مقدمة:
الحمد لله الذي بِنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على مَن تَرَك أُمّته على الْمَحَجّة البيضاء لَيْلُها كَنَهارِها؛ لا يَزيغ عنها إلاّ هالك.

أمَّا بعد:
فقد قال أبو ذَرّ رضي الله عنه: لَقَدْ تَرَكَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَمَا يُقَلِّبُ طَائِرٌ جَنَاحَيْهِ فِي السَّمَاءِ إِلاّ ذَكّرنَا مِنْهُ عِلْمًا (1).

وَلَمّا قيل لسَلْمَان رضي الله عنه: قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ؟! قَالَ: فَقَالَ: أَجَلْ لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ، أَوْ بَوْلٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ، أَوْ بِعَظْمٍ (2).

ولَمّا كان القرآن أعظَم كِتاب، وهو آخر الكُتب وله صِفَة الدوام والاستمرار؛ فقد تكفّل اللهُ بِحِفظِه، وقد اعتَنَت الأمّة جِيلاً بعد جِيل بِالقرآن العظيم.

ومِن هذا الباب:
أحْبَبْتُ أن تكون هذه الدروس التي تُلقَى على الدُّعَاة في عُلوم القرآن، ومَسائل تلتحق بها، مما يَهمّ الدُّعَاة والْمُنَاظِرِين، مما لَمستُ مَسِيس الحاجة إليه في القارّة الأفريقية خاصَّة، وضَعْف كثير مِن الدُّعَاة في هذا الجانب مِن العِلْم الشرعي الْمُتعلِّق بأشرف العُلوم، وهو أصلها وأساسها.

قال ابن عبدالبر:
القرآن أصْل العِلْم.

وقال -رحمه الله-:
طَلَب العِلم دَرَجات ومَنَاقِل ورُتَب، لا ينبغي تَعَدّيها، ومَن تَعَدّاها جُمْلة فقد تَعَدّى سَبِيل السَّلَف رحمهم الله، ومَن تَعَدّى سَبِيلهم عامِدًا ضَلّ، ومَن تَعَدّاه مُجْتَهِدا زَلّ؛ فأوّل العِلْم: حفظ كتاب الله عزّ وجَلّ وتَفَهّمه، وكُلّ مَا يُعين على فَهْمه فَوَاجِب طَلَبه معه، ولا أقول: إن حَفْظه كُلّه فَرْض، ولكني أقول: إن ذلك شَرْط لازِم على مَن أحَبّ أن يَكون عالِمًا فَقِيها نَاصِبًا نَفْسه للعِلْم، ليس مِن بَاب الفَرْض (3).