أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين 1227
أسماء
بنت أبي بكر ذات النطاقين

نسبها:
هي: أسماء بنت أبي بكر الصديق خليفة رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-.

تُكَنَّى أم عبد الله.

وهي أكبر سناً من عائشة ببضع عشرة سنة.

أبوها صحابي، وهو أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-، عبد الله بن أبي قحافة، وجَدُّهَا صحابي، وهو أبو عتيق، وأخوها صحابي، وهو عبد الرحمن، وأختها صحابية وهي أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنهم، وزوجها صحابي وهو الزبير بن العوام حواري رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-، وابنها صحابي وهو عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهم-.

نشأت في بيت وثيق الصلة برسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-، وهو بيت أبي بكر الصديق، وتربَّت على الإيمان والتضحية في سبيل الله مِمَّا ساهم في تكوين شخصيتها العظيمة.

وقد اتصفت أسماء بالصبر وكثرة الصلاة في الليل والصيام، وقد تعرَّضت أسماء لِمَا تعرَّض له بقية المسلمين من أذى واضطهاد المشركين، وأسلمت أسماء بمكة في بداية الدعوة الإسلامية.

أسماء ذات النطاقين:
عن عروة ووهب بن كيسان قالا: كان أهلُ الشام يعيرون ابن الزبير يقولون: يابن ذات النطاقين فقالت له أسماء: إنهم يُعَيّرُونَكَ بالنطاقين وهل تدري ما كان النطاقان إنما كان نطاقي شَقَقْتُهُ نصفين فأوكيت قربة رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- بأحَدِهِما وجهلتُ في سُقْرتِهِ آخر قال: فكان أهلُ الشام إذا عيرَّوه بالنطاقين يقول: إيهاً والإله تلك شكاة ظاهر عنك عارُها.

زواجها من الزبير:
تقول أسماء -رضي الله عنها-: تزوَّجني الزبير وما له في الأرض مال ولا مملوك ولا شيء غير فرسه، قالت: فكنت أعلف فرسه وأكفيه مؤنته وأسوسه وأدق النوى الناضجة وأعلفه وأسقيه الماء وأخرز غربه وأعجن ولم أكن أحسن الخبز، فكان يخبز جارات لي من الأنصار، وكن نسوة صدق.

قالت:
وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على رأسي وهي على ثلثي فرسخ. قالت: فجئت يوماً والنوى على رأسي فلقيتُ رسولَ اللهِ -صلّى اللهُ عليه وسلّم- ومعه نَفَرٌ من أصحابه فدعا لي ثم قال: إخ إخ.ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته.

قالت:
وكان من أغير الناس، قالت: فعرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أني قد استحييت فمضى فجئتُ الزبير فقلت: لقيني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه فأناخ لأركب معه فاستحييت وعرفت غيرتك.

فقال الزبير رضي الله عنها:

والله لحملك النوى كان أشَدُّ عَلَيَّ من ركوبك معه قالت: حتى أرسل إلى أبو بكر بعد ذلك بخادمة فكفتني سياسة الفرس فكأنما أعتقني.

عن أسماء -رضي الله عنها- قالت: صنعتُ سفرة النبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم- في بيت أبي بكر حين أراد أن يهاجر إلى المدينة، قالت: فلم نجد لسفرته ولا لسقائه ما نربطهما به، فقلت لأبي بكر: والله ما أجد شيئاً أربطه به إلا نطاقي، قال: فشقيه باثنين فاربطي بواحد السقاء، وبالآخر السفرة، ففعلتُ فلذلك سُمِّيتُ ذات النطاقين.

قال ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث:
والنطاق بكسر النون ما تشد به المرأة وسطها ليرتفع به ثوبها من الأرض عند المهنة.

عن أسماء بنت أبي بكر:
خَرَجْتُ حين هَاجَرْتُ، وهي حَبْلَى بعبد الله بن الزبير، فَقَدِمَتْ قباء فنفست بعبد الله بقباء، ثم خرجت حين نفست إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليُحنَّكه، فأخذه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منها، فوضعه في حجره، ثم دعا بتمرة، قال الراوي عنها: قالت عائشة. فمكثنا ساعة نلتمسها قبل أن نجدها، فمضغها، ثم بصقها في فِيهِ، فإن أوَّلَ شَيْءٍ دخل في بطنه لَرِيقُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قالت أسماء: ثم مسحه وصلّى عليه، أي ودعا له، وسَمَّاهُ عبد الله، ثم جاء وهو ابن سبع سنين أو ثمان ليبايع رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- وأمره بذلك الزبير، فَتَبَسَّمَ رسولُ اللهِ -صلّى اللهُ عليه وسلّم- حين رآه مُقْبِلاً.

عن أسماء -رضي الله عنها- قالت: يا رسول الله، إن أمِّي قَدِمَتْ وهي راغبة، أفَأَصِلُهَا؟ قال: "نَعَمْ صِلِي أمَّكِ".

قال ابن حجر عند شرح الحديث راغبة:
والمعنى أنها قدمت طالبة في بِرِّ ابنتها لها، خائفة من رَدِّهَا إيَّاها خائبة؛ هكذا فَسَّرَهُ الجمهور. فتح الباري.

وقال أيضاً:

قال أبو موسى: ليس في شيء من الروايات ذكر إسلامها، وقولها راغبة ليست تريد في الإسلام، بل في الصِّلَةِ، ولو كانت مسلمة لَمَا احتاجت أسماء أن تستأذن في صِلَتِهَا، إلا أن تكون أسلمت بعد ذلك.

قلت: إن كانت عاشت إلى الفتح فالظاهر أنها أسلمت.

عن أبي نوفل: رأيت عبد الله بن الزبير على عقبة المدينة قال: فجعلت قريش تمر عليه، حتى مَرَّ عليه عبد الله بن عمر، فوقف عليه فقال: السلام عليك أبا خبيب، السلام عليك أبا خبيب، السلام عليك أبا خبيب، أمَا والله لقد كنت أنهاك عن هذا، أمَا والله لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله إن كنت ما علمت صوَّاماً قوَّاما ً، وصولاً للرَّحم، أمَا والله لأمة أنت أشرها لأمة خير، ثم نفذ عبد الله بن عمر، فبلغ الحجاج موقف عبد الله وقوله، فأرسل إليه، فأنزل عن جذعه فألقي في قبور اليهود، ثم أرسل إلى أمه أسماء بنت أبي بكر، فأبت أن تأتيه، فأعاد عليها الرسول لتأتيني أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك، قال: فأبت، وقالت: والله لا آتيك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني.

قال:
فقال: أروني سبتي، فأخذ نعليه ثم انطلق يتوذف، حتى دخل عليها فقال: كيف رأيتني صنعت بعدو الله؟ قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك، بلغني أنك تقول له يا ابن ذات النطاقين، أنا والله ذات النطاقين، أمَّا أحدهما فكنت أرفع به طعام رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- وطعام أبي بكر من الدواب، وأمَّا الآخر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه، أمَا إن رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- حدثنا: أن في ثقيف كذاباً ومبيراً، فأمَّا الكذابُ فرأيناه، وأمَّا المبير فلا إخالك إلا إيَّاه.

قال:
فقام عنها ولم يراجعها.

أبو خبيب:
كنية عبد الله بن عمر، وله كنى أخرى.

ثم نفذ:
أي انصرف.

يسحبك بقرونك:
أي يجرك بضفائر شعرك.

سبتي:
هي النعل التي لا شعر عليها.

يتوذف:
يُسرع.

إخالك:
أظنك.

المبير:
المُهْلِك.

قال النووي:
وفيه الثناء على الموتى بجميل صفاتهم المعروفة، وفيه منقبة لابن عمر لقوله بالحق في الملأ، وعدم اكتراثه بالحجاج؛ لأنه يعلم أنه يبلغه مقامه عليه، وقوله وثناؤه عليه، فلم يمنعه ذلك أن يقول الحق، يشهد لابن الزبير بما يعلمه فيه من الخير، وبطلان ما أشاع عنه الحجاج من قوله: إنه عدو الله، وظالم، ونحوه، فأراد ابن عمر براءة ابن الزبير من ذلك الذي نسبه إليه الحجاج، وأعلم الناس بمحاسنه، وأنه ضد ما قاله الحجاج.

ومذهب أهل الحق:
أن ابن الزبير كان مظلوماً، وأن الحجاج ورفقته كانوا خوارج عليه... واتفق العلماء على أن المُراد بالكذَّاب هنا المختار بن أبي عبيد، وبالمبير الحجاج بن يوسف.
والله أعلم.

وظلّت أسماء راعية لأولادها مطيعة لزوجها بَارَّةً بأمِّهَا مع شِرْكِهَا، فعن ابن الزبير قال: نزلت هذه الآية في أسماء، وكانت أمُّهَا يُقَالُ لها: قتيلة، جاءتها بهدايا، فلم تقبلها، حتى سألت النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).

طلاقها:

طلّقها الزبير لاحقاً في المدينة، فعاشت مع ابنها عبد الله بن الزبير إلى أن قتله الحجاج.

قال ابن الجوزي:
وأمَّا أسماء، فتزوَّجها الزبير، فولدت له عدة، ثم طلقها، فكانت مع ابنها عبد الله، إلى أن قُتِلَ، وعاشت مائة سَنَةً.

عن أسماء رضي الله عنها عن النبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم- قال: "إني على الحوض حتى أنظر مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ منكم، وسيؤخذ ناسٌ من دوني، فأقول يا رب مني ومن أمَّتِي، فيُقالُ: هل شعرت ما عملوا بعدك، والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم".

وهي التي كانت تُفْتِي في أدَقِّ المسائل الفقهية:
قال مسلم القري: دخلنا على أم ابن الزبير، فإذا امرأة ضخمة عمياء نسألها عن متعة الحج، فقالت: قد رخص رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- فيها".

وعن عكرمة قال: سئلت أسماء بنت أبي بكر هل كان أحد من السلف يغشي عليه من الخوف؟ قالت: لا ولكنهم كانوا يبكون.

وكانت أسماء معبرة للرؤيا.

عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- أنها قالت: سألت امرأة رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- فقالت: يا رسول الله، أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة كيف تصنع؟ فقال رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-: "إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة، فلتقرصه، ثم لتنضحه بماء، ثم لتصلي فيه".

قال ابن حجر:
وفيه من الفوائد ما في الذي قبله، وجواز سؤال المرأة عَمَّا يُسْتَحْيَ من ذكره، والإفصاح بذكر ما يستقدر للضرورة، وأن دم الحيض كغيره من الدماء في وجوب غسله.

وفيه استحباب فرك النجاسة اليابسة ليهون غسلها.

عن ابن جريج قال:
حدَّثني عبد الله مولى أسماء، عن أسماء: أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة، فقامت تُصَلّي، فصلّت ساعة، ثم قالت: يا بني، هل غاب القمر؟ قلت: لا. فصلّت ساعة ثم قالت: يا بني، هل غاب القمر؟ قلت: نعم: فارتحلوا، فارتحلنا، ومضينا حتى رمت الجمرة، ثم رجعت فصلّت الصبح في منزلها، فقلت لها: يا هنتاه، ما أرانا إلا قد غلسنا.

قالت: يا بني، إن رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- أذن للظعن.

يا هنتاه:
يا هذه.

غلسنا:
جئنا في الغلس.

الظعن:
النساء.

وعن أسماء -رضي الله عنها- قالت: قلت يا رسول الله: مالي مالٌ إلاَّ ما أدخل عليَّ الزُبير؟.

قال: "تَصَدَّقِي ولا تُوعي فيُوعى عليكِ".

قال النووي -رحمه الله-:
معناه الحَثُّ على النفقة في الطاعة، والنهي عن الإمساك والبُخل.

وعُرِفَتْ أسماء -رضي الله عنها- بالجود والبذل والإنفاق على الفقراء والمساكين، وكان لها في ذلك منهج خاص.

قال الواقدي:
كان سعيد بن المسيب من أعبر الناس للرؤيا أخذ ذلك عن أسماء بنت أبي بكر وأخذت عن أبيها.

قال ابن كثير:
بلغت من العمر مائة سَنَةٍ، ولم يسقط لها سِنٌ، ولم ينكر لها عقل رحمها الله.

"جوع أسماء بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-":
أخرج الطبراني عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت كنت مرة في أرض أقطعها النبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم- لأبي سلمة والزبير في أرض بني النضير فخرج الزبير مع رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- ولنا جار من اليهود فذبح شاة فطبخت فوجدت ريحها فدخلني ما لم يدخلني من شيء قط وأنا حامل بابنتي خديجة فلم أصبر فانطلقت فدخلت على امرأة اليهودي أقتبس منها ناراً لعلها تُطعمني وما بي من حاجة إلى النار فلمَّا شَمَمْتُ الريح ورأيته ازددتُ شَرَهاً فأطفأته ثم جئتُ ثانياً أقتبس ثم ثالثة ثم قعدتُ أبكي وأدعو الله فجاء زوج اليهودية فقال أدخل عليكم أحَدٌ؟ قالت العربية تقتبس ناراً، قال فلا آكل منها أبداً أو ترسلي إليها منها، فأرسل إلِيَّ بقدحة يعني غرفة فلم يكن شَيْءٌ في الأرض أعْجَبُ إلِيَّ من تلك الأكلة. كذا في الإصابة.

عُمرت أسماء -رضي الله عنها- زمناً طويلاً حتى بلغت مائة عام وزيادة، ولم يسقط لها سِنٌ، ولم ينكر لها عقل، وكَفَّ اللهُ بصرها بعد ما بلغت من الكِبَرِ عُتِيَاً.

عن شعيب بن طلحة عن أبيه، قالت أسماء لابنها: يا بني عِشْ كريماً ومِتْ كريماً لا يأخذك القوم أسيراً.

قال عروة دخلت أنا وأخي قبل أن يُقْتَلَ على أمِّنَا بعشر ليال وهي وَجِعَةٌ فقال عبد الله كيف تجدينك قالت وَجِعَةٌ قال إن في الموت لعافية قالت لعلك تشتهي موتي فلا تفعل وضحكت وقالت والله ما أشتهي أن أموت حتى تأتي على أحَدِ طرفيك إمَّا أن تُقْتَلُ فأحتسبُك وإمَّا أن تظفر فتقرُّ عيني إيَّاك أن تعرض على خطة فلا توافق فتقبلها كراهية الموت.

قال وإنما عَنِيَ أخي أن يُقْتَلَ فيُحزنُها ذلك، وكانت بنت مئة سَنَةٍ.

ولَمَّا قتل الحجاج ابن الزبير دخل على أسماء وقال لها: يا أمه إن أمير المؤمنين وصاني بك فهل لك من حاجة، قالت: لست لك بأم ولكني أم المصلوب على رأس الثنية وما لي من حاجة ولكن أحدثك، سمعت رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- يقول: "يخرج في ثفيف كذابٌ ومبير"، فأمَّا الكذاب فقد رأيناه، تعني المختار، وأمَّا المبير فأنت، فقال لها مبير المنافقين.

وعن يحيى بن يعلى التيمي، عن أبيه قال:
دخلت مكة بعد قتل ابن الزبير بثلاث وهو مصلوب، فجاءت أمُّهُ عجوز طويلة عمياء، فقالت للحجاج: أمَا آن للراكب أن ينزل، فقال: المنافق؟، قالت: والله ما كان منافقاً كان صوَّاماً قوَّاماً بَرًّا، قال: انصرفي يا عجوز فقد خرفتِ، قالت: لا والله ما خرفتُ منذ سمعت رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-، يقول: "في ثقيف كذابٌ ومبير". الحديث.

وقيل لابن عمر إن أسماء في ناحية المسجد، وذلك حين صُلِبَ ابن الزبير فمال إليها، فقال: إن هذه الجُثَثُ ليست بشيءٍ وإنما الأرواح عند الله فاتقي الله واصبري.

فقالت: وما يمنعني وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل.

وعن ابن أبي مليكة قال:

دخلتُ على أسماء بعد ما أصيب ابن الزبير، فقالت: بلغني أن هذا صلب عبد الله اللهم لا تُمِتْنِي حتى أوتى به فأحنطه وأكفنه، فأتِيَتْ به بعد فجعلت تُحنطه بيدها وتُكفّنه بعد ما ذهب بصرها.

ومن وجه آخر عن ابن أبي مليكة وصلّت عليه وما أتت عليه جمعة إلا ماتت.

عن الركين بن الربيع قال:
دخلت على أسماء بنت أبي بكر وقد كَبُرَتْ وهي تُصَلِّي وامرأة تقول لها قومي اقعدي افعلي من الكِبَرِ، قال ابن سعد ماتت بعد ابنها بليال، وكان قتله لسبع عشرة خلت من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين.

قالت أسماء:
أن أمي قدمت وهي راغبة في رواية حاتم فقالت يا رسول الله أن أمي قدمت علي وهي راغبة ولمسلم من طريق عبد الله بن إدريس عن هشام راغبة أو راهبة بالشك وللطبراني من طريق عبد الله بن إدريس المذكور راغبة وراهبة وفي حديث عائشة عند بن حبان جاءتني راغبة وراهبة وهو يؤيد رواية الطبراني والمعنى أنها قدمت طالبة في بر ابنتها لها خائفة من ردها إياها خائبة هكذا فسره الجمهور ونقل المستغفري أن بعضهم أوَّلَهُ فقال وهي راغبة في الإسلام فذكرها لذلك في الصحابة ورده أبو موسى بأنه لم يقع في شيء من الروايات ما يدل على اسلامها وقولها راغبة أي في شيء تأخذه وهي على شركها ولهذا استأذنت أسماء في أن تصلها ولو كانت راغبة في الإسلام لم تحتج إلى إذن، وقيل معناه راغبة عن ديني أو راغبة مني ومجاورتي والتودد إلي لأنها ابتدأت أسماء بالهدية التي أحضرتها ورغبت منها في المكافأة ولو حمل قوله راغبة أي في الإسلام لم يستلزم اسلامها ووقع في رواية عيسى بن يونس عن هشام ثم أبي داود والإسماعيلي راغمة بالميم أي كارهة للإسلام ولم تقدم مهاجرة وقال بن بطال قيل معناه هاربة من قومها ورده بأنه لو كان كذلك لكان مراغمة قال وكان أبو عمرو بن العلاء يفسر قوله مراغماً بالخروج عن العدو على رغم كلاهما فيحتمل أن يكون هذا كذلك قال وراغبة بالموحدة أظهر في معنى الحديث قوله صِلِي أمُّكِ زاد في الأدب عقب حديثه عن الحميدي عن بن عيينة قال بن عيينة فأنزل الله فيها: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين...)، وكذا وقع في آخر حديث عبد الله بن الزبير ولعل بن عيينة تلقاه منه وروى بن أبي حاتم عن السدي أنها نزلت في ناس من المشركين كانوا ألين شيءٍ جانباً للمسلمين وأحسنه أخلاقاً قلت ولا منافاة بينهما فإن السبب خاص واللفظ عام فيتناول كل مَنْ كان في معنى والدة أسماء وقيل نسخ ذلك آية الأمر بقتل المشركين حيث وجدوا والله أعلم، وقال الخطابي فيه أن الرحم الكافرة توصل من المال ونحوه كما توصل المسلمة، ويُستنبط  منه وجوب نفقة الأب الكافر والأم الكافرة وأن كان الولد مسلماً، وفيه موادعة أهل الحرب ومعاملتهم في زمن الهدنة والسفر في زيارة القريب وتحري أسماء في أمر دينها وكيف لا وهي بنت الصديق وزوج الزبير رضي الله عنهم.

روت عن النبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم-، ومُسندها ثمانية وخمسون حديثاً، اتفق لها البخاري ومسلم على ثلاثة عشر حديثاً، وانفرد البخاري بخمسة أحاديث، ومسلم بأربعة.

وروى عنها:
ابنها عبد الله بن الزبير، وابن عباس، وابنها عروة بن الزبير، وفاطمة بنت المنذر بن الزبير وغيرهم.

وفاتها:
ماتت أسماء بعد مقتل ولدها عبدالله بأيام قلائل.

وكانت أسماء قد بلغت مائة سَنَةٍ لم يسقط لها سِنٌ ولم ينكر لها عقل، وهي التي كفَّنت ابنها وصلَّت عليه بعد ما ذهب بصرها، وكان موتها بمكة.

فرضي اللهُ عنها، وعن ابنها، وأكرمهم اللهُ في الجنة، اللهم وألحقنا بهم في جنات عدن مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. اللهم آمين.