ضوابط الاستمتاع بالزوجة في الحيض والنفاس
تأليف المحامي الدكتور
مسلم محمد جودت اليوسف
مدير معهد المعارف لتخريج الدعاة في الفلبين سابقا
ومدير مكتب جامعة سانت كلمنتس العالمية في حلب
بالله ثقتي
المقدمة Ocia_983
المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستهديه ونستغفره، ونسترشده، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران: 102).

و قال أيضاً: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء: 1).

و قال جل جلاله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) (الأحزاب: 70-71).

فإن أحسن الكلام كلام الله، عز وجل، خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

وبعد:
إن الله سبحانه، وتعالى رغب بالزواج، وحث عليه تحصيناً للفرد، والمجتمع، وللتمتع بالنعم على الوجه المشروع.

قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ ألا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا) (النساء: 3).

وعن أبي الزبير قال: قال جابر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعد إلى امرأته فليواقعها، فإن ذلك يرد ما في نفسه} رواه مسلم.

بيد أن هذا التمتع لم يترك بدون ضوابط، وقيود وحدود، فالشريعة الإسلامية نظمت كل هذا بدقة متناهية، فأباحت التمتع بالزوجة بالشكل الذي يرغب به الزوجان مع مراعاة الضوابط الشرعية.

قال تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (البقرة: 223).

فالشريعة الإسلامية أباحت أوجه الاستمتاع الذي لا يلحق أي ضرر بأي من الزوجين، أمَّا إذا كان هناك ضرر منعته وحذرت منه، لذلك أباحت الوطء في الطهر من الحيض، أو النفاس، ومنعت الوطء في الحيض والنفاس للأضرار الكثيرة التي تنجم عن هذا الجماع تلحق بكلا الزوجين.

قال تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة: 222)

ونظراً لخطورة هذا الموضوع، وجهل كثير من المسلمين بأحكامه. رأيت أن يكون موضوع بحثي {ضوابط الاستمتاع بالزوجة في الحيض، والنفاس}.

وذلك للأسباب التالية:
1- جهل كثير من الناس ضوابط الاستمتاع بالزوجة في حالات الحيض، والنفاس، والاستحاضة (1).

2- افتقار المكتبة العربية، والإسلامية لبحث مستقل يشرح هذا الموضوع بنهج الفقه المقارن.

3- حاجة الأزواج للتعرف على المباح، والمكروه، والمحرم في علاقتهما الزوجية نظر لجهل، وتجهيل كثير من الأزواج في هذا الموضوع.

لهذه الأسباب مجتمعة اخترت هذا الموضوع بعد أن استخرت الله سبحانه وتعالى، وشاورت كثيراً من أهل العلم، وطلابه.

منهج البحث وطريقة السير فيه:
نظراً لسعة هذا البحث، وشموله على العديد من الأحكام سوف تحظى بعض النقاط، والمسائل بمعالجات عميقة. مثلاً مسألة الاستمتاع بالزوجة الحائض، والنفساء… إلخ، بينما نسرد سرداً فقط مسألة أقل الحيض، والنفاس، وأكثره، لأنه خارج عن موضوع بحثنا.

ويمكن تلخيص المنهج الذي سرت عليه -بتوفيق الله- في دراسة هذا الموضوع بالنقاط التالية:
بدأت بتعريف الحيض، والنفاس لغة، واصطلاحاً، ثم بينت أقل الحيض، والنفاس وأكثرهما، ثم قسمت هذا البحث إلى فصلين:

الفصل الأول: بحثت فيه ضوابط الاستمتاع بالزوجة الحائض والنفساء بالوطء قبل الطهر، وبعد الطهر، وقبل الغسل، وكفارة هذا الفعل إذا وقع.

أمَّا في الفصل الثاني: فبحثت ضوابط الاستمتاع بالزوجة الحائض، والنفساء في غير الفرج فيما فوق السرة، وتحت الركبة، أو فيما تحت السرة، وفوق الركبة دون الفرج.

ثم ختمت بحثي هذا ملخصا أهم النتائج التي توصلت: إليها من خلال هذا الكتاب.

هذا وقد بذلت قصارى جهدي للتخلص من التقليد الأعمى والتعصب المذهبي ما وسعني إلى ذلك سبيلاً.

فكان منهجي منهج الفقه المقارن:
1- أتحرى النقل الصحيح من كتب المذاهب المدونة المعترف بصحة نسبتها إلى أصحابها.
2 - كنت أورد جميع الأدلة للمسألة عند كل مذهب ما وسعني إلى ذلك سبيلاً.
3 - كانت معظم الردود التي بين المذاهب مفترضة، وفق ما رأيي.
4 - قارنت بين الآراء المبسوطة، والمقرونة بأدلتها بعد أن رجعت إلى أمهات الكتب المعتمدة عند أهل العلم.
5- رجحت بين الاجتهادات بعد مناقشة الأدلة، والردود عليها.
6 – وكان ترجيحي يعتمد على الدليل الصحيح بحسب ما يغلب على الظن.
7- لم أتأثر بأي من المذاهب حتى يكون ترجيحي عادلاً مجرداً من جميع المؤثرات إلا من الانتصار للحق وأهله.

واستحسن في الختام أن استشهد بقول الخطابي في مقدمته لتفسير غريب الحديث:
(أمَّا سائر ما تكلمنا عليه فإنا أحقاء بأن لا نزكيه وأن لا نؤكد الثقة به، وكل من عثر منه على حرف أو معنى يجب تغييره، فنحن نناشده الله في إصلاحه، وأداء حق النصيحة، فإن الإنسان ضعيف لا يسلم من الخطأ إلا أن يعصمه الله بتوفيقه، ونحن نسأل الله ذلك، ورغب إنه جواد وهوب).
والحمد لله رب العالمين.
الدكتور مسلم محمد جودت اليوسف
abokotaiba@hotmail.com

--------------------------------------
1.    حتى أن أحدهم أرسل إلِيَّ سألني ويشكو ما يلي:
السلام عليكم أنا في ورطة أرجو سرعة الرد مشكلتي أنني إذا جاءت الدورة الشهرية لزوجتي أدخل على الأنترنت وأشاهد المواقع الإباحية ولدي خادمة أمارس معها الحرام، وهذه الحالة تأتيني في الشهر مرة واحدة، وأنا متزوج ولدي أبناء، وأنا متضايق من هذه الحالة، وإذا فكرت بالزواج أخشى من تفرق الأبناء، وأنا فعلاً في ورطة هل أبقى على هذا الوضع أم تنصحوني بالزواج.