منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 الفصل السابع: الصراع بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام محمد عارف

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

الفصل السابع: الصراع بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام محمد عارف  Empty
مُساهمةموضوع: الفصل السابع: الصراع بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام محمد عارف    الفصل السابع: الصراع بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام محمد عارف  Emptyالأحد 02 ديسمبر 2012, 12:06 am

الفصل السابع: الصراع بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام محمد عارف

كان لابد أن يحدث الصراع بين الرجلين إن عاجلاً أو آجلاً؛ بسبب الاختلاف الحاد في شخصيتيهما، وسعى كلً منهما إلى الفوز بالسلطة.

كان عبد الكريم قاسم من أسرة فقيرة من الريف، تأثر بالأفكار والآراء السياسية التي تؤكد على الوحدة الوطنية، والتعاون بين الأكراد والعرب، كما تأثر بالتغييرات التي قام بها كمال أتاتورك في تركيا، وحاول أن يطبق هذه الأفكار والأعمال في العراق عندما تسلم السلطة في 14 يوليه 1958.

وقد ادعى البعض أن عبد الكريم قاسم كان شيوعياًّ، وزعم البعض أنه كان له علاقات حميمة مع الإنجليز.

ويقول المقدم الركن جاسم العزاوي: "إن قاسماً عندما كان يجتمع بالسفير البريطاني في مقره بوزارة الدفاع كان يطلب أن يغادر الجميع الغرفة، ويظل بمفرده مع السفير البريطاني" [15].

ويؤكد كذلك: "أن عبد الكريم قاسم، لم يكن له انتماء سياسي معين، وإنما كان يحكم وفق مبادئه الخاصة [16]، وكان عبد الكريم قاسم في غروره ما يبعث على الضحك، مثلاً، كنا في الطريق إلى افتتاح مؤتمر المحامين العرب في بغداد، وفتح السائق جهاز الراديو وإذا بالمذيع يعلن وقوع انقلاب في تركيا، ولم نكد نصل إلى مكان المؤتمر ويتبين قاسم الخبر، إلاّ ونجده يعلن تأييد العراق للانقلاب، الذي وقع في تركيا.

هكذا بلا تفكير أو معلومات.

لقد ظل عبدالكريم قاسم طيلة سنوات حكمه يوصف بكونه (زعيم ملهم) من قبل اتباعه ومريديه، ويبررون ذلك بأن هناك عوامل عززت من هذا الرأي، على سبيل المثال:

أنه استطاع كسب ثقة الجماهير عن طريق ما قدمه من إنجازات في المجالات كافة.

أنه استطاع استقطاب ولاء الجماعات المختلفة في المجتمع العراقي عن طريق تصريحاته الدائمة بأنه فوق الاتجاهات والميول، وأنه من حزب الحق والعدالة.

استخدامه لوسائل متعددة للحفاظ على زعامته، ومنها:

أ. تصفية خصومه (عبدالسلام محمد عارف - رشيد عالي الكيلاني - الشواف - الطبقجلي).

ب. وسائل الدعاية التي كالت له الأسماء والألقاب جزافًا، إذ بلغت حوالي خمسة وخمسين اسمًا ولقبًا [17].

ضعف المؤسسات السياسية في العراق التي أخذت تصفه بأنه الملهم.

لا يوجد من يقيد عبد الكريم قاسم مثل مجلس قيادة الثورة أو مؤسسات أخرى، وإنما كان هو الحاكم والناهي في كل الأمور، ومن ثم تحول إلى ديكتاتور عنيد، لا يقبل أي نقد بناء يوجه إلى سياسته، ويعدُّه خيانة وطنية.

كما كان عبد الكريم قاسم لا يميل إلى فكرة الوحدة العربية، فقد كانت له نزعة واضحة ضد القومية العربية، ولا يطيق سماع كلمة العروبة.

أما عبدالسلام محمد عارف فقد نشأ في محيط اجتماعي ضيق تسوده نزعة طائفية، وطموح لا حدود له، خلق له مصاعب كثيرة، منذ الأيام الأولى للثورة، فهو يحقد على جميع من تخاصم معه.

وكان يثير الخصومات الكثيرة، ولا يتجنبها.

حاول أن يكون أكثر شهرة من عبدالكريم قاسم بالإكثار من زيارة المواقع العسكرية، والمحافظات، والخطابة في الضباط والجنود، والجماهير الشعبية، والادعاء بأنه هو مفجر الثورة، ولا أحد سواه، وكان هذا الموقف يغضب عبدالكريم قاسم، إلاّ أنه كان يغض النظر في أول الأمر، ويرسم الخطط للفتك به [18].

وبسبب صفات عبدالسلام محمد عارف سالفة الذكر، نفر منه كثير من الضباط الأحرار، على الرغم من أن هؤلاء الضباط هم أقرب إليه من حيث ميوله القومية والإسلامية من عبد الكريم قاسم، كان الضباط الأحرار أعضاء اللجنة العليا ينتقدون أسلوب تصرفاته وخطبه المرتجلة البعيدة عن الموضوعية".


كانت أفكار عبد السلام محمد عارف غير واضحة، وكان يؤمن بالعروبة والإسلام، ويذكر أغلب الأشخاص المرافقين له، أنه كان لا يفهم من المبادئ والأفكار السياسية سوى مصلحته الشخصية، وطموحه الجموح، وليست لديه أية عقيدة، فهو شخص يغدر بأخيه، وبولده، وبكل شيء من أجل أن يبرز.

ويقول عنه على صالح السعدي أمين سر القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في العراق: "إن عبد السلام محمد عارف كان طموحاً كبيراً، شخص يعيش في تناقض يومي بين ادعاءاته وبين سلوكه، وليست لديه أية عقيدة إطلاقاً".
يقول مصطفى علي، وزير العدل في عهد عبد الكريم قاسم: "إن عبد الكريم قاسم جاء بثورة عظيمة، ولكن جاء بفنائها معها، جاء بعبد السلام محمد عارف" [19].

كان عبد السلام محمد عارف كثير المعارضة داخل مجلس الوزراء، وكانت معارضته كما يذكر أغلب الوزراء لمجرد المعارضة، دون حجج معقولة.

فقد حدث على سبيل المثال، أثناء مناقشة قانون الإصلاح الزراعي داخل مجلس الوزراء أن عارض عبد السلام محمد عارف جعل الحد الأعلى للملكية الزراعية ألف دونم للسقي، وألف دونم للمطري، واقترح بأن يكون الحد الأعلى خمسين دونماً للسقي، ومائة دونم للمطري، وكان عبد السلام محمد عارف المعارض الوحيد للقانون المذكور، كما أن الدراسة العلمية والموضوعية لجعل الحد الأعلى خمسين دونماً للسقي، ومائة دونم للمطري لم تكن تتفق مع واقع الملكية الزراعية في العراق، ومع أفكار ومبادئ الثورة في بداية مسيرتها.

وهكذا ما أن نجحت الثورة حتى بدأ الخلاف يدب بين قائديها، منذ اليوم الأول للثورة، على الرغم من صداقتهما القديمة، وعلاقتهما الوثيقة، وكان سبب الخلاف هو طموح كل من قاسم وعارف نحو السلطة، ومحاولة إيجاد المبررات لإزاحة كل منهما الآخر.

وقد حدث الخلاف الأول:

حول تصفية العائلة المالكة، بالشكل الذي تمت به، إذ كان عبد الكريم قاسم غير مقتنع بقتلهم جميعاً، وأخذ عبد الكريم قاسم يلقي اللوم على عبد السلام محمد عارف لكونه هو الذي أمر بتصفيتهم جميعاً.

أما الخلاف الثاني:

فكان بسبب إجراء التعيينات للمراكز المهمة بعد الثورة.

واشتد الخلاف بينهما، عقب زيارة عبد السلام محمد عارف لدمشق في 19 يوليه 1958، واجتماعه بالرئيس جمال عبد الناصر، إذ عرض عبد السلام محمد عارف موضوع الوحدة الفورية العاجلة، بين العراق والجمهورية العربية المتحدة، ولكن جمال عبد الناصر نصحه بالتريث، وبتدعيم الثورة الجديدة أولاً، فضلاً، عن أن خطابه في دمشق قد أثار عبد الكريم قاسم لعدم ورود اسمه في الثورة داخل الخطاب، واقتصاره على جهوده الشخصية فيها (أي لعبد السلام محمد عارف)، وكيفية سيطرته على بغداد، ومن ثم نجاح الثورة.

وقد نقل بعض الضباط الأعضاء في الوفد، من أنصار عبد الكريم قاسم، ما قام به عبد السلام محمد عارف في دمشق من اجتماعات، وخطب، وتصريحات، فأيقن عبد الكريم قاسم بأن عبد السلام محمد عارف هو الخطر الأكبر عليه، وأخذ يحاول إبعاد الضباط الأحرار ليعزله عنهم حتى يسهل التخلص منه.

وانقطعت الجسور بين الطرفين؛ بعد أن علم عبد الكريم قاسم بأن عبد السلام محمد عارف قد أرسل برقية إلى السفارة المصرية ببغداد، يعلمها بأنه سيسافر إلى القاهرة على رأس عدد من الضباط، وفي وقت مناسب، لغرض إعلان الوحدة، حتى ولو اضطر إلى تنحية عبد الكريم قاسم عن الحكم إذا ما عارض ذلك.


وقد حاول عبد الكريم قاسم استغلال ذلك، فعرض نص البرقية المكتوبة بالآلة الكاتبة، المؤرخة في 18 (تموز) يوليه 1958، على كل من وزير الإرشاد محمد صديق شنشل، وعلى قادة الفرق من الضباط الأحرار لإثارتهم، ضد كل من عبد السلام محمد عارف وجمال عبد الناصر، ويبدو أن عبد الكريم قاسم قد غيَّرَ تاريخ البرقية إلى تاريخ لاحق، بعد استفحال الخلاف بينهما للأسباب التالية:

إن تاريخ البرقية كان في الوقت نفسه، الذي تقرر فيه سفر الوفد العراقي، برئاسة عبد السلام محمد عارف إلى دمشق، للاجتماع بالرئيس جمال عبد الناصر.

ومن ثم فليس هناك ما يدعو إلى إرسال مثل هذه البرقية، وهو على وشك السفر والاجتماع بالرئيس جمال عبد الناصر.

إن عبد السلام محمد عارف لا يؤمن بالوحدة الفورية حقيقة، بل استخدم شعار الوحدة لإزاحة عبد الكريم قاسم عن الحكم، وليس من المعقول أن يرسل مثل هذه البرقية التي تؤكد على الوحدة الفورية والعاجلة [20].

والواقع أن اندفاع عبدالسلام محمد عارف وراء تيار الوحدة ظاهريا أدى إلى ابتعاد معظم الضباط الأحرار، الذين شاركوا في تنفيذ الثورة عنه.

ويبدو أنهم نجحوا، أيضاً، في إقناع عبد الكريم قاسم بأن عبد السلام محمد عارف يشكل خطراً عليه.

ومن ناحية أخرى دخل عبد السلام محمد عارف في صراع مع العناصر اليسارية من الضباط والمدنيين، وقد ترتب على جولاته في المحافظات والخطب الكثيرة الارتجالية، احتدام الصراع بين القوى والأحزاب السياسية، وعلى الأخص الانشقاق الذي حدث بين القوميين، الذين كانوا يسيرون وراء شعار الوحدة والعناصر الأخرى، بما فيهم الديموقراطيون والشيوعيون، الذين كانوا يرفعون شعار "الاتحاد الفيدرالي".

لقد كانت خطب عبدالسلام محمد عارف هي الفتيل، الذي أشعل التمزق بين هذه القوى، التي مع افتقارها إلى الوضوح الفكري والأيديولوجي، إلاّ أنها أثارت نقمة الضباط الأحرار وخاصة عبد الكريم قاسم، ومن ناحية أخرى فقد برر عبد السلام محمد عارف عدم ذكره اسم عبد الكريم قاسم في خطبه بقوله: "إن الثورة ليست ثورة عبد الكريم قاسم، وإنما ثورة الشعب".

ومن ثم، بدأ عبد الكريم قاسم وضباطه يخططون للتخلص من عبد السلام محمد عارف، وإزاحة الموالين له، وبالفعل تمت أزاحته عن منصب نائب القائد العام للقوات المسلحة في 11 سبتمبر 1958، ثم استطاع عبد الكريم قاسم تجريد عبد السلام محمد عارف من جميع مناصبه في 30 سبتمبر 1958.

وفي النهاية أُحيل إلى المحكمة العسكرية العليا الخاصة في 9 ديسمبر 1958؛ ليحاكم وفق المادة (80) من قانون العقوبات العراقي.

حيث نسبت إليه التهم التالية:

- عدم ذكر اسم عبد الكريم قاسم أثناء خطاباته في المحافظات عقب الثورة.

- انحيازه إلى الفئات القومية، ودعوته للوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة.

- الإعداد لانقلاب ضد عبد الكريم قاسم.

- محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم.

وفي 5 فبراير1959 صدر الحكم على عبد السلام محمد عارف بالإعدام شنقاً حتى الموت، وبطرده من القوات المسلحة، ولكنه بقي في السجن حتى سبتمبر1961، حيث تم إطلاق سراحه، وبذلك انتهت المرحلة الأولى من دور عبد السلام محمد عارف في حكم العراق، وحتى قيام الثورة في 8 فبراير 1963، والتي أطاحت بعبد الكريم قاسم.


8. حركة الموصل (8 مارس 1959):


منذ قيام ثورة يوليه 1958، أخذ العقيد عبد الوهاب الشواف يفكر في التمرد والإطاحة بكل من عبدالكريم قاسم وعبدالسلام محمد عارف؛ فشرع في الاتصال بالضباط الأحرار، الذين كانوا ناقمين لعدم إخبارهم بموعد الحركة، ولعدم تشكيل مجلس قيادة الثورة، فضلاً، عن اعتقاد الشواف بأنه أولى منهما بالحكم، وزاد من نقمته كذلك تعيينه حاكماً عسكرياًّ عاماًّ، ثم إقالته وتعيينه آمراً لحامية الموصل.

وعندما اشتد الصراع بين عبدالكريم قاسم وعبدالسلام محمد عارف، وبين القوى المؤيدة لكل منهما، وحُسم الأمر، وبدا أن عبد الكريم قاسم أخذ ينفرد بالسلطة، أخذ الكثير من الضباط، وعلى رأسهم الضباط، الأحرار يتكتلون للقيام بحركة ضد السلطة القائمة.

وضمت هذه الحركة العديد من الضباط، منهم الزعيم الركن ناظم الطبقجلي، والعقيد الركن عبد الوهاب الشواف.

واستقر رأي هؤلاء على أن يعلن ناظم الطبقجلي العصيان والتمرد في المنطقة الشمالية، ويسانده عبد الوهاب الشواف في الموصل، ثم تتحرك العناصر العسكرية المؤيدة للحركة إلى بغداد، وتستولي على معسكر الوشاش، ومعسكر الهندسة في الرستمية، وحامية وزارة الدفاع، ثم تقوم عناصر الحركة باعتقال عبد الكريم قاسم، وأنصاره، ومطالبته بتقديم استقالته ثم مغادرة العراق؛ فإذا رفض يُقضى عليه في الحال.

كما يتم في الوقت نفسه الاستيلاء على محطتي الإرسال والإذاعة.

وقد أجرى الضباط الأحرار اتصالات مع زعماء الأحزاب القومية من أجل أن تقوم بمظاهرات للسيطرة على الشارع.

ووافق على خطة الحركة رئيس مجلس السيادة الفريق الركن محمد نجيب الربيعي، دون أن يطَّلع على تفاصيلها.

وأُعلن البيان الأول للحركة، وأُذيع من محطة الإذاعة من معسكر الغزلاني بالموصل، وقد كتب محمود الدرة هذا البيان في مساء يوم 7 مارس 1959، أي قبل إعلان الثورة بساعات، ووقع البيان العقيد الشواف بصفته قائداً للثورة.

ومن الواضح أن قيام الحركة في الموصل لم يكن سوى بدء الإشارة للقيام بحركة، على نطاق واسع، تتركز في بغداد، وتعم جميع أنحاء القطر.

أما سبب اختيار الموصل منطلقاً للحركة، فلأن أغلب الضباط فيها كانوا من ذوي الميول القومية، فضلاً، عن تأييد سكان المنطقة لهم، ولبعدها عن العاصمة.

إضافة إلى ذلك فإن مساندة الفرقة الثانية في كركوك، التي يقودها ناظم الطبقجلي، وهي من الفرق ذات الأهمية البالغة من ناحية قوتها الضاربة بالنسبة إلى فرق الجيش الأخرى، يوفر للحركة قوة لها تأثيرها على القطاعات الأخرى، وعلى زعزعة السلطة ببغداد.

غير أن تقاعس ناظم الطبقجلي عن مساندة الحركة، في الموصل، جعل القطاعات في بغداد، وفي جهات أخرى، تتردد هي الأخرى، الأمر الذي أدى إلى انعزال حركة الموصل، وتوافر فرصة اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة، من قبل عبد الكريم قاسم، للانقضاض على الضباط الموالين للحركة واعتقالهم، ثم سحق الحركة في الموصل عسكرياًّ، وفرار قسم كبير من الضباط إلى سورية.

وعلى الرغم من فشل هذه الحركة إلا أنها أدت إلى ضعف موقف الحكومة؛ بسبب عدم ولاء الجيش لها، وانقسامه إلى اتجاهات متعارضة، ومن ثم تدبير الخطط للقضاء على النظام القائم.

وعلى أثر فشل هذه الحركة، جرت عدة اعتقالات شملت جميع العناصر القومية، سواء داخل صفوف القوات المسلحة أو خارجها.

ومثل أمام المحكمة العسكرية العليا الخاصة، بتهمة الاشتراك في حركة الموصل، خمسة وسبعون متهماً من ضباط الجيش، ومن المدنيين، وصدرت الأحكام بإعدام تسعة وعشرين من الضباط والمدنيين.

ونُفذت أحكام الإعدام على عدة مراحل.

9. الصراع بين الأحزاب السياسية فترة حكم عبدالكريم قاسم:


أ. انهيار جبهة الاتحاد الوطني:


استطاعت جبهة الاتحاد الوطني -التي سبق أن تألفت عام 1957 من كل من حزب البعث الاشتراكي، والحزب الشيوعي العراقي، والوطني الديموقراطي، والاستقلال، وعناصر وطنية أخرى مستقلة- أن تحافظ على وحدة صفوفها خلال الأشهر الخمسة الأولى من الثورة، غير أن الخلافات استفحلت داخلها، عندما اشتد الصراع بين عبدالكريم قاسم وعبدالسلام محمد عارف.

وكان في مقدمة هذه الخلافات وأخطرها موضوع "الوحدة".

فتزعم عبدالسلام محمد عارف الاتجاه الذي يدعو إلى الوحدة الكاملة مع الجمهورية العربية المتحدة، ويسانده في ذلك حزب البعث الاشتراكي، وحزب الاستقلال، والعناصر القومية الأخرى، في حين ذهب اتجاه آخر، تزعمه عبدالكريم قاسم، إلى تحقيق الاتحاد الفيدرالي وسانده في ذلك الحزب الشيوعي، والحزب الوطني الديموقراطي، إضافة إلى عناصر أخرى.

وقد وضع الحزب الشيوعي العراقي، منذ البداية، ثقله السياسي إلى جانب عبدالكريم قاسم، وعليه فإن انحياز عبدالكريم قاسم إلى الحزب الشيوعي والتفاف بعض أعضاء لجنته المركزية حوله على نحو آخر، اقتضته ظروف الصراع مع التيار، الذي كان يتزعمه عبدالسلام محمد عارف.

أما حزب البعث العربي الاشتراكي، والقوى القومية الأخرى فقد وضعت ثقلها إلى جانب عبدالسلام محمد عارف، بهدف تحقيق الوحدة، قبل تحقيق أي هدف آخر.

ومع أن الحزب الشيوعي وحزب البعث العربي الاشتراكي سعيا، كل واحد من جانبه، إلى السيطرة على الشارع، وتوجيه الثورة من خلاله حيناً، ومن خلال العسكريين حيناً آخر؛ فقد اقتصر حزب الاستقلال، والحزب الوطني الديموقراطي على تركيز جهودهما في داخل مجلس الوزراء، من أجل تحقيق بعض المكاسب الحزبية لهما.

غير أن الخلافات أخذت تتعمق، فأصدر المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي بياناً في 3 سبتمبر 1958، بعنوان "حول الاتحاد مع الجمهورية العربية المتحدة واليمن".

وقد كان هذا البيان بمثابة الفتيل الذي أشعل نار الصراع بين أحزاب الجبهة؛ لأن الحزب الشيوعي أدان في هذا البيان الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة ودعاتها.

وهكذا أخذت الأحزاب السياسية، داخل الجبهة، تعمل بصورة منفردة لعقد الاتفاقات الحزبية، فسعت الأحزاب القومية إلى تشكيل "الاتحاد القومي، مستبعدة الحزب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديموقراطي، كما وقَّع الحزب الشيوعي ميثاقاً للتعاون مع الحزب الديمقراطي الكردستاني في 10 نوفمبر 1958، ينص على الاعتراف المبدئي بحقوق الشعب الكردي بما في ذلك حقه في تقرير مصيره بنفسه، مع العمل على صيانة الجمهورية، وتعزيز اتجاهها الوطني والديمقراطي بجميع الوسائل.

تطورت الأحداث فيما بعد لصالح الحزب الشيوعي العراقي، فاعتقل عبد السلام محمد عارف، وأحيل إلى المحكمة العسكرية الخاصة.

وكان ذلك ضربة قوية لدعاة القومية العربية، ويُعدّ انتصاراً للأفكار الإقليمية التي يتزعمها عبدالكريم قاسم والحزب الشيوعي وفي إثر ذلك قدم كل من الزعيم ناجي طالب، وزير الشؤون الاجتماعية، والدكتور عبدالجبار الجومرد، وزير الخارجية، وبابا علي الشيخ محمود، وزير المواصلات والأشغال والدكتور محمد صالح محمود، وزير الصحة استقالاتهم بتاريخ 5 فبراير 1959.

ثم أعقب ذلك استقالة محمد صديق شنشل، وزير الإرشاد، وفؤاد الركابي، وزير الدولة في اليوم التالي.

وفي الوقت نفسه قدم الشيخ محمد مهدي كبة استقالته من مجلس السيادة.

ثم تألفت وزارة جديدة في 7 فبراير 1959.

كان أغلب وزرائها، إما أعضاء في الحزب الوطني الديموقراطي، أو مؤيدين لأفكاره وزعمائه [21].


كانت استقالة الوزراء الحزبيين، وخاصة القوميين منهم، فرصة جديدة استغلها عبد الكريم قاسم لملء الشواغر بوزراء جدد يغلب على أكثريتهم الطابع "البعيد عن الحزبية"؛ وذلك لتحقيق مخططه في تصفية جميع القوى السياسية لفرض ديكتاتوريته العسكرية.

وتضمنت خطته شقين:


الأول:

تنفيذ مخطط التصفية على مراحل، معتمداً في كل مرحلة من مراحلها على مساندة سائر القوى الباقية غير المصفاة، إيهاماً لها باستناد حكمه إليها، واعتماده الكامل عليها.

الثاني:

إلقاء ستار من الدخان الكثيف لستر الهدف النهائي للمخطط، وإثارة حملة من التضليل على الصعيدين تبنيه على الصعيد الدولي سياسة تحررية، في الظاهر، تقوم على التضامن مع القوى الاشتراكية، وقوى السلم في العالم.

والواقع أن عبد الكريم قاسم كان يمهد لإلغاء الحياة الحزبية في البلاد -أو على الأقل- إضعافها، والحد من نشاطها، ولذلك طلب من الأحزاب أن تجمد نشاطها السياسي.

الأمر الذي أثار ردود فعل عنيفة لدى الأحزاب، وعلى الأخص الحزب الشيوعي، الذي اعتبر هذا التجميد بمثابة ضربة للحياة الحزبية في البلاد، وهاجم هذا التجميد في صدر صحيفته (اتحاد الشعب).

وبذلك انتهت الجبهة الوطنية، وفشلت جميع المحاولات لإعادة إقامتها، وكان آخر هذه المحاولات في نوفمبر 1962.

ب. تناحر الأحزاب السياسية:


مواقف الحزب الشيوعي:

استطاع الحزب الشيوعي، نتيجة تمرسه في النضال السري لسنوات طويلة، أن ينطلق في أعقاب الثورة فيهيمن على المقاومة الشعبية، ولجان صيانة الجمهورية هيمنة تامة، كما هيمن، أيضاً، على المنظمات الشعبية كاتحاد الشبيبة، واتحاد نقابات العمال، وغيرها.

وفي صراعه مع القوى السياسية الأخرى، لعبت المقاومة الشعبية دوراً أساسياً في محاربة خصوم الحزب، وعلى الأخص القوميين منهم، بعد فشل حركة الموصل في مارس1959.

والتف الحزب الشيوعي، حول عبدالكريم قاسم، وأمكن له أن يتمتع بوسائل إعلام مؤثرة، واستطاع أن يصدر صحيفة (اتحاد الشعب) في 25 نوفمبر 1959.

وكان أعضاؤه يزورون قاسم في مكتبه بوزارة الدفاع، بناء على بطاقات زيارة دائمة، وفي جميع الأوقات.

وخلال الاحتفالات بعيد الثورة جرت مصادمات دموية في المسيب والديوانية والحي، وغيرها في وسط وجنوب العراق، ذهب ضحيتها عدد كبير من الأفراد من كلا الطرفين.
كما حدثت اضطرابات دامية كذلك في كركوك اتخذت أبعاداً أوسع مما تقدم، وذهب ضحيتها 79 قتيلاً، أو أكثر من ذلك.


وقد أثارت هذه الأحداث عبدالكريم قاسم، وألقى كلمة يوم 19يوليه 1959، هاجم فيها أعمال العنف التي ارتكبت في كركوك، ومدن أخرى [22]، وأشار فيها بشكل غير مباشر إلى أن الشيوعيين هم الذين قاموا بها، واتهمهم بالفاشستية.

وفي أعقاب ذلك، بدأت السلطة في مطاردة الشيوعيين، واعتقالهم، ومنعت صحيفة (اتحاد الشعب)، من التداول في الألوية الجنوبية.

مواقف الحزب الوطني الديموقراطي:

كانت مسؤولية الحزب الوطني الديموقراطي في الحكم بعد قيام الثورة أكبر من مسئولية أي حزب آخر من جبهة الاتحاد الوطني، إذ شارك في الوزارة الأولى اثنان من أعضائه.

وعندما طرح شعار الوحدة أو الاتحاد مع الجمهورية العربية المتحدة، على الصعيد الشعبي، تبنى الحزب الوطني الديموقراطي شعار الاتحاد الفيدرالي، كأساس لأية وحدة مع الجمهورية العربية المتحدة.

كما سافر كامل الجادرجي رئيس الحزب إلى القاهرة، في نهاية شهر سبتمبر 1958، لمقابلة الرئيس جمال عبد الناصر، وتحادث معه حول موضوع الوحدة والاتحاد، وطلب منه أن يوقف دعمه لدعاة الوحدة "أي وحدة اندماجية"، ويقبل فكرة الاتحاد "الاتحاد الفيدرالي"؛ لأن الخلاف على الوحدة والاتحاد في العراق سيؤدي إلى نتائج وخيمة، ويجعل الاتحاد نفسه متعذرًا.

وكان جواب الرئيس جمال عبد الناصر على ذلك أن الأمر متروك للعراقيين وحدهم، فهم الذين يقررون الوحدة أو الاتحاد، واستمر الحزب الوطني الديموقراطي في نشاطه السياسي، على المستوى الحكومي والشعبي، حتى اصطدم بالحزب الشيوعي، متهماً إياه باستغلال نقابات العمال، والجمعيات الفلاحية، والمنظمات الديموقراطية الأساسية لأغراضه الخاصة، ولنشاط الحزب الضيق تحت شعار الجمهورية والديموقراطية.

وأدت هذه الخلافات إلى اصطدامات بين أعضاء الحزبين في كل من النعمانية وكربلاء والحي والشامية مما زاد في تصدع الصف الوطني.

وقد تذرع عبد الكريم قاسم بوقوع هذه الأحداث ليعلن، في عيد العمال، عن عدم رغبته أو تشجيعه للحياة الحزبية في المرحلة الانتقالية.

وحذر من توسع شقة الخلاف بين العناصر الوطنية؛ لأجل المكاسب الحزبية الضيقة، وقال: "إن ما يهمني خلال هذه الفترة الانتقالية، هو أن تتكتل كل هذه الفئات، وتكون قوة هائلة جبارة لا ينفذ إليها العدو".

ووعد بأن تكون الفترة الانتقالية التي يوقف فيها نشاط الأحزاب فترة قصيرة.

وعلى أثر ذلك، عقد الحزب الوطني الديموقراطي اجتماعين عامين حضرهما ممثلو منظمات الحزب ولجانه في 11 ، 13 مارس 1959، وتقرر تجميد نشاط الحزب السياسي أثناء فترة الانتقال.

وقد اتخذ الحزب هذا القرار، في غياب رئيسه كامل الجادرجي، الذي كان يعالج في الاتحاد السوفيتي.

وعند عودته إلى العراق هاجم القرار، واعتبره خطأ كبيراً.

وكان موقف اثنين من كبار قيادات الحزب هما: محمد حديد، وهديب الحاج محمود، أن القرار اتخذ استجابة لرغبة عبد الكريم قاسم.

غير أن الجادرجي قال بأن الحزب ليس ملكاً لعبد الكريم قاسم وإنما هو ملك الشعب، وطلب من أعضاء الحزب ومن مؤازريهم من الوزراء التخلي عن مناصبهم الوزارية، وتقديم استقالاتهم، إلاّ أن هؤلاء حافظوا على مناصبهم الوزارية، إلى أن أجيزت الأحزاب السياسية في يناير 1960، فاستقال هديب الحاج من وزارة الزراعة، وبقي محمد حديد في الوزارة حتى 23 أبريل 1960، ثم استقال منها ومن الحزب الوطني الديموقراطي على أثر خلاف بينه وبين الجادرجي.

واستمر نشاط الحزب الوطني فيما بعد حتى سبتمبر 1962 حين، أُعلن عن تجميد نشاطه.

حزب البعث الاشتراكي:

عندما اشتد الصراع على موضوع الوحدة، كان الحزب يدعم شعار "الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة".

وتأزم الوضع بين اتجاهين متناحرين، انحاز عبد الكريم قاسم إلى جانب تيار "الاتحاد الفيدرالي"، واستند في ذلك إلى الحزب الشيوعي، وبعض العناصر الإقليمية.

وبدا واضحاً للحزب أن النظام قد انحرف عن خطه القومي العربي، وابتعد عن أهداف الثورة التي أُقرت من قبل.

غير أن الحزب كان يُقدِّر الموقف بحذر، ويخشى أن يؤدي تمزق الجبهة إلى تعريض الثورة لمخاطر جسيمة، ومن ثم سعى إلى تجاوز هذه الخلافات بين الأطراف المختلفة، وأصدر بياناً بهذا الشأن.

ولكن الصراع اشتد؛ وعلى الأخص بعد سحق ثورة الشواف في الموصل، في (آذار) مارس 1959؛ فتحول الحزب إلى العمل الجاد للإطاحة بالنظام القائم.

وكانت الاتصالات قد بدأت منذ فبراير 1959، بين أعضاء الحزب للتخلص من عبد الكريم قاسم باغتياله، فعقدت القيادة القطرية لحزب البعث اجتماعاً لها، ووافقت بالإجماع على تنفيذ المهمة.

وبعد يومين تطوع فاضل الشقرة للقيام باغتيال عبد الكريم قاسم، وكانت خطة الاغتيال تقضي بأن يلقى على عبد الكريم قاسم حقيبة مليئة بالقنابل والمتفجرات، عند انتقاله من شارع الرشيد إلى ساحة التحرير، غير أن صبحي عبد الحميد، أحد أعضاء الحزب، لم يقر هذه الخطة؛ لأنها غير مضمونة، وطلب إعداد خطة أخرى بدلاً منها، ومع ذلك لم تعرض خطة جديدة؛ لأن الشواف فاجأ الجميع بحركته في الموصل، ولم يخبر الأحزاب والقوى القومية ببدء حركته.

وعادت فكرة اغتيال عبد الكريم قاسم، مرة أخرى، بعد فشل حركة الموصل، ووافق الحزب على الفكرة، وأجرى ممثلو الحزب اتصالات، مع عناصر قومية أخرى، من أجل تنفيذ العملية، ومن بينهم محمد صديق شنشل أمين حزب الاستقلال، الذي وافق على العملية، وأبدى استعداده لتقديم المعاونة المالية لتغطية جزء من تكاليفها.

واختير الأشخاص الذين سيقومون بالعملية، وهم: عبدالوهاب العزيري، صدام حسين، حاتم العزاوي، عبدالكريم الشيخلي، أحمد طه العزيز، سليم الزيبق وسمير عزيز نجم وميسر السامرائي وآخرون، وأمكن الحصول على الأسلحة اللازمة، وبدأ التدريب عليها.

وفي مساء السابع من أكتوبر 1959، خرج عبد الكريم قاسم من وزارة الدفاع، حوالي الساعة السادسة والنصف، متجهاً نحو الباب الشرقي لحضور الحفل الذي كانت تقيمه قنصلية ألمانيا الديموقراطية؛ بمناسبة عيدها الوطني.

وهبطت المجموعة المكلفة بالمهمة، بعد إعطائها الإشارة بتحرك عبد الكريم قاسم، إلى شارع الرشيد.

وعند وصول سيارة عبد الكريم قاسم إلى نقطة التنفيذ، أطلق عبد الوهاب العزيري النار على السيارة فقضى على السائق وأصاب المرافق.

وأطلق الآخرون نيرانهم على عبد الكريم قاسم فسقط هو الآخر في حوض السيارة.

ونتيجة للسرعة في تنفيذ العملية، وتعطل بعض الرشاشات التي كانت مع المجموعة، وانحدار سيارة عبد الكريم قاسم، بعد أن توقفت في أرض مرتفعة، سقط عبد الوهاب العزيري بعد إصابة أردته قتيلاً، كما أُصيب كلٍ من سمير عزيز النجم، وصدام حسين إصابة خفيفة، وتم نقلهما بسرعة، دون التأكد من مقتل عبد الكريم قاسم، على الرغم من أن اثنين من المجموعة كانا قد كُلفا بإطلاق الرصاص على رأسه، بعد سقوطه، للتأكد من موته بصورة نهائية.

وتمكن اللواء أحمد صالح العبدي الحاكم العسكري العام من السيطرة على الموقف، وحال دون قيام الضباط الأحرار بأي عمل مضاد.

وفي الساعة الثامنة والنصف من مساء اليوم، أذاع أحمد صالح العبدي بياناً، عبر محطات الإذاعة والتليفزيون، أعلن فيه أن محاولة جرت لاغتيال عبد الكريم قاسم، وقد أصيب بجروح طفيفة، وأن صحته على خير ما يرام.

وأحيل بعض الذين نفذوا عملية الاغتيال إلى المحكمة العسكرية الخاصة، التي باشرت محاكمتهم في 26 أكتوبر 1959، في حين استطاع البعض منهم الهرب إلى دمشق، ومنها إلى القاهرة وهم: فؤاد الركابي - صدام حسين - عبدالكريم السيخلي - حاتم حمدان العزاوي - مدحت إبراهيم جمعة.

وأصدرت المحكمة حكمها في 26 مارس 1960 بالإعدام ضد 17 فرداً منهم 11 هاربين، والأشغال الشاقة لستة أفراد، وبالسجن لمدد مختلفة على 27 فرداً، وتحت ضغط من الجماهير، ومن الضباط القوميين المحيطين بقاسم، وبعض الوزراء من القوميين، أصدر عبد الكريم قاسم في 31 مارس 1960، بياناً ألغى فيه أحكام الإعدام [23].

حـزب الاسـتقلال:

يُعد حزب الاستقلال من أكبر المشاركين في حكومة الثورة، ومثل الحزب في الوزارة الأولى محمد صديق شنشل، وزير الإرشاد، وعين فائق السامرائي نائب رئيس الحزب سفيراً للعراق في القاهرة [24].

ومنذ الأيام الأولى للثورة اصطدم محمد صديق شنشل، ممثل الحزب في الوزارة، مع عبد السلام محمد عارف لإصداره صحيفة باسمه، دون استشارة وزير الإرشاد.

ولم يكن لمجلس السيادة ولأعضائه دور يذكر في عملية إصدار القرارات، أو تحديد سياسة الدولة الداخلية أو الخارجية.

وعندما ثار الخلاف حول "الوحدة أو الاتحاد" مع الجمهورية العربية المتحدة، كان حزب الاستقلال من مؤيدي الوحدة، وجاء ذلك على لسان أمين عام الحزب محمد صديق شنشل لدى عبد الكريم قاسم، إذ قال: "إنني أؤيد الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة".

وكان ممثل حزب الاستقلال أحد الوزراء القوميين الستة، الذين قدموا استقالاتهم، إثر اتساع الخلاف بين القوميين واليساريين، ثم تبعهم الشيخ محمد مهدي كبة عضو مجلس السيادة.

وقد أيد حزب الاستقلال حركة الشواف في الموصل، وتعرض أعضاء الحزب للاعتقال والمطاردة، كما استقال نائب رئيس الحزب فائق السامرائي من منصبه، كسفير للعراق بالقاهرة، في 26 مارس 1959.

وعمل حزب الاستقلال من أجل إسقاط حكم عبد الكريم قاسم؛ فتعاون مع حزب البعث العربي الاشتراكي من أجل تحقيق هذا الهدف، كما سعى الحزب إلى قيام الجبهة القومية في عام 1961، مع حزب البعث وحركة القوميين العرب.

ولم يكن للحزب صحيفة سرية، أو علنية خلال سنوات الثورة، وظل بعيداً عن القاعدة الجماهيرية.

الرابطة القومية:

تأسست الرابطة القومية في شهر أغسطس 1958 من عناصر قومية، مثل عدنان الراوي، من أجل تحقيق التحرر والوحدة والاشتراكية، وكان شعارها (شعب عربي واحد - دولة عربية واحدة).

ومن ثم فهي منظمة قومية لا حزبية تدعو إلى تجميع القوى القومية، وتعمل في سبيل بناء مجتمع عربي اشتراكي موحد، وترى الرابطة أن العراق جزء من الوطن العربي، والعرب والأكراد متساوون في الحقوق والواجبات فيه، وقد هاجمت الرابطة القومية عبد الكريم قاسم والشيوعيين بنشراتها، وعن طريق صحيفتها السرية المسماة (الرقيب).

الحزب العربي الاشتراكي:

هو جناح انشق عن حزب الاستقلال، وتأسس عام 1960 تحت شعار (كفاح - وحدة - اشتراكية) يؤمن بالقومية العربية، وبأن الوطن العربي وحدة جغرافية وتاريخية وقومية ولغوية واجتماعية وسياسية، وأن الاستعمار هو الذي جزأ هذا الوطن.

وينتهج الحزب سياسة الحياد الإيجابي، وعدم الانحياز والتمسك بمبدأ التعايش السلمي.

ولم يكن لهذا الحزب دور فاعل في النضال القومي من أجل إسقاط الحكم عن عبد الكريم قاسم، وإنما اقتصر نشاطه على توزيع النشرات المضادة لحكمه في فترات متباعدة.

التجمع القومي العراقي في القاهرة:

تشكل هذا التجمع، بعد فشل حركة الموصل، في مارس 1959، ولجوء العديد من السياسيين والعسكريين إلى الجمهورية العربية المتحدة بإقليميها الشمالي والجنوبي.

وأبرز الذين كانوا في القاهرة:

فائق السامرائي، محمود الدرة، سليمان الصفواني، جابر عمر، فؤاد الركابي، مدحت إبراهيم جمعة، صدام حسين، عبدالكريم الشيخلي، فيصل الوائلي، أحمد الجزائري، عبدالرحمن البزاز، هشام الشاوي، عدنان الراوي، هلال ناجي، أحمد الحبوبي، رؤوف الواعظ، سليم الزبيدي، علاء الدين الريس، رشيد البدري، وبتول الخطيب.

أما الذين لجأوا إلى سورية فهم: نعمان ماهر الكنعاني، محمود عزيز، أحمد العجيلي، وثلاثون ضابطاً من ضباط حركة الموصل.

وضم التجمع القومي العراقي بالقاهرة ممثلين عن حزب الاستقلال، وحزب البعث العربي الاشتراكي، والرابطة القومية، وحركة القوميين العرب، والحزب العربي الاشتراكي، والقوميين المستقلين، وكذلك ممثلين عن جماعات أخرى، كانت تتردد على المكتب منهم شباب الإخوان المسلمين، وبعض جماعات الحزب الإسلامي، وبعض الأكراد.

كان هدف هذا التجمع هو إسقاط حكم عبد الكريم قاسم ؛ لكونه مناهضاً للقومية وللروح الإسلامية، وقد لعب هذا التجمع في القاهرة دوراً إعلامياً كبيراً، فكان يشن الحملات الصحفية والإذاعية ضد حكم عبد الكريم قاسم من القاهرة ودمشق.

وباختفاء ممثلي البعث والاستقلال من مجلس الوزراء، علا شأن الحزب الوطني الديموقراطي بعض الوقت، وأدت الأحداث التالية إلى تحول عبد الكريم قاسم نحو اليسار، ولا سيما بعد قيام حركة الشواف بالموصل في مارس 1959.

وعلى الصعيد السياسي، دفعت حركة الشواف عبد الكريم قاسم إلى التعجيل بإجراءات يسارية سواء في السياسة الخارجية أو الداخلية.

فأعلن الانسحاب نهائياًّ من حلف بغداد.

ووقعت الحكومة العراقية اتفاقاً اقتصادياًّ واسع النطاق مع الاتحاد السوفيتي.

ورخص عبدالكريم قاسم لجريدة شيوعية رسمية بالصدور، وشجع على تأسيس لجنة تمثل النقابات العراقية، وتتصل بالهيئة النقابية الدولية التابعة للكتلة الشيوعية.

غير أن قاسماً لم يشأ أن يجعل من نفسه قريناً لليسار، وفضل حفظ التوازن بين مختلف الاتجاهات.

ولم تلبث حوادث كركوك أن أوقعت الجفوة بين عبد الكريم قاسم واليساريين.

خلاصة عامة:

تميزت سياسة عبد الكريم قاسم بالتقلبات السريعة التي تنم عن عدم اتزان شخصيته، فهو ينفرد بالسلطة، ثم يسمح للأحزاب بنشاط محدود، ثم ما يلبث أن يضيق بها ذرعاً فيقضي عليها.

وهو يمنح الأكراد امتيازات لم يسبق لها مثيل من قبل، ثم لا يستطيع بعد ذلك أن يستجيب لجميع رغبات الوطنيين الأكراد؛ فتقع حركة عصيان، في عام 1961، أشد خطورة، وأطول زمناً، من جميع الحركات السابقة.

وفي مجال السياسة العربية، أخذت العلاقات تتردى بين العراق والجمهورية العربية المتحدة، وانعكست آثار ذلك على مختلف الدول العربية الأخرى.

وأساء عبد الكريم قاسم العلاقات بجميع الأقطار العربية المجاورة للعراق؛ فقد طالب بالكويت، وبتعديل اتفاقية الحدود مع إيران، وأحيا موضوع عربستان، باعتبارها مقاطعة عراقية استولى عليها الإيرانيون قسراً.

بعبارة أخرى زاد عبد الكريم قاسم من مشكلات العراق الخارجية في الوقت الذي نشبت فيه ثورة الأكراد.

ولقد أدت دعوة عبد الكريم قاسم إلى ضم الكويت بعزل بلاده عن الدول العربية التي اعترضت على الفكرة.

ولما كانت العلاقات العربية قوية التأثير في الرأي العام العراقي، فقد أضعفت هذه العزلة من مركز عبد الكريم قاسم ومهدت السبيل للإطاحة به في 8 فبراير سنة 1963، أو ثورة 14 رمضان كما سماها القائمون بها.

واعتقل عبدالكريم قاسم، ثم أُعدم رميًا بالرصاص.


الفصل السابع: الصراع بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام محمد عارف  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الفصل السابع: الصراع بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام محمد عارف
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الفصل السادس عشر: الصراع داخل مجلس الثورة
» الباب السابع: في تأويل السلام والمصافحة
» الفصل السابع عشر
» الفصل السابع عشر
» الفصل السابع

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الأحـداث الفارقــة في حيــاة الدول :: ثورة عام 1958م في العراق-
انتقل الى: