منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 الباب الثالث: الفنون التشكيلية والجماعات اليهودية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

الباب الثالث: الفنون التشكيلية والجماعات اليهودية  Empty
مُساهمةموضوع: الباب الثالث: الفنون التشكيلية والجماعات اليهودية    الباب الثالث: الفنون التشكيلية والجماعات اليهودية  Emptyالإثنين 09 ديسمبر 2013, 8:38 am

الباب الثالث: الفنون التشكيلية والجماعات اليهودية 

الفن اليهودي 
Jewish Art 

من الصعب الحديث عن «الفن اليهودي» بشكل عام، ولذلك فإننا نجد أن الحديث عن «فنون الجماعات اليهودية» أكثر دقة وتفسيرية. فعبارة «الفن اليهودي»، شأنها شأن عبارات أخرى، مثل «الثقافة اليهودية» و«الأدب اليهودي»، تفترض وجود هوية يهودية محدَّدة مستقلة وثابتة ومنفصلة عن التشكيلات الحضارية التي تُوجَد فيها، وتفترض وجود شخصية يهودية لها خصوصيتها المتميِّزة. 

فنــــون الجمــــاعات اليهوديـــة 
Arts of the Jewish Communities 

نحن نذهب إلى أنه لا توجد هوية يهودية واحدة، وإنما هناك هويات عديدة تختلف باختلاف الزمان والمكان وباختلاف التشكيلات الحضارية التي يعيش أعضاء الجماعات اليهودية في كنفها. ومن ثم، لا يوجد فن يهودي ولا حتى فنون يهودية بشكل عام، وإنما يوجد فنانون عبرانيون وفنانون يهود تختلف طرقهم في الإبداع باختلاف التشكيلات الحضارية التي ينتمون إليها. ويظهر هذا في فن العمارة على سبيل المثال، فهيكل سليمان يتبع النماذج المصرية والفينيقية والآشورية. أما هيكل هيرود، فيتبع النمط الروماني السائد في ذلك العصر. وكانت مباني العبرانيين تتبع النمط السائد، ولذا كانت كنعانية في البداية ثم هيلينية ورومانية. وفي العالم الإسلامي، شُـيِّدت المعابد اليهودية حسب الطراز المعماري الإسلامي، كما تُشيَّد الآن في العالم الغربي حسب الطرز المعمارية السائدة فيه. 

وقد أثار اكتشاف معبد ديورا أوروبوس، الذي بُني في العصر الهيليني، قضية تحريم التصوير والتماثيل في اليهودية (كما وردت في الوصية الثانية من الوصايا العشر). ويبدو أن هذا التحريم لم يُنفَّذ إبان حكم الممالك العبرانية. فتماثيل الكروب (الملائكة) فيه تدل لا على تقبُّل التصوير وحسب، وإنما تدل على بناء التماثيل أيضاً. كما أن تماثيل العجول التي كانت في هيكل المملكة الشمالية تدل على أن الكروب لم تكن استثناء فريداً، وإنما كانت نمطاً متكرراً. ولكن، بعد العودة من بابل، حدثت محاولة لتنفيذ هذا الحظر، وإن تم الاحتفاظ بتماثيل الكروب. وبمرور الوقت، ازداد تشبُّع اليهود بالحضارة الهيلينية، وبالتالي بدأ الاهتمام بالتماثيل إلى أن نُسي الحظر الديني تماماً، فنجد أن معبد ديورا أوروبوس تظهر فيه لوحات فسيفساء تمثل أنبياء العهد القديم وبعض الشخصيات الأخرى. وهناك لوحة تمثل ميلاد موسى وقد حملته أفرودَيت (فينوس) إلهة الجمال، في حين ظهر هارون في لوحة أخرى، وقد تبعه أحد الكهنة اللاويين، ويسير وراءهما عبد. 

ولكن، ومن خلال التأثر بالحضارة الإسلامية، اكتسب الحظر شرعية جديدة، وتزايد ابتعاد يهود الحضارة الإسلامية عن التصوير. أما في إيطاليا، مثلاً، حيث ازدهر فن النحت، فإننا نجد أن جيتو روما كان يزينه تمثال نصفي لموسى. وكل هذا يبين أن عبارة «فن يهودي» بغير مضمون، والصحيح أن هناك فناً يبدعه فنانون يهود، أو فناً ذا مضمون يهودي، أو فناً موجهاً إلى جمهور يهودي يتبع التقاليد الحضارية السائدة في المجتمع المضيف. 

ويمكن القول بأن مساهمة اليهود في الفن الغربي ظلت ضئيلة حتى القرن التاسع عشر، باعتبار أنهم كانوا جماعة وظيفية وسيطة منعزلة عن أعضاء المجتمع، لها لغتها الخاصة على الصعيدين اللغوي والحضاري. كما أن الدين كان مرتبطاً بالفن في المجتمعات التقليدية، ارتباطه بمعظم نشاطات الإنسان الأخرى، وهو ما كان يعني استبعاد اليهود كمنتجين لهذه الفنون، وضمور إبداعهم في مثل هذه المجالات. 

وتغيَّر هذا الوضع تماماً، مع القرن التاسع عشر، بعد الإعتاق والانعتاق، وبعد علمنة المجتمع الغربي. ويُلاحَظ منذ ذلك التاريخ ظهور عدد من الفنانين الغربيين من أصل يهودي، ولكن إبداعهم كان يتم من خلال المصطلح واللغة الفنية السائدة في مجتمعهم وزمانهم ومكانهم. ومن أهم الفنانين من أعضاء الجماعات اليهودية الفنان الانطباعي كاميل بيسارو (الفرنسي) والفنان مارك شاجال (الروسي) وبن شان (الأمريكي) وأماديو مودلياني (الفرنسي)، وكلهم من الرسامين. وأهم النحاتين من أعضاء الجماعات اليهودية جاك ليبشيتس (الأمريكي). ويُوجَد عدد كبير من تجار الأعمال الفنية ونقاد الفنون من أصل يهودي. ولكن تظل نشاطات أعضاء الجماعات اليهودية، كفنانين مبدعين أو ناقدين للفن أو متاجرين فيه، نابعة من محيطها الحضاري، فهي تعبير عن المجتمعات التي ينتمي إليها أعضاء الجماعات اليهودية وعن تفاعلهم معها، وهذه المجتمعات هي التي تحدِّد موضوعات هذه الفنون ولغتها الفنية. 

ولننظر الآن إلى بعـض الأعـمال الفنية التي تُوصَف بأنها «يهودية»، وهي أعمال محفوظة في المتحف اليهودي في نيويورك باعتبارها نماذج من «الفن اليهودي». من هذه الأعمال ستار يُستخدَم في أكثر الأماكن قداسة في المعبد اليهودي، أي تابوت العهد الذي تُحفَظ فيه مخطوطات التوراة. والستار من تركيا وهو على الطراز العثماني في القرن الثامن عشر، تتوسطه صورة للمسجد الأزرق بمآذنه المُدبَبة، ويحيط بها عمودان ملفوفان على تاج كل منهما آنية للزهور، وهي طريقة للزخرفة شائعة في الفن العثماني آنذاك. ويظهر فيها تأثُّر الفن العثماني بالفن الأوربي. والواقع أنه لا يوجد شيء يهودي في هذا الستار سوى الكتابة العبرية في وسطه، وإن كانت هناك يد وسط الكتابة العبرية، هي كف عائشة (خمسة وخميسة عند المصريين)، وهذا يُشكِّل جزءاً من فلكلور المنطقة. ولننظر إلى هذا الوعاء النحاسي من العصر المملوكي، وهو مُطعَّم بالفضة والذهب. والوعاء مُقسَّم إلى مساحات طولية عليها كتابة بالعربية تقطعها أشكال دائرية تحوي زخارف. وداخـل هـذه الزخارف يُلاحَظ وجـود نجمة داود وكتابات بالعبرية. ويبدو أن هذه الآنية صمَّمها حرفي عربي يهودي من سوريا (ومن هنا معرفته بالحروف العبرية). ولكن طريقة الصناعة والطراز والبنية الجمالية كلها إسلامية، أي أن صانع هذا الوعاء قد يكون حرَفياً يهودياً ولكن ذوقه إسلامي مملوكي. 

ومن بين مقتنيات المتحف اليهودي في نيويورك ميدالية من طراز إيطالي تعود إلى منتصف القرن السادس عشر، ونُحت عليها رأس دونا جراسيا ناسي. ولكن صانع الميدالية نفسه هو باستور ينو دي جيوفان ميشيل دي باستوريني (1508 ـ 1592)، وهو فنان إيطالي مشهور قام بصك عدة ميداليات، من أشهرها ميدالية لفرانسيسكو ميديتشي. وفن الميداليات هو فن انتشر في إيطاليا في عصر النهضة، وهو محاولة لتقليد العملات القديمة (الرومانية وغيرها) بحيث يظهر الشخص المُحتفَى به، والذي تظهر صورته على الميدالية على هيئة أحد أبطال الرومان. وكانت الصورة تهدف إلى إبراز السمة الأساسية في الشخصية (باللاتينية: «فيرتو vertu») وتمجِّدها. ولكن الميدالية، مثل كل أنواع الفن الكلاسيكي، لم تكن تهدف إلى إبراز الشخصية كما هي، وإنما كما ينبغي أن تكون في أكثر لحظاتها سمواً ونبلاً. وتوجد حول رأس المُحتفَى به نقوش. وربما كان العنصر اليهودي الوحيد هنا أن هذه النقوش كُتبت بالعبرية. وفن الميداليات، والمفهوم الكامن وراءه، هو فن يحاكي الفن الروماني، وله أبعاد وثنية عميقة كما هو الحال مع فن عصر النهضة وبدايات علمنة العقل الأوربي وكذلك علمنة رغبات وقيم الإنسان الغربي. فإذا كان الفن أوربياً (عصر النهضة) والفنان إيطالياً، والقيم الجمالية والخلقية وثنيةً، فبأي معنى يمكن تسمية هذا الفن «يهودياً»؟ 

ومن المقتنيات الأخرى، لوحة رمبرانت «اليهود في المعبد اليهودي». وهذه اللوحة الرائعة (وهي حفر على الورق) تبيِّن رؤية رمبرانت للجماعة اليهودية في عصره. فرغم أن اليهود كانوا أقلية صغيرة، فإنه هو نفسه كان يعيش في حارة اليهود. ويقول النقاد الفنيون إن رمبرانت في هذه اللوحة يدرس موضوع الغربة، وهو موضوع إنساني عام، فمركز اللوحة هو اليهودي الجالس على قطعة من الحجر، وقد أعطى المشاهد ظهره. ويُلاحَظ أن كل الأشخاص الآخرين في الصورة يتحدث الواحد منهم مع الآخر وجميعهم غير مكترث بوجوده، بل نجد أنهم ينظرون بعيداً عنه. ورغم أنه يُوجَد في بقعة التوتر (في الوسط تماماً)، فإن وجهه متجه نحو الظلمة. ويبدو أن أزياء اليهود قد اجتذبت انتباه رمبرانت (وهي أزياء لم تكن هـولندية، فقـد جاء الإشـكناز من بولندا، أما السـفارد فمن إسبانيا)، وأحضرت كل جماعة منهما أزياءها المحلية.

ومن الأعمال الفنية الأخرى، شمعدان المينوراه، وهو الشمعدان الذي يُشعَل في منازل اليهود وفي معابدهم. وهو على الطراز الألماني (من القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر). ومن الحقائق التي ينبغي ذكرها أن شمعدان المينوراه كان يُوجَد في بعض الكنائس في العصور الوسطى أيضاً (لأن الكنيسة كانت ترى نفسها إسرائيل الحقيقية التي حلَّت محل إسرائيل غير الحقيقية، أي الشعب اليهودي). ويُلاحَظ في المينوراه الألمانية وجود موضوعات ونقوش ألمانية مثل القاعدة التي اتخذت شكل أُسود، والتي تظهر في كثير من المينورات في الكنائس، وكذلك الفروع التي زُيِّنت بأوراق. 

ويُوجَد في المتحف اليهودي قسم خاص بما يُسمَّى «كتوباه»، أي عقود الزواج. والكتوباه، شأنها شأن الأعمال الفنية اليهودية الأخرى، نابعة من التشكيل الحضاري الذي تُوجَد فيه. ومن أشهر عقود الزواج التي يحتفظ بها المتحف، عقد زواج من ليفورنو (إيطاليا) في القرن الثامن عشر، وكانت المدينة قد اختارت النحات إيزيدور باراتا (من كرارا) ليزِّين المعبد اليهودي بالزخارف، ويبدو أن صانع هذه الكتوباه تأثر بسفينة العهد التي صنعها الفنان الإيطالي، فاستخدمها إطاراً للكتوباه، وأضاف إليها ملاكين، أخذهما من إحدى اللوحات التي نقشها باراتا على الرخام، وهي لوحة «صلب بطرس الرسول». وزيَّن الكتوباه بعد ذلك بورود رائعة. وفي وسط الخرطوشة (شكل بيضاوي أو مستدير في وسطه اسم شخص مشهور)، يوجد منظر ذو مضمون ديني: يظهر إبراهيم وهو يُضحِّي بإسحق (بحسب رؤية اليهود)، ثم يصل الملاك بالرسالة من الخالق في اللحظة المناسبة. 

ولكن أبطال العهد القديم يصبحون، في هذا العمل الفني، مثل الأبطال الوثنيين. ولذا، نجد أن التركيز يتجه نحو ملامحهم الجسدية. فصورة إبراهيم وإسحق تشبه صور أو تماثيل زيوس وأوربا مثلاً، ولا تعطي أي إحساس بالرهبة الدينية. والكتوباه خليط من فن الباروك والروكوكو. ويجب أن نذكِّر القارئ هنا بأن اليهودية تُحرِّم التصوير أساساً، فما بالك بتصوير أبي الأنبياء والأمم بهذه الطريقة (لفظة إبراهيم تعني في العبرية «أبو الأمم»)؟ ولعل أهمية هذه اللوحة بالنسبة لنا أنها تعطينا صورة عن كيفية إنتاج الفن الذي يُقال له «يهودي» من خلال اللغة الفنية والحضارية السائدة. فقد قام فنان مسيحي إيطالي في عصر النهضة الذي سادته الاتجاهات الوثنية بتزيين معبد يهودي، ثم تأثر حرفي يهودي بزخارفه فنقلها إلى الكتوباه. ويُلاحَظ أيضاً أن الحرفي أضاف زخارف أخرى قام الفنان الإيطالي نفسه بإبداعها لعمل فن مسيحي. وهكذا، لا يبقى سوى الكتابة العبرية في هذه الكتوباه. ولا ندري، هل كانت كتابة الخط شكلاً فنياً قائماً بين يهود إيطاليا، كما كان الحال ومازال عند العرب المسلمين، وعند كل المسلمين الذين يستخدمون الحرف العربي؟ في غالب الأمر سنجد أن الخط لم يكن مما يُعَدُّ من الفنون الجميلة في أوربا آنذاك. 

وإذا تركنا عصر النهضة والباروك والركوكو ووصلنا إلى عصر العقل والفن الذي يُشار إليه باسم «نيو كلاسيكي»، فإننا سنجد لوحة لفنان أمريكي يهودي يُسمَّى توماس سللي (1783 ـ 1872)، واللوحة عبارة عن بورتريه لسالي إتينج، أي صورة شخصية لها. والفن النيو كلاسيكي يحاكي الفنون الرومانية واليونانية بشكل واع، وهو بهذا يُعَدُّ امتداداً لفن عصر النهضة الغربي. وهنا، فإن بطلة الصورة قد رُسمت على هيئة إحدى بطلات الرومان، فهي ترتدي زياً رومانياً، بل نجد أن تسريحة شعرها على الطريقة الرومانية. ومن الواضح أن انعكاس الضوء على وجهها وجسدها يهدف إلى تأكيد جمالها الجسدي ومثاليتها الخلقية، وستظل هذه هي أهم معالم الفن العلماني، حيث يحاول أن يصل إلى قيم مطلقة من خلال الجسد الإنساني والظاهرة الإنسانية. 

وقد كانت مثل هذه المحاولات مشُوبة دائماً بالتوتر، فهي تعبير عن نزعة مثالية ولكنها تظل حبيسة الجسد والمادة. ولا ندري هل نجح الفنان هنا في حفظ التوازن بين الحسي والمثالي؟ ولكن، وأياً ما كانت نتيجة المحاولة، إيجاباً أو سلباً، فالفن الذي نشاهده فن غربي نيو كلاسيكي، كما أن المشكلة التي يواجهها الفنان هي على وجه الحصر مشكلة لا يمكن أن تُوصَف بأنها يهودية. وإلى جانب ذلك، فإن المعالجة الجمالية الأخلاقية تنتمي إلى قواعد ذلك العصر. بل إننا، ابتداءً من الميدالية والكتوباه، نلاحظ بداية القيم العلمانية والموضوعات الوثنية في الفنون الغربية. ومن هنا، يمكننا القول بأنه، مع شيوع الفن النيو كلاسيكي، انتصر العنصر الوثني، وهو ما أفضى إلى اختفاء القيم المسيحية والدينية. وقد حدث الشيء نفسه بالنسبة للفنان اليهودي، إذ اختفت الحروف العبرية. كما توقفت أية محاولات، مهما كانت واهية واهنة، تتعلق بإقحام عنصر يهودي على العمل الفني. فنحن هنا في حضرة عمل فني غربي خالص، لا يُوجَد فيه حتى ادّعاء اليهودية. 

ومن أشهر اللوحات التي وُصفت بأنها «يهودية»، اللوحة المسماة «عودة المتطوع اليهودي من حروب التحرير إلى أسرته التي لا تزال تعيش حسب التقاليد القديمة» للفنان موريتز دانيال أوبنهايم (1800 ـ 1882)، وهي تنتمي إلى الأسـلوبين الرومانتيكي والواقـعي في القـرن التاسع عشر. فأسلوب اللوحة رومانتيكي من حيث تأكيده العواطف والبُعد المثالي للمنظر، ولكنه واقعي من حيث اهتمامه المفرط بالتفاصيل. واللوحة تُعبِّر عن هذه النقطة التي بدأت فيها اليهودية التقليدية (الأرثوذكسية) تتفكَّك، وتحل محلها الصيغ اليهودية الجديدة المُخفَّفة، والتي لا يعترف بها الأرثوذكس، وهو ما أدَّى إلى طرح مشكلة من هو اليهودي؟ فالأسرة لا تزال أرثوذكسية، تقيم شعائر السبت كما هو واضح من الكأس والخبز على المائدة، والأب يقرأ من كتاب هو في الغالب كتاب أدعية وصلوات. ولكن الأسرة، مع هذا، بدأت تفقد شيئاً من أرثوذكسيتها، ويدل على ذلك وجود صورة في المنزل. ووصول الابن في ذلك اليوم يعني أنه سمح لنفسه بالسفر في يوم السبت، وهو الأمر الذي تُحرِّمه الشريعة اليهودية. ومن الواضح أن هؤلاء اليهود بدأوا يفقدون هويتهم الإثنية الدينية ويتحولون إلى مواطنين ألمان، ومن هنا فخرهم بقوميتهم. وربما كان وجه الأب الذي ينظر بشغف وزهو وحيرة إلى صدر ابنه هو رمز هذه اللحظة، فالأب ينظر إلى الصليب الحديدي، وهو رمز مسيحي قومي. وموضوع «رحيل المتطوعين» موضوع أساسي في الفن الرومانتيكي في القرن التاسع عشر، وإن كان أوبنهايمر جعله «عودة» المتطوع، ربما متأثراً بلوحة «عودة الأبناء» للفنان الألماني فيليب أوتو رانج. 

وقد كان النقاد الفنيون اليهود يتحدثون، حتى عهد قريب، عن يهودية حاييم سوتين، ولكن الاتجاه الآن نحو دراسة صوره يتم داخل إطار تاريخ الفن في القرن العشرين ومشاكل الحداثة. وقد كوَّن مع موديلياني وأوتريللو وياسين جماعة تُسمَّى «الملاعين» أو «سيِّئو الحظ» (بالفرنسية: «مودي maudit») وكلهم يهود ماعدا ياسين. ولكن، هل لعبت يهوديتهم دوراً في تحديد رؤيتهم وأسلوبهم؟ أم أن تجربتهم تجربة أفراد يشعرون بالضياع والغربة في عالم القرن العشرين العلماني؟ (ولعل يهوديتهم تزيد حدة هذا الإحساس بالاغتراب، فمعدلات العلمنة بين اليهود، خصوصاً المثقفين، كانت أعلى منها بين بقية المجتمع). وقد رسم سوتين لوحته «وعاء زهور» عام 1930، واشتهر باللون الأحمر الذي استخدمه في هذه اللوحة وفي لوحاته الأخرى التي رسم فيها لحم حيوانات مخضباً بالدماء، (ويُقال إن هذه اللوحات احتجاج على قوانين الطعام اليهودية). ويتضح توتُّر سوتين وجرأته في هذه اللوحة التي تُعَدُّ إرهاصاً للتعبيرية التجريدية. 

ومن أهم الأعمال الفنية التي يُقال لها «يهودية»، النصب التذكاري الذي نفذه جورج سيجال المولود عام 1924 لضحايا الهولوكوست أو الإبادة النازية، بناء على طلب بلدية سان فرانسيسكو. وتماثيل النصب مصنوعة من قالب جصى بالحجم الطبيعي لعدة جثث مرتبة على هيئة نجمة داود. وتمسك إحدى الجثث بتفاحة رمزاً لحواء، كما أن جثة أخرى تمد ذراعيها رمزاً للمسيح المصلوب. وهناك رجل عجوز وبجواره صبي، وهو يرمز إلى إبراهيم وإسحق. أما الرجل الواقف، فهو رمز البقاء (بقاء الشعب اليهودي)، ولكنه في حالة ذهول. ولذا، فهو يمسك بالسلك الشائك دون أن يشعر بالوخز، وربما كان ذلك رمزاً آخر للمسيح. والموضوع هنا يهودي بالمعنى الإثني لا الديني، لكن التناول صهيوني، وهو يؤكد بلا شك مركزية واقعة الإبادة النازية، ويتحدث عن تاريخ يهودي، عن معاناة يهودية. ولكن العمل مع هذا يظل عملاً أمريكياً غربياً حديثاً، لا يمكن فهم قيمه الجمالية إلا بالعودة إلى اللغة الفنية السائدة في الولايات المتحدة، وهي لغة تدخلها الرموز المسيحية. وهـذا أمر طبيعي، فقد صاغه فنان أمريكي ليعرضه على جمهور أمريكي. وإذا كان الموضوع يهودياً والفنان الذي تناوله يهودياً، فإن هذا لا يقلِّل من أمريكية العمل، إذ تظل اللغة الفنية لغة أمريكية غربية حديثة.

وفي عرضنا حتى الآن لما يُسمَّى «الفن اليهودي»، وجدنا أنفسنا ننتقل من الحضارة الإسلامية إلى الحضارة الغربية. ولو انتقلنا إلى الحضارة الصينية لندرس معمار المعبد اليهودي هناك، لوجدنا أنه لا يختلف كثيراً عن معمار المعابد الكونفوشيوسية. وفي دراستنا للأعمال الفنية اليهودية المختلفة، وجدنا أنفسنا نشير إلى فن عصر النهضة، وفن عصر العقل، وفن عصر الرومانسية، وفن العصر الحديث. وفي محاولة فهم هذه الأعمال، كان علينا أن نعود دائماً إلى تطوُّر الفكر والفن الغربيين، ونحن لم نجد عناصر يهودية إلا في الموضوع، وهو عنصر فرعي لا يحدِّد القيم الجمالية أو طريقة التناول. ومن هنا، نجد أن من الصعب التحدث عن «فن يهودي»، بينما يمكننا أن نتحدث عن فن غربي في محاولة لتصنيف الأعمال التي نشاهدها. 

وإذا نظرنا إلى الفن الإسرائيلي، فإننا نجد أن الأمر لا يختلف كثيراً عما يُسمَّى «الفن اليهودي»، فهو فن ليست له شخصيته المستقلة، ولا معجمه الخاص. وقد يتبلور فن إسرائيلي له شخصية فنية مستقلة، ولكننا، حتى الآن، لا يمكن أن نزعم وجود مثل هذا الفن. وللدلالة على هذا القول، يمكننا أن ننظر إلى لوحة الفنان الإسرائيلي ريوفين روبين (1893 ـ 1974) المولود في رومانيا والذي هاجر إلى فلسطين واستوطن فيها. واللوحة من مقتنيات المتحف اليهودي في نيويورك، ولها عنوانان: «بائع السمك الملون»، و«الصياد العربي». والواقع أن إعطاء اسمين للوحة أمر ذو دلالة عميقة في السياق الصهيوني، فعنوان «الصياد العربي» محاولة أولية لتجريد العربي بحيث يصبح جزءاً من الطبيعة. 

ويظهر هذا في تشكيل اللوحة ذاته. فالصياد تحوَّل إلى شكل هندسي يقف متوازناً بين السمكة التي في يده والسمك الذي في الوعاء الذي يحمله، وعيونه ذاتها تشبه عيون السمك وتجعله هو نفسه يشبه السمك. ويداه: إحداهما تمسك بسمكة ملتوية بحيث تصبح متوازية مع جسده، والأخرى ممسكة بالوعاء، أما أصابعه فتكاد تسبح في الماء كالسـمك. وذراعـاه يشبهان الإطار، بحيث يأخذ الصياد شكل المربع، ولكنه مربع مليء بتموجات تذوب وتندمج في الخلفية المتموجة بحيث يندمج الفرد في الطبيعة تماماً. وثمة غنائية عميقة في اللوحة رغم ألوانها، ولكنها على أية حال ألوان أرض فلسطين التي يسميها الصهاينة «إرتس يسرائيل». والعربي موضوع أساسي في الفن الصهيوني، وقد طرح الصهـاينة فكرة «أرض بلا شـعب»، أي فكـرة أن العرب لا وجود لهم. 

ولتفسير هذا التناقض، لابد أن نشير إلى عنصرين: 

1 ـ المستوطنون الصهاينة الذين عاشوا في هذه الأرض وجدوا العربي في كل مكان، يسير حولهم ويعمل في الأرض قبل وبعد اسـتيلائهم عليها، آثاره في كل مكان حتى بعد أن طُرد منها. ولذا، لم يكن هناك مفر من أن يظهر العربي على شاشة الوجدان الصهيوني، مهما حاولت الأيديولوجيا المجردة أن تغيِّبه. 

2 ـ يرفض الفكر الصهيوني يهود المنفى (أي كل يهود العالم ما عدا المستوطنين الصهاينة) على أساس أنهم شخصيات هامشية هزيلة تعمل بالربا والتجارة ولا يمكنها أن تقوم بالأعمال اليدوية المنتجة. وكانوا يضعون العربي مقابل يهودي المنفى باعتباره شخصية حيوية منتجة تعيش في وئام مع الطبيعة، فالعربي هنا هو نقيض يهودي المنفى، وعلى المستوطن الصهيوني أن يعيد صياغة شخصيته بحيث يكون مثل هذا العربي. ومن هنا، كُتبت مسرحيات وقصص كثيرة تدافع عن هذه الرؤية حتى اشتكى أحد النقاد الصهاينة في أوائل القرن من أنه لا يوجد عمل أدبي واحد يكتب في فلسطين إلا وفيه تمجيد للعرب. وقد كان الصهاينة يرتدون زي العرب ويحاولون أن يتصرفوا مثلهم. 

ولوحة «الصياد العربي» هي نتاج هذا الموقف الذي استمر حتى أواخر العشرينيات، ثم اختفى بعد ذلك مع بداية انتفاضات العرب، الأمر الذى حوَّلهم من شخصيات رومانسية مندمجة في الطبيعة ملتحمة معها، ومن موضوع للتأمل، إلى شخصيات حقيقية تدافع عن أرضها. ولم يَعُد العربي مجرد مربع يشبه السمكة، ينظر في السمك، ويحمل الأسماك ويذوب في الأمواج، إذ أصبح من الصعب تجريده. ولعل هذا هو ما أدَّى إلى اختيار العنوان الثاني «بائع السمك الملون»، فهنا تتحوَّل عملية التجريد إلى تغييب كامل، فيصبح العربي مجرد بائع سمك مُلوَّن، وتصبح فلسطين أرضاً بلا شعب. واللوحة متأثرة بفن مودلياني والفن الساذج أو البدائي. وتحليلنا لمضمونها العقائدي العنصري لا ينفي عنها أنها عمـل فني جميل، لكن الجمال على كلٍّ ليس له علاقة كبيرة بالأخلاق، فالأعمال العنصرية والإباحية يمكن أن تكون على مستوى عال من الجمال والإبداع الفني. 

أما العمل الثاني الذي سنختاره للتحليل، فهو للفنان الإسرائيلي جوشوا نيوشتاين، المولود في دانزيج بألمانيا، وهو بعنوان «سلسلة فايمار رقم 2»، وهو جزء من مجموعة لوحات عن جمهورية فايمار (1919 ـ 1933) في ألمانيا، والتي كان يحكمها نظام ليبرالي، وحقَّق فيها الألمان من اليهود بروزاً كبيراً، واتسم حكمها بالاضطرابات الاجتماعية والتضخم وعدم الاستقرار السياسي والبطالة والتنازلات المستمرة للحلفاء (إنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة) الذين حققوا الانتصارات وأذلوا ألمانيا بمعاهدة فرساي. وقد أدَّى كل هذا إلى تحلُّل وسقوط هذا النظام، ثم ظهر هتلر والحكم الشمولي. وموضوع اللوحات هو التحلل والتآكل. 

وينتمي نيوشتاين إلى حركة فنية تُسمَّى «التجريد المعرفي» ظهرت في الولايات المتحدة، وكانت لها أصداؤها في إسرائيل في أواخر الستينيات. ويشير اسم الحركة إلى نوع من الفن يتعامل مع طبيعة المعرفة والإدراك وكيفية فَهْم وإدراك الحقائق الفيزيقية الأساسية. ويتعين على مشاهد هذه الصورة أن يحاول رؤية عملية ثني الورق وتَشقُّقه ومحاولة إصلاحه، بل وأن يحاول أن يخمن ما تحت الورقة، هذا على الأقل هو رأي الناقد الفني روبرت بنكوس ويتن. كانت كل لوحات نيوشتاين، في البداية، رمادية خالية من اللون. ولكن، مع سلسلة فايمار هذه، لجأ نيوشتاين إلى الألوان الصاخبة وإلى ضربات الفرشاة ليعبر عن إحساسه بالإحباط، فهي محاولة لرسم صورة اللوحات، وهي على هيئة الحطام ذاتها. وكثيراً ما تُستخدَم ألفاظ، مثل: «هشّ»، و«مُمزَّق»، و«غير ثابت»، لوصف أعمال نيوشتاين. ويلجأ أعضاء هذه المدرسة في إسرائيل إلى عمليات تجريبية مادية، مثل تمزيق الورق ومسح الألوان والخربشة. والاختلاف العميق بين عدمية الفنانين الإسرائيليين واتجاه زملائهم الأمريكيين تبيِّن الفرق بين الاهتمامات القومية لكل من الفريقين، فهدم الإسرائيليين للمادة التي يستخدمونها هو تعبير عن وضع الدولة الصهيونية التي تخرج من حرب لتدخل أخرى. وهذه الحركات الفنية داخل المُستوطَن الصهيوني تبدو كما لو كانت تنبع من حركة فنية أمريكية وجدت أصداء لها بين الفنانين الإسرائيليين. وقد يمكن القول بأنهم أضافوا نغمة إسرائيلية خاصة إلى أعمالهم، وأنهم جزء من حركة فنية عالمية هي حركة الحداثة (والتجريد والتجريب)، وأنهم في هذا لا يختلفون عن معظم فناني العالم في العصر الحديث.

الكنيســـة والمعـــبد 
Ecclesia et Synagoga 

موضوع أساسي في الفنون الكنسيَّة في العصور الوسطى في الغرب، وشكل متكرِّر متواتر أصبح جزءاً من اللغة الأيقونية. وكان هذا الشكل يمثل الكنيسة المسيحية المنتصرة على هيئة امرأة تنظر منتصرة إلى ما حولها وتحمل صليباً، أما اليهودية أو المعبد اليهودي فكان يُمثَّل على هيئة امرأة تشبه الأولى تماماً إلا أنها معصوبة العينين (رمز عدم إدراك اليهود المغزى الحقيقي للعهد القديم) تحمل عصا مكسورة (رمز الهزيمة) أو أحيـاناً لوحين كُتبت عليهما الوصايا العشر (رمز العهد القديم). وكان هذا الشكل الأيقوني يظهر إما بالحفر البارز أو على هيئة تماثيل، ومن أشهر هذه التماثيل ذلك التمثال الموجود في كاتدرائيات ستراسبورج وبامبرج. كما تُوجَد مثل هذه التماثيل في باريس وبوردو. أما في إنجلترا، فتُوجَد تماثيل الكنيسة والمعبد في روتشستر ولنكولن. ومن الطريف أن الفنانين من أعضاء الجماعات اليهودية قد تأثروا بهذه اللغة الأيقونية المسيحية لدرجة أنهم هم أنفسهم كانوا يستخدمون الرموز المسيحية في المخطوطات اليهودية. 

نجمــــة داود 
Magen David; Star of David 

«نجمة داود» ترجمة لعبارة «ماجن ديفيد»، وهي عبارة عبرية معناها الحرفي «درع داود». ونجمة داود عبارة عن شكل مُكوَّن من مثلثين كل منهما متساوي أضلاع، ولهما مركز واحد، وهذان المثلثان رأس أحدهما إلى أعلى ورأس الآخر إلى أسفل. ويشكِّل المثلثان المتداخلان نجمة سداسية ذات ستة رؤوس تلمسها جميعاً محيط دائرة افتراضية. 

ويمكن دراسة تاريخ هذا الشكل على مستويات ثلاثة، أي باعتباره: 

1 ـ شكلاً هندسياً زخرفياً. 
2 ـ علامة أو شارة دنيوية دالة على اليهود. 
3 ـ رمزاً دينياً لليهودية. 

أولاً: النجمة السداسية بوصفها شكلاً هندسياً زخرفياً: 

وُجدت النجمة السداسية في النقوش المصرية القديمة والهندوكية والصينية وفي نقوش حضارات أمريكا الجنوبية. وكانت أيضاً رمز خصب كنعانياً. كما وُجدت هذه النجمة على ختم عبراني يعود إلى القرن السابع قبل الميلاد، وعلى قبر عبراني في القرن الثالث، وعلى معبد يهودي في الجليل في القرن نفسه، وفي مقابر اليهود بالقرب من روما، وعلى حوائط القدس، وفي أحجبة عربية من القرن التاسع، وفي نصوص سـحرية بيزنطية، وفي كتب سـحر من العصـور الوسـطى الغربية، وفي الفلكلور الألماني، وفي آثار فرسان المعبد المسيحيين. ونجمة داود هي أيضاً إحدى شارات الماسونيين الأحرار، وقد وُجدت على مبنى المدينة القديمة في فيينا، وعلى كثير من الكنائس في ألمانيا. كما كانت تُوضَع على الحانات في جنوبي ألمانيا، إذ يُقال إن أتباع فيثاغورث كانوا يستخدمون هذه النجمة السداسية حين يتسولون لينبهوا رفاقهم إلى أنهم وجدوا في هذا المكان أهل سخاء وكرم. ولا يزال الشكل يظهر في زخرفة بعض المباني، وإن كان هذا نادراً الآن، لأن الشكل الهندسي المجرد فَقَد براءته الزخرفية واكتسب مضموناً دنيوياً أو دينياً محدداً. وغني عن القول أن استخدام النجمة السداسية بوصفها شكلاً هندسياً، ليس ذا مضمون يهودي أو غير يهودي. 

ثانياً: النجمة السداسية بوصفها علامة دنيوية: 

مما تقدَّم، يمكن القول بأن النجمة السداسية لم تكن رمزاً يهودياً بل كانت شكلاً هندسياً وحسب. وهي حين ظهرت على بعض المباني اليهودية، لم تكن لها دلالة رمزية، وإنما كان الغرض منها أداء وظيفة زخرفية. وفي القرن الرابع عشر، سمح تشارلز الرابع للجماعة اليهودية في براغ بأن يكون لها علمها الخاص، فصُوِّرت علىه النجمة السداسية. ومن ثم أصبحت النجمة رمزاً رسمياً دنيوياً لليهود. واتخذها بعض طابعي الكتب اليهود في براغ علامة لهم وانتشرت منها إلى إيطاليا وهولندا. ويُلاحَظ أن النجمة السداسية كانت، حتى ذلك الوقت، مجرد علامة، لا رمزاً دينياً أو قومياً. وانتشر استخدام هذه العلامة من براغ إلى الجماعات اليهودية الأخرى. واستخدمها أعضاء الجماعة اليهودية في فيينا سنة 1655، وحينما طُردوا منها حملوها إلى مورافيا ووصلت منها إلى أمستردام. ويُلاحَظ أنها لم تنتشر في شرقي أوربا إلا مع بدايات القرن الثامن عشر، ففي هذا التاريخ بدأت النجمة السداسية تتحول إلى شارة لليهود. وفي أوائل القرن التاسع عشر، بدأت تظهر هذه النجمة في أدبيات معاداة اليهود رمزاً دالاً علىهم. وفي عام 1822، تبنت عائلة روتشيلد في النمسا هذه النجمة رمزاً لها، بعد أن رُفع بعض أعضائها إلى مرتبة النبلاء. كما استخدمها هايني، الشاعر الألماني المتنصِّر، للتوقيع على خطاباته. ولم تحمل النجمة بالنسبة إلى كل هؤلاء أية دلالة دينية أو قومية أو إثنية، فليس لها امتدادات في تواريخ الجماعات اليهودية. ومن ثم، يمكن اعتبارها علامة ازدادت ارتباطاً ببعض الجماعات اليهودية في الغرب، وكان اختيار عائلة روتشيلد لها هو الذي منحها مكانة وشرعية. 

ثالثاً: النجمة السداسية باعتبارها رمزاً دينياً: 

يبدو أن عبارة «درع داود» لا تُستخدَم للإشارة إلى النجمة السداسية إلا في المصادر اليهودية، إذ تستخدم المصادر غير اليهودية عبارة «خاتم سليمان». ويبدو أن التسمية الأخيرة من أصل عربي إسلامي حيث كان يُشار إلى النجمة الخماسية (وهي المنافس الأكبر للنجمة السداسية) باعتبارها أيضاً «خاتم سليمان». ولكن كيف ارتبطت عبارة «درع داود» بالنجمة السداسية؟ يبدو أن النجمة كانت تُذكَر في الكتابات السحرية اليهودية (في الأحجبة والتعاويذ) جنباً إلى جنب مع أسماء الملائكة. وبالتدريج، أُسقطت الأسماء وبقيت النجمة درعاً ضد الشرور. واكتسبت النجمة السداسية هذه الصفة الرمزية كدرع ابتداءً من القرن الثالث عشر. ومع هذا، استمر استخدام عبارتي «درع داود» و«خاتم سليمان» للإشارة إلىها في الفترة ما بين القرنين الرابع عشر والسابع عشر، كما كانت تُستخدَم عبارة «درع داود» للإشارة إلى شمعدان المينوراه. ولكن، بمرور الوقت، اقتصر استخدام هذه العبارة على الإشارة إلى النجمة السداسية وحدها. 

وكانت النجمة تُستخدَم في تميمة الباب (ميزوزاه)، فكانت تُكتَب علىها أسماء سبعة ملائكة، ويصحب اسم كل ملاك النجمة السداسية. وتتحدث القبَّالاه عن العالم العلوي والسفلي المتقابلين. وبهذا يصبح المثلثان (ورأس أحدهما إلى أعلى ورأس الآخر إلى أسفل) رمزاً لهذا التقابل ولحركة الصعود والهبوط، ومعادلاً رمزياً لعلاقة عالم الظاهر بعالم الباطن. وأصبحت النجمة كذلك رمزاً للتجليات النورانية العشرة (سفيروت) حينما تأخذ هيئة شجرة الحياة. وهي ترمز أيضاً إلى ظهور العالم الأصغر الميكروكوزم (أي الإنسان) من العالم الأكبر الماكروكوزم (أي الكون) وزائير أنبين من أبا وأما أي الأب والأم في القبَّالاه. 

وكانت النجمة ترمز أيضاً إلى ظهور الماشيَّح من صدر إبراهيم. ولذا، كان يشار أحياناً إلى النجمة السداسية باعتبارها درع داود وإبراهيم. وكانت أطرافها الستة، ترمز إلى أيام الأسبوع الستة. أما المركز فهو السبت. وكانت النجمة أيضاً رمزاً مشيحانياً يمثل برج الحوت (21 فبراير ـ 20 مارس)، وهو الوقت الذي كان يُفترَض أن يظهر فيه الماشيَّح. وأصبح درع داود رمز درع ابن داود، أي الماشيَّح. واستخدمه أتباع شبتاي تسفي وأصبح رمزاً سرياً للخلاص. وكانت النجمة السداسية مرسومة على الحجاب الشهير الذي كتبه يوناثان ايبيشويتس (الذي أثار ضجة بين يهود شرقي أوربا فيما يُسمَّى «المناظرة الشبتانية الكبرى») وكُتبَت عليه الأحرف الأولى لعبارة «درع ابن داود».

ولعل اكتساب الرمز لبعض الإيحاءات الدينية كان سبب انتشاره في زخارف المعابد اليهودية، مع بداية القرن السادس عشر، في الوقت نفسه الذي بدأ فيه انتشار القبَّالاه اللوريانية. 

ولكن النجمة السداسية لم تتحوَّل إلى رمز ديني يهودي إلا بتأثير المسيحية وتقليداً لها. وهذه ظاهرة عامة عند كل من اليهود ومعظم الأقليات: أنهم يكتسبون هويتهم من خلال الحضارة التي يوجدون فيها. وتبنِّي نجمة داود مثل جيد على ذلك. فاليهودية باعتبارها نسقاً دينياً، على الأقل في إحدى طبقاتها الجيولوجية المهمة والرئيسية، معادية للأيقونات وللرموز، تماماً مثل الإسلام. ولكن يهود عصر الإعتاق أخذوا يبحثون عن رمز لليهودية يكون مقابلاً لرمز المسيحية (الصليب) الذي كانوا يجدونه في كل مكان. وحينما بدأت حركة بناء المعابد اليهودية على أسس معمارية حديثة، اتبع المهندسون، الذين كانوا في أغلب الأحيان مسيحيين، ذات الطرز المعمارية المتبعة في بناء الكنائس. ولذا، كان لابد من العثور على رمز ما، ومن هنا كان تبنِّي النجمة السداسية. ثم بدأت تظهر النجمة على الأواني التي تُستخدَم في الاحتفالات الدينية مثل كؤوس عيد الفصح. ولأن النجمة السداسية كانت شائعة في الأحجبة والتعاويذ السحرية، لم يعارض الأرثوذكس استخدام الرمز. ومن ثم، يمكن أن نقول إن انتشار الرمز في القرن التاسع عشر كان دليلاً على أن اليهودية الحاخامية بدأت تَضعُف وتفقد تماسكها الداخلي. ولذا، فإنها كانت تبحث عن رمز حتى يمكنها أن تعيد صياغة نفسها على أسس مسيحية. 

وهنا ظهرت الصهيونية بوصفها أهم تعبير عن أزمة اليهودية الحاخامية. وحاولت هذه العقيدة السياسية أن تطرح نفسها بديلاً للعقيدة الدينية، فتبنَّت النجمة السداسية رمزاً لها، ذلك الرمز الذي ظهر على العدد الأول من مجلة دي فيلت التي أصدرها هرتزل في 4 يونيه 1897، ثم اختير رمزاً للمؤتمر الصهيوني الأول ولعَلَم المنظمة الصهيونية. والواقع أن اختيار الصهاينة للنجمة السداسية كان اختياراً ذكياً يُعبِّر عن غموض موقف الصهيونية من اليهودية. فالصهيونية ترفض العقيدة اليهودية ولكنها تريد في الوقت نفسه أن تحل محلها وتستولي على جماهيرها. ولإنجاز هذا الهدف، احتفظت الصهيونية بالخطاب الديني والرموز الدينية بعد أن أعطتها مضموناً دنيوياً قومياً. وقد احتفظت الصهيونية بفكرة القداسة الدينية، ولكنها خلعتها على الدولة والشعب وعلى تاريخ الأمة، أي أن ثمة تداخُلاً كاملاً بين الدنيوي والمقدَّس. والنجمة السداسية تتسم أيضاً بهذا التداخل، فهي رمز شائع بين اليهود وعلامة علىهم، أي أنها رمز قومي. ولكن هذا الرمز اكتسب إيحاءات دينية لا ترقى إلى مستوى المضمون الديني المُحدَّد، فهو يحمل قداسة ما ولكنها قداسة مرتبطة بالرمز الدنيوي. وقد يكون غموض مصدر القداسة عيباً من المنظور الديني، ولكنه من منظور صهيوني يشكِّل مصدر قوة، إذ كان الصهاينة يبحثون عن رمز يجسد فكرة قداسة اليهود لا قداسة اليهودية، وهذا ما أنجزته لهم نجمة داود. 

وتبنَّى النازيون أيضاً نجمة داود رمزاً لليهود. وكان على اليهود ارتداؤها رمزاً للفولك أو الشعب اليهودي العضوي، ولتمييزهم عن الفولك الألماني العضوي. ولهذا، أصبحت النجمة مرتبطة في الوجدان اليهودي بالإبادة. ويري بعض اليهود أن العلامة التي ارتبطت في الأذهان بذُلّ اليهود وإبادتهم لم تَعُد تصلح لأن تكون رمزاً لهم، في حين يرى البعض الآخر أنها (لذلك) أصبحت رمزاً لتاريخ الشعب. ومهما كان الأمر، فإن الدولة الصهيونية اتخذت شمعدان المينوراه شعاراً لها، ولم تَعُد النجمة تظهر إلا على العَلَم. ويستخدم الإسرائيليون نجمة داود حمراء مقابلاً للصليب الأحمر، أو الهلال الأحمر، وتُسمَّى هذه النجمة بالعبرية «ماجن ديفيد أدوم». وترفض منظمة الصليب الأحمر الدولي الاعتراف بالنجمة السداسية الحمراء رمزاً، ولذا فإنها لم تقبل إسرائيل عضواً في المنظمة الدولية، إذ أن إسرائيل تجعل انضمامها مشروطاً بذلك.
يتبع إن شاء الله...


الباب الثالث: الفنون التشكيلية والجماعات اليهودية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

الباب الثالث: الفنون التشكيلية والجماعات اليهودية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثالث: الفنون التشكيلية والجماعات اليهودية    الباب الثالث: الفنون التشكيلية والجماعات اليهودية  Emptyالإثنين 09 ديسمبر 2013, 8:44 am

المدرسة اليهودية 
Ecole Juive 

مصطلح «المدرسة اليهودية» (بالفرنسية: إيكول جويف Ecole Juive) يُستخدَم للإشارة إلى مجموعة من الفنانين اليهود المهاجرين إلى باريس في أوائل القرن من أهمهم مارك شاجال، وجاك ليبشيتس، وأماديو موديلياني، وحاييم سوتين، ولحق بهم جيل آخر في العشرينيات والثلاثينيات. ومعظم هؤلاء الفنانين جاءوا من روسيا وشرق أوربا، وتجمَّعوا في مساكن رخيصة (استوديوهات) في باريس في حي لاروش واتبعوا أسلوب الحياة نفسه، وكان نفس النقاد يتابعون أعمالهم، وكانت لغة الحوار بينهم هي اليديشية والروسية. ورغم استخدام مصطلح «المدرسة اليهودية»، إلا أن أعمال هؤلاء الرسامين ليست ذات مضمون يهودي واضح. ومع هذا، حاول عدد منهم أن يؤسسوا فناً يهودياً فكوَّنوا عام 1912 مدرسة باسم «ماكماديم». وقد عبَّر شاجال عن احتقاره لهذه المحاولة التي فشلت بطبيعة الحال. 

مــوريــتز أوبنهــايم (1800 – 1882)
Moritz Oppenheim 

رسَّام ألماني يهودي، يُعَدُّ أول فنان يهودي في العصر الحديث. يُسمَّى «روتشيلد الفنانين وفنان آل روتشيلد» لأنه حقَّق ثراءً كبيراً في حياته، ورسم صوراً لآل روتشيلد. وُلد بالقرب من مدينة فرانكفورت. تلقَّى تعليماً دينياً وعلمانياً، ثم التحق بأكاديمية الفنون في ميونخ حيث تدرَّب على فن الطباعة على الحجر (ليثوجرافي) وكان لا يزال فناً وليداً، ثم ذهب بعد ذلك إلى باريس وتدرب على يد أحد الفنانين الفرنسيين ثم قضى أربعة أعوام في روما. ورغم أنه ظل يهودياً أرثوذكسياً إلا أنه ارتبط بجماعة من الفنانين تُسمَّى «الناصريين» نسبة إلى مدينة الناصرة التي وُلد فيها المسيح. وتخصَّص أعضاء هذه المدرسة في رسم صور من العهد الجديد تتسم بالبساطة والسذاجة المتعمدة والمثالية المفرطة. حصل أوبنهايم عام 1823 على جائزة عن لوحة رسمها بعنوان « المسيح والمرأة السامرية عند البئر ». 

رسم أوبنهايم صوراً للأباطرة الألمان (بتكليف من مدينة فرانكفورت) وللشخصيات التاريخية والأدبية الألمانية وبعض مشاهير أعضاء الجماعة اليهودية في ألمانيا مثل هايني وجابربيل رايسر. ومن أشهر لوحات أوبنهايم سلسلة اللوحات المعنونة « صور من الحياة اليهودية التقليدية » وهي تصوير لمشاهد الحياة اليومية لأعضاء الجماعة اليهودية، وحققت نجاحاً كبيراً واقتناها كثير من أعضاء الجماعات اليهودية في ألمانيا (وهو ما يبيِّن تصـاعُد معـدلات التـحديث والعلمنـة بينهم، والذي أدَّى إلى تحول الحياة التقليدية إلى مجرد صورة جميلة يحيطها إطار وتُعلَّق على الحائط لإشباع الحنين إلى الماضي وللزينة). وتبيِّن الصور بدقة بالغة دورة الحياة اليهودية وأعياد اليهود وشعائرهم بطريقة رومانسية حزينة باعتبار أنها نمط من أنماط الحياة آخذ في الاختفاء. 

وأشهر لوحات أوبنهايم لوحة « عودة المتطوع اليهودي من حروب التحرير إلى أسرته التي لا تزال تعيش حسب التقاليد القديمة». ورسم أوبنهايم مجموعة من اللوحات الخيالية عن اللقاء بين بعض الشخصيات اليهودية والمسيحية (مندلسون ولافاتر ومندلسون وفريدريك الأعظم(. ولا يمكن الحديث عن أوبنهايم كفنان يهودي، فمصطلحه الفني ألماني وموضوعات فنه ألمانية. بل إنه، حينما نظر إلى الموضوع اليهودي، نظر إليه من الخارج من خلال عيون ألمانية. 

كاميـل بيســارو (1830 – 1903)
Camille Pissaro 

فنان فرنسي وأحد مؤسسي المدرسة الانطباعية أو التأثيرية، وهو أول فنان حديث عظيم من أصل يهودي. وُلد لأسرة سفاردية (من أصل ماراني) هاجرت من بوردو إلى جزيرة سانت توماس (التي كانت تابعة آنذاك للدنمارك). تلقَّى تعليمه في إحدى الكنائس في الجزيرة. ثم انتقل إلى فرنسا لإكمال تعليمه ثم عاد عام 1847 إلى سانت توماس ليدير أعمال الأسرة التجارية، ولكنه قرَّر العودة إلى باريس عام 1855 ليكرس حياته للفن، وهناك تعرَّف إلى مونيه وسيزان، وقابل بازيل ورينوار وسيسلي. تزوج من جولي فيلاي، وهي فتاة صغيرة كاثوليكية كانت تعمل في المطبخ عند أسرته وظلت زوجته الوفية عبر حياتهما معاً وأنجب منها أطفاله الثمانية. كان بيسارو ملحداً ويؤمن بالفكر الفوضوي، وكان كوزمبولتانياً، يرى أنه مواطن عالمي ليست له أية جذور دينية أو عرْقية أو قومية. وهو لم يَختنْ أطفاله أو يعمِّدهم، ولم يرسم لوحة واحدة ذات مضمون يهودي. 

انتقل بيسارو عام 1869 إلى مدينة لوفيسين وكان مونيه ورينوار يعيشان بالقرب منه، وكان جميعهم قد بدأوا تجاربهم في الرسم في الخلاء وبلورة أفكارهم التي أصبحت الأساس النظري للمدرسة الانطباعية. ومع اندلاع الحرب الفرنسية البروسية، اضطر بيسارو إلى أن يرحل هو وأسرته إلى إنجلترا، وعند عودته عام 1871 وجد أن كل أعماله الفنية التي رسمها عبر الخمسة عشر عاماً السابقة دُمِّرت أو سُرقت، ولكن هذا لم يَفُت في عضده. 

انتقل عام 1872 إلى بونتواز واستقر هناك حيث رسم كثيراً من لوحاته والتي بلور من خلالها لغته الخاصة والتي تُعبِّر في الوقت نفسه عن الأفكار الأساسية للمدرسة الانطباعية ولغتها الفنية. ويمكن القول بأن الانطباعية هي الحقيقة الأساسية في حياة بيسارو الفنية والشخصية، ولذا يكون التعريف بها هو التعريف بفكره ولغته الفنية. والمدرسة الانطباعية تُعبِّر عن استجابة عدد من الفنانين الفرنسيين للحقائق السياسية والاقتصادية والاتجاهات الفلسفية والعلمية في عصرهم. ثار مؤسسو هذه المدرسة على التقاليد الأكاديمية والاتجاهات الواقعية والرومانسية، وحاولوا أن يُدخلوا على الفن دقة العلوم الطبيعية ومناهجها (تمركز حول الموضوع)، ولكنهم في الوقت نفسه كانوا يؤمنون بأن الواقع متغيِّر وأنه لا يبقى منه إلا ما ينطبع على مخيلة المدرك (تمركز حول الذات). 

وفنهم هو مزيج من هذين القطبين المتنافرين. حاول أتباع هذه المدرسة أن ينقلوا إلى لوحاتهم الجوانب المتغيِّرة للواقع المرئي بسرعة خاطفة كما تنعكس على وجدان الرسام في لحظة محدَّدة من خلال مواجهة مباشرة مع الطبيعة وتفاعُل إيجابي معها دون أية حواجز أو وسائط. ولذا، هجروا المراسم ليسجلوا انطباعاتهم المرئية المتغيِّرة في الخلاء لإبراز أثر الضوء على الألوان وتسجيله مباشرة وبسرعة حتى لا يتأثر الانطباع المباشر بتحركات الضوء المستمرة. ورسموا لوحاتهم بضربات الريشة اللونية السريعة وقاموا بتجارب مع الظلال الملونة وانعكاسات الضوء. وكان موضوع لوحاتهم هو الطبيعة ومناظر الحياة اليومية التي صوروها بطريقة غير رومانسية وغير عاطفية. ولكن الموضوع الأثير لديهم كان ما يمكن تسميته بالنقطة الحدودية، حيث تلتقي القرية بالمدينة واليابس بالماء والسماء بالأرض، وحيث ينعكس الضوء على الماء وتذوب أعمدة الكنائس في الأشجار والبشر في المناظر الطبيعية المحيطة بهم (ويُقال إن الرسوم اليابانية التي اكتشفها الأوربيون في ذلك الوقت كان لها تأثير عميق فيهم(. ومن رواد هذه المدرسة مانيه ومونيه وسيزلي، وشارك فيها رينوار وديجا. وكان بيسارو أحد مؤسسيها، وكتب الميثاق القانوني للجماعة، كما كان العضو المؤسس الوحيد الذي قدَّم أعمالاً للمعارض الثمانية التي أقامها الانطباعيون بين 1874 و1886. 

وفن بيسارو ينتمي إلى هذا التيار الانطباعي، فكان يستوعب الطبيعة داخله، ثم يعيد إنتاجها حسب إحساسه ومعرفته الخاصة بها وملاحظته « الموضوعية » لها. فكان يحاول أن يرصد تقلبات الجو وتحولات الضوء بكل دقة، فيرسم المنظر الواحد في لحظات مختلفة ومن زوايا رؤية مختلفة. لكل هذا، كان بيسارو يفضل رسم الطرق الملتوية منظورياً، وتلك التي تنحو جانباً، وكانت لوحاته تركِّز على العناصر البنائية والمعمارية للفضاء وتؤلِّف الظلال والأضواء المتعرجة وتجعل العين تُركِّز على وسط المسافة. وقد ركَّز على انسياب الضوء وانكسار أشعته على الماء المترقرق. وتبيِّن لوحاته رغبة حقيقية وعميقة في البحث عن النظام في الكون، وإحساساً أكثر عمقاً بحركيته وتنوع سطحه، ولذا نجده في معظم الأحيان يحاول أن يوجد توازناً بين المعمار والطبيعة، وأحياناً أخرى كان يمزج العناصر الحضرية والصناعية الحديثة بالعناصر الطبيعية، وكثيراً ما تظهر في خلفية المنظر الطبيعي مدينة صناعية. يظهر هذا في أعماله في فترة بونتوييز حيث يُبيِّن مدى تغلغل العنصر الصناعي في العصر الطبيعي، فدخان المصانع المتماوج يمتزج بالسحب، ومداخن المصنع تتوارى مع الأشجار العالية. 

في عام 1885، قابل بيسارو بول سينياك الذي قدَّمه إلى جورج سيورا الذي كانت لوحته الشهيرة " عصر يوم الأحد في جزيرة جراند جات "، التي وضح فيها طريقته الجديدة في الرسم من خلال النقط الملونة، تُعَدُّ أساساً لما كان يُعرَف بالمدرسة التنقيطية (وهي أساساً تنويع على المدرسة الانطباعية). والتنقيطية هي أسلوب فني في استخدام نقط لونية صافية نقية بجوار بعضها البعض تكوِّن نسيج الصورة، فيكون ثمة امتزاج وهمي بين الألوان داخل عين الرائي، فكأن اللوحة في ذاتها ليست موجودة في الواقع ولا في عين الرائي وإنما يتم توليدها من خلال علاقة الرائي بالمرئي. 

والمدرسة التنقيطية هي امتداد للمدرسة الانطباعية، ولكنها أكثر حدةً وتطرُّفاً، ولذا نجد أن أعضاء المدرسة التنقيطية يبتعدون عن التلوين العابر والتكوين الفني الذي يسم المدرسة الانطباعية ويلجأون إلى المكونات الشكلية الصارخة، ولذا تُسمَّى هذه المدرسة أيضاً بالانطباعية الجديدة. وتبنَّى بيسارو هذا المنهج بعض الوقت بحماس بالغ باعتباره أكثر « علمية »، بل توقفت علاقته بعض الوقت مع أصدقائه الانطباعيين بين 1886 و1889 وتعمقت علاقته مع الانطباعيين الجـدد. ولكنه سَئم هـذه الجماعة بعد فترة. ومع مـوت سيورا، انتهت المرحلة التنقيطية وعاد مرة أخرى إلى الرسم في الخلاء. ولكن أسلوبه، مع هذا، تأثَّر بشكل دائم بمنهجهم في الرسم، بما في ذلك استخدام مجموعات من الألوان الصارخة، كما أن إحساسه بأهمية واستقلالية كل نقطة لون كان عالياً.

رسم بيسارو في الثمانينيات لوحات بها أشخاص، ولكنه فعل ذلك بطريقة جديدة. فالفلاحون في هذه اللوحات مُستوعَبون تماماً في أنفسهم ولا يحاولون أن يقصوا قصته. كما رسم بيسارو صوراً شخصية (بورتريهات) لأعضاء أسرته (زوجته وأمه). وفي عام 1894، أُصيب بيسارو بمرض في عينيه منعه من الرسم في الخلاء، ولكنه استفاد من مرضه هذا فكان يجلس في غرفة وينظر من النافذة إلى مناظر المدينة الحية وشوارعها فرسم الميناء والكباري والكاتدرائيات ومعمار المدينة، وكان يرسم المنظر الواحد عدة مرات في أوقات مختلفة (تماماً مثل مونيه في سلسلة لوحات « أكوام القش» التي رسمها في الفترة نفسها). وكان بيسارو يغيِّر محل إقامته حينما يشعر أنه استنفد المنظر الذي أمامه، وفي هذه الفترة (التي امتدت حتى نهاية حياته) رسم ما يزيد على 355 لوحة. ويعتبر بيسارو من مؤسسي فن الليثوجراف. 

ويرى بعض النقاد أن أعمال بيسارو تتسم بعدم الاتساق في المستوى، فقد كان مضطراً لإنتاج الكثير من الأعمال حتى ينفق على أسرته الكبيرة المُكوَّنة من ثمانية أشخاص. وقال زولا عن بيسارو: « هذا الفنان يهتم بالحقيقة فقط، وحين يقف في إحدى زوايا الطبيعة، ينقل الآفاق بأوسع ما فيها من جهامة دون محاولة إضفاء أي شيء من تحويراته. لم يكن شاعراً أو فيلسوفاً، بل فناناً طبيعياً وحسب ينقل المشاهد الطبيعية.. تمتَّع أنت بحلمك إن شئت، أما هو فإنه يُريك ما يراه مباشرةً.. هذه الواقعية أرفع شأناً من الحلم ». وعبارة زولا هذه تُبيِّن هذا التأرجح الحاد بين الذات والموضوع الذي يسم الفلسفة الغربية والنظرية الجماليـة الغربيـة في القـرن التاسع عشر. 

ومن الواضح أن بيسارو ثمرة خلفيته الفكرية والفنية التي اسـتقى منها أفكاره ولغته الفنية وقد سـاهم في تطوير هـذه الأفكار واللغة، فلم يكن متلقياً، وإنما كان فناناً ومفكراً عميقاً يستقي عظمته وعُمقه من المنظومة الفكرية واللغة الفنية السائدة في عصره. فتأثَّر بالفكر الفوضوي وبالأفكار العلمية عن السببية ونظريات الضوء واختراع الصور الفوتوغرافية، واستوعب الثورة الصناعية وآثارها العميقة في الإنسان والبيئة، وتأثَّر بالرسامين الإنجليز كونستابل وترنر، وبالفرنسيين كورو وكوربيه ومانيه ومونيه وسيرا. وأثَّر بدوره في سيزان (الذي كان يُعتبَر في منزلة أب له) وجوجان وفان جوخ. وهذا يفضي بنا إلى أن نطرح سؤالاً بشأن يهودية بيسارو. فاسمه يظهر في جميع الموسوعات اليهودية باعتباره فناناً يهودياً. وقد أشرنا من قبل إلى إلحاده وعدم تناوله موضوعاً يهودياً واحداً في لوحاته. 

ورغم كل هذا يبحث دليل بلاكويل للثقافة اليهودية وغيرها من الموسوعات عن عناصر تبرِّر تصنيفه باعتباره يهودياً. 

1 ـ فدليل بلاكويل ـ على سبيل المثال ـ يرى أن هناك خصوصية يهودية لبيسارو، ولكنها تظهر « بطريقة أكثر اتساعاً وأقل طائفية ». ثم يستمر الدليل ليشير إلى بعض مظاهر هذه اليهودية المتسعة غير الطائفية، فيرى أن تبنِّي بيسارو المُثُل العليا اليسارية ومواقفه الإنسانية العميقـة والتي تُعبِّر عن نفسـها بشـكل فني في الصور التي رسمها للريف، هي من بين هذه المظاهر. 

2 ـ ثم يشير الدليل بعد ذلك إلى ما يسميه « الجدية الأخلاقية التي نظر بها بيسارو للمشروع الانطباعي في محاولته أن يجعل حياة الناس العاديين موضوعاً مناسباً للفن ». ويؤكِّد الدليل أن العنصرين السابقين إن هما إلا تعبير عن يهودية بيسارو. وغني عن القول أن هذا أمر متهافت تماماً، إذ يصعب على المرء أن يرى أي ترادف موضوعي بين «اليهودية» و«الإنسانية العميقة» و«المُثُل العليا اليسارية»، أو بين «اليهودية» وبعض أهداف المدرسة الانطباعية. 

3 - ثم يأتي الدليل بعنصر آخر يؤكد يهودية بيسارو. وهذا العنصر أكثر تهافتاً وكوميدية من سابقيه، إذ يشير الدليل إلى أن ملامح بيسارو كانت يهودية، ولذا كان معاصروه يقولون حينما يرونه: «ها هو موسى قد جاء يحمل لوحي الشريعة »، ولا ندري ما هذه الملامح اليهودية؟ وحتى لو كانت مثل هذه الملامح موجودة بالفعل، وحتى لو كان بيسارو ذا ملامح يهودية تجعله شبيهاً بموسى!! فهل هذا يجعل منه فناناً يهودياً؟! 

4 ـ أما العنصر الرابع الذي يشير إلى يهودية بيسارو فهو أن الهجوم على أعماله الفنية، لم يكن ينطلق في واقع الأمر من الاعتبارات الفنية وإنما من العداء لليهود. ولم يُبيِّن لنا الدليل كيف أن عداء النقاد التقليديين لأعمال مانيه أو مونيه (التي استُقبلت استقبالاً عاصفاً غير حافل) عداءٌ فنيّ في حين أن عداءهم لأعمال بيسارو عداء عنصري! 

5 ـ تذكر إحدى الموسوعات أن بيسارو كان مؤمناً ببراءة دريفوس، وأنه كتب لإميل زولا يؤيده في موقفه. وقد سبَّب هذا جفاءً بينه وبين ديجا ورينوار، فكأن هناك فنانين يهوداً مؤيدين لدريفوس وفنانين أغياراً معادين لليهود. وهذا تقسيم غير حقيقي بالمرة، فزولا لم يكن يهودياً، ولكنه كان مع ذلك أكثر رجالات الفن والأدب تأييداً لدريفوس، وقد كتب مقالاته الشهيرة إني أتهم دفاعاً عنه. كما أن معظم أبطال قصة دريفوس المدافعين عنه كانوا من غير اليهود. 

6 ـ ذكرت دراسة صدرت عن المتحف اليهودي في نيويورك أن يهودية بيسارو تتضح في إستراتيجيته في فصل الدين عن الخلفيات الدينية والثقافية، وهي إستراتيجية تبنَّاها كثير من الفنانين اليهود تُعبِّر عن رغبتهم في الوصول إلى الأممية الحقة. ولكن هل هذه النزعة الأممية الكوزموبوليتانية كانت أمراً مقصوراً على اليهود أم أنه كان أمراً كامناً في مفهوم الإنسان الطبيعي وفي فكر حركة الاستنارة على وجه العموم؟ ولعل أعضاء الجماعات اليهودية أكثر تطرفاً في أمميتهم، ولكنهم لا يختلفون في هذا كثيراً عن أعضاء الأقليات الأخرى. ومع ذلك، فإن أممية بيسارو لم تكن متطرفة بأية حال. 

7 ـ يمكن الإشارة إلى أن المدرسة الانطباعية، بتركيزها على النقط الحدودية المتوترة، وحيث ينفرج التوتر (التقاء الماء باليابس والسماء بالأرض والمدينة بالريف والمداخن بالأشجار والدخان بالسحاب)، تشبه إلى حدٍّ ما وضع اليهودي في المجتمع الغربي باعتباره عضو الجماعة الوظيفية. ولكن تهميش الإنسان وتوظيفه أصبح سمة أساسية في المجتمع الحديث ولم تعد مقصورة على اليهود (بعد تهويد المجتمع). ومهما يكن الأمر، فإن التركيز على النقط الحدودية جزء من لغة المدرسـة الانطباعية ككل وليـس مقصوراً على بيسـارو اليهودي. ولكل هذا، فإن الحديث عن بيسارو باعتباره فناناً يهودياً ليس ذا قيمة تفسيرية تُذكَر. 

جيكـوب إبشتاين (1880-1959)
Jacob Epestien 

نحَّات بريطاني يهودي من أهم النحاتين في القرن العشرين. وُلد في نيويورك في الحي الشرقي (إيست سايد). بدأ حياته الفنية حين طلب منه المؤلف (غير اليهودي) هتشينس هابجود أن يرسم صوراً لكتاب كان يُعدُّه عن الحي الشرقي يُسمَّى روح الجيتو، وكانت اللوحات التي أعدها إبشتاين على مستوى رفيع. ونجح في الاستمرار في دراسته (في باريس) من عائد هذا الكتاب، ومنها ذهب إلى لندن عام 1905 حيث استقر فيها بقية حياته، وأصبح من طلائع الحداثيين في عالم الرسم، كما أصبح عضواً في جماعة الدوامة (بالإنجليزية: فورتيسيتس Vorticists) بحماسها النيتشوي الفائق لحركيات عالم الآلة. 

تأثر إبشتاين أيضاً بالنحت القديم وفنون ما قبل التاريخ والنحت الإفريقي والبولونيزي وفنون الأمريكتين قبل وصول كولومبوس. وكما أن جذوره الفنية متنوعة، نجد أن مصطلحه الفني أيضاً متميِّز ومرَّ بعدة مراحل، ففي بداية حياته الفنية أعد إبشتاين نحتاً بارزاً بعنوان « مولد الطاقة » لتزيين واجهة رابطة الطب في بريطانيا، واستخدم فيه أسلوباً طبيعياً كلاسيكياً مباشراً. وكان النحت يتضمن شخصيات عارية تم إبراز أعضائها الجنسية بشكل واضح الأمر الذي سبَّب احتجاج الكثيرين. 

وفي عام 1913، أعد إبشتاين تمثالاً تجريدياً يُسمَّى « الحفر في الصخر» وهو تمثال يمجِّد قوة الآلة. وبعد تجربتين أخريين (فينوس Iوفينوس II) ترك إبشتاين التجريد لأنه (على حد قوله) لا فائدة منه في حد ذاته، ولكنه مع هذا يساعد الفنان على أن يعمِّق إحساسه بالشكل ويطوِّره. أما مقبرة أوسكار وايلد في باريس فكانت مختلفة تماماً، فهي شكل مركب له وجه إنسان وأجنحة تجعله يشبه الثيران المجنحة في النحت الآشوري، وقد تُوِّج وجهه بتاج يحمل الخطايا السبع المميتة. 

وبعد الحرب العالمية الأولى، تبنَّى إبشتاين الأسلوب التعبيري الأمر الذي أثار مرة أخرى ضيق الناس بسبب تشويهه لكثير من الأشكال وتناوله لكثير من الموضوعات الدينية والمقدسة بطريقة كانوا يرون أنها فظَّة وبدائية. وكان هو يرى أن هذه هي الطريقة المُثلى للتعبير عن القوى الكونية، فتمثال « التكوين » (1931) هو صورة امرأة عارية بدائية حامل، فهي ليست فينوس اليونانية ولا ملكة من ملكات الفراعنة، فبطنها ممتلئة وشفتاها غليظتان ووجهها مستطيل يشبه الأقنعة الإفريقية وعيونها متجهة نحو اللاشيء، وأعضاء التأنيث، رغم محاولة تجريدها، واضحة، وفخذاها كتلتان سميكتان. 

أما تمثال « آدم» فهو كتلة متماسكة رأسها غير واضح محني إلى الخلف واليدان مرفوعتان إلى أعلى ويشكلان جزءاً من الصدر والقدمان غليظتان والأعضاء التناسلية مرة أخرى واضحة. هذا هو الإنسان الكوني، الآدم قدمون. أما « جيكوب والملاك » (1940 ـ 1941) فتُذكِّرنا بموضوع صراع هرقل مع أنتايوس أو صراع بروميثوس مع النسر. وهكذا تتحوَّل الرموز الدينية اليهودية في يدي إبشتاين إلى رموز وثنية من خلال لغة التأيقن الحلولي (ولم يكن تناول إبشتاين للموضوعات المسيحية يختلف كثيراً عن تناوله لموضوعات العهد القديم). 

وقد كرَّس إبشتاين طاقته الفنية بعض الوقت لرسم صُوَر لشخصيات على هيئة نحت بارز لتماثيل نصفية تُصَب في البرونز (وهو يُعَدُّ من أهم الفنانين في هذا المضمار). ومن أهم خصائص هذه الصور/التماثيل البرونزية أن سطحها خشن ليوحي بالقالب الفخاري الذي صُبَّ فيه البرونز. ورغم أن هذه الصور الشخصية البرونزية لم تكن تتسم بالحيوية نفسها التي تتسم بها تماثيله الأولى، إلا أنها تبيِّن مقدرة إبشتاين على الغوص في ثنايا النفس البشرية والإحساس بها والتعبير عنها، من خلال قَدْر من المبالغة المقبولة مع تجاهل نسبي للملامح الجسمانية المباشرة. وهو بذلك يتبع تقاليد الصورة الشخصية في عصر النهضة في الغرب، حيث يقوم الفنان بتصوير الشخصية لا الوجه. وقد رسم صوراً من هذا النوع لبرناردشو وجوزيف كونراد وأينشتاين. وفي نهاية حياته، تلقَّى إبشتاين عدداً من التكليفات المهمة من الكنائس المسيحية، ومن أهم أعماله تمثال « أليعازر» ويوجد في كنيسة نيوكوليدج في أكسفورد (1947) و« العذراء والطفل » (1953) في ميدان كافنـدش في لنـدن، و« المسـيح في جلاله » (1957) في كاتدرائية لانداف، و« القديس ميخائيل والشيطان » (1959) في كاتدرائية كوفنتري. 

ويُعلـِّق دليل بلاكويل للثقافة اليهودية على هذا بقوله: « لا شك أنه لو قُدِّر للمعابد اليهودية أن تستفيد من موهبته، لكان هذا من أكبر مصادر غبطته » وهي جملة تهدف إلى اختلاق بُعد يهودي حيث لا يوجد مثل هذا البُعد. ولكن هذا البُعد ليس سوى تعبير عن أمل أو رغبة، لا علاقة له بمصادر إبشتاين الفنية ولا إمكانياته ولا الطريقة التي تحققت بها هذه الإمكانيات، ولا حتى تأثيره في غيره من الفنانين (ترك إبشتاين أثراً عميقاً في إريك جيل وهنري مور)، فإبشتاين لم يكن يهودياً متديناً أو إثنياً مع أن تجربته في الحي الشرقي تركت أثراً عميقاً فيه. وفي نهاية الحرب العالمية الثانية، تقبَّل المجتمع البريطاني إبشتاين ومُنح لقب «سير». 

أماديـــو موديليـــاني (1884-1920) 
Amadeo Modigliani 

رسَّام ونحَّات إيطالي يهودي، وشقيق فيتوريو موديلياني الزعيم الاشتراكي الإيطالي. وُلد لأسرة يهودية سفاردية، وكان عليلاً منذ طفولته. درس الفن في فلورنسة والبندقية قبل أن يستقر في باريس عام 1906 حيث انضم لرواد الحداثة. قام جاك لبشيتس بتقديم حاييم سوتن له وأصبحا صديقين حميمين. وكانت حياته الشخصية عاصفة، إذ أدمن الكحوليات والمخدرات وكان وضعه المالي غير مستقر بشكل دائم، وأصيب في نهاية الأمر بالسل ومات في إحدى المستشفيات الخيرية (وانتحرت عشيقته التي كان يعيش معها في اليوم التالي). 

يقف فن موديلياني على الطرف النقيض من حياته، فقد كان فناً خصباً (20 تمثالاً ـ 500 لوحة ـ آلاف اللوحات بالألوان المائية)، يتسم بالحسيَّة يسري فيها حزن هادئ وقَدْر من الصفاء. ويتضح هذا أكثر ما يتضح في صور الأشخاص (البورتريهات) التي رسمها. وفي البورتريه النماذجـي عنـد موديلياني، يظهر رأس الشـخص أمـام خلفية غير محدَّدة، مائلاً قليلاً وفي حالة إعياء كامل وعزلة عما حوله وإحساس بالغربة، وأيدي الشخصيات، إن ظهرت، تكون متدلية منهكة. أما العيون، فهي عيون شاخصة لا ترى شيئاً وتُعبِّر عن فتور الهمة. وتتسم صور النساء عنده بأنها تشبه النبات الطويل الرأسي، والرقبة طويلة أسطوانية تربط الرأس بالجسد الذي يتسم بأكتاف عريضة. 

ورغم تحرُّك موديلياني في أوساط رواد الحداثة الفنية، إلا أنه لم يتأثر بها كثيراً، وإن كان قد تأثَّر بمدرسة ما بعد الانطباعية (سيزان ـ جوجان ـ تولوز لوتراك). كما تأثَّر بفن عصر النهضة في الغرب، بخاصة البساطة الكلاسيكية للشكل. ومن المصادر الأخرى لفن موديلياني الفنون غير الغربية مثل النحت الإفريقي. ويظهر هذا في الوجوه المستطيلة لدى بعض نسائه التي تشبه الأقنعة البولينيزية أو الإفريقية. ولكن بعض النقاد يرون أن مثل هذه التشوهات مشتقة من التماثيل القوطية في العصور الوسطى المسيحية. ولا يوجد أي أثر ليهودية موديلياني في فنه مع أنه كان دائماً معتزاً بإثنيته. وقد حاول بعض النقاد تفسير إحساسه العميق والمأساوي بالغربة على أساس يهوديته. ولكن هذا الإحساس بالغربة هو سمة عامة في الفن الحداثي ولا يوجد فارق في ذلك بين الفنانين اليهود والفنانين غير اليهود. ومصادر لغته الفنية إما مسيحية أو إفريقية أو بولينيزية. 
يتبع إن شاء الله...


الباب الثالث: الفنون التشكيلية والجماعات اليهودية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

الباب الثالث: الفنون التشكيلية والجماعات اليهودية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثالث: الفنون التشكيلية والجماعات اليهودية    الباب الثالث: الفنون التشكيلية والجماعات اليهودية  Emptyالإثنين 09 ديسمبر 2013, 8:51 am

مـارك شــاجال (1887-1985) 
Marc Chagall 

رسَّام روسي فرنسي، وُلد لأسرة حسيدية تقية (عائلة سيجال، ولكن شاجال غيَّر اسمه أو غيَّر طريقة نُطقه) في قرية فايتبسك في روسيا داخل منطقة الاستيطان، وهي القرية التي خلَّدها في أعماله والتي تشكِّل خلفية معظم هذه الأعمال. درس في عدة مدارس فنية في روسيا القيصرية، من بينها المدرسة الإمبراطورية لحماية الفنون ومدرسة سفانسيفا. ويُلاحَظ أن قراره بتعلُّم الرسم كان يُعَدُّ تحدياً صارماً للتقاليد الدينية اليهودية آنذاك. 

انتقل إلى باريس عام 1910 حيث درس في عدة مدارس للفنون بشكل متقطِّع، ثم انتقل إلى لاروش. وبدأت تتحدَّد، في هذه المرحلة، ملامح فنه، إذ بدأت تظهر الألوان الفاقعة (متأثراً بالمدرسة الوحشية وجوجان) والمساحات الهندسية (متأثراً بالمدرسة التكعيبية)، لكن تكعيبيته لم تكن من النوع الهندسي الصارم، إذ أن المضمون يظل واضحاً والألوان تحتفظ بحيويتها على عكس التكعيبيين الذين ترجموا كل شيء إلى مكعبات وأشكال هندسية، بما في ذلك الأشكال منحنية الأضلاع، مع الابتعاد عن الألوان الطبيعية. 

كما بدأت تظهر موضوعات الطفولة، وعالم الأحلام المبهم والأشخاص الذين يطيرون في الهواء والرموز والوجوه والأجساد المقلوبة، وعالم الأساطير الذي يتحدَّى المنطق العملي المادي. كما تحدَّدت النغمة الأساسية لأعماله، وهي نغمة طفولية فلاحية تحاول أن تَنقُل عالم الباطن والأحلام وكأنه العالم الحقيقي الوحيد. وفي عام 1914، سافر شاجال إلى برلين لأول معرض منفرد له، ومن هناك سافر إلى قريته فايتبسك حيث اضطر إلى البقاء فيها بسبب نشوب الحرب العالمية الأولى. وفي عام 1915، تزوج من بيلا روزنولد التي ظلت مصدر وحي له في فنه. وعُيِّن شـاجال قوميساراً للفنون في فايتبسك عام 1918. ولكن سرعان ما نشبت الخلافات بينه وبين الثورة، فانتقل هو وزوجته وابنته إلى موسكو عام 1920 حيث رسم عدة جداريات لمسارح الدولة التي تقدِّم مسرحيات يديشية، كما رسم جدارياته المشهورة لمسرحيات جوجول وتشيكوف. 

ترك شاجال الاتحاد السوفيتي عام 1922، واستقر في باريس حيث انضم إلى جماعة الفنانين الروس اليهود المهاجرين فيما يُسمَّى «مدرسة باريس» أو «المدرسة اليهودية»، وكانت أعماله، في الفترة التي قضاها في روسيا، ذات طابع غنائي رقيق، وحسِّية إلى حدٍّ ما، ولكن أعماله بدأت في الثلاثينيات تأخذ شكلاً أكثر ظلمة بسبب الأحداث في أوربا، وقد استقر في الولايات المتحدة في الفترة من عام 1941 حتى عام 1948، ثم عاد واستقر في فرنسا، وعادت أعماله للغنائية القديمة. وبعد هذا التاريخ اتسع نطاق الموضوعات التي يتناولها والمواد والخامات التي يستخدمها، فرسم بألوان الماء والجواش والزيت والطباعة وأقام بعض التماثيل واستخدم السيراميك. ونفَّذ العديد من الأعمال بمعاونة الحرفيين، غير أن طفولته ظلت المصدر الأساسي لأعماله. 

وعلاقة شاجال باليهودية مُركَّبة إلى أقصى حد، فهو لم ينكر قط أهـمية خلفيته اليديشـية، ولكنه صرَّح أكثر من مـرة بأنه ليس فناناً يهودياً، وإنما فنان يرسم لكل البشر. ولذا، فقد عارض شاجال محاولة بعض الفنانين اليهود المهاجرين (من روسيا إلى باريس) تأسيس مدرسة فنية يهودية. وعادةً ما كانت تصريحاته هذه تُقابَل باستهجان شديد من النقاد الفنيين اليهود. ولحسم القضية، يمكن العودة لأعمال شاجال ذاتها. فالمؤثرات الفنية في رسمه غربية، ولا يمكن فهمها إلا في إطار التطورات الفنية في العالم الغربي. بل نجد أنه، حتى على مستوى الموضوعات، يستخدم موضوعات وصوراً مسيحية، خصوصاً واقعة الصلب. 

ولعله، في هذا، تأثَّر بعمق بالمسيحية الأرثوذكسية التي تؤكد واقعة الصلب على حساب واقعة القيام، كما أنه يستخدم الصور المسيحية للتعبير عن الموضوعات اليهودية. فالمسيح المصلوب يصبح هو اليهودي المعذَّب. ولعل هذا يلقي ضوءاً على طريقة تناوله ليهوديته أو للموضوع اليهودي، فهو تناول لا يستبعد الأغيار، ولا يَسقُط في ثنائيات التفكير الحلولي الحادة، بل هو تناول يحوِّل اليهودي إلى نموذج إنساني يستطيع أي فرد أن يتعاطف معه لا أن يقف ضده. ولوحاته عن الزواج والحب تعبِّر عن احتفائه الشديد بهذه المواضيع الإنسانية. وقد أشار أحد النقاد إلى أن رسومات شاجال تشبه من بعض الوجوه الرسومات التركية أو الفارسية، وهو ما قد يشي بالأصول التركية (الخزرية) لفنه. 

قام شاجال بتنفيذ الشبابيك الملونة (بالزجاج المعشق) لمعبد يهودي واحد (معبد مستشفى الهاداساه في القدس)، ولعدد كبير من الكنائس المسيحية (من بينها الكاتدرائية الكاثوليكية في متز، والكنيسة الكاثوليكية في آس في الألب الفرنسية، ونافذة ملونة ضخمة في الفاتيكان). ومن بين أعماله الأخرى، سقف أوبرا باريس، وجداريات دار الأوبرا التابعة للنكولن سنتر في نيويورك، وجدارية ولوحات قماشية وأرضية فسيفسائية للكنيست، ونافذة ملونة ضخمة في مبنى سكرتارية هيئة الأمم. وقد عاد شاجال إلى موسكو عام 1973 حيث قُدِّم له أول معرض منفرد. كما أُسِّس متحف لأعماله في جنوب فرنسا. 

جــاك ليبشـيتس (1891-1973)
Jacques Lipchitz 

نحَّات أمريكي/فرنسي يهودي، اسمه الأصلي حاييم يعقوب. وُلد في ليتوانيا لأسرة من المصرفيين الأثرياء. درس في باريس حيث غيَّر اسمه إلى جاك وأصبح مواطناً فرنسياً عام 1925. وفي عام 1930، أقام معرضاً يضم كل أعماله وأحرز شهرة واسعة. تعرَّف إلى النحت المسيحي القديم والوسيط وعلى الفنون غير الغربية، وبخاصة الإفريقية، كما تعرف إلى حاييم سوتين وأماديو موديلياني ودييجو ريفيرا وأعضاء المدرسة التكعيبية، خصوصاً براك وبيكاسو، وتأثر بأعمالهم حتى أصبح من أهم النحاتين التكعيبيين حتى منتصف العشرينيات. تركَّز فنه حول الموضوعات التي تناولها الفنانون التكعيبيون، كالمهرجين والموسيقيين والمستحمين والطبيعة الصامتة. وكانت معظم التماثيل حجرية تتسم بحوافها الحادة وسطحها المسطح وتقترب من التجريد الكامل. وبعد ذلك التـاريخ، اكتـسبت لغته الفنية أبعاداً تذكِّر المشـاهد بفن الباروك، فأصبحت خطوطه أكثر انسيابية وأشكاله دائرية، واتسع نطاق موضوعات فنه ليشمل موضوعات أسطورية وإنجيلية وموضوعات ذات دلالة رمزية عامة. 

ومنذ منتصف الثلاثينيات، شعر ليبشيتس بجو الشمولية السائدة في أوربا آنذاك، فأصبح الموضوع الأساسي لفنه هو الكفاح الضاري ضد الوحوش الأسطورية: صراع بروميثيوس مع النسر واغتصاب أريادني عـلى يد زيوس. وفي عـام 1941، هاجر ليبشـيتس إلى نيويورك. وأصبح أسلوبه يميل إلى التفاصيل الثرية، كما بدأت تظهر نبرات دينية عميقة وإن كانت كامنة غير صريحة. وفي عام 1948، قبل تكليفاً ليقيم تمثالاً للعذراء فوافق شريطة أن يُكتَب على قاعدة التمثال العبارة التالية: « جيكوب ليبشيتس، اليهودي، المؤمن بعقيدة أسلافه، صنع تمثال العذراء لينمي التفاهم بين البشر على الأرض، حتى تسود حياة الروح ». ولا شك في أن العبارة تُبيِّن مدى احترام ليبشيتس لجذوره اليهودية، إلا أنها في الوقت نفسه تُبيِّن أنه يميل نحو اليهودية الإثنية (الموروثة) وليس الإيمان بالعقيدة اليهودية. كما أن العبارة لا تغيِّر على الإطلاق حقيقة أن التمثال الذي نحته هو جزء من التراث المسيحي، ولا ينتمي إلى عالم الفن اليهودي! 

وحينما أقام ليبشيتس تمثالاً لجيكوب يصارع الملاك، فقد أعاد تفسير الواقعة في إطار بروميثي وثني وقال: إن التمثال هو عن صراع الإنسان مع الملاك. وأقام ليبشيتس تمثالاً بعنوان «الصلاة»، وهو عبارة عن يهودي يقوم بشعائر الكاباروت ولكنها هنا رمز ذبح اليهود. وعند تأسيس دولة إسرائيل، أقام تمثالاً بعنوان «المعجزة»، وهو عبارة عن شكل له أذرع مرتفعة يقف أمام لوحىّ الشريعة وينمو منها أفرع شمعدان المينوراه السبعة، وفي نهايتها يُوجَد شكل عبارة عن لهب صغير أو أوراق شجر صغيرة. وقد زار ليبشيتس إسرائيل عدة مرات وترك كل قــوالب تماثيله لمتحف إسـرائيل في مدينة القـدس التي دُفن فيها. 

مـارك جرتلـر (1891-1939) 
Mark Gertler 

رسَّام بريطاني يهودي، وُلد في لندن لأسرة يهودية مهاجرة من جاليشيا تتحدث اليديشية في المنزل. حاول دراسة الفن ولكنه لم يتمكن من الاستمرار بسبب فقره المدقع، وبدلاً من ذلك، اشتغل صبياً تحت التمرين في ورشة لصنع الزجاج المعشق. وتعرَّف الرسام الإنجليزي اليهودي روثنشتاين على موهبته وأقنع إحدى المؤسسات اليهودية التعليمية بأن تساعده على الاستمرار في تعليمه. وأتاح له هذا أن يختلط بالأوساط الثقافية فتعرَّف إلى الدوس هكسلي و د. هـ. لورانس وأعضاء جماعة بلومزبري. وتتسم الأعمال الأولى عند جرتلر بأنها تقليدية إلى حدٍّ كبير، تتبع التقاليد الفنية المتعارف عليها في الغرب آنذاك. ولكنه، ابتداءً من عام 1912، بدأ يتجه نحو الفن البدائي، واستخدم لغته الفنية بشكل واع. كما تأثَّر بالمدرسة الانطباعية، بخاصة سيزان ورينوار. اتجه نحو الفن التجريدي بعض الوقت ولكنه تركه بعد فترة قصيرة. تتسم أعماله بحرية التعبير في الشكل وبالاستخدام الأصيل للألوان. وإذا كانت الجذور الفنية للغة جرتلر غير يهودية، فكذلك موضوعات لوحاته. فبعد مرحلة أولى في حياته، ركَّز على الموضوعات اليهودية (أسرته والجماعة اليهودية بشكل عام) ورسم لوحات مثل « الحاخام والحفيد »(1913)، ثم ترك هذه الموضوعات تماماً بعد عام 1914، وبدأ يركِّز على تصوير جسـد الأنثى بطريقة حسـية زادت رواج أعماله. ولم تكن حياة جرتلر الخاصة سعيدة على الإطلاق. وقد انتحر عام 1939. 

حـاييـم ســوتين (1893-1943) 
Chaim Soutine 

فنان فرنسي يهودي وُلد في ليتوانيا لأسرة أرثوذكسية فقيرة للغاية (كان أبوه يعمل رافياً للملابس). ويُقال إن سوتين طلب من حاخام قريته أن يجلس أمامه ليرسم صورته، فضربه ابن الحاخام ضرباً مبرحاً لدرجة أن الحاخام اضطر إلى أن يدفع للأم تعويضاً، وأن سوتين استخدم هذا التعويض في تمويل دراسته للفن في فلنا. ويُقال إن كل لوحاته في هذه الفترة كانت تتسم بالحزن المرضي (الدفن ـ الهجران ـ المعاناة). استقر سوتين بعد ذلك في باريس وعاش في فقر شديد حيث تعرَّف إلى موديلياني. وحينما مات هذا الأخير، رسم سوتين مجموعة من اللوحات تحتوي على الإشارات الدينية الوحيدة في أعماله الفنية الناضجة. وكانت حياته بائسة لدرجة أنه حاول الانتحار. وحقَّق بعض الاستقرار المالي بعد أن اكتشفه أحد جامعي اللوحات. وقد قضى سوتين الأعوام الثلاثة الأخيرة من حياته مختبئاً من النازيين، ولكنه مات في باريس لأسباب طبيعية. 

تتكوَّن لوحات سوتين أساساً من لوحات للأصدقاء والشحاذين والشخصيات الهامشية في باريس، ومن طبيعة صامتة ونسخ من لوحات كبار فناني عصر النهضة في متحف اللوفر. وكان فنه يتسم بالتوتر الشديد، فكل ما في لوحاته مُشوَّه وينزف دماً ويشع عدمية (يُقال إن الدم هو احتجاج سوتين على قوانين الطعام اليهودية). وحتى مناظره الطبيعية لا تتسم بالهدوء، فهي قلقة عاصفة. وقد دفع هذا البعض إلى الحديث عن الخصوصية اليهودية لدى سوتين، وهو أمر مناف للحقيقة، فالفن الحداثي الغربي تتواتر فيه مثل هذه الصور والموضوعات بغض النظر عن الجذور الإثنية أو الدينية للفنان. 

بـــن شـان (1898-1969) 
Ben Shahn 

رسَّام أمريكي تخصَّص في فن الرسوم المطبوعة (بالإنجليزية: جرافيك آرتس graphic arts). وُلد في ليتوانيا لأسرة كان يعمل أعضاؤها في الحفر على الخشب والفخار، وكان معظمهم ينتمون للتيار الاشتراكي. فرّ أبو شان إلى أمريكا الجنوبية هرباً من الاضطهاد القيصري ومنها إلى الولايات المتحدة. وتعلَّم شان على يد فنان تخصَّص في فن الطباعة بواسطة الحجر، وتلقى أول تدريب له على عملية مزج الصورة والنص. تلقَّى تعليماً فنياً في جامعة نيويورك، ثم سافر إلى أوربا والمغرب العربي وفي جزيرة جربا (في تونس) سجل انطباعاته عن يهود هذه الجزيرة. رسم شان مجموعة من الصور عام 1920 عن حادثة دريفـوس، وكانت أول مجمـوعة صُـَور يهاجم فيها الظلم. وفي عام 1931، أصدر مجموعة ثانية عن حادثة ساكو وفانزيتي (بالجواش)، ثم مجموعة ثالثة بين عامي 1931 و1932 عن أحد القيادات العمالية اتُّهم ظلماً في حادث إلقاء متفجرات ثم بُرِّئ. وقد استأجره الفنان المكسيكي دييجو ريفيرا مساعداً في رسم جدارية " الإنسان في منعطف القرن " لمبني RCA في مركز روكفلر. وكانت الجدارية ثورية المنحى فأثارت غضباً شديداً وتم نقلها لمدينة مكسيكو سيتي. 

وأثناء فترة الكساد، رسم شان ما يقرب من 6000 صورة فوتوغرافية للمتعطلين والفقراء وحياة المدن الصغيرة في الولايات المتحدة. وكان مشروعه هذا مُموَّلاً من قبل الحكومة الأمريكية. كما رسم مجموعة من الجداريات (بتمويل من الحكومة أيضاً) لبعض المؤسسات الحكومية. 

وفي عام 1944، رسم شان لوحة تُسمَّى « معسكرات الاعتقال » يُعبِّر فيها عن بؤس ضحايا المحرقة النازية، كما صمَّم طابعاً بريدياً بعنوان « هذه هي الوحشية النازية » (1942) إحياءً لذكرى قرية ليديس البولندية التي محاها النازيون من على وجه الأرض. 

وظل أسلوب شان واقعياً حتى عام 1950. ولكنه، بعد ذلك التاريخ، بدأ يغوص في ذاته وينتج أعمالاً فنية ذات طابع رمزي تستجيب لاحتياجاته الشخصية وتطلعاته « الدينية ». وتجمع أعماله في هذه المرحلة بين الألوان الذهبية والثرية والكتابة التي تشبه الأرابيسك (وقد ساعده في ذلك تدريبه في مطلع حياته على الكتابة العبرية). وكان شان قد رسم صوراً لطبعة من الهاجاداه عام 1931، ولطبعة من سفر الأمثال. ثم عاودت هذه الموضوعات الدينية الظهور في أعماله مرة أخرى في الخمسينيات، فرسم لوحة بعنوان « الوصايا العشر » (1960) و« المزمور 133 والـ 150 » و«نضيء هذه الشموع » (1961). كما رسم مجموعة من الصور تُسمَّى « الفبائية الخلق » استخدم فيها بعض المفاهيم القبَّالية (من الزوهار) المتصلة بعلاقة الألفبائية العبرية بالألوهية. 

اشترك شان في عملية زخرفة وتزيين بعض المعابد اليهودية، فرسم جدارية بعنوان « دعوة الشوفار» وجدارية فسيفسائية في ممر معبد أوهيم شـالوم في ناشـفيل (في ولاية تنسي)، وهي تستند إلى فقرة في العهد القديم (سـفر ملاخي 11/15) تدعو للمسـاواة. وفي عام 1960، صمَّم باب تابوت العهد لمعبد مشكن إسرائيل في مدينة هامدن في ولاية كونتيكت. وفي عام 1965 صمَّم بعض النوافذ من الزجاج المعشق (تصوِّر بعض المشاهد من سفر أيوب) في معبد بيت زيون في بافالو (نيويورك). 

وألَّف شان كتاب شكل المضمون (1957)، وهو عبارة عن محاضرات ألقاها في جامعة هارفارد. ورغم أن المضمون اليهودي للوحات شان أمر واضح، ورغم أن معرفته بالكتابة العبرية قد أثَّرت في شكل ومضمون بعض أعماله الفنية، إلا أن الغالبية الساحقة من لوحاته تظل ذات مضمون إنساني أو أمريكي عام. كما أن لغته الفنية لا يمكن فهمها بالعودة إلى تراث فني يهودي أو لغة فنية يهودية خاصة، وإنما بالعودة إلى فَهْم اللغة الفنية السائدة في المجتمع وسياقه الحضاري الذي كان يعيش فيه. 

ليونيــل أبرامــز (1931-) 
Lionel Abrams 

رسَّام من أعضاء الجماعة اليهودية في جنوب أفريقيا. وُلد في جوهانسبرج وتلقَّى تعليمه فيها وفي إنجلترا. أقام أول معرض له عام 1957، وتتسم أعماله بالتجريد. وهو يفضل رسم المناظر الطبيعية والحياة الصامتة. طوَّر طريقة في الرسم تُسمَّى فوتو باستيل، حيث يتم استخدام العناصر الكيميائية في حفر الصورة الفوتوغرافية ويُعَاد رسمها بالباستيل. وقد أقام أول معرض لصور الفوتو باستيل عام 1975. ويرسم أبرامز لوحات موضوعها الأساسي أعمال الفنانين الآخرين أو مواقف من حياتهم (حقيقية أو مُتخيَّلة)، مثل « بيسارو يقابل سيزان » و« دريفوس يزور مونيه ». ورسم مجموعة من اللوحات هي تنويعات على لوحة مانيه « الإفطار فوق العشب » وسلسلة أخرى من مونيه وهو في الاستوديو محاطاً بلوحاته المشهورة « زنبـق الـماء Water Lilies ». اهتم إبرامز بعض الوقت برسم بعض المناظر من حياة جماعة لوبافيتش في جنوب أفريقيا، واستمر لمدة أربعة أعوام في تناول الموضوعات اليهودية، منها سلسلة من الصور بالباستيل لخمسة أجيال لحاخامات اللوبافيتش. ويُعتبَر أبرامز من أهم فناني جنوب أفريقيا ومثَّلها في العديد من المعارض الدولية. 

ر. ب. كيتاج (1932-1995)
R.B. Kitaj 

فنان أمريكي تربطه علاقة ما باليهودية يصعب تعريفها، وُلد في كليفلاند أوهايو، ودرس في معاهد الفنون في الولايات المتحدة والنمسا وإنجلترا. وعاش في إنجلترا معظم حياته. ويُعتبَر كيتاج من رواد فن البوب (بالإنجليزية: بوب آرت pop art) وإن كان لم يقبل قط مثل هذا التصنيف، لأن مصادره الفنية متنوعة ومتعدِّدة من ضمنها التيارات الفنية المختلفة في العصر الحديث والفن الإيطالي في عصر النهضة وأعمال أدبية مثل شعر ت. س. إليوت أو عزرا باوند. لم ينشأ كيتاج كيهودي، ولا تذكر الموسوعات اليهودية شيئاً عن الانتماء الديني لأمه وأبيه أو عن خلفيتهما الإثنية، ولكنها تذكر أن زوج أمه كان يهودياً! كما تذكر بعض هذه الموسوعات أن كيتاج اكتشف ما يُسمَّى «الهوية اليهودية» بعد أن تجاوز الخمسين من عمره، فرسم مجموعة من اللوحات ذات المضمون اليهودي مثل « اليهودي... إلخ » (1976) وهي صورة لرجل في قطار يتجه إلى المنفى. وفي لوحته « إن لم يكن، If not, not » (1975 ـ 1976)، صوَّر بوابات أوشفيتس من خلال قصيدة الأرض الخراب لإليوت. 

وفي لوحة «سيسيل كورت، لندن (المهاجرون) » (1983 ـ 1984)، يصوِّر الفنان نفسه في شارع ضيق مليء بمحلات بيع الكتب التي كان يديرها في وقت من الأوقات بعض المهاجرين من يهود اليديشية، ومنهم زوج أمه، جو سنجر، الذي تحوَّل في رسومات كيتاج إلى رمز اليهودي. ويظهر في خلفية اللوحة ضحايا لا أسماء لهم يسبحون في يأس نحو شواطئ أكثر أمناً. تزايد انشغال كيتاج بشخصية اليهودي في الثمانينيات، بخاصة في مجموعة من اللوحات الخاصة بآلام اليهود (بالإنجليزية: باشون Passion) وكلمة «باشون» في الإنجليزية عادةً ما تُستخدَم للإشارة لآلام المسيح. فكأن اليهود ضحايا المحرقة في منزلة المسيح المصلوب، وتحل مداخن أفران الغاز محل الصليب. 

رسم كيتاج لوحة بعنوان « المدرسة اليهودية (رسم الجوليم) » (1980) معارضاً بها لوحة أخرى بهذا العنوان رسمها فنان ألماني يُدعَى ج. إي. أوبيتس. وكان أوبيتس قد رسم لوحته ليُبيِّن الفوضى الضاربة أطنابها في المدرسة اليهودية وفشل الحاخام في أن يفرض أي نوع من أنواع النظام على طلبته. والصورة كانت تحاول أن تثبت للعنصر الآري الراقي مدى تخلُّف العنصر اليهودي السامي (يهود اليديشية) الذي يعيش وسط المجتمع الألماني. يأخذ كيتاج موضوع هذه اللوحة ويعطيه مضموناً مختلفاً تماماً. فمركز اللوحة هو زجاجة حبر تَقطُر دماً رمز تهمة الدم، ولذا، فالحاخام يشعر أنه يصطدم بحائط من الطوب، وفي وسط اللوحة يُوجَد طفل آخر يرمز لما يسميه كيتاج «التقاليد الثقافية اليهودية» التي ستستمر وتبقى رغم كل المصاعب. 

أما الطفل الثالث، فيود أن ينعتق كفنان، فيرسم الجوليم على السبورة، وتبدأ الحياة تدب في الجوليم بالفعل، ولكن الصورة تتوقف عند هذه النقطة. ورغم أن الموضوع يهودي بالمعنى الأمريكي الإثني، إلا أن لغته الفنية أمريكية حداثية تماماً. فاللوحة تتكوَّن من ألوان مُسطَّحة. كما أنها تضطر الرائي إلى أن يصبح جزءاً منها لا أن ينظر إليها. ورغم أن هناك خطة عامة وراء التفاصيل، إلا أن الإحساس العام الذي تنقله هو إحساس بالفوضى يُعبِّر عن إحساس الإنسان الغربي بفوضى العالم الغربي الحديث. فالصورة تستخدم لغة فنية غير يهودية، وهذا ما أدركه كيتاج تماماً في تعليقه على هذه الصورة، إذ يقول: « في سنوات تكشفي [للفن] وقبل أن أرسم هذه الصورة، لم يطرأ على بالي أن أحاول أن أُبرهن على وجود شيء يُسمَّى «الفن اليهودي»... 

لم يكن هناك قط تقاليد للفن اليهودي بشكل واضح محدَّد كما هو الحال مع الفن الإسلامي أو الياباني أو المصري، ومن ثم فإن يهودية لوحة مثل هذه لابد أن تعتمد على اهتمامات دياسبورية يهودية حاولت أن أضفيها عليها بغير حساب » (يستخدم كيتاج فعل «لافيش أبون lavish upon» والذي يعني «ينفق بغير حساب» أو «يبذر». ومهما كانت الترجمة، فالفعل يعني أن ثمة إضافة لأبعاد لم تكن موجودة في الشيء أصلاً وليست جزءاً من بنيته. فكأن الاهتمامات الدياسبورية هي شيء يضاف إلى الموضوع حتى يصبح يهودياً. فاستخدام الكلمة يعني أن ثمة إضافة يهودية برانية لعمل فني له لغته الخاصة. وكلمة «دياسبورا» عند كيتاج ذات معنى خاص للغاية. فقد نشر عام 1987 ما سماه «المانفيستو الدياسبوري الأول» حيث عبَّر عن رغبته في أن نربط بين تجاربنا الخاصة بالدياسبورا في الماضي وفهمنا المعاصر لها من خـلال صور ذات مغزى عـالمي يمكنها أن تتحـدث لكـثير من الناس. وكلمة «دياسبورا» هنا كلمة عامة للغاية تعني «اغتراب» أو «غربة»، أي أنها تعبير عن الرؤية الحداثية للكون). 

ثم يُبيِّن كيتاج أن تَوجُّهه البروميثي النيتشوي لا علاقة له بأي دين حينما يقول: « وقد فكرت في أن أرسم لوحة تُعبِّر عن مفهوم مارتن بوبر عن خسوف الإله... لم أحاول من قبل أن أرسم الإله، ولذا بدأت أنظر إلى وليام بليك والفنانين الإيطاليين الأوائل ». وغني عن القول أن حكاية رسم الإله هذه تقف على الطرف النقيض من المعايير الدينية اليهودية، حيث تُحذِّر الوصية الأولى من الوصايا العشر من تصوير الإله! 

فـــن العمارة عـند أعــضاء الجــماعات اليهوديـــة 
Architecture of Members of Jewish Communities 

لا يمكن الحديث عن «فن العمارة اليهودي»، تماماً مثلما لا يمكن الحديث عن «الفن اليهودي» أو «التاريخ اليهودي». فالعبرانيون القدامى كانوا، في بداية الأمر، قوماً رحلاً، لا يعرفون فن العمارة أساساً. وبعد استقرارهم في كنعان تبنوا الخطاب الفني السائد في محيطهم الحضاري. ولذا نجد أن هيكل سليمان لا يختلف كثيراً عن الهياكل الكنعانية الأخرى (وكلمة «هيكل» نفسها من أصل كنعاني). 

ومع انتشار أعضاء الجماعات اليهودية في العالم زاد عدم التجانس بينهم، ومن ثم تعددت الطرز المعمارية التي تبنوها من محيطاتهم الحضارية المختلفة. فمنازل الفلاشاه لا تختلف عن الأكواخ الأفريقية المماثلة في المنطقة التي يعيشون فيها. وقصور أثرياء اليهود من أصحاب مزارع العبيد في الجنوب الأمريكي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر لا تختلف عن قصور أقرانهم من غير اليهود، بكل ما تحتويه من أبهة ومظاهر الترف. وقد صُممت هذه القصور بطريقة تسمح لصاحب المزرعة بالإشراف عليها وعلى عبيده. ونفس الشيء ينطبق على أثرياء وفقراء أعضاء الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة في الوقت الحاضر. ولا تختلف معابد أعضاء الجماعات اليهودية عن منازلهم. ولعل من أهم الطرز المعمارية طراز المعبد/القلعة في أوكرانيا الذي كان يتفق تماماً مع وضع الجماعة اليهودية كجماعة تجارية استيطانية شبه قتالية. (انظر: «المعبد اليهودي» - «المعبد/القلعة»).


الباب الثالث: الفنون التشكيلية والجماعات اليهودية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الباب الثالث: الفنون التشكيلية والجماعات اليهودية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الباب التاسع: الاشتراكية والجماعات اليهودية
» الباب السادس: الرأسمالية والجماعات اليهودية
» الباب الخامس: الموسيقى والرقص والجماعات اليهودية
» الباب الثالث: اليهودية والمسيحية
» الباب الثالث: إشـكالية الهوية اليهودية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــــافـــــــــــة والإعـــــــــــلام :: موســـــوعة اليهــــــود-
انتقل الى: