لا تقربوا - [25] الغيبة
لا تقربوا - [25] الغيبة  Ocia1277
ليعلم المغتاب أنه بالغيبة متعرض لسخط الله تعالى ومقته، وأن حسناته تنتقل إلى من اغتابه، وإن لم يكن له حسنات نقل إليه من سيئات خصمه.

تعريف الغيبة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتدرون ما الغيبة؟، قالوا الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته (أي: قال عليه ما لم يفعل)» [صحيح ابن حبان: 5758].

قال الله تعالى: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} [الحجرات:12].

أي لا يتناول بعضكم بعضـًا بظهر الغيب بما يسوؤه ثم ضرب الله تعالى للغيبة مثلاً: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} وبيانه أن ذكرك أخاك الغائب بسوء بمنزلة أكل لحمه وهو ميت لا يحس بذلك، {فَكَرِهْتُمُوهُ} أي فكما كرهتم هذا الأمر فاجتنبوا ذكر إخوانكم بالسوء، وفي ذلك إشارة إلى أن عرض الإنسان كلحمه وهي من الكبائر.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا "قال بعض الرواة تعني قصيرة"، فقال: لقد قلتِ كلمة لو مُزجَتْ بماء البحر لمزجته، قالت: وحكيت له إنسانـًا فقال: ما أحِبُّ أني حكيت إنسانـًا وإن لي كذا وكذا» [صحيح أبي داود:4875] والحديث من أبلغ الزواجر عن الغيبة.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل المسلم على المسلم حرام دمه وعِرْضُهُ وماله» [صحيح مسلم: 2564].

وعن أبي بكر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر بمنى في حجة الوداع: «إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم كحُرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هلا بلغت» [حجة النبي: 45].

قال علي بن الحسين:
"إيَّاكم والغيبة فإنها إدام كلاب الناس".

فمعنى الغيبة أن تذكر أخاك الغائب بما يكرهه إذا بلغه، سواء كان ناقصـًا في بدنه أو نسبه أو خلقه أو ثوبه.

وأقبح أنواع الغيبة:
غيبة المتزهدين المُرائين مثل أن يُذكر عندهم إنسان فيقولون: الحمد لله الذي لم يبتلنا بالدخول على السلطان والتبذل في طلب الحطام، أو يقولون: نعوذ بالله من قلة الحياء أو نسأل الله العافية، فإنهم يجمعون بين ذم المذكور ومدح أنفسهم.

وربما قال بعضهم عند ذكر إنسان:
ذلك المسكين قد بُلِىَ بآفةٍ عظيمةٍ تاب اللهُ علينا وعليه، فهو يظهر الدعاء ويخفي قصده.

واعلم أن المستمع للغيبة شريك فيها، ولا يتخلّص من إثم سماعها إلا أن يُنكر بلسانه، فإن خاف فبقلبه، وإن قدر على القيام أو قطع الكلام بكلام آخر لزمه ذلك.

الأسباب الباعثة على الغيبة:
1- تشفي الغيظ بأن يجري من إنسان في حق إنسان آخر سبب يوجب غيظه فكلما هاج غضبه تشفى بغيبة صاحبه.

2- من البواعث على الغيبة موافقة الأقران ومجاملة الرفقاء ومساعدتهم، فإنهم إذا كانوا يتفكهون في الأعراض رأى هذا أنه إذا أنكر عليهم أو قطع كلامهم استثقلوه ونفروا منه، فيساعدهم ويرى ذلك من حسن الصحبة.

3- إرادة رفع نفسه بتنقيص غيره، فيقول : فلان جاهل وفهمه ركيك، ونحو ذلك، وغرضه أن يثبت في ضمن ذلك فضل نفسه ويريهم أنه أعلم منه، وكذلك الحسد في ثناء الناس على شخص وحبهم له وإكرامهم فيقدح فيه ليقصد زوال ذلك.

4- اللعب والهزل فيذكر غيره بما يضحك الناس على سبيل الحاكاة حتى إن بعض الناس يكون كسبه من هذا.
علاج الغيبة:

فليعلم المُغتاب أنه بالغيبة مُتعرّضٌ لسخط الله تعالى ومقته، وأن حسناته تنتقل إلى مَنْ اغتابه، وإن لم يكن له حسنات نُقِلَ إليه من سيئات خصمه، فمَنْ استحضر ذلك لم يُطلق لسانه بالغيبة.

وينبغي إذا عرضت له الغيبة أن يتفكَّر في عيوب نفسه ويشتغل بإصلاحها ويستحي أن يعيب وهو معيب.

كما قال بعضهم:
فإن عبتَ قومـًا بالذي فيكَ مثلُهُ فكيفَ يعيبُ الناسَ مَنْ هوَ أعْوَرُ
وَإنْ عِبْتَ قَوْمـًا بالـــذي ليس فيهــم فذلك عند الله والناس أكبــرُ


فلينظر في السبب الباعث على الغيبة فيجتهد في قطعه فإن علاج العلة يكون بقطع سببها.

كفارة الغيبة:
اعلم أن المغتاب قد جنى جنايتين.

الجناية الأولى:
حق الله تعالى إذ فعل ما نهاه عنه فكفارة ذلك التوبة والندم.

والجناية الثانية:
على عِرْضِ المخلوق، فإن كانت الغيبة قد بلغت الرجل جاء إليه فاستحلَّهُ وأظهر له الندم على فعله.

وإن كانت الغيبة لم تبلغ الرجل جعل مكان استحلاله الاستغفار له والثناء عليه بما فيه من خير أمام مَنْ اغتابه أمامهم لإصلاح قلوبهم.
 
خالد أبو شادي
طبيبٌ صيدليّ، وصاحبُ صوتٍ شجيٍّ نديّ.
وهو صاحب كُتيّباتٍ دعويّةٍ مُتميّزة

•    المصدر:
موقع موسوعة الكلم الطيب