منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 الباب السادس: الكوميديا والسينما والجـماعات اليهودية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

الباب السادس: الكوميديا والسينما والجـماعات اليهودية  Empty
مُساهمةموضوع: الباب السادس: الكوميديا والسينما والجـماعات اليهودية    الباب السادس: الكوميديا والسينما والجـماعات اليهودية  Emptyالإثنين 09 ديسمبر 2013, 8:58 pm

الباب السادس: الكوميديا والسينما والجـماعات اليهودية 


الكوميديــــا وأعضــــاء الجماعـــات اليهوديـــة 
Comedy and Members of Jewish Communities 


الكوميديا هي إحدى الصفات التي يحاول بعض الباحثين استخدامها لإثبات أن ثمة شعباً يهودياً له استمرارية تاريخية وله صفاته العرْقية والنفسية المميَّزة. ولذا، نجد أن الكثيرين يتحدثون عن «الكوميديا اليهودية منذ أقدم العصور» وعن «أن روح الكوميديا الموجودة في التوراة والتلمود وغيرها من الكتب الدينية اليهودية». ويأتي اللَبْس هنا من استخدام اللفظ «كوميديا» للدلالة على أكثر من مدلول مختلف، فلا إنكار لوجود كوميديا في التوراة والتلمود، ولكن من الصعب العثور على صلة بين هذه الكوميديا ونمط الكوميديا التي يستخدمها اليوم أعضاء الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة، أو تلك التي كانت سائدة بين يهود اليديشية في القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر. فالتوراة والتلمود وغيرها من الكتب الدينية اليهودية تتميز بأنها كُتب جادة تدعو إلى الجهامة وتحض على الحزن وتسم الضحك بأنه صفة الضعفاء وغير القادرين. ومع هذا نجد في هذه الكتب شخصية مضحكة مخادعة أو شخصية «الفهلوي». وربما كان التجسيد الأمثل لهذه الشخصية في التوراة هو يعقوب أو يسرائيل، فهو الذي خدع أخاه عيسو في ميراثه وهو الذي خدع أباه إسحق وأخذ البركة التي كان يود أن يمنحها لأخيه. وشخصية الفهلوي القادر على الخداع نجدها عند الرومان في شخصية ديونيزيوس أو باخوس إله الخمر واللهو وهيرمس صاحب الألف وجه، ونجدها عند أهل الشمال في شكل الإله لوكي (إله متعدد الخصال وهو أخبث الآلهة). وترتبط بهذه الشخصية التي تخفِّف من قتامة الدين الحلولي وجهامته احتفالات شعبية صاخبة وماجنة يتم فيها انتخاب إنسان يجسِّد هذه الشخصية ويلعب دور ملك الاحتفال.


وكانت هذه الاحتفالات عند بعض أعضاء الجماعات اليهودية هي احتفالات عيد النصيب (البوريم) التي وُصفت بأنها « احتفالات التحلُّل من الارتباطات وإطلاق العنان للهو والمرح ». وكان يتم انتخاب المهرج الأكبر والماجن الأعظم ملكاً للبوريم. وفي هذا الإطار، إذن، يمكننا رؤية الجانب الكوميدي في الكتابات الدينية اليهودية بوصفه امتداداً لأفكار الديانات الوثنية الطبيعية الحلولية. أما بالنسبة للجماعات اليهودية التي نشأت في شرق أوربا والتي تتحدث اليديشية، فظهرت بينها أشكال وأنماط من الكوميديا تميَّزت بالسخرية من الدين ومن الذات اليهودية، واستمدت ملامحها من وضع اليهود في هذه المجتمعات كجماعات وظيفية تعيش على هامش المجتمع وفي عزلة عنه ولكنها تسعى في الوقت نفسه إلى الاندماج فيه. 


وتزخر الكوميديا اليديشية بالسخرية من الأسلوب التوراتي والكتابات الدينية وطريقة الحاخامات في التعبير. والدين هنا هو موضع السخرية لأنه مصدر الإزعاج الأول والعقبة الرئيسية في طريق الاندماج، وبالتالي تكون الكوميديا السـاخرة وسـيلة اليهود في التخلـص من يهوديتهم. ونحن نرى هذا بكثرة في كتابات الكاتب اليديشي الساخر شالوم عليخيم، خصوصاً في كتابه مغامرات مناحم مندل. بل إن احتفالات عيد النصيب (بوريم) في هذه المرحلة تحوَّلت إلى احتفالات تسخر من الدين والحاخامات. وكانت الفقرة الرئيسية في الاحتفال هي «توراة البوريم» أو المحاكاة الساخرة للتوراة حيث صار ملك البوريم تجسيداً للحاخام الأعظم وسخرية منه. هنا صارت الكوميديا وسيلة من وسائل الاندماج في المجتمع وأيضاً طريقة لإنكار الذات من أجل إتاحة الفرصة للدخول في منظومة الآخر. 


كما أخذت الكوميديا شكل السخرية من ازدواجية المرغوب/المرفوض التي جسَّدها أعضاء الجماعات اليهودية كجماعات وظيفية تقوم بدور مهم ومطلوب في المجتمع الذي تعيش فيه، ولكنها تحيا في الوقت نفسه منبوذة منه وعلى هامشه، وكثير من الكتابات الكوميدية في جميع أنحاء العالم تزخر بالسخرية من الجماعات الوظيفية، فنجد معروف الإسكافي كشخصية ساخرة، والأحدب مهرج الملك، وحلاق بغداد، وحلاق إشبيلية)، ومن هنا تبلورت في الأدب اليديشي الساخر سمات اليهودي المهاجر البخيل القذر. وقد قَبل هذا الأدب الساخر صورة اليهودي التي تقدمها كتابات الآخرين أو الأغيار ولكنه خفَّفها، فمن يهودي مالطة وشيلوك تاجر البندقية ذات المحتوى التراجيدي تحوَّلت شخصية اليهودي إلى ذلك اليهودي البخيل الذي يقع في شر أعماله والذي يرى كل شيء من خلال المال. 


نستطيع أيضاً أن نحدد ملامح كوميدية خاصة بيهود الولايات المتحدة منذ بداية هذا القرن حيث كانت الولايات المتحدة محطة لجوء لكثير من يهود اليديشية. وكان دخولهم عالم الإمتاع والفن أمراً طبيعياً حيث إنه مجال المرفوض/المرغوب الذي يميِّز مجالات عمل الجماعات الوظيفية. ولذا، نجد أنهم دخلوا مجالات مسرح الفودفيل والمسرحيات الموسيقية، ولا ننسى بالطبع السينما الصامتة. وكان الانتقال بين المجالات الثلاثة يتم في حرية تامة. ونذكر في هذا المجال آل جولسون نجم المسرحيات الموسيقية الكوميدية والإخوة ماركس (من الفودفيل إلى السينما) وماكس ليندر (من المسرح إلى السينما) وغيرهم. 


واشتغال عضو الجماعة اليهودية المهاجر بالكوميديا يحقِّق له نوعاً من القبول الاجتماعي، إذ أن الآخر سيقبله باعتباره مسخرة المجموعة والتي لا غنى عنها. وهو بسخريته من الذات اليهودية، يمارس إحساساً يمارسه أعضاء الأغلبية، ومن ثم فهو يحقِّق نوعاً من الاندماج فيهم بسخريته هذه. كما أن القيام بهذا الدور يحقِّق للمؤدي الإحساس بالابتعاد عن الذات التي يتعمد السخرية منها وإنكارها. ولنا أن نلاحظ أن عضو الجماعة اليهودية في أدائه الكوميدي كان يسخر من الصفات التي يخلعها المجتمع المضيف على اليهود مثل البخل والدناءة والقذارة، وهي ليست بالصفات الخطيرة التي تؤدي إلى لفظهم أو رفضهم تماماً، وإنما هي صفات هزلية تسمح لهم بدخول المجتمع باعتبارهم المرغوب/المرفوض. 


كانت المسرحيات الموسيقية التي شارك فيها اليهود، كبرلين وجرشويين وآخرين، تتكلم (في الأساس) عن الزنوج كما في «بورجي وبس» و«سفينة الاستعراض» وغيرهما. والزنوج هم الجماعة الوظيفية التي تتعرض لأكثر أنواع الاضطهاد والتمييز لأنها أكثر الجماعات الوظيفية تميُّزاً، فاللون والمظهر الجسماني هو ما يميِّزها. وبالتالي، تتيح تلك المسرحيات لليهود ميزة الإحساس بالتميُّز والاندماج والانتماء للجماعة النخبوية في إطار المجتمع الهرمي، كما تتيح لهم (وهو الأهم) استخدام آلية الإزاحة أو نقل المشاكل التي تعاني منها الأنا وإسقاطها على الآخر، وبالتالي تيسير عملية قبول الأنا داخل مجتمع «الآخرين». 


أما فيما يتعلق بمجال التمثيل، فقد اتجه معظم أعضاء الجماعة اليهودية من الجيل الأول إلى الكوميديا كتطوير لعملهم في الفودفيل والمسرحيات الموسيقية (بالإنجليزية: مويوزيكالز musicals)، وأهم من قدَّمهم تاريخ السينما: ماكس ليندر وماك سينيلت والإخوة ماركس وآل جولسون. ومع تنظيم صناعة السينما في الثلاثينيات، لم يحدث تغيير كبير في طبيعة عمل الممثلين اليهود، فالتغيير في النطاق الإداري المالي كان أسرع وأهم منه في النطاق الفني. ولذا، ظلت الكوميديا المجال الأول للممثلين اليهود أمثال جيري لويس وبوليت جودار وآدي كانتور وملفين دوجلاس وغيرهم.


وإذا كان من غير الممكن الحديث عن كوميديا يهودية، فلا يمكن أيضاً الحديث عن كوميديا أمريكية يهودية واحدة، إذ أن هذه تتطوَّر وتتنوَّع بتطوُّر المجتمع وبتعدُّد الأجيال من المهاجرين إلى أبناء المهاجرين إلى أبناء الجيل الثالث، فيُلاحَظ مثلاً أنه، مع استقرار أوضاع الجماعات اليهودية المهاجرة في الولايات المتحدة وصعودها درجات متوالية في السلم الاجتماعي، ومع ازدياد وضوح الطابع المادي الدنيوي للمجتمع، أخذت الكوميديا التي ينتجها اليهود الأمريكيون أكثر من شكل يُعبِّر كلٌ منها عن محتوى مختلف. فهناك كوميديا الطبقة المتوسطة وأبرز ممثليها المؤلف المسرحي نيل سايمون وهي كوميديا تعبِّر عن مشاكل الطبقة المتوسطة الأمريكية، ومن أمثلتها «جناح كاليفورنيا» و«نفس الموعد العام القادم» و«فتاة الوداع» وغيرها، وكلها تتكلم عن صعوبة التواصل وانعدام الأمان وتآكُل المؤسسات الاجتماعية كالأسرة والكنيسة أو المعبد... إلخ. 


ويحاول سايمون أن يصبغ أعماله، سواء المسرحية أو السينمائية، بصبغة الدعابة اللفظية واللعب بالكلمات والتي يعتبرها البعض من السمات اليهودية عند سـايمون ويُرجعونها إلى الألاعيب اللفظية في التـوراة. وهي، كما نرى، حجة واهية وإلا أمكننا أن نرجع أية ألاعيب لفظية إلى أصل توراتي. ويعود محتوى الألاعيب اللفظية عند نيل سايمون أساساً إلى فكرة انعدام التواصل أو تعدُّد مستويات الحديث،الأمر الذي يعني أساساً الإحساس بعدم الأمان. 


ويُلاحَظ التطور نفسه في مجال التمثيل السينمائي، فكثير من الممثلين اليهود الذين بدأوا حياتهم في مجال الكوميديا، أمثال توني كيرتس وبيتر سيلرز وكيرك دوجلاس، واتجهوا فيما بعد إلى الأدوار التراجيدية الجادة. بل نجد أن الممثلين من جيل الستينيات، كداستين هوفمان، قلما يؤدون الأدوار الكوميدية. وذلك دليل على تغيُّر وضعية أعضاء الجماعة اليهودية في المجتمع، فلم يعودوا الهامشيين والمنبوذين القادمين من الخارج الذين يتعيَّن عليهم إضحاك الآخرين والسخرية من أنفسهم حتى يجدوا مجالاً للقبول والاندماج، بل حققوا حراكاً اجتماعياً وأصبحوا جزءاً من الطبقة الوسطى التي يسعى كثير من أبنائها لدخول عالم السينما، الذي أصبح بحق مصنع الخيال والأحلام الضخم والعامل الأول في تشكيل وجدان وتفكير الأمة. 


ظهرت مجموعة من الكوميديانات اليهود المتفردين والمتميزين في أسلوبهم مثل: وودي آلين ومل بروكس وجين وايلدر ومارتن فيلدمان. وعاد هؤلاء للسخرية من اليهود ولكن بشكل آخر، فلقد تعمدوا السخرية من الصورة الأخرى التي خلعها عليهم أيضاً المجتمع المضيف، والتي لم يمسها الأوائل وتجنبوها، وهي صورة اليهودي كقاتل للمسيح حليف للشيطان، فيقول وودي آلين في فيلمه «الحب والموت» عن الفرق بين اليهودي الألماني واليهودي الروسي أن الأول له قرنان والأخير له ذيل، أي أنهما كليهما حليف للشيطان ولا يوجد اختلاف بينهما إلا في التفاصيل. ويقول مل بروكس في فيلمه «نكون أو لا نكون»: « كيف نقدم مسرحاً ساخراً دون يهود أو غجر أو شواذ ». فلم تَعُد تلك مناطق محرمة بل صارت مجالات للبحث عن الذات وعن الهوية الفردية في مواجهة مجتمع مادي يقهر خصوصية وإنسانية الفرد. فهؤلاء اليهود الجدد يستخدمون الكوميديا استخداماً معاكساً لاستخدام الأوائل، فهم يرفضون القبول الاجتماعي الذي حققه آباؤهم ودفعوا ثمنه من هويتهم الفردية بل وإنسانيتهم ذاتها، ويبحثون عن ذات خاصة بهم. ولذا، فإننا نجد وودي آلين في أفلامه الأخيرة لا يتحرج إطلاقاً من إعلان يهوديته بل لا يتحرج من البحث عن عناصر مهمة وأساسية في هذه الهوية، كما هو الحال في فيلمه «برودواي داني روز» الذي يُعيد للأذهان صورة وكيل الفنانين اليهودي ولكن المحب للبشر الباحث عن العفو والحب والقبول. 


ظهرت أيضاً الكوميديا الداعرة أو الفاحشة وأبرز ممثليها هو ليني بروس الذي اتخذ من النوادي الليلية مجالاً أساسياً. وهي تعبِّر أساساً عن رفض عدمي لكل المؤسسات مع عدم وجود بديل لها، فهي تدمير عنيف لكل شيء ورفض لأخلاقيات المداهنة والرياء التي تميِّز المجتمع الدنيوي، وتنتهي إلى عبثية كل شيء وعدمية الوجود الإنساني في ذاته. وانتهج هذا النهج وسار عليه وودي آلان في أفلامه الأولى، وها هو يقول في فيلم «النائم» الحقيقة الوحيدة في هذا العالم هي الجنس والموت. ويرى مل بروكس أن « الضحك هو الحقيقة الأساسية في هذا الوجود ولا معنى لأي شيء آخر ».


ليــني بـروس (1926-1966)
Lenny Bruce 


اسمه الأصلي ليونارد ألفريد شنايدر. واحد من أهم الكوميديين الأمريكيين اليهود في الخمسينيات والستينيات. بدأ حياته في سلسلة البورش الشهيرة. وكان النادي الليلي يُعتبَر آخر الجهات الحرة للإمتاع بغير رقابة ولا معوقات. 


امتلأت أعماله الساخرة بروح التمرد الشديد على المؤسسات كافة، سواء مؤسسات الدولة أو المجتمع أو الدين، واتسمت بمحتوى شديد الفُحْش حتى أن البعض اعتبره أهم ممثلي الاتجاه الداعر الفاحش في الكوميديا الأمريكية. كتب عام 1965 سيرة حياته في مؤلف أسماه كيف تتكلم بطريقة فاحشة وتؤثر في الناس؟. 


وانغمس ليني بروس في كل أنواع التمرد على المؤسسات، فكان مفرطاً في تناول المخدرات وخصوصاً الكيميائية منها. وسُجن عام 1964 بتهمة البذاءة واستخدام ألفاظ تخدش الحياء. وتُوفي بروس عام 1966 بسبب جرعة مفرطة من المخدرات. 


وتتلمذ عليه معظم جيل السبعينيات من صناع الكوميديا الأمريكية، مثل وودي آلان وميل بروكس وجين وايلدر، وتحوَّل إلى رمز للتمرد على المؤسسات في أمريكا، ذلك التمرد العدمي الذي يسم كل محاولات تغيير النسق من الداخل التي انتشرت في ستينيات هذا القرن، ومن ثم، يَسهُل على المؤسسة العلمانية المادية استيعابه. وهو ما حدث بالفعل فيما بعد عندما انتجت السينما الهوليودية فيلماً عنه عام 1976 قام ببطولته داستين هوفمان وأخرجه بوب فوسي محوِّلة إياه إلى أيقونة جديدة للعدمية والانحلال. 


وتتسم الكوميديا في أعمال ليني بروس بروح الرفض المطلق التي لا تستطيع إيجاد بديل، فهي روح عدمية تسعى إلى تدمير الموضوع في محاولة لخلاص الذات، فلا تستطيع في النهاية إلا تدمير الذات ومآلها إلى الذوبان في الموضوع. وهو نفسه ما حدث لكل الحركات الرافضة في الستينيات مثل حركة الهيبيز والفهود السود. 


السينمـــــا وأعضــــاء الجماعــــــات اليهوديـــــة 
The Movie Industry and Members of Jewish Communities 


يحلو للبعض أن ينظر إلى الدور الذي يلعبه أعضاء الجماعات اليهودية في عالم السينما باعتباره مؤامرة يهودية تضاف إلى سلسلة المؤامرات التي يحيكونها ضد العالم منذ بدء الخليقة، والتي تهدف إلى تدمير الأخلاق وتقويض المجتمع. ولتفـسير عـلاقة اليهود بصناعة السينما، لابد أن نجرد بعض السمات الأساسية لهذه الصناعة. ويمكن القول بأن السينما عند بداية ظهورها كانت مهنة لا يرتادها سوى المنبوذين ولا يمتهنها سوى الهامشيين والباحثين عن المغامرات، مهنة مشينة لا يليق بالمحترمين امتهانها. ولكنها كانت في الوقت نفسه مصنع الوهم ومخزن الحلم، فكانت السينما تمثل ازدواجية المرغوب/المرفوض، وبالتالي أصبحت السينما تمثل مهنة المُحتَقر على مستوى الواقع والمرغوب فيه على مستوى الحلم، وأصبحت المجال الذي يتحوَّل فيه المنبوذ إلى بطل ورجل أعمال ناجح. ولذا، فليس من الغريب أن يتجه عدد كبير من المنبوذين والهامشيين إلى السينما، وفي مقدمتهم المهاجرون (اليهود وغير اليهود) الذين لا يتقنون الإنجليزية، ولكنهم يجيدون المحاكاة لهذا السبب ذاته. ولذا، كانوا عنصراً مناسباً تماماً للسينما الصامتة. 


كما أن المهاجرين لا يجيدون أياً من المهن الأساسية. وحتى إن أجادوها، فهي مغلقة دونهم لأن أعضاء المجتمع المضيف يقومون بشغلها. والمهاجر لا يحمل عادةً رأس مال ولا آلات، وصناعة السينما في بداياتها كانت لا تتطلب آلات ثقيلة ولا رأس مال ضخماً، أي أن ثمة تكاملاً بين هذه الصناعة والمهاجرين، فتحولوا إلى جماعة وظيفية، توفر لنفسها وظيفة من خلال ارتياد عالم جديد يُحجم أعضاء المجتمع المضيف عن ارتياده، وتحقِّق حراكاً اجتماعياً لا يمكنها تحقيقه إلا بهذه الطريقة، وتفي في الوقت نفسه بحاجة المجتمع إلى التسلية والترويح (وهي حاجة آخذة في التزايد مع تزايد أوقات الفراغ في المجتمع الحديث وتزايُد علمنته)، وهو ما يؤدي إلى تضخُّم ما نسميه «قطاع اللذة». كما أن الاشتغال بالسينما يفي أيضاً بحاجة نفسية واقتصادية لدى المهاجر المشتغل بها. 


وإذا كانت الجماعة الوظيفية تعيش عادةً في الجيتو، وتستمد هويتها من الحلم بصهيون والعودة إليها، فإن أعضاء الجماعة اليهودية الذين يعملون بالسينما يجعلون السينما أرض الميعاد التي يعيشون فيها بأحلامهم. ومن هنا تواتُر المرجعية السينمائية كموضوع أساسي في أفلام أعضاء الجماعة اليهودية، فالسينما هي عالمهم، وإليه يرجعون دائماً، وهم يُنتجون أفلاماً عن أفلام، ولعل أهم أفلام المرجعية السينمائية فيلم وودي ألين «وردة القاهرة القرمزية». ولكن يجب أن نضيف أن موضوع المرجعية السينمائية أمر شائع في كثير من الأفلام التي أخرجها يهود أو غير يهود، كما أن الفن الحديث (وما بعد الحديث) يحول نفسه إلى مرجعية ذاته، وهذا مرتبط بتصاعُد معدلات العلمنة وتآكل اليقين الفلسفي إلى درجة أن الواقع الموضوعي لا يزوِّد الإنسان بأية دلالة وبالتالي لا يمكنه أن يشكل مرجعية للإنسان، الأمر الذي يضطره إلى البحث عن دوال مكتفية بذاتها، ملتفة حول نفسها، ومن هنا تأتي المرجعية الذاتية أو السينمائية أو المرجعية الانعكاسية. 


لكل ما تقدم، نجد أن أعضاء الجماعة اليهودية لعبوا منذ الأعوام الأولى للسينما، دوراً أساسياً في تطور هذه الصناعة وكانوا بارزين في كل فروعها. وكان المهاجرون من اليهود في الولايات المتحدة من أوائل من قاموا بتأسيس واحتلال دور العرض الرخيصة أو «النيكلوديون» (نسبة إلى النيكل أو النكلة). وساعدهم ميراثهم كجماعات وظيفية ذات خبرات مالية وتجارية في ارتياد هذه الصناعة البكر حيث كانت لا تزال صناعة هامشية تفتقد إلى تقاليد ومعايير الصناعات الأخرى. 


ومن أشهر أعضاء الجماعة اليهودية في مجال صناعة السينما في تلك الفترة وليام فوخس الذي تحول اسمه بعد ذلك إلى «فوكس» وهو مؤسِّس شركة فوكس للقرن العشرين. وُلد (فوكس) في المجر عام 1879 وهاجر مع أسرته إلى أمريكا حيث عمل في محل للملابس ثم اشترى أول دار نيكلوديون عام 1904، ونجح فوكس بعد ذلك في توسيع أعماله فاشترى سلسلة من دور العرض، ثم اتجه للتوزيع والإنتاج وأسس شركته الشهيرة «فوكس للقرن العشرين» عام 1915. 


وكما حدث مع فوكس، تكرر الأمر مع العديد من أمثاله: هاري كون رئيس شركة كولومبيا، وصمويل جولدوين الذي وُلد في وارسو وعمل في صناعة القفازات ثم دخل عالم السينما عام 1913 كشريك لزوج أخته جيسي لاسكي. وقد بدأ هذا الأخير كباحث عن الذهب ووكيل للفنانين وعمل مع بعض شركات الإنتاج السينمائي مثل يونيفرسال وآر. كى. أو.(R.K.O) ثم أسس مع جولدوين شركة مترو. أما لويس ماير المولود في روسيا، فقد بدأ كصاحب مسرح ثم تحوَّل إلى دار نيكلوديون، ثم شرع مع صمويل جولدوين في تأسيس شركة مترو. 


وهناك كذلك كارل ليمل مؤسس يونيفرسال الذي وُلد في ألمانيا وبدأ عام 1906 في شيكاغو بمسرح صغير، كما أسَّس سلسلة مسارح ثم شركة توزيع وإنتاج. وتم تأسيس بارامونت عام 1917 بفضل أدولف زوكور الذي وُلد في المجر وبدأ كتاجر فراء في نيويورك ثم انتقل إلى العمل في السينما بامتلاك دار نيكلوديون. أما إرني بالابان (1887 ـ1971)، فعمـل رئيسـاً لبارامونت منذ 1936. ومن أهم العائلات اليهودية الرائدة في صناعة السينما عائلة وارنر المكونة من أربعة أشقاء بولنديي الأصل. 


وحققت السينما الأمريكية على يد الرواد الأوائل نجاحاً كبيراً وأثبتت القدرة على تحقيق الربح وعلى الاستمرار، كما فتحت أبواب النجاح المادي والحراك الاجتماعي والقبول في المجتمع الأمريكي للمهاجرين من أعضاء الجماعة اليهودية. وشهد العقد الثالث من هذا القرن تحوُّلين حاسمين في مجال السينما، الأول هو دخول الصوت عام 1927 والثاني هو تنظيم صناعة السينما اقتصادياً وإدارياً والذي أذن بتحوُّلها من صناعة وليدة تفتقر إلى النظام والتقاليد إلى صناعة ضخمة مستقرة شديدة التنظيم والدقة. وشهدت هذه الفترة، خصوصاً إبان الأزمة الاقتصادية الكبرى، تساقُط الرواد الكبار الأوائل، فتقاعد ماير عام 1936 وليمل عام 1935 وفوكس في بداية الثلاثينيات، وتحول آخرون كبالابان ولاسكي إلى وظيفة المنتج المنفِّذ. ووظيفة المنتج المنفِّذ كانت تعني بالنسبة إلى المهاجرين من أعضاء الجماعة اليهودية دخول مجال الطبقة الوسطى العليا ذات الدخل الثابت، كما أنها كانت تعني تحقيقهم قدراً من الحراك الاجتماعي وقدراً من القبول داخل المجتمع الأمريكي بعد أن اكتسبت صناعة السينما وضعية جديدة في المجتمع الأمريكي، ولم تَعُد مهنة المنبوذين والباحثين عن المغامرة التي قد تنتهي بالثراء أو بالإفلاس. وكان أهم نجوم هذه الوظيفة إرفين ثالبرج ودور شاري والإخوة سلزينك أبناء لويس سلزنيك. واشتهر أصغرهم (ديفيد) بأنه من أعظم المنتجين المنفذين في تاريخ السينما الأمريكية، ويكفي أنه منتج «ذهب مع الريح» أنجح فيلم في تاريخ السينما الأمريكية. وقد فقدت هذه العائلة ثروتها أثناء الأزمة الاقتصادية الكبرى. أما عائلة وارنر، فنجحت في الاستمرار حيث أسَّس أفرادها بنكهم الخاص القادر على تمويلهم ونجحوا في تحويل مؤسستهم من مؤسسة فرد أو عائلة إلى مؤسسة نظامية ابتلعت غيرها من الشركات المنهارة وتحولت إلى شركة متعددة الجنسيات عابرة للقارات هي وارنر للاتصالات. 


السينما اليهودية والصهيونـية واليديشية 
Jewish, Zionist and Yiddish Cinema 


عبارة «السينما اليهودية» يُقصَد بها الأفلام التي صُنعت أو تُصنَع بواسطة أعضاء الجماعات اليهودية في أي مكان أو أي زمان. وتروِّج الصهيونية لهذه العبارة بدلاً من عبارة «السينما الصهيونية» على أساس أن اليهودية قومية وليست ديانة فقط، وأن هناك بالتالي ما يجمع بين كل فيلم صنعه أو يصنعه كل يهودي. وغني عن القول أن مثل هذه النظرة ليس لها ما يساندها في الواقع، فالفيلم الذي ينتجه يهودي في الاتحاد السوفيتي (سابقاً) يختلف بشكل جوهري عن الفيلم الذي يخرجه يهودي في الهـند أو في الولايات المتحـدة. وبالتالي فإن عبارة «السينما اليهودية»، شأنها شأن عبارات مثل «التجارة اليهودية» أو «العبقرية اليهودية» أو «التاريخ اليهودي» هي عبارة ليست لها قيمة تفسيرية أو تصنيفية كبيرة. 


ويرى البعض أن اليهود سيطروا على صناعة السينما في الولايات المتحدة الأمريكية لكي يروجوا لما يُسمَّى «الدعاية الصهيونية». لكن كثرة عدد أعضاء الجماعات اليهودية في السينما والمسرح في الولايات المتحدة، ليس ضمن أي مُخطَّط يهودي أو صهيوني، وإنما يرجع إلى هجرة يهود اليديشية إلى الولايات المتحدة بعد عام 1881. كما يجب أن نشير إلى شيء أساسي في يهود العالم الغربي وهو اضطلاعهم بدور الجماعة الوظيفية الهامشية المالية، وقد ترك هذا أثره فيهم إذ نجدهم يتركزون في الصناعات الخفيفة القريبة من المستهلك البعيدة عن قاعدة الهرم الإنتاجي (الصناعات الأولية) كما أنهم يتركزون في قطاع الإعلام. وصناعة السينما تنطبق عليها كل هذه المواصفات. كما أن المهاجرين اليهود إلى الولايات المتحـدة ينجـذبون عادةً، شأنهم شأن المهاجرين كافة، إلى قطاعات اقتصادية مثل السينما وعالم الفنون الاستعراضية، وهي قطاعات لا يحتاج المرء لكي يعمل فيها أن ينتمي إلى طبقة معيَّنة أو يحصل على درجة معينة من التعليم أو حتى رأس المال. والدارس لتاريخ صناعة السينما في مصر يعرف أنها بدأت على يد عناصر غير مصرية (من بينها يهود) عندها من الخبرة والحركية ما يمكِّنها من ريادة هذه الصناعة الجديدة القريبة من المستهلك التي تحقق عائداً سريعاً دون استثمار كبير. 


وشهدت هوليود، في عصر السينما الصامتة، إنتاج العديد من الأفلام عن قصص العهد القديم، ومنها «يهوديت من بتوليا» إخراج دافيد وارك جريفث عام 1913، و«الوصايا العشر» إخراج سيسل دي ميل عام 1923، و«التائه» إخراج راؤول والش عام 1926، و«بن هور» إخراج فردنبلو عام 1926، و«سفينة نوح» إخراج مايكل كورتيز عام 1928. وأغلب هؤلاء المخرجين من اليهود، وأفلامهم هذه من إنتاج شركات أسسها ويملكها يهود. ولكن الهدف منها لم يكن دينياً ولا حتى دعائياً، وإنما كان تجارياً بالدرجة الأولى وبصفة أساسية، فهي أفلام تهدف إلى إبهار المتفرج بالملابس والديكورات التاريخية وجموع الممثلين الهائلة والمعارك العنيفة، ومن ثم يَسهُل تحقيق الربحية العالية. وظلت الدوافع التجارية لأفلام هوليود عن قصص العهد القديم قائمة بعد إنشاء إسرائيل عام 1948، ولكن لا شك في أنها لم تصبح الدوافع الوحيدة، خصوصاً أن هذه الأفلام تدفقت من هوليود في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات بمعدل فيلم كل عام تقريباً، وهي الفترة التي شهدت نمو الصراع العربي الإسرائيلي في الفترة ما بين حرب السويس عام 1956 وحرب يونيه عام 1967. 


وثمة أفلام تتناول حياة أعضاء الجماعات اليهودية كأقلية إثنية لا تختلف كثيراً عن الأقليات الأخرى، وهي أفلام يمكن أن ينتجها يهودي أو غير يهودي، تماماً مثلما ينتج مخرج أمريكي مسيحي فيلماً عن السـاموراي في اليابان، فهذا ليـس فيلماً يابانياً وإنما يظل فيلماً أمريكياً. والأفلام ذات المضمون اليهودي التي ينتجها يهودي، ليست بالضرورة يهودية، وإنما هي أفلام أمريكية يهودية مثل أفلام وودي ألين، فالشخصيات اليهودية في هذه الأفلام هي شخصيات أمريكية يهودية. كما أن الرؤية هي رؤية وودي ألين، لا باعتباره يهودياً خالصاً له أحزانه الفريدة التي تختلف عن أحزان الأغيار من غير اليهود، وإنما باعتباره إنساناً يعاني من أزمات المجتمع العلماني الغربي، فيهوديته ليست مسألة جوهرية وإنما عرضية. ولذا، فنحن نتعاطف معه في مأساته باعتباره إنساناً حديثاً، ولا نستبعده باعتباره يهودياً. 


ولكن هناك أفلاماً تروج الأفكار الصهيونية، سواء صُنعت بواسطة يهود أو غير يهود، قبل أو بعد إنشاء إسرائيل، وسواء أكانت تتناول حياة اليهود أم كانت تتناول حياة أية جماعة دينية أخرى، وهذا هو ما ينطبق عليه اصطلاح «السينما الصهيونية»، وهي تنقسم في مرحلة ما قبل عام 1948 إلى قسمين: القسم الأول يضم الأفلام التي تم إنتاجها على أرض فلسطين، ويضم الثاني الأفلام التي تم إنتاجها في الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا. ويُعتبَر جاكوب بن دوف، وهو يهودي روسي هاجر من روسيا بعد ثورة 1905، أباً للسينما الصهيونية، فقد أخرج فيلم «حياة اليهود في أرض الميعاد» عام 1912 عن يهود فلسطين، ثم أخرج عام 1923 فيلم «الفيلق اليهودي»، وهما من الأفلام الصهيونية الأولى التي صُوِّرت على أرض فلسطين. وفي الثلاثينيات، أخرج ناثان إكسلرود فيلم «أودد» عام 1932 الذي تدور أحداثه في مزارع اليهود الجماعية. وأخرج باروخ أجراتي فيلم «هذه أرضك» عام 1932 أيضاً، وكان أول فيلم ينطق باللغة العبرية في تاريخ السينما، كما أخرج البولندي ألكسندر فورد فيلم «صابرا» عام 1932 عن هجرة يهود أوربا إلى فلسطين وحقهم في العودة (وقد هاجر فورد إلى إسرائيل بعد حرب يونيو عام 1967). 


وفي عام 1947، تم تصوير ثلاثة أفلام صهيونية على أرض فلسطين، هي: «الأرض» إخراج هملر أداماه، عن شاب يهودي أُنقذ من معسكرات الاعتقال النازية ولا يتمكن من استعادة توازنه إلا في فلسطين، و«بيت أبي» إخراج هربرت كلين عن صبي أُنقذ من معسكرات الاعتقال النازية، ويبحث عن أبيه في فلسطين، ثم «الوعد الكبير» إخراج جوزيف لبيتز. ولعل أهم فيلم صهيوني أُنتج في الولايات المتحدة في الثلاثينيات هو فيلم «آل روتشيلد» من إخراج ألفريد وركر (عام 1934) عن تاريخ تلك العائلة اليهودية الشهيرة ودورها في تنمية الوجود اليهودي (أي الصهيوني) في فلسطين وفي دعم الحركة الصهيونية والدعوة إليها في أوساط اليهود في كل مكان. 


ويذهب البعض إلى اعتبار كل فيلم معاد للنازية فيلماً صهيونياً أو فيلماً يخدم الصهيونية، وهـو خـطـأٌ فادح يخدم الصهيونية في واقع الأمر. وتبدو هذه الحركة كأنها حركة معادية للنازية، بينما هي في واقع الأمر حركة لا تختلف في جوهرها عن النازية، ولذا تعاونت معها. وقد تعاظم دور السينما الصهيونية بعد إنشاء إسرائيل عام 1948، خصوصاً في الولايات المتحدة. ومن أهم الأفلام الصهيونية الأمريكية: فيلم «الحاوي» إخراج إدوارد ديمتريك عام 1953، و«الخروج» إخراج أوتو بريمنجر عام 1960، و«يهوديت» إخراج دانييل مان عام 1964، و«الظل العملاق» إخراج ملفيل شافلسون عام 1966، و«راشيل... راشيل» إخراج بول نيومان عام 1967. 


ومن الأفلام الأوربية الصهيونية: الفيلم الإيطالي «معركة سيناء» إخراج مورتيز ولوتشيدي عام 1968، والفيلم البريطاني «إنها أرضه» إخراج جيمس كوللر عام 1969، والفيلم الفرنسي «حائط القدس» إخراج فرانسوا رايشنباخ عام 1969، وأيضاً الفيلم السويسري «المواجهة» إخراج رولف ليوسي عام 1975.


والسينما التي نستطيع أن نُطلق عليها، أكثر من غيرها، تعبير «السينما اليهودية»، إن كان ثمة سينما يهودية، هي تلك السينما الناطقة باليديشية، فهي سينما لا تعبِّر عن ثقافة اليهود بشكل عام وإنما تعبِّر عن ثقافة يهود شرق أوربا وعما يمكن تسميته «القومية اليديشية». 


وقد بدأت السينما اليديشية، في الولايات المتحدة، في أواخر عصر السينما الصامتة حيث كان الحوار يُطبَع على الأفلام في كادرات منفصلة، وأهم أفلام هذه الفترة هي: «مازل طوف» عام 1924، و«القلوب المحطمة» عام 1925، و«الجانب الشرقي لساري» عام 1929، وكلها من إخراج سيدني جولدوين. ومع بداية ظهور الأفلام الناطقة في عام 1927، بدأ عصر ازدهار السينما اليديشية الذي وصل إلى ذروته في النصف الثاني من الثلاثينيات، حيث بلغ عدد الأفلام الناطقة باليديشية حوالي مائة فيلم أغلبها أمريكي، وبعضها بولندي أو من بلاد أوربية أخرى، إلى جانب 35 فيلماً تسجيلياً قصيراً. 


ومن أهم الأفلام الأمريكية اليديشية: «الأب أبراهام صوت إسرائيل» إخراج جوزيف سيدني عام 1931، و«قوة الحياة» إخراج هنري لين عام 1938، و«يوسف في مصر» عام 1932، و«اليهودي التائه» عام 1932 إخراج جوزيف رولاند، و«أضواء القمة» إخراج إدجار أولمير عام 1939. أما في بولندا، فكان جوزيف جرين أهم مخرجي الأفلام اليديشية، ومن أفلامه: «مهرج عيد النصيب» عام 1937، و«خطاب إلى أم» عام1938. 


وانخفض عدد الأفلام اليديشية في الأربعينيات مع تآكُل الثقافة واللغة اليديشيتين، ثم كاد الإنتاج السينمائي أن يندثر بعد ذلك حيث لا يُعرف منه إلا فيلمان طـوال الخمسـينيات، وهما: «الإله والإنسـان والشيطان»، و«مونتشيللو هنا جئنا» إخراج جوزيف سيدني عام 1950، وفيلم واحد طويل في الستينيات، وهو «الشقيقات الثلاث» إخراج جوزيف سيدني أيضاً عام 1961. وترجع جذور السينما اليديشية إلى المسرح اليديشي. وهي، شأنها شأن المسرح اليديشي، يرجع معظمها إلى تراث يهود اليديشية في شرق أوربا. ورغم أن الحركة الصهيونية سعت إلى إحياء اللغة العبرية، وقاومت اليديشية، إلا أن أغلب الأفلام اليديشية هي أفلام صهيونية.
يتبع إن شاء الله...


الباب السادس: الكوميديا والسينما والجـماعات اليهودية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

الباب السادس: الكوميديا والسينما والجـماعات اليهودية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب السادس: الكوميديا والسينما والجـماعات اليهودية    الباب السادس: الكوميديا والسينما والجـماعات اليهودية  Emptyالإثنين 09 ديسمبر 2013, 9:04 pm

الإخـوة ماركـس 
Marx Brothers 


أربعة من أهم الممثلين اليهود الأمريكيين في السينما الأمريكية الكوميدية وهم جروشو (جوليوس) (1895 ـ 1977) وهاربو (أدولف) (1893 ـ 1964) وشيكو (ليونارد) (1891 ـ 1691) وزيبو (هربرت) (1901 ـ 1979). بدأوا حياتهم الفنية كفرقة للفودفيل مع أخيهم الخامس جومو (ميلتون) (1894 ـ 1977) وأبيهم ميني. وقد اكتشفهم الفرنسي روبير فلوري المقيم في هوليود حينما كانوا يعملون بنجاح في مسرحية كوميدية موسيقية لإرفنج برلين، حيث قام بإعدادها للشاشة لتكون أول أفلامهم «ثمرة الكاكاو» (1929). ومن أهم أفلامهم «عملة القرد» (1932) و«ليلة في الأوبرا» (1935) و«يوم في ميدان السباق» (1936) و«ذعر في الفندق» (1938). وقد انفصل عنهم زيبو بعد تصويرهم فيلم «ريشة الجواد» (1932) ليصبح منتجاً ومموِّلاً سينمائياً. 


وارتبط ظهور الإخوة ماركس بدخول الصوت إلى السينما، وقد استغلوا الإمكانيات الجديدة لتقديم خاصية مميِّزة لهم هي تحوير ألفاظ اللغة لتتفق مع أغراضهم. وفي الحقيقة، فإن جذور هذه الفكرة تعود إلى شخصية المهرج في السيرك ومقدِّم الفقرات الخفيفة في الملاهي الليلية أو ما يُسمَّى «وان لانرone liner» أي الشخص الذي يطلق النكات فيما بين الفقرات أو داخل الفقرة. وكانت أفلامهم نوعاً من كوميديا اللامعقول والسريالية، وكان كل فرد في المجموعة له الشخصية المميزة التي يكررها في كل الأفلام. وتنبع الكوميديا عندهم أساساً من الموقف الذي تتجمع فيه تلك الشخصيات حول محور خارجي هو شخصية أمريكية « سوية » لتقوم تلك الشخصية مقام عامل التفجير الخارجي الذي يُظهر التناقضات الكامنة، وفي نفس الوقت يلعب دور مركز الاهتمام الذي تنصب عليه سخريتهم. وكان جروشو يمثل التشاؤم الذي يميِّز رجل الأعمال الأمريكي الفاشل ويحاول دائماً أن يقوم بدور زير النساء شديد المراس مع أنه يفشل باستمرار. وكان شيكو يلعب دور الرجل البارد الذي لا تهزه الأزمات متقمصاً شخصية المهاجر الإيطالي القادم لبلاد العم سام وفي ذهنه هدف محدد هو تكوين ثروة، يدعمه في ذلك تراثه الذي يجعله يحسن التصرف في الأزمات. أما هاربو فكان يؤدي وظيفة المراقب الخارجي ذلك الخيالي المتفائل الذي يبدو أنه أبله أو خائب لا يتكلم أبداً ولكنه موسيقي موهوب ومرهف الحس. 


والشخصيات الثلاث تتكامل فيما بينها لتقدم صورة ما يمكن تسميته «الفشل المضحك»، تلك الصورة التي تمثل أحد آليات النجاح التجاري السينمائي إبّان فترة الكساد العظيم في الثلاثينيات والتي تفسر هذا النجاح المنقطع الذي أحرزه الإخوة ماركس عند ظهورهم. إذ قدموا التوليفة السحرية التي يحتاج إليها الناس للعودة إلى التوازن، فالفشل يصيب الجميع ولا داعي إذن للحزن واليأس، فها هو الموهوب الذكي أبله وخائب، وها هو رجل الأعمال زير النساء فاشل ومحبط، أما المهاجر فيمكن أن يجد في موروثه الثقافي ذخيرة لتسلُّق السلم في مجتمع البحث عن الثروة وتحقيق الحلم الأمريكي. 


وإذا كانت الكوميديا وسيلة لاسترجاع الثقة بالنفس للمُحبَطين والفاشلين، فقد كانت أيضاً وسيلة الجيل الأول من الفنانين من أبناء المهاجرين من يهود اليديشية لدخول المجتمع المضيف، عن طريق أداء دور المهرج والبهلوان الذي يسخر من نفسه ليُضحك الآخرين في الوقت الذي يضحك هو عليهم فيه ويأخذ أموالهم. وتمثل آلية تحطيم اللغة وسيلة سحرية لتحقيق هذا الهدف فهي تكشف كم الزيف الذي تحمله الحياة الاجتماعية، ولكنها في الوقت نفسه الوسيلة الممكنة لتحقيق الذات في هذه الحياة المزيفة. وهذه الآلية تمثل أيضاً الموروث الثقافي للمهاجر الذي يجيد لغته الأصلية (اليديشية) ويتملك ناصية لغة الوطن الجديد ويظل مع هذا خارجها، فهي لغة برانية (الإنجليزية). فثمة لغة جوانية تموت ولغة برانية تُكتَسب من خلال التقليد الجيد، ويقف المهاجر في منطقة رمادية، ولذا فهو يملك مقدرة فائقة على تحوير اللغة الجديدة البرانية بحيث تصبح وسيلة لتحقيق الذات وكشف الآخر، أو تحقيق الذات عن طريق كشف الآخر. 


وبعد أن استعاد المجتمع الأمريكي توازنه المفقود على حساب أوربا بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد أن حقق أعضاء الجماعات اليهودية توازناً كبيراً وحراكاً اجتماعياً داخل المجتمع الأمريكي، وبعد أن ظهرت موجات تحطيم اللغة فيما سُمي «مسرح العبث»، كان من الطبيعي أن يتفرق الإخوة ماركس بعد أن استُنفدت أغراضهم. وقد انتهوا سينمائياً عام 1941 وتفرقوا نهائياً عام 1950. ولهذا أيضاً، لم يتكرر نموذج الإخوة ماركس ولكن تكررت الأنماط المأخوذة عنهم مع عودة أزمة المجتمع في نهايات الستينيات وأوائل السبعينيات. 


تشـارلي تشـابلين (1889-1977)
Charlie Chaplain 


وُلد (سير) تشارلي تشابلن عام 1889 لأسرة إنجليزية ويُقال إن أمه كانت تعمل ممثلة في مسرح متجول وإنها من أصل يهودي. ولكنها مسألة ليست أكيدة. وصرح تشارلي تشابلين نفسه مرة قائلاً: « ليتني كنت يهودياً » (وهي عبارة لا معنى لها فلو كان المقصود «يهودي» بالمعنى الديني فلم يكن هناك ما يمنعه من التهود. ولو كان المقصود «يهودي» بالمعنى الإثني فهي رغبة مستحيلة إذ من الصعب أن يُغيِّر الإنسان جلده أو ماضيه! ولكن المهم في هذا السياق أن هذه العبارة تدل على أنه لم يكن «يهودياً» لا بالمعنى الديني ولا بالمعنى الإثني). ظهر تشارلي الصغير على المسرح ليلعب دوراً قصيراً لإضحاك الجمهور عندما مرضت أمه. ودخل إلى عالم السينما عام 1914 وابتكر شخصية الصعلوك التي اشتُهر بها بعدئذ. ثم اقتحم عالم الإنتاج والإخراج السينمائي وأسَّس شركة «الفنانون المتحدون» (يونايتيد آرتستس). ومثَّل تشارلي تشابلن في كل أفلامه التي أخرجها عدا فيلمي «امرأة من باريس» عام 1923 و«كونتيسة من هونج كونج» عام 1967. 


وتميَّزت أفلامه الكوميدية بمسحة إنسانية عميقة وإحساس عال بمتاعب الإنسان في المجتمع الرأسمالي بدءاً من أفلامه الأولى مثل «الصعلوك» و«الشارع السهل» و«الشقاء والمهاجر» و«حياة كلب» وغيرها، مروراً بفيلم «البحث عن الذهب» (1925) و«السيرك» (1928) و«أضواء المدينة» (1931) و«الأزمنة الحديثة» (1936)، وانتهاءً بفيلمه «ملك في نيويورك» (1957) الذي مُنع من العرض في الولايات المتحدة. ويعتبر البعض أن فيلمه «الديكتاتور العظيم» (1940) دعاية يهودية حيث لعب فيه دور الحلاق اليهودي المضطهَد كما لعب دور هينكل الديكتاتور المجنون، وكان أول فيلم يسخر صراحة من ألمانيا الهتلرية في الوقت الذي لم تكن الولايات المتحدة قد حددت بعد مع مَنْ سـتدخل الحرب! 


وكانت شخصية الصعلوك الذي يواجه السلطة بكل أشكالها بدءاً من صاحب العمل والملاحظ، مروراً بالشرطي، وانتهاءً بالسياسيين المرتشين ورجال الأعمال الفاسدين، تعبيراً عن رفض البنية الاجتماعية الهرمية ورغبة في الارتباط بالإنسان الضعيف المسحوق. وامتازت الشخصية التي قدمها بالبساطة والتلقائية الأمر الذي قربها كثيراً إلى الجماهير في أنحاء العالم كافة حتى أصبحنا نجد «تشابلن» في كل مكان. وحتى صارت الشخصية في ذاتها رمزاً مرتبطاً بكوميديا الحركة والمواقف الساخرة. 


وأدَّت آراء تشابلن الجذرية ورؤيته الإنسانية الرافضة للبناء الاجتماعي الاسـتهلاكي إلى وضعه في القائمـة السـوداء واتهامه بالشيوعية، حتى أنه هاجر من الولايات المتحدة في الفترة التي سادت فيها المكارثية ولجنة مكافحة الشيوعية. وقد اعتبر هذا من علامات يهودية تشابلن حيث إن معظم الفنانين الذين اُضطهدوا في هذه الفترة كانوا من اليهود. ومرةً أخرى، لم يحاول البعض أن يربط بين آرائه الثورية الرافضة للنموذج الاستهلاكي العلماني وبين رفض البنية الهرمية له، بل اتجهوا للحل الاختزالي الأسهل وهو تفسير موقفه على أساس يهوديته. 


كلـــود لانزمـــان (1925-)
Claude Lanzman 


كاتب فرنسي ومنتج سينمائي، وُلد في باريس لعائلة من البورجوازية الصغيرة. درس الفلسفة في جامعة السوربون، ثم عمل محاضراً في جامعة برلين. وانجذب نحو الأنشطة الصهيونية، ثم تأثر فيما بعد بفكر جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار الوجودي، وأصبح منذ عام 1952 من المقربين لهما حيث تعاون معهما في أعمالهما الفكرية وأنشطتهما العامة، كما اهتم بقضايا عديدة داخل فرنسا وخارجها. وقد أسس معهما مجلة الأزمنة الحديثة وكان من أصغر المساهمين والمحررين بها. ومنذ الستينيات، تزايد اهتمام لانزمان بالقضايا اليهودية، وخصوصاً مسألة الهولوكوست أو الإبادة النازية. وترك الصحافة عام 1970 واتجه نحو الإنتاج السينمائي حيث أنتج فيلماً بعنوان «لماذا إسرائيل» عُرض عام 1973 وقيل عنه إنه من أفضل الأفلام التي أُنتجت عن إسرائيل على الإطلاق، وهو في الواقع لا يعدو أن يكون دعاية صهيونيـة عادية وُظّفـت في خدمتها إمكانيـات فنيـة ضخمة. وفي عام 1985، عُرض له فيلمه الضخم «شواه» أي «الهولوكوست» الذي ظل يُعدُّ له لمدة عشرة أعوام. ويتناول الفيلم موضوع الإبادة من خلال تسع ساعات من الحوارات واللقاءات مع شخصيات يهودية وبولندية ونازية. ولا يُلقي هذا الفيلم أيضاً أي ضوء جديد على الظاهرة النازية أو ظاهرة الإبادة ويكرر الخط الغربي الذي يحول اليهود (على وجه العموم، وليس يهود أوربا على وجه التحديد) إلى ضحايا ومن سواهم إلى جزارين. وقد نال لانزمان عن هذا الفيلم أهم الجوائز التي تقدمها الجماعة اليهودية في فرنسا وهي جائزة المؤسسة اليهودية الفرنسية. ويقيم لانزمان حالياً في باريس ويعمل مديراً لمجلة الأزمنة الحديثة. 


مـيل بروكـس (1926-)
Mel Brooks 


واحد من أهم مخرجي الكوميديا في عقدي السبعينيات والثمانينيات في السينما الأمريكية. ويمثل، مع مجموعة تشمل مارتن فلدمان وجين وايلدر ووودي ألين (في أفلامه الأولى)، مدرسة خاصة في الكوميديا. وهو يُعرِّف نفسه قائلاً: « لا أحب أن أكون ما يظن الناس أنه أنا، لكن المشكلة أنني لا أدري حقاً من أنا ». وُلد في نيويورك عام 1926 لأسرة من يهود اليديشية، ونشأ في حي اليهود ببروكلين حيث لم تكن حياة الفقراء سهلة،وكانت أسرته فقيرة.كان اسمه الأصلي هو ملفين كانسكي ولكنه غيَّره عام 1940 إلى ميل بروكس (أي أنه تبنَّى اسماً غير يهودي).وعمل كمهرج في مجموعة فنادق «البورش»،وهي فنادق كان يرتادها يهود أوربا الوسطى،وبدأ بها كل من جيري لويس وداني كاي وليني بروس. 


تعود علاقة بروكس بالسينما إلى أيام طفولته. إذ كانت السينما تمثل، لهذا الصبي اليهودي الفقير المُجبَر على العمل، ملاذاً وملجأ من عالم قاس لا يرحم في مجتمع الأغيار الغني الذي لا يهدأ. وتضافرت عوامل متعددة لتكوين الأسلوب البروكسي في الكوميديا، بيد أنها جميعاً ترجع إلى خصيصة واحدة ألا وهي الرعب؛ الرعب من مجتمع الأغيار الذي يرفض اليهود، والرعب من مجتمع الأغيار الذي يرفض الفقراء، والرعب من المجتمع الصاخب الذي لا يهدأ ويرفض من لا عمل له. وتأكَّد هذا الرعب عندما بدأ بروكس في العمل في مجال السينما والتليفزيون. ويتخذ أشكالاً ثلاثة في أفلامه، وهي: البذاءة، والعبثية المرة، والمرجعية السينمائية (أي أن تصبح الأفلام الأخرى هي المرجعية الوحيدة والركيزة النهائية للفيلم). وهي تمثل آلياته الدفاعية لدخول مجتمع الأغيار ونقده في الوقت نفسه، إنها آليات إرضاء الآخر بالسخرية من الذات، ومن خلال ذلك إرضاء الذات بالسخرية من الآخر وفَضْحه. ويحمل فيلمه «تاريخ العالم» (1981) وجهة نظره كاملةً، كما يمثل أسلوبه المتميِّز في أجلى ملامحه. ومن أهم أفلامه الأخرى، «منتهى التوتر» (1977) و«نكون أو لا نكون» (1985). 


وودي أليــــن (1935-)
Woody Allen 


مخرج سينمائي وممثل وكاتب سينمائي أمريكي يهودي اسمه الأصلي هو ألان ستيورات كونيجسبرج، وُلد في بروكلين (وهو حي يتركز فيه عدد كبير من يهود الولايات المتحدة في نيويورك) لأب كان يعمل جرسوناً في مطعم وفي قطع الجواهر. التحق بجامعة نيويورك، ولكنه لم يحصل على شهادة جامعية. فاختار اسم وودي ألين اسماً فنياً وبدأ حياتـه المهنيـة ككاتب نكات يقـدمها للصحف أو لمقدمي البرامج التليفزيونية.وفي هذه الفترة، ابتكر ملامح الشخصية الأساسية التي تظهر في معظم أفلامه؛ شخصية البطل المضاد والمعادي للبطولة، أو البطل المهزوم الذي يخسر دائماً ويفشل. 


وثمة موضوعان أساسيان في أفلام وودي ألين، وهما مترابطان تمام الترابط؛ أما الأول فهو وجود البشر في الزمان حيث يحصدهم الموت بمنجله، أما الموضوع الثاني فهو الجنس. والجنس هو وسيلة للمتعة ولكنه أيضاً طريقة للتواصل والتضامن ومعرفة النفس البشرية. ولكن الزمان يؤدي إلى التغيُّر فتصبح كل الأمور نسبية، ومن ثم يصبح العالم خالياً تماماً من أية مطلقات معرفية أو أخلاقية، ومن أي معنى أو هدف، وتصبح الحركة آلية رتيبة مكرَّرة، ويُفرَّغ الجنس من المعنى تماماً ويصبح مجرد مسألة جسمانية لا تحل مشكلة المعنى. ويحاول البطل المهزوم أن يتجاوز كل هذا عن طريق الإيمان الديني. ولكنه يرتد دائماً على عقبيه فاشلاً، إذ يدرك استحالة بحثه، فيظل قابعاً رغم أنفه في عالمه العلماني يبيِّن حدوده ومأساته، ولكنه لا يتجاوزه قط. ولكنه لا يقنع بهذا أيضاً، إذ نجده يبين حدود الإيمان الديني كذلك، ومن ثم فهو في تصوُّرنا واحد من أهم نقاد المجتمع العلماني الذي يراه بوضوح ويرى الكارثة المعرفية والأخلاقية الناجمة عن النسبية، ولكنه يظل داخل حدود نسقه، يجلس على عتبات الإيمان الديني يُطلق نكاته المظلمة المنيرة. 


وعادةً يتناول وودي ألين هذه الموضوعات من خلال حشد كبير من الشخصيات بعضهم له ملامح إثنية واضحة مُستمَدة من حياة مهاجري يهود اليديشية في الولايات المتحدة (هم وأبناؤهم الذين حققوا قدراً من التأمرك ولكنهم لم يندمجوا تماماً، وهو ما يجعلهم غير مستقرين لا في القالب اليهودي اليديشي ولا داخل قالب الواسب، أي الأمريكيون البيض البروتستانت). وهم، في هذا، يشبهون الإنسان الغربي الحديث الذي فقد عالمه التقليدي ولكنه لم يجد نفسه إلا غريباً في عالمه الحديث. 


ومن أفلام وودي ألين الأولى، التي تستخدم نمط البطل المهزوم، فيلم «فلتأخذ النقود وتهرب» (1969)، وهو محاكاة ساخرة للأفلام الوثائقية، التي يكون بطلها عادةً شخصية ذات أبعاد بطولية. ولكن بطل هذا الفيلم هو مجرم لا يتَّسم بأية كفاءة، فهو في واقع الأمر إنسان عادي. ولذا، فهو دائم الفشل، يبدأ وينتهي في السجن ولا يضيء حياته سوى قصة حب قصيرة. 


وتدور أحداث فيلم «العبها مرة أخرى ياسام» (1972) حول ناقد سينمائي مُستوعَب تماماً في أفلام همفري بوجارت، وفي شخصيته التي تتسـم بالذكـورة الفائقـة. ولذا، بدلاً من أن يصـبح هذا الناقد مبدعاً، تتبدد طاقته في الحلم بالقيام بغزوات تشبه غزوات بوجارت، فتهجره زوجته ويبحث هو عن حب حقيقي أو علاقة غرامية أو جنسية ذات معنى. 


أما فيلم «النيام» (1973)، فيتناول الحياة في عالم المستقبل الذي يشبه الكابوس. فبطل الفيلم لا يمكنه التأقلم مع هذا العالم المنظَّم بشكل هندسي، وهو ما يجعل تجربته تشبه تجربة اليهودي في الحضارة الأمريكية الحديثة، وتجربة الإنسان بشكل عام في المجتمع الصناعي الحديث. 


وفيلم «كل ما كنت دائماً تود معرفته عن الجنس وتخشى السؤال عنـه» (1972) هو محاكاة كومـيدية لعـدة أنواع ومواضـيع أدبية وسينمائية: رواية الخيال العلمي، وقصة فرانكنشتاين، وأفلام الإباحية والشره الجنسي ومشكلة الشذوذ الجنسي في المجتمع الحديث. والفيلم يتضمن نقداً عميقاً للعقلية المادية الحديثة التي تحاول الوصول إلى الحد الأقصى في كل شيء: التمتع بالجنس والتحكم في الواقع واستكشاف المجهول. والصوت الروائي في الفيلم ينظر إلى كل هذا بشيء من عدم التصديق وبكثير من السخرية. 


ويُعتبَر «الحب والموت» (1975) من أهم أفلام وودي ألين، وتدور أحداثه في روسيا القيصرية أثناء غزو نابليون لها. وبطل الفيلم هو بطل وودي ألين المعتاد، الإنسان الصغير الذي يفشل دائماً، ولكنه يجد نفسـه في هـذه المرة بطلاً رغم أنفه. وتدور حبكة الفيلم حول الحب والموت، ومحاولة البطل أن يصل إلى الحب وأن يفهم الموت، وهو يحقق شيئاً من النجاح في محاولته الأولى إذ يتزوج ابنة عمه سونيا بعد سنوات طويلة من الحب المرفوض، لكن زواجه هذا يتم عن طريق الصدفة. أما الموت، فيظل الشيء البعيد الذي لا يُفهَم: يحاول البطل أن يغتال نابليون فيُقبَض عليه ويُحكَم عليه بالإعدام، وفي الليلة المحددة لتنفيذ الحكم يأتيه في سجنه ملاك يبشره بالنجاة والخلاص فيتقدم البطل إلى الموت دون خوف، ثم يظهر أن الملاك كان يكذب عليه وينتهي الفيلم بإعدام البطل! 


ويُعتبَر فيلم «آني هول» (1977) نقطة تحوُّل في تاريخ وودي ألين السينمائي. والفيلم يتناول كثيراً من الموضوعات الأمريكية اليهودية، علاقة اليهودي بالشيكسا (أنثى الأغيار الشقراء)، وموقف اليهودي المُبهَم من حضارة الواسب، إذ هو يحبها ويكرهها في آن واحد، يود دخول عالمها والاندماج فيه ولكنه يخشى أن يفعل ذلك. وهناك أيضاً موضوع كره اليهودي لنفسه وعشرات الموضوعات الأمريكية الأخرى مثل البارانويا والتحليل النفسي. وتزداد قضية المعنى أهمية في هذا الفيلم، بل وتشغل المركز. 


ويُعَدُّ فيلم «الداخل» (1978) من أفلام وودي ألين القليلة المأساوية والتي لا يمثل دوراً فيها. ويتناول قصـة حيـاة امرأة تفقـد علاقتها بالحياة، إذ تُستوعَب تماماً في القيم الفنية، خصوصاً قيمة التناسق، إلى درجة أنها تحاول أن تفرضها على الواقع. وحينما ينفصل عنها زوجها ثم يطلقها، لا تتحمل هذه الصدمة وتنتحر. ويتزوج الرجل بعد ذلك امرأة سوقية بعض الشيء ولكنها مليئة بالحيوية، وهي رغم كره بقية أعضاء الأسرة لها تأتي لهم بالحياة. ورغم أن الفيلم لا يستخدم الأنماط الإثنية المحددة، إلا أن من الواضح أن الزوجة الأولى تنتمي إلى حضارة الواسب الجميلة المتسقة. أما الثانية، بردائها الأحمر، فترمز إلى المهاجرين اليهود والذين قد يتسمون بالسوقية ولكنهم مليئون بالحياة . 


ومن أهم أفلام وودي ألين فيلم «مانهاتن» (1979)، ومانهاتن هي أهم أحياء نيويورك ومركز المال والتجارة، وهو الحي الذي يعيش فيه وودي ألين نفسه. وهو في هذا الفيلم، يتناول الفوضى الأخلاقية والعاطفية الناجمة عن النسبية، واختفاء المعنى والقيمة، وتحوُّل كل شيء إلى جزء من الحياة العامة. فزوجته، على سبيل المثال، تتركه لتعيش مع امرأة أخرى (فهي مُساحقة)، وتؤلف كتاباً عن حياتهما الشخصية تتعرض فيه لأدق وقائعها. ولكن، وسط كل هذا، تُوجَد فتاة صغيرة تحب البطل وترتبط به. ورغم محاولته الهرب منها، فإنها تظل تؤكد حتى النهاية ضرورة أن يثق البشر، الواحد بالآخر. 


ويتناول فيلم «زيليج» (1983) قصة حياة رجل يتلون كالحرباء تبعاً للوسط الذي يعيش فيه حتى يفقد هويته تماماً. ولعل زيليج تعبير عن مأساة الإنسان الحديث الذي يفشل تماماً في تحقيق الانتماء، لأية عقيـدة ولأي مجتمـع، ولذا يظل دائماً غريباً لا مأوى له. والإنسان الحديث، في هذا، يشبه المهاجر اليهودي (أو غيره من المهاجرين) حيث يبذل قصارى جهده لكي يصبح جزءاً من مجتمعه ويحاول في الوقت نفسه ألا يفقد هويته، ولكن المحاولة تبوء عادةً بالفشل إذ أن ما يحدث هو أن المهاجر يفقد يهوديته، ولكنه في الوقت نفسه لا يصبح من الواسب. ولذا، فإن محاولته الاندماج تصبح حالة مرضية مثل حالة زيليج. 


وفي فيلم «برودواي داني روز» (1984) نجد البطل الصغير المهزوم في عالم تسوده قيم التنافس والقوة، وهو في هذه المرة وكيل أعمال فنانين ينبذونه حينما يحققون النجاح، أما هو فيستمر في جمع المهزومين والفاشلين والعاطلين عن المواهب من حوله، هؤلاء الذين لا يمكنهم تحقيق البقاء في مجتمع التنافس الدارويني.


ومن أهم أفلام وودي ألين «وردة القاهرة القرمزية» (1985) وهو فيلم لا يظهر فيه هو نفسه، والفيلم يقف ما بين الكوميديا والمأساة، بطلته امرأة متواضعة الحال تعيش حياة بائسة، حياة لا يوجد فيها نبل أو تجاوز أو تعال، وزوجها عاطل عن العمل بسبب الكساد الاقتصادي في الثلاثينيات، ولا تجد ملجأ من كل هذا الكابوس إلا في عالم الأحلام الوردية، عالم السـينما. تذهب إلى السـينما كل يوم وتشـاهد نفس الفيلم، المرة تلو الأخرى، فعالم السـينما هو عـالم غير حقـيقي ولكنه جمـيل ويعـلو على واقعها الرديء. والفيلم الذي تشاهده هو فيلم من الثلاثينيات يُسمَّى «وردة القاهرة القرمزية»: فيلم هروبي، أبطاله أثرياء يتنقلون من القاهرة إلى شرفات شققهم الفاخرة في شيكاغو وإلى المطاعم التي تغنى فيها أشهر المغنيات. وتُستوعَب البطلة تماماً في الفيلم الذي تشاهده إلى أن يزول الخط الفاصل بين الواقع والخيال، ويقع بطل الفيلم في غرامها ويترك الشاشة ويهرب معها لتعيش البطلة الحالمة معه حياة مليئة بالمغامرات، ثم يأخذها البطل ويدخل معها عالم الفيلم ذاته حيث تختلط بالنجوم وتحيا حياة المتعة والثراء. ولكن الفيلم ينتهي حين يأتي ممثل الفيلم ويخبرها بأن عليها أن تختار بينه (هو الممثل الحقيقي) وبطل الفيلم الوهمي، فتختاره هو بطبيعة الحال. ولكن يظهر أنه خدعها، إذ يعود إلى هوليود وتعود هي إلى حياتها العادية الرتيبة لتشاهد مزيداً من الأفلام وتعيش مرة أخرى في عالم البؤس تتطلع إلى عالم الأحلام الوردية! 


وتظهر في «حنا وأخواتها» (1986) قضية المعنى بكل حدة، فبطله كاتب تليفزيوني أمريكي يهودي لم يَعُد يؤمن باليهودية، ويبدأ رحلة البحث فيعتنق المسيحية الكاثوليكية بضعة أيام ولكنه يتركها، ثم يجد العزاء والمعنى في الحب والسينما. وبعد هذا، ظهر فيلم «قصص نيويورك» (1988)، وهو فيلم يتكوَّن من ثلاثة أجزاء، أخرج وودي ألين ثالثها بعنوان «أطلال الملك أوديب» (لعب على لفظ «ركس rex» اللاتينية التي تعني «ملك» وكلمة «ركس wrecks» الإنجليزية وتعني «يحطِّم» أو «يهدم»). وفي هذا الفيلم، يعود ألين إلى الموضوع اليهودي ويتناوله بشكل مباشر كما فعل في «آني هول»، فالفيلم يتناول حياة شاب أمريكي يهودي يحاول أن يندمج في المجتمع، فيغيِّر اسمه ويتصرف تماماً مثل الواسب ويحب شيكسا. ولكن أمه اليهودية ذات الشخصية المتسلطة والهوية اليديشية الواضحة الفاضحة ترفض هذا الوضع تماماً. وفي يوم من الأيام، تختفي الأم ولكنها تظهر في سماء نيويورك على هيئة صورة ضخمة تتحدث معه ومع المارة حيث تستمر في مطاردة ابنها إلى أن يرضخ في نهاية الأمر ويحب أنثى يهودية تشبه أمه تماماً. ولا يتسم هذا الفيلم بكثير من التركيب ربما بسبب قصره. 


أما فيلم «جرائم وجنح» (1989) فتتبلور فيه كثير من الموضوعات وتصل إلى منتهاها، فقضية المعنى ومصدر القيمة الأخلاقية المطلقة في المجتمع العلماني تصبح هنا قضية مركزية. وبطل الفيلم مخرج سينمائي (متخصص في الأفلام الوثائقية) يؤمن بفنه وتشاركه هذا الإيمان فتاة يعتقد أنها تحبه. ويُوجَد في الفيلم كذلك طبيب عيون يهودي أمريكي ناجح، مندمج في مجتمعه، يُقدِّم خدمات عديدة للمجتمع، أحد مرضاه حاخام أعمى. وينتهي الفيلم حين يجد البطل أن صديقته تتركه لتتزوج رجلاً سوقياً متخصصاً في العلاقات العامة ويقوم طبيب العيون باستئجار قاتل ليقتل عشيقته التي تهدده بالفضيحة، فكأن العام والبراني ينتصر تماماً على الخاـص والجـواني، ويختفي اليقـين المعرفي والمطلقية الأخلاقية. وعلى كلٍّ، فإن الحاخام أعمى منذ البداية، أما الطبيب الذي يحاول أن يرجع النور لعيونه فهو مجرم! 


وظهر عام 1990 فيلم «أليس»، ويتناول حياة أنثى أمريكية ثرية تعيش حياة رتيبة تماماً لا يوجد لها هدف أو معنى. بدأت تشعر بالفجوة العاطفية التي تفصل بينها وبين زوجها، وبالمسافة التي تفصلها عن أطفالها بسبب اعتمادها على مربية في تنشئتهم وعلى آلاف الأشياء الأخرى (مثل اللعب والهدايا التي لا تنتهي)، وتقرر تغيير حياتها فتستشير طبيباً صينياً يعرف بعض الوصفات السحرية، من بينها دواء إن أعطته لشخص فإنه يقع في غرامها على التو. وبعد أن تجربه ترفض هذا الحل السحري، كما ترفض أن تذهب للاستقرار في الهند بحثاً عن تجربة دينية وإنما تترك زوجها وتأخذ أطفالها وتتفرغ لتربيتهم متخطية المسافة التي تفصل بينها وبينهم. 


وأفلام وودي ألين الأخيرة تتناول الموضوعات نفسها بشكل أكثر عمقاً وظلمة. ففيلم «رصاص فوق برودواي» (1994) يطرح السؤال التالي: هل من حق الفنان (هل من حق أي إنسان) أن يكون له عالمه الأخلاقي المستقل، أي أن يحكم على العالم بقيمه هو، دون مرجعية إنسانية مشتركة؟ ويدور الفيلم في عالمين: عالم المسرح وعالم المافيا وتربط بينهما شخصية عضو المافيا الذي يؤمن إيماناً مطلقاً بالفن يَجُبُّ أي التزام آخر (بما في ذلك الالتزام الخلقي تجاه البشر) والذي يعرف خبايا فن المسرح ويُقدِّره حق قدره. هذا المجرم، الفنان يقوم بحراسة ممثلة من الدرجة الرابعة، تعمل في ملهى ليلي ولكنها تتطلع للشهرة. وتنجح في الحصول على دور ثانوي في مسرحية يقوم عشيقها زعيم المافيا بتمويلها إرضاءً لها حتى يوفر لها دوراً فيها. ويتدخل الحارس الفنان تدريجياً أثناء البروفات فيُعيد صياغة حدث هنا وعبارة هناك في النـص المـسرحي، إلى أن يصـبح عملاً جيداً. ولكنه يدرك تماماً أن الممثلة، عشيقة زعيم المافيا، ستُفسد العرض، وتدمر العمل الفني. وانطلاقاً من ولائه المطلق للقيم الجمالية يقوم بإطلاق الرصاص عليها. وهنا يُدرك الكاتب الأصلي للمسرحية التضمينات اللا إنسانية لهذا الالتزام النيتشوي بالفن، فيرفضه ويعود لصديقته ليحيا حياةً إنسانية سوية بعد أن كان قد هجرها لينطلق في عالم الفن. 


وتدور أحداث فيلم «أفروديت العظمى» في نيويورك (حيث تدور معظم أحداث أفلام وودي ألين) حول مشاكل الطبقة المتوسطة الأمريكية. ومع هذا حاول وودي ألين أن يتناولها في إطار يمنحها شيئاً من العظمة والبطولة، ويبدأ الفيلم لا في نيويورك وإنما في اليونان القديمة إذ نرى مشاهد من مأساة بطل الفيلم الذي يحاول أن يعرف من هي الأم الحقيقية لابنه بالتبني. وحينما يكتشف أنها تعمل بالبغاء يُصدَم ويقرر أن يصلحها، حتى لا يُصدَم ابنه حينما يكبر ويقرر أن يكتشف أمه الحقيقية. ورغم تعثُّر محاولاته، إلا أن كل الأمور تسـتقر وينتـهي الفيلم " نهاية سعيدة ". 


ويمكننا الآن أن نتناول «يهودية» وودي ألين. وكما أسلفنا، هناك بُعد يهودي قوي في أفلامه. فثمة إشارات واضحة أو كامنة، إلا أن أبطاله يهود (في العادة). ففي «آني هول» و«أطلال الملك أوديب» و«جرائم وجُنح»، نجد أن يهودية البطل في مجتمع الواسب هي الموضوع الأساسي.أما في فيلم «مانهاتن»،فإن يهوديته يشار إليها وحسب ولا تشكل موضوع الفيلم. وفي فيلم «الحب والموت»، يُعرَّف البطل في البداية باعتباره يهودياً ولكنه يصبح مسيحياً في النصف الثاني من الرواية.وفي «حنا وأخواتها»،نجد أن الأسرة يهودية،ولكنها أسرة أمريكية يهودية يواجه أعضاؤها مشاكل المجتمع العلماني الأمريكي من تفكُّك وصراع ومحاولة تجاوز كل ذلك من خلال شكل من أشكال التضامن.ولكن شخصياته،سواء كانت يهودية أو كانت غير يهودية،فإنها تتجاوز وضعها الخاص لتصبح جزءاً من نمط إنساني عالمي يمكن للجميع المشاركة فيه والإحساس به. ولهذا، فإن يهودية وودي ألين (حينما تظهر) ليست استبعادية، وإنما هي رمز لمعاناة الإنسان في مجتمع فقد المعنى والقيمة، ذلك هو الموضوع المباشر البارز في العمل،بينما الموضوع غير المباشر والكامن موضوع ذو طابع إنساني عام. وهذا يثير، بلا شك، إشكالية يهودية وودي ألين، إذ أن تناوله الموضوع اليهودي قد لا يختلف كثيراً عن تناول أي مخرج آخر، إلا إذا أخذنا في الاعتبار أن ألين ينظر إلى الموضوع من الداخل باعتبار أن الموضوع اليهودي يخصه بشكل شخصي ومباشر، فأبطاله على علاقة وثيقة بسيرته الشخصية. 


وألين لا يختلف كثيراً عن فنانين يهود آخرين، مثل مارك شاجال وإسحق بابل، حيث لا يشكل العنصر اليهودي سوى تلك المادة الخام التي يتناولونها في أعمالهم بشكل إنساني عام. وهذا يجعل بوسعنا التعاطف مع الضحايا من اليهود، والوقوف إلى صفهم، والتمتع بما في مثل هذه الأعمال الفنية من جمال وإدراك لحالة الإنسان في العصر الحديث. 


ومما يجدر ذكره أن وودي ألين كتب مقالاً شديد الأهمية عن الانتفاضة، مستخدماً فيه نفس الصوت الروائي الذي يستخدمه في أفلامه، أي صوت البطل الفاشل الذي يحاول أن يأتي بأعمال بطولية ويخفق ولكنه يصر مع هذا على أن يتمسك بموقفه المبدئي. وهو، في هذا المقال،يهاجم الدولة التي تدع جنودها يضربون الناس ليكونوا عبرة للآخرين، وتُكسِّر أيادي الرجال والنساء حتى لا يلقوا بالحجارة، وتَجر المدنيين من بيوتهم بشكل عشوائي لتحطمهم ضرباً في محاولة لإرهاب بقية السكان وإرغامهم على الهدوء. 


وحينما احتجت المؤسسة الصهيونية، كتب وودي ألين مقالاً آخر يُعلن فيه تمسُّكه بموقفه، ودهشته ممن يطالبونه بعدم الهجوم على الدولة الصهيونية لأنه يهودي. وموقف وودي ألين من الانتفاضة هو استمرار لموقفه في أفلامه وبحثه عن المعنى والقيمة المطلقة رغم إدراكه أن قوى الشر والنسبية مسيطرة تماماً بل ومهيمنة. وقد تزوج وودي ألين ثلاث مرات وعاش مع الممثلة ميا فارو (التي لعـبت دور البطولة في معـظم أفلامه الأخيرة) وأنجـبت منه طفلاً (ساتشيل). وانتهت هذه العلاقة شبه الزوجية بانفصال عاصف حين اتهمت ميا فارو وودي ألين بأنه يتحرش جنسياً بأطفالها، وأنه أغوى ابنتها الكبرى بالتبني (وهي من أصل آسيوي). وقد دافع وودي ألين عن نفسه بأنها ليست ابنته وأنه لم يعتبرها كذلك في أية لحظة من حياته. وقد برأه القضاء، وهو يعيش الآن مع الابنة الكبري المشار إليها.
يتبع إن شاء الله...


الباب السادس: الكوميديا والسينما والجـماعات اليهودية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

الباب السادس: الكوميديا والسينما والجـماعات اليهودية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب السادس: الكوميديا والسينما والجـماعات اليهودية    الباب السادس: الكوميديا والسينما والجـماعات اليهودية  Emptyالإثنين 09 ديسمبر 2013, 9:10 pm

دســتن هـوفمـان (1937-) 
Dustin Hoffman 


ممثل أمريكي يهودي ونجم من نجوم السينما الأمريكية. تميَّز بأداء عدد من الأدوار المهمة والصعبة التي نال عن اثنين منها جائزة الأوسكار ورُشح عن ثلاثة منها للجائزة نفسها، وهو يُعَدُّ واحداً من أهم الممثلين الأمريكيين على الإطلاق. لمع نجمه بعد أول فيلم له وهو فيلم «الخريج» (1967) حيث لعب دور خريج الجامعة الذي يدخل في علاقة مع امرأة أكبر منه ويحب في الوقت نفسه ابنتها. ورُشح عن دوره في هذا الفيلم لجائزة أوسكار أحسن ممثل. وتكرَّر ترشيحه بعدئذ عن فيلم «راعي بقر منتصف الليل» حيث لعب دور المُقعَد الذي يقوم بإغواء شاب قوي قادم من الريف الأمريكي ويبيعه للمُخنَّثين.وكذلك رُشح لثالث مرة عن فيلم «ليني» حيث لعب دور أحد أشهر الكوميديانات اليهود في أمريكا والذي كان يُعتبَر أيضاً أكبر المتمردين على اللغة. ثم نال جائزة الأوسكار عن فيلم «كريمر ضد كريمر» الذي مثل فيه دور المُطلَّق الذي يرعى ابنه بمفرده فيكون له بمنزلة الأب والأم معاً. وبعدئذ نالها ثانية عن دوره في فيلم «رجل المطر» حيث قام بدور الشقيق المتخلِّف عقلياً لأخ انتهازي ولكنه رغم تخلُّفه العقلي إنسان ذو عبقرية رياضية. 


ومن أدواره المهمة الأخرى، دوره في فيلم «الفراشة» وهو دور المتهم النصاب المسجون في أكبر قضية تزييف في فرنسا. وبعد أن يتم نفيه إلى جزيرة الشيطان، يحاول أن يؤقلم نفسه فيرشو الحراس ويخلق لنفسه عالماً خاصاً. أما في فيلم «ذئاب من قش»، فقد لعب دور الأستاذ المسالم الذي تتعرض زوجته للاغتصاب فيتحول لوحش مفترس. ثم لعب دوراً مشابهاً لهذا في فيلم «رجل الماراثون» حيث يموت أخوه، رجل المخابرات الإسرائيلية، أمامه ويطارده النازيون، فيقاتلهم بضراوة. ومن أهم أدواره الكوميدية، دوره في فيلم «توتسي» حيث يلعب دور الممثل الذي لا يجد عملاً رغم تميُّزه الشديد، وربما بسبب تميُّزه هذا، فيضطر إلى التنكر في شخصية امرأة ويقوم بدور امرأة في مسلسل تليفزيوني ويحيا هذه الحياة المزدوجة للذكر/الأنثى. أما في فيلم « البطل » فهو يلعب دور الرجل الفاشل الذي يقوم بفعل بطولي حين يُنقذ ركاب طائرة ولكن فعله هذا يُنسب لغيره. 


ويُعَدُّ هوفمان نموذجاً بارزاً لجيل الستينيات من الممثلين من أعضاء الجماعات اليهودية في السينما الأمريكية الذين يتميَّزون بأداء جميع الأدوار ولا يقتصرون على الكوميديا فقط كما كان الحال مع الجيل الأول. وكان أعضاء الجماعة اليهودية قد حققوا حينذاك حراكاً اجتماعياً وانصهاراً في المجتمع الأمريكي واحتلوا مكانة مستقرة ضمن الشرائح العليا من الطبقة الوسطى، ولم يَعُد لزاماً على الممثل اليهودي أن يستخدم آلية السخرية من الذات من خلال الأدوار الكوميدية التي تميَّز فيها اليهود في نهاية العشرينيات والثلاثينيات لتحقيق القبول الاجتماعي وتحقيق نوع من الاندماج. وبالإضافة إلى ذلك، تطوَّرت مكانة السينما في المجتمع الأمريكي بحيث أصبحت بعد أكثر من خمسين عاماً صناعة استثمارية ضخمة وبالتالي منطقة جذب للناجحين من أبناء الطبقة الوسطى، اليهود غير اليهود، ومجالاً لتحقيق مزيد من النجاح المادي والثراء من خلال آليات صناعة الخيال ونشر الحلم. 


ويُلاحَظ أيضاً أن هوفمان يلعب دوراً يكاد يكون مشابهاً لشخصية غير السوي في مجتمع الأسوياء أو الشخصية الازدواجية السوي/غير السوي. فهناك قدر من الغربة في كل أدواره المركَّبة التي اشتُهر بأدائها،فهـو خريج الجامعـة الذي يحـب المرأة (التي هي في مقـام أمه) وبنتها،المتخلف عقلياً/حاد الذكاء،المزيِّف الذي يقبل الأمر الواقع في المنفى، المسالم/الوحش، ثم الرجل/المرأة (وظيفياً) في كريمر ضد كريمر، والرجل/المرأة (فيزيقياً) في «توتسي»، وهذا الدور المتكرر يتضح تماماً في ضوء وضع ومكانة أعضاء الجماعة اليهودية في المجتمع الأمريكي فهم في أواسط السلم الاجتماعي دائماً، أي تجسيد لفكرة ازدواجية السواء/اللا سواء في آن واحد. 


سـتيفن سـبيلبرج (1950-) 
Steven Spielberg 


أحد أهم مخرجي السينما الأمريكية اليوم، ولا نغالي إذا قلنا إنه من أهم العاملين في قطاع الترويح والترفيه في عالم اليوم. حصل فيلمه «قائمة شندلر» الذي أخرجه وأنتجه عام 1993 على سبع جوائز أوسكار منها جائزة أفضل فيلم وأفضل مخرج. وحصل فيلمه «الحديقة الجوراسية» على ثلاثة جوائز أوسكار في نفس العام، أي أنه حصد عام 1994 عدد عشرة جوائز أوسكار (في التصوير والصوت والمونتاج والمؤثرات الخاصة والموسيقى وغيرها). وحققت الأفلام التي أنتجها أعلى أرقام في التوزيع وفي شباك التذاكر. 


وتمثل أفلام سبيلبرج للمواطن الأمريكي أجـمل حل لكل مشكلاته، فهي تمجِّد الفرد في مواجهة آلة ضخمة غير محدَّدة الهوية، وهي تضع العالم في إطار من الثنائية الصلبة، حيث قوى الخير تحارب بشراسة ضد قوى الشر الغيبية التي لا نفهم أبداً من أين أتت. ففي «المبارزة» (1972) تطارد سيارة نقل ضخمة شرسة، أسرة أمريكية تركب سـيارة صغـيرة على طول طرق الولايات المتحـدة الواسـعة والمتعرجة، أي عالم المواطن الأمريكي الذي يمتطي سيارته صباحاً ويقطع بها مئات الأميال ليؤدي عمله الروتيني. ولكنه يريد المغامرة والاقتحام والمتعة فيوفرها له سبيلبرج. 


ثم يأتي فيلم «فكوك» (1975) حيث نجد وحشاً هائلاً جباراً من وحوش عالم أعماق البحار الغامض هو تلك السمكة الجبارة من نوع القرش المفترس، يهاجم مجموعات البشر الأسوياء الأبرياء على الشواطئ، ويقتحم لحظات مرحهم ولهوهم (أقدس اللحظات عند المواطن الأمريكي). ثم لا ينجح سوى شريف المدينة أو رمز المواطن الخيِّر الفرد راعي البقر الجديد الذي ينتصر على المساحات الشاسعة ويهزم هذا الشر الغيبي الكامن في المجهول تماماً. وسنجد أن هذه المعادلة التبسيطية الثنائية الصلبة خير/شر ـ مقدَّس/مدنَّس ـ ذات/موضوع تتكرر في كل أفلامه ويتخذ صوراً متعددة تتماهى مع الوضع السياسي أو الاجتماعي القائم وقتها وهو ما يزيد من جاذبيته لدى المواطن الأمريكي. 


فمثلاً تُظهر سلسلة « أنديانا جونز »، عالم الآثار السوبرمان، أثناء فترة احتدام الحرب الباردة في أوائل الثمانينيات، ومع ارتفاع الشعارات الريجانية حول « إمبراطورية الشر » و« الشر الذي يتهدد العالم »... وغيرها. ونجد أن «مغتصبو التابوت المفقود» يُقدّم هذه الشعارات في التوليفة السبيلبرجية المعهودة، أسطورة السوبرمان الفرد الذي يتحدى كل شيء ويُحطم كل المؤامرات التي يحيكها الأشرار. إن «أنديانا جونز» هو التجسيد الأمثل للبطل السوبرمان في السينما الأمريكية، أو البطل الملحمي الضد الذي يسير إلى قدره المحتوم، ولا يبالي بشيء ولا يهمه شيء، فالغاية تبرر كل الوسائل. 


وهذه خلطة سحرية ومزيج أسطوري بسيط في إطار تقني معقد يصل مباشرةً إلى المواطن الأمريكي المستهدَف كجمهور مستهلك. ويخاطب فيه نزعاته الاستهلاكية وتمركزه حول الذات ومفاهيمه التبسيطية ويُقدِّم له الصورة التي يريد أن يراها في الخيال بديلاً عن ذاته المقهورة المستلبة المتحوسلة في إطار عمله الروتيني اليومي المتكرر. ونرى في أفلام سبيلبرج بعدئذ تكراراً لموضوعات أساسية أسطورية عديدة، بل إن هناك موضوعات قديمة (مثل «مغتصبو التابوت المفقود» أو «عبدة الشر في المعبد الملعون» وهي تنويعات على موضوع إمبراطورية الشر، حيث هؤلاء الهنود الشرقيون يريدون غزو العالم ويُقدِّمون ضحايا من البيض). وهناك موضوعات حديثة مثل «القادمون من السماء في لقاءات قريبة من النوع الثالث» أو «E.T.» أي الكائن غير الأرضي الذي يُعيد التوازن للعالم، وهي تنويعة على أسطورة الجولم أو الكائن اليهودي المخلوق على يد البشر. وهناك موضوعات ما بعد حداثية مثل إعادة الخلق واستخدام الهندسة الوراثية كما في « الحديقة الجوراسية ». تلك الموضوعات الأسطورية مهمة جداً عند الجمهور المُستهدَف لأنها تمثل الجانب الغيبي والخرافي الضروري لاستكمال معادلة الحلول في الذات. إنها بمثابة الديانة السحرية الخرافية البسيطة التي تحل محل الدين المركَّب (أي أن موقف سـبيلبرج يقف على طرف النقيـض من موقف وودي ألين في فيلم « أليس » حيث يرفض الحل السحري تماماً(. 


ومن أهم أفلام سبيلبرج فيلم « الحديقة الجوراسية » أو حديقة الديناصورات. وهو تعبير عن اتجاه في السينما الأمريكية يكشف عن مراجعة الفكر الغربي في مرحلة ما بعد الحداثة. ففي عصر التحديث لا يؤمن الإنسان الغربي إلا بالعلم ومقدرته على التحكم في الواقع وترشيده بحيث يمكنه التحكم في العالم وحوسلته. أما في عصر ما بعد الحداثة فثمة خوف عميق من مواجهة التاريخ إذ أن عملية البرمجة لا يمكن أن تكون كاملة وبالتالي تخرج الأمور عما هو مقرَّر لها. يدور فيلم « الحديقة الجوراسية » حول محاولة الرأسمالي الأمريكي جون هاموند أن يقيم حديقة للديناصورات، هي الوحيدة من نوعها في العالم،مستخدماً أرقى وآخر أنواع التكنولوجيا:من هندسة وراثية إلى عالم كمبيوتر،مُطبِّقاً كل هذا على الحفريات. ورغم أن هاموند يمتلك عالم الطبيعة تماماً (محميات للحيوانات في كينيا ـ مناجم في جمهورية الدومينـكان في أمريكـا اللاتينية)،إلا أنه يريد امتـلاك الماضـي والمستقبل،ومن ثَم يحـاول أن يخرجه من الكتـب ليحـوِّله إلى واقع يتم بيعه لمن يستطيع الدفع، فكل شيء قابل للبيع والشراء.ولكي يمرِّر هاموند مشروعه يستعين باثنين من علماء الحفريات (جرانف واستايلر)،وعالم رياضيات (مالكوم).يدخل الجميع عالم الديناصورات المُحاصَر بالأسوار المُكهربة والمُراقَب بواسطة الكمبيوتر،وينبهر الجميع،فقد أصبح الماضي حقيقة، فالديناصورات تتحرك أمامهم.ولكن الجنة المثالية تنقلب إلى جحيم حقيقي حين يفقد الإنسان السيطرة على الديناصورات (بسبب خيانة أحد علماء الكمبيوتر ومحاولته تهريب أجنـة الدينـاصورات خـارج الجزيرة(. 


وعبر تركيبة السينما الأمريكية التقليدية تدور أحداث هروب جرانت وحفيدي هاموند من الوحوش،ويطرح الفيلم قضية الحد الذي يمكن أن يصل إليه الإنسان في محاولته التحكم في واقعه من خلال مقدراته العقلية وأن يسيطر عليه من خلال العلم.والفيلم يعلن أن ثمة حـدوداً.فالطبيعـة تتحايل على العلم.فالديناصورات تتعلم بسرعة وتتكيف مع الواقع الجديد وتتوالد رغم محاولة منعها من التناسل. وينتهي الفيلم بالإنسان وقد وقع صريعاً أمام قوة الماضي،متمثلة في الديناصورات،وقوة المستقبل متمثلة في التكنولوجيا. 


وأم سبيلبرج يهودية إثنية لا تكترث بالشعائر الدينية وهو متزوج من امرأة غير يهودية. وهو يتناول أحياناً موضوعات يهودية في أفلامه («مغتصبو تابوت العهد» و«اللون القرمزي» و«قائمة شندلر»). لكن المؤكد هو أن أفلامه التي يصفها هو نفسه بأنها « لا تهدف إلا إلى الإمتاع الخالص واللذة فقط » هي التجسيد الأمثل للرؤية المعرفية الإمبريالية العلمانية الشاملة والحلولية الكمونية الكاملة حيث يصبح الإنسان مكتفياً بذاته، هو العبد والمعبود والمعبد، يُشبع رغباته ونزواته في عالم كل شيء فيه محكوم ومُتحكَّم فيه لخدمته ولا أهمية لشيء إلا ذاته. 


قائمـــة شـندلــر 
Schindler's List 


«قائمة شندلر» واحد من أهم أفلام المخرج الأمريكي ستيفن سبيلبرج. والفيلم يستند إلى قصة روائية ومع هذا يأخذ الفيلم شكل الفيلم الوثائقي من أجل صبغ الفيلم بصبغة حقيقية، ولذا يستخدم المخرج أحياناً بعض المشاهد المألوفة لدى الناس من خلال صور الهولوكوست الكثيرة التي نُشرت أكثر من مرة. وبطل الفيلم هو شندلر، وهو صناعي ألماني سوديتي (من الألمان الذين طُردوا بعد الحرب العالمية الثانية من منطقة السوديت في غربي تشيكوسلوفاكيا). وهو إنسان غير مكترث بالسياسة متمركز حول ذاته مهتم بجمع المال وإنفاقه. ذهب إلى بولندا في بداية الحرب كي يُحقق الربح ويُمتع نفسه. وفي هذا الإطار يعقد صفقة مع النازيين يتم بمقتضاها تزويده ببعض العمال اليهود من معسكرات الاعتقال والإبادة لتشغيل مصنعه الذي ينتج أواني تساعد ألمانيا في جهودها العسكرية. ورغم أن أهداف شندلر المبدئية نفعية مادية دنيئة، خالية تماماً من المثاليات، إلا أن إنسانيته تهزمه تدريجياً ويبدأ في التعاون مع اليهود ويُضحي بثروته من أجلهم إذ يقوم بتقديم الرشاوي لكبار الضباط النازيين كي يضمن بقاء اليهود الذي يعملون في مصنعه. وهكذا تتحول الصفقة المادية المبرمة بين شندلر والنازيين إلى آلية لإنقاذ بضع مئات من اليهود الذين يظهرون على «قائمة شندلر». 


ولفَهْم فيلم «قائمة شندلر» حق الفهم لابد أن نضعه في سياقه الحقيقي، وأهم عناصر هذا السياق أن مخرج الفيلم سبيلبرج هو أمريكي يهودي (وليس يهودياً أمريكياً) مندمج تماماً، أي أنه من «اليهود الجدد»، تمييزاً لهم عن يهود أوربا، فتجربتهم الحضارية مختلفة عن تجارب يهود أوربا، فهم لم يعرفوا الجيتو ولا التخصص المهني أو الوظيفي. فقد نشأ سبيلبرج في منزل لم يحافظ على الطقوس الدينية، ولم يُطبِّق قوانين الطعام الشرعية وتزوج من غير يهودية. وكل هذا يعني أن علاقته بهويته اليهودية علاقة واهية للغاية فهي ليست هوية متماسكة متكاملة وإنما هي في واقع الأمر بقايا مجموعة من الرموز وشتات من الذكريات. وتجربة سبيلبرج في المجتمع الأمريكي تجربة إيجابية للغاية فقد حقَّق نجاحاً مذهلاً، وأصبح من أهم رموزه، بل أصبح يشارك في تطوير رموز هذا المجتمع ووجدانه من خلال أفلامه. فكيف يمكنه أن يتقبل الثنائية الصهيونية البسيطة: يهود ضد أغيار؟ وكيف يمكن أن يقبل الطرح الصهيوني لفكرة المركز الإسرائيلي مقابل الهامش اليهودي؟ ومن هنا كان لابد أن يكون بطله شخصاً قادراً على أن يتحرك بكفاءة بين العالمين: عالم اليهود وعالم الأغيار، فهذا أقرب لتجربة سبيلبرج مع المجتمع الأمريكي من الأنماط الإدراكية الساذجة والثنائيات الصلبة التي تُوجَد في الأدبيات الصهيونية حيث يقف اليهودي وحيداً أمام ذئاب الأغيار. 


ولكن هناك بُعْداً آخر أعمق في «قائمة شندلر». والأطروحة الأساسية في الفيلم هي أن النازيين لم يكونوا يقتلون اليهود كُرهاً فيهم أو حقداً عليهم، وإنما لأنهم كانوا غير نافعين. ولذا لم يكن يُباد النافع منهم، أي كل من يمكن توظيفه أو تسخيره في خدمة الاقتصاد الألماني. كان هناك من النازيين من يُكِّن كراهية خاصة لليهود، ولكن القيمة الحاكمة الكبرى لم تكن الكراهية وإنما المنفعة. وأدرك شندلر هذا وتحرك في إطاره وتمكن من إنقاذ مجموعة من اليهود من أفران الغاز عن طريق توضيح نفعهم. ولعل أهم اللحظات في الفيلم من هذا المنظور اللحظة التي يقوم أحد الحراس النازيين فيها بتصنيف بعض الأطفال اليهود المرحَّلين إلى مصنع شندلر باعتبار أنهم لا نفع لهم، فهم مجرد أطفال لا يمكن أن يعملوا في المصنع. ولكن شندلر يُبيِّن لهم، في لهجة غاضبة، أن أيدي الأطفال الصغيرة ضرورية لأنها هي وحدها القادرة على الوصول إلى داخل بعض الأواني التي تخصَّص مصنع شندلر في صنعها. المسألة كلها مسألة نفعية عملية لا تعرف الحب أو الكره، خاضعة للحسابات الصارمة، ومن هنا اسم الفيلم: «قائمة شندلر»، وكأن البشر أرقام ووحدات ليست ذات قيمة في ذاتها، تُدرَج في قوائم! بل إن سبيلبرج يتشجع ويتناول قضية المجالس اليهودية، وهي المجالس التي نصبها النازيون والتي تعاون أعضاؤها من اليهود مع السلطات النازية في عمليات الإبادة. 


ولكن رغم أن أطروحة الفيلم الفكرية تقول إن اليهود لم يُقتلوا كيهود وإن ثنائية يهودي/أغيار الصهيونية ليست حقيقية، إلا أنه على المستوى المرئي الفني أرسل رسالة صهيونية كاملة تتنافى مع مضمون الفيلم الفكري. تتضح الرسالة الصهيونية بشكل متبلور في نهاية الفيلم الملونة ولكنها تتغلغل أيضاً في بنية الفيلم وفي شخصياته، فلا يظهر أمامنا غير شندلر ممثلاً للأغيار، أما بقية ممثلي الجنس البشري فهم يدورون داخل الأُطُر الإدراكية الاختزالية التي ركز عليها الفيلم بشكل سوقي. 


أما الضحايا، فنحن نعرف أن الدولة النازية طبقت مبدأ المنفعة المادية لا على اليهود وحسب، وإنما على كل البشر بدون تمييز. ولو فعل سبيلبرج هذا وربط واقعة المحرقة بالنمط التاريخي المتكرر لاتضح النموذج الأكبر وراء الهولوكوست، وهو نموذج غربي نفعي مادي بدأ في أمريكا الشمالية واستمر في أفريقيا وفلسطين ووصل لحظة التبلور النماذجية في اللحظة النازية. ولعل الفارق الوحيد بين عمليات الإبادة الغربية الأخرى وعملية الإبادة النازية، أن عمليات الإبادة الأخرى كانت تتم دائماً ضد السود أو المسلمين أو الآسيويين، هناك وفي بلاد بعيدة، وعلى يد جنود مهمتهم القتل والقتال. أما الإبادة النازية فقد حدثت هنا، على أرض أوربية، وبشكل منهجي مخطط، وعلى يد مجتمع حديث متحضِّر يستمع لموتزارت وبيتهوفن ويُناقش الفلسفة وهو يشم رائحة اللحم الإنساني المحترق (في إحدى مناظر فيلم «قائمة شندلر» يتناقش جنديان نازيان حول الموسيقى وهما يقومان بالهجوم على بعض الضحايا اليهود). 


ولكن البشر لا يمكنهم أن يواجهوا حقيقة وجودهم ببساطة، وكذلك الحضارة الغربية لا يمكنها أن تواجه التضمينات الفلسفية الأساسية للرؤية العقلانية النفعية المادية (العقل الأداتي - على حد قول مفكري مدرسة فرانكفورت) التي حوَّلت العالم بأسره إلى مادة استعمالية، ولذا لابد من تحاشي المواجهة، وحيث إن تغيير الحقائق أمر مستحيل في عصر المعلومات، إذن، لنتلاعب بمستويات التعميم والتخصيص، وبدلاً من رؤية الجريمة النازية باعتبارها جريمة حضارة نفعية مادية ضد البشر، فإنها تعمَّم للغاية أو تخصَّص للغاية فتصبح بالنسبة للحضارة الغربية جريمة الألمان وحدهم ضد اليهود وحدهم، أما بالنسبة لليهود فتصبح جريمة الأغيار كلهم ضد اليهود كلهم، فيحتكر اليهود دور الضحية أما الجزار فهو إما الألمان الأشرار وحدهم (شيء خاص للغاية، مجرد حادثة عرضية) أو الجنس البشري بأسره (شيء عام للغاية ولذا فالجميع مسئول)، وفي كلتا الحالتين تتم تبرئة الحضارة الغربية الحديثة. وهكذا تضيع الحقيقة وتميد الأرض وتُوظَّف الحقائق لا للرؤية وإنما للتعمية. ومن ثم يمكن الاستمرار في الإبادة في فيتنام وفلسطين والبوسنة والهرسك مع الثرثرة المستمرة عن ضحايا النازية، وضرورة إيقاف المذابح.


الباب السادس: الكوميديا والسينما والجـماعات اليهودية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الباب السادس: الكوميديا والسينما والجـماعات اليهودية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــــافـــــــــــة والإعـــــــــــلام :: موســـــوعة اليهــــــود-
انتقل الى: