لا تقربوا - [02] الديوث لا يدخل الجنة
لا تقربوا - [02] الديوث لا يدخل الجنة Ocia_o15
أمَّا الذي لا يغار فلا خير فيه؛ إنه يسلك سبيلاً إلى النار ويبتعد بنفسه عن الجنة، بل يجعل عِرْضَهُ مُباحًا لكل مَنْ هَبّ ودَبَّ، وهذا هو الدَّيوث.

حَثَّتْ شريعتنا الغرَّاء على مكارم الأخلاق ونهت عن مساوئها لِمَا يترتب على انتشار الأخلاق السيئة من أضرار على الأفراد والمجتمعات.

وقد جاءت الشريعة بحفظ النسل والأعراض من كل ما يدنسها أو يعدو عليها فشرعت أقسى العقوبات لمن سولت له نفسه الاعتداء على أعراض الآخرين: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور:2]

وهذه العقوبة لِمَنْ كان غير مُحصَن، أمَّا الزَّاني المُحصَن فحَدُّهُ في الشرع الرَّجم حتى الموت، كما حرَّمت الشريعة الزواج مِمَّنْ عُرِفَ بالزّنا: {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور:3]

ليس ذلك فحسب بل أعلت الشريعة شأن المُحافظة على الأعراض حتى رفعت منزلة مَن مات دون عِرْضِهِ إلى درجة الشهداء: «ومَنْ مات دُون عِرْضِهِ فهو شهيد» (صحيح الجامع [4172]).

وربّت هذه الشريعة أبناءها على الغيرة، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تعجبون من غيرة سعد؟! والله لأنا أغْيَرُ منه، واللهُ أغْيَرُ مِنّي» (صحيح البخاري [7416 ]).

أمَّا الذي لا يغار فلا خير فيه؛ إنه يسلك سبيلاً إلى النار ويبتعد بنفسه عن الجنة، بل يجعل عرضه مباحًا لكل من هبّ ودبَّ، وهذا هو الديوث، إنه الذي لا يغار على عرضه أو يعلم بفحشهم وسوء سلوكهم ويغض الطرف عن ذلك، إنه يعرض نفسه للذل والهوان، فما زال العرب والمسلمون يعظمون شأن الأعراض والحُرُمات فيُعظّمُون مَنْ يدفع عن عِرْضِهِ وحريمه ولو بذل في سبيل ذلك ماله وروحه.

قال الشاعر:
أصون عرضي بمالي لا أدنسه *** لا بارك الله بعد العرض في المال

 أمَّا مَنْ يتهاون في هذا الباب فإنه ساقط في الدنيا ساقط في الآخرة بعيد عن الله وعن الجنة، ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والدَّيوث»، ولا يُصاب بهذا الداء العضال إلا عديم المروءة ضعيف الغيرة رقيق الدين، فتراه لا يُبالي بدخول الأجانب على محارمه ولا يُبالي باختلاطهنَّ بالرجال أو تكشفهنَّ.

بل يعجب المرء حين يرى هؤلاء من أشباه الرجال يشترون لنسائهم الثياب التي تكشف أكثر مما تستر، وتشف وتصف مفاتن الجسد وهو فرحٌ باطلاع الناس على عورات نسائه ومَنْ ولَّاهُ اللهُ أمرهن، مُفاخر بتحررهنَّ من العِفَّة والفضيلة وسيرهنَّ في طريق الفاحشة والرذيلة، ومثل هذا ميت في لباس الأحياء.

يقول الغزالي رحمه الله:
"إن من ثمرة الحمية الضعيفة قلة الأنفة من التعرض للحُرَمِ والزوجة، واحتمال الذلِّ من الأخِسَّاء، وصغر النفس، وقد يثمر عدم الغيرة على الحريم، فإذا كان الأمر كذلك اختلطت الأنساب، ولذلك قيل: كل أمة ضعفت الغيرة في رجالها ضعفت الصيانة في نسائها".

وقال الذهبي رحمه الله:
"من كان يظن بأهله الفاحشة ويتغافل لمحبته فيها أو أن لها عليه دينًا وهو عاجز أو صداقًا ثقيلاً، أو له أطفال صغار... ولا خير فيمن لا غيرة له، فمن كان هكذا فهو الديوث".

بعض وسائل الإعلام يربي على الدياثة:
من المفترض في وسائل الإعلام أن تبني الشخصية المسلمة السوية، لكن الواقع المشاهد أنها من أعظم أسباب تنشئة الناس على الدياثة وضعف الغيرة بما تبثه من مشاهد جنسية فاضحة وإعلانات داعرة، وأغاني ماجنة هابطة، وتلميع هؤلاء الفاسقين والفاسقات وإبرازهم على أنهم قدوات، حتى غدت المرأة تتغنى أمام زوجها وأبيها وأخيها بحبها للمطرب أو الممثل الفلاني، دون أن يحرك أحد هؤلاء المحارم ساكنًا، بل في بعض اللقاءات الإعلامية مع هؤلاء تتصل المرأة المتزوجة أو الفتاة فتفصح لهذا الفنان عن محبتها له وهيامها به، غير مبالية برد فعل الرجال من أقاربها ربما لأنها على يقين أنهم لن يعترضوا أصلاً.

•    المصدر:
موقع موسوعة الكلم الطيب