من ركائز الوحدة الوطنية
التعايش الاجتماعي للمسلمين مع غير المسلمين
أ.د. أحمد عمر هاشم
التعايش الاجتماعي للمسلمين مع غير المسلمين Ocia1442
لقد أرسي الإسلام أصولاً بمقتضاها يتعايش المسلمون مع غير المسلمين فوق أرض واحدة، وتحت سماء واحدة، وفي مجتمع واحد.

وكانت هذه الأصول متمثلة في البر والعدل حيث قال الله تعالي: «لا ينهاكم اللهُ عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا علي إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون».

وجعل الإسلام التعايش الاجتماعي بين المسلمين وغير المسلمين قائماً علي المعاملة الحسنة، فعند الحوار أو الجدال لابد أن يكون الجدال بالتي هي أحسن حتي تظل جسور التواصل والتعاون قائمة فقال الله تعالي: «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسملون».

ولو كان غير المسلم مشركاً واستجار بالمسلم، فعلي المسلم أن يجيره وأن يبلغه مأمنه، وهنا تتجلي عظمة الإسلام في إرساء أصول التعايش الاجتماعي الآمن، حيث قال الله سبحانه وتعالي: «وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتي يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه».

ومن أوجه التعايش الاجتماعي إباحة زواج المسلمين من نساء أهل الكتاب وإباحة طعامهم وإباحة طعام المسلمين لهم كما قال الله تعالي: «اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين».

ومن أوجه التعايش الاجتماعي ما فعله رسول الله -صلي الله عليه وسلم- حيث عامل أهل خيبر وهم يهود علي نصف ما يخرج من أراضيهم، علي أن يعملوها بأموالهم وأنفسهم، وهذه شركة في الزرع والغرس والثمر، وقد ابتاع رسول الله -صلي الله عليه وسلم- طعاماً من يهودي بالمدينة، ورهنه درعه فهذه تجارة مع اليهود ومعاملتهم جائزة.

وها هوذا عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ذبحت له شاة في أهله، فلما جاء قال: «أهديتم لجارنا اليهودي» سمعت النبي -صلي الله عليه وسلم- يقول: «مازال جبريل يوصيني بالجار حتي ظننت أنه سيورثه».

ومن نماذج التعايش أيضاً تقدير الرسول الله -صلي الله عليه وسلم- للأموات ولو كانوا غير مسلمين ولجنائزهم، عن عبد الرحمن بن أبي يعلي قال: «كان سهيل بن حنيف وقيس بن سعد قاعدين بالقادسية، فُمرَّ عليهما بجنازة فقاما، فقيل لهما إنهما من أهل الأرض، أي من أهل الذمة، فقالا: إن النبي -صلي الله عليه وسلم- مرت به جنازة فقام، فقيل له: إنها جنازة يهودي، فقال: أليست نفساً؟».

بل بلغت سماحة التعايش الاجتماعي للمسلمين مع غير المسلمين مبلغاً سمح لوفد نجران بدخول المسجد النبوي وأداء شعائرهم فيه، لما قدم وفد نجران علي رسول الله -صلي الله عليه وسلم-، دخلوا عليه مسجداً فحانت صلاتهم فقاموا يصلون في مسجده فأراد الناس منهم فقال رسول الله -صلي الله عليه وسلم- وسلم: دعوهم فاستقبلوا المشرق وصلوا صلاتهم.

ولم يقتصر هذا التسامح علي حال دون أخري بل رأينا توجيهات الاسلام تنهي حتي في الحروب عن الغدر والتمثيل، عن بريدة رضي الله عنه قال: «كان رسول الله -صلي الله عليه وسلم- إذا أمر أميراً علي جيش أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوي الله ومن معه من المسلمين خيراً، ثم قال: اغزوا باسم الله في سبيل الله تعالي قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدة».

وقد شهدت الحياة الاجتماعية تعايشاً بين المسلمين وغيرهم وشهدت دفاع المسلمين عنهم وحمايتهم لحقوقهم، لدرجة أن ابن تيمية رحمه الله حين تغلب التتار علي الشام، وأسروا جماعة من المسلمين وأهل الذمة، ذهب إلي حاكمهم، وكلمه في إطلاق سراح الأسري فأطلق أسري المسلمين ومنع أسري أهل الذمة، فأبي الرجوع إلا بافتكاك أسري أهل الذمة وحصل له ما أراد.

كما حمي الاسلام أموال غير المسلمين، وصانها وجاء في عهد النبي -صلي الله عليه وسلم- لأهل نجران: «ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة رسوله علي أموالهم وملتهم وبيعهم وكل ما تحت يديهم من قليل أو كثير».

ومن الوقائع التاريخية التي توضح مراعاة ولاة أمر المسلمين لحقوق غير المسلمين تلك الحادثة التي أخذ فيها الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك كنيسة يوحنا وأدخلها في المسجد الأموي فلما استخلف عمر بن عبدالعزيز شكا النصاري إليه، فكتب إلي عامله برد ما زاده في المسجد عليهم، لولا أنهم تراضوا مع الوالي علي أساس أن يعرضوا بما يرضيهم.

ويؤكد ولاة أمر المسلمين علي الوصية بأهل الذمة مهما حدث، فها هو ذا عمر بن الخطاب: رضي الله عنه رغم ما جري له من واحد من غير المسلمين وهو أبو لؤلؤة المجوسي الذي أصيب بسبب ضربته، فمع هذا كان عمر رضي الله عنه وهو في لحظات حياته الأخيرة يقول: «أوصي الخليفة من بعدي بأهل الذِّمَّةِ خيراً أن يوفي بعهدهم وأن يقاتل مَنْ ورائهم، وألا يُكلّفهم فوق طاقتهم».

وبهذا التوجيه الإسلامي العظيم، وعلي هذا النحو من الدعوة إلي التعايش الاجتماعي للمسلمين مع غير المسلمين أكد الإسلام عبر عصور التاريخ علي عالمية دعوته، وسماحة عقيدته.

وهذا التعايش المتسم بالتسامح يستوجب علي غير المسلمين أن تكون معاملتهم للمسلمين، خاصة للأقليات الاسلامية بمثل هذا الأسلوب المتميز المتسامح العادل، حتي يعيش العالم في سلام عالمي وتعايش سلمي، فآدم عليه السلام هو والد الجميع وحواء هي الأم «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا».

بقلم: أ.د./ أحمد عمر هاشم
المصدر: موقع بيان الإسلام
الرابط:
http://bayanelislam.net/