عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان (28)
مـحـمــــــــود الـعـشــــــــــــــري
غفر الله له ولوالديه وللمسلمــــين
الوسيلة (من 40-43)عيادةُ المريض، وتشييع الميت، وإبرار القسَم، وإجابة الدَّعوة Ia_aya13
الوسيلة الأربعون، والحادية، والثانية، والثالثة والأربعون:
عيادةُ المريض، وتشييع الميت، وإبرار القسَم، وإجابة الدَّعوة
ففي "الصحيحين" قال النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((حقُّ المسلم على المسلم خمس: رد السَّلام، وعيادة المَرْضى، واتِّباع الجنائز، وإجابة الدَّعوة، وتشميت العاطس))، وعيادة المريض فرضُ كفاية، وكذا تشييع الميت، وإبرار القسَم مستحبٌّ ما لم يكن في إبراره ضياعُ مصلحة أعظم، وإجابة الدَّعوة واجبة، ففرضُ عين على من دُعِي أن يجيب لِعُرس أو نحوه، وقال -صلى الله عليه وسلم- كما في "صحيح مسلم": ((من عاد مريضًا، لم يزَلْ في خُرْفَة الجنَّة حتى يرجع))، قيل: يا رسول الله، وما خُرفة الجنة؟ قال: ((جَناها))، والخرفة: هو ما يُختَرَف من النخل، وخرفة الجنة: ما يُجنى من ثمارها.

وفي "سنن الترمذي" و"ابن ماجه"، وحسَّنه الألباني قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((من عاد مريضًا أو زار أخًا له في الله، ناداه منادٍ أن طِبْتَ وطاب مَمْشاك، وتبوَّأت من الجنة منزلاً)).

وفي سنن أبي داود وابن ماجه - واللَّفظ له - و"أحمد"، وصحَّحه الألباني، قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((من أتى أخاه المسلم عائدًا، مشى في خرافة الجنَّة حتى يجلس، فإذا جلس غمرَتْه الرَّحمة، فإن كان غدوة، صلَّى عليه سبعون ألف ملك حتَّى يمسي، وإن كان مساء، صلَّى عليه سبعون ألف ملك حتى يُصبح)).

وعن كعب بن مالكٍ أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: ((من عاد مريضًا، خاض في الرحمة، فإذا جلس عنده، استنقع فيها)) قال المنذريُّ: إسناده حسن.

وقال -صلَّى الله عليه وسلَّم- فيما رواه الترمذي: ((ما من مسلمٍ يعود مسلمًا مريضًا غدوة، إلاَّ صلَّى عليه سبعون ألف ملك حتى يُمْسي، وإن عاده عشيَّة، إلا صلَّى عليه سبعون ألف ملَك حتى يصبح، وكان له خريفٌ في الجنَّة)).

وأما عن إجابة الدعوة، فقد روى البخاريُّ ومسلمٌ والنسائي والترمذيُّ وأحمد عن البراء بن عازب، قال: "أمرَنا النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- بِسَبع، ونهانا عن سبع: أمرنا باتِّباع الجنائز، وعيادة المرضى، وإجابة الدَّاعي، ونصر المظلوم، وإبرار القسَم، وردِّ السَّلام، وتشميت العاطس، ونهانا عن آنية الفِضَّة، وخاتم الذهب، والحرير، والدِّيباج، والقَسِّيِّ، والإستبرق"، وكل ذلك من حق المسلم على المسلم، والديباج هي الثياب المتَّخَذة من الإبريسم -نوع من الحرير- والقَسِّيُّ هي ثيابٌ من كتَّان مخلوط بحرير، يؤتى من مصر، نسبت إلى قرية على ساحل البحر قريباً من تِنِّيس.

آداب عيادة المريض:
المرض:
ابتلاءٌ من الله -تعالى- للعبد، واختبارٌ له؛ أيَصْبر أم يَجْزع، والمؤمن الحقُّ هو الذي يصبر في الضرَّاء، ويشكر عند الرخاء، والمرض يكون تكفيرًا للذُّنوب والسيئات؛ ففي "صحيح البخاري" قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((ما يصيب المؤمنَ مِن وصَبٍ ولا نصَب، ولا همٍّ ولا حزَن، ولا أذًى ولا غم، حتَّى الشوكة يُشاكها إلاَّ كفَّر الله من خطاياه))، والابتلاء محبَّةٌ من الله -تعالى- ولذلك ابتلى خيرَ خلقه بالأمراض، وقد كانوا أشدَّ النَّاس بلاء؛ كما في "صحيح سنن الترمذي": ((إنَّ عِظَم الجزاء مع عظم البلاء؛ وإنَّ الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرِّضا، ومن سخط فله السُّخط)).

ومن الأدب عند عيادة المريض:
1- أن يُسارع بزيارة المريض فورَ عِلمه بذلك؛ خشيةَ عتاب الله له يوم القيامة؛ كما في "صحيح مسلم".
2- أن يدعو اللهَ له بالشِّفاء: ((أسأل الله العظيم ربَّ العرش العظيم أن يشفيك)) سبعَ مرات؛ فما من مسلم يعود مريضًا لم يحضره أجَلُه، فيدعو بذلك إلاَّ عوفي، كما في "صحيح سنن أبي داود".
3- اجلس بجوار المريض، وأظهر الشَّفقَة عليه، وانصحْه بالصبر والتحمُّل، وبَشِّره بقول رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في "صحيح سنن أبي داود": ((إذا سبقَتْ للعبد من الله مَنْزلة لم يبلغها بعمَلِه، ابتلاه الله في جسده، أو في ماله، أو في ولده، ثم صبَّرَه حتَّى يُبلِّغه المَنْزلة التي سبقَتْ له منه)).
4 - أن يذهب لعيادة المريض ماشيًا، هذا إنْ لم يكن المريضُ بعيدًا؛ لِما في ذلك من الثَّواب.
5- يُستحَبُّ أن يقول الزائر: لا بأس عليك، طهورٌ إن شاء الله، كما كان يقول الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- إذا دخل على مريضٍ يعوده، وقد رواه البخاريُّ.
6- استحباب وضع اليد على المريض ورُقْيته؛ فقد كان -صلَّى الله عليه وسلَّم- إذا عاد مريضًا، يقول: ((أذهِب الباس ربَّ النَّاس، اشفِه أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يُغادر سقمًا)).
7- تذكير المريض بوضع يده على موضع الألَم، والدُّعاء لنفسه؛ لقول النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- لعثمانَ بنِ أبي العاص الثقفيِّ -رضي الله عنه- لما شكا إليه وجعًا يجِدُه في جسده منذ أسلم، فقال له: ((ضعْ يدَك على الذي تألَّمَ من جسدك، وقل: باسم الله، ثلاثًا، وقل سبع مرات: أعوذ بالله وقدرتِه من شرِّ ما أجِدُ وأُحاذِر)) والحديث في "صحيح مسلم".
8- أن يهوِّن عليه من مرضه، وينفِّس له في أجَلِه، ويخبره عن أجر الرِّضا والاحتساب، وثواب الرِّضا بالقضاء.
9- استحباب سؤال أهل المريض عن حاله، وإظهار الاهتمام به، والنصح لهم وله، وأن تعرض مساعدتك لهم فيما تَقْدر عليه.
10- تطييب نفس المريض؛ ففي "صحيح سنن الترمذي" قال -صلَّى الله عليه وسلَّم- لرجلٍ عاده من وعَكٍ كان به: ((أبشِرْ؛ فإنَّ الله يقول: هي ناري أسلِّطُها على عبدي المذنِب؛ لتكون حظَّه من النار)).
11- استحباب طلب الدُّعاء من المريض؛ فقد قال -صلَّى الله عليه وسلَّم- في "صحيح سنن ابن ماجه": ((إذا دخلتَ على مريضٍ، فمُرْه أن يدعو لك؛ فإنَّ دعاءه كدعاء الملائكة)).
12- عدم إكراه المريض على الطعام، بل بالرِّفق واللِّين؛ لما في الحديث الحسن عند الترمذيِّ: ((لا تُكْرِهوا مرضاكم على الطعام؛ فإنَّ الله يطعمهم ويَسْقيهم)).
13- حثُّ المريض على التَّداوي إن كان لا يهتمُّ بصحته.
14- تخفيف العيادة وعدم تَكْرارها في اليوم، إلاَّ إذا رغب المريضُ في ذلك، والأفضل ما يحبُّه المريض؛ فإنْ أحَبَّ كثرةَ الاستئناس به، فهو كذلك، وإلاَّ فلا.
15- تذكيره بـ"لا إله إلا الله"، إن كان في حالة احتضار؛ لقوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في "صحيح مسلم": ((لقِّنوا موتاكم لا إله إلا الله)).

آداب الجنائز:
جديرٌ بمَن الموتُ مَصْرعه، والتُّرْب مضجعه، ومنكر ونكير جليساه، والقبر مقرُّه، وبطن الأرض مستقرُّه، والقيامة موعده، والجنة أو النار مورِدُه، ألاَّ يكون له فكرٌ إلا في الموت، ولا استعداد إلا لأجلِه، ولا تفكُّرٌ إلا فيه، وحقيقٌ بأن يعدَّ نفسه من الموتى، ويراها من أهل القبور.

يوم الجنائز، ما أحلاه من يومٍ للأبرار الصالحين! وما أهولَه من يوم على العصاة الفاسقين! فيا بْن الإسلام: ستَخْرج من بيتك في رحلةٍ لا ترجع بعدها أبدًا، وستركب مركبًا لن تركب مثله أبدًا، يومٌ تبكي فيه السماء على الأبرار، ويبكي عليه مَمْشاه من المسجد إلى الدَّار، ويبكي عليه مصعدُ عمله إلى السماء.

ومن آداب الجنائز:
1- الحرص على حضور الجنائز؛ لتحصيل القراريط، كما في "صحيح البخاري".
2- المُبادرة بتجهيز الميت؛ خوفَ تغيُّرِه؛ فإنَّه إذا تغيَّر نفرَتْ منه النُّفوس، فيحطُّ ذلك من كرامته؛ ولأنَّ إبقاءه بين أهله يؤلمهم، ويحملهم على كثرة البكاء والعويل.
3- لا يجوز النِّداء على الميت، أو الإعلان عن وفاته من على منائر المساجد؛ لما في "صحيح سنن التِّرمذي" عن حُذَيفة -رضي الله عنه-: "إذا متُّ، فلا تُؤْذِنوا بي؛ إنِّي أخاف أن يكون نعيًا؛ فإنِّي سمعتُ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ينهى عن النَّعي".
4- عدم رفع الصَّوت بالبكاء، فيحرم البكاء على الميْت إذا صاحَبَه نياحةٌ أو نَدْب، أو ضجر، أو شقُّ جيب، أو صراخ.
5- تكثير المشيِّعين للجنازة والمصلِّين عليها؛ فـ((ما من رجلٍ مسلم يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئًا، إلاَّ شفَّعهم الله فيه))؛ كما في "صحيح مسلم".
6- أن يحملها الرِّجال دون النساء.
7- الإسراع بالجنازة إسراعًا وسَطًا، بحيث لا يضطرب الميت على النَّعش، ولا يحصل منه مشقَّة على الحامل أو المشيع.
8- أن يمشي المشيع مع الجنازة، ويجوز المشي أمامها وخلفها، وعن يمينها ويسارها على أن يكون قريبًا منها؛ للحديث الصحيح في "سنن أبي داود": ((الرَّاكب يسير خلف الجنازة، والماشي يمشي خلفها وأمامها، وعن يمينها وعن يسارها، قريبًا منها)).
9- ألاَّ تُتبَع الجنازة بما يخالف الشريعة الإسلامية؛ فلا يجوز رفع الصوت بالذِّكر أو البكاء، أو نار أو موسيقى، أو نحو ذلك مما لم يَرِد عن النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- ولا أصحابه - رضي الله عنهم.
10- التدبُّر والخشوع أثناء تشييعها، ويكره رفع الصوت والضجة عند رفع الجنازة، ويسنُّ لمتبعها أن يكون متخشِّعًا متفكرًا في مآله، ويرجع متَّعِظًا بالموت، وبما يصير إليه الميت.
11- أن يثني عليه خيرًا إن كان أهلاً للثناء.
12- يسنُّ للذين يُدْخِلون الميتَ قبرَه أن يقولوا: بسم الله، وعلى سُنَّة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- كما في "صحيح سنن أبي داود".
13- الإخلاص في الدعاء والاستغفار للميت.
14- تذكير الحاضرين والمشيِّعين بالموت وما بعده.
15- الطفل والسقط يغسل ويكفن ويُصلَّى عليه، ويدفن في مقابر المسلمين، ويدعى لوالديه.