ذكر الطريق المسلوك من مصر إلى مكة شرفها الله تعالى:
قال ابن فضل الله: المحامل السلطانية وجماهير الركبان لا تخرج إلا من أربع جهات: مصر، ودمشق، وبغداد، وتعز (1).
قال: فيخرج الركب من مصر بالمحمل السلطاني، والسبيل والمسبل (2) للفقراء والضعفاء والمنقطعين بالماء والزاد والأشربة والأدوية، والعقاقير والأطباء والكحالين والمجبرين، والإدلاء والأئمة والمؤذنين والأمراء، والجند والقاضي والشهود والدواوين والأمناء ومغسل الموتى؛ في أكمل زي، وأتم أهبة، وإذا نزلوا منزلا أو رحلوا مرحلا تدق الكوسات (3)، وينفر النفير (4) ليؤذن الناس بالرحيل والنزول، فإذا خرج الراكب من القاهرة نزل البركة (5) على مرحلة واحدة، فيقيم بها ثلاثة أيام أو أربعة، ثم يرحل إلى السويس في خمس مراحل، ثم إلى نخل في خمس مراحل.
وقد عمل فيها الأمير آل ملك الجوكندار المنصوري أحد أمراء المشورة في الدولة الناصرية بن قلاوون بركا، واتخذ لها مصانع، ثم يرحل إلى أيلة في خمس مراحل وبها العقبة العظمى، فينزل منها إلى حجز (6) بحر القلزم، ويمشي على حجزه حتى يقطعه من الجانب الشمالي إلى الجانب الجنوبي، ويقيم به أربعة أيام أو خمسة، وبه سوق عظيم فيه أنواع المتاجر، ثم يرحل إلى حفل مرحلة واحدة، ثم إلى بر مدين في أربع مراحل وبه مغارة شعيب عليه الصلاة والسلام،
_________
(1) تعز، بالفتح ثم الكسر والزاي مشددة: قال ياقوت: "قلعة عظيمة من قلاع اليمن المشهورات".
(2) أسلبت الطريق: كثرت سابلتها.
(3) الكوسات: صنوجات من نحاس شبه الترس الصغير، يدق أحدها على الآخر بإيقاع مخصوص؛ ويتولى ذلك الكوسي.
صبح الأعشى 4: 1329، وانظر حواشي السلوك 1: 126.
(4) النفير: الناس الذين يحجون.
(5) هي بركة الحبش؛ كانت مشرفة على نيل مصر خلف القرافة؛ وكانت من أجل متنزهات مصر، قال ياقوت: "رأيتها، وليست بركة ماء؛ وإنما شبهت بها".
(6) الحجز، بالضم أو الكسر: الناحية.
(2/310)
_________
ويقال: إن ماءها هو الذي سقى عليه موسى عليه الصلاة والسلام غنم بنات شعيب، ثم يرحل إلى عيون القصب في مرحلتين، ثم إلى المويلحة في ثلاث مراحل، ثم إلى الأزلم في أربع مراحل.
وماؤه من أقبح المياه، وهناك خان بناه الأمير آل ملك الجوكندار، وعمل هناك بئرا أيضا، ثم إلى الوجه في خمس مراحل، وماؤه من أعذب المياه، ثم إلى أكرى في مرحلتين وماؤه أصعب ماء في هذه الطريق، ثم إلى الحوراء، وهي على ساحل بحر القلزم في أربع مراحل، وماؤها شبيه بماء البحر لا يكاد يشرب، ثم إلى نبط في مرحلتين وماؤه عذب، ثم إلى ينبع في خمس مراحل ويقيم عليه ثلاثة أيام، ثم إلى الدهناء في مرحلة، ثم إلى بدر في ثلاث مراحل، وهي مدينة حجازية وبها عيون وجداول وحدائق، وبها الجار فرضة المدينة الشريفة، ثم يرحل إلى رابغ في خمس مراحل، وهي بإزاء الجحفة التي هي الميقات، ثم يرحل إلى خليص في ثلاث مراحل، وبها بركة عملها الأمير أرغون الناصري، ثم إلى بطن مر في ثلاث مراحل، وفي طريقه بئر عسفان، ثم يرحل من بطن مر إلى مكة المشرفة مرحلة واحدة.
ثم يرجع في منازله إلى بدر، فيعطف إلى المدينة الشريفة، فيرحل إلى الصفراء في مرحلة، ثم إلى ذي الحليفة في ثلاث مراحل، ثم إلى المدينة الشريفة في مرحلة، ثم يرجع إلى الصفراء، ويأخذ بين جبلين في فجوة تعرف نقب علي؛ حتى يأتي الينبع في ثلاث مراحل، ثم يستقيم على طريقه إلى مصر.
(2/311)
_________


ذكر قدوم المبشر سابقا يخبر بسلامة الحاج:
كان ذلك في عهد الخلفاء الراشدين: عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان فمن بعدهم، وله حكمة لطيفة قل من يعرفها، قال الحافظ عماد الدين بن كثير في تاريخه في قصة حصر عثمان -رضي الله عنه؛ واستمر الحصار بالديار المصرية حتى مضت أيام التشريق، ورجع البشير من الحج، فأخبر بسلامة الناس، وأخبر أولئك أن أهل الموسم عازمون على الرجوع إلى المدينة ليكفوهم عن أمير المؤمنين.
وأخرج مالك في الموطأ عن ابن دلان عن أبيه أن رجلًا من جهينة كان يشتري الرواحل فيتغالى بها، ثم يسرع السفر فيسبق الحاج، فأفلس، فرفع أمره إلى عمر، فقال: أما بعد أيها الناس، إن الأسيقع أسيقع جهينة رضي من دينه، وأمانته أن يقال: سبق الحاج، ألا وإنه أدان معرضا، فأصبح وقد دين به فهمد، فمن كان له عليه دين فليأته بالغداة.
فقسم ماله بين غرمائه، ثم كمل الدين.
وأخرج الخطيب البغدادي في تالي التلخيص من طريق عبد الملك بن عمير عن عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما، قال: تخرج الدابة من جبل أجياد في أيام التشريق والناس بمنى، قال: فلذلك جاء سابق الحاج يخبر بسلامة الناس.
(2/312)
_________