عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان (29)
مـحـمــــــــود الـعـشــــــــــــــري
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
الوسيلة السادسة والخمسون: إماطة الأذى عن الطريق 8_ia_a10
الوسيلة السادسة والخمسون: إماطة الأذى عن الطريق
قال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم: ((لقد رأيتُ رجلاً يتقلَّب في الجنة؛ في شجرة قطَعها من ظهر الطريق كانتْ تؤذي الناس)).

يا ألله، والله ما أسهل الجنة! ومشهور حديث: ((إماطة الأذى عن الطريق صدقة))، والأذى في الطريق عام في كلِّ ما يؤذي؛ من حَجَرٍ أو شجر، أو شوْك أو قشور، تؤذي المارَّة، أو أغانٍ أو متبرِّجات، أو غير ذلك، فيدخل في إماطة الأذى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالضوابط الشرعيَّة.

وهكذا يكون المسلم صاحب القلب الرحيم الذي يخشى على مَن حوْله أن يُصيبَهم أيُّ نوع من أنواع الأذى، بل ويُسارع إليهم بكلِّ معروف وإحسان، وهذه هي أخلاق المسلمين والإسلام.

وفي صحيح الجامع الصغير: ((مَن أخرَج من طريق المسلمين شيئًا يُؤذيهم، كتَب الله له به حسنةً، ومَن كتَب له عنده حسنة، أدْخَله بها الجنَّة)).

فأكْثِر أخي الحبيب من إماطة الأذى الذي مُلِئت به طُرق المسلمين، لتَكْثُر صدقاتُك، فلعلَّ الله يُدخلك الجنة بها، كالرجل الذي ذكَره -صلى الله عليه وسلم- في الحديث.

وهذه الوسيلة -يا بن الإسلام- أحد آداب الطريق، والطريق هو المكان الذي يسير الناس فيه، ويَلتقون فيه، ويَصِلون من خلال عبوره والسَّيْر فيه إلى بيوتهم، فيشمل السوق وغيره.

وقد اهتمَّ الإسلام الحنيف بالطريق، حتى جعَل إماطة الأذى عنه شُعبة من شُعَب هذا الدين القويم؛ كما في صحيح مسلم، لكن واأسفاه على شباب العصر، الذين أصبَحوا يتسكَّعون في الطُّرقات، أصبحنا نرى كثيرًا منهم يسير ليلاً ونهارًا في عَرْض الطرقات، يسيرون دون حياءٍ أو أدب أو أخلاقٍ، وكأنَّ ماء الفضيلة لَم يَجْرِ في عروقهم، أصبح لا يَحلو لهم إلاَّ أن يَجلسوا على قارعة الطريق، ويدَّعون بأنَّ هذه هي المدَنيَّة؛ نسأل الله أن يَهْدينا ويَهدي شباب المسلمين.

ومن الأدب في الطريق:
1- ألاَّ تخرج إلى الطريق إلاَّ لحاجة؛ قال -صلى الله عليه وسلم- لِمَن سأله عن النجاة: ((أمْسِك عليك لسانك، وليَسَعْك بيتك، وابْكِ على خطيئتك))، والحديث في صحيح سُنن الترمذي.

2- إذا اضطُرِرتَ إلى الخروج من بيتك، فعليك بغَضِّ البصر وكَفِّ الأذى، ورَدِّ السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ كما في حديث "حق الطريق" الذي رواه البخاري، وهذه الآداب الأربعة أصول الدين الحنيف، وهي مُناسبة لذَوي الفِطَر السليمة والمناهج القويمة، ولعلَّ معظم مآسي الذنوب والمعاصي تقع نتيجة مُخالفة هذه الأوامر، ولو الْتَزَم الناس تلك الآداب الأربعة على الأقل، لبَقِيَت شوارعنا على أصل الطهارة.

3- مساعدة المحتاجين، وإرشاد الضالين.

4- عدم شَغْل الطريق، أو إيذاء الناس وتعطيل مصالحهم.

5- المحافظة على نظافة الطريق بعدم إلقاء النفايات والأوساخ والنجاسات في ممرَّات الناس ومَجالسهم، وتجنُّب إلقاء الفضلات أو القاذورات أو غيرها، فلا تَبصق في الأرض، ولا تُلْقِ بالمناديل المستعملة أو بقايا الطعام في الطرقات والأماكن العامَّة.

6- تجنُّب الطرق المزدحمة - مثل: الأسواق وغيرها - بقدْر الإمكان، والإسراع في اجتيازها عند الضرورة، والحِرص على الْتِزام ذِكْر الله تعالى أثناء ذلك؛ لأنَّ ذِكْر الله في أماكن الغفلة له فضيلة عظيمة.

7- أن يَمشي متواضعًا.

8- الالتزام بأدب المشي، مثل: عدم الالتفات الكثير، وأن يُسَلِّم على القاعد إذا مرَّ به، وتجنُّب المِشْيات المذمومة، وينبغي أن تَمشي المرأة إلى جانب الطريق، ولا تَضرب المرأة برِجلها، ولا تخرج عمومًا مُتزيِّنة أو متعطِّرة.

9- أن تَحلُم على الناس، ولا تَجهل عليهم وإن جَهِلوا عليك، وتَصبر على أذاهم.

10- تجنُّب رفْع الصوت؛ سواء كان ذلك في البيع والشراء، أو مرورًا بالسيارات، أو تشغيل مُكَبِّرات الصوت في الأفراح، وغير ذلك مما يؤذي المسلمين.

11- تجنُّب الأكل في الطُّرقات؛ لأنه مُخِلٌّ بالمُروءة، والمروءة: اجتناب الرجل ما يَشينه، واجتناؤه ما يَزينه، ولا مُروءة لِمَن لا أدبَ له، ولا أدبَ لِمَن لا عقْلَ له، ولا عقْلَ لِمَن ظنَّ أن في عقْله ما يُغنيه ويَكفيه عن غيره.

12- رفْع الأطعمة وفُتات الخُبز عن قارعة الطريق، وإبعاد الأوراق التي فيها أسماء كريمة أو كلمات قرآنية عن ممرَّات الناس، ولا مانعَ من حَرْقها؛ لصونها من العَبَث، وتعظيمًا لاسم الله تعالى وكلامه.

وعموم الأدب أنَّ المسلم لا يوجد خارج بيته قدْر ما أمكن؛ ليتفرَّغ لعبادة الله تعالى، وإنْ خرَج، كان مشغولاً بذِكر الله تعالى، حريصًا على طاعته -عزَّ وجلَّ- فالْزَم الأدبَ.
--------------------------------------------------------------