الفصل الثاني
الأخوة الإسلامية بين الأجناس والشعوب
الأخوة الإسلامية بين الأجناس والشعوب Ocia1436
لا تفرقة عرقية أو جنسية في الإسلام
لقد سبق أن نوهنا في مبحث المساواة في الإسلام بالقول إن الرسالة حرصت على إقامة قواعد المساواة والإخاء في الدولة الإسلامية دونما أي خطر للعرق أو الجنس أو الشعوب والقوميات المختلفة، ودونما تفريق بين أصحاب الديانات المتباينة أو اختلاف بين مسلم وذمي...

الأخوة الإسلامية وسر انتشار الرسالة
وبدهي أن يبحث المستشرقون قضية الأخوة الإسلامية والنزعة الإنسانية في الإسلام، وأنها كانت وراء جاذبية انتشاره، ولقد تناول المؤرخ الإيطالي كايتاني في كتابه: «حوليات الإسلام» كيف أن معاقل المسيحية في الشرق قد تهاوت أمام المد الإسلامي، بسبب تلك الجاذبية وسطوع مبادئه، يقول: ((لما أهلت آخر الأمر أنباء الوحي الجديد فجأة من الصحراء، لم تعد المسيحية، التي اختلطت بالغش والزيف، وتمزقت بسبب الانقسامات الداخلية، وتزعزعت عقائدها الأساسية، واستولى على رجالها اليأس والقنوط من هذه الشكوك، نقول إنه لم تعد تلك المسيحية قادرة على مقاومة إغراء هذا الدين الجديد الذي بدد بضربة من ضرباته كل الشكوك التافهة، وقدم مزايا جليلة إلى جانب مبادئه الواضحة التي لا تقبل الجدل، وحينئذ ترك الشرق المسيح، وارتمى في أحضان العرب، ولا عجب فقد منح الإسلام العبد رجاء، والإنسانية إخاءً، ووهب الناس إدراكاً للحقائق الأساسية التي تقوم عليها الطبيعة البشرية)).

أثر الأخوة الإسلامية على الشعوب
وكان لهذه الأخوة الإسلامية أثرها على باقي الشعوب، وحفرت عميقاً في وجدانها هذه النزعة الإنسانية الخيرة التي ترفض التقسيم العرقي أو الطبقي... ويتحدث جواهر لال نهرو زعيم الهند الراحل، وباني نهضتها الحديثة، عن هذا الجانب بقوله: ((إن نظرية الأخوة الإسلامية، والمساواة التي كان المسلمون يؤمنون بها، ويعيشون فيها، أثرت في أذهان الهندوس تأثيرا عميقاً. وكان أكثر خضوعاً لهذا التأثير البؤساء الذين حرم عليهم المجتمع الهندي المساواة والتمتع بالحقوق  الإنسانية)).

الإخاء والمساواة
أن الأخوة الإسلامية وقفت دائماً بالمرصاد ضد النزعة العرقية، فلا فرق بين عربي وأعجمي، أو أبيض وأسود، فالجميع سواسية كأسنان المشط، ويعاملون على قدم المساواة، يقول المستشرق والمؤرخ بودلي: ((و ليس هناك أي عائق لوني للمسلم فلا يهم أكان المؤمن أبيض أو أسود أو أصفر، فالجميع يعاملون على قدم المساواة)).

الإخاء وفلسفته الاجتماعية في الإسلام
انطلاق من فلسفة الإسلام الاجتماعية التي تعلي كل ما هو في صالح المجموع وتقدمه على مصلحة الفرد، والصالح العام للإنسانية فوق المصلحة العرقية، تأكيداً على مبدأ الإخاء الإنساني، يقول المفكر برج: ((إن مبدأ الإخاء الإنساني هو أساس فلسفة الأخلاق الاجتماعية في الإسلام)).

وتأسيساً على مبدأ الأخوة الإنسانية بين الأجناس والشعوب، حقق الإسلام واقعياً لا نظرياً عملية توحيد مختلف الأجناس في ظل المساواة والعدل الإسلاميين، يقول برج مؤكداً: ((إنه ليس هناك من مجتمع آخر سجل له التاريخ من النجاح كما سجل للإسلام في توحيد الأجناس الإنسانية المختلفة، مع التسوية بينها في المكانة والعمل وتهيئة الفرص للنجاح في هذه  الحياة)).

ويتحدث المفكر الإنكليزي موير عن الرسالة الإسلامية وفق عقيدتها، فيقول: ((ومن عقيدة الإسلام أن الإنسان أخو الإنسان)).

ولادة المبدأ الديمقراطي الجديد
أن تلك الأخوة الإسلامية كانت جزءاً من الرسالة الخيرة وقاعدة لولادة مبدأ جديد، مبدأ الديمقراطية.. ويتحدث جواهر لال نهرو عن نضال الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- في نشر رسالته التي حولت القبائل العربية المتناحرة إلى أمة عظيمة ضمت شعوباً شتى وأجناساً مختلفة، وأعراقاً متباينة، كان الجميع فيها يعاملون على قدم المساواة تضمهم راية الأخوة، ويوحدهم مبدأ الديمقراطية في ظل تلك الحضارة الإسلامية الإنسانية الزاهرة.

يقول جواهر لال نهرو في كتابه: «لمحات من تاريخ العالم»:
((كان محمد واثق بنفسه ورسالته، وقد هياً بهذه الثقة وهذا الإيمان لأمته أسباب القوة والعزة والمنعة، وحولها من مكان صحراء إلى سادة يفتحون نصف العالم المعروف في زمانهم، كانت ثقة العرب وإيمانهم عظيمين، وقد أضاف الإسلام إليها رسالة الأخوة والمساواة والعدل، بين جميع المسلمين، وهكذا  ولد في العالم مبدأ ديمقراطي جديد، فوثب الشعب العربي بنشاط فائق أدهش العالم، وقلبه رأساً على عقب. وإن قصة انتشار العرب في آسية وإفريقية وأوروبة، والحضارة الراقية، والمدينة الزاهرة التي قدموها للعالم هي أعجوبة من أعجوبات التاريخ)).

النزوع الديمقراطي وإزالة الفوارق الجنسية والعرقية
لقد نجح الإسلام بفضل هذه الأخوة والروح الديمقراطية في إزالة الفوارق في الجنس واللون، ولم تعد الشعوب المغلوبة التي دخلت حظيرة الإسلام، تشعر أنها شعوب مقهورة، بل تشعر بحريتا وكرامتها في ظل الأخوة الإسلامية.

يقول الباحث الأمريكي، وأحد كبار رجالات الخارجية الأمريكية السابقين فيليب إيرلاند:
((يبدو من النظرة الأول أنه توجد ظروف ملائمة جداً للديمقراطية في داخل الإسلام. فإن الإسلام كان أعظم الديانات توفيقاً في إزالة فوارق الجنس واللون والقومية)).

أصالة النظام الإسلامي
ويعود موقف الإسلام المتسامح من الشعوب والأجناس إلى نظرته للإنسان بشكل عام، فجميع البشر عيال الله في إطار من المساواة والإنسانية، إلى جهة بالعناية الإلهية. فالإسلام عقيدة وشريعة، ديناً ودولة لا ينفصم فيه الروحي عن الزمني، لذا أكتسب طابع العمومية، وغدا شمولياً عالمياً إنسانياً، للإنسان مكانته الرفيعة في المنظور الإسلامي... وهذا، وإن كان للجماعة الإسلامية قوانينها وحقوقها، فقد سوى بينها الإسلام بتسامحه ونظرته العميقة للشعوب الأخرى، فكان للإنسان إنسانيته، ولذا حفظ مكانتها في المجتمع الإسلامي، في إطار من النظم والدساتير.

يقول الباحث الفرنسي مارسيل بوازار:
((وينبغي أن يحتفظ لغير إلمؤمنين بوضع خاص في مجتمع قائم بشكل أساسي على الدين. ومع ذلك فليس شأن الأجنبي كشأن «العدو» في المدينة القديمة. وتتمثل أصالة النظام الإسلامي بالنظر إلى ما كان سائداً في العصور الإغريقية والرومانية في شمولية الوحي وإرشادية الدين. ويمثل تفوقه في هذا المضمار على اليهودية والمسيحية في تقبله الديانات التوحدية السابقة، التي يصدقها الإسلام. ولكنه يجاوزها في الوقت نفسه إلى جانب توكيده على الوحدة الجوهرية للأديان السماوية.. فالنسبية إذن قاعدة مقبولة في حقل التشريع لا حين يتعدى الأمر  التوكيد الجوهري لعامة القانون الإلهي. وإليك إحدى أهم مساهمات الإسلام في تأليف مفهوم عالمي حديث: التسماح وهو واجب ديني وأمر شرعي. والقرآن واضح في الإشارة إليه: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدق لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه * فاحكم بينهم بما أنزل الله، ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق * لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً، ولو شاء الله لجعلكم أمَّةً واحدةً ولكن ليبلوكم في ما آتاكم، فاستبقوا الخيرات).. وترتسم في هذا الإطار العام ثلاث فئات من غير المسلمين. فهناك أولاً المشرك المدعو للدخول في الدين الجديد دون أن يتخذ بحقه تدبير طرد، وليس أمامه نظرياً إذا ناصب الإسلام والمسلمين العداء إلا أن يختار بين اعتناق الدين والقتال حتى الموت. وهناك ثانياً اعتنق لدين توحيدي القاطن خارج العالم الإسلامي (الحربي). ولكن في وسعه أن يقيم مؤقتاً فيه تبعاً لإجراء في غاية البساطة. ويبدو هذا النموذج الثاني أقرب إلى فكرة «الأجنبي» حسب المذهب الحديث. وتضم الفئة الثالثة أخيراً الموحدين الذين "تحميهم" الجماعة الإسلامية. وكثير ما لجأت الكتابات الغربية إلىعملية تعميم مفرطة في التبسيط فاعتبرت هؤلاء «المحميين» بمثابة «مواطنين من الدرجة الثانية». والواقع أن هؤلاء القوم كانوا أجانب خاضعين لقوانينهم الخاصة. و«محميين» بالمعنى الفعلي للفظة، لانهم مقيمون جغرافياً في المجال الخاضع سياسياً وثقافياً للإسلام. وكانوا يؤلفون أقليات دينية متناسقة تكفل أوضاعها نظم قانونية ملزمة إزاماً شديداً للأغلبية المسلمة لأنها  جزء من التنزيل)).

التعايش الأخوي
إن الإسلام قدَّم نفسه كعقيدة دينية وشريعة ظهرت في إطار تنظيم اجتماعي تبلور في الدولة الإسلامية عبر سائر المراحل التاريخية السابقة واللاحقة، سابقاً إلى تحقيق فكرة التعايش بين الشعوب والأجناس والأديان، وإن نظرة واحدة لأول دستور مكتوب في تاريخ البشرية، وأقصد به دستور المدينة يقدم لنا القوانين السائدة في أول دولة إسلامية قامت بعد الهجرة وحققت التعايش بين المسلمين واليهود والقبائل العربية التي لم تكن تعتنق الإسلام، ومن ثم تطورت جوانب هذا التعايش مع قيام الدولة الإسلامية التي ضمت شعوباً وأمماً مختلفة، حققت بينها الانسجام والعدل والمساواة، بعيداً عن العصبية العرقية أو الاستعلاء الديني.

يقول مارسيل بوازار:
((وقد فتح الإسلام الباب للتعايش على الصعيد الاجتماعي والعرقي حين اعترف بصدق الرسالات الإلهية المنزلة من قبل على بعض الشعوب، وجعل المسلمين منحدرين من نسل مشترك هم اليهود والنصارى عبر إبراهيم. لكنه بدا أنه يرفض الحوار في الوقت ذاته على الصعيد اللاهوتي حين ربط التنزيل القرآني بما جاء في الكتاب المقاس وأزال من العقيدة كل ما اعتبر زيفاً مخالفاً للتوحيد بالمعنى الدقيق للكلمة. وأتاح منطق تعاليمه القوي وبساطة عقيدته، وما يرافقها من تسامح أتاح كل هذا للشعوب التي فتح بلادها حرية دينية تفوق بكثير تلك التي أتاحتها الدول المسيحية نفسها، ولا سيما في حوض المتوسط الشرقي، حيث كانت تحارب بقسوة الهرطقات التي غالباً ما كانت تتخذ شكل المطالبة القومية. وبهذا لا تغطي "الجماعة الإسلامية" رقعة «دار الإسلام» فالفكرة الأولى تتخذ طابع الموافقة الدينية، وتضمن الثانية بنية سياسية ودينية معاً تضم غير المسلمين تبعاً لإجراء محدد.

ويتيح التوحيد لكل إنسان شرف الاندماج في الجنس البشري دون حصر ولا مراعاة خاصة. وتستتبع وحدة الرسالات احترام معتنقي التنزيلات السابقة، في حين أن اعتناق الإسلام يحقق للفرد في موازاة ذلك، مكان بلوغ الدرجة القصوى من الكمال بالانخراط في  مجتمع المؤمنين. وبالفعل فإن شهادة أن "لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله" التي ينخرط بها الفرد، ويشارك مشاركة تامة في الأمة الإسلامية تتضمن اعترافاً مزدوجاً: الاعتراف بوحدانية الله، والاعتراف بأن النبي محمداً رسول من الله. وتبقى القيمة الجوهرية هي هي لجميع الناس بوصفهم أناساً. ومع هذا فإن شعور المسلم بالدعوة الربانية أهي موضوعياً من شعور أي إنسان آخر لأنه يتبع أمر الله: (ويا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم أن الله عليمٌ خبيرٌ)).

المجتمع الإنساني المنفتح
إن أصالة الإسلام وعالميته، تجاوزتا إلى الموقف العملية للعقائد والديانات السابقة، حين قدم نموذجاً عملياً في إطار نظامه، فلم تبق الرسالة مجرد تعاليم راقية بل ظهرت كحقيقة تاريخية ثابتة متطورة، وكمجتمع إنساني منفتح على الجميع، دون مساس بالصالح العام، فكان أن ظهرت فيه أقليات عرقية ودينية، أوجد لها الإسلام الحلول قديماً، بينما كانت المجتمعات الأوروبية غارقة في ظلام القرون الوسطى.

يقول مارسيل بوازار:
((وبالرغم من كون هذا المجتمع مفتوحاً للجميع، فإنه ليس في مكنة الجماعة أن تقبل الذين رفضوا مقدماتها الأساسية. أي الإسلام، بصورة أعضاء كاملين. إلا أنه ليس ما يمنع المؤمنين من إقامة علاقات صداقة مع غير المسلمين. ما دامت هذه الروابط لا تشكل خطراً على الجماعة. وفي وسع الموحدين غير المسمين القاطنين في قلب وسلطة زعيمهم الديني المسؤول تجاه السلطات الإسلامية. وقد تألفت "أمم" من نوع معين، واتحدت، وخضعت لنظامها الديني الخاص. وانخرطت في البنية الاجتماعية الفوقية للمجتمع الإسلام ي الذي يحميها.. وتعني كلمة (الذمة) في أصل وضعها حسب المعجمات العربية، الإيمان والعهد، والميثاق، فالقضية إذاً قضية عقد تسمح  الجماعة الإسلامية بموجبه للأقوام الموحدة الخاضعة لها أن تحتفظ بدينها بكفالة الإسلام، لقاء دفع ضريبة تعويضية واحترام بعض موجبات حددتها الشريعة بدقة. ويستمد مبدأ الجزية أساسه من القرآن، أما طرق تطبيقها فقد وضعت فيما بعد، ولا سيما خلال حقبة الفتوحات.. وليس طابع معاهدة الحماية (الذمة) التشريعي قابلاً للمقارنة أو المماثلة بأفكار المذهب التشريعي الغربي الرائجة. أضف إلى ذلك أن المؤسسة تطورت بتطور تاريخ الإمبراطورية الإسلامية، بتأثير النقول الخارجية وما نتج عنها من تطور بنى العالم الإسلامي نحو نوع من العلمانية. وإنه ليكتفي أن نستخرج خطوط النظام العامة الكبرى من ركام كثير التشويش من الأحداث التاريخية، والآراء التشريعية، والعلاقات بين الأحداث »، لنبين كيف حاول الإسلام منذ القرن السابع للميلاد أن يقدم حلاً لمشكلة الأقليات فريداً في نوعه. والمقابلات القانونية التاريخية خطرة، لان المؤسسات القديمة نتاج مفاهيم بعيدة جداً في الأغلب عن تطلعاتنا أو إنجازاتنا الحديثة.. وتستحق جماعة غير المسلمين على أرض الإسلام أن تتناول بالتحليل، لأنه ثبت أنها نهج لا مثيل له، في الوقت الذي كان فيه الغرب على أهبة الخروج من العصور الوسطى وإدراك ضرورة وضع الأنظمة المحددة للعلاقات مع الغرباء)).

الإسلام وصياغة القوانين الدولية
هذا، وفد رأى ماسينيون أن نظرة المجتمع الإسلامي إلى الأقليات العرقية القاطنة في كنفه قد كنفه دوراً بالغاً في صياغة القوانين الدولية، إن شكلت هذه التنظيمات القانونية الخاصة والإلزامية، حسب رأى المفكر الفرنسي ((إلى تكوين جنين قانوني دولي عام لدى فقهاء المسلمين قبل أن يفكر بذلك غروتيوس في العالم المسيحي بزمن)).

لا إكراه في الدين
ويتابع الباحث الفرنسي بوازار معرفته لمظاهر التسامح الإسلامي، إن كفلت الشريعة لحماية الأقوام المفتوحة بلادهم، دون أن تمس حقوقهم وأوضاعهم، رغم ظهور بعض التجاوزات الطفيفة.

ويخلص إلى القول:
((ويظهر أن الإسلام  يتراءى أكثر تسامحاً كلما قوي واشتد على الصعيدين الداخلي والخارجي. وينم نص الآية القرآنية التي تمنع الإكراه على اعتناق الدين عن تأكيد لا يتزعزع. وقوة الأمة توفر للمؤمن ألا يخش اليهودي ولا المسيحي، وأن يحترم بالتالي شخصهما ودينهما ومؤسساتهما. وقد استوحت الجماعة الإسلامية أثناء الموجة الأول لانتشارها في الأرض استيحاء كبيراً الترتيبات التحررية التي أغدقها النبي وخلفاؤه. وقد أهمل معظم القيود التي جدت بالتدريج. ولم يرجع إليها بشكل منظم إلا تبعاً لظروف خاصة جداً)).

ومنذ البدء أكد الإسلام أنه دين عالمي حضاري صالح لكل الأجناس ولمختلف الشعوب.

يقول المؤرخ والمستشرق الأسباني ريتين في كتابه: "التاريخ الخاص لسورية ولبنان":
((دين محمد قد أكد منذ الساعة الأول لظهوره وفي حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه دين عام. فإذا كان صالحاً لكل جنس كان صالحا بالضرورة لكل عقل، ولكل درجة من درجات الحضارة)).

تجربة الإسلام التاريخية ومستقبل الإنسانية
ويتوسع المستشرق البريطاني جب في تناول جانب كالمساواة التي أقامها الإسلام بين مختلف الشعوب في تلك التجربة الإنسانية الفذة، التي جمعت في بوتقة الإسلام شعوباً مختلفة وأجناساً متباينة، وأن هذه التجربة التاريخية الكبرى يمكن أن تخدم الإنسانية مستقبلاً في تحقيق الإخاء بين الشعوب، وكسر الجليد بين الشرق والغرب، وينتهي إلى القناعة بضرورة تشكيل موقف موحد ما بين الإسلام والغرب لخدمة الإنسانية.

يقول المستشرق جب في كتابه: "اتجاه الإسلام":
((وكذلك كم قام الإسلام بخدمات أخرى أسداها للإنسانية وله ماض بديع من تعاون الشعوب وتفاهمها، وليس هنالك مجتمع آخر له ما للإسلام من ماض كله نجاح في جمع كلمته مثل هذه الشعوب المعجزة المتباينة على بساط واحد، في الحقوق والواجبات، وقد برهنت الطوائف الإسلامية في إفريقية والهند والهند الشرقية والجماعات الصغيرة منهم في الصين واليابان، على أن الإسلام يستطيع أن يوفق بين العناصر التي لا سبيل إلى التوفيق بينها، وإذا ما أريد إحلال التعاون محمل الخلاف بين المجتمعات في أن الشرق والغرب فإن وساطة الإسلام ضرورية لا غنى عنها، فهو وحده الكفيل بحل المشكلة التي تواجه أوروباً في علاقاتها مع الشرق، فإذا اتحدا عظم الأمل في أن تكون النتيجة سلاماً، وأما إذا رفضت أوروبة معاونة الإسلام وألقت بنفسها في أحضان خصومه فلن تكون العاقبة إلا نكبة لهما معاً)).

وبكلمة فإن الإسلام وحده القادر على تحقيق الإخاء الإنساني والمساواة بين سائر الشعوب، يقول:
((ما زال في مستطاع الإسلام أن يقدم للإنسانية خدمة جليلة، فليس هناك أية هيئة سواه يمكن أن تنجح مثله نجاحاً  باهراً في تأليف هذه الأجناس البشرية المتنافرة في جبة واحدة أساسها المساواة)).