لا تقربوا - [24] الشُّح
لا تقربوا - [24] الشُّح  Ocia1276
حَذَّرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من هذا الخُلُق الذَّميم؛ لأنه يؤدي إلى شيوع الظلم، وقطيعة الرَّحم، وسفك الدماء، وأكل الأموال.

معنى الشُّح:
الشح مأخوذ من مادة (ش ح ح) التي تدل على المنع، والشُّح بُخْلٌ مع حرص، وقد فسره ابن رجب رحمه الله بأنه: تشوق النفس إلى ما حرَّم اللهُ ومَنَعَ مِنْه، وعدم قناعة الإنسان بما أحله اللهُ له من مالٍ أو مزج أو غيرهما.

الفرق بين البُخل والشُّح:
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "الفرق بين الشح والبخل أن الشح هو شدة حرص على الشيء، والإحفاء في طلبه، والاستقصاء في تحصيله، وجَشَع النفس عليه.

والبخل:
مَنْع إنفاقه بعد حصوله، فهو شحيح قبل حصوله، بخيل بعد حصوله، فالبخل ثمرة الشح، والشح يدعو إلى البخل، والشح كامن في النفس، فمن بخل فقد أطاع شحه، ومَنْ لم يبخل فقد عصى شحه ووُقِيَ شرَّه، وذلك هو المفلح، قال الله تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].

ومما لا شك فيه أن الشُّح من أقبح الصفات، فهو مُنافٍ للإيمان، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبدًا ، ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدًا» [صحيح الجامع: 7616].

والشُّحُّ يُهلك صاحبه، وإذا شاع في المجتمعات مزقها وأهلكها، قال صلى الله عليه وسلم: «...وأما الملهكات: فشحٌ مطاع، وهوىً متبع، وإعجاب المرء بنفسه» [صحيح الجامع: 3045].

ولهذا حَذَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم من هذا الخُلق الذميم؛ لأنه يؤدي إلى شيوع الظلم، وقطيعة الرحم، وسفك الدماء، وأكل الأموال، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والشح فإن الشح أهلك مَنْ كان قبلكم، أمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا..» [السلسلة الصحيحة: 2/513].

والأمر الذي يثير العجب أن الشحيح يعيش الفقر وإن كان من أغنى الناس، إذ يبخل حتى على نفسه، وهو يجمع لغيره، وهذا واقع مشاهد في حياة الناس.

مِمَّا يُروى في هذا:
(أن الحسن البصري رحمه الله دخل على عبد الله بن الأهتم يعوده في مرضه، فرآه ينظر إلى صندوق في بيته، ثم قال: يا أبا سعيد، ما تقول في مائة ألف في هذا الصندوق لم أؤد منها زكاةً، ولم أصِلْ منها رحمـًا؟ قال الحسن: ثكلتك أمُّكَ، ولِمَ كَنْتَ تجمعُها ؟ قال: لروعة الزمان، وجَفوة السلطان، ومكاثرة العشيرة.

ثم مات، فلما فرغوا من دفنه قال الحسن رحمه الله:

انظروا إلى هذا المسكين، أتاه شيطانه فخدره روعة زمانه، وجفوة سلطانه، ومكاثرة عشيرته، عَمَّا رزقه الله إياه وغمره فيه.

انظروا كيف خرج منها مسلوبـًا محرومـًا، ثم التفت إلى الوارث فقال: أيها الوارث، لا تُحذ عن كما خُدع صويحبك بالأمس، أتاك هذا المال حلالاً فلا يكونن عليك وبالاً، أتاك عفوًا صفوًا ممن كان له جموعـًا منوعـًا، من باطل جمعه، ومن حق منعه.

إن يوم القيامة يوم ذو حسرات، وإن من أعظم الحسرات غدًا أن ترى مالك في ميزان غيرك فيا لها عثرة، لا تُقال، وتوبة لا تُنال.

وقال محمود الورَّاق رحمه الله تعالى:
تمتع بمالك قبل المـمـاتِ *** وإلا فـــلا مـال إن أنت مُتَّا
شَقِيتَ بــــه ثـــم خَلَّفْتَــهُ *** لِغيرك بُعدًا وسُحـقًا ومقْـتا
فجـاد عليك بِزُورِ البُـكَــا *** وَجُدْتَ له بالذي قـد جمعتا
وأعطيتَه كُلَّ ما في يديك *** فخـلاّك رهنـًا بما قد كسبتا


وقد عَدَّهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم من الموبقات.

أمِّا من طهَّر نفسه من الشح فقد وعده ربه بالفلاح، قال تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].
 
خالد أبو شادي
طبيبٌ صيدليّ، وصاحبُ صوتٍ شجيٍّ نديّ.
وهو صاحب كُتيّباتٍ دعويّةٍ مُتميّزة

•    المصدر:

موقع موسوعة الكلم الطيب