغتين الألمانية والبولندية ثم تحوَّل بعد ذلك إلى الكتابة باللغة العبرية شعراً ونثراً. وتتناول بعض قصص باراش حياة مهاجري الموجة الثانية إلى فلسطين وواقع ما بعد تأسيس الدولة الصهيونية، ويتبدَّى في بعضها الآخر نزوع إلى ذكريات الحياة الأولى التي خلفها في جاليشيا. يغلب على قصصه طابع السرد التقليدي والوصف البسيط الذي لا يخلو من مضامين عقائدية موجَّهة. ففي روايته الحب المنبوذ (1930 ـ 1938)، يحاول الكاتب أن يصل بالقارئ إلى نتيجة محددة مفادها أن مجتمع الأغيار حاقد وشرير، وأنه لا سبيل إلى التعايش الطبيعي بين اليهود وغيرهم. إن علاقة الحب بين فتى يهودي وفتاة من الأغيار تصل إلى طريق مسدود، ويكون الحل الذي تقدمه الرواية هو زواج الفتاة من شرطي معاد لليهود. كتب باراش عدة أعمال نقدية أبرزها كتاب نظرية الأدب (1931) وهو محاولة لتقديم نظرية منهجية عن أدب العبرية، بيد أنه لم تَعُد له قيمة تذكر نظراً للطابع المطلق والجامد لكثير من أحكامه. كما ترجم باراش إلى العبرية بعض الأعمال الأدبية الإنجليزية والألمانية فضلاً عن يوميات هرتزل. 


مناحــــم ريبالــــو (1896-1953) 
Menahem Ribalow 


صحفي وناقد أدبي روسي يهودي يكتب بالعبرية. تلقَّى تعليمه في إحدى المدارس التلمودية ثم في جامعة موسكو. هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1921 واستقر فيها. وفي عام 1923، اختير رئيساً لتحرير المجلة الأسبوعية العبرية هادوعار التي كانت تصدر في نيويورك، وظل يشغل هذا المنصب حتى وفاته. وتناول ريبالو في مقالاته، (التي كان يوقعها باسم مستعار هو «م. شوشاني») العديد من قضايا الأدب الحديث المكتوب بالعبرية وخصوصاً الشعر. ساهم بقسط وافر في حركة إحياء اللغة العبرية وفي مجال خلق جسور التفاهم بين الأدباء الذين يكتبون بالعبرية وأولئك الذين يكتبون باليديشة في الولايات المتحدة. كما تولى منصب الرئيس المناوب للاتحاد العالمي للعبرية (مع إسحق بن تسفي). شارك ريبالو في تحرير الكتاب السنوي ليهود أمريكا منذ عام 1931 وحتى عام 1949، فضلاً عن تحرير عدد من المختارات الأدبية العبرية. وقد جُمعت مقالاته وظهرت في خمسة مجلدات تحمل العناوين التالية:كتاب مقالات (1928)، و أدباء وشخصيات (1936)، و كتابات ولفائف (1942)، وفي صحبة شجرة السلوى حتى الربيع (1950)، و من عالم إلى عالم (1955). 


إسـحق لمــدان (1896-1953)
Isaac Lamdan 


شاعر روسي يهودي يكتب بالعبرية. وُلد في أوكرانيا وتلقى تعليماً تقليدياً وعلمانياً.وقد دفعته مآسي الحرب العالمية الأولى إلى التعاطف مع الأفكار الشيوعية، فتطوع في الجيش الأحمر عند اندلاع الثورة البلشفية، ولكنه لم يلبث أن اكتشف عدم إمكان التوفيق بين انتمائه اليهودي والانتماء إلى حركة اشتراكية ثورية فهاجر إلى فلسطين عام 1920 حيث عمل حيناً في المزارع ورصف الشوارع، وهو ما أتاح له فرصة التعرف على هموم الجيل الثالث من المهاجرين اليهود إلى فلسطين وجعله يشعر بخيبة أمله في كثير من الوعود والآمال البراقة للحلم الصهيوني، ذلك الشعور الذي انعكس في بعض قصائده. ومنذ عام 1934، تفرغ لمدان للكتابة، وأسَّس مجلة أدبية شهرية باللغة العبرية. ومع أنه رفض إخضاع مجلته لأية جماعة سياسية، إلا أنها كانت منبراً لأشد الآراء تعصباً وعنصرية. 


أثارت قصائد لمدان المبكرة، والتي نُشرت في الصحف والمجلات الصهيونية، اهتماماً ملحوظاً، وعلى الأخص قصيدته الملحمية الطويلة ماسادا (1927) التي يستعرض فيها بشكل أقرب إلى الرثاء ما حل باليهود عبر التاريخ. وتتميَّز هذه القصيدة، وكثير من قصائد لمدان، بغلبة التعبيرات البلاغية الانفعالية ونبرة التعصب المتشنج على المهارة الفنية. أما مجموعاته الشعرية الأخرى، وأهمها العدة الثلاثية (1930)، و في ممر العقارب (1945)، فلم تحظ بالنجاح الذي صادفته ماسادا رغم أنها جاءت أقل فجاجة في نزعتها الدعائية. وبالإضافة إلى كتابة الشعر، ترجم لمدان إلى العبرية بعض مؤلفات ماكس برود وجوزيف كونراد وجاك لندن وغيرها.


الباب الثامن: الآداب المكتوبة بالعبرية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الباب الثامن: الآداب المكتوبة بالعبرية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الباب الخامس في الآداب والحِكَمْ وما أشبه ذلك
» الباب الثامن والأربعون
» الباب الثامن: عصر الآباء
» الباب الثامن: تيودر هـرتزل
» الباب الثامن عشر: الأعياد اليهودية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــــافـــــــــــة والإعـــــــــــلام :: موســـــوعة اليهــــــود-
انتقل الى: