المَبْحَث الرابع: عِناية الأمّة الإسلامية بالقرآن
اعْتَنَت الأمّة الإسلامية بالقرآن الكريم حِفْظًا ودراسة وتعلّما وتَعْلِيمًا، وقِراءة وإقراء، وكِتابة وصِيَانة، ونَفْيًا للتحريف، سَواء بالأحرف أو بالمعنى، وحِماية مِن الزيادة والنقصان، وتفسيراً، وبَيَان الْمُراد.
فالقرآن نَقْل الكافّة عن الكافّة، أي: نَقْل جِيل عن جِيْل.
وقد حَثّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على تَعلّم القرآن وتَعلِيمه؛ فقال: (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ)، وفي رواية: (إِنَّ أَفْضَلَكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ) (102).
ومِن هُنا اعتَنى العُلَماء بِإقْرَاء القرآن، فلا يُكتَفَى في القُرآن بِمجرّد القِراءة، بل لا بدّ أن تُؤخَذ عن شيخ مُتقِن، يَتَلقّاها القارئ مُشافَهَة، ويَنطِق كل كَلَمة نُطقا صحيحا، يُحكِم ضَبْط كل كلمة، ويُتقِن أحكام التجويد، ويُخرِج الحروف العربية مِن مَخارِجها.
رَوَى أَبو عَبْدِالرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ "، قَالَ: وَأَقْرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي إِمْرَةِ عُثْمَانَ، حَتَّى كَانَ الحَجَّاجُ قَالَ: وَذَاكَ الَّذِي أَقْعَدَنِي مَقْعَدِي هَذَا (103).
واعْتَنَى العلماء بِضَبْط كلمات القرآن ورسْمِها وكيف تُكتب الكلمة، كما اعتنوا بإعراب القرآن حتى لا يُقرأ بِغير ما قَرَأه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقَرَأه عليه الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وألا يُقْرَأ بِمَا يُغيِّر المعنى.
وكان الصحابة رضي الله عنهم يأخُذون القرآن مِن فَمِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مُباشرة.
قـال عَبْدُاللَّهِ بن مسـعود رضي الله عنه: (وَاللَّهِ الَّــذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلاَّ أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ أُنْزِلَتْ، وَلاَ أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلاَّ أَنَا أَعْلَمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَــدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللَّهِ، تُبَلِّغُــهُ الإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ) (104).
وقال رضي الله عنه: (وَاللَّهِ لَقَدْ أَخَذْتُ مِنْ فِيِّ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِضْعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً، وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنِّي مِنْ أَعْلَمِهِمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَمَا أَنَا بِخَيْرِهِمْ) (105).
وهذا يدلّ على شِدّة عناية الأمّة بالقرآن.
كما تمّ الاعتناء بِعَلامَات الوَقْف والابْتِداء، ومَتى يَحسُن بالقارئ أن يَقِف، ومتى لا يَحسُن به أن يَقِف، والمواضع التي يجب أن يَقِف عندها القارئ للقرآن، والتي لا يجوز له أن يَقِف عندها. وأُلِّفَت الكُتُب في ذلك (106).
واعْتَنَى العلماء بِمَعرِفة أسباب نُزول الآيات، وبِمعرفة أحوال وأوْقَات وأمَاكِن نُزول القرآن؛ فبيّنوا مِن ذلك:
"مَواطِن النّزُول وأوقاته ووقَائعه، وفي ذلك اثنا عشَر نَوعًا: المكّيّ والمدني، والسَّفَري والْحَضَري، والليليّ والنهاري، والصّيفيّ والشتائي، والفِرَاشِيّ والنومي (107)، وأسباب النّزُول، وأول ما نَزَل وآخِر ما نَزل" (108).
السور المكية والمدنية:
قد ذَكَر العلماء فُرُوقا بين ما نَزَل في مكّة وما نَزَل في المدِينَة (109)، وقد "ذَكَر العُلَماء طَرِيقَين لِمَعرِفة الْمَكّيّ والْمَدَنِيّ:
أحدهما: سَمَاعِي، عُمدَته النَّقْل؛ كأن يَقول بعض الصحابة: نَزَلت سورة كذا في المدينة، أو نَزَلت سورة كذا قبْل الهِجرة.
والطريق الثاني: قِياسِيّ، وهو ضَوابِط وخصائص لِكلّ مِن الْمَكّيّ والْمَدَنِيّ" (110) (111).
ضوابط مَعرِفة الْسُّوَر الْمَكّيّة:
ذَكَر العُلماء مِن ضوابط السُّوَر الْمَكّية:
1-    كُلّ سُورة ذُكِر فيها كلمة (كَلاّ)، والتي ذُكِرَت (33) مرَّة في (15) سُورة، كُلّها مَكّيَّة، والسُّوَر الْمَكّية أكثر مِن هذا العدد.
2-    كُلّ سُورة فيها سَجْدَة، فهي مَكّيَّة.
وهذان الضَّابِطَان مُطَّرِدَان؛ فالسُّوَر الْمَدَنِيّة ليس فيها كلمة (كَلاّ)، وليس فيها سَجْدَة.
3-    كُلّ سُورة ذُكِر فيها قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، مِن حيث دَعْوَتهم لأقْوامِهم لِعِبادة الله وَحْده، وليس مُجرّد ذِكْر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
4-    كُلّ سُورة ابتُدِئت بالحروف الْمُقطَّعَة؛ فهي مَكّيّة إلاّ الزهراوين: البقرة وآل عمران.
5-    كُلّ سُورة ذُكِرتْ فيها قصّة آدم -عليه الصلاة والسلام-، إلاّ سُورة البقرة
6-    كُلّ سُورة انْفَرَدَتْ بـ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}، وليس فيها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، مثل: سُورة يونس وسُورة الأعراف، أمّا إذا اجْتَمَع النِّدَاءان: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}، و{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}؛ فالسُّورَة مَدَنِيَّة، وذلك مثل: سورة البقرة والنساء. على أن هذَيْن النِّدَاءين قد اجْتَمَعا في سُورة الحجّ كذلك (112).
قـــال القرطبي: سُـــورَة الْحَجِّ وهي مكية، سوى ثلاث آيات: قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ} [(22) الحَجّ: 19] إِلَى تَمَامِ ثَلاثِ آيَاتٍ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ.
وَعَـنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: أَنَّهُنَّ أَرْبَعُ آيات، إلى قوله: {عَذَابَ الْحَرِيقِ} [(22) الحَجّ: 19]، وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا: هِيَ مَدَنِيَّةٌ، وَقَالَهُ قَتَادَةُ: إِلاّ أَرْبَعَ آيَاتٍ (113).
وأمَّا ضَوابِط معرفة السُّوَر التي نَزَلَتْ في المدينة النّبَويّة، فمنها:
1-    كُلّ سُورَة فيها الْحُدُود والفَرَائض على التفصيل دون مُجرّد الإشارة إليها؛ فهي مَدَنِيّة.
2-    كُلّ سُورَة فيها إذِن بِالجهاد وبيان لأحكام الجهاد؛ فهي مَدَنِيّة (114).
3-    كُلّ سُورَة فيها ذِكْر المنافقين؛ فهي مَدَنِيّة، ما عَدَا سورة العنكبوت.
والتحقيق أن سُورة العنكبوت مَكّيّة ما عدا الآيات الإحدى عَشْرَة الأولى منها، فإنها مَدَنِيّة. وهي التي ذُكِر فيها المنافِقُون (115).
ومثال السَّفَرِيّ: سُورة الفَتْح، ففي حديث أَنَس بن مَالِك رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ} [(48) الفتح: 1، 2] إلَى قَوْلِهِ: {فَوْزًا عَظِيمًا} [(48) الفتح: 5] مَرْجِعَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَهُمْ يُخَالِطُهُمُ الْحُزْنُ وَالْكَآبَةُ، وَقَدْ نَحَرَ الْهَدْيَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، فَقَالَ: (لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا) (116).
والفِراشيّ يدلّ عليه قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأمّ سَلَمَة: (قال يا أم سلمة، لا تُؤذِيني في عائشة؛ فإنه والله ما نَزَل عليّ الوَحي وأنا في لِحِاف امْرأة مِنْكنّ غَيرها) (117).
وأمَّا الْحَضَري؛ فهو أكثر القرآن؛ لأن الغَالِب مِن حاله -عليه الصلاة والسلام- الاستقرار وعَدَم السَّفَر.
قَالَ أَنَس رضي الله عنه: بَيْنَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا، فَقُلْنَا: مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟  قَالَ: (أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ، فَقَرَأَ: بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} [(108) الكوثر]، ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ؟ فَقُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي -عزّ وَجَلّ-، عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، هُوَ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ) (118).
ومِثال الليليّ والنهاري: ما نَقَلَه القُرطبي عن الْغَزْنَوِيّ في شأن سُورَةِ الْحَجِّ أنه قال: وَهِيَ مِنْ أَعَاجِيبِ السُّوَرِ؛ نَزَلَتْ لَيْلا وَنَهَارًا، سَفَرًا وَحَضَرًا، مَكِّيًّا وَمَدَنِيًّا، سِلْمِيًّا وَحَرْبِيًّا، نَاسِخًا وَمَنْسُوخًا، مُحْكَمًا وَمُتَشَابِهًا (119).
ومِثال الصّيفيّ: آخر آية مِن سُورة النساء، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لِعُمر رضي الله عنه: يا عُمر، ألاَ تَكْفِيك آية الصَّيف التي في آخِر سُورة النساء؟ (120).
قال القرطبي عن هذه الآية: هَذِهِ الآيَةُ تُسَمَّى بِآيَةِ الصَّيْفِ، لأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي زَمَنِ الصَّيْفِ (121).
ومثال الشِّتَائي: آيات الْمَوَارِيث في أول سُورة النساء.
قال الخطّابي: أما قَوله "تُجْزِيك آية الصّيْف" فإن الله سبحانه أنْزَل في الكَلالَة آيَتَين: إحداهما في الشّتاء، وهي الآية التي نَزَلَت في سُورة النساء، وفيها إجْمَال وإبْهَام لا يَكاد يَتَبَيّن هذا المعنى مِن ظاهِرها، ثم أنزل الآية الأخرى في الصيف، وهي في آخِر سُورة النساء، وفيها مِن زيادة البَيَان ما ليس في آية الشتاء (122).
ومِن قَبْل: اعْتَنَى الصحابة الِكرام رضي الله عنهم بِمعرفة عُلوم القُرآن ومَعَانِيه ومقاصِده، وسُؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- عمّا يُشْكِل عليهم، وسؤال بعضهم لِبَعض مَن عنده عِلْم في الآية التي تُشكل عليه.
ومِن ذلك على سبيل المثال:
ما أشْكَل على المغِيرة بن شُعبة رضي الله عنه مما أوْرَده عليه نصارَى نَجْرَان.
قَالَ الْمُغِيرَة بن شُعْبَةَ: (لَمَّا قَدِمْتُ نَجْرَانَ سَأَلُونِي، فَقَالُوا: إِنَّكُمْ تَقْرَؤُونَ: {يَا أُخْتَ هَارُونَ} [(19) مريم: 28]، وَمُوسَى قَبْلَ عِيسَى بِكَذَا وَكَذَا، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَنْبِيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ) (123).
ولَمّا نَزَل قوله تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [(6) الأنعام: 82]، شَـقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْـلِمِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّنَا لا يَظْلِمُ نَفْسَــهُ؟  قَــالَ: لَيْــسَ ذَلِكَ، إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ، أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [(31) لقمان: 13]؟ (124).
وتَقَدَّم قول عُمَر في آية المائدة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [(5) المائدة: 3]: (إِنِّي لأَعْلَمُ الْيَــوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ؛ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِعَرَفَاتٍ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ) (125).
وقول عَبْداللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه: (وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلاَّ أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ أُنْزِلَتْ، وَلاَ أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلاَّ أَنَا أَعْلَمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللَّهِ، تُبَلِّغُهُ الإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ) (126).
وقوله رضي الله عنه: (وَاللَّهِ لَقَدْ أَخَذْتُ مِنْ فِيِّ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِضْعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً، وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنِّي مِنْ أَعْلَمِهِمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَمَا أَنَا بِخَيْرِهِمْ) (127).
وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وَهُوَ يَخْطُبُ: (سَلُونِي عَنْ كِتَابِ اللَّهِ، فَوَاللَّهِ مَا مِنْهُ آيَةٌ إِلاّ وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّهَا بِلَيْلٍ نَزَلَتْ أَمْ بِنَهَارٍ، أَمْ بِسَهْلٍ نَزَلَتْ أَمْ بِجَبَلٍ) (128).
وهذا كلّه يدلّ على شِدّة عناية الأمّة الإسلامية بالقرآن العظيم، مع أن ما ذُكِر هنا يُعتَبَر إشارات، وليست إحاطات (129).
ترتيب وتَسْمِيَة سُّوَر القُرآن:
اخْتُلِف في ترتيب وتَسْمِيَة سُّوَر القُرآن: هل هو توقِيفيّ، أو اجتهادي؟
أمّا تَرْتِيب السُّوَر؛ فالّذي يَظهر أنه ليس تَوقِيفيًا (130)، وقد اتَّفَق عليه الصحابة رضي الله عنهم في كِتابة المصَاحِف، وأجْمَعت عليه الأمّة بعد ذلك؛ فلا تَجوز مُخالَفة الإجماع في كتابَة المصَاحِف بِتَغيير تَرتيب السُّوَر.
وأمَّا ترتيب السُّوَر في القراءة في الصلاة وخارِجها؛ فلا يجب أن يكون بِنفس ترتيب الكِتابة.
ومما يدلّ على أن ترتيب السُّوَر ليس توقيفيًا في القِراءة وفي الصلاة: ما جَاء في حَديث حُذَيْفَة رضي الله عنه، قَالَ: (صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِئَةِ، ثُمَّ مَضَى، فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ، فَمَضَى، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ، فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ، فَقَرَأَهَا) (131).
فَالنّبيّ -صلى الله عليه وسلم- قرأ بِسُورة النسَاء قبل سورة آل عمران.
وبَعَثَ النبي -صلى الله عليه وسلم- رَجُلا عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لأَصْحَابِهِ فِي صَلاَتِهِمْ فَيَخْتِمُ بِـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-  فَقَالَ: (سَلُوهُ لأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟ فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ) (132).
وأمَّا تَسْمِيَات سُور القرآن؛ فالّذي يَظهَر: أن بعض التَّسْمِيَات لِبعض السُّوَر تَوقِيفي؛ لِوُرود التسمية في السُّنّة، وبعضها ليس تَوقِيفيًا، وإنما تَناقَله العلماء، وتَلقّوه بِالقَبول
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (اقْرَؤُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ) (133).
وفي حديث حذيفة السابق جاءت تَسمِية ثلاث سُور.
وقال ابن مَسْعُودٍ رضي الله عنه: (بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) وَالْكَهْفُ وَمَرْيَمُ وَطَهَ وَالأَنْبِيَاءُ، هُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلاَدِي) (135).
قال ابن بطّال: (وهُنّ مِن تِلادي، يعنى: هُنّ مِمّا نَزَل مِن القرآن أوّلاً. قال صاحب العَيْن: العَتِيق: القَديم مِن كُلّ شيء. والتِّلاد: مَا كَسَب مِن المال قديمًا؛ فَيُرِيد أنّهنّ مِن أوّل مَا حَفِظه مِن القُرآن) (136).
وقال سعيد بن جبير: قلتُ لابن عباس: سورة الْحَشْر. قال: قُل سورة النَّضِير (137).
وتُسمّى سورة المائدة بِسورة العُقُود؛ لِورود ذِكر العُقود في أوّلها.
وسورة النّمل تُسمّى بـ سورة سُليمان.
ونَقَل ابن عاشور في تفسيره عن ابن العربي: (أَنَّهَا تُسَمَّى "سُورَةَ الْهُدْهُدِ". قال: وَوَجْهُ الأَسْمَاءِ الثَّلاثَةِ أَنَّ لَفْظَ النَّمْلِ وَلَفْظَ الْهُدْهُدِ لَمْ يُذْكَرَا فِي سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ غَيْرِهَا، وأمَّا تَسْمِيَتُهَا " سُورَةَ سُلَيْمَانَ "؛ فَلأَنَّ مَا ذُكِرَ فِيهَا مِنْ مُلْكِ سُلَيْمَانَ مُفَصَّلا لَمْ يُذْكَرْ مِثْلُهُ فِي غَيْرِهَا) (138).
وتُســمّى سورة السَّجْدة بـ {ألم تَنْزِيل}، وتُسمّى سورة فُصّلت بـ {حم تَنْزِيل}.
وتُسمّى سورة فاطِر. بـ سورة الملائكة؛ لِوُرُود ذِكر الملائكة في أوّلها. وهكذا سَمّاها العلماء (139).
"سُورَةُ غَافِرٍ، وَهِيَ سُورَةُ الْمُؤْمِنِ، وَتُسَمَّى سُورَةُ الطَّوْلِ" (140).
وَتُسَمَّى سُورَة مُحَمَّد بـ (سُورَة الْقِتَال). قال ابن عاشور في تفسيره: (وأمَّا تَسْمِيَتُهَا سُورَة الْقِتَال فَلأَنَّهَا ذُكِرَتْ فِيهَا مَشْرُوعِيَّةُ الْقِتَالِ، وَلأَنَّهَا ذُكِرَ فِيهَا لَفْظُهُ فِي قَوْلِهِ -تَعَالَى-: {وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ}) [(47) محمد: 20] (141).
وهذه أمثلة لاختِلاف أسماء السُّوَر، فإذا رأيت اسْمًا غير الذي تعرفه في كُتب أهل العِلْم، وبخاصّة كُتب التفسير، فلا تُبادِر بالإنكار، أو تغيير اسْم السورة، كما يَفعل بعض الْجُهّال!
ورَجّح السيوطي أن أسماء السُّوَر توقيفي، حيث قال: وَقَدْ ثَبَتَ جَمِيعُ أَسْمَاءِ السُّوَرِ بِالتَّوْقِيفِ مِنَ الأَحَادِيثِ وَالآثَارِ (142).
ترتيب الآيات دَاخِل السّورة نفسها:
ترتيب الآيات داخل السُّورة مُتّفَق عليه، وهو مَحَلّ إجماع.
ومِن هنا: أفْتَى الصحابة رضي الله عنهم بأنه لا يجوز قِراءة القُرآن مُنكّسًا؛ كان يَقرأ مِن آخِر السورة إلى أوّلها، أو يَقرأ الآيات مع الإخْلال بِتَرْتيب الْمُصحَف.
سُئل ابن مسعود رضي الله عنه: (أَرَأَيْتَ رَجُلا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَنْكُوسًا؟  قَالَ: ذَلِكَ مَنْكُوسُ الْقَلْبِ) (143).
قال ابن بَطّال: (إنما عَنَى بِذلك مَن يَقرأ السّورة مَنْكُوسَة، ويَبْتَدِئ مِن آخرها إلى أوّلها؛ لأن ذلك حَرَام مَحْظُور، ومِن الناس مَن يَتَعَاطَى هذا في القرآن والشعر ليُذَلِّل لِسَانه بِذلك، ويَقْتَدر على الحفْظ؛ وهذا مما حَظَره الله ومَنَعَه في قِرَاءة القرآن؛ لأنه إفسادٌ لِسُوُره، ومُخَالَفة لِمَا قُصِد بها) (144).
وقال النووي: (وأمَّا قِراءة السُّور مِن آخرها إلى أوّلها؛ فمَمنوع مَنْعًا مُتَأكّدا، فإنه يُذْهِب بَعض ضُروب الإعجاز، ويُزِيل حِكْمة تَرتيب الآيات) (145).
وَلَمّا قال عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما لِعثمانَ بن عفّان رضي الله عنه: ({وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [(2) البقرة: 234] قَدْ نَسَخَتْهَا الآيَةُ الأُخْرَى (146) فَلِمَ تَكْتُبُهَا أَوْ تَدَعُهَا؟  قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي لاَ أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْهُ مِنْ مَكَانِه) (147).
لأن الآية المنسوخة تكون مُتقدِّمَة على الآية الناسِخة، وهذه ليست كذلك، واحتَجّ عثمان رضي الله عنه بأن الأمْر توقيفي.
قال الحافظ ابن كثير: (وَمَعْنَى هَذَا الإِشْكَالِ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ لِعُثْمَانَ: إِذَا كَانَ حُكْمُهَا قَدْ نُسِخَ بِالأَرْبَعَةِ الأَشْهَرِ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي إِبْقَاءِ رَسْمِهَا مَعَ زَوَالِ حُكْمِهَا، وَبَقَاءِ رَسْمِهَا بَعْدَ الَّتِي نَسَخَتْهَا يُوهِمُ بَقَاءَ حُكْمِهَا؟  فَأَجَابَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ تَوْقِيفِيٌّ، وَأَنَا وَجَدْتُهَا مُثَبَّتَةً فِي الْمُصْحَفِ كَذَلِكَ بَعْدَهَا، فَأُثْبِتُهَا حَيْثُ وَجَدْتُهَا) (148).
وقال العيني: قوله: ("فَلِم تَكْتُبها" استفهام على سبيل الإنكار، بمعنى: لِمَ تَكتُب هذه الآية وقد نَسَخَتها الآية الأخرى) (149).
وقال ابن حَزْم: (ولا يَضُرّ كَوْن الآيَة الْمَنْسُوخَة - في تَرتيب الْمُصْحَف في الْخَطّ والتِّلاوَة - مُتقدِّمَة في أوَّل السُّورَة، أوْ في سُورَة مُتقدِّمَة في التَّرْتِيب، وتَكُون النَّاسِخَة لَها في السُّورَة أوْ في سُورَة مُتأخِّرَة في التَّرْتِيب؛ لأنَّ القُرْآن لم تُرتّب آيَاته وسُوَره عَلى حَسَب نُزُول ذَلك، لَكِن كَمَا شاء ذُو الْجَلال والإكْرَام مُنَزِّلُه... ومُرتِّبُه الذي لم يَكِل تَرْتِيبه إلى أحَدٍ دُوْنه... فلا يَجَوز مُرَاعَاة رُتْبَة التَّألِيف في مَعْرِفَة النَّاسِخ والْمَنْسُوخ البتة) (150).
ونَقَل الإجماع غير واحِد مِن أهل العِلْم على أن ترتيب الآيات تَوقِيفِيّ لا يجوز تغييره، ولا مُخالَفته في الكِتابة والقراءة.
قال البَاقِلاني: (اتّفَقَت الأمَّة على وُجُوب تَرْتِيب الآيات، وحَظْرِ تقديم بعضِها على بعض وتغييرها في الكتابة والتلاوة، وغيرُ ذلك) (151).
وقال البغوي: (تَرْتِيب النُّزُول غير تَرْتِيب التّلاوة) (152).
وقَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَطَّالٍ: (رَوَى يُونـس عن ابن وَهْب قال: سَمِعت مَالِكًا يقــول: إنّما أُلِّـف القُرآن (153) على ما كـانوا يَسْـمَعونه مِن قِراءة رســول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وَمَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ لا يَقُولُ إِنَّ تِلاوَةَ الْقُرْآنِ فِي الصَّلاةِ وَالدَّرْسِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُرَتَّبَةً عَلَى حَسَبِ الترتيب الْمُوقَف عَلَيْهِ فِي الْمُصْحَفِ، بَلْ إِنَّمَا يَجِبُ تَأْلِيفُ سُوَرِهِ فِي الرَّسْمِ وَالْخَطِّ خَاصَّةً، وَلا يُعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ قَالَ: إِنَّ تَرْتِيبَ ذَلِكَ وَاجِبٌ فِي الصَّلاةِ وَفِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَدَرْسِهِ، وَأَنَّهُ لا يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَتَلَقَّنَ الْكَهْفَ قَبْلَ الْبَقَرَةِ وَلا الْحَجَّ قَبْلَ الْكَهْفِ، أَلا تَرَى قَوْلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِلَّذِي سَأَلَهَا أن تُرِيه مُصْحَفها لِيَكْتُب مُصحفًا على تألِيفه: لا يَضُرُّكَ أَيَّةَ قَرَأْتَ قَبْلُ) (154).
قال القرطبي: (وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَقْرَأُ فِي الصَّلاةِ السُّورَةَ فِي رَكْعَةٍ، ثُمَّ يَقْرَأُ فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى بِغَيْرِ السُّورَةِ الَّتِي تَلِيهَا) (155).
فالصَّحابة الكِرَام رضي الله عنهم أثْبَتُوا الآيات في المصحف على حَسَب قِراءة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو مُوافِق للعَرْضَة الأخيرة.
قال أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَطَّالٍ: (وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا يَجِبُ إثباته فِي الْمَصَاحِفِ عَلَى تَارِيخِ نُزُولِهِ؛ لأنهم لو فَعَلوا ذلك لَوَجَب أن يَجْعَلُوا بعض آية سُورة في سُورة أخرى، وأن ينقصوا ما وَقفوا عليه مِن سياقه تَرتيب السُّوَر ونِظَامها؛ لأنه قد صَحَّ وَثَبَتَ أَنَّ الآيَاتِ كَانَتْ تَنْزِلُ بِالْمَدِينَةِ فيُؤمَرُوا بإثْباتِها فِي السُّورَةِ الْمَكِّيَّةِ.
أَلاَ تَرَى قَوْلَ عَائِشَةَ رضي الله عنها: وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلاّ وَأَنَا عِنْــدَهُ (156) تَعْنِي بِالْمَدِينَةِ. وَقَدْ قُدِّمَتَا فِي الْمُصْحَفِ عَلَى مَا نَزَلَ قَبْلَهُمَا مِنَ الْقُرْآنِ بِمَكَّةَ، وَلَوْ أَلَّفُوهُ عَلَى تَارِيخِ النُّزُولِ لَوَجَبَ أَنْ يَنْتَقِضَ تَرْتِيبُ آيَاتِ السُّوَرِ) (157).
وقـال الحــافظ ابن كثـير: (تَرْتِيب الآيَاتِ في السُّــوَرِ أَمْرٌ تَوْقِيفِيٌّ مُتَلَقَّى عَــنِ الرَّسُــولِ -صلى الله عليه وسلم-، وأمَّا تَرْتِيــبُ السُّــوَرِ فَمِنْ أَمِــيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه) (158).
وقال السيوطي: (الإجماع والنُّصُوص الْمُتَرَادِفة على أن تَرتيب الآيات تَوقِيفي، لا شُبْهة في ذلك، وأمَّا الإجماع فَنَقَله غير واحد، منهم: الزّرْكَشِي في "البُرْهَان" وأبو جعفر بن الزبير في مُنَاسَبَاته، وعِبَارَته: تَرْتِيب الآيات في سُورِها واقِع بِتَوقِيفه -صلى الله عليه وسلم- وأمْره مِن غير خلاف في هذا بين المسلمين) (159).
وأمَّا في القِراءة والتعليم فلا يَجب أن تكون قراءة السُّوَر حَسب ترتيب المصحف.
قال النووي: (وأمَّا تعليم الصِّبْيَان مِن آخِر المصحَف إلى أوّله (160)؛ فَحَسَن، ليس هذا مِن هذا الباب، فإن ذلك قراءة مُتَفَاضِلة في أيام مُتَعَدّدة مع ما فيه مِن تَسهيل الحفظ عليهم) (161).
وأمَّا الإخلال بِتَرتيب السُّور في القراءة في الصلاة؛ كأن يَقرأ في الركعة الأولى سورة الناس، ثم يقرأ في الركعة الثانية سورة الإخلاص؛ فهذا جائز.
قال النووي: (ولو خالَف الترتيب فقَرأ سورة ثم قرأ التي قبلها أو خَالَف الْمُوَالاة فقَرأ قَبْلها ما لا يَلِيها جاز، وكان تَارِكًا للأفضل) (162).
وقال: (قَالَ أَصْحَابُنَا: السُّنَّةُ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ مُتَوَالِيًا، فَإِذَا قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى سُورَةً قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا مُتَّصِلَةً بِهَا. قَالَ الْمَتُولِّي: حَتَّى لَوْ قَرَأَ فِي الأُولَى {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ أَوَّلِ الْبَقَرَةِ، وَلَوْ قَرَأَ سُورَةً ثُمَّ قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ التي قبلها، فقد خَالَف الأوْلَى، ولا شيء عَلَيْهِ) (163).
وقال الحافظ ابن كثير: (وَإِنْ قَدَّمَ بَعْضَ السُّوَرِ عَلَى بَعْضٍ جَازَ) (164).