شبهات نحوية
شبهات نحوية Ocia1688
• المطابقة في العدد:
ساق المشككون عدة مواضع من كتاب الله الكريم، زعموا أنها تفتقد شرطًا من شروط الصحة النحوية، هو شرط المطابقة في العدد.

وهي على النحو التالي:
توهُّم عدم المطابقة بين الضمير وما يعود عليه: وذلك بأن يكون الضمير جمعًا والعائد عليه مفردًا.

وساقوا على ذلك الآيات التالية:
1) {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ} البقرة: 17؛ حيث عاد الضمير في "بِنُورِهِمْ" على المفرد "الذي"، وكان الصواب في ظنهم أن يُقال: ذهب الله بنوره وتركه في ظلمات لا يبصر.

ومردُّ هذا الوهم أن صاحب الشبهة لم يتأمل في نظم الآية الكريمة، ولو أنه تأمل قليلاً لما أورد هذه الشبهة؛ وذلك لأن:
كلمة "مَثَل" في حد ذاتها تفيد الجمعية.

كلمة "الذي" في الآية عامة تفيد الجمع: فهذا الاسم الموصول -وإن كان يستعمل للمفرد- يستعمل للجمع أيضًا، مِثْل شبيهه "مَنْ"، فهو مفرد في اللفظ، جمع في المعنى، وعلى هذا أُفْرد الضمير في "حوله" حملاً على لفظه، وجُمِعَ في "بنورهم، تركهم..." حملاً على المعنى[1].

وفي الآية وجه آخر لإفراد الضمير في "حوله"، وجمعه في "بنورهم"، وهو مراعاة حال المشبه لا المشبه به، فالضمير في "بنورهم" عائد إلى المنافقين لا إلى الذي استوقد، رجوعًا إلى الغرض الأصلي، وهو انطماس نور الإيمان عند المنافقين، وتنبيهًا على الانتقال من التمثيل إلى الحقيقة، وفيه إيجاز بديع كأنه قيل: فلمَّا أضاءت ما حوله ذهب الله بناره، فكذلك ذهب الله بنورهم[2].

وسواء أخذنا بهذا الوجه أم بذاك فليس في الآية أي اضطراب، ولا تناقض بين الضمير وما يعود عليه؛ بل فيها إحكام نظم، ودقة لفظ، وملامح بلاغية رائعة.

2) {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} التوبة: 36؛ حيث عاد الضمير المفرد في "منها" على الجمع "اثنا عشر".          

والصواب -في زعمهم- أن يُقال: "منهن" ليتفق الكلام مع قوله عز وجل: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}.

والضمير في "منها" يعود على "اثنا عشر"، والضمير في "فيهنَّ" يعود على "أربعة"، وهذا موافق تمام الموافقة لما تقرر في قواعد العربية أن ما زاد على العشرة، يُعامل في الضمير معاملة الواحدة المؤنثة؛ فنقول: خذ هذه الكتب الاثنى عشر فقد قرأتها، ولا تقول: قرأتهن.

بينما تعامل العشرة فما دونها -من كلمة "الكتب"- إلى الثلاثة معاملة جمع المؤنث، فتقول: الكتب العشرة "أو الثلاثة" قرأتهن.

وهذا هو الوجه الأكثر استعمالاً في العربية، ويجوز العكس، ولكنه قليل في الاستعمال[3]، وقد أثبت الفرَّاء، والكسائي وغيرهما شيوع الوجه الأول الذي جاءت به الآية الكريمة، ومَثَّل الكسائي لذلك بأن العرب تقول فيما دون العشر من الليالي: خَلَوْنَ، وفيما فوقها: خَلَتْ [4].

وعلى فرض صحة الوجهين وتساويهما في الاستعمال الفصيح، يكون تنويع الضمير في الآية لونًا من التفنن في التعبير؛ فجاء مرة بضمير الواحدة، وأخرى بضمير جمع المؤنث.

كما أن تنويع الضمير يلفت النظر إلى تأمُّل معنى الآية، وأن المخصَّص بالنهي عن ظلم النفس فيه هو الأشهر الحرم تعظيمًا، وتشريفًا لقدرها.

3) {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} التوبة: 92؛ حيث جاء الضمير في كلمة "يرضوه" مفردًا، والصواب-في زعمهم-أن يُقال: "يرضوهما".

لإفراد الضمير هنا -مع أنه يعود على اثنين- عدة أوجه، نذكر منها: أولاً:
إرادة عَوْدِ الضمير على الأول، وهو اسم الجلالة، وفيه إشارة إلى الجمع بين إرضاء الله ورسوله عن طريق العطف، مع التفريق بين الإرضاءين عن طريق إفراد الضمير وعَوْدِه على اسم الجلالة وحده.

ومنه قول ضابئ بن الحارث:
ومَنْ يَكُ أَمْسَى بالمدينةِ رَحْلُهُ ***فإِنِّي وقَيَّارٌ بها لَغَريبُ

فأفرد الخبر "غريب" مع أن اسم "إن" اثنان؛ للإشارة إلى أن إحدى الغربتين مخالفة للأخرى، والخبر بالقطع متعلق بضمير المتكلم في "فإنِّي"؛ لاقترانه بلام الابتداء وهي من متعلقات "إنَّ"[5].

وعلى هذا جاء نظم الآية الكريمة شاملاً الجمع والفَرْقَ؛ فالجمع بواو العطف، والفرق بإفراد الضمير واختصاصه باسم الجلالة.

ثانيًا:
أن الضمير جاء مفردًا؛ لأنَّ الله ورسوله في حُكْمِ مَرْضِيٍّ واحد، فإرضاء الله إرضاء لرسوله[6].

ثالثًا:
قوله تعالى: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} جملتان لا جملة واحدة، حُذف الخبر من الأولى لدلالة خبر الثانية عليه، والتقدير عند سيبويه: والله أحقُّ أن يرضوه، ورسوله أحقُّ أن يرضوه.

كما في قول الشاعر:
نَحْنُ بما عِنْدَنا وأنتَ بِمَا *** عِنْدَكَ راضٍ والرَّأيُ مُختلِفُ

أي نحن بما عندنا راضون، وأنت بما عندك راضٍ[7].

وعلى كل هذه الأوجه لا يكون في الآية مخالفة للقاعدة؛ بل فيها -إلى جانب موافقة القاعدة- لمحة بلاغية، وإيجاز بليغ على نحو ما أوْضَحْنا.

4) {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} الحج: 19؛ حيث أُعِيدَ ضمير الجمع في"اختصموا" على مثنى "خصمان" والصواب -في زعمهم- أن يُقال: هذان خصمان اختصما.

كلمة "خصمان" مثنى، مفرده "خَصْم" وهو اسم جمع معناه "فريق"، أي: هذان فريقان.          

فجاء اسم الإشارة مثنى مراعاةً للفظ، وجاء الضمير جمعًا مراعاةً للمعنى؛ إذ إنَّ كل خَصْم يضم أفرادًا، ومثله قول الله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ} فأفرد ضمير "يستمع" مراعاة للفظ "مَنْ" المفرد، وجمع ضمير "خرجوا" مراعاة لمعنى "مَنْ" الدال على الجمع[8].

ولو قيل: هؤلاء خصمان اختصما، أو: هذان خصمان اختصما لجاز، وقد قرأ ابن عبلة: "هذان خصمان اختصما" [9].

والقراءة المتواترة {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا} فيها لمحة بلاغية؛ حيث جاء اسم الإشارة بلفظ المثنى إيماءً إلى الفَرْق بينهما، وأنهم لَمَّا وقعت الخصومة والاشتباك صاروا كأن بعضهم يموج في بعض، فقيل:"اختصموا" تعبيرًا عن هذا التداخل والتشابك بين أفراد الفريقين.

وما سبق يُقال أيضًا في قول الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} الحجرات:  9.

5) {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ} التحريم: 3؛ حيث جاء الضمير مفردًا في "نبأت" وهو يعود على "بعض أزواجه"، والصواب -في زعمهم- أن يُقال: "نبأن به".

ولو أن صاحب هذه الشبهة راجع المعاجم اللغوية لَمَا أجهد نفسه بإيرادها، ولعلم أن كلمة "بعض" يُرادُ بها الجزء من الشيء.

وكل طائفة من الشيء بعضه[10]، ويصدق هذا على القليل والكثير.

والمُراد بـ "بعض أزواجه": حفصة -رضي الله عنها[11]، وهي واحدة، فعاد الضمير إليها مفردًا في قوله تعالى: {فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ}.

إذن فلا مخالفة في الآية، ولا مُسوِّغ لجمع الضمير، بل الإفراد واجب هنا.          

ومثل هذا قول لبيد:
أو يَعْتَلِقْ بَعْضَ النفوسِ حِمامُها *** يشير إلى نفسٍ واحدة هي نفسه.
****************************
[1] الكشاف 1 : 198 ـ 200.
[2] التحرير والتنوير، الطاهر بن عاشور 1 : 308 ـ 309.
[3] البحر المحيط 5 : 39.
[4] التحرير والتنوير، المجلد السادس، جـ10، ص 185 ـ 186.
[5] التحرير والتنوير، المجلد السادس، جـ10، ص 245.
[6] الكشاف 2 :  199، البحر المحيط 5 : 64.
[7] البحر المحيط 5 : 64.
[8] الكشاف 3 : 9.
[9] البحر المحيط 6 : 360.
[10] انظر: مقاييس اللغة، اللسان "ب ع ض".
[11] الكشاف 4 : 126، البحر المحيط 8 : 290.













توهُّم عدم المطابقة بين التمييز والمميَّز

أي جريان التمييز على نسق كلام العرب في العدد والمعدود، وقد ظن المتوهِّم وجودَ مخالفة للقاعدة النحوية في قول الله تعالى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ} الكهف: 25؛ حيث إنَّ تمييز العدد "ثلاثمائة" يجب إفراده، فاللغة تقول: عندي ثلاثمائة كتاب، لا ثلاثمائة كتب، والصواب -في زعمهم- أن يُقال: ثلاثمائة سنة.

وقد جهل صاحب هذه الشبهة أمرين: الأول:
أن كلمة "سنين" في الآية على هذه القراءة بتنوين "ثلاثمائةٍ" ليست تمييزًا، بل هي عطف بيانٍ، والتقدير: فلبثوا في كهفهم سنينَ ثلاثَمائةٍ، فكلمة "سنين" تفسير للعدد، وهي منصوبة بالفعل "لبثوا".

ومنه قول عنترة:
فيها اثنَتانِ وَأَربَعونَ حَلوبَةً *** سودًا كَخافِيَةِ الغُرابِ الأَسحَمِ

فجعل "سُودًا" مكان "سوداء".

الثاني:
أن من العرب من يضع السنين في موضع سنة، وعلى هذا قراءة حمزة، و الكسائي، وطلحة، ويحيى، والأعمش، والحسن، وابن أبي ليلى، وخلف وابن سعدان، وابن عيسى الأصبهاني، وابن جبير الأنطاكي: "ثلاثمائةِ سنين" بغير تنوين في "ثلاثمائة" وإضافة "سنين" إليها.          

والمُراد في هذه القراءة:
ثلاثمائة سنة؛ لأن العرب قد تضع الجمع في موضع المفرد[1].

وعلى كلتا القراءتين فلا خطأ في الآية ولا مخالفة.
********************************
[1] معاني القرآن للفراء 2 : 138، البحر المحيط 6 : 117.












توهُّم عدم المطابقة بين المبتدأ والخبر

زعموا أن القرآن الكريم، قد خالف قاعدة المطابقة في العدد بين المبتدأ والخبر.

ولهم على ذلك الشواهد التالية:
1) قوله تعالى: {هَؤُلَاءِ ضَيْفِي} الحجر: 68؛ حيث جاء المبتدأ جمعًا "هؤلاء" والخبر مفردًا "ضيفي"، والصواب -في زعمهم- أن يُقال: هؤلاء ضيوفي.

وتقدم مثل هذا في الكلام على قول الله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا}.          

فكلمة "ضيف" مثل "خَصْم" تستعمل للواحد وللجمع[1]، وهي هنا للجمع.

وعلى هذا فليس في الآية إخلال بقاعدة المطابقة العددية بين ركني الجملة.

2) قوله تعالى: {هُمُ الْعَدُوُّ} المنافقون: 4؛ حيث جاء المبتدأ جمعًا، والخبر مفردًا، والصواب -في زعمهم- أن يُقال: هم الأعداء.

والذي جَهِلُهُ صاحب هذه الشبهة أن كلمة "عَدُوّ" تستعمل للمفرد والمثنى والجمع[2]، ومثله في القرآن كثير.

من ذلك قوله تعالى:
• {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} البقرة: 36، الأعراف: 24، طه: 123.

• {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} النساء: 92.

• {وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} الكهف: 50.

• {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} الشعراء: 77.

• {إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا} النساء: 101.

وغير ذلك الكثير من الآيات التي استعملت العدوّ جمعًا، فلا مخالفة في الآية إذن.

3) ويلحق بما سبق الشاهد الثالث الذي أورده المُدَّعُون على مخالفة القرآن لقاعدة المطابقة بين المبتدأ والخبر، وهو قوله تعالى: {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الشعراء: 16؛ حيث جاء اسم "إن" مثنًّى، وخبرها مفردًا، والصواب -في زعمهم- أن يُقال: إنَّا رسولا رب العالمين.

لقد ورد في القرآن تثنية الرسول في مثل هذا السياق، وهو قوله تعالى: {فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ} طه: 47.

فالتثنية على معنى المُرْسَل، والإفراد يحتمل أوجهًا نذكر منها:
• أنه على معنى المصدر "الرِّسالة".

كما في قول الشاعر:
لَقَد كَذَبَ الواشُونَ ما بُحْتُ عِندَهُمْ *** بِسِرٍّ وَلا أَرسَلتُهُم بِرَسولِ

أي: وما أرسلتهم برسالة.

وعلى ذلك فقوله جلَّ شأنه: {فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ} جارٍ على المبالغة، كأنه جعلهما معًا نفس الرسالة، ومثله قول العرب: رجلٌ عدلٌ وصدق.

• كما أن كلمة "رسول" تستعمل للمفرد والجمع.

ومن استعمالها للجمع قول أبي ذؤيب الهذلي:
أَلِكْني إِلَيها وَخَيرُ الرَسُو *** لِ أَعْلَمُهُمْ بِنَواحي الخَبَرْ

فاستعمل "الرسول" بمعنى الرُّسُل.

• كما أنَّ إفراد "رسول" هنا أُرِيدَ به كونُهما على شريعة واحدة، فهما بمنزلة رسول واحد[3].
***************************
[1] انظر: تهذيب اللغة، مقاييس اللغة، اللسان (ض ي ف).
[2] تهذيب اللغة، مقاييس اللغة، اللسان (ع د و).
[3] معاني القرآن للفراء 2: 180، الكشاف 3 : 107 ـ 108، مفردات الراغب الأصفهاني (ر س ل)، البحر المحيط 7 : 8، التحرير والتنوير، المجلد التاسع، جـ19، ص 189.











توهُّم عدم المطابقة بين النعت والمنعوت

زعموا أن القرآن خالف قاعدة المطابقة ـ في العدد ـ بين النعت والمنعوت.

وفيما يلي الآيات التي استشهدوا بها:
1) قوله تعالى: {أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} آل عمران: 15؛ حيث جاء الوصف مفردًا "مطهرة" وموصوفه جمعًا "أزواج"، والصواب -في زعمهم- أن يُقال: وأزواج مطهرات.

2) قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} الأعراف: 180؛ حيث وصف "الأسماء" وهي جمع، بالمفرد "الحسنى"!

3) قوله تعالى: {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى} طه: 51؛ حيث وصف "القرون" وهي جمع، بالمفرد "الأولى"!

وهذا جهلٌ منهم بقاعدة لغوية يسيرة تقول:
إن جمع التكسير يجوز أن يُعَامَل معاملة المفرد المؤنث، كما يجوز أن يُعَامَل معاملة جمع المؤنث السالم، وعلى الوجه الأول جاءت الآية.

والآيتان الأخريان:
* {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} البقرة: 25.

*{لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} النساء: 57.

ويجوز أن يُقال:
أزواج مطهرات، وهما وجهان فصيحان[1]، بل ما جاءت به الآية الأولى أفصح الوجهين في هذا السياق؛ لأن جمع التكسير إذا أريد به الكثرة جاء على صيغة الواحدة، وإذا أريد به القلةُ جاء على صيغة جمع المؤنث السالم، والمُراد في الآية جمع الكثرة؛ لأنه في مقام وصف نعيم الجنة، وقد ورد في الحديث الصحيح ما يدل على كثرة الأزواج في الجنة[2].

كما أن الأسماء والقرون في الآيتين التاليتين أريد بهما الكثرة؛ لذلك وصفت بالمفرد المؤنث بدلاً من جمع المؤنث السالم الذي يدل على القلة.
************************
[1] الكشاف 1 : 262.
[2] البحر المحيط 1 : 117.
















توهُّم عدم المطابقة بين الحال وصاحبها

زعموا مخالفة القرآن لقاعدة المطابقة العددية بين الحال وصاحبها، وشاهدهم على ذلك قوله تعالى: {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} الحج: 5؛ حيث جاء الحال بلفظ المفرد، وصاحبها بصيغة الجمع، والصواب -في زعمهم- أن يُقال: ثم نخرجكم أطفالاً.

وقد سبق التعرُّض لمثل هذا عند الكلام على اسم الجمع، وأنه يستعمل بصورة واحدة للمفرد والمثنى، والجمع، نحو "خصم -ضيف- عدُوّ".

فكلمة "طفل" مفرد لفظًا، جمع في المعنى.

وهناك وجه آخر:
أن تكون مفردة، والمعنى: ثم نخرج كل واحد منكم طفلاً[1].

والملاحظ في الاستعمال القرآني أنه جاء بصيغة اسم الجمع "طِفْل" في ثلاثة مواضع: "الحج: 5، النور: 21، غافر: 67".

وفي هذه المواضع جميعًا يراد بالطفل: الذين لم يبلغوا الحلم.

أمَّا الجمع "أطفال" فقد وردت مرة واحدة في قوله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ} النور: 59.

ونلحظ هنا أن صيغة الجمع "أطفال" مستعملة للدلالة على: الذين بلغوا الحلم.

وهذا سرٌّ من أسرار لغة القرآن؛ حيث يستعمل الألفاظ المترادفة، أو التي شاع استخدامها على الترادف، لكي يشير -بهذا الاختلاف في الصيغة- إلى فارق دلالي دقيق قد لا يخطر بالبال في الوهلة الأولى، ومع تتبع السياقات القرآنية المختلفة، وتأملها تنجلي هذه التمايزات، والملامح الدلالية المرهفة التي تحتملها الألفاظ المختلفة في الصيغة، وإن شاع اتفاقها في المعنى.
************************************
[1] الكشاف 3 : 6، البحر المحيط 6 : 352.











توهُّم عدم المطابقة بين الاسم الموصول وما يعود إليه

زعموا أن القرآن قد أخطأ في استعمال الاسم الموصول؛ حيث جاء باسم موصول مفرد عائد على جمع؛ وذلك في قول الله تعالى: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُو} التوبة: 69.          

والصواب -في زعمهم- أن يُقال: وخضتم كالذين خاضوا!

ولو بذل صاحب هذه الشبهة جهدًا يسيرًا، بل لو قرأ الآية من أولها لما أورد هذه الشبهة، والآية بتمامها: {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}، أي دخلتم في الباطل "وهو المعبَّر عنه بالخوض" كالباطل الذي دخلوا فيه.          
ومعنى العبارة بيِّنٌ لا يحتاج إلى مزيد بيان، والاسم الموصول جاء مفردًا؛ لأنه يعود على الخوض لا على الخائضين[1].

وحتى على تقدير ما فهمه صاحب هذه الشبهة من إعادة الاسم الموصول "الذي" على الخائضين، فليس في الآية خطأ، وقد ورد في كلام العرب استعمال "الذي" للجمع.

مثل قول الشاعر:
وإِنَّ الذي حانتْ بفلجٍ دماؤهُمْ *** هُمُ القومُ كلُّ القومِ يا أمَّ خالدِ

ونظم الآية يقطع بصحة التفسير الأول؛ حيث إن هذا يناسب تركيب العبارة، وبناءها على التشبيه:
• فهناك تشبيه استمتاع هؤلاء باستمتاع أولئك: {فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ}.

• وهناك تشبيه آخر معطوف على السابق هو تشبيه خوض هؤلاء بخوض أولئك: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا}.

هذا بالإضافة إلى وحدة زمن الأفعال في الآية كلها، وترابط هذه الأفعال بحرف العطف: "فاستمتعوا - فاستمتعتم - كما استمتع - وخضتم - خاضوا".

وأمَّا قوله تعالى: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} فزعموا أن فيه خطأ؛ لأنه وصف الطفل -وهو مفرد في ظنهم- باسم موصول جمع هو "الذين"، وقد مضى الكلام عليه في المطابقة بين الحال وصاحبها في قوله تعالى: {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} الحج: 5.
**********************************
[1] معاني القرآن للفراء 1 : 441، الكشاف 2 : 201، البحر المحيط 5 : 68 ـ 69.












توهُّم عدم المطابقة بين البدل والمبدل منه

زعموا أن القرآن خالف قاعدة المطابقة العددية بين البدل والمبدل منه، وذلك في قول الله تعالى: {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} النساء: 69.

أولاً: كلمة "رفيقًا" هنا ليست بدلاً من "أولئك"، ولكنها حالٌ منها.

ثانيًا: كلمة "رفيق" مما يستوي فيه المفرد، والمثنى، والجمع "كالصديق، والخليط، والعدوّ"[1]، وقد سبق التَّعَرُّض لذلك مرارًا.
****************************
[1] الكشاف 1 : 540، البحر المحيط 3 : 288 ـ 289.











المطابقة في النوع

زعموا أن القرآن قد خالف قاعدة المطابقة في النوع، وذلك في تراكيب متعددة على النحو التالي:
• توهُّم عدم المطابقة بين العدد والمعدود:
أي مخالفة القاعدة الجارية في تمييز العدد.

واستدلوا لذلك بثلاث آيات هي:
1) قوله تعالى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} البقرة: 196.          

والصواب -في زعمهم- أن يُقال: تلك عَشْر.

ولقد قلبوا الصواب خطأً، والخطأ صوابًا؛ فالقاعدة المعروفة للجميع تقرر أنَّ الأعداد من ثلاثة إلى عشرة تخالف المعدود في النوع، فنقول: عشرة رجالٍ، وعشر نساءٍ.

وكلمة "عشرة" في الآية تشير إلى الأيام، ومفردها مذكر، فوجب تأنيث العدد جريًا على القاعدة المذكورة.

وأمَّا الوصف "كاملة" ففائدته أنْ لا يُتَوَهَّمَ أن الواو في قوله تعالى: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} بمعنى "أو" التخييرية، وأن يُعْلَمَ العددُ جملةً كما عُلِمَ تفصيلاً، فيُحاطَ به من وجهين؛ فيتأكَّد العلم، وأن يُعْلَمَ -أيضًا- أن المُراد بالسبعةِ العددُ المُعَيَّن لا الكثرة "إذْ إن السبعة تُستعمَل فى لغة العرب بمعنى العدد المُحَدَّد، كما تُستعمَل أيضًا لإفادة الكثرة دون تعيين".

كما أن صيام ثلاثة أيام فى الحجِّ هو بَدَلٌ عن الهَدْى، وزِيدَ عليها صيام سبعة أيام بعد الرجوع من الحجِّ؛ لتُعَادل الأيامُ العشرةُ الهَدْيَ من غير نقصٍ فى الثواب؛ وللإشارة إلى هذا التعادُل وصفت العشرة بأنها "كاملة".

كذلك فإنَّ فى هذا الوصف بالكمال تاكيدًا للتوصية بصيامها وعدم التهاوُن بها، فكأنما قيل: تلك عشرة كاملة فراعُوا كَمَالَها ولا تنقصوها [1].

وعلى ذلك فالآية موافقة تمام الموافقة للقواعد العربية، والاضطراب الذي وصموا به القرآن قائم في أذهانهم وناشئ عن جهلهم بأبسط القواعد!

2) قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا} الأعراف: 160؛ حيث جاء العدد مُؤَنَّثًا "اثنتي عشرة"، والمعدود مذكرًا "أسباطًا".          

كما أن تمييز العدد "12" يكون مفردًا لا جمعًا، والصواب -في زعمهم- أن يُقال: اثني عشر سبطًا.          

وعلى هذا ففي الآية مخالفة لقاعدة المطابقة بين التمييز والمميَّز في العدد والنوع معًا.

وما زعموه باطل؛ لأن ما بُنِيَ على باطلٍ فهو باطل، وقد بنوا دعواهم على أساس أن "أسباطًا" تمييز، وهذا خطأ؛ لأن في الآية حذفًا، والتقدير: وقطعناهم اثنتي عشرة فرقة "أو قبيلة"، فالتمييز محذوف، وكلمة "أسباطًا" بدل من التمييز المحذوف، وكلمة "أممًا" نعت للبدل، أو بدل بعد بدل[2].

وعلى ذلك فلا مخالفة في الآية لقاعدة المطابقة سواء من حيث النوع؛ حيث إن التمييز والمميز مؤنثان: "اثنتي عشرة فرقة"، وكلاهما مفرد أيضًا؛ ولهذا الحذف في الآية غرض بلاغي هو الاستغناء عن التمييز المفهوم من السياق "قبيلة أو فرقة"، وإثبات ما ليس مفهومًا ولا عهد للمخاطبين به، وهو "الأسباط"؛ فالعرب تعرف القبيلة، ولا تعرف السِّبط الذي هو مرادف لمعنى القبيلة عند اليهود.

كما جاءت كلمة "أسباطًا" بصيغة الجمع لتناسب معنى التقطيع والتفرقة.

3) قوله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} التحريم: 4؛ حيث جاء بالجمع "قلوبكما" لمعدود مثنى، والصواب -في زعمهم- أن يُقال: صغا قلباكما.

والتركيب الذي اختاره الاستعمال القرآني هو الأشهر والأكثر استعمالاً.

إذ إن للمثنى عند إضافته إلى ضمير المثنى ثلاث صور:
• أن يُجمع المضاف فيُقال: قلوبكما.

• أن يبقى المضاف على حاله من التثنية فيُقال: قلباكما.

• أن يؤتى بلفظ المضاف مفردًا فيُقال: قلبكما.

والصورة الثانية هي القياس:
إلاّ أن غالب الاستعمال الفعلى الشائع في كلام العرب جاء على الصورة الأولى؛ لأنهم كرهوا الجمع بين تثنيتين "تثنية المضاف، وتثنية الضمير المضاف إليه"[3].

وقد جاءت الآية على الصورة المثلى للتركيب، وهى الصورة التي حبَّذها الاستعمال اللغوى كما نُقِل عن العرب.
*****************************
[1] روح المعانى، الألوسى 2: 83 ـ 84.
[2] البحر المحيط 4 : 406 ـ 407.
[3] البحر المحيط 8: 291.
 











توهُّم عدم المطابقة بين الضمير وما يعود عليه

زعموا أن القرآن خالف قاعدة المطابقة في النوع بين الضمير ومَعَادِه.

واستشهدوا لذلك بالآيتين التاليتين:
1) قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} الأحزاب: 33؛ حيث جاء الضمير في "يطهِّركم" مذكرًا، والصواب في ظنهم أن يؤنث فيُقال: "ويطهركن"؛ لأنهم توهموا أن المُراد بـ "أهل البيت": نساء النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وهذا خطأ بَيِّنٌ وقع فيه صاحب الشبهة؛ لأن المُراد بأهل البيت: النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وعلي بن أبي طالب، والحسن، والحسين، وفاطمة الزهراء، وأمهات المؤمنين[1].

وعلى هذا فالخطاب شمل المذكر والمؤنث، ومعروف أنه إذا اجتمع المذكر والمؤنث غُلِّب المذكر، فالضمير في "عنكم"، و"يطهركم" يشمل هؤلاء جميعًا.

2) قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} النحل: 66؛ حيث جاء الضمير في "بطونه" مذكرًا، وهو عائد على الأنعام وهي مؤنثة، والصواب -في زعمهم- أن يُقال: "بطونها".

الضمير في "بطونه" هنا عائدٌ على بعض الأنعام؛ لأن الذكور لا ألبانَ لها، والتقدير: نسقيكم مما في بطون بعض الأنعام.          

وكلمة "بعض" مذكرة، فعاد الضمير عليها مذكرًا لتخصيص بعضها، أي الإناث التي تدر اللبن.

وأمَّا قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} المؤمنون: 21، فقد جاء الضمير في "بطونها" مؤنثًا ليعم الأنعام كلها، بدليل قوله تعالى بعده: {وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ} فعَمَّ الذكر والأنثى من الأنعام كلها؛ لأن مدار الحديث هنا على عموم منافعها، بينما في آية النحل خُصَّ بَعْضُ الأنعام لاقتصار الكلام على اللبن دون سائر المنافع[2].
****************************
[1] البحر المحيط 7 : 231 ـ 232.
[2] البحر المحيط 5 : 509، كشف المعاني لابن جماعة، تحقيق:  د. محمد محمد داود، ص 131 ـ 132.









توهُّم عدم المطابقة بين الفعل والفاعل

زعموا أن القرآن خالف قاعدة المطابقة -في النوع- بين الفعل وفاعله.

وساقوا الشواهد التالية:
1) {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} البقرة: 275؛ حيث إن الفاعل مؤنث "موعظة"، والفعل مذكر "جاءه"، والصواب -في زعمهم- أن يُقال: جاءته.

وكذا قوله تعالى: {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} الأعراف: 30؛ حيث إن الفاعل مؤنث "الضلالة"، والفعل مذكر "حَقَّ"، والصواب -في زعمهم- أن يُقال: "حقت" كما في الآية الأخرى: {وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ} النحل: 36.

وقوله تعالى: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} هود: 67؛ حيث إن الفاعل مؤنث "الصيحة"، والفعل مذكر "أخذ" والصواب -في زعمهم- أن يُقال: وأخذت، كما في الآية الأخرى: {وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} هود: 94.

وقد جَهل صاحب هذه الشبهة القاعدة اللغوية البسيطة التي تقول:
إنه لا يجب تأنيث الفعل مع الفاعل إلاَّ في حالتين:
الحالة الأولى:
أن يكون الفاعل ضميرًا، مثل: هند قامت، أو الشمس طلعت.

الحالة الثانية:
أن يكون الفاعل مؤنثًا "حقيقيًّا" متصلاً بالفعل غير مفصول عنه، كما في: قامت هند، صاحت الدجاجة.

أمَّا إذا كان الفاعل غير ما سبق فأنت مخيَّرٌ بين التذكير والتأنيث، فيجوز أن تقول: طلع الشمس، وطلعت الشمس.

ولك أن تقول: أَعيَى الرجَالَ النساءُ، وأعيَتْ الرجالَ النساءُ.

والفاعل في الشواهد الثلاثة التي جاءوا بها مؤنث مجازي "موعظة - الضلالة - الصيحة"، ويجوز فيها الوجهان حتى وإن لم يُفْصَل بينها وبين فعلها بفاصل.












توهُّم عدم المطابقة بين المبتدأ والخبر

زعموا أن هناك مخالفة لقاعدة المطابقة -في النوع- بين المبتدأ والخبر في قول الله عز وجل: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} المزمل: 18؛ حيث جاء المبتدأ مؤنثًا "السماء"، والخبر مذكرًا "منفطر"، والصواب -في زعمهم- أن يُقال: السماء منفطرة به.

لتذكير الخبر هنا عدة أوجه، نذكر منها:
• أنه على تأويل السماء بالسقف.

• أنه على الحذف، والتقدير: السماءُ شيءٌ منفطر به، فكلمة "منفطر" صفة للخبر المحذوف.

• أنَّ السَّماء اسم جنس، مثل الشجر والجراد، ومثل هذه الأسماء يجوز فيها التذكير والتأنيث.

• أن لفظ السماء ممَّا يُذَكر ويؤنث.

ومن تذكيره قول الشاعر:
فلو رَفَعَ السَّماءُ إليه قومًا *** لَحِقْنَا بالنجوم مع السحاب[1]

وعلى أيٍّ من هذه الأوجه فلا مخالفة في الآية.

ويلحق بما سبق تذكير خبر كان مع اسمها المؤنث في قوله تعالى: {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} مريم: 28؛ حيث جاء اسم كان مؤنثًا "أمُّك"، وخبرها مذكرًا -في زعمهم- "بغيًّا".          

وظنوا الصواب أن يُقال: بغيَّة.

وهذا جهل فاحش من قائله؛ لأن كلمة "بَغِيّ" صيغة مبالغة من البغَاء -أي الفاحشة- على وزن "فعول"، والقاعدة اللغوية المعروفة تقول: إن صيغة "فعول" إذا كانت بمعنى "فاعل" يستوي فيها المذكر والمؤنث، فنقول: رجل صبور، وامرأة صبور، ورجل رءوف، وامرأة رءوف.

كما أن كلمة "بَغِيّ" من الألفاظ الخاصة بالمؤنث، ولذلك لا تلحقها التاء، مثل: حائض، ومرضع وحَصَان.
وعلى ذلك فلا مخالفة في الآية الكريمة.

ويلحق بما سبق أيضًا تذكير خبر الحرف الناسخ مع اسمه المؤنث، كما فى قول الله تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} الأعراف: 56، وقوله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} الشورى: 17.

في تذكير الخبر "قريب".

هنا عدة وجوه، نذكر منها:
1) أن كلمة "قريب" لا تؤنث إلا إذا كانت بمعنى قرابة النَّسَب، فيُقال: هذه المرأة قريبة فلانٍ، لا يختلف العرب في هذا.

أمَّا إذا كانت بمعنى قرب الزمان، أو المكان؛ فيجوز فيها التذكير والتأنيث، فيُقال: دارُك منَّا قريبٌ، والدار مؤنثة، وتذكير قريب على تأويل: هي من مكان قريب.          

وقد جَمَع الشاعر بين الوجهين في قوله:
عَشِيَّةَ لا عفراءُ منكَ قريبةٌ *** فتدنو ولا عَفْراءُ مِنْكَ بَعيدُ [2]

2) أنها ذكرت مع الرحمة في آية الأعراف؛ لأن الرحمة بدل عن مذكر تأويله: العفو والغفران، أو المطر، أو الثواب[3]، وذكرت مع الساعة على معنى البعث، أو على حذف مضاف والتقدير: لعلَّ مجيءَ الساعة قريب[4].

3) أن كلمة "قريب" جاءت مذكرة على طريق النسب، والمعنى: ذات قرب.

4) أن كلمة "قريب" نعت لمذكر محذوف، والتقدير: شيءٌ قريب.

5) أو ذُكرت على تشبيه "قريب" ـ وهو فعيل بمعنى فاعل ـ بفعيل الذي بمعنى مفعول، وهذا الأخير يستوي فيه المذكر والمؤنث فيُقال: رجل جريح، وامرأة جريح.

6) أن كلمة "قريب" مصدر على وزن فعيل، مثل الضغيب "صوت الأرنب"، والنقيق "صوت الضفدع"، والمصدر يستعمل بلفظ واحد للمذكر والمؤنث، فيُقال: رجلٌ عدل وامرأة عدل، وكذا يُقال: رجل قريب وامرأة قريب[5].

وغير ذلك من الوجوه التي تُجيز تذكير كلمة "قريب"، ولعلَّ أرجح هذه الأوجه ما قدَّمنا في أوَّلها، وكلها تصلح جوابًا عن شبهة هذا الواهم.
**********************
[1] انظر: معاني القرآن للفراء 1: 380، القرطبي 19 : 51، الكشاف 4 : 178، البحر المحيط 8 : 365.
[2]معاني القرآن للفراء 1 : 380: 381، والبيت لعروة بن حزام العذري، وله رواية أخرى في اللآلى وفي الأغاني على النحو التالي:
عَشِيَّةَ لا عفراء منك بعيدٌةٌ *** فَتَسْلُو ولا عفراء منك قَرِيب
وبعده قوله:
وإنًّي لَتَعْشاني لِذِكرَاك هزةٌ *** لها بين جلدى والعظام دبيبُ
مما يرجح هذه الرواية؛ لأن الباء هي الروى.
[انظر حاشية المحققين في الموضع السابق من معاني القرآن].          
وعلى كلتا الروايتين، فقد جمع الشاعر بين التأنيث والتذكير لكلمتي (قريب، بعيد).          
مع إسناد كلٍّ منها لمؤنث (عفراء.).
[3] البحر المحيط 4 : 313.
[4] الكشاف 3 :  465، البحر المحيط 7 : 513.
[5] أورد هذه الأقوال أبو حيان في: البحرالمحيط 4 : 313، وأورد بعضها الزمخشري في: الكشاف 2 : 83.











توهُّم عدم المطابقة بين النعت والمنعوت

زعموا أن القرآن خالف قاعدة المطابقة في النوع بين النعت والمنعوت، فأورد النعت مؤنثًا لمنعوت مذكر.

واستشهدوا على ذلك بالآيتين التاليتين:
الأولى: قوله تعالى: {وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} ق: 11؛ حيث إن المنعوت مؤنث "بلدة"، ونعته مذكر "مَيْتًا".

لفظ "مَيْت" مما يستوي فيه المذكر والمؤنث[1]؛ وذلك لأنه وصف على وزن من أوزان المصدر هو "فَعْل"[2]، فلمَّا شابه المصدر أخذ حكمه في بقائه على لفظه للمذكر والمؤنث.

والآية الأخرى: قوله تعالى: {بِرِيحٍ صَرْصَرٍ} الحاقة: 6؛ حيث وصفت الريح وهي مؤنث بكلمة "صَرْصَرٍ"، وهي مذكرة، والصواب ـ-في زعمهم- أن يُقال: بِرِيحٍ صرصرة!.

وقد جهل صاحب هذه الشبهة أن لفظ "صرصر" لا يوصَف به إلاَّ الريح[3]، وإذن فلا ضرورة لتأنيثه بالتاء، شأنه شأن الأوصاف الخاصة بالمؤنث مثل: حامل، مرضع، طامث.

وعلى ما تقدَّم لا يكون في القرآن مخالفة لقاعدة المطابقة في النوع بين النعت والمنعوت.
***************************
[1] اللسان (م و ت).
[2] البحر المحيط 6 : 505.
[3] التحرير والتنوير، مجلد 11، جـ24، ص 259.










توهُّم عدم المطابقة بين الحال وصاحبها

زعموا أن القرآن الكريم خالف قاعدة المطابقة في النوع بين الحال وصاحبها، فجاء بحال على صيغة التذكير، مع أن صاحب الحال مؤنث، واستشهدوا لذلك بقول الله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا} الأنعام: 6.

وقد جهل صاحب هذه الشبهة أن صيغة "مِفْعَال" يستوي فيها المذكر والمؤنث؛ فالعرب تقول: ناقة مِمْغَار: إذا كان من عادتها أن يحمرَّ لبنها من داء، وناقة مخراط: إذا كان من عادتها أن تُخْرِط، أي يَخرج لبنها منعقدًا[1].

ووصفوا المرأة التي من عادتها أن لا تتزين بالحلي فقالوا: امرأة معطال، والمرأة التي من عاداتها أن تضع الإناث وصفوها بقولهم: مئناث، والتي من عادتها أن تضع الذكور وصفوها بقولهم: امرأة مذكار، والتي من عادتها أن تلد الحمقى بقولهم: امرأة محماق[2].

*************************
[1] المخصص 4: 42، المزهر 2 : 215، ديوان الأدب 1: 311.
[2] المخصص 4 : 42، المزهر 2 : 315، الأمالي لأبي علي القالي 1 : 21، أدب الكاتب ص 255، الصاحبي ص 190 ـ 191.