عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان (28)
مـحـمــــــــود الـعـشــــــــــــــري
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
الوسيلة الحادية والثلاثون: الاعتكاف اليومي Ia_aya46
الوسيلة الحادية والثلاثون: الاعتكاف اليومي
ولستُ أعني اعتكافَ رمضان المعروف -وسيأتي في نهايةِ الرسالة- ولكني أعني اعتكافًا من نوعٍ آخر، فمع ضجيجِ الحياة وكثرةِ صخبها، مع المادية القاتلة التي تطحنُ النَّاس بين رَحاها، مع ضرورةِ الاختلاط بالنَّاس، يتكدَّرُ القلب، ويتعكَّرُ صفو النَّفس، فتحتاج إلى هدوءٍ وراحة، فلا بدَّ لها من عزلةٍ وخلوة؛ ولذلك يلزمك -أخي يا بن الإسلام- اعتكافٌ يومي، فخُذِ الأنسبَ لحالك ولا تفرِّط؛ إمَّا بين المغربِ والعشاء يوميًّا -وسيكون ذلك بعد رمضان طبعًا- وأمَّا بعد صلاةِ الفجر إلى شروقِ الشمس كلَّ يوم، وأمَّا ما يناسِبُ حالَك وظروف حياتِك، ولكن لا تفرِّط.

وفي هذا الاعتكاف اليومي لا بد لك من أمور:
1- استصحابُ النيةِ أولاً، وارجُ ثوابَ الله -تعالى.

2- ذكرُ الله هو الأصلُ في هذه الجلسة، واستشعرْ أنَّ جليسَك هو الله؛ قال -تعالى- في الحديثِ القدسي عند ابن ماجهْ وصحَّحه الألباني: ((أنا مع عبدي إذا هو ذكرَني وتحرَّكتْ بي شفتاه))، فاجلسْ بالرَّغبةِ والرهبة.

3- من آدابِ هذه الجلسةِ ألاَّ تلتفت، ولا تنشغل بغيرِ ذِكْر الله، وليتعود النَّاس منك ذلك؛ ألا تكلِّمَ أحدًا، ولا تسلِّم على أحدٍ، ولا تشارك في شيء، بل هذه خلوتك، وقد يكون هذا الاعتكافُ في مسجدٍ لا يعرفُك فيه أحد، أو إذا تعذَّر الأمرُ، فاجعل لك خلوة في بيتِك ساعاتٍ كلَّ يوم؛ حيث لا يراك أحدٌ ولا يشغلك شيء.

4- المُحاسبةُ اليومية من أهمِّ أعمال هذه الخلوة، فألزمْ نفسَك المحاسبة، والتزم بالكلماتِ الخمس:
• المشارطة: أن تشترطَ على نفسِك صبيحة كلِّ يوم أن تسلمَها رأسَ المال، وهو العمر (24 ساعة)، والأدواتِ، وهي القلب والجوارح، وتشترط عليها أن تضمنَ لك بذلك الجنةَ بالأعمالِ الصَّالحة آخر النهار.

• المراقبة: أن تراقبَ نفسَك طيلةَ اليوم، فإن هَمَّتْ بمعصيةٍ ذكَّرتَها بالمشارطة، وإن توانتْ عن طاعةٍ زجرتَها بالمشارطة؛ فراقبْ نفسَك، وألجمْها، وامنعها عمَّا لا يحلُّ لها، خذ بخطامِها وألْزِمْها الصِّراطَ المستقيم، ولا تغفلْ عنها؛ لكي تنجو، والله المستعان.

• المجاهدة: وهي من أشدِّ الأشياء؛ فالنَّفسُ مقيَّدة بقيدِ الجسم -مقيدة فيه- ثم هي مقيدة بقيدِ العبودية، ثم أنت تتوعدُها بقيدٍ ثالث عند المحاسبة؛ فهي -لذلك- تحتاجُ إلى المجاهدة، وهذه المجاهدةُ لا بدَّ لها من صبرٍ وثبات أمام طغيانِ هذه النفس وتملُّصِها، فجاهدْها -أخي باغي الخير- لكي لا تضيعك وتسير في طريقِ جهنم.

• المحاسبة: أن تستعرضَ شريطَ يومك نهايةَ كلِّ يوم، وبالورقة والقلم يتم حسابُ الخسائرِ والأرباح، ومعرفة مصيرِ المشارطة مع النفس، لا بدَّ من المحاسبة؛ قال -تعالى-: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ [آل عمران: 30]، ﴿إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾ [النبأ: 40].

سترى عملَك بعينِك، وتسمعه بأذنك؛ لذلك يجبُ أن تجلسَ مع نفسِك، وتنظر في أعمالِك لِتُصلَحها قبل أن تراها يومَ القيامة، اكتب أعمالَك وضعْها أمامَك، وقل لنفسِك: أتحبِّين أن تقابلي ربَّك بهذه الصَّحيفة؟! هل ستأخذين كتابَك باليمين، أم بالشِّمال؟! هل هذه تدخلين بها الجنة، أم تدخلين بها النار؟! هل هذا يُرضي اللهَ عنك أم يُسخطه عليك؟! وهذا هو توبيخُ النفسِ وزجرها؛ لتعلم حقيقتَها وقَدْرَها.

• المعاتبة والمعاقبة: وذلك بأن تعاتبَ نفسَك على التقصيرِ، وتؤدِّبها وتعاقبها على الذُّنوب والغفلة، فتعاقب نفسَك بحرمانِها من بعضِ شهواتها - تأديبًا وزَجْرًا، وتهذيبًا وتربيةً - أو تعاقبها بإلزامِها بزيادة قرباتِها؛ فتفرضَ عليها استغفارَ عشرة آلاف مرة، وتمنعها من النُّوم، تعاقبها بأن تأكلَ خبزًا جافًّا بغيرِ إدام، وتشربَ بعد الخبزِ ماءً فقط؛ بعضُ السلفِ أراد أن يعالج نفسه من الغيبة، فما استطاع أن يعالِجَها بعد أن جرَّبَ معها بعض العلاجات، ثم عاقبَها بأنه إذا اغتاب إنسانًا تصدَّقَ، حتى قال: "فغلبني حبُّ الدنانير، فتركتُ الغيبة"، فعاتِبْ نفسَك وعاقِبْها، فبذلك تنجو من شرِّها، وتقودها سالمةً إلى ربِّها، والله المستعان.

إنَّ اعتياد هذا الاعتكافِ بهذا البرنامج يوميًّا، يؤدِّي إلى تلافي الأخطاء، وإصلاح الأحوال، فاصبر، والْزَم تلتزم.

• احرص أخي -يا بن الإسلام- على هذه المحاسبة كلَّ يومٍ وليلة، وخاصَّةً عند النوم؛ لأنَّه أرجى أثرًا؛ حيث تخلو النَّفس عن شواغلِها، وتكون أكثرَ استشعارًا للموتِ الذي هو أخو النوم، فضلاً عن الغيبةِ عن عيونِ الخلق، فيحاسب الإنسانُ نفسَه كلَّ يومٍ قبل النوم، وإلا ففي أيِّ وقت آخر من يومِه، ويحاسب نفسَه كل اثنين وخميس؛ لما رواه أبو داود والنسائي وأحمد -وقال الألباني: حسن صحيح-: ((تُعرَضُ الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحبُّ أن يُعرضَ عملي وأنا صائم))، ويحاسب نفسَه في شعبان؛ لما رواه النَّسائيُّ وأحمد عن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- قال: قلتُ: يا رسول الله، لم أركَ تصوم شهرًا من الشهورِ ما تصوم من شعبان؟ قال: ((ذلك شهر يغفل النَّاس عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين، فأُحب أن يُرفع عملي وأنا صائم)) والحديث حسنه الألباني، والظاهر أنَّ هذا رفع أعمالِ السَّنَة قبل رمضان، والله أعلم.

فينبغي مراجعة النيَّة والإخلاص، والحذر من أمراضِ القلوب؛ ومن أخطرها: الرياءُ، وطلبُ المدح من النَّاس، والكبر، والإعجابُ بالنَّفس، والغفلة، والانشغالُ بالأسبابِ عن التوكل، وطلبُ الجاه والرِّياسة، وحبُّ الدنيا وتقديمها على الآخرة، والحسد، والشحناء؛ قال -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الحشر: 18]، وروى مسلمٌ وأحمدُ وابن ماجه أنَّ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: ((إنَّ الله لا ينظرُ إلى أجسامِكم ولا إلى صورِكم؛ ولكن ينظرُ إلى قلوبِكم))، وفي رواية: ((وأعمالكم))، وفي الحديث: ((الكيِّسُ من دان نفسَه وعمل لما بعد الموت، والعاجزُ من أتبع نفسه هواها وتمنَّى على الله))؛ والحديث رواه البيهقيُّ والترمذي وابن ماجه وأحمد، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يُخرجاه.

وقال الرَّجلُ -الذي أضاف ابنَ عمرٍو- عن عمَلِه: "ما هو إلاَّ ما رأيت، ولكنِّي أَبِيت وليس في قلبي غشٌّ ولا حسد لأحدٍ من المسلمين على خير آتاه الله إيَّاه"، فقال ابنُ عمرو: "هذه التي بلَغَتْ بك، وهي التي لا نُطيقُ"؛ والحديث رواه النسائي وأحمد وعبدالرزَّاق في "المصنَّف".

ومُحاسبة النَّفس على الطاعات من أنفعِ الوظائف التي يقوم بها العابدون في شهرِ رمضان، والأصل أنَّ المحاسبةَ وظيفةٌ لازمة لسالكِ طريق الآخرة، ولكنَّها تتأكَّدُ وتزداد في هذا الشَّهر، والمعنِيُّ بمحاسبةِ النَّفْس على الطاعة: فحصُ الطَّاعةِ ظاهرًا وباطنًا، وأوَّلاً وآخِرًا؛ بحثًا عن الثمرةِ؛ ليعرفَ مأتاها فيحفَظه، وقدْرَها فينمِّيه، ووصولاً للنقصِ سابقًا ليتداركه لاحقًا.

• وهذه المُحاسبة تكون قبل العملِ وأثناءه وبعده؛ أمَّا قبلَه فبالاستعدادِ له، واستحضار ما قصَّر فيه حتى يتلافاه، وأثناءه بمراقبةِ العمل ظاهرًا وباطنًا، أوَّله وآخره، والمحاسبةُ بعد العملِ بإعادة ذلك كلِّه.

• وهذه المُحاسبةُ -كما ذكرت- إذا واظب عليها المرءُ، صارت مسلكًا لا يحتاج إلى تكلُّفٍ ومعالجة، وسيجد غِبَّ هذه المحاسبة وثمرتَها تزايدًا في مقامِ الإحسان الذي سعى إليه كلُّ السالكون، وهو أن تعبدَ الله كأنَّه يراك.

ومثل هذه المحاسبةِ ينبغي أن تكونَ في الخفاء، يحاور نفسَه وهواه، ويعالج أيَّ قصورٍ بلومِ نفسِه وتقريعها، وعقابها على كسلِها وخمولها.

ولا يُنصَح بمداومةِ الاعتماد على أورادِ المحاسبة الشَّائعة، وقد اختلفَ فيها النَّاس على طرفين: فمنهم من جعلَها وسيلةً دائمة للتربية، وطريقة ناجعةً لتقويم النفس، ومنهم من بالغَ ومنع منها مطلقًا، واصفًا إياها بالبدعيَّة، والحقُّ: التوسُّط، نعَم، هي وسيلةٌ لم ترد عن سلَفِ هذه الأمَّةِ، لكن تشهد لها نظائرُ في الشَّرعِ، ثم إننا لا نقولُ بجوازِ الاعتماد على تلك الأوراد في كلِّ الأحايين، بل ننصحُ بها في بدايةِ السَّير، وأيضًا لا نُلزم بها أحدًا، ولكن من عوَّل عليها في بدايةِ سيره؛ لكون نفسِه متمرِّدة شموسًا، فنرجو ألاَّ يكونَ ثَمَّة حرجٌ؛ شرطَ عدمِ توالي اعتمادِه عليها.

والصَّواب تنشئة النَّفس على دوامِ المُحاسبة الذاتيَّة والمراقبة الشخصية، وتعويدها على العقابِ عند الزَّلل؛ فإنَّ هذا من شأنِه أن ينقي العبادةَ من أيِّ حافزٍ خارجي دخيل على النيةِ الصَّالحة، كرغبةٍ في تسويدِ ورقة المحاسبة، أو نحو ذلك.

أخي يا بنَ الإسلام، النَّفس لطيفةٌ ربَّانية، بل هي جوهرٌ مشرق على البدَن، إنْ أشرقَ على ظاهرِ البدن وباطنه حصلَت اليقظة، وإن أشرق على باطنِ البدن دون ظاهرِه حصل النَّوم، وإن انقطع إشراقُه بالكليةِ حصل الموت، والأدب مع النفسِ هو: إكرامها، وذلك بصيانتِها عما يُهينها من المعاصي والآثام، وتعلم العلم، والقيام بالطَّاعات؛ ليحصلَ لها النورُ والرِّضا، وإعطاؤها حظَّها من المباحاتِ من غير إسراف؛ للتقوِّي به على الطاعات والقربات.

ومن الأدب مع النفس:
1- أول ما يجبُ من أدبِ النفس: تزكيتُها وتطهيرها من طبائعها وعاداتها الرَّديئة التي توافقُ الهوى وتخالفُ الشَّرع؛ قال الله -تعالى-: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ [الشمس: 7 - 10].
2- مُجاهدةُ النَّفس في طاعةِ الله -تعالى- لأنَّ النفسَ أمَّارةٌ بالسوء، داعيةٌ إلى المَهالكِ، طامحةٌ إلى الشَّهوات، وحملها على الطاعةِ رغمًا عنها مخالفة لشهواتِها، يحتاج إلى مُجاهدة.
3- دوامُ سؤال الله هدايةَ النَّفسِ والوقاية من شرِّها؛ كما في حديث عمران بن حصين -رضي الله عنه- الصحيح في "المسند".
4- دَوام محاسبتها؛ لمعرفة ما لها وما عليها.
5- مخالفتُها والاحتراز من شهواتِها؛ لأنها تُفْسِدها، بل تتعامل معها كما يحبُّ ربنا ويرضى.
6- الوقوف على عيوبِها، ومعالجة هذه العيوبِ بالصَّبر والتأني. وعيوبُ النفس كثيرة؛ منها:
• أنَّها لا تألفُ الحقَّ ولا الطاعة، وهذا يتولَّدُ من متابعة الهوى، وعلاج ذلك يكون بالبُعدِ عن الشهواتِ ومخالفة الهوى.
• ومنها: الغفلة والتواني والتسويف، وعلاجُ ذلك يكون بتوبةٍ تحلُّ الإصرار، وخوفٍ يزيلُ التسويف، ورجاءٍ يبعث على قصد مسالك العمل، وذِكْر الله على الدَّوام، ويكون ذلك كلُّه بقلب مُفرَدٍ فيه توحيدٌ مجرَّد.

ومنها: العُجْب بالعمل والشُّعور بالفخر، وعلاج ذلك يكون بأربع:
1- أن ترى التوفيقَ من الله -تعالى- فإذا رأيتَ ذلك، فإنَّك سوف تنشغلُ بالشُّكرِ، ولن تعجبَك نفسُك.
2- أن تنظرَ إلى النعمةِ التي أنعم الله -تعالى- بها عليك، وتَعْلم أنها من الله، وليست من كسبِك؛ قال -تعالى-: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ [النحل: 53]، فإذا نظرتَ في النِّعمِ انشغلتَ بالشُّكر.
3- أن تخافَ ألاَّ يُقبل منك؛ فإذا اشتغلتَ بالخوفِ من عدم القَبول، لن تُعجبَ بنفسِك؛ قال -تعالى-: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة: 27].
4- أن تنظرَ في ذنوبِك التي أذنبتَها قبل ذلك، فإذا خفت أن ترجحَ سيئاتُك على حسناتك؛ قَلَّ عجبُك، وكيف يعجب المرء بعملِه وهو لا يدري ماذا يَخْرج من كتابه يوم القيامة؟ إنَّما يتبين عجبه وسروره بعد قراءةِ كتابه في أرض المحشر.

• ومنها: الاشتغالُ بتزيين الظَّاهرِ وإهمال الباطن، وعلاج ذلك موجودٌ في قوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في "صحيح مسلم": ((إنَّ الله لا ينظر إلى صورِكم وأموالِكم، ولكن ينظر إلى قلوبِكم وأعمالكم)).

• ومنها: الاشتغالُ بمظاهرِ الأعمال وفقدان رُوحها وثمرتها ولذَّتِها، ويكون ذلك من سقمِ القلب، وخيانة السِّر، وعلاج ذلك يكون بأكلِ الحلال الطَّيب، والبُعد عن الحرام الخبيث.

• ومنها: التَّكاسُل عن الطَّاعاتِ، وهو ميراثُ الشِّبَع؛ فإنَّ النفسَ إذا شبعت قَوِيَت، فإذا قويت أخذتْ بحظِّها، وعلاج ذلك يكون بتجويعِها؛ فإنَّها إذا جاعت عدمت حظَّها وضعفت.

• ومنها: الطَّمعُ؛ فإنَّ النفس طمَّاعة، ولا يقف طمعُها عند حدٍّ؛ قال -تعالى-: ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: 9]، وعلاج ذلك يكون بالقناعةِ والتعفُّف.

• ومنها: كثرةُ الذُّنوبِ والمخالفات؛ فإنَّها تحبُّ العاجلة وتتابع الشهواتِ، وهذا العيبُ يجعلها تقسو، بل ويبعدها عن الخالقِ الأعظم -تبارك وتعالى- وعلاجُ ذلك هو الاستغفارُ والتوبة وأعمال البِرِّ، وحضور مجالس الذِّكر، ومجالسة الصَّالحين.

• ومنها: الحرص، وهذا الحرصُ يدفعها إلى حبِّ الدُّنيا، والانهماك في جلبِ المصالح الدُّنيوية وتحصيلها، وعلاج ذلك أنَّ تعلمَ أنَّ الدُّنيا ليست بدارِ قرار، وأنَّ الآخرة هي دارُ القرار، والعاقلُ من يعمل لدارِ القرار، لا لدارِ البوار.

• ومنها: الرِّضا عند المدح، والغضَب عند الذَّم، وعلاج هذا العيبِ يكون برياضةِ النَّفسِ على الصِّدق والحق.

فيا بن الإسلام، إذا علمت عيوبَ النفس وعالجتها، فعليك أن تستكملَ فضائلها بما يلي:
7- من الأدبِ مع النَّفس تحبيبُ الطاعةِ إليها، وتنفيرها من الشَّيطانِ وطاعته، فالنفسُ والشيطان قرينان في إبعادِ العبد عن مولاه، والدُّنيا معهما، فعليك أن تجتهدَ في مخالفةِ نفسك وشيطانك؛ فهُما سببُ وقوعِك في العطَب والهلاك.

8- الاشتغالُ بأمورِ الآخرة، فلا تعمل عملاً حتى تستعملَ عقلك في النظرِ إلى عاقبته، فإذا حرصتَ على طلبِ الآخرة وأعرضتَ عن الدُّنيا؛ أتتك الدُّنيا وهي راغمة.

9- النَّظر في العواقبِ يكسرُ النَّفسَ ويكفُّ طغيانَها، يكفيك أن تعلمَ حديثَ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- في "صحيح مسلم": ((يُؤتى بأنعمِ أهل الدُّنيا من أهلِ النَّار، فيُصبَغ في النَّارِ صبغةً، ثم يُقال: يا بنَ آدم، هل رأيتَ خيرًا قطُّ؟ هل مرَّ بك نعيمٌ قط؟ فيقول: لا والله، يا ربِّ! ويؤتى بأشدِّ النَّاس بؤسًا في الدُّنيا من أهل الجنةِ، فيُصبغ في الجنةِ، فيقال له: يا بن آدم، هل رأيتَ بؤسًا قطُّ؟ هل مرَّ بك شدَّةٌ قط؟ فيقول: لا والله يا رب! ما مرَّ بي بؤسٌ قط، ولا رأيتُ شدةً قط)).

10- أن يجعلَ صاحبُها علوَّ همتِه مقصدَه، فمن كرمتْ عليه نفسُه، لم يكن للدُّنيا عنده قَدْر.

فهذِّب نفسَك -يا بن الإسلام- وداوِ أمراضَها حتَّى يكون يوم الحصاد؛ فتحصد ويكون حصادُك يومها خير الحصاد: جنَّة عرضها السموات والأرض.
-----------------------------------------------------