المَبْحَث الثامن: أرقام وحقائق قرآنية
ذُكِر عيسى -عليه الصلاة والسلام- في القرآن الكريم (25) مرّة، وذُكِر اسمه كاملا (عيسى ابن مريم) (16) مرة، وذُكِر بِاسْم (المسيح) (11) مرّة.
وذُكِرت مريم عليها السلام باسْمِها (11) مرّة، منها (6) مرّات في: سُورة آل عمران.
وفي القرآن سورة كاملة بِاسْم (مَريم)، ذُكِر فيها تفاصيل حَمْل مريم بِعيسى وولادته، وتكلّم عيسى في المهد، وإظهار الله براءة مريم.
وذُكِرت ولادة مريم عليها السلام في سورة بِاسْم (آل عمران)، وكيف كانت كفالة زكريا -عليه الصلاة والسلام- لهـا (276).
وذُكِر "الحوارِيّون" في القرآن (5) مرّات.
وذُكِر إبراهيم الخليل -عليه الصلاة والسلام- أكثر مِن (60) مرّة.
وذُكِر موسى -عليه الصلاة والسلام- أكثر مِن (130) مرّة.
بينما ذُكِر اسم محمد -صلى الله عليه وسلم- (4) مرّات، واحِدة منهن في موضع مَدْح، وهو قوله تبارك وتعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} الآية [(48) الفتح: 29]، والمواضع الثلاثة الباقية في إثبَات بَشَرِيّته -صلى الله عليه وسلم-، وهي في سُور: [(3) آل عمران: 144]، [(33) الأحزاب: 40]، [(47) محمد: 2].
ولم تُذكر واحدة مِن نساء النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولا أحد مِن أقارِبه، ولا ذُكِر أحدٌ مِن أصحابه باسْمِه إلاّ (زيد)؛ وذِكْره لِبَيَان حُكْم مِن الأحكام الشرعيّة، وذلك في قوله تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَـاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَـاكَهَا لِكَيْ لا يَكُـونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَـرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَـائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُـنَّ وَطَرًا وَكَـانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} [(33) الأحزاب: 37].
فلو كان القرآن مِن عِند محمد نَفْسِه لَذَكَر نَفسَه وأهله أكثر مما ذَكَر الآخَرين.
وفائدة معرفة هذه الأرقام: أن يُعلَم أن القُرآن مِن عند الله، وأن دِين الأنبيــاء واحِد، وأنّنا نُؤمِن بِعيـــسى ابن مريم ونُحبّه، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِابْنِ مَرْيَمَ، وَالأَنْبِيَاءُ أَوْلادُ عَلاّتٍ، لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ (277).
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلاّتٍ؛ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ (278).
ومعنى "إِخْوَة لِعَلاَّتٍ" أو "أَوْلاد عَلاَّتٍ": الَّذِينَ أمَّهاتُهم مُخْتَلفةٌ وَأَبُوهُمْ واحِدٌ.
أرادَ أنَّ إيمانَهم واحِدٌ، وشرائِعَهُم مُخْتَلِفة (279).
أي: كأنّ الأنبياء إخوة لأب، تَجْمَعهم الأصول، وتَختَلِف شَرائعهم.
فَدِينُ الأنبياء مِن حيث الأصل واحِد، فالاعتقاد واحد، وإن اخْتَلَفَت الشّرَائع.
ويَتّفِق الأنبياء في إثبات ثَلاث: إثباتُ التوحيدِ، وإثباتُ المعادِ، وإثباتُ النبوّاتِ.
قال الشوكاني: وأمَّا مَقَاصِد الْقُرْآن الْكَرِيم الَّتِي يُكرِّرها ويُورِد الأدِلَّة الْحِسّية والعقلية عَلَيْهَا، وَيُشِير إِلَيْهَا فِي جَمِيع سُورِه، وَفِي غَالب قصصه وَأَمْثَاله؛ فَهِيَ ثَلَاثَة مَقَاصِد، يَعرف ذَلِك مَن لَهُ كَمَال فَهْم، وَحُسن تَدبّر، وجَودة تَصوّر، وَفَضْل تَفَكّر:
الْمَقْصد الأول: إِثْبَات التَّوْحِيد.
الْمَقْصد الثَّانِي: إِثْبَات الْمَعَاد.
الْمَقْصد الثَّالِث إِثْبَات النبوات (280).
وأن القُرآن العَظِيم مُشتَمِل على أخبار الأنبياء والأمم الماضية، وأنه حَقّ، وقد تَكفّل الله بِحفظِه، كما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(15) الحجر: 9].
وأمَّا الكُتُب السَّابِقة فوُكِل حِفْظها إلى أهلها، فأضَاعُوها، كما قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ} [(5) المائدة: 44].
قال يحيى بن أكْثَم: كان للمَأمون -وهو أمير إذّ ذاك- مجلس نَظَر، فَدَخل في جملة الناس رَجل يهودي، حَسَنَ الثَّوب، حَسَن الوَجْه، طَيِّب الرَّائحة، قال: فَتَكَلَّم فأحْسَن الكَلام والعِبارة، قال: فلما تَقَوَّض الْمَجْلِس دَعَاه المأمُون، فقال له: إسرائيلي؟  قال: نعم. قال له: أسْلِم حتى أفعل بِك وأصْنَع، ووَعَدَه، فقال: دِيني ودِين آبائي، وانصرف. قال: فلما كان بعد سنة جَاءَنا مُسْلِماً. قال: فَتَكَلَّم على الفِقْه فأحْسَن الكَلام، فَلَمَّا تَقَوَّض الْمَجْلِس دَعَاه الْمَأمون، وقال: ألَسْتَ صاحبنا بالأمس؟ قال له: بلى. قال: فما كان سَبب إسلامِك؟  قال انْصَرَفْتُ مِن حَضْرَتِك فأحْبَبْتُ أن أمتحن هذه الأديان، وأنت تَراني حَسَن الْخَطّ، فَعَمِدْتُ إلى التوراة فَكَتَبْتُ ثلاث نُسَخ  فَزِدتُ فيها ونَقَصْتُ، وأدخلتها الكَنيسة (281) فاشتُرِيَت مِنِّي، وعَمِدْتُ إلى الإنجيل فَكَتَبْتُ ثَلاث نُسخ، فزِدتُ فيها ونَقَصْتُ، وأدخلتها البِيْعَة فاشتُريت مِنِّي، وعَمِدْتُ إلى القرآن فَعَمِلْتُ ثلاث نُسخ، وزِدتُ فيها ونقصت وأدخلتها الورَّاقِين، فتَصَفّحُوها فلمّا أن وَجَدوا فيها الزيادة والنقصان رَمَوا بها، فَلَم يَشتَرُوها، فَعَلِمْتُ أنَّ هذا كِتَاب مَحْفُوظ، فَكان هذا سَبَب إسْلامي.
قال يحيى بن أكثم: فَحَجَجْتُ تلك السَّنَة فَلَقِيتُ سفيان ابن عيينة فَذَكَرْتُ له الْخَبَر، فقال لي: مِصْدَاق هذا في كتاب الله عزّ وَجلّ! قال: قلتُ: في أيّ مَوضِع؟  قــال: في قول الله تبارك وتعالى في التوراة والإنجيل: {بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ} [(5) المائدة: 44] فَجَعَل حِفْظه إليهم فَضَاع، وقال عزّ وَجلّ: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(15) الحجر: 9]، فَحَفِظَه الله عز وجل عَلينا فَلَم يَضِع (282).