منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 الفصل الرابع: أحداث الثورة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

الفصل الرابع: أحداث الثورة  Empty
مُساهمةموضوع: الفصل الرابع: أحداث الثورة    الفصل الرابع: أحداث الثورة  Emptyالسبت 01 ديسمبر 2012, 11:10 pm

الفصل الرابع: أحداث الثورة


كانت استعدادات سفر الملك فيصل الثاني إلى لندن للقاء خطيبته قائمة على قدمٍ وساقٍ.

وكان الملك متشوقاً للسفر، وحدد يوم الثامن من يوليه 1958، موعداً لسفره.

ولكن في يوم 7 يوليه رجاه وزير المالية أن يؤجل سفره إلى يوم 9 يوليه؛ للتوقيع على قانون الخدمة الإلزامية، وقانون توحيد النقد والبنك المركزي لدول حلف بغداد.

ووافق الملك بعد إلحاح، ثم في يوم 8 يوليه أرسل شاه إيران برقية من واشنطن، يقول فيها إنه قابل الرئيس أيزنهاور، ولديه معلومات يريد أن يبلغها لمجلس دول حلف بغداد؛ واقترح لقاء رؤساء دول الحلف، ورؤساء وزرائهم، في إستانبول يوم 14 يوليه 1958، واضطر الملك إلى تأجيل سفره مرة ثانية من 9 يوليه إلى 14 يوليه.

وهيأ القدر بذلك نهاية حكم امتد من 21 أغسطس 1921 إلى 14 يوليه 1958، في مجزرة جماعية مثيرة.

أمَّا الأمير عبدالإله، الوصي على العرش، فكان في استانبول يقضي فصل الصيف.

ولكنه عاد إلى العراق في موسم شديد الحرارة، وحين سُئل لماذا اختار حرّ العراق على هواء استانبول العليل؟

أجاب أنه علم، من بعض اتصالاته، ومن معلومات توافرت لديه، أن بعض المفسدين قد يقومون ببعض حركات التخريب، أثناء غيابه، وغياب الملك كذلك، عن العراق؛ ومن ثم فقد أراد أن يكون هو في العراق، أثناء غياب الملك.

أمَّا نوري السعيد فقد كان مع زوجته وأسرته في لندن، في شهر يونيه 1958، وكان قد طلب من الملك أن يرسل إليه برقية للحضور إلى بغداد، عند عزمه مغادرتها، فأرسل إليه الملك تلك البرقية.

وهكذا جمع القدر بين الثلاثة الكبار معًا، في وقت واحد، ليكون الانقلاب والانقضاض عليهم، من جانب جماعة من الضباط كانت تترقب وجود الثلاثة الكبار معاً لكي تضرب ضربتها.

وقبل سرد أحداث الثورة، يجدر العلم أنه حدثت محاولات عدة، قام بها تنظيم الضباط الأحرار، قبل يوم 14 يوليه 1958، للإطاحة بالنظام الملكي، ولكنها كلها لم يحالفها النجاح.


ومن هذه المحاولات:



المحاولة الأولى (نوفمبر 1956)


فكر الضباط الأحرار في اللواء الرابع عشر من الفرقة الأولى، والذي كان يجري بعض التدريبات آنذاك بالقرب من بغداد، في ضرورة الإسراع لإسقاط النظام الملكي.

بادر العقيد الركن عبدالوهاب الشواف، آمـر الفوج الثالث من اللواء الرابع عشر، إلى عقد اجتماع للضباط الأحرار في الفوج لوضع خطة للسيطرة على اللواء، واعتقال آمره، ومن ثم التحرك نحو بغداد، غير أنهم اتفقوا على تأجيل تنفيذ هذه الخطة؛ بعد أن تبين أن نجاحها غير مضمون تماماً.

ومع ذلك فإن هذه المحاولة قد أثارت حماساً عالياً بين صـفوف كثير من الضباط.

وتسربت أخبار هذه الخطة إلى الجهات العليا، فأصدرت تعليماتها بنقل اللواء إلى منطقة نائية؛ بحجة إجراء حركة تنقلات في الوحدات [1].


المحاولة الثانية (ديسمبر 1956)


جرت هذه المحاولة عقب عودة اللواء التاسع عشر من الأردن، الذي كان آمره عبدالكريم قاسم، واتصل العقيد الركن عبدالوهاب الشواف، من اللواء الرابع عشر، بعبدالكريم قاسم، وقررا القيام بالحركة عند بدء مراسم الاحتفالات بعودة الوحدات من الأردن.

ولكن لدى علمهم بخبر عزم نوري السعيد عدم حضور هذه الاحتفالات جعلهم يؤجلون القيام بالحركة إلى موعد آخر؛ لأن الضباط الأحرار قرروا عدم القيام بأية حركة إلاّ إذا كان الثلاثة الكبار (الملك فيصل وعبدالإله ونوري السعيد) مجتمعين؛ لعدم تكرار مأساة عام 1941.


المحاولة الثالثة (أكتوبر 1957)


تقرر في خريف عام 1957 القيام بمناورات باستخدام الذخيرة الحية، في منطقة بيخال في شمال العراق، وكان الغرض من هذه المناورات هو الدعاية لحلف بغداد، وعرض الأسلحة الأمريكية التي تم تزويد الجيش بها.

وتقرر حضور الثلاثة الكبار لمشاهدة هذه المناورات، فاجتمعت اللجنة العليا للضباط الأحرار، وتدارست الموقف، وقـررت وضع خطة للقيام بالثورة، خلال هذه المناورات، خاصة وأن الوحدات المشاركة في المناورات يقودها الضباط الأحرار، ومنهم العقيد عبدالسلام محمد عارف، الذي كان يقود الفوج الثاني من اللواء العشرين، وكذلك اللواء الثالث الذي كان يقوده العقيد الركن خليل سعيد.

وكانت الخطة تتضمن اعتقال الثلاثة الكبار، ثم تتحرك الوحدات الأخرى في بغداد للسيطرة على المراكز المهمة، بعد إرسال كلمة السر إليها.

ولكن الآمال خابت عندما تقرر سفر عبد الإله إلى اليابان وفرموزا في زيارة رسمية، ولم يحضر نوري السعيد المناورات، فتأجلت الحركة إلى موعد آخر.


المحاولة الرابعة (6 يناير 1958)


تدارست اللجنة العليا موضوع تنفيذ الثورة في عيد الجيش، الموافق 6 يناير 1958، أثناء الاحتفالات التي تجرى بهذه المناسبة في معسكر الرشيد، بحيث يتولى التنفيذ الوحدات المشاركة في هذه الاحتفالات التي كان يقودها الضباط الأحرار، وهي اللواء التاسع عشر، الذي كان يقوده عبدالكريم قاسم، وكتيبة المدفعية الثقيلة التي كان يقودها العقيد الركن محسن حسين الحبيب، والفوج الثاني، الذي كان يقوده العقيد محمود عبدالرزاق.


وبعد مناقشات عديدة كانت أمام اللجنة خطتان لتنفيذ الثورة وهما:



1. خطة عبدالكريم قاسم:


وفيها تقوم دبابتان، عند مرورهـما أمام منصة التحية، التي سيقف عليها الملك وعبد الإله ونوري السعيد، بفتح نيرانهما عليهم، ثم يعمد الضباط الأحرار إلى اعتقال المسؤولين والسيطرة على الوحدات العسكرية، والزحف نحو بغداد لإعلان الثورة، غير أن اللجنة لم توافق على الخطة؛ خوفاً من وقوع ضحايا بريئة، واحتمال إصابة عدد من الضباط الأحرار الحاضرين للاحتفال.


2. خطة العقيد الركن ناجي طالب:


وفيها تتولى كتيبة المدرعات التي يقودها العقيد عبدالرحمن عارف، والتي ستتحرك من منطقتها في أبي غريب نحو معسكر الرشيد، بمناسبة احتفالات عيد الجيش في 6 يناير 1958، أثناء مرورها ببغداد، تطويق قصر الرحاب والإذاعة والجسور، واعتقال الثلاثة الكبار، وإعلان الثورة.

بينما تبدأ الوحدات الأخرى المتمركزة في معسكر الرشيد في الزحف نحو بغداد.

ولكن هذه الخطة لم يتم الاتفاق عليها؛ بسبب رفض العقيد عبد الرحمن عارف لها، بحجة صغر حجم القوة المنفذة للانقلاب، مما قد يؤدي إلى فشلها في تأدية هذه المهام العديدة.


المحاولة الخامسة (11 مايو 1958)


جاءت الفرصة الملائمة عند ورود خبر مرور اللواء الخامس عشر، الذي يرأسه الزعيم أحمد محمد يحيي ببغداد، أثناء تحركه من معسكر التدريب بالحبانية -ضمن وحدات الفرقة الأولى- إلى البصرة.

وكان العقيد عبدالغني الراوي، وهو من الضباط الأحرار، يعمل رئيساً لأركان هذا اللواء، فاجتمع عدد من الضباط الأحرار في منزل الرائد حسن مصطفى النقيب وتقرر القيام بالحركة، ووضعت خطة تنفيذ الثورة، وكذلك البيانات التي كانت ستلقى لهذا الغرض، مع إبـلاغ الضباط الأحرار بالوحدات الأخرى للتحرك نحو بغداد، فور النجاح الأولي لمهمة اللواء الخامس عشر.

وتحدد موعد الحركة ليلة 11/12 مايو 1958.

لم تنفذ الخطة لسبب رئيسي؛ وهو أن اللواء الخامس عشر لم يمر ببغداد كما كان مخططاً له، وإنما انتشر بين الفالوجة والرمادي، وتم نقله بالقطار مباشرة إلى البصرة.

إضافة إلى اعتراض عدد من الضباط على حجم الأفراد المنوط بهم تنفيذ الخطة، إذ أن عددهم كان لا يكفي لإنجاحها.

وتُعد خطة 11 مايو 1958، من أوسع المحاولات؛ إذ شارك فيها مائة وأربعة عشر ضابطًا، إضافة إلى اشتراك أعضاء من حزب البعث العربي الاشتراكي [2].


المحاولة السادسة (29 مايو 1958)


اجتمعت اللجنة العليا، بعد أن تقرر إقامة حفل في 29 مايو 1958، في كلية القادة والأركان، بمناسبة مرور خمسة وعشرين عاماً على تأسيسها، وحضور الثلاثة الكبار، وقادة الفرق، ورئيس أركان الجيش الحفل المذكور، وتدراست اللجنة موضوع القيام بالحركة في هذا اليوم، ولكن تأجل تنفيذها؛ بسبب ورود أخبار بسفر عبدالإله ونوري السعيد إلى خارج العراق.


المحاولة السابعة (22 يونيه 1958)


وُضعت خطة هذه المحاولة عندما وردت المعلومات، التي تفيد بأن هناك خطة تدريب ليلي، تتضمن تحركاً ليلياً لكل من اللواء التاسع عشر الذي كان يقوده عبد الكريم قاسم، من منطقة تمركزه في معسكر المنصورة، واللواء العشرين بالتحرك من معسكره في جلولاء، على أن ينتهي التحرك الليلي بالوصول إلى منطقة أبو جسره، وأبو صيدا قبل أول ضوء.

وتركزت الخطة على دخول بغداد، وإعلان الثورة بعد احتلال المراكز المهمة بها.

ولكن تسرب أنباء هذه المسيرة الليلية إلى بعض القيادات المسؤولة في بغداد، ورصدها لتحركاتها، اضطر عبدالكريم قاسم إلى إلغاء هذه الخطة، وإجراء التدريب بصورة طبيعية.

وبعد هذه الحادثة أحاط عبدالكريم قاسم، والعقيد الركن عبدالسلام محمد عارف، والعقيد الركن عبداللطيف الدارجي جميع أعمالهم بسِرِّية أكثر مما كانت عليه في الماضي، وأقسموا اليمين فيما بينهم على الكتمان حتى لا تتسرب الأخبار مرة أخرى.


ثورة يوليه 1958



أخبار مؤكدة وإهمال مقابل


سبق أن اتصل الملك حسين، ملك الأردن، بالحكومة العراقية، وأخبرها بمعلومات مؤكدة، عن وجود تنظيم في الجيش العراقي يُعدُّ لانقلاب عسكري.

ولكن الفريق رفيق عارف، رئيس أركان الجيش العراقي، ردّ على كلام الملك، بأن لا وجود للحركات الانقلابية في الجيش العراقي.

وقبل حدوث الانقلاب بأكثر من شهر، ذكر عدنان مندريس، رئيس وزراء تركيا، لنوري السعيد في استانبول، أن لديه معلومات موثّقة، أن انقلاباً عسكرياًّ يجري الإعداد له في الجيش العراقي.

ولكن نوري السعيد رفض تصديق ذلك.

كذلك ذكر أحمد مختار بابان، رئيس وزراء العراق قبيل الثورة، أن مدير الأمن العام، بهجت العطية، جاءه قبل الثورة بثلاثة أيام، وقدم له تقريراً عن تحركات بعض الضباط الأحرار، بما يشير إلى قرب وقوع انقلاب.

فأخبر الأمير عبدالإله بها، الذي بادر إلى الاتصال برفيق عارف، رئيس الأركان، فنفى صحة هذه المعلومات نفياً قاطعاً.

وقد حدثت مثل هذه الإبلاغات من جهات مختلفة، ولكن الحكومة كانت على ثقة عمياء بأن ذلك لن يحدث.

وقد اعترف الفريق رفيق عارف، أثناء المحاكمة، أنه كان متسامحاً كثيراً مع الضباط الأحرار، وكان يغض الطرف عن أعمالهم وحركاتهم، ولم يتخذ أية إجراءات ضدهم مع أنه كان يعلم ما يعملون!…

هكذا نامت الحكومة العراقية، ولم تستيقظ إلاّ على دوي المدافع، وهدير الدبابات يوم 14 يوليه 1958.

صدرت الأوامر، في 3 يوليه 1958، إلى لواء المشاة العشرين، الذي يقوده الزعيم الركن أحمد حقي، بالتحرك من مقره في معسكر جلولاء إلى الأردن، وسمى ذلك بـ "حركة صقر".

غير أنه أُرجئ تحرك اللواء لاستكمال بعض معداته، واستمر التأخير لمدة عشرة أيام، وهيأ ذلك ظرفاً أكثر ملاءمة للضباط الأحـرار؛ لأن كلاًّ من عبدالإله ونوري السعيد، اللذين كانا قد غادرا العراق في 3 يوليه، عادا في يوم 12 يوليه إلى بغداد، وأخذ الملك فيصل وعبدالإله يستعدان للسفر إلى استانبول، لحضور اجتماع حلف بغداد في 14 يوليه، ثم قضاء عطلة الصيف.

ومن ثم فقد اجتمعت اللجنة العليا للضباط الأحرار، وتدارست الموقف في ضوء تلك الظروف الجديدة؛ فقررت وجوب قيام اللواء العشرين بالحركة أثناء مروره ببغداد، غير أن عبد الكريم قاسم وعبدالسلام محمد عارف، لحرصـهما على الانفراد بتنفيذ الثـورة، وعـدم إخـبار أعضـاء اللجـنة العلـيا بموعـد التنفـيذ، وبعـد أن أقسـما يمـيناً على ذلك مع العقيد عبداللطيف الدراجي، سعيا بكل وسيلة ممكنة لعرقلة اجتماعات اللجنة العليا [3]؛ فقد عمل عبدالكريم قاسم على تأجيل اجتماعات اللجنة العليا، في الأيام القليلة السابقة ليوم 14 يوليه، بل وإثارة بعض الخلافات بين أعضائها؛ مما أدى إلى تأجيل الاجتماع دون اتخاذ أية قرارات.

وبناء على اقتراح عبدالكريم قاسم، عُقد الاجتماع التالي بمنزله في 4 يوليه؛ من أجل وضع خطة الثورة وتوزيع المراكز، ولكن الاجتماع انتهى سريعاً ودون اتخاذ أي قرار؛ بسبب حضور العقيد فاضل عباس المهداوي، وإخباره المجتمعين بعلم الاستخبارات العسكرية بذلك الاجتماع، ونصحه إياهم بفض الاجتماع بأقصى سرعة.

كانت اللجنة العليا قد قررت أن يكون موعد القيام بالحركة (أي ساعة الصفر)، هو أثناء مرور أية وحدات عسكرية بها ضـباط أحرار ببغداد، وذلك في ضوء خطة مسبقة، وزعت بموجبها الواجبات على أعضاء اللجنة العليا، والضباط الآخرين بالتنظيم، مع التأكيد على وجوب بقاء الضباط الأحرار بوحداتهم ليلة القيام بالحركة، حتى إذا ما تحركت الوحدات مارة ببغداد بادرت الوحدات الأخرى ببغداد بالإسراع لتنفيذ ما عُهد إليها من مهام طبقاً للخطة الموضوعة، وكلٌ حسب الدور المسند إليه.

ويذكر العقيد رجب عبدالمجيد، أن اللجنة العليا كانت على علم بأن رئاسة أركان الجيش قد أصدرت أوامرها إلى اللواء العشرين المتمركز في (جلولاء) بالتحرك إلى الأردن، وعلى علم بأن هذا اللواء يضم عدداً كبيراً من الضباط الأحرار، على رأسهم العقيد عبدالسلام محمد عارف، والعقيد عبداللطيف الدراجي، بل إن جميع أعضاء اللجنة العليا كانوا يعلمون بالموعد المنتظر للحركة، وتهيأ كل واحد منهم للقيام بواجبه، ولكن كانت هناك محاولات من العقيد عبداللطيف الدراجي، لتضليل اللجنة العليا عن التوقيت الحقيقي للحركة، خاصة خلال الاجتماع الذي تم يوم 10 يوليه في النادي العسكري، وحضره بعض الضباط الأحرار [4].

يقول عبدالسلام محمد عارف: "شهد يوم الخميس 10 (تموز) يوليه 1958، نشاطاً واسعاً، فقد كان علي أن أمر على جميع الضباط المكلفين بتنفيذ العملية، لأشرح لهم تفاصيل الخطة وتحركاتهم، وقد حاول كثير من الضباط معرفة وقت الحركة ويومها، إلاّ أنني آثرت السرية، فقد كانت غايتنا الكتمان والمباغتة، واكتفيت بتبليغ عدد قليل جداًّ من الضباط، وهم المنوط بهم واجبات التنفيذ، وكان واجبي أن أسيطر على اللواء العشرين، وأعزل قيادته، وأتسلم القيادة، وأنا مازلت آمراً للفوج الثالث في اللواء" [5].


القرار الحاسم


لم يُتخذ أي قرار نهائي بشأن مصير الثلاثة الكبار في حالة نجاح الثورة، إذ لم يتم الوصول إلى رأي محدد بشأنهم داخل اللجنة العليا، ولكن في صباح يوم 11 يوليه 1958، اجتمع كل من: عبدالكريم قاسم وعبدالسلام محمد عارف والعقـيد عبداللطيف الدراجي، والسيد رشيد مطلك، وتباحثوا في مصير الملك وعبدالإله ونوري السعيد، وتقرر في هذا الاجتماع قتل عبدالإله ونوري السعيد، أما مصير الملك فقد ظل معلقاً باستشارة بعض الزعماء المدنيين، ويبدو أن رشيد مطلك أخبر الثلاثة المجتمعين بضرورة قتل الملك، وكان عبدالكريم قاسم من المتحمسين، أيضاً، لقتل الثلاثة: الملك وعبدالإله ونوري السعيد، وعلى هذا اتخذ قرار نهائي بقتلهم جميعاً [6].


الزحف على بغداد


كانت الخطة التي وضعها عبدالكريم قاسم، وعبدالسلام محمد عارف للقيام بالحركة، بعد أن صدرت الأوامر للواء العشرين بالتحرك من (جلولاء) إلى الأردن، مروراً ببغداد تتضمن ما يلي:


خداع الزعيم أحمد حقي بتركه مقتنعاً بأن أوامر قيادة الجيش ستنفذ بالتقدم إلى الفالوجة عبر بغداد، ومن الفالوجة يبدأ التحرك إلى عمان.

الطلب من الزعيم أحمد حقي أن يكون على رأس الجزء الأول من القوات الزاحفة، والتي ستتوقف عند الفالوجة، فإذا ما وصلها، تبادر الوحدات التي ما زالت تتقدم على الطريق من جلولاء بالاستيلاء على بغداد، وإحكام السيطرة عليها.

تضليل الزعيم أحمد حقي عن سبب تخلف الوحدات في الطريق، بتقديم معلومات وحجج مختلفة، وإبعاد أية شبهة أو شك، قد يساوره، عن السبب الحقيقي للتخلف، وعن المسافات التي تفصل الوحدات بعضها عن البعض الآخر، أو عدم لحاقها به.

عدم إلقاء القبض على الزعيم أحمد حقي أثناء القيام بالحركة، لكيلا تتسرب أنباؤها إلى القيادة العليا، أو الجهات المسؤولة.

تولي اللواء التاسع عشر، الذي يقوده عبدالكريم قاسم، مهمة تأمين ظهر القوات الزاحفة إلى بغداد، واعتقال اللواء غازي الداغستاني قائد الفرقة الثالثة.

عدم إخبار القوات الزاحفة بما ستقوم به في بغداد من إعلان للثورة؛ لئلا يشتد الحماس عند الضباط والجنود، ومن ثم تصل أخبار ذلك إلى السلطات العليا.

إبلاغ الضباط الأحرار، الذين سيقومون بمهام التنفيذ في بغداد، وعدم إبلاغ أي ضباط آخرين؛ للمحافظة على السرية والمباغتة، ومنعاً لتسرب أخبار الثورة.


سير الأحداث


كان الزعيم أحمد حقي في مقدمة القوات الزاحفة، وعندما كان يسأل عن انتظام الوحدات في مسيرتها، أو عن سـبب تخلف البعض منها، كان العقيد عبدالسلام محمد عارف يختلق مختلف الأسباب لتبرير ذلك، ويطمئنه أن كل شيء يسير على ما يرام، وأمكن خداعه حتى وصل إلى الفالوجة.

كما تولى الرائد قاسم أحمد الجنابي اعتقال اللواء الركن غازي الداغستاني، والسيطرة على مقر الفرقة الثالثة في بعقوبة.

وكان يجتمع آنذاك، في منزل الرائد عبدالستار عبداللطيف، ستة ضباط بانتظار بدء الحركة، وهم: الرائد جاسم العزاوي، والرائد إبراهيم التكريتي والرائد عبدالستار عبداللطيف، والرائد محمد مجيد، والرائد إبراهيم عباس اللامي".

وعندما أخطرهم مندوب عبدالسلام محمد عارف، انطلقوا في سيارتين خاصتين لملاقاة القوات الزاحفة على بعد خمسة عشر كيلو متراً من بغداد، فلحق ثلاثة منهم بهذه القوات، وتولى الباقون منهم مهمة الإرشاد عن المراكز الحيوية التي يجب الاستيلاء عليها.

فتفرقت هذه القوات إلى ثلاث مجموعات لاحتلال كل من قصر الرحاب، وبيت نوري السعيد، ودار الإذاعة، ومقر شرطة القوة السيارة، ودائرة البريد والبرق والهاتف، والجسور، ووزارة الدفاع، وبعض المراكز الحيوية الأخرى.

كان اللواء العشرون، الذي يقوده الزعيم أحمد حقي، مكوناً من ثلاثة أفواج، يقود الفوج الأول العقيد عبد اللطيف الدراجي، والفوج الثاني يقوده العقيد ياسين محمد رؤوف، الذي لم يكن من الضباط الأحرار، ويقود الفوج الثالث العقيد عبدالسلام محمد عارف.

وقرر الضباط الأحرار اعتقال العقيد ياسين رؤوف، بعد أن عرض عليه عبدالسلام محمد عارف الاشتراك معهم إلاّ أنه رفض، ومن ثم بادر باعتقاله، وبسبب ذلك تأخرت الحركة بعض الوقت، وصدرت الأوامر إلى الوحدات الفرعية بالتحرك، كل حسب الهدف المحدد له من قبل، بعد أن وزعت عليها الذخائر.


السيطرة على معسكر الرشيد:


كانت خطة الاستيلاء على معسكر الرشيد من أهم وأخطر خطط الثورة؛ لأن نجاح الثورة كان متوقفاً على نجاح السيطرة على هذا المعسكر؛ لأن الفريق الركن محمد رفيق عارف رئيس أركان الجيش كان من رجال النظام الملكي البارزين، فلو استطاع أن يفـلت من قبضة الضـباط الأحـرار، وأن يتصل بنوري السعيد لباءت الحركة بالفشل.

وكانت الخطة قد أوكلت مسؤولية الاستيلاء على هذا المعسكر إلى كلٍّ من الرائد جاسم العزاوي، والرائد عبدالستار عبداللطيف، والرائد إبراهيم التكريتي.

وبدأ تنفيذ الخطة في الساعة الرابعة من صباح 14 يوليه 1958، بعد أن وصلت الإشارة المتفق عليها بالتنفيذ؛ وهي وصول بعض الدعم لهما (أفراد وعتاد) من العقيد عبداللطيف الدراجي قائد الفوج الأول، وعلى الفور تولى الرائد جاسم العزاوي ومن معه تطويق منزل رئيس أركان الجيش الفريق محمد رفيق عارف، بعد أن تمت السيطرة على الحرس المكلف بحمايته، وطُلب منه الاستسلام، فاستسلم دون مقاومة، ووضِع في سجن خُصص له من قبل.

ثم توجه رجال الحركة نحو الباب الرئيسي للمعسكر لمنع دخول أي فرد، مهما كان منصبه أو رتبته، عدا الضباط الأحرار، وأمكن السيطرة عليه بوضع سيارة في مدخله وبعض الدبابات، كما ألقى الضباط الأحرار كلمة وطنية حماسية على الضباط والجنود الحاضرين أُعلن فيها قيام الثورة.

كما أُرسلت قوة مدرعة على الفور إلى مركز قوة الشرطة السيارة، فاستولت عليه دون أية مقاومة، ثم أُرسلت قوة أخرى إلى دار السفارة الأمريكية لحراستها، وحمايتها من غضب الجماهير، ولمنع لجوء نوري السعيد إليها.


الهجوم على قصر الرحاب


بدأ الهجوم على قصر الرحاب في الساعة السادسة من صباح يوم 14 يوليه 1958، بعد أن صدرت الأوامر إلى الرائد منذر سليم من لواء المشاة العشرين بأن يتوجه، على رأس سريته، إلى القصر، حيث يقيم الملك وعبدالإله، ويسيطر عليه، ويحول دون فرارهما.

ووصلت السرية، في التوقيت المحدد لها، بالقرب من القصر وحوله، في انتظار الهجوم عليه.

وفي حوالي السادسة والربع فُتحت النار باتجاه القصر، وأصابت الأعيرة النارية غرفة نوم عبدالإله في الطابق الأول، وحطمت زجاج النافذة.

وذكر الملازم فالح حنظل، من ضباط الحرس الملكي خارج القصر، أنه كان هو الذي أخبر الحراسة الداخلية بأن وحدات من الجيش قد سيطرت على بغداد، وأن انقلاباً قد حدث.

أُصيب حرس الباب النظامي للقصر بالذهول، وهم يسمعون طلقات الرصاص تنهال عليهم، بينما كان عبدالإله في غرفة نومه، يكلم العقيد طه البامرني، آمر الحرس الملكي، مستفسراً عن الموقف، ويطلب منه أن يكسب أكبر وقت ممكن حتى يمكنه الاتصال بالقوات التي مازالت موالية.

في الوقت الذي ازدادت فيه مقاومة الحرس الملكي للمهاجمين، وصل بعض الضباط الأحرار إلى مدرسة المشاة القريبة من القصر، وانضم إليهم نحو 60 ضابط صف، وبعض الأسلحة والذخائر، كما تم نصب مدفع عيار 106مم، مضاد للدروع أمام القصر، واشتدت نيران المهاجمين للقصر، بينما توقف إطلاق النار من جانب الحرس الملكي.

وعندئذ تقدم النقيب محمد علي سعيد، والنقيب حميد السراج، وعدد من ضباط الصف، ودخلوا حديقة القصر من بابه الجانبي، وفي غضون ذلك أطلق النقيب عبدالستار سبع العبوسي ثلاث قنابل عيار 106مم تجاه القصر، ولم تلبث ألسنة اللهب أن تصاعدت من الشرفة.

وعلى الفور أمر عبدالإله، أفراد الأسرة المالكة كافة بالنزول إلى أقبية القصر، وسراديبه، والاحتماء هناك.

وأخبر العقيد البامرني، عبدالإله، بأن الهجوم قد ازداد، وأن أعداداً كبيرة من الجنود يشاركون في الهجوم، وأنه لم يتمكن من الوصول إلى أحد من الضباط المهاجمين لإقناعه بالتفاوض.

ومن ثم لم يعد لعبدالإله والملك بارقة أمل في السيطرة على الموقف، خاصة وأن العقيد طه البامرني آمر الحرس الملكي، انضم هو الآخر إلى الحركة، وأصدر أوامره إلى قوات الحرس بوجوب التسليم، وعلى الفور تم تسليم أفراد الحرس لأسلحتهم.

وخرجت العائلة المالكة، وخلفها يسير الملك وعبدالإله.

وطلب الضباط الأحرار إليهم السير عبر حديقة القصر، والخروج من الباب الرئيسي لنقلهم إلى وزارة الدفاع بالسيارات العسكرية.

وأثناء سيرهم في حديقة القصر، دخل النقيب عبدالستار سبع العبوسي من الباب الرئيسي، حاملاً رشاشه، فأطلق النيران على العائلة المالكة، ثم توالى إطلاق رصاص المهاجمين فسقط الملك، وعبدالإله، والملكة نفيسة، والدة الأمير عبدالإله، والأمـيرة عابدية، وجُرحت الأميرة هيام زوجة عبدالإله، ومعها خادمتها، كـما جُرح، من الضـباط الأحـرار، كلٌّ من النقيب حميد السراج، والنقيب مصطفى عبدالله.

كما أصيب النقيب ثابت يونس بطلقة في رئته، وفارق الحياة.

أما سبب إطلاق النيران على العائلة المالكة، حسب رواية النقيب محمد علي سعيد، فهو ما قاله النقيب العبوسي: "بأنه تذكر حوادث حركة مايو 1941 التحررية، وما لاقاه الضباط الأحرار من إعدام وتنكيل، فأراد ألاّ تتكرر المأساة مرة أخرى، ويعود عبدالإله ليشنق ضباط الثورة".

نُقلت جثث العائلة المالكة في سيارة تابعة للقصر، إذ توجهت إلى وزارة الدفاع، غير أن الجماهير الثائرة اعترضت السيارة، وسحبت منها جثة عبدالإله، ثم علقتها على بوابة وزارة الدفاع في شارع الرشيد، وفي المكان نفسه الذي أُعدم فيه أحد قادة ثورة 1941، العقيد صلاح الدين الصباغ عام 1945.

أما الأميرة هيام، قرينة عبدالإله، فقد نقلت إلى المستشفى الملكي (الجمهوري)، إذ تم إنقاذ حياتها.

كان رجال الثورة يقبضون على الوزراء، وكل من يشتبهون فيه، ويحشرونهم مقيدي الأيدي في سيارات، ومعهم الحراس مدججين بالسلاح إلى أن يصلوا بهم إلى منطقة "أبو غريب"، حيث مبنى المدرعات، ويحشرونهم في غرف ضيقة مغلقة النوافذ، في شدة حر يوليه، ويحرمون عليهم الشرب، أو الخروج لدورات المياه.

وقد تسبب ذلك في موت البعض، وعلى رأسهم معاون مدير أمن بغداد العام "نائل"، ثم أسرعت قيادة الثورة بعد ذلك بتشكيل محكمة أسمتها محكمة "الشعب"، وهي محكمة عسكرية مقرها وزارة الدفاع، يتولاها مدع عام يسمى المهداوي، كانت تحكم بالإعدام شنقاً بالجملة على العشرات.


هروب نوري السعيد


عُهد إلى الرائد بهجت سعيد صباح يوم 14 يوليه 1958، بالتوجه بسريته إلى بيت نوري السعيد واعتقاله، ولحق به المقدم وصفي طاهر ليدله على البيت، إذ سبق أن عمل مرافقاً لنوري السعيد عدة سنوات.

غير أن هـذه المهمة باءت بالفشل؛ لأن نوري السعيد كان قد فرّ هارباً بملابس النوم [7]، وحمل مسدسه معه.

استطاع أن يستقل قارباً متوجهاً إلى الرصافة، غير أنه عدّل عن وجهته، وذهب إلى منزل الدكتور صالح مهدي البصام، والذي لا يبعد كثيراً عن منزله.

ومن هناك تم تهريبه بسيارة مرتضى البصام، شقيق صالح البصام، بعد أن وُضع في الصندوق الخلفي للسيارة، وتوجه به نحو الصالحية، ثم إلى الكاظمية، منزل الحاج محمود الاسترابادي صديق العائلة، وأمضى لدى عائلة الاسترابادي ليلة واحدة.

وفي اليوم نفسه أصدرت حكومة الثورة بياناً تدعـو فـيه الشعب إلى إلقـاء القبض على نوري السعيد، حـيًّا أو ميتـًّا، ورصدت جائزة قدرها عشرة آلاف دينار لقاء ذلك.

وفي اليوم التالي، 15 يوليه، غادر نوري السعيد بيت الاسترابادي، متنكراً بعباءة نسائية، تصحبه زوجة الحاج محمود الاسترابادي وخادمتها، في حوالي الساعة الواحدة بعد الظهر، واستقلوا سيارة الاسترابادي التي كان يقودها مظـفر ابن الحاج محمود الاسترابادي، فأوصلهم إلى منزل هاشم جعفر، شقيق الوزير السابق الدكتور ضياء جعفر، غير أن ابن هاشم جعفر عندما علم بوجود نوري السعيد في المنزل، أسرع إلى وزارة الدفاع وقابل عبدالكريم قاسم، وأخبره بمكان وجود نوري السعيد، فأرسل على الفور مفرزة لاعتقال نوري السعيد، غير أن نوري السعيد عندما علم بخروج عمر ابن هاشم جعفر، ترك المنزل وتوجه، بصحبة زوجة محمود الاسترابادي والخادمة، إلى منزل صديقه محمد العريبي في منطقة البتاويين.

وعند استفساره لدى أحد المحلات عن المنزل، عرفه صاحب المحل وأخذ يصرخ: "نوري السعيد امسكوه"، وتجمهرت الجماهير حوله، فأخرج مسدسه، وأخذ يطلق النار يميناً ويساراً، ولكن الجماهير، بالاشتراك مع الجنود الموجودين في مكان الحادث، تبادلوا إطلاق النار معه؛ فسقط نوري السعيد قتيلاً [8].

ويقال إنه هو الذي أطلق الرصاص على نفسه، وقبل أن يموت أجهز عليه المقدم مصطفى طاهر بطلقات مدفعه الرشاش.

ونُقلت جثته إلى وزارة الدفاع، حيث اطلع عليها عبدالكريم قاسم، وعدد من الوزراء، وقادة الفرق، وبقيت هناك إلى أن حل الظلام، وخلت الشوارع، فتم نقلها إلى مقبرة باب المعظم، حيث دفنت هناك.

لكن بعض العناصر نبشوا القبر في اليوم التالي وأخرجوا الجثة، وسحلوها في شوارع بغداد، ثم أحرقوها.


احتلال الإذاعة وصدور البيان الأول للثورة


وصل العقيد الركن عبدالسلام محمد عارف إلى دار الإذاعة في الصالحية، واحتلها دون إطلاق رصاصة واحدة، واتخذ له مقراًّ مؤقتاً في مبنى جمعية الشبان المسلمين بجوار الإذاعة، ثم انتقل بعد ذلك إلى دار الإذاعة، وانتظر حتى الساعة السادسة صباحاً، موعد بدء البث، ليحضر الموظف المختص ويفتح الإذاعة.

وأُذيع البيان الأول للثورة مباشرة عدة مرات، ثم مراسم تأليف مجلس السيادة، ومجلس الوزراء.

وكانت البيانات هذه قد أعدها مسبقاً عبدالكريم قاسم بالاتفاق مع العقيد عبدالسلام محمد عارف، والعقيد عبداللطيف الدراجي. "البيان الأول للثورة"، (انظر ملحق البيـان الأول للثورة).

*******************

الهوامش:

[1] ويذكر عبد السلام محمد عارف في مذكراته: لقد كان الاعتداء الأثيم على مصر عاملاً من أهم العوامل التي دعتنا إلى عقد اجتماع سريع مع خـلايا الضباط الأحرار، وفي هذا الاجتماع قررنا أن نضرب ضربتنا.


وقمت بتوزيع الواجبات على الأفراد، وتحدد لكل منهم دوره، ولم يبق سـوى التنفيذ، وقـبل أن تحين ساعة الصفر، خرجت من وزارة الدفاع قوائم تشمل نقل وإبعاد وإحالة للتقاعد لعدد كبير من الضباط مذيلة بالتنفيذ فوراً.

[2] يذكر أحمد فوزي في كتابه "غرب أم غروب": اجتمع في تلك الليلة ما يقرب من مائة وثمانين ضابطاً في أبي غريب لتنفيذ العملية.

[3] كثرة تأجيل الحركة من قبل اللجنة العليا، خاطب عبدالسلام محمد عارف أعضاء اللجنة قائلاً: `سوف نقوم بالحركة لوحدنا -يقصد هو وعبدالكريم قاسم- ولا نريد منكم مساعدة، وإنما نطلب فقط ألا تقفوا ضدنا، وألا تجعلوا من أنفسكم أبطالاً عند نجاحها`. عبدالسلام محمد عارف.

[4] يذكر العقيد شمس الدين عبد الله أنه كان جالساً مساء الخميس 10 يوليه 1958، مع جماعة من الضباط الأحرار في النادي العسكري، وجاء العقيد عبدالسلام محمد عارف، ودار الحديث عن الثورة وموعدها، فقال عبدالسلام محمد عارف إن خطة الثورة تم تأجيلها؛ لأن ظرف الثورة لم يكتمل بعد، ومن الصعب تنفيذها في الوقت الحاضر.

[5] وهو يذكر كذلك أنه أخبر الآتيين بعد بتوقيت الحركة: ( عبدالكريم قاسم - العقيد عبداللطيف الدراجي - العقيد عادل جلال - الزعيم أحمد صالح العبدي - العقيد عبد الرحمن عارف - المقدم وصفي طاهر - الرائد جاسم العزاوي - الرائد إبراهيم التكريتي - الرائد إبراهيم عباس اللامي).

[6] والمعروف أن عبدالكريم قاسم كان من المتحمسين لقتل الثلاثة الكبار بما فيهم فيصل، وقد سبق أن وضعت خطة للثورة في 6يناير 1958، والتي كانت تقضي بقتل الثلاثة.

[7] طوقت السرية بيت نوري السعيد إلا أنها لم تجده، فقد هرب إلى جهة مجهولة، بعد أن أخبرته خادمته البدوية أنها شاهدت بعض الوحدات العسكرية في الطريق.

ويقال إن المقدم وصفي طاهر جاء مبكراً، قبل الفجر، إلى قصر نوري السعيد، وأخبره بما سيحدث.

ويبدو أنه فعل ذلك، حتى إذا فشلت الثورة، يكون قد أسدى جميلاً إلى نوري السعيد.

بينما يذكـر مجيد خدوري: لما كان المقدم وصفي طاهر أول الداخلين إلى بيت نوري السعيد فقد لمح خادمته البدوية التي سبق أن عرفها من قبل، وأشيع أن وصفي لا شك أخبر البدوية بالهجوم الوشيك على بيت نوري السعيد، ونقلت بدورها الخبر إلى نوري حتى ينجو هو بنفسه في حال إخفاق الثورة.

[8] ذكر العقيد رجب عبدالمجيد: أن نوري السعيد استعمل مسدسه للدفاع عن نفسه، وأن أحد الجنود تمكن من أخذ المسدس منه، وأطلق عليه الرصاص.

[9] كان اثنان من الضباط العراقيين قـد اتصلا بعبد الحميد السراج، حددهما السراج بأنهما عبدالكريم قاسم وعبد السلام محمد عارف، إذ شرحا له موقف الضباط الأحرار ووجها إليه بعض الأسئلة عن ظروف إجراء انقلاب في العراق، وعن إمكانية نجاحه، والقوى الخارجية التي يمكن أن تسانده، وقد أبلغ السراج ذلك لجمال عبدالناصر.

[10] ويذكر خروشوف في رسالته إلى عبد الناصر في إبريل 1959، أثر تأزم العلاقات بين البلدين جاء فيها: تذكرون يا سيادة الرئيس - أنه عندما حدثت الثورة في العراق بحثنا في موسكو المسائل المتصلة بالأعمال التي يحتمل أن تصدر عن المعتدين ضد الشعوب العربية، وقد خشينا أن يؤدي تأييدنا غير المحدود لمشاعرك، إلى حثك على اتخاذ إجراء عسكري اعتبرناه دائماً غير مرغوب فيه، كما خشينا أن نفسر مثل ذلك التأييد بمثابة موافقة منا على إجراء عمل عسكري
.


الفصل الرابع: أحداث الثورة  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

الفصل الرابع: أحداث الثورة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الرابع: أحداث الثورة    الفصل الرابع: أحداث الثورة  Emptyالسبت 01 ديسمبر 2012, 11:18 pm

تأييد الوحدات العسكرية للثورة


عند سماع إعلان الثورة من الإذاعة اندفع الضباط الأحرار يساندون الثورة بكل طاقاتهم، وحسب إمكاناتهم، وضربوا عرض الحائط بأوامر التحركات التي أصدرها بعض قادة الفرق للقضاء على الثورة؛ فقد أصدر قائد الفرقة الأولى، اللواء الركن عمر علي، التعليمات إلى وحدات فرقته بالاستعداد لسحق الثورة، والزحف على بغداد، واتصل بقائد اللواء الأول في المسيب، وبقائد حامية البصرة الزعيم الركن ناجي طالب، وحثهما على التحرك لسحق الثورة.

كما اتصل بشيوخ العشائر في جنوب العراق، وحرضهم ضد الثورة.

لكن قـيادة الثورة في بغداد اتصلت به، وأكدت استعدادها للتعاون والتفاوض معه، ولم يمض وقت طويل، إلاّ واستسلم اللواء عمر علي، تحت ضغط من الضباط الأحرار، داخل فرقته في الديوانية، خاصة بعد أن لمس عدم تعاون كل من قائد حامية البصرة، وقائد اللواء الأول معه.

كذلك أصدر قائد الفرقة الثانية، الزعيم الركن عبد الوهاب شاكر، في كركوك، تعليمات مماثلة بالزحف على بغـداد، إلاّ أن تحركات الضـباط الأحـرار وتدابيرهم في الفرقـة أفشلت خططه، إضافة إلى عدم وجود أية قوة أخرى يمكن أن تساعده.

وكانت خطة أمن بغداد، التي وضعها رئيس أركان الجيش اللواء محمد رفيق عارف، تقضي بأن يكون اللواء الأول والمُعدّ جيداً، والذي يتمركز في المسيب، ويقوده اللواء وفيق عارف شقيق رئيس أركان الجيش، على أهبة الاستعداد للتحرك عند وجود أي قلاقل أو اضطرابات في بغداد.

غير أن هذا اللواء لم يتحرك؛ لأن العقيد أحمد حسن البكر كان قد أبلغ الضباط الأحرار باللواء، في مساء يوم 13 يوليه 1958، بموعد الثورة، فاستعدوا واتخذوا الاحتياطات اللازمة للسيطرة على اللواء، وتمكنوا من اعتقال قائده، وحلّ العقيد فاضل عباس المهداوي مكانه؛ لأنه كان الأعلى رتبة بين الضباط الأحرار.

وعلى هذا النحو استطاعت الحركة أن تسيطر على الموقف في جميع أنحاء العراق، بعد أن التفّت حولها جميع الوحدات العسكرية في ساعاتها الأولى.


رد الفعل الشعبي داخل العراق


لم يكن تأييد الجماهير للثورة عفوياً، وإنما جاء نتيجة إعداد مسبق لهذه الحركة، فتنظيمات الضباط الأحرار كان لها اتصال بالأحزاب السياسية بصورة منفردة أو جماعية، عن طريق جبهة الاتحاد الوطني، ومن ثم عملت أحزاب الجبهة على تهيئة الجماهير لمثل هذا الحدث، ولولا مساهمة الجماهير في تأييد هذا الحدث لما حققت الثورة هذا النجاح، في الساعات الأولى لها.

وكان للأحزاب السياسية علم بالموعد التقريبي المنتظر للثورة، فحزب البعث العربي الاشتراكي تم إبلاغه عن طريق بعض الضباط الأحرار باللواء العشرين، وطُلِب منه أن يكون على أهبة الاستعداد لمساندة الضباط الأحرار عند الحاجة.

وفي الوقت نفسه تم إبلاغ كل من الحزب الشيوعي، وحزب الاستقلال، والحزب الوطني الديموقراطي، وجبهة الاتحاد الوطني بالموعد المنتظر للثورة.

وهكذا وقفت الأحزاب السياسية المكونة لجبهة الاتحاد الوطني بجانب الثورة، منذ اللحظات الأولى.

وعملت على إلهاب مشاعر الجماهير وتحريكها، وإثارتها لمساندة الثورة.

واستمرت القيادات الشيوعية، من جبهة الاتحاد الوطني، في تحريض الجماهير وقيادتها، على الإضرابات والتظاهرات، والقتل والسحل، دون توقف، إلى يوم مجزرة كركوك في 14 يوليه 1959.

وعن طريق عقد الاحتفالات والمهرجانات، وإطلاق الشائعات عن وجود مؤامرات وتخريبات يعدها أعداء الجمهورية الفتية، وبحجة الحذر والدفاع عن الجمهورية ضد أعدائها في الداخل.

كما استخدمت القيادات الشيوعية ما سُمي بجيش المقاومة الشعبية لنشر الرعب والخوف في شوارع بغداد ومنازلها.

ومن ذلك ما حدث في 9 مارس 1959، حين انطلقت تظاهرة من عمال "محلة وادي الحجر"، وانضم إليهم الجنود، وقتلوا الكثيرين، منهم المقدم صديق، والقائد الركن نافع، والقائد الركن غانم حنون.

وهرب كثير من الضباط إلى المقابر، حيث لاقوا حتفهم هناك.

أما عمال "عين زالة" فقد شاركوا في أعمال القتل الجماعي، وشكلوا محكمة برئاسة أحد العمال، حكمت على عدد كبير من الضباط بالموت، وتم تنفيذ الحكم على الفور.

ولم يتوقف الشيوعيون عن أعمالهم الإرهابية، وموجات القتل إلاّ عندما انقلب عليهم عبدالكريم قاسم، وطالبهم بإيقاف أعمالهم هذه، وكان ذلك بعد مجزرة كركوك، التي أثارت استياءً شديداً داخل العراق وخارجه.


الموقف العربي من الثورة



1. موقف الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسورية)


أرسل مجلس السيادة العراقي (وهو المجلس الذي شكله ضباط الثورة، بقيادة عبدالكريم قاسم لإدارة البلاد)، بعد ثلاث ساعات من قيام الثورة، برقية إلى الرئيس جمال عبد الناصر يُعلن اعتراف العراق بالجمهورية العربية المتحدة، جاء فيها: "الجمهورية العربية المتحدة: سيادة الرئيس جمال عبدالناصر، بمزيد الفخر والاعتزاز نقدم اعترافنا بالجمهورية العربية المتحدة، ونرجو الله أن يوفقنا لخدمة العروبة وخدمة الشعوب".

كان جمال عبدالناصر في يوغوسلافيا، وسمع بقيام الثورة في العراق من راديو بغداد في صباح يوم 14 يوليه 1958، وكان تعليقه الأول، بعد سماع الخبر، هو أن قيام الثورة في بغداد سوف يقلب المنطقة رأسًا على عقب، وأن الساعات القليلة القادمة قد تشهد أخطارًا داهمة؛ لأنّ الغرب والولايات المتحدة الأمريكية في مقدمته قد يتصرفون جميعًا بحالة من الجنون يصعب تقدير عواقبها.

وكان تعليقه الثاني هو استعادة كل ما سمعه من عبدالحميد السراج عن الضابطين اللذين اتصلا به [9]، ثم كان تعليقه الثالث، أنه لابد من إعلان حالة التأهب القصوى في الجمهورية العربية المتحدة.

واتصل بالفعل بعبد الحكيم عامر في القاهرة، وطلب منه إعلان حالة الطوارئ القصوى، ومتابعة كل الإشارات التي تصدر من الباخرة "الحرية" المرافقة لجمال عبدالناصر في يوغوسلافيا.

ثم أرسل جمال عبد الناصر بياناً من القاهرة كتبه شخصياً بخط يده تضمن: "إن الجمهورية العربية المتحدة ستقوم بالتزاماتها كاملة تجاه جمهورية العراق، وفقاً لميثاق الضمان الجماعي العربي، وإن أي عدوان على جمهورية العراق يعتبر عدواناً على الجمهورية العربية المتحدة".

كما بعث إلى دمشق والقاهرة يطلب إجراء اتصالات عاجلة، بكل الوسائل المباشرة، مع القيادات العراقية الجديدة، والتعاون معها إلى أقصى الحدود فيما تطلبه، وفي الوقت نفسه كتب مجموعة من النصائح طلب إيصالها إلى بغداد.


وكان أهمها:


- التعهد باستمرار تدفق النفط العراقي إلى أسواقه.

- التأكيد على استقلالية الثورة العراقية عن كل الأطراف، بما فيهم الجمهورية العربية المتحدة.

- عدم التسرع بإبداء اتجاهات وحدوية، حتى لا تثور ثائرة الغرب ضـد الثورة في مرحلة التعرض الأولي للخطر.

وقطع جمال عبدالناصر رحلته، وعاد سراً على الباخرة "الحرية"، التي عملت كمركز قيادة عائم، ومع صباح يوم 15 يوليه 1958، تلقى نبأ نزول القوات البحرية الأمريكية على الشواطئ اللبنانية قرب بيروت.

ثم اضطر إلى العودة إلى ميناء بريوني اليوغسلافي؛ لأن طريق البحر أصبح غير آمن على سلامته.

وبدأت أجهزة الاستقبال على الباخرة "الحرية"، تتلقى فيضاً من رسائل وكالات الأنباء، وكلها تشير إلى إعلان حالة الطوارئ في كل القواعد الأمريكية في البحر المتوسط وأوروبا الغربية.

وكانت هناك إشارات لا يمكن أن يخطئها أحد في تحركات القوات البريطانية، براًّ وبحراً، على القوس الممتد من جبل طارق إلى عدن، وكان هذا السيل من الرسائل ينقل على الفور إلى جمال عبدالناصر.

واستقر جمال عبدالناصر على فكرة مؤداها أنه بعد العودة إلى بريوني، سيتوجه سراًّ بالطائرة إلى موسكو، يلتقي فيها القادة السوفييت؛ لكي يتعرف مباشرة على نواياهم.

وتوجّه جمال عبدالناصر من بريوني إلى موسكو، بعد اتصاله بخروشوف، فوصل إليها فجر يوم 17 يوليه 1958، وتم اللقاء بين جمال عبدالناصر وخروشوف في الساعة العاشرة من اليوم نفسه، وقال خروشوف موجهاً كلامه إلى جمال عبدالناصر: إن ثورة العراق كانت مفاجأة لهم، لقد سقط حلف بغداد، فهل يتصور أحد الآن حلف بغداد بغير بغداد؟ أو أن بغداد أصبحت فجأة ضد حلف بغداد؟

وكانت وجهة نظر جمال عبدالناصر هي "أن الموقف خطير، وأن الجمهورية العربية المتحدة لا تريد أن تضاعف من خطورته، وأنها سوف تبذل كل جهدها للسيطرة على ردود أفعالها؛ لأنها لا تقبل أن تعرض السلام العالمي للخطر، وأكد جمال عبدالناصر أنه عندما يعود إلى المنطقة اليوم، فإنه سوف يبذل كل جهده لتهدئة أعصاب الأطراف، لكنه يشعر أن بعضهم يدفع الأمور إلى مناطق خطرة.

وأوضح جمال عبد الناصر لخروشوف مدى علاقته بقادة ثورة العراق بقوله: "أنا لم التق بالقيادات الجديدة للعراق، وإن كنت أتوقع أن يحدث ذلك بعد عودتي إلى المنطقة، لكن شعوري الآن هو الاستعداد لأكبر قدر من التعاون والتنسيق بغير وحدة، (يقصد مع العراق)، فنحن ما زلنا نحاول حل مشكلات الوحدة بين مصر وسورية".

واستطرد جمال عبدالناصر قائلاً: "فيما يتعلق بالموقف الراهن فإني أراه في حاجة إلى أعصاب، وأنا أرى أن أعصاب الغرب فالتة، وبصراحة فإني أفهم قلقهم، فالمنطقة تبدو أمامهم كشلال يتدفق، ومهما كان رأيي في سياستهم السابقة واللاحقة في المنطقة، فأنا على استعداد لأن أرى العصبية التي يتصرفون بها، لها ما يبررها ولو جزئياًّ، ولكني لا أعرف كيف ستتطور الأمور".

وقال: إنه أرسل فعلاً إلى قادة الثورة بنصيحته أن يحرصوا على استمرار تدفق النفط العراقي إلى الغرب؛ حتى لا يخلقوا لأنفسهم مشكلة لا مبرر لها، وأضاف أنه مع هذا كله أراد أن يعرف مباشرة موقف الاتحاد السوفيتي، في حالة ما إذا أصر الآخرون على التصعيد دون مبرر حقيقي أو قانوني".

وكانت وجهة نظر خروشوف أن جمال عبدالناصر مصيب، فعلاً، في تقديره، فالأمر يحتاج إلى أعصاب باردة، وأضاف أن معلوماتهم تؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية، لا تنوي توسيع نطاق العمليات؛ لأنهم يعرفون أنهم إذا فعلوا، فإن العالم العربي كله سيقف ضدهم لا محالة.

وقال: "لذلك يجب أن تبنوا موقفكم على أساس أنها مواجهة سياسية، وليست عسكرية، ولا يجب أن تكون عسكرية".

استطاع جمال عبدالناصر، أن يحرِّض الاتحاد السوفيتي على القيام بمناورات كبيرة على الحدود البلغارية - التركية، وحمل الدول الغربية على عدم التدخل في شؤون العراق.

والواقع أن خروشوف لم يكن مستعداًّ لتحمل أية مخاطرة قد تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة، واكتفى بإعلان مناورات عامة على الحدود البلغارية - التركية، وقـال لجمال عبدالناصر: "إنني أقول بصراحة، لا تعتمد على أي شيء أكثر من هذا".

ومع ذلك تذكر المصادر السوفيتية أن خروشوف أبلغ جمال عبدالناصر قائلاً: "المتطوعون السوفييت متأهبون في المطارات السوفيتية للذهاب فور الطلب" [10].

وعاد جمال عبدالناصر، وأبرق بتحياته، وهو في أجواء إيران والعراق، إلى زعماء الثورة، فاقترحوا عليه الهبوط في بغداد، ولكنه رفض معتذراً بأن هذا يوم العراقيين وحدهم، ولا ينبغي التدخل في شؤونهم، ثم وصل إلى دمشق، وأعلن رسمياًّ عن هذه الرحلة السرية، وأكـد جمال عبدالناصر في حديثه للجماهير، التي احتشدت في ساحة قصر الضيافة، مؤكّدًا على أن حكومة الجمهورية العربية المتحدة تعلن أن أي عدوان على الجمهورية العراقية يُعدّ في الوقت نفسه عدواناً على الجمهورية العربية المتحدة.

وكانت إذاعة موسكو تذيع بيانًا مؤدّاه أن جيش القوقاز، وقوامه نصف مليون جندي، يقوم بمناورات ضخمة على حدود تركيا وإيران.

ولعل الإعلان الواسع عن هذه المناورات لم يكن موجهاً إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بقدر ما كان موجهاً لتركيا.

وفي لندن كانت الدهشة واضحة، ومعها التساؤل عما دار في اجتماع جمال عبدالناصر وخروشوف، وقد طرح هذا التساؤل، في الوقـت نفسه، عنصراً من القلق حول ما يمكن أن يكون الاتحاد السوفيتي قد قطعه على نفسه من تعـهدات.

وفي إسرائيل، دعا بن جوريون إلى اجتماع للجنة الأمن القومي والدفاع، في مجلس الوزراء، وطرح فكرة أن الوقت مناسب لتوجيه ضربة عسكرية إلى سورية، ولقي معارضة، في ذلك، من جولدا مائير، التي كان رأيها أن أي تحرك عسكري إسرائيلي، في هذا المناخ الدولي، يمكن أن يجيء بمضاعفات ينقلب أثرها على إسرائيل، وكان تقديرها أن ذروة الأزمة قد فاتت، وأنه من الواضح أمامها حرص القوتين العظميين على تجنب الصدام المباشر بينهما، ومن ثم فإن أي مغامـرة إسرائيلية قد تجد نفسها مواجهة بلوم أمريكي شديد لا تستطيع تحمله في الأوضاع الراهـنة.

وكانت هناك أغلبية، في لجنة الأمن القومي والدفاع، تؤيد وجهة نظرها.

بعثت حكومة الثورة العراقية السيد فائق السامرائي، في مهمة سياسية عسكرية، إلى مصر، فاجتمع، حال وصوله، بالمشير عبدالحكيم عامر نائب رئيس الجمهورية، وطلب منه تزويد العراق بالأسلحة فورًا لحاجته الماسة إليها؛ بعد الإنزال الأمريكي في لبنان، والبريطاني في الأردن، والحشود التركية على الحدود الشمالية للعراق؛ ولأن تسليح الجيش العراقي، بوساطة حلف بغداد، لم يكن سوى أكذوبة.

وعلى هذا أرسلت القيادة المصرية بالقاهرة باخرة محملة بالأسلحة البريطانية إلى العراق؛ فقد كان تسليح الجيش العراقي بريطانياًّ، عن طريق اللاذقية على أمل أن تُرسل باخرة أخرى بعدها.

وبناء على طلب العراق، كذلك، وصلت إلى الحبانية كتيبة مدفعية سورية مضادة للطائرات وسـرب طائرات ميج "MIG"، من سلاح الجو العربي للجمهورية العربية المتحدة، بعد أن بُحث ذلك في اجتماع دمشق بتاريخ 19 يوليه 1958.

ومن جهة أخرى، قرر مجلس الوزراء العراقي إرسال وفد لمقابلة الرئيس جمال عبدالناصر، بعد وصوله إلى دمشق، عائداً من رحلته السرية إلى موسكو، وفي أعقاب مروره بالأجواء العراقية، وتبادل التهاني بينه وبين المسؤولين في العراق، بمناسبة نجاح الثورة.

وتألف هذا الوفد من العقيد الركن عبدالسلام محمد عارف "نائب رئيس مجلس قيادة الثورة" وكل من: محمد صديق شنشل، "وزير الإرشاد القومي"، ومحمد حديد، "وزير المالية"، وعبدالجبار الجومرد، "وزير الخارجية"، ووصل الوفد إلى دمشق صباح يوم 18 يوليه 1958، وسط مظاهرات شعبية واسعة في استقباله، ثم اجتمع بالرئيس جمال عبدالناصر، بعد أن انضم إليه عدد من الضباط.

وفي اجتماع دار بين جمال عبدالناصر، مع صديق شنشل، الذي كان صديقًا قديمًا لجمال عبدالناصر، قال جمال عبدالناصر: "إن ما حدث في بغداد كان بالنسبة له أشبه ما يكون بالأحلام مستحيلة التحقيق".

وفوجئ جمال عبدالناصر بصديق شنشل يقول له: "على المستوى القومي نعم يا سيادة الرئيس، ولكنه على مستوى الوطن العراقي يمكن أن يتحول إلى كابوس ثقيل"، وبدت الدهشة على وجه جمال عبدالناصر؛ لأن ما قاله صديق شنشل يبدو له أسوأ ما تصور.

ومضى شنشل يقول: "إن على رأس الثورة العراقية الآن رجلين، أولهما نصف مجنون، والثاني نصف عاقل".

كان نصف المجنون، في تقديره، هو عبدالكريم قاسم رئيس مجلس قيادة الثورة، وكان نصف العاقل، في تقديره، هو عبدالسلام محمد عارف.

وراح صديق شنشل يروي لجمال عبدالناصر التفاصيل التي قامت فيها الثورة، وكيف أنه كانت هناك مجموعات تتسابق إلى القيام بها، منذ جرى تأسيس دولة الوحدة بين مصر وسورية في شهر فبراير 1958، ثم كيف أن عبدالكريم قاسم وعبدالسلام محمد عارف انفردا بالعمل في الأيام الأخيرة.

ومن خلال هذه التفاصيل بدأت توجسات جمال عبدالناصر تزداد، لحظة بعد لحظة، خصوصًا أنه سمع عن العلاقات المتوترة بين عبدالكريم قاسم وبين عبدالسلام محمد عارف.

وقال جمال عبدالناصر لصديق شنشل: "إنني قبلت بالوحدة مع سورية لظروف تعرفـها، ولقد تصورت أننا نستطيع أن نقوم بخطوة كبيرة إلى الأمام، ثم ندعم الخطوط، ونسد الثغرات على مهل، ولكن ذلك لم يحدث، فلا تزال خطوطنا طويلة ومكشوفة حتى الآن، وعلى الرغم من كل محاولاتي فلابد أن أعترف لك أننا لم ننجح بالقدر الذي تصورته أو تمنيته، وأنا لا أريد أن أحمل تجربة الوحدة بين مصر وسورية بتبعات كل هذه التناقضات القائمة في بغداد الآن.

ولهذا فسوف تجدني على استعداد لأن أقوم بكل عمل من شأنه تدعيم ثورة العراق، ومن شأنه فتح آفاق التعاون الممكن بين البلدين.

ولكنني أرجوكم ألاّ تطالبوني بأي خطوة وحدوية الآن"، وقال صديق شنشل: "إن هذا رأيه بالفعل، وأنه جاء إلى دمشق عازماً على أن يصارح جمال عبدالناصر به، من منطلق قومي، وإنه لو كان قد وجد لديه اتجاهاً آخر لنصحه بعكسه، على الرغم من إيمانه الكامل بحقيقة الوحدة العربية".

ومن ناحية أخرى تمخض الاجتماع بين الجانبين عن توقيع اتفاقية للتعاون بين الجمهورية العربية المتحدة والجمهورية العراقية.

كان لهذه الاتفاقية أثر كبير في دعم الثورة وتعزيز مواقعها، إذ اطمأنت حكومة الثورة إلى أنها لن تكون وحيدة إذا تعرضت لهجوم خارجي، سواء من دول حلف بغداد أم من الأردن.


2. موقف باقي الدول العربية الأخرى


وتوالت اعترافات الدول العربية بحكومة الثورة العراقية بدءًا بالمملكة المتوكلية اليمنية، واستمرت حتى الأسبوع الثاني من قيام الثورة، باستثناء المملكة الأردنية الهاشمية، ولبنان.

وقد رحب أمير الكويت، الشيخ عبدالله السالم الصباح، بثورة العراق؛ لأنها خلّصته من ضغوط نوري السعيد، وأبعدته عن فكرة الانضمام إلى "الاتحاد الهاشمي".

وزار الشيخ عبدالله السالم الصباح بغداد، في أكتوبر 1958، ليقدم التهنئة لرجال الثورة، ومكث في بغداد خمسة أيام.

وكان رئيس الوزراء العراقي، عبدالكريم قاسم، على رأس مستقبليه عند وصوله إلى أرض المطار.


رد الفعل الدولي من ثورة العراق



الموقف السوفيتي


اعترف الاتحاد السوفيتي بالنظام الجديد في العراق، بعد أربع وعشرين ساعة من إعلان الثورة، وخرجت مظاهـرات كبيرة في موسكو تأييداً لثورة العراق، وضد محاولات التدخل الأمريكية في شؤون لبنان والعراق الداخلية.

وأصدر الاتحاد السوفيتي بيانين بهذا الشأن في 16، 18 يوليه 1958، هاجم فيهما ادعاءات الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا حول "حماية استقلال لبنان، والمملكة الأردنية الهاشمية، بطلب من حكومتيهما.

كما أكد رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي، في رسـالة وجهها، في 19 يوليه، إلى رؤساء حكومات الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا بأن التدخل الإمبريالي المسلح في لبنان والمملكة الأردنية الهاشمية، والخطر الماثل في عدوان مماثل على العراق، والدول العربية الأخرى، قد يؤديان إلى نتائج غير متوقعة، وفي منتهى الخطورة، ويخلقان سلسلة من ردود الفعل التي قد يكون من المتعذر وقفها.

واقترحت الحكومة السوفيتية إجراءات عملية وفورية: منها سحب القوات الأمريكية والبريطانية من لبنان، والمملكة الأردنية الهاشمية، وعقد مؤتمر يضم رؤساء حكومات الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا وفرنسا لتسوية مشكلات الشرق الأوسط.

وفي 20 يوليه 1958، حذر الاتحاد السوفيتي مجدّدًا حكومات الدول الغربية من مغبّة تدخلها في شؤون البلدان العربية، ونبهت حكومات ألمانيا الغربية وإيطاليا إلى ما قد يحدث، لو استخدمت أراضيها وفضاءها الجوي لنقل قوات أجنبية للمنطقة.

ومن ناحية أخرى هاجمت صحيفة البرافدا، الناطقة بلسان الحكومة السوفيتية، إنزال الولايات المتحدة الأمريكية أسطولها في لبنان، على أساس أنه "عمل عسكري مباشر وعدوان مكشوف"، وألمحت الصحيفة إلى أنه ما لم تتوقف الولايات المتحدة الأمريكية، عن المضي في تنفيذ نية التدخل المسلح ضد الثورة العراقية فإن المتطوعين سيتوجهون من أقطار الكتلة الشرقية إلى الشرق الأوسط.

وفي الوقت نفسه وصلت طائرات مقاتلة سوفيتية، من نوع ميج "MIG "، إلى مطار دمشق في 19 يوليه 1958، كما شوهدت طائرات النقل السوفيتية الكبيرة، وهي تحمل شحنات من الأسلحة في المطار نفسه.


موقف دول حلف بغداد


أما عن موقف دول حلف بغداد، فكان المفروض أن ينعقد مجلس حلف بغداد في استانبول، في 14 يوليه 1958، على مستوى رؤساء حكومات الدول الأعضاء فيه، إلاّ أن قيام الثورة حال دون ذلك، ثم أصدرت الدول الأعضاء في الحلف بياناً استنكرت فيه أحداث الثورة، ووصفتها بأنها تأثير هدام قادم من الخارج، وأن قادة الانقلاب يستلهمون أفكارهم من دول أجنبية.


وأصدرت الحكومة التركية في الوقت نفسه بياناً جاء فيه:


"إن المغامرين السياسيين في العراق يرتأون، من وراء القـيام بالانقلاب، القضاء على حلف بغداد، الذي يُعدّ مصدر السلام في الشرق الأوسط، وإن اختيار يوم اجتماع مجلس الحلف لتنفيذ هذا الانقلاب خير دليل على ذلك".

وفي أعقاب هذا البيان، وبالتحديد في 15 يوليه 1958، توجه الملحق العسكري الإسرائيلي إلى وزارة الدفاع التركية، واقترح على رئيس أركان الجيش التركي المشروع الآتي: "إن نظام الحكم في المملكة الأردنية الهاشمية ستضمن سلامته إنجلترا.

وأمَّا نظام الحكم في الجمهورية اللبنانية فسوف تضمن سلامته الولايات المتحدة الأمريكية، وإن إسرائيل ستفصم عرى الوحدة بين مصر وسورية، وعليه يجب أن تتآزر تركيا مع إيران لإعادة النظام الملكي في العراق".

وتحدث وزير خارجية تركيا في المؤتمر الصحفي، الذي عقده بأنقرة في 18يوليه 1958، عن أحداث العـراق فقال: "في اعتقادي الجازم ليس هناك أي سؤال فيما يتعلق بالنظام الجديد في العراق اليوم، إن رئيس الاتحـاد الهاشمي هو الملك حسين، وإن الحكومة الشرعية الآن هي حكومة المملكة الأردنية الهاشمية".

ومن ناحية أخرى فقد صرح عبدالمجيد حيدر، السفير الأردني في أنقرة، "بأن الملك حسين طلب من الولايات المتحدة الأمريكية، وتركيا، المعونة العسكرية لمقاومة الوضع الجديد في العراق".

وإزاء هذا الوضع، وجّه الاتحاد السوفيتي مذكرة إلى الحكومة التركية، في 18 يوليه 1958، جاء فيها: "إنّ هناك استعدادات واسعة النطاق في تركيا للقيام بهجوم ضد العراق"، وحذّر من الاعتداء على العراق، فردّت الحكومة التركية على المذكرة، في 22 يوليه 1958، مؤكدة أن أعمال تركيا هي دفاعية في طبيعتها.

إلاّ أن الحكومة السوفيتية بعثت بمذكرة أخرى، في 24 يوليه 1958، حذرت فيها من مغبة القيام بتحركات عسكرية ضد ثورة العراق، وجاء في المذكرة كذلك أن تركيا ستصبح مسؤولة عن نتائج أي عمل عدائي تقوم به ضد النظام الجديد في العراق.

وعلى الرغم من ذلك فقد استمرت تحركات الجيش التركي نحو الجنوب، غير أن النشاط الأمريكي القوي، وإبداء النصيحة لعدنان مندريس، حال دون تصعيد الموقف.

اتضح من مذكرات خير الدين آركمن، خلال محاكمة عدنان مندريس ووزرائه، على أثر انقلاب 27 مارس 1960، أن فطـين رشدي زورلو، وزير خارجية تركيا السابق، اقترح أن تتدخل تركيا عسكرياًّ في العراق.

وبعد مباحثات جرت بين جلال بايار رئيس الجمهورية وعدنان مندريس أعلنا موافقتهما على هذا الاقتراح.

وقد أعدت وزارة الدفاع التركية خطة لتنفيذ ذلك، واتخذت قراراً بالتدخل دون علم المجلس الوطني التركي، غير أن الولايات المتحدة الأمريكية منعت تركيا من تنفيذ هذا القرار.


وفي إيران:


تجمعت عناصر من المرتزقة الأوروبيين بغرض التسلل إلى العراق، وإحداث بعض العنف والتدمير والاغتيالات، كما أعلن شاه إيران الحداد العام، لمدة ثمانية أيام، على أرواح من قُتل في ثورة 14 يوليه 1958.

ومما تجدر الإشارة إليه أن ثورة 14 يوليه 1958، كشفت عن حقائق مهمة حول حلف بغداد، أبرزها وجود اتفاق غير معلن هدفه سيطرة باقي دول الحلف على العراق، من الداخل، في حالة حدوث أي تغيير ضد نظام الحكم فيه.


رد فعل إسرائيل


صرح بن جوريون رئيس الوزراء الإسرائيلي، أمام أعضاء لجنة الأمن والخارجية في الكنيست الإسرائيلي، بقوله: "إن أمن إسرائيل قد تأثر تأثراً خطيراً بسبب ثورة العراق؛ ولذلك سوف نجدد طلبنا للحصول على أسلحة ثقيلة من الغـرب، كما سنطالب الدول الغربية الثلاث بتجديد ضماناتها التي سبق أن وعدت إسرائيل بها في عام 1955، بشـأن المحافظة والإبقاء على حدودنا الحالية".

وذكر ولدمار غولمان سفير الولايات المتحدة الأمريكية، في العراق أن وفاة نوري السعيد كانت خسارة لإسرائيل كذلك.

وفي واشنطن نادى البعض، ومنهم شخصيات من الاستخبارات المركزية، بأهمية التعاون مع إسرائيل ودعمها عسكرياًّ.

وأرسل بن جوريون عددًا من الرسائل إلى أيزنهاور، بدءاً من يوم 16 يوليه 1958، أي بعد الثورة العراقية بيومين أوضح فيها حاجة إسرائيل إلى رادع قوي يحمي أمنها من مخاطر تيار الوحدة العربية، ورد عليه أيزنهاور بقوله: "إن الولايات المتحدة الأمريكية تعلق أهمية كبيرة على سلامة دولة إسرائيل".


الموقف الأمريكي والبريطاني


كان السفير الأمريكي في بغداد آنذاك، والتر جولمان، يتابع الموقف عن كثب، أولاً بأول، ووصف تجمع المتظاهرين في بغداد حول القصر الملكي أثناء قصفه.

وذكر أن أحد رجال نوري المقربين هرع إلى مبنى السفارة الأمريكية، طالبًا اللجوء.

واستضافته السفارة الأمريكية بالفعل، وجعلته يترجم لها بيانات الثورة من العربية على الفور.

وفي يوم 15 يوليه 1958، وهو اليوم التالي للثورة، عندما ذاع خبر إنزال الأسطول السادس الأمريكي في لبنان، تملك الخوف السفير الأمريكي من اشتعال التظاهرات ضد أمريكا، أو الإقدام على اقتحام السفارة، على الرغم من إحاطة السفارة بالدبابات، ووجود قوات عسكرية مقيمة في أراضي السفارة لحماية الدبلوماسيين الأمريكيين.

ومع ذلك عُلقت على مدخل السفارة لافتة كبيرة معادية لأمريكا، ورُسمت على أسوار حديقة السفارة شعارات وهتافات ضد أمريكا.

ثم ذكر السفير -بعد ذلك- حيلته في تهريب اللاجئ السياسي إليهم، في ملابس سائق في إحدى سيارات السفارة الأمريكية، حيث حملته إلى مكان آمن.

عبّرت الولايات المتحدة الأمريكية عن موقفها من ثورة 14 يوليه، على لسان رئيسها أيزنهاور، بأن الوضع خطير، وأن الولايات المتحدة الأمريكية، سـوف تكون مطالبة بالتصرف فيه، بحيث لا يخطئ أحد منهم نواياها.

وفور سماعه نبأ الثورة، أصدر أوامره بأن تكون القواعد البرية والجوية والبحرية، في أوروبا الغربية، جاهزة للعمل بمقتضى حالة الطوارئ القصوى، واستفسر من الجنرال "توايننج" رئيس هيئة الأركان المشتركة عن القوات الجاهزة للتدخل السريع، إذا ما تطلّب الأمر ذلك.

وعلى الفور، طلب عقد مؤتمر لمجموعة عمل تضم وزارتي الخارجية والدفاع وأجهزة الاستخبارات في الجيش والأسطول والطيران، إلى جانب الاستخبارات المركزية لدراسة الموقف والخروج بالتوصيات اللازمة، وقرأ أيزنهاور تقرير مجموعة العمل.

وتم الاتفاق على ضرورة التدخل العسكري؛ لأن الامتناع عن التدخل سيترتب عليه:

سيطرة جمال عبدالناصر على المنطقة بأكملها.

ضياع نفـوذ الولايات المتحدة الأمريكية، ليس في الدول العربيـة وحدها، ولكن في المنطقة كلها بشكل عام.

أن يصبح الاعتماد على تعهدات الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم المساعدة، عند الحاجة، موضع شك في جميع أنحاء العالم.

ودعا أيزنهاور إلى الاجتماع بمجلس الأمن القومي الأمريكي، في صباح اليوم التالي، وسجل في يومياته عن هـذا اليوم قوله: "في هذا الصباح دعوت مجموعة مستشاري إلى اجتماع في مكتبي، لكي أتأكد للمرة الأخيرة أن احتمالات الموقف كافة قد تم بحثها، كما أن آخر المعلومات الدقيقة متوافرة لدي، وقد كان ذلك يومًا بدأته وأنا أعرف ما ينبغي عليّ أن أفعله فيه، كنت مقتنعاً بأننا أمام ضرورة التدخل في الشرق الأوسط. لقد جاء الوقت الذي يتحتم علينا فيه أن نتدخل، وبالذات في لبنان، لكي نمنع تردّي الموقف إلى حالة من الفوضى الشاملة، وكان هناك عنصر آخر في تقديري، وهو أن حياة الرعايا الأمريكيين في لبنان قد تكون في خطر".

ويستمر أيزنهاور في قوله: "إنه طلب من آلان دالاس مدير وكالة الاستخبارات المركزية أن يبدأ بعرض ما عنده من مستجدات، ورد آلان دالاس قائلاً: "إنّ المعلومات المتيسّرة لدينا تؤكد أن الانقلاب قام به عناصر موالية لجمال عبدالناصر، وإن كنا لا نملك حتى الآن معلومات توضح لنا صلة جمال عبدالناصر بهم، وما إذا كان هـو شخصياًّ وراء الانقلاب، وهناك حظر تجول الآن في بغداد، الأمر الذي تصعب معه فرصة جمع معلومات دقيـقة، وقد بلغنا أن حوالي خمسين ضابطا من الضباط الموالين للغرب قد أُحيلوا إلى التقاعد، وليست لدينا معـلومات عن القوات خارج بغداد، ومن المحتمل أن توجد في مكان ما قوات موالية للملكية.

ولما كان اختفاء الملك فيصل ورئيس وزرائه نوري السعيد قد حرم مثل هذه القوات الموالية للملكية، على فرض وجودها، من قيادة توجهها، فإن الملك حسين، كما علمنا، باعتباره الرجل الثاني في الاتحاد الهاشمي يظن أنه يستطيع أن يعطي هذا التوجيه.

وقد أصدر بالفعل أوامر، أذاعتها عمان، إلى وحدات الجيش العراقي التي تصورها موالية للملكية.

ولكننا لا نعرف إلى أي مدى يمكن أن يتحقق مثل هذا الأمر، والمعلومات المتوافرة لدينا، من إسرائيل، تفيد أن رئيس الوزراء دافيد بن جوريون في حالة هيجان شديدة، وأنه قد ينتهز الفرصة مدفوعًا ببعض المتشددين إلى احتلال الضفة الغربية للأردن.

وفي لبنان أبلغنا كميل شمعون، أنّ الموقف ينذر بأسوأ العواقب.

وقال لسفيرنا إنه إذا لم نتدخل عسكرياًّ نحن وبريطانيا، فإنّ كل شيء سوف يضيع، إنّ شمعون يشعر بمرارة شديدة؛ لأننا لم نسانده حتى وقعت الكارثة".

ويستطرد آلان دالاس قائلاً: "إن الملك سعود في حالة قلق شديد، وهو يطلب من دول حلف بغداد التدخل العسكري في بغداد.

ويذكر أيزنهاور، في مذكراته، تحليل وزير خارجيته جون فوستر دالاس للموقف بقوله: "إنه يعتقد أن السوفييت سوف يحدثون بعض الضجيج، وبعض إشارات التهديد الموجهة ضد تركيا وإيران بالذات، ولكنهم لن يذهـبوا إلى أبعد من هذا، إلاّ إذا تصوّروا أنّ نتائج قيام حرب عالمية، في هذا الوقت، قد تكون مواتية لهم، وإن كان لا يعتقد أن السوفييت يريدون مثل هذا الاختبار لقوتهم في مواجهة قوتنا، خصوصـاً إزاء تفوقنا عليهم في القاذفات".

وأضاف دالاس أنه إذا تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية عسكرياًّ في لبنان، فإن رد الفعل العربي هو الذي يجب أن يحسب حسابه؛ فقد نتعرض لحملات سياسية، وقد يكون هناك خطر على خطوط أنابيب البترول، وقد تُغلق قناة السويس في وجه بواخرنا، ثم إنّ البريطانيين سوف يجدون أنفسهم مضطرّين إلى إعادة احتلال الكويت لحماية بترولهم".


ويذكر أيزنهاور في مذكراته:


"لقد وصلنا الآن إلى مفترق الطرق، فمنذ سنة 1945 وسياستنا تقوم على ضرورة الوصول إلى منابع البترول، وضمان سيطرتنا عليها، دون أية عوائق من جانب أي طرف، وأن يتحـقق ذلك سلمياًّ إذا أمكن، والآن فإنّ علينا أن نناضل لكي نمنع ناصر من السيطرة على هذه الموارد، وإلاّ نكون قد تركنا له المال والنفوذ والقوة، التي يتمكن بها من تدمير العالم الغربي.

لقد كان علينا، في نقطة ما على الطريق، أن نواجه هذه المشكلة، وقد وصلنا إلى هذه النقطة الآن".

وعلى هذا أصدر أيزنهاور أوامره إلى الجنرال توايننج بالتدخل العسكري.

وفي حديث تليفوني بين أيزنهاور وهارولد ماكميلان، رئيس وزراء بريطانيا، في شأن تدارس الموقف في المنطقة، أوضح أيزنهاور أنه لا يمكن التدخل في سورية والعراق دون إذن من الكونجرس.

ويبدو أنّ ماكميلان اقترح عليه عملاً عسكرياًّ مشتركاً لا يتوقف عند حدود لبنان، وإنما يمتد إلى سورية والعراق.

جاءت الأخبار من الجنرال توايننج إلى أيزنهاور عن نزول طلائع القوات البحرية إلى شاطئ بيروت، وقد بلغ تعدادها 14357 جنديًا أمريكيًا، وكان قائد الجيش اللبناني اللواء فؤاد شهاب في استقبالها، ومعه السفير الأمريكي في بيروت "روبرت ماكلينتوك".

وما يلفت النظر هنا، أنّ أيزنهاور سأل الجنرال "توايننج" عما إذا كانت القوات، التي نزلت في لبنان قد أخذت معها أية إمكانات نووية؟، قال الجنرال توايننج: "إنّ هذه القوات قد صحبت معها كتيبة مدفعية صواريخ من نوع "ليتل جون" المزوّدة برؤوس نووية، ورد أيزنهاور بأن هذا أفضل.

وهذا يدل على أنّ أيزنهاور كان يضع في تقديره إمكانية تدخل الاتحاد السوفيتي في المنطقة.

ذكر السفير الأمريكي المتجول، روبرت مورفي، أنه زار العراق عقب الثورة، وعلم أن ثلاثة من رجال الأعمال الأمريكيين، قد قبضت عليهم القوات العراقية، أثناء وجودهم في بهو فندق بغداد، وحملتهم مع سائر الأجانب في (لوريات) عسكرية إلى وزارة الدفاع.

ولكن الجماهير الثائرة أوقفت السيارات، وأخرجت جميع المحتجزين، وقتلتهم.

ثم قام ذلك السفير الأمريكي بزيارة رسمية لعبدالكريم قاسم، في وزارة الدفاع، في غرفته التي كان يقيم بها منذ نشوب الثورة، وأكد له عبدالكريم قاسم، أنّ الثورة طابعها محلي خالص، ولأسباب وطنية بحتة.

ومن ثم فإنه يشك في الأمريكيين، بعد إنزال قواتهم في لبنان، وأنه يعتقد أنهم لن يتورّعوا عن غزو العراق.

ولكن السفير الأمريكي أكَّد له أن ليس لدى الرئيس أيزنهاور أية نية لإرسال قوات أمريكية لغزو فيافي العراق المقفرة.

ويبدو أنّ عبدالكريم قاسم اقتنع بهذه التأكيدات، وأعرب عن رغبته في إقامة علاقات طيبة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وسائر دول الغرب.

كما أكد أنه لم يجازف بالثورة بقصد تسليم العراق إلى الاتحاد السوفيتي، ولا بقصد جعل العراق خاضعاً لمصر.

وأكد أنّ العراق يريد زيادة صادراته من النفط إلى دول الغرب.

فيما يتعلق بدور بريطانيا وعلاقتها بالتدخل العسكري بالمنطقة، كتب أيزنهاور، في يومياته، عن هذا الاتصال التليفوني يقول ما نصه: "إن ماكميلان أبلغني أنه تلقى طلباً بالمساعدة العاجلة من شمعون وحسين، وقلت له إننا تصرفنا، فعلاً، فيما يتعلق بطلب شمعون وقواتنا بدأت نزولها، فعلاً، في بيروت، ورد عليّ ماكميلان ضاحكاً بقوله: "إذًا فأنت تواجهني بسويس أمريكية"، وقلت له إننا لا نريدهم معنا في لبنان، وإنه من الأفضل الآن أن يرتب نفسه للتحرك إلى المملكة الأردنية الهاشمية بقوات مظليين، ثم أضفت قائلاً له إنه لا ينبغي أن يظهر أننا متواطئون معاً، ثم وعدته أن نقدم له أي مساعدات في الإمداد والتموين، ثم أكدت عليه مرة أخرى: "إننا لا نريد البريطانيين معنا في عملية لبنان، ثم أكدت له أنّ عليه أن يكون واثقًا من أننا لن نتخلّى عن حليف لنا، ولكن طلبات ماكميلان تبدو لي غير معقولة، فهو يريد منّا الآن أن نقوم بتنظيف كل المنطقة مرة واحدة، خلال عملية مشتركة كثيفة، ولا نكتفي بلبنان وحدها أو المملكة الأردنية الهاشمية، وإنما تمتد إلى العراق وسورية.

إنّ مثل هذه الخطط تثير مخاوفي، فأنا أريد أن أحدد تدخلنا ولا أسعى إلى تصعيده، وقد رفضت طلب ماكميلان بحزم".

أما عن الصحف البريطانية، فقد عبّرت صحيفة الإيكونومست البريطانية عن تخوّفها بقولها: "سيحمل الموقف الحاضر في الشرق الأوسط أكبر تهديد لاستقرار هذه المنطقة، وربما لسلام العالم كله، منذ انتهاء الحرب الثانية، وإنّ هذه اللحظة أسوأ بكثير من أن تجعلنا نفكر في شيء سوى تقدير الأخطار التي ستواجهنا؛ لأن الموقف لا يمكن أن يزداد سوءاً عمّا هو عليه، بعد انهيار العراق، وتدهور مركز الغرب إلى هذا الحد.

وإذا ما وازنّا بين التدخل العسكري وعدم التدخل، فإنّ نتائج عدم التدخل، تُعد أكثر ضرراً لمصالحنا الاقتصادية والسياسية والإستراتيجية من نتائج التدخل".

وهكذا سببت ثورة العراق ضجة كبيرة داخل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وبصفة خاصة داخل الكونجرس الأمريكي؛ لأن العراق عضو في حلف بغداد، وكان يُنظر إليه على أنَّه الحصن المنيع للاستقرار في المنطقة.

وعلى مستوى الاستخبارات المركزية الأمريكية (C.I.A) جاء إلى المسؤولين عنها استفسار من لجنة العلاقات الخارجية في الكونجرس الأمريكي عن سبب عدم علم الولايات المتحدة الأمريكية بهذه الثورة مسبقاً، وهذا يؤكد أن الاستخبارات الأمريكية فوجئت بهذه الثورة.

وفي اجتماع دار بين أيزنهاور وسلوين لويد، وزير الخارجية البريطاني، وجون فوستر دالاس يوم 17 يوليه 1958 بالبيت الأبيض، تمّ فيه عرض كل جوانب الموقف.

وكتب جون فوستر دالاس مذكرة عن هذا الاجتماع، جاء في بعض أجزائها: "إنه جرى حديث موجز عن تحركات القوات البريطانية داخل عمَّان، ولم تتوافر هناك إلاّ معلومات قليلة، وشأنها في ذلك شأن المعلومات عن وجود مؤامرة ضد الملك حسين، دفعته إلى طلب القوات.

وقد ذكر الوزير أنه تم الاتصال به في الساعة الثانية صباحاً؛ لأن الإسرائيليين أصرّوا على أن نؤيد الطلب البريطاني بتعزيز أمريكي، قبل أن يأذنوا للقوات البريطانية بعبور أجوائهم إلى عمَّان، وأنه وافق على تقديم تعزيز أمريكي للطلب البريطاني.

وقد ذكر سلوين لويد أن البريطانيين نقلوا (2200 جندي) من جنود المظلات إلى عمَّان، وأنهم سوف يحتفظون في الاحتياطي بقوة لواء، وهم لا يرغبون في إرسال عدد أكبر من القوات بسبب مشكلة التموين الذي يتعين نقله جواًّ.

وذكر الوزير أنه تحدث مع سلوين لويد حول مشكلة الخليج الفارسي، ومنشآت البترول الغربية هناك ومطالب تأمينها، واتفقا على إحالة هذا الموضوع إلى اللجنة المشتركة للخبراء.

وفي اعتقاد سلوين لويد، أنه بصرف النظر عما يمكن أن يقوله الخبراء، فهناك مواقف لابد من التمسك بها، إذ يوجد لبريطانيا قوات في البحرين، واتفاقية مع شيخ الكويت للدفاع عن هذه المنطقة.

وفي نهاية الاجتماع، عاد سلوين لويد، فأثار مع الرئيس، آمال بريطانيا في احتمال الاشتراك في عملية أوسع، ولم يعطه الرئيس أي تشجيع، ولكنه طلب إليه أن يطمئنّ؛ لأننا لن نرضى أن يصبح البريطانيون في ورطة وحدهم".


الفصل الرابع: أحداث الثورة  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الفصل الرابع: أحداث الثورة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الفصل الرابع: الثورة المصريّة الثالثة والأزهر
» الفصل الخامس: نتائج الثورة وتأثيراتها
» المبحث الثالث: القوى المؤثرة على أحداث الثورة
» الفصل الثاني: بعد الثورة العرابيّة
» الفصل الأول: مقدمات الثورة التونسية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الأحـداث الفارقــة في حيــاة الدول :: ثورة عام 1958م في العراق-
انتقل الى: