منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 الباب الثالث البدع الملحقة بالأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

الباب الثالث البدع الملحقة بالأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم Empty
مُساهمةموضوع: الباب الثالث البدع الملحقة بالأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم   الباب الثالث البدع الملحقة بالأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم Emptyالثلاثاء 19 سبتمبر - 22:17

الباب الثالث البدع الملحقة بالأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم Ocia_922
الباب الثالث
البدع الملحقة بالأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم
غالى بعض الناس في حبّهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعوّدوا القيام ببعض الأعمال التي لم يرد بها دليل شرعي، كما استغل بعض المنافقين حب المسلمين لرسولهم وأدخلوا عليهم ما لا يجوز ولا يصح اعتماداً على دليل واه، أو تأويل غير صحيح.

ومن هنا ظهرت بدع في مجال التأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن تعرف لتترك ويتخلص منها المؤمنون الصادقون.

وقد اتبعت في دراسة هذا الموضوع عرض الآراء الواردة في كل مسألة مع ذكر أدلتها ومناقشتها جلاء للحق وبياناً للصواب.

وقد قسّمتها إلى بدع ألحقت بمولده صلى الله عليه وسلم، وأخرى ألحقت بزيارة مسجده صلى الله عليه وسلم، وثالثة بزيارة قبره الشريف صلى الله عليه وسلم، وتناولت هذه البدع بالدراسة بعد تعريف مفصل للبدعة لغة واصطلاحاً.

ولذا جاء هذا الباب مشتملاً على أربعة فصول هي:
الفصل الأول: تعريف البدعة لغة واصطلاحاً.
الفصل الثاني: البدع الملحقة بمولده صلى الله عليه وسلم.
الفصل الثالث: البدع الملحقة بمسجده صلى الله عليه وسلم.
الفصل الرابع: البدع الملحقة بزيارة قبره الشريف صلى الله عليه وسلم.

وذلك فيما يلي بنفس الترتيب.
الفصل الأول
تعريف البدعة لغة واصطلاحاً
أولاً: تعريف البدعة لغة:
يقول صاحب معجم مقاييس اللغة (1): "الباء والدال والعين أصلان أحدهما ابتداء الشيء وصنعه لا عن مثال، والآخر الانقطاع والكلال.

فالأول قولهم: أبدعت الشيء قولاً أو فعلاً إذا ابتدائه لا عن مثال والله بديع السموات والأرض (2) والعرب تقول: ابتدع فلان الركيّ إذا استنبطه وفلان بدع في هذا الأمر. قال الله تعالى: ((قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنْ الرُّسُلِ)) [الأحقاف: 9] أي ما كنت أول" (3).

ويقول صاحب مصباح المنير (4): "أبدعت الشيء وأبدعته: استخرجته وأحدثته ومنه قيل للحالة المخالفة بدعة وهي اسم من الابتداع كالرفعة من الارتفاع ثم غلب استعمالها فيما هو نقص في الدين أو زيادة... وفلان بدع في الأمر أي هو أول من فعله.

فيكون اسم فاعل بمعنى مبتدع والبديع فعيل من هذا فكأن معناه هو منفرد بذلك من بين نظائره، وفيه معنى التعجب، ومنه قوله تعالى: ((قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنْ الرُّسُلِ)) [الأحقاف: 9] أي ما كنت أول من جاء بالوحي من عند الله تعالى وتشريع الشرائع بل أرسل الله تعالى الرسل قبلي مبشرين ومنذرين فأنا على هداهم.. (5).

ويقول ابن منظور: "بدع الشيء يبدعه بدعاً، وابتدعه: أنشأه وبدأه ويبدع الشيء الذي يكون أولاً وفي التنزيل: ((قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنْ الرُّسُلِ)) [الأحقاف: 9] أي ما كنت أول من أرسل قد أرسل قبلي رسل كثير.. وأبدعت الشيء: أخترعته لا على مثال والبديع من أسماء الله تعالى لإبداعه الأشياء وإحداثه إيّاها وهو البديع الأول قبل كل شيء ومنه قوله تعالى: ((بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ)) [البقرة: 117] أي خالقها ومبدعها فهو -سبحانه- المخترع لها لا عن مثال سابق" (6).

ونستنتج من هذه التعريفات اللغوية السابقة لكلمة البدعة ومشتقاتها أمرين اثنين:
أ) أنّ معناها يدور حول الاختراع والإحداث والابتداء والإنشاء وكلها معان متقاربة كما ترى.
ب) أنّ البدعة اللغوية تشمل المحدث المذموم والحسن لأن الأمر المخترع قد يترتب عليه مصلحة فيكون حسناً، وقد يترتب عليه مفسدة فيكون مذموماً.

ثانياً: تعريف البدعة في اصطلاح أهل الشرع:
اختلفت أنظار العلماء في تحديد معنى البدعة، فمنهم من حددها بـ "ما أحدث في الدين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم من أطلقها على ما أحدث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين وفي غيره من العادات.

ويمثل الفريق الأول ابن رجب الحنبلي (7) والشاطبي (8) والحافظ ابن حجر العسقلاني وغيرهم. بينما يمثل الفريق الآخر العز بن عبد السلام (9) والنووي وغيرهما.

وسوف أفصل تعريف كل فريق لنصل إلى التعريف المختار.

تعريف البدعة عند الفريق الأول: يقول ابن رجب الحنبلي في تعريف البدعة: "والمراد بالبدعة: "ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه، أمّا ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعاً وإن كان بدعة لغة" (10).

وعرّف الشاطبي البدعة بتعريفين:
الأول: هو أن البدعة عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه (11).

والثاني: هو أنّ البدعة طريقة في الدين تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالشرعية" (12).

ويقول الحافظ ابن حجر في تعريف البدعة: "ما أحدث وليس له أصل في الشرع يسمى في عرف الشرع بدعة، وما كان له أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة" (13).

يظهر لنا مما تقدم أن تعريفات هذا الفريق تقيد البدعة بأمور ثلاثة:
أ) الإحداث في الدين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ب) أن يقصد بها التقرب إلى الله.
ج) أن لا يدل عليها دليل شرعي.

وعلى هذا تكون البدعة اللغوية أعم لاشتمالها على ما أحدث في الدين وفي غيره بينما البدعة الشرعية لا تشمل إلا ما أحدث في الدين على وجه التقرب إلى الله مع عدم وجود الدليل الشرعي. ومن ثم فلا تكون البدعة في نظر هذا الفريق إلا مذمومة شرعاً بخلاف البدعة اللغوية ولا تدخل في العادات التي ليس لها شائبة التعبد.

يقول الشاطبي: "ثبت في الأصول الشرعية أنّه لا بد في كل عادي من شائبة التعبد، لأنّ ما لم يعقل معناه على التفصيل من المأمور به أو المنهي عنه فهو المراد بالتعبدي، وما عقل معناه وعرفت مصلحته أو مفسدته فهو المراد بالعادي، فالطهارات والصلوات والصيام والحج كلها تعبدي، والبيع والنكاح والشراء والطلاق والإجارات والجنايات كلها عادي، لأن أحكامها معقولة المعنى ولا بد فيها من التعبد، إذ هي مقيدة بأمور شرعية لا خيرة للمكلف فيها..

وإذا كان كذلك فقد ظهر اشتراك القسمين في معنى التعبد، فإن جاء الابتداع في الأمور العادية من ذلك الوجه صح دخوله في العاديات كالعبادات وإلاّ فلا (14).

ويقول ابن حجر العسقلاني: "فالبدعة في عرف الشرع مذمومة بخلاف اللغة، فإن كل شيء أحدث على غير مثال يسمى بدعة سواء كان محموداً أو مذموماً وكذا القول في المحدثة، والأمر المحدث" (15).

تعريف البدعة عند الفريق الثاني: يقول العز بن عبد السلام: "البدعة: هي فعل ما لم يعهد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وهي منقسمة إلى بدعة واجبة، وبدعة محرمة، وبدعة مندوبة، وبدعة مكروهة، وبدعة مباحة.

والطريقة في معرفة ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة، فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، وإن دخلت في قواعد التحريم فهي مُحَرَّمَة، وإن دخلت في قواعد المندوب فهي مندوبة، وإن دخلت في قواعد المباحات فهي مباحة (16)

ثم ضرب أمثلة لكل نوع منها وهي على النحو التالي:
والبدعة الواجبة مثل الاشتغال بالنحو، والبدعة المحرمة مثل الاشتغال بمذهب القدرية والجبرية، والبدعة المندوبة مثل جمع الناس في صلاة التراويح، والبدعة المكروهة مثل زخرفة المساجد، والبدعة المباحة مثل المصافحة عقب الصبح والعصر (17).

ويقول النووي -رحمه الله تعالى-: "والبدعة بكسر الباء في الشرع هي إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة" (18).

وهذا الفريق يقيّد تعريف البدعة بقيد واحد وهو إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا فإن البدعة عندهم ليست مذمومة كلها، بل منها ما هو واجب يلزم فعله، ومنها ما هو حرام يلزم تركه، وما هو وسط بين هذا وذاك.

حيث إنها تخضع للأحكام الشرعية الخمسة من وجوب، وحرام، ومندوب، ومكروه، ومباح، ومندوب.

وعلى هذا فإنّ البدعة عندهم تساوي البدعة اللغوية لأنها تشمل الحدث المذموم والحسن بخلاف الفريق الأول الذي يرى انحصارها في الحدث المذموم ومن ثم فإن النسبة بين الفريقين عموم وخصوص مطلق.

أدلة الفريقين: يستدل كلا الفريقين بأدلة تؤيد ما ذهب إليه ونذكر هنا طرفاً من أدلة كلا الفريقين مع بيان وجهة الاستدلال لكل منهما.

أولاً: أدلة الفريق الأول: هذا الفريق يستدل بالنصوص التي يفيد منطوقها ذم البدعة على وجه العموم.

1- من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنّ خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة" (19).

أنّ قوله صلى الله عليه وسلم: "كل بدعة ضلالة" عام يفيد أن البدعة مذمومة كلها بغير استثناء نوع منها ولم يرد ما يخصص ذلك العموم، ولذلك فليس هناك بدعة حسنة بل كلها مذمومة شرعاً.

2- ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌ" (20) أي: مردود.

ووجه الاستدلال بهذا الحديث هو: أنّ الإحداث في الدين أمر مردود مهما كان ذلك الإحداث صغيراً أو كبيراً لأنّ الإحداث في الدين بدعة، ومن ثم فلا يوجد بدعة حسنة.

3- ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة لولاة الأمر وإن عبد حبشي فإنّه من يعش منكم ير اختلافاً كثيراً، وإياكم ومحدثات الأمور فإنّها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ" (21).

ووجه الاستلالال بهذا الحديث هو أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قد حذر من المحدثات ووصفها بأنّها بدعة كما وصف البدعة بأنّها ضلالة على وجه العموم، وهذا يقتضي أنّه ليس هناك بدعة حسنة وأخرى قبيحة بل كلها قبيحة.

ثانياً: أدلة الفريق الثاني: يستدل هذا الفريق بأدلة نوجزها فيما يلي:
1- قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في صلاة التراويح بعد ما جمعهم على أبي بن كعب -رضي الله عنه-: "نعمت البدعة" (22).

ووجه الاستدلال بهذا القول هو أن عمر -رضي الله عنه- قد سمى صلاة التراويح بدعة مع إقراره بل بأمره ذلك.

وهذا يدل على أنه يقصد بها البدعة الحسنة لا القبيحة ومن ثمّ فإن البدعة تنقسم إلى حسنة وقبيحة.

2- قوله صلى الله عليه وسلم: "من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فيعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنّة سيئة وعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء" (23).

ووجه الاستدلال بهذا الحديث هو أنه إذا أحدث أحد شيئاً حسناً يثاب عليه وأنّه غير مذموم وكذلك العكس وبالتالي هناك اختراع حسن وأخرى غير حسن ومن ثم البدعة تنقسم إلى حسنة وقبيحة.

3- قول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "فما رأى المسلمون حسناً فهو عند الله حسن وما رأوا سيئاً فهو عند الله سئ" (24).

ووجه الاستدلال بهذا الأثر هو أنّه ما فعل المسلمون واستحسنوه لا يكون مذموماً بشرط أن لا يخالف الكتاب أو السُّنَّة أو الإجماع.

وعلى هذا فلا يعتبر البدعة كلها قبيحة بل منها ما هو حسن.

وخلاصة القول: أنّ طريقة الفريق الأول مبنية على ثلاثة أمور:
1- البدعة حقيقة فيما لم يفعل في الصدر الأول ولم يكن له أصل من أصول الشرع ومجاز في غير ذلك.
2- أنّ جميع ما ورد في ذم البدع من نحو قوله صلى الله عليه وسلم: "كل بدعة ضلالة" (25) باق على عمومه.
3- القول بأنّ البدع لا تدخل إلاّ في العاديات التي لا بد فيها من التعبد.

وأمّا طريقة الفريق الثاني فهي مبنية على أمور ثلاثة أيضاً:
1- أنّ البدعة حقيقة فيما لم يفعل في الصدر الأول كان له أصل من أصول الشرع أم لا.
2- أنّ جميع ما ورد في البدع من نحو قوله صلى الله عليه وسلم: "إن كل بدعة ضلالة" (26) عام مخصوص.
3- القول بأن جميع المخترعات من العاديات ولو لم يلحقها شائبة تعبد تلحق بالبدع وتصير كالعبادات المخترعة) (27).

مناقشة الأدلة والترجيح: نبدأ بمناقشة أدلة الفريق الثاني ثم نتبعها بأدلة الفريق الأول:
أولاً: استدلالهم بقول عمر -رضي الله عنه-: "نعمت البدعة"، ليس بدليل لهم لعدة أمور:
1- أن صلاة التراويح جماعة ليست بدعة شرعية بل صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته جماعة عدة ليالي ثم بعد ذلك تركها مخافة أن تفرض عليهم ثم لا يطيقوها.
ومما يدل على ذلك ما أخرجه الإمام البخاري عن عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من جوف الليل فصلى في المسجد فصلى رجال بصلاته فأصبح الناس يتحدثون بذلك فاجتمع أكثر منهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليلة الثانية فصلوا بصلاته فلمَّا كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفق رجال منهم يقولون: الصلاة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خرج لصلاة الصبح فلمَّا قضى الفجر أقبل على الناس فتشهَّد، ثم قال: "أمَّا بعد فإنّه لم يخف عليّ مكانكم ولكنّي خشيتُ أن تُفترض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها" (28) وفي رواية وذلك في رمضان.

وما دام الرسول صلى الله عليه وسلم ترك صلاة التراويح جماعة مخافة أن تفرض عليهم وقد زال ذلك الخوف بموته صلى الله عليه وسلم فلا مانع أن يرجع الأمر كله إلى ما كان عليه وهو أن يصلى بها جماعة.

2- أنّ صلاة التراويح جماعة تدخل في ضمن سنة الخلفاء الراشدين، وبالتالي فهي سنة سنّها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لقولـه صلى الله عليه وسلم "... وإياكم ومحدثات الأمور، فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين..." (29).

3- إن عمر -رضي الله عنه- أمر ذلك بمرأى ومسمع من الصحابة -رضوان الله عليهم- ولم ينقل من عارض ذلك.

وعلى هذا فلا يكون قول عمر -رضي الله عنه- دليلاً لهذا الفريق ولكن يبقى لماذا سمى عمر هذا الفعل بدعة؟ وقد أوّل العلماء هذا القول بعدة تأويلات وأحسنها هو أن يقصد بها البدعة اللغوية لاشتمالها البدعة السيئة والبدعة الحسنة.

يقول ابن تيمية -رحمه الله- في هذا المقام: "ما سمي بدعة وثبت حسنه بأدلة الشرع فأحد الأمرين فيه لازم إمّا أن يقال ليس ببدعة في الدين وإن كان يسمى بدعة في اللغة كما قال عمر: نعمت البدعة، وإما أن يقال هذا عام خصت منه هذه الصورة لمعارض راجح كما يبقى عداها على مقتضى العموم كسائر عمومات الكتاب والسُّنَّة" (30).

ويقول أيضاً: "أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك بدعة -أي صلاة التراويح جماعة- مع حسنها، وهذه تسمية لغوية لا تسمية شرعية، وذلك أنّ البدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداء من غير مثال سابق، وأمّا البدعة الشرعية فكل ما لم يدل عليه دليل شرعي" (31).

ثانياً: استدلالهم بقوله صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها....".
ليس بدليل لهم لأن معناه هو من أحيا سنة من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فله ثوابها وثواب من اتبعه بها كما يدل عليه سبب حديث جرير بن عبدالله حيث قال: " جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصرف (32) فرأى سوء حالهم قد أصابتهم حاجة فحث الناس على الصدقة فأبطأوا عنه حتى رؤي ذلك في وجهه قال: ثم إنّ رجلاً من الأنصار جاء بصرة من ورق ثم جاء آخر ثم تتابعوا حتى عرف السرور في وجهه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سنّ في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء" (33).

وهذا يدل على أن الغرض من ذلك إحياء ما ثبت في الإسلام، وهنا الصدقة وليس ابتداع شيء لا أصل له في الشريعة الإسلامية.

وهناك حديث آخر يفسر هذا الحديث مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحيا سنّة من سنن قد أميتت بعدي كان له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، ومن ابتدع بدعة ضلالة لا يرضاها الله ورسوله كان عليه آثام مَنْ عمل بها لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئاً" (34).

ثالثاً: وأمّا قول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "فما رآى المسلمون حسناً فهو عند الله حسن" (35) فهو أثر موقوف على ابن مسعود وليس بحجة، وأما على فرض حجته فليس المراد جنس المسلمين الصادق بالمجتهد وغيره لاقتضائه أن كل ما رآه آحاد المسلمين حسناً فهو حسن، وكذلك العكس، كما أنه يقتضي كون العمل الواحد حسناً عند البعض الآخر لا يصح التقرب به إلى الله -تعالى- قبيحاً عند البعض الآخر لا يصح التقرب به إليه، وهو باطل (36).

وعلى هذا يحمل معنى هذا الأثر على ما اجتمعت عليه الأمة لعصمتها من الإجماع على ضلال، والإجماع حجة لاستناده إلى دليل شرعي، وعلى هذا فلا يوجد دليل واحد يدل إلى ما ذهبوا إليه وأنّ الأمثلة التي ذكروها للبدعة الحسنة والقبيحة تدخل تحت ما يناسبها من القواعد الشرعية.

وأمَّا أدلة الفريق الأول: فهي مقبولة ومسلمة من ناحية ثبوتها ومن ناحية الاستدلال معاً، وبالتالي فلا تحتاج إلى مناقشة.

وعلى هذا نرجّح ما ذهب إليه الفريق الأول وهو أن البدعة لا تكون إلاّ مذمومة لعموم النصوص التي وردت في ذم البدعة شرعاً ولعدم وجود ما يخصص ذلك، وبالتالي ليست مقسمة إلى حسنة وقبيحة.

يقول الإمام الشاطبي -رحمه الله- مؤيداً ذلك: "إنّه قد ثبت في الأصول العلمية أنّ كل قاعدة كلية أو دليل شرعي كلي إذا تكررت في مواضع كثيرة وأتى بها شواهد على معان أصولية أو فروعية، ولم يقترن بها تقييد ولا تخصيص مع تكرارها، وإعادة تقررها فذلك دليل على بقائها على مقتضى لفظها من العموم كقوله تعالى: ((أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى)) [النجم: 38-39] وما أشبه ذلك...

فما نحن بصدده من هذا القبيل. إذ جاء في الأحاديث المتعددة والمتكررة في أوقات شتى وبحسب الأحوال المختلفة أنّ كل بدعة ضلالة وأنّ كل محدثة بدعة وما كان نحو ذلك من العبارات الدالة على أنّ البدع مذمومة ولم يأت في آية ولا حديث تقييد ولا تخصيص ولا ما يفهم خلاف ظاهر الكلية فيها، فدل ذلك دلالة واضحة على أنّها على عمومها وإجمالها" (37) وأمّا البدع المنقسمة إلى حسنة وقبيحة فهي البدعة اللغوية المتعلقة بالاختراعات وبأمور المعاش ووسائله ومقاصده (38)، فما كان ضاراً فنترك، وما كان نافعاً فنفعل ونستعمل، وكل هذه أمور تدخل تحت ما فرضّه لنا الشارع بقوله صلى الله عليه وسلم: "أنتم أعلم بأمور دنياكم..." (39).

هذا ما يتعلق بالبدعة الحقيقة وأما البدعة الإضافية فهي -كما ذكر الشاطبي -رحمه الله- التي لها شائبتان: إحداهما لها من الأدلة متعلق فلا تكون من تلك الجهة بدعة، والأخرى ليس لها متعلق إلا مثل ما للبدعة الحقيقية.

فلما كان العمل الذي له شائبتان لم يتخلص لأحد الطرفين وضعنا له هذه التسمية "البدعة الإضافية" أي أنها بالنسبة إلى إحدى الجهتين سنة لأنها مستندة إلى دليل، وبالنسبة إلى الجهة الأخرى بدعة لأنها مستندة إلى شبهة لا إلى دليل أو غير مستندة إلى دليل.

والفرق بينهما من جهة المعنى، أن الدليل عليها من جهة الأصل قائم، ومن جهة الكيفيات أو الأحوال أو التفاصيل لم يقم عليها مع أنها محتاجة إليه لأن الغالب وقوعها في التعبديات لا في العاديات المحضة (40).

ومثال ذلك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عقب الأذان جهراً مع أن الشارع طلب منا ذلك سراً بقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلّوا عليّ، فإن من صلّى عليّ مرة صلى الله عليه بها عشراً..." (41).

والبدعة تدخل من جهة الكيفية لا من جهة أصل مشروعية ذلك، ومن ثم تأخذ حكم البدعة الحقيقية بحسب قربها لها أو بعدها منها.

يقول الشاطبي -رحمه الله-: "فقلّما تختص -أي البدعة الحقيقية- بحكم دون الإضافية بل هما معاً يشتركان في أكثر الأحكام إلا أن الإضافية على ضربين: أحدهما: يقرب من الحقيقة حتى تكاد البدعة تعد حقيقية.

والآخر: يبعد منها حتى يكاد يعد سنة محضة (42).
---------------------------------------------------
1.    تقدمت ترجمته في (ص:25).
2.    إشارة إلى قوله تعالى: (بديع السموات والأرض) سورة البقرة، آية (117) وسورة الأنعام، آية (101).
3.    معجم مقاييس اللغة (1/209) مادة (بديع).
4.    هو أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي المتوفي سنة (770هـ) انظر ترجمته في بغية الوعاة (1/389).
5.    مصباح المنير: 1/44 مادة (بدع).
6.    لسان العرب: 8/6 مادة (بدع).
7.    هو عبد الرحمن بن أحمد بن رجب السلامي البغدادي ثم الدمشقي.
8.    هو إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي أبو إسحاق الشهير بالشاطبي المتوفي سنة (790هـ) انظر ترجمته في الإعلام (4/144).
9.    هو عز الدين بن عبد السلام بن أبي القاسم شيخ الإسلام المتوفي سنة (660هـ) بمصر. انظر ترجمته في الإعلام (4/144).
10.    جامع العلوم والحكم (ص:160).
11.    الاعتصام: (1/37).
12.    الاعتصام: (1/37).
13.    فتح الباري: (3/253).
14.    الاعتصام: (2/790-800).
15.    فتح الباري: (13/253).
16.    قواعد الأحكام في مصالح الأنام: (2/204).
17.    انظر المصدر السابق (2/204-205).
18.    تهذيب الأسماء واللغات (2/22).
19.    صحيح مسلم كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة (2/592).
20.    صحيح مسلم كتاب الأقضية، باب رد الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور (3/1342).
21.    أخرجه الترمذي في كتاب العلم، باب الأخذ بالسنة واجتناب البدعة (4/150)، وقال هذا حديث حسن صحيح.
22.    والحديث كما أخرجه البخاري بسنده عن عبد الرحمن قال: "خرجت مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ليلة في رمضان إلى المسحد فإذا الناس أوزاع متفرقون. يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي صلاته الرجل، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قاريء واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر نعمت البدعة هذه ". صحيح البخاري (1/342)، كتاب التراويح، باب فضل من قام رمضان.
23.    صحيح مسلم كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة (4/2059).
24.    رواه الإمام أحمد في مسنده (1/379).
25.    صحيح مسلم -كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة- (3/592).
26.    صحيح مسلم -كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة- (3/592).
27.    انظر تهذيب الفروق (4/229).
28.    صحيح البخاري، كتاب صلاة التراويح، باب فضل من قام رمضان (1/343).
29.    رواه الترمذي في سنة، في كتاب العلم، باب الأخذ بالسنة واجتناب البدعة (4/150).
30.    مجموع الفتاوي (10/371).
31.    اقتضاء الصراط المستقيم (ص:376).
32.    صحيح مسلم - كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة (4/2059).
33.    الصرف بالكسر الخالص من كل شيء. انظر النهاية (3/24).
34.    أخرجه الترمذي في سننه كتاب العلم، باب الأخذ بالسنة واجتناب البدعة (4/50ا-151) وقال: هذا حديث حسن.
35.    رواه الإمام أحمد في مسنده (1/379).
36.    الإبداع في مضار الابتداع للشيخ علي محفوظ (ص:128).
37.    الاعتصام (1/141-142).
38.    انظر إصلاح المساجد من البدع والعوائد، لجمال الدين القاسمي (ص:16).
39.    صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب وجوب امتثال ما قاله شرعاً ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأي (4/1836).
40.    انظر: الاعتصام للشاطبي (1/286-287).
41.    صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأل الله له الوسيلة (1/288).
42.    انظر الاعتصام (1/287).



الباب الثالث البدع الملحقة بالأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

الباب الثالث البدع الملحقة بالأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثالث البدع الملحقة بالأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم   الباب الثالث البدع الملحقة بالأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم Emptyالثلاثاء 19 سبتمبر - 22:19

الفصل الثاني
البدع الملحقة بمولده صلى الله عليه وسلم

يقصد بالمولد تلك الاحتفالات التي تقام في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول من كل عام، وهو اليوم الذي ولد فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم على أرجح الأقوال.

ولذا كان الاحتفال المذكور، أحياء لذكراه -عليه الصلاة والسلام وإظهاراً للفرح بمولد نبي الثقلين كما يقول المحتفلون.

وفي ذلك اليوم يقرأ المحتفلون أوراداً كثيرة ويتذاكرون سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أنّهم يقومون بجانب ذلك بأعمال كثيرة مثل الذبح وإعداد الطعام للمجتمعين وللتوزيع على الفقراء حتى أصبح ذلك اليوم يوم أكل وشرب مثل يومي العيد -الفطر والأضحى- أو أكثر.

وقد يتوسع بعضهم في ذلك الاحتفال حتى أنه يقام من بداية شهر ربيع الأول ويستمر إلى اليوم الثاني عشر أو إلى نهاية الشهر أو يقام في كل يوم الاثنين أو يوم الجمعة من كل أسبوع.

يقول الشيخ علي محفوظ: "الموالد هي الاجتماعات التي تقام لتكريم الماضين من الأنبياء والأولياء والأصل فيها أن يتحرى الوقت الذي ولد فيه من يقصد بعمل المولد وقد يتوسع فيها حتى تتكرر في العام الواحد" (1).

ونتحدث في هذا الفصل عن ذلك اليوم وما يفعل فيه من الأعمال مع عرض كافة الآراء بأدلتها ومناقشتها بموضوعية وحياد كاملين ليظهر الحق بدليله ويزهق الباطل بمزاعمه وأوهامه وليعيش الناس مع الإسلام عن بينة ووضوح.

وسوف يتكون هذا الفصل من مبحثين:
المبحث الأول: تحديد وقت الاحتفال بالمولد ونشأته.
المبحث الثاني: حكم الاحتفال بالمولد.

المبحث الأول: تحديد وقت الاحتفال بالمولد ونشأته:
تحديد وقت الاحتفال بالمولد مرتبط بتحديد الوقت الذي ولد فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم لأنّ ذلك الاحتفال يقصد به إحياء ذكرى مولده -صلى الله عليه وسلم- كما قلنا آنفاً.

ومعنى ذلك أنّ ذلك الاحتفال يخضع للاختلاف الوارد في تحديد وقت ولادته صلى الله عليه وسلم ولكن الذي لا جدال فيه أنّه ولد في يوم الإثنين للحديث الصحيح الذي ورد في هذا الشأن وأمّا ما عدا ذلك فمختلف فيه.

أخرج الإمام مسلم بسنده عن أبي قتادة الأنصاري -رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الإثنين فقال: "فيه ولدت وفيه أنزل عليّ" (2).

وقد ذكر ابن كثير -رحمه الله- الخلاف الوارد في ذلك في كتابه السيرة النبوية قائلاً:
"أنّ ذلك كان في شهر ربيع الأول، فقيل لليلتين خلتا منه.. وقيل لثمان خلون فيه، وقيل لعشر خلون منه.. وقيل لاثنتي عشر خلت منه.." (3).

ولأجل هذا الخلاف كان الملك المظفر صاحب إربل (4) يحتفل بالمولد الشريف مرة في ثامن شهر ربيع الأول ومرة في الثاني عشر منه (5) ولكن المشهور هو أنّه ولد في يوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول وهو الراجح.

يقول ابن كثير بعد نقله هذا القول: "وهذا هو المشهور عند الجمهور والله أعلم" (6).

وأمّا ما ذكر من أنّه ولد في رمضان أو في يوم الجمعة وفي غيرهما فغير صحيح كما ذكر الإمام ابن كثير -رحمه الله تعالى-.

وأمّا نشأة الاحتفال بالمولد الشريف فمختلف فيه أيضاً بين العلماء، فمنهم من يقول إنّ الاحتفال بدأ في القاهرة أيام الدولة الفاطمية، ومنهم من يقول إنّ ذلك قد أحدثه الملك مظفر صاحب إربل بإربل في آخر القرن السادس أو أوائل القرن السابع.

الأقوال التي تؤيد القول الأول:
يقول المقريزي: "كان للخلفاء الفاطميين في طول السُّنَّة أعياد ومواسم وهي: موسم رأس السُّنَّة، وموسم أول العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم ومولد علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ومولد الحسن ومولد الحسين -رضي الله عنه- ومولد فاطمة الزهراء -رضي الله عنها- ومولد الخليفة الحاضر" (7).

ويقول القلقشندي عند كلامه عن جلسات الخلفاء الفاطميين: "الجلوس الثالث جلوسه في مولد النبي صلى الله عليه وسلم في الثاني عشر من شهر ربيع الأول وكان عادتهم فيه أن يعمل في دار الفطرة عشرون قنطاراً من السكر الفائق حلوى من طرائف الأصناف وتعبأ ثلاثمائة صينية نحاس فإذا كان ليلة ذلك المولد تفرق في أرباب الرسوم كقاضي القضاة وداعي الدعاة وقراءة الحضرة..." (8).

ويفهم من كلام المقريزي وكلام القلقشندي أنّ الفاطميين كانوا يعملون الاحتفال بالمولد النبوي وغير ذلك من الموالد وإن لم يصرحا بأنّهم أول من أحدث ذلك ولكن صرح في ذلك حسن السندوبي في كتابه تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي قائلاً: "لقد دلني البحث والتنقيب والتحري والاستقصاء على أن الفاطميين هم أول من ابتدع فكرة الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف وجعلوه من الأعياد العامة في كل أمة من الأمم الإسلامية كما ابتدعوا غيره من الاحتفالات الدورية التي عدّت من مواسمها، وكذلك صرفوا الكثير من اهتمامهم إلى إحياء ما يكون معروفاً من المواسم والأعياد قبل الإسلام" (9).

وممن ذهب إلى القول الثاني السيوطي حيث يقول: "أول من أحدث فعل ذلك -الاحتفال بالمولد- صاحب إربل الملك المظفر أبو سعيد كوكبوري بن زين الدين بن علي بن بكتكين أحد ملوك الأمجاد والكبراء الأجواد وكان له آثار حسنة" (10).

وتبعه في ذلك محمد رشيد رضا صاحب المنار حيث يقول: "إن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف قد صار عادة عامة، والمشهور أنّ المحدث لها هو أبو سعيد كوكبوري بن أبي الحسن علي بن بكتكين التركماني الجنس الملقب بالملك العظيم مظفر الدين صاحب إربل أحدثها في أوائل القرن السابع أو أواخر القرن السادس فإن السلطان صلاح الدين ولاّه على إربل في ذي الحجة سنة 580 هـ" (11).

وهذان القولان هما المشهوران في الموضوع الذي نحن بصدده ولم أقف على أقوال أخر تتعلق بهذا الموضوع.

وقد ذهب بعض العلماء إلى التوفيق بين الرأيين: يقول الشيخ علي محفوظ: "أول من أحدثها بالقاهرة الخلفاء الفاطميون في القرن الرابع فابتدعوا ستة موالد: المولد النبوي، ومولد الإمام علي -رضي الله عنه- ومولد فاطمة الزهراء -رضي الله عنها- ومولد الحسن والحسين -رضي الله عنهما- ومولد الخليفة الحاضر.          

وبقيت الموالد على رسومها إلى أن أبطلها الأفضل أمير الجيوش ثم أعيدت في خلافة الآمر بأحكام الله في سنة أربع وعشرين وخسمائة بعدما كاد الناس ينسونها، وأول من أحدث المولد النبوي بمدينة إربل الملك المظفر أبو سعيد في القرن السابع، وقد استمر العمل بالمولد إلى يومنا هذا وتوسع الناس فيها وابتدعوا بكل ما تهواه أنفسهم وتوحيه شياطين الإنس والجن" (12).

وذهب إلى ذلك أيضاً الدكتور عزت عطية حيث يقول: "وأول من أحدثه بالقاهرة المعز لدين الله الفاطمي سنة 362هـ ودام الاحتفال به إلى أن أبطله أمير الجيوش بدر الدين الجمالي سنة 488هـ في عهد المستعلي بالله، ولمّا ولي الخلافة الآمر بأحكام الله ابن المستعلي أعاد الاحتفال في سنة 495هـ وأول من أحدث هذا الاحتفال بإربل الملك المظفر أبو سعيد في القرن السادس أو السابع (13).          

ويفهم من كلامهما أنّ الابتداء نسبي بحيث أن الفاطميين هم أول من أحدث ذلك الاحتفال بالنسبة لمدينة القاهرة، وأما بالنسبة لإربل فصاحب إربل الملك المظفر هو أول من أحدث فيها ولكن أرجح الأقوال هو الأول الذي يقول بأنّ الفاطميين هم الذين أحدثوا ذلك ولم يسبقهم أحد في ذلك بل انتشرت من عندهم إلى البلاد الإسلامية.

والذي يؤيد ذلك أنّ الدولة الفاطمية قد سقطت قبل وجود الملك المظفر صاحب إربل وبالتحديد سنة 567 هـ (14) وكذلك صاحب إربل نفسه لم يبتدع ذلك الاحتفال بالمولد بل اقتدى بالشيخ عمر الملا (15).

يقول أبو شامة: "وكان أول من فعل ذلك -أي الاحتفال بالمولد- الشيخ عمر بن محمد الملا أحد الصالحين المشهورين وبه اقتدى في ذلك صاحب إربل وغيره -رحمهم الله تعالى- (16).

وخلاصة القول أنّ الاحتفال بالمولد النبوي لم يكن معروفاً في القرون الثلاثة الأولى التي شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهلها بالخيرية بقوله: "خير الناس قرني في ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم..." (17).

وإنّما بدأ ذلك في النصف الأخير من القرن الرابع الهجري على يد أحد ملوك الفاطميين وهو المعز لدين الله.

والغرض من ابتداع الاحتفال بالمولد النبوي هو جذب قلوب العامة إلى الدولة الفاطمية الجديدة في مصر كما جزم غير واحد.

يقول السندوني: "ولمّا استقر له الحكم- أي المعز لدين الله- أخذ يفكر في الوسائل الكفيلة باستمالة القلوب، وامتلاك النفوس، واستثارة العواطف حتى تألف الأمة المصرية تصرفات هذه الحكومة الجديدة وترضى عن سياستها في إدارة البلاد، ولمّا كانت الميول العامة لطبقات الأمة المصرية متجهة إلى حب آل بيت الرسول مع الاعتدال في التشيع لهم... رأى المعز لدين الله أنّ أقرب الأسباب للوصول إلى أغراضه من هذا الميل العام الالتجاء إلى الأمور التي تمت بصلة إلى المظهر الديني، فهداه تفكيره إلى أن يقرر إقامة مواسم حافلة وأعياد شاملة في مواعيد مقررة وكان من أولها وأجلّها وأفضلها الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف" (18).

وبجانب هذه المناسبات والأعياد الدينية فقد كان الخلفاء الفاطميون يشتركون في الاحتفالات التي تقام للأعياد الأخرى مثل عيد الميلاد عند الأقباط في مصر وغيرها من الأعياد والمواسم للغرض نفسه حتى ينالوا رضاء أهل الملل المختلفة القاطنين في مصر.

يقول د. حسن إبراهيم حسن وصاحبه في كتابهما "المعز لدين الله": "وكان الفاطميون يتخذون هذه الأعياد وسيلة لجذب الرعايا إليهم، لذلك شارك المعز القبط في الاحتفال بعيد الميلاد وغيرها" (19).

ومن هنا نقول إنّ إحداث الاحتفال بالمولد النبوي من قبل الخلفاء الفاطميين كان لغرض سياسي بحت دون النظر إلى دوافع دينية أو اعتبارات أخرى بل الغرض الوحيد هو كسب احترام رعايا المسلمين في مصر كما كانوا يعملون مع رعايا غير المسلمين هناك بحيث يشتركون معهم في احتفالاتهم التي ليست لها صلة بالدين.

وهذه سمة عامة الخلفاء الفاطميين منذ أن نشأت دولتهم في مصر عام 357هـ إلى أن سقطت في سنة 5670هـ وإن كان فيهم من أبطل الاحتفال بالمولد النبوي وغيره من الموالد فترة مثل الأفضل أمير الجيوش في سنة 488هـ ولكن أعيد الاحتفال في عهد الآمر بأحكام الله في سنة 495 هـ وبعد ذلك استمر إلى يومنا هذا.          

وقد أصبح ذلك اليوم في بعض البلاد عيداً رسمياً حيث تعطل المصالح الحكومية والشركات والمؤسسات وتقفل المدارس وتقام حفلات هائلة وتعمل إنارة الطرقات وتزيينها.

والأغرب من ذلك كله أن بعض الحكومات التي تدور في فلك المعسكر الشيوعي الملحد الذي لا يعترف بوجود الله تجعل ذلك اليوم عيداً رسمياً مثل الأعياد الوطنية في عصرنا الحاضر لكسب تأييد رعايا المسلمين فقط دون النظر إلى دوافع دينية -لأنّ الدين عندهم أفيون الشعب- بناء على مبدئهم القائل: الغاية تبرر الوسيلة.

وعلى هذا فغرضهم يتفق مع غرض الدولة الفاطمية في مصر التي أحدثت ذلك الاحتفال وإن اختلفت الأزمنة وبعدت الأمكنة.



الباب الثالث البدع الملحقة بالأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

الباب الثالث البدع الملحقة بالأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثالث البدع الملحقة بالأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم   الباب الثالث البدع الملحقة بالأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم Emptyالثلاثاء 19 سبتمبر - 22:21

المبحث الثاني: حكم الاحتفال بالمولد النبوي:
ذكرنا في المبحث السابق أن الاحتفال بالمولد النبوي في أقدم الأقوال قد بدأ في النصف الأخير من القرن الرابع الهجري.

ومعنى ذلك أنّ الاحتفال بالمولد النبوي لم يكن معروفاً في القرون الفاضلة الثلاثة المشهود لأهلها بالخيرية.

ومع هذا فقد جوز بعض العلماء الاحتفال بالمولد النبوي، بل ذهبوا إلى استحسان الشرع له مستدلين بأدلة نوردها قريباً ولكن هناك فريقاً آخر من العلماء ذهبوا إلى عدم جوازه ورأوا أنّه بدعة محدثة يرفضها الشرع ويأباها، ولهم على ذلك أدلة أخرى.

ومحل التراع بين الفريقين هو إذا كان ذلك الاحتفال خاليًا ممّا يصحبه عادة من المنكرات كاختلاط الرجال بالنساء وغيرها من الأمور المنهية عنها شرعاً وأما إذا صحبته شيء من ذلك فهم مجمعون على عدم جوازه لتلك العلة عند الفريق الأول.

وأمّا عند الفريق الثاني، فالعلة عندهم هي إحداثه وبدعيته حتى وإن خلا من المنهيات المصاحبة عادة.

وبالتالي فمن باب أولى أن يقولوا بعدم جوازه إذا صاحبته الأمور المنهية عنها شرعاً.

ونذكر هنا آراء كل من الفريقين مع الأدلة التي يستدلون بها ووجهة استدلالهم بها.

أولاً: الفريق الأول: هذا الفريق هو الذي ذهب إلى جواز الاحتفال بالمولد النبوي بل إلى استحسانه بشرط خلوه من المنكرات مثل الطرب والرقص واختلاط الرجال والنساء.

ومن علماء هذا الفريق ابن ناصر الدين الدمشقي (20) وابن الجزري (21) وابن حجر العسقلاني والسيوطي وغيرهم.

وقد استدل كل منهم بما رأى من دليل ومن أهمها:
1- رأي ابن ناصر الدين: يقول ابن ناصر الدين الدمشقي في كتابه، مورد الصادي في مولد الهادي: "ثويبة أول من أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم بعد أمه وهي مولاة أبي لهب عمه أعتقها سروراً بميلاد خير الثقلين فلهذا صح أنّه يخفف عنه عذاب النار في مثل يوم الاثنين- ثم أنشد:
إذا كان هذا كافراً جاء ذمه
وتبت يداه في الجحيم مخلدا
أتى أنه في يوم الاثنين دائماً
يخفف عنه للسرور بأحمدا
فما الظن بالعبد الذي كان عمره
بأحمد مسروراً ومات موحدا (22)


3- رأي ابن الجزري: يقول ابن الجزري في هذا المقام: (وقد روي أنّ أبا لهب بعد موته رؤي في النوم فقيل له: ما حالك؟ فقال: في النار إلاّ أنّه يخفف عنّي كل ليلة اثنين وأمص من بين أصبعي ماء بقدر هذا، وأشار إلى ثغرة إبهامه وأنّ ذلك بإعتاقي ثويبة عندما بشرتني بولادة محمد صلى الله عليه وسلم وبإرضاعها له، ثم قال: إذا كان أبو لهب الكافر الذي نزل القرآن بذمه جوزي في النار بفرحه ليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم فما بال المسلم الموحد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يسر بمولده ويبذل ما تتصل إليه قدرته في محبته صلى الله عليه وسلم لعمري إنّما جزاؤه من الله الكريم يدخله بفضله جنات النعيم) (23).

ويلاحظ أن ابن ناصر الدين وابن الجرزي استدلا بدليل واحد هو ما روي أن أبا لهب رؤي في النوم بعد موته وذكر بعد سؤال حاله أنّه يخفف عنهْ العذاب في كل يوم الإثنين لإعتاقه ثويبة بعد ما بشرته بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم سروراً بذلك ومن ثم يجعلون ذلك دليلاً على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي لأنّ الكافر وهو أبو لهب يثاب على سروره بمولد المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث يخفف عنه العذاب في كل يوم الإثنين، فمن باب أولى أن يثاب المسلم إذا احتفل بالمولد النبوي والثواب لا يكون إلاّ على عمل مشروع فدل ذلك أن الاحتفال بالمولد النبوي عمل مشروع في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول من كل عام.

3- رأي ابن حجر العسقلاني: يقول ابن حجر العسقلاني: (أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة وإلا فلا، قال: وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت وهو ثابت في الصحيحين من أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا: هذا يوم أغرق الله فرعون ونجّى موسى فنحن نصومه شكراً لله تعالى، فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما منّ به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير اليوم من كل سنة والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى في يوم عاشوراء، ومن لم يلاحظ ذلك لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر بل توسع قوم فنقلوه إلى أي يوم من السُّنَّة وفيه ما فيه، فهذا ما يتعلق بأصل عمله) (24).

ووجه استدلال الحافظ بهذا الحديث أنّ النعمة تقابل بالشكر، فكما نقابل يوم نجاة موسى عليه السلام بالصوم فلا مانع من أن نقابل يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم بلون من ألوان العبادة كالصيام والصدقة والتلاوة وهكذا.

رأي السيوطي: ينقل السيوطي رأي ابن حجر مع دليله ثم يقول: (وقد ظهر لي تخريجه على أصل آخر وهو ما أخرجه البيهقي عن أنس -رضي الله عنه- "أنّ النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة" (25) مع أنّه قد ورد أن جدّه عبد المطلب عق عنه في سابع ولادته والعقيقة لا تعاد مرة ثانية فيحمل ذلك على أن الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم إظهار للشكر على إيجاد الله إياه رحمة للعالمين، وتشريع لأمته كما كان يصلي على نفسه، لذلك فيُستحب لنا أيضاً إظهاراً للشكر بمولده بالاجتماع وإطعام الطعام، ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار المسراتا) (26).

وتوجيه هذا الدليل يقوم على أن الشكر على النعمة يجوز تكراره، فكما كرر النبي صلى الله عليه وسلم العقيقة عن نفسه يجوز أن يكرر المسلمون الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم شكراً لله على مولد رسولهم الكريم.

ونضيف إلى هذا دليلاً آخر استدل به بعضهم وهو ما أخرجه الإمام مسلم عن أبي قتادة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الإثنين فقال: "فيه ولدت وفيه أنزل عليّ" (27) ووجه الاستدلال بهذا الحديث هو ما دام أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قد خصّص عبادة في هذا اليوم شكراً لله على نعمة إيجاده صلى الله عليه وسلم فكذلك يجوز لنا أن نحتفل في هذا اليوم إظهاراً للسرور بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم وشكراً لله على هذه النعمة لأنّه كما قابل الرسول صلى الله عليه وسلم هذه النعمة بالصوم فلا مانع أن نقابل هذه النعمة بألوان من العبادة كالصدقة والتلاوة وغيرها.

والآراء المذكورة تمثل رأي فريق واسع، إلاّ أنّي اكتفيت بما ذكرت لأنّه يصور واقع هذا الفريق قديماً وحديثاً -وكلهم يعتمدون على هذه الأدلة أو بعضها.

ومجمل الآراء يقوم على أن الاحتفال بالمولد النبوي في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول من كل عام عمل مشروع.

وقبل أن نتكلم عن أدلة هذا الفريق من ناحية صحتها أو ضعفها، ومقدار قربها أو بعدها عما سيقت له نذكر رأي الفريق الثاني والأدلة التي يستدل بها من جانبه.

ثانياً: الفريق الثاني: ذهب هذا الفريق إلى عدم جواز الاحتفال بالمولد النبوي سواء صاحبته المنكرات أم لا.

وجمهور العلماء على هذا الرأي ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية وابن الحاج (28) والفاكهاني (29).

ومن أهم آرائهم ما يلي:
1- رأي شيخ الإسلام ابن تيمية: يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا المقام: (ما يحدثه بعض الناس من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيداً إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيماً بدعة لأنّ هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضى له، وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيراً محضاً، أو راجحاً، لكان السلف -رضي الله عنهم- أحق به منّا فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم له منا وهم على الخير أحرص وإنما كمال متابعته وطاعته، واتباع أمره، وإحياء سُنَّتَهُ باطناً وظاهراً، ونشر ما بُعِثَ به، والجهاد على ذلك، بالقلب واليد واللسان، فإن هذه طريق السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان) (30).

وملخص هذا الرأي أنّ الاحتفال بالمولد أمر غير مشروع ومن ثم فهو بدعة لأنّ السلف الصالح لم يحتفلوا به مع قيام المقتضى له وعدم المانع منه حيث كانت الفطرة سليمة، والحرص على التدين أصيل، ولا يسعنا إلا ما وسعهم، وعلينا أن نتبع لا أن نبتدع.
 
ولله در القائل: لن يصلح هذه الأمة الاّ ما صلح به أولها.

2- رأي ابن الحاج: يقول ابن الحاج بعد أن تكلم عن المفاسد المصاحبة للاحتفال بالمولد كالطرب وغيرها: (وهذه المفاسد مركبة على فعل المولد إذا عمل بالسماع فإن خلا منه وعمل طعاماً فقط ونوى به المولد ودعا إليه الإخوان وسلم من كل ما تقدم ذكره فهو بدعة بنفس نيته فقط، إذ أنّ ذلك زيادة في الدين وليس من عمل السلف الماضيين، واتباع السلف أولى بل أوجب من أن يزيد من مخالفة ما كانوا عليه، لأنهم أشد الناس اتباعاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له ولسنته صلى الله عليه وسلم ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك ولم ينقل عن أحد منهم أنّه نوى المولد، ونحن لهم تبع فيسعنا ما وسعهم) (31).

وهذا الرأي يقوم على ما قام به رأي ابن تيمية تماماً وهو بدعية الاحتفال بالمولد لأنّ السلف لم يحتفلوا به ولا يسعنا إلاّ ما وسعهم.

3- رأي الفاكهاني: يقول الفاكهاني -رحمه الله-: (لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة الذين هم القدوة في الدين المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها البطالون وشهوة نفس اعتنى بها الأكّالون بدليل أنا إذا أدرنا عليه الأحكام الخمسة قلنا إمّا أن يكون واجباً أو مندوباً أو مباحاً أو مكروهاً أو محرماً، وليس بواجب إجماعاً ولا مندوباً لأن حقيقة المندوب ما طلبه الشرع من غير ذم على تركه، وهذا لم يأذن به الشرع ولا يفعله الصحابة والتابعون ولا العلماء المتدينون فيما علمت، وهذا جوابي عنه بين يدي الله تعالى إن عنه سئلت، ولا جائزاً أن يكون مباحاً، لأن الابتداع في الدين ليس مباحاً بإجماع المسلمين، فلم يبق إلاّ أن يكون مكروهاً أو محرماً) (32).

وملخص هذا الرأي يقوم على أنّ الاحتفال بالمولد قد أحدثه البطالون والأكالون ومن ثم فهو بدعة لعدم ورود ما يدل على مشروعيته من كتاب ولا سنة صحيحة.

ولهذا لا يكون واجباً ولا مندوباً ولا مباحاً وإنما يكون حكمه إمّا مكروهاً أو حراماً.

هذه مجمل ما قيل في هذا الموضوع وهو الاحتفال بالمولد النبوي، وكما نرى أنّ كل فريق من الفريقين يستدل بأدلة تؤيد رأيه.

وقبل أن نصل إلى حكم الاحتفال بالمولد، لا بد من مناقشة الأدلة والنظر فيها لنرى مدى صحتها أو ضعفها ومدى قربها أو بعدها لما استدل بها له.

مناقشة الأدلة: ونبدأ بأدلة الفريق الأول:
1- استدلالهم بأن أبا لهب قد رؤي في النوم وإخباره بأنّه يخفف عنه العذاب في كل يوم الإثنين جزاء إعتاقه ثويبة عند ما بشرته بميلاد المصطفى صلى الله عليه وسلم وسروره بذلك.

قبل أن نرفض الاستدلال بمثل هذا النص الوارد عن رؤيا منامية نذكر سند الحديث ومتنه لأنّه خير ما يساعدنا في الرفض.

قال البخاري -رحمه الله تعالى-: (حدثنا الحكم بن نافع أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال أخبرني عروة بن الزبير قال: "وثوبية مولاة لأبي لهب كان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله بشر حيبة (33).

قال: ماذا لقيت؟ قال أبو لهب: لم ألق بعدكم غير أنّي سقيت في هذه بعتاقي ثويبة" (34).

وهذا الحديث لم يسلم عن مقال لا من ناحية السند ولا من ناحية المتن والاستشهاد به مردود لعدة أسباب:
 أ) إمّا من ناحية السند فهو حديث مرسل أرسله عروة كما هو واضح.
ب) وإمّا من ناحية المتن فهو مخالف لما دلّ عليه القرآن حيث يقول الله تعالى: ((وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً)) [الفرقان: 23].

وقد ذكر علماء التفسير في معنى الآية أنّ الكافر إذا فعل عمل خير لا يثاب عليه لفقده الإيمان الذي هو أساس قبول الأعمال كلها ومن ثم عمله يكون كالهباء المنثور (35) ولذلك بانت معارضة الحديث للآية.

وأخيراً فإنّ مثل هذا النص مع فرض صحته ومع تصوّر عدم معارضته للقرآن الكريم لا يفيد حكماً شرعياً لأنّه تصوير لرؤيا منامية رآها كافر وهو العباس بن عبد المطلب الذي لم يسلم بعد وقت الرؤيا، ورؤيا الناس عموماً -ما عدا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام- لا تفيد حكماً شرعياً، ومن باب أولى إذا كانت رؤية الكفار.

وأمّا ما ثبت (36) في حق أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم من تخفيف العذاب عنه في النار مع كفره وبقائه في الشرك حتى فارق الحياة فمخصوص ولا يتعدى إلى غيره.

وهذا الحديث لا يصح للأمور التي ذكرناها، ومن ثم لا تقوم به الحجة.

وإذا كان كذلك فلننظر الأدلة الأخرى التي يستدلون بها:
استدلالهم بالحديث المتعلق بصيام يوم عاشوراء على جواز الاحتفال بالمولد قياساً على ذلك لعلة حصول النعمة فيهما فمردود لأن إظهار الشكر فيهما على طرفي نقيض، وذلك أن يوم عاشوراء يوم صوم، وأن الاحتفال بالمولد يوم أكل وشرب، ولو عمل في يوم المولد من جنس ما يعمل في يوم عاشوراء وهو الصيام لكان أقرب وإن كان هذا لا يخرجه عن البدعة لعدم مشروعيته في ذلك اليوم الموافق الثاني عشر من ربيع الأول، ولأنّ مثل هذه الأعمال التي يتقرب بها إلى الله لا تثبت بالقياس كما يقال: أنّ الأصل في العادات أن لا يشرع فيها إلا ما يشرعه الله وأن الأصل في العادات أن لا يحظر منها الاّ ما حظره الله.

ولهذا لا يمكن الاستدلال بهذا الحديث مع ثبوته لعدم مطابقته هذا المقام الذي نحن بصدده.

استدلالهم بالحديث الذي أخرجه البيهقي عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عق عن نفسه بعد النبوة فهو حديث لا يستدل به، وسند الحديث ونصّه هو الآتي: قال البيهقي -رحمه الله-: (أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي -رحمه الله- أنبأنا حاجب بن أحمد بن سفيان الطوسي، ثنا محمد بن حماد الايبردي ثنا عبد الرزاق، أنبأنا عبد الله بن محرر، عن قتادة، عن أنس -رضي الله عنه-: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد عقّ عن نفسه بعد النبوة" (37).          

ففي إسناد هذا الحديث رجل قد جرحه غير واحد من النقاد وهو عبد الله بن محرر.

ونذكر هنا أقوال العلماء فيه: يقول البخاري: (عبد الله بن المحرر عن قتادة، متروك الحديث (38)، وهنا عن قتادة.


يقول النسائي: (عبد الله بن محرر يروي عن قتادة متروك الحديث) (39).

ويقول ابن أبي حاتم عن أبيه: (عبد الله بن محرر متروك) (40).

ويقول ابن حبان: (كان من خيار عباد الله، ممن يكذب ولا يعلم ويقلب الإسناد ولا يفهم) (41).

ويقول البيهقي عن عبد الرزاق (42) قال: (إنّما تركوا عبد الله بن محرر لأجل هذا الحديث (43).

من هذه الأقوال التي أوردتها يتبين لنا أنّ هذا الحديث لا يصح سنده لوجود راوٍ متروك في سنده ومن ثم لا يمكن الاستدلال به في هذا المقام.

هذا من ناحية السند، وأمّا من ناحية المتن فلا يمكن أن يستدل به أيضاً لما نحن بصدده وهو الاحتفال بالمولد وإنّما غاية ما يستدل به عليه مشروعية العقيقة بعد البلوغ أن فرضنا صحته، وهيهات أن يصح.

4- استدلالهم بصيامه صلى الله عليه وسلم في كل يوم الإثنين معللاً بأنّه اليوم الذي ولد فيه واليوم الذي أنزل عليه فمردود لأن صيامه صلى الله عليه وسلم لم يكن في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول من كل عام وإنما كان في يوم الإثنين من كل أسبوع وفي كل شهر من شهور السُّنَّة.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فعلينا أن نشكر الله بمثل ما شكره به صلى الله عليه وسلم وهو الصيام مع مراعاة الوقت الذي شرع فيه لا أن نحتفل ونأكل ونشرب.

من هذه المناقشة يتبيّن لنا أنّ ما ذهب إليه هذا الفريق وهو جواز الاحتفال بالمولد النبوي واستحبابه غير صحيح، لاستدلالهم بأدلة بعضها واهٍ وبعضها غير مطابق لما استدل به عليه كما ذكرنا وإن كانت ثابتة.

وأمّا أدلة الفريق الثاني: فيدور استدلالهم على ضرورة الاتباع لما كان عليه السلف الصالح فهم خير من نقل دين الله إلينا كما أخذوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنّه لم ينقل أحد منهم جواز الاحتفال بالمولد النبوي ولا خطر في بالهم يوماً ما مع حبّهم واحترامهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بل نقل عنهم الاختلاف في وقت ولادته، وهذا يدل على أنّ السلف الصالح كانوا لا يرون تخصيص يوم ولادته بعبادة معينة أو إقامة احتفال.

وعلى هذا فإنّ الاحتفال بالمولد يدخل في ضمن البدع المنهي عنها في كثير من الأحاديث.

منها قوله صلى الله عليه وسلم: ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة" (44).

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (45).

ومن هنا نقول إنّ رأي الفريق الثاني هو الراجح لأنّه مبني على الاتباع وترك الابتداع.

ولا يفهم من هذا أنّ ترك الاحتفال بالمولد النبوي جفوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإهمال لحبه كما يقول الجهال لأنّ الاتباع الدقيق هو الحب الحقيقي ويكون مستمراً طول الحياة في كل يوم وليلة ولا يختص بيوم من السُّنَّة دون غيره من الأيام كما يفعله المحتفلون المبتدعون.          

وبالإضافة إلى ذلك فإن الابتداع يعتبر زيادة في الدين خارجة عنه بعد أن أكمله الله تعالى بنزوله على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يقول الله تعالى: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً)) [المائدة: 3] وبالتالي يقف المبتدع موقف المستدرك على الشارع سبحانه وتعالى وعلى صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم المبلغ عن الله -عز وجل-.

وهذا سوء الأدب بعينه مع الله ومع رسوله صلى الله عليه وسلم وإن لم يقصد بذلك وحسنت نيته لأنّ حسن النية لا يحلل حراماً ولا يحرم حلالاً كما أنها لا يكون مبرراً لزيادة في دين الله أو النقصان منه لأنّ المرجع في كل ما يتعلق بأمر الدين هو كتاب الإله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وعلى المسلم أن يراعي ذلك الجانب حتى لا يقع في منزلق لا يحمد عقباه وأن ينظر ما يتقرب به إلى الله قبل أن يقدم عليه فيعرف سنده من الكتاب والسُّنَّة عملاً بقوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)) [الحجرات: 1].

--------------------------------------------------
1.    الإبداع في مضار الإبتداع: (ص:250-251).
2.    صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة، وعاشوراء والاثنين والخميس (2/820).
3.    السيرة النبوية (6/199).
4.    هو الملك المظفر أبو سعيد كوكبوري ين زين الدين بن تبكتكين المتوفى سنة (630هـ). له ترجمة في البداية والنهاية (13/136).
5.    انظر وفيات الأعيان لابن خلكان (1/437).
6.    السيرة النبوية (1/199-200).
7.    المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (1/490)، مع التصرف.
8.    صبح الأعشي في صناعة الإنشاء (13/498).
9.    تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي (ص:62) وما بعدها.
10.    الحاوي للفتاوي: (1/189).
11.    ذكرى المولد النبوي (ص:أ).
12.    الإبداع في مضار الابتداع (ص:251).
13.    البدعة تحديدها وموقف الإسلام منها (ص:481).
14.    انظر كتاب ظهور خلافة الفاطميين وسقوطها في مصر الدكتور/عبد المنعم ماجد (ص:487).
15.    هو الشيخ عمر بن محمد الملا -له ترجمة في مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي (8/310).
16.    الباعث على إنكار البدع والحوادث (ص:16).
17.    صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم (4/1963).
18.    تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي (ص:63).
19.    المعز لدين الله (ص:285) وما بعدها.
20.    هو محمد بن أبي بكر بن عبد الله القيسي الدمشقي شمس الدين الشهير بابن ناصر الدين الدمشقي المتوفى سنة (842هـ) انظر ترجمته في لحظ الألحاظ لتقي الدين محمد بن فهد المكي (ص:317).
21.    هو محمد بن محمد بن علي أبو الخير شمس الدين الدمشقي الشهير بابن الجزري المتوفى سنة (833هـ) انظر ترجمته في مفتاح السعادة لأحمد المصطفى طامش كبري زادة (2/55).
22.    مورد الصادي في مولد الهادي، ورقة (14).
23.    عرف التعريف بالمولد الشريف، ورقة (143).
24.    الحاوي للفتاوي للسيوطي (1/196).
25.    السنن الكبري: (9/300).
26.    الحاوي الفتاوي: (1/196).
27.    صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس (2/820).
28.    هو محمد بن عبد الله بن محمد المبدري المعروف بابن الحاج المتوفي سنة (641هـ) انظر ترجمته في الأعلام للزركلى (7/110).
29.    هو عمر بن أبي اليمن بن سالم اللخمي المالكي الشهير بتاج الدين الفاكهاني المتوفي سنة (734هـ). انظر ترجمته في الديباج المذهب لابن فرحون (2/80-82).
30.    اقتضاء الصراط المستقيم: ص (254-295).
31.    المدخل (2/10).
32.    الحاوي للفتاوي: (1/190-191).
33.    أي بشر حال، والحيبة والحوبة: الهم والحزن، والحيبة أيضاً الحاجة والمسكنة، النياية في غريب الحديث (1/466).
34.    صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب (وأمهاتهم اللاتي أرضعنكم) يحرم من الرضاعة ما حرم من النسب (3/243).
35.    انظر تفسير القرطيى: (13/21-22).
36.    إشارة إلى الحديث الذي أخرجه الأمام مسلم عن العباس بن عبد المطلب أنه قال: يا رسول الله، هل نفعت أبا طالب بشيء، فإنه كات يحوطك ويغضب لك؟ قال: "نعم في ضحضاح من نار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار". انظر صحيح مسلم كتاب الإيمان، باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب والتخفيف عنه بسببه (1/155).
37.    السنن الكبرى: (5/300).
38.    الضعفاء الصغير: (ص:67).
39.    الضعفاء والمتروكين: (ص:63).
40.    الجرح والتعديل لابن أبي حاتم.
41.    المجروحين: (2/23).
42.    هو عبد الرزإق بن همام الصنعاني صاحب المصنف.
43.    السنن الكبري: (9/300).
44.    صحيح مسلم، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة (2/552).
45.    صحيح مسلم، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة. محدثات الأمور (3/1343).



الباب الثالث البدع الملحقة بالأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

الباب الثالث البدع الملحقة بالأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثالث البدع الملحقة بالأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم   الباب الثالث البدع الملحقة بالأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم Emptyالثلاثاء 19 سبتمبر - 22:24

الفصل الثالث
البدع الملحقة بمسجده صلى الله عليه وسلم
من المعلوم أنّ المسجد النبوي الشريف هو أول مسجد بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة بعد وصوله إيَّاها مهاجراً وله فضائل كثيرة يشترك فيها معه المسجد الحرام والمسجد الأقصى وأخرى خاصة به، ولكنّ الناس ابتدعوا أموراً يفعلونها في المسجد النبوي تقرباً إلى الله -تعالى- في ظنهم وتأدباً مع الرسول صلى الله عليه وسلم كما يزعمون بناء على أدلة واهية لا تثبت بمثلها الأحكام أو على استحسان منهم دون الرجوع إلى أدلة الشرع من الكتاب والسُّنَّة والإجماع والقياس.

وكثير من هذه المبتدعات من وضع أعداء الإسلام الذين يقصدون تشويه الحق، وصرف المسلمين عن التدين الصادق الذي يجعل التوجه كله لله عبودية واستقامة.

وبذلك يتوصلون إلى صرف الناس إلى الانغماس في اللهو والبدع بلا فائدة.

وبجانب فعلهم هذه المنكرات في المسجد النبوي الشريف فإن المبتدعين يرمون من ينهاهم عن هذه الأفعال بأنه لا يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك لقيامه بواجبه الذي كلف به من قبل الله -سبحانه وتعالى- وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح الذي هو لله ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأئمة المسلمين وعامتهم.

وهذا ما سوف نبينه في هذا الفصل الذي يتكون من مبحثين:
المبحث الأول: فضائل المسجد النبوي.
المبحث الثاني: ما يفعله الجهّال من البدع في مسجده صلى الله عليه وسلم.

وذلك فيما يلي:
المبحث الأول: فضائل المسجد النبوي:
للمسجد النبوي الشريف على صاحبه أفضل الصلاة والسلام فضائل كثيرة منها ما يشترك فيها مع المسجد الحرام بمكة والمسجد الأقصى، ومنها ما هو خاص به.

أمّا الفضائل المشتركة: فمنها مشروعية شد الرحال إليه لما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى" (1).

وهذه فضيلة مشتركة بين المساجد الثلاثة كما يفيد منطوق الحديث ولا تتعدى هذه الفضيلة إلى غير هذه الثلاثة المنصوصة في الحديث كما جزم بذلك العلماء.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية بعد ذكره هذا الحديث: "فالسفر إلى هذه المساجد الثلاثة للصلاة فيها والدعاء والذكر والقراءة والاعتكاف من الأعمال الصالحة، وما سوى هذه المساجد لا يشرع السفر إليه باتفاق أهل العلم حتى مسجد قباء يستحب قصده من المكان القريب كالمدينة ولا يشرع شد الرحال إليه" (2).

ومن تلك الفضائل مضاعفة ثواب الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم لما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلاّ المسجد الحرام" (3).

هذه الفضيلة ثابتة للمسجد النبوي الشريف بنص الحديث، لكنّ استشكل العلماء حول المراد من هذا الاستثناء، هل هو أن الصلاة في المسجد النبوي أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بدون الألف أم أنّ الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في المسجد النبوي الشريف.

وممن قال بالقول الأول:
الإمام مالك وطائفة من العلماء: وأمّا الإمام الشافعي وجماهير العلماء، فقد ذهبوا إلى الثاني.

يقول الإمام النووي -رحمه الله تعالى- عند شرحه هذا الحديث: "اختلف العلماء في المراد بهذا الاستثناء على حسب اختلافهم في مكة والمدينة أيتهما أفضل، ومذهب الشافعي وجماهير العلماء أنّ مكة أفضل من المدينة وأنّ مسجد مكة أفضل من مسجد المدينة، وعكسه مالك وطائفة.

فعند الشافعي والجمهور معناه إلاّ المسجد الحرام فإنّ الصلاة فيه أفضل من الصلاة في مسجدي، وعند مالك وموافقيه إلا المسجد الحرام فإنّ الصلاة في مسجدي تفضله بدون الألف" (4).

وكلا التأويلين محتمل إذا لم نجد من الخارج ما يرجح أحدهما من الآخر كما أنّ هناك تأويلاً ثالثاً محتملاً وهو أنّ الصلاة فيهما سواء.

وقد ذكر ابن حزم الظاهري التأويل الثالث عند ذكره هذا الحديث حيث قال: "تأوّلوا أن الصلاة في مسجد المدينة أفضل من الصلاة في مسجد مكة بدون الألف، وقلنا نحن: بل هذا الاستثناء أنّ الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجد المدينة، ثم قال: فكلا التأويلين محتمل نعم وتأويل ثالث وهو المسجد الحرام فإنّ الصلاة في كليهما سواء ولا يجوز المصير إلى أحد هذه التأويلات دون الآخر إلاّ بنص آخر وبطل أن يكون في هذا الخبر بيان فضل المدينة على مكة" (5).

ممّا سبق يتضح لنا أن التأويلات الثلاثة محتملة ولكن تأويل الجمهور هو الأصح لثبوت ما يرجح ذلك وهو الحديث الذي في مسند الإمام أحمد -رحمه الله- عن عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا" (6).

ومن العلماء من صحّح هذا الحديث ومنهم من حسّنه فمن الأولين ابن حزم الظاهري حيث قال: "حديث ابن الزبير صحيح فارتفع الإشكال" (7).

ومن الفريق الثاني النووي حيث قال: "حديث حسن رواه أحمد بن حنبل فى مسنده" (8).

وسواء قلنا أنّ هذا الحديث الذي نحن بصدده صحيح أو حسن فلا يخرج من دائرة الاحتجاج به والغرض الذي من أجله أوردناه وهو ثبوت أفضلية مسجد مكة على مسجد المدينة وكذلك مضاعفة ثواب الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم وهو ما يهمنا في هذا المقام، وإن اشترك في ذلك المسجد الحرام وزاد عليه.

ومن تلك الفضائل كونه حرماً مثل المسجد الحرام لدخوله في حدود حرم المدينة المنورة التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "إنّ إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها لا يقطع عضاهها (9) ولا يصاد صيدها (10).

وبقوله صلى الله عليه وسلم: "المدينة حرم ما بين عير الى ثور..." (11).

هذان الحديثان يحددان لنا حدود حرم المدينة المنورة بحيث أنّ الحديث الأول يحدد الحرم من ناحية العرض وأنه يقع ما بين لابتي المدينة وهما الحرتان الوبرة والواقم أولاهما تقع في غرب المدينة وثانيهما تقع في شرق المدينة.

يقول الدكتور/محمد حسن هيكل: "تحد هذه الحرة وهي الواقم المدينة من الشرق وتحدها حرة الوبرة بن الغرب" (12).

وأما الحديث الثاني فيحد لنا حرم المدينة المنورة من جهة الطول بحيث يقع الحرم ما بين عير إلى ثور وهما أي عير وثور جبلان يقع أولاهما جنوب المدينة وثانيهما يقع في شمال المدينة.

يقول عبد القدوس الأنصاري: "عير وثور اسما جبلين من جبال المدينة أولهما عظيم شامخ يقع بجنوبي المدينة على مسافة ساعتين عنها تقريباً بسير الأقدام غير المستعجل، وثانيهما أحمر صغير يقع شمال أحد، ويحدان حرم المدينة جنوباً وشمالا" (13).

وعلى هذا فيدخل جبل أحد في حدود حرم المدينة المنورة.

يقول صاحب (14) حسن التوسل في آداب زيارة أفضل الرسل عند تحديده حرم المدينة: "وحرمها من عير بفتح العين المهملة إلى ثور طولا، وثور جبل صغير خلف أحد وعرضا ما بين لابتيها، واللابتان الحرتان السود" (15).

وخلاصة القول أن حرم المدينة المنورة تحده من الشرق الواقم ومن الغرب الوبرة ومن الجنوب جبل يسمى عيراً ومن الشمال جبل يسمى ثور وهو غير ثور الذي بمكة على الأصح خلافاً لمن نفى ذلك عن المدينة كأبي عبيد القاسم بن سلام ومن تبعه في ذلك كالزمخشري حيث قال: "هما جبلان بالمدينة وقيل لا يعرف بالمدينة جبل يسمى ثوراً وإنما ثور بمكة ولعل الحديث ما بين عير إلى أحد" (16).

وهذا وهم منهم كما جزم غير واحد من العلماء.

يقول الفيروزآبادي: "ثور جبل بالمدينة ومنه الحديث الصحيح:
"المدينة حرم ما بين عير إلى ثور" (17)، وأمّا قول أبي عبيد القاسم بن سلام وغيره من أكابر الأعلام أنّ هذا تصحيف والصواب إلى أحد لأنّ ثوراً إنما هو بمكة فغير جيّد" (18).

هذا ما يتعلق بالفضائل المشتركة بين المسجد النبوي الشريف وبين المسجد الحرام أو المسجد الأقصى.

وأمّا الفضيلة الهامة التي يختص بها المسجد النبوي فهي الروضة التي بين بيته ومنبره صلى الله عليه وسلم حيث وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها روضة من رياض الجنة في الحديث الذي أخرجه الشيخان عن عبد الله بن زيد المازني أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة" (19).

وفي رواية: "ما بين قبري ومنبري" (20).

والرواية الثانية: لا تصح وإنما هي رواية بالمعنى كما جزم ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية بعد ذكره هذا الحديث حيث قال: "هذا هو الثابت الصحيح ولكنّ بعضهم رووه بالمعنى فقال: "قبري" وهو صلى الله عليه وسلم حين قال هذا القول لم يكن قد قبر -صلى الله عليه وسلم-.

ولهذا لم يحتج بهذا أحد من الصحابة حينما تنازعوا في موضع دفنه، ولو كان هذا عندهم لكان نصاً في محل النزاع ولكن دفن في حجرة عائشة في الموضع الذي مات فيه بأبي وأمي -صلوات الله وسلامه عليه" (21).

وعلى هذا لا نحتاج إلى تكلف في الجمع بين الروايتين كما فعل الطحاوي في مشكل الآثار بل وعده من علامات النبوة قائلاً: "في هذا الحديث معنى يجب أن يوقف عليه وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة" (22).

على أكثر ما في هذه الآثار وعلى ما في سواه منها: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة" (23) فكان تصحيحها يجب به أن يكون بيته هو قبره وكون ذلك علامة من علامات النبوة جليلة المقدار لأنّ الله -عز وجل- قد أخفى على كل نفس سواه الأرض التي يموت بها لقوله عز وجل: ((وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ)) [لقمان: 34] فأعلمه الموضع الذي يموت فيه والموضع الذي فيه قبره حتى علم بذلك في حياته وحتى أعلمه من أعلمه من أمته فهذه منزلة لا منزلة فوقها زادها الله شرفاً وخيراً" (24).

وخلاصة القول:
أن هذه الفضيلة ثابتة لا يشترك فيها غيره من المساجد ولكنّ العلماء اختلفوا في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "روضة من رياض الجنة" (25).

هل هذه البقعة بعينها من الجنة أم أن العمل فيها يؤدي إلى دخول الجنة؟.

يقول القاضي عياض -رحمه الله تعالى-: "قوله: "روضة من رياض الجنة" (26) يحتمل معنيين:
أحدهما: أنه موجب لذلك وأنَّ الدعاء والصلاة فيه يستحق ذلك من الثواب.
الثاني: أنّ تلك البقعة قد ينقلها الله فتكون في الجنة بعينها" (27).

والمعنى الأول هو الأولى وهو المعنى الذي أيده ابن حزم وذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني. يقول ابن حزم -رحمه الله-: "وهذا الحديث ليس على ما يظنه أهل الجهل من أنّ تلك الروضة قطعة منقطعة من الجنة، هذا كذب وباطل لأنّ الله يقول في الجنة: ((إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى)) [طه:118-119]، فهذه صفة الجنة بلا شك، وليست هذه صفة الروضة، ورسول الله لا يقول إلا الحق، فصح أن تكون تلك الروضة من الجنة إنما هو لفضلها وأن الصلاة فيها تؤدي إلى الجنة"(28).

ويقول الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "إنه كروضة من رياض الجنة في نزول الرحمة وحصول السعادة بما يحصل من ملازمة حلق الذكر، لا سيما في عهده صلى الله عليه وسلم فيكون تشبيهاً بغير أداة، أو المعنى أن العبادة فيه تؤدي إلى الجنة فيكون مجازاً" (29).



الباب الثالث البدع الملحقة بالأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

الباب الثالث البدع الملحقة بالأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثالث البدع الملحقة بالأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم   الباب الثالث البدع الملحقة بالأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم Emptyالثلاثاء 19 سبتمبر - 22:24


المبحث الثاني: ما يفعله الجهال من البدع في مسجده صلى الله عليه وسلم:
كثير من الناس يفعلون أموراً منكرة لا أساس لها من الدين عند زيارتهم المسجد النبوي الشريف وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ويحتجون على أعمالهم تلك بالاستحسان العقلي أو بأدلة واهية باطلة.

وفي هذا المبحث سنذكر -بمشيئة الله تعالى- أهم تلك البدع التي تقع في مسجده صلى الله عليه وسلم مبينين بدعيتها تذكيراً لهؤلاء الجهال ومن في حكمهم حتى لا يقعوا فيها بعد البيان ولإقامة الحجة عليهم أمام الله تعالى: ((لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ)) [الأنفال:42].

من تلك البدع التزام الزوار الإقامة في المدينة المنورة أسبوعاً أو ثمانية أيام حتى يتمكنوا من الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم أربعين صلاة لكي يكتب لهم البراءة من النار والنجاة من العذاب والبراءة من النفاق محتجين بالحديث الآتي:
قال الإمام أحمد: حدثنا الحكم بن موسى حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال عن نبيط بن عمرو عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى في مسجدي أربعين صلاة لا يفوته صلاة كتبت به براءة من النار ونجاة من النار وبرئ من النفاق" (30).

واستدلالهم بهذا الحديث مأخوذ من ظاهره فهو يفيد أن من صلى أربعين صلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يبرأ من النار والنفاق ونجا منهما، وهم بهذا الحديث يتمسكون ببدعتهم هذه، وهذا استدلال صحيح لو كان الحديث مما يحتج به.

وقد تكلم العلماء عن هذا الحديث حيث قال العلماء القدماء في صحته ما يلي:
قال المنذري: "رواه أحمد ورواته رواة الصحيح والطبراني في الأوسط وهو عند الترمذي بغير هذا اللفظ"(31).

وقال الهيثمي: "روى الترمذي بعضه، ورواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجاله ثقات" (32).

هذه أقوال العلماء القدماء في هذا الحديث ولكن محمد ناصر الدين الألباني قد ضعّف هذا الحديث بسبب وجود راو مجهول في سنده وهو نبيط بن عمرو: قال الألباني: "وهذا سند -أي سند هذا الحديث الذي نحن بصدده- ضعيف، نبيط هذا لا يعرف إلا في هذا الحديث، وقد ذكره ابن حبان في الثقات على قاعدته توثيق المجهولين، وهو عمدة الهيثمي في قوله في المجمع 4/8: رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجاله ثقات وأمّا قول المنذري في الترغيب (2/136) رواه أحمد ورواته رواة الصحيح والطبراني في الأوسط فوهم واضح لأن نبيط هذا ليس من رواة الصحيح ولا روى له أحد من بقية الستة" (33).

وقد تتبعت نبيط هذا في كتاب الجرح والتعديل وكتب التراجم الأخرى فلم أجد من ترجم له إلا ابن حبان في الثقات (34) والحافظ ابن حجر العسقلاني في تعجيل المنفعة (35) الذي اكتفى بقوله: ذكره ابن حبان في الثقات.

وعلى هذا نقول: إن سند هذا الحديث ضعيف لوجود راوٍ مجهول كما بينا وهو نبيط بن عمرو، ومن ثم لا يمكن الاحتجاج به في هذا المقام.

وإذا كان كذلك فيكون التزام الزوار الإقامة في المدينة بثمانية أيام بدعة لغرض الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم أربعين صلاة حتى يبرأوا من النفاق ومن العذاب.

والبدعة تأتي من ناحية تحديد الأيام وعدد الصلوات ومن ناحية الثواب المترتب على ذلك لا من ناحية مجرد الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم بل ثبت أن ثواب الصلاة فيه يضاعف كما بينا في المبحث السابق عند حديثنا عن الفضائل الثابتة لمسجده صلى الله عليه وسلم.

ومن تلك البدع الخروج من المسجد النبوي الشريف القهقرى تأدباً معه وتوقيراً له وإيماناً منهم أنّ الخروج العادي يترتب عليه الإدبار عن المسجد وهو سوء أدب عندهم حسب عقولهم بينما هذا سوء أدب لأن هذا الفعل غير مشروع ولأنه يترتب عليه أن يفعلوا هذا الفعل مع شيوخهم وكبرائهم سواء كانوا أحياء أو أمواتاً، ولأن الشرع لا يثبت بالرأي ولا باستحسان المستحسنين.

ولله در الإمام علي -رضي الله عنه- حيث قال: "لو كان الدين بالرأي لمسح أسفل القدم أولى من ظهرها" (36).

يقول ابن الحاج في هذا المقام: "وليحذر ما يفعله بعضهم من هذه البدعة وهو أنّهم إذا خرجوا من مكة يخرجون من المسجد القهقرى وكذلك يفعلون في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم حين وداعهم له -عليه الصلاة والسلام- ويزعمون أن ذلك من باب الأدب.

وذلك من البدع المكروهة التي لا أصل لها في الشرع الشريف ولم يفعلها أحد من السلف -رضي الله عنهم- وهم أشد الناس حرصاً على اتباع سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ثم أدت هذه البدعة التي أحدثوها وعللوها إلى أن صاروا يفعلونها مع مشائخهم ومع كبرائهم وعند المقابر التي يحترمونها ويعظمون أهلها ويزعمون أن ذلك من باب الأدب" (37).

ومن تلك البدع رفع الصوت بالصلاة والسلام في المسجد النبوي الشريف لأن ذلك يؤدي إلى سوء الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع المسجد وإن كان هذا الحكم يتعدى إلى غيره من المساجد إلا أنه يتأكد في هذا المسجد لمكانته عند الله وعند المسلمين.

وقد كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يمنع أن يرفع الأصوات في المسجد النبوي الشريف بل كان يتوعد على من يفعل ذلك بالعقاب الشديد.

والدليل على ذلك ما أخرجه البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه عن السائب بن يزيد قال: "كنت قائماً في المسجد فحصبني رجل فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب فقال: اذهب فأتني بهذين فجئته بهما قال: من أنتما أو من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم" (38).

هذا الحديث يدل على أن رفع الصوت ممنوع في مسجده صلى الله عليه وسلم لأنّ ذلك ينافي الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم ويدخل في عموم النهي عن رفع الصوت فوق صوته والجهر له في قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ)) [الحجرات:2].

ومنها أكل التمر الصيحاني في الروضة الشريفة (39) تبركاً بها لزعمهم أنّه صاح بالنبي صلى الله عليه وسلم.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما التمر الصيحاني فلا فضيلة فيه بل غيره من التمر البرني والعجوة خير منه والأحاديث إنما جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك كما جاء في الصحيح: "من تصبح كل يوم بسبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر" (40).

ولم يجئ عنه في الصيحاني شيء، وقول بعض الناس أنّه صاح بالنبي صلى الله عليه وسلم جهل منه، بل إنما سمي بذلك ليبسه فإنه يقال تصوح التمر إذا يبس" (41).

ومن ذلك وقوف بعضهم أمام القبر بغاية الخشوع واضعاً يمينه على يساره كما يفعل في الصلاة.

ومنها استقبال القبر للدعاء عنده رجاء الإجابة (42).

ومنها قصد الصلاة تجاه القبر (43).

ومنها زيارة قبره صلى الله عليه وسلم قبل الصلاة في مسجده.

ومنها تخصيص ليلة سبع وعشرين من رمضان بموعظة التي يلقيها إمام المسجد النبوي للاعتقاد أنها ليلة القدر.

ومنها قراة دعاء ختم القرآن في آخر ليلة من رمضان جماعة.

ومنها الأذان الأول في يوم الجمعة في المسجد النبوي قبل صعود الإمام على المنبر بزمن يسير جداً لأن عثمان بن عفان رضي الله عنه فعل ذلك قبل الأذان الثاني بزمن كاف لاستعداد أهل البلد لحضور الخطبة.

وهذه مجمل البدع التي تفعل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جهل أو استحسان من بعض الناس حسب ما تسول لهم أنفسهم دون الرجوع إلى الكتاب والسُّنَّة.

وما ذكرنا من البدع في هذا المبحث يعتبر نموذجاً لما يفعل في المسجد النبوي وليس للحصر لأن المقام لا يتسع لأكثر من ذلك.

-----------------------------------------------
1.    صحيح البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة (1/206) واللفظ للبخاري. وصحيح مسلم، كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد (2/1014).
2.    اقتضاء الصراط المستقيم (430).
3.    صحيح البخاري في أبواب التطوع، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة (1/206) واللفظ للبخاري. وصحيح مسلم في كتاب الحج، باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة (2/1012).
4.    صحيح مسلم بشرح النووي (9/163).
5.    المحلى (7/284).
6.    مسند أحمد (4/5).
7.    المحلى (7/290).
8.    صحيح مسلم بشرح النووي (9/164).
9.    عضاة: كل شجر عظيم له شوك. انظر النهاية في غريب الحديث (3/255).
10.    صحيح مسلم في كتاب الحج، باب فضل المدينة (2/992).
11.    صحيح مسلم كتاب الحج، باب فضل المدينة (2/995).
12.    في منزل الوحي (ص:582).
13.    آثار المدينة (209).
14.    تقدمت ترجمته في (ص:204).
15.    حسن التوسل في آداب زيارة أفضل الرسل (ص:223).
16.    الفائق (3/429).
17.    مسلم في كتاب الحج باب فضل المدينة (2/995).
18.    القاموس المحيط مادة ثور (1/398).
19.    صحيح البخاري أبواب التطوع فضل ما بين القبر والمنبر ص (1/207).
20.    صحيح مسلم في كتاب الحج باب ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة (2/1010).
21.    القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة (ص:74).
22.    مشكل الآثار (4/72).
23.    تقدم تخرمجه في الصفحة السابقة.
24.    مشكل الآثار: (4/72).
25.    جزء من الحديث المتفق عليه الذي تقدم تخريجه في الصفحة السابقة.
26.    جزء من الحديث المتفق عليه الذي تقدم تخريجه في الصفحة السابقة.
27.    الشفا (2/683).
28.    المحلى: (7/283-285) مع التصرف.
29.    فتح الباري: (4/100).
30.    المسند: (3/155).
31.    الترغيب والترهيب: (2/136).
32.    مجمع الزوائد: (44/8).
33.    سلسلة الأحاديث الضعيفة م (1/366).
34.    انظر الثقات: (5/483).
35.    تعجيل المنفعة: (421).
36.    رواه الدارمي في سننه (1/181) بلفظ: لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت لرأيت أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما.
37.    المدخل: (4/238).
38.    صحيح البخاري، كتاب الصلاة، باب رفع الصوت في المساجد (1/93).
39.    الباعث على إنكار البدع (ص:70).
40.    صحيح البخاري، كتاب الأطعمة، باب العجوة (3/301). وصحيح مسلم، كتاب الأشربة، باب فضل تمر المدينة (3/1618)، واللفظ للبخاري.
41.    مجموعة الرسائل الكبرى: (2/413).
42.    المصدر السابق: (2/390).
43.    حجة النبي صلى الله عليه وسلم للألباني (ص:140).



الباب الثالث البدع الملحقة بالأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

الباب الثالث البدع الملحقة بالأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثالث البدع الملحقة بالأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم   الباب الثالث البدع الملحقة بالأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم Emptyالثلاثاء 19 سبتمبر - 22:28

الفصل الرابع
البدع الملحقة بزيارة قبره صلى الله عليه وسلم
قبر النبي صلى الله عليه وسلم ملحق بمسجده الشريف وزيارة القبر سُنَّةٌ مشروعة لِمَنْ كان في المدينة وضواحيها كزيارة سائر القبور للاتعاظ والعبرة والدعاء للميت وتذكر ما كان وما سيكون بإذن الله تعالى.

وقد ألحق أهل البدع مخترعات لا أصل لها وهم يزورون قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ظانين أن ذلك حب له -عليه الصلاة والسلام- وتعظيم وتوقير مثل التبرك والتمسح بقبره والدعاء عنده معتقدين أن ذلك أولى من الدعاء في المساجد.

ونتحدث في هذا الفصل عن البدع الملحقة بزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وسوف يأتي هذا الفصل مكوناً من المباحث التالية:
المبحث الأول: بيان معنى الزيارة وأنواعها وحدود مشروعيتها.
المبحث الثاني: حكم السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم.

المبحث الأول: الزيارة أنواعها وأغراضها:
الزيارة في اللغة: القصد وهي مصدر زار.
يقول صاحب مصباح المنير: زار يزور زيارة وزورا قصده.. والمزار يكون مصدراً وموضع الزيارة، هذا في اللغة، وأمّا الزيارة في العرف: فهي قصد المزور إكراماً له واستئناساً به (1).

يقول الخفاجي: والزيارة تختص بمجيء بعض الأحياء لبعض مودة ومحبة، هذا أصل معناها لغة واستعمالها في القبر للأموات لإعطائهم حكم الأحياء وصار حقيقة عرفية لشيوعها فيها (2).

وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: ((أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ)) [التكاثر: 1-2].

ومعناها أدرككم الموت وأنتم على تلك الحال من التفاخر وعبر عن موتهم بزيارة المقابر لأن الميت قد صار إلى قبره كما يصير الزائر إلى الموضع الذي يزوره (3) ويقول ابن كثير في تفسيره: "والصحيح أنّ المراد بقوله: (زُزتُم المَقَابِرَ) أي صرتم إليها ودفنتم" (4) ثم استشهد عما جاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أعرابي يعوده قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل على مريض يعوده قال له: "لا بأس طهور إن شاء الله" قال: قلت: طهور كلا بل هي حمى تفور وتثور على شيخ كبير تزيره القبور، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فنعم إذاً" (5).

وعلى ذلك فمعنى الزيارة اصطلاحاً هو الانتقال من مكان إلى مكان آخر لغرض ما وغالباً تضاف إلى القبور فيكون معناها إتيان القبور لغرض السلام على الأموات والدعاء لهم والاتعاظ بهم.

أنواع الزيارة: تتنوع الزيارة إلى نوعين وهما:
النوع الأول: هو زيارة الأحياء للأموات.
النوع الثاني: زيارة الأحياء بعضهم لبعض مودة ومحبة وعبادة.

أما النوع الأول وهو زيارة الأحياء للأموات فتنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- زيارة شرعية
2- زيارة بدعية
3- زيارة شركية.

وبيانها كالآتي:
1- الزيارة الشرعية: وهي التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة بها بعد أن نهى عنها كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها" (6).

وقد شرعت هذه الزيارة للرجال اتفاقاً لأجل حكم سامية وأغراض نافعة تعود المزور وللزائر معاً كما دلت عليه السُّنَّة النبوية إذ أنها بالنسبة للميت تكون بمنزلة الصلاة عليه حيث يقال فيها من جنس ما يقال في الصلاة عليه من الدعاء والترحم والاستغفار وبالنسبة للزائر تكون عظة وعبرة وتذكرة للآخرة.

وسوف أجمل الأغراض التي من أجلها شرعت الزيارة فيما يلي:
أولاً- الاتعاظ والاعتبار بمعنى أن يتذكر الزائر أن مصيره الموت مثل المزور فيتدارك أمره كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "...فزوروا القبور فإنها تذكر الموت..." (7).

وهذا لا فرق بين قبر فيه كافر وبين قبر فيه مسلم؛ لأن الاعتبار والاتعاظ يحصل بالميت المقبور سواء كان كافراً أم مسلماً بدليل قوله -صلى الله عليه وسلم-: ".... واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي".

أي قبر أمه -صلى الله عليه وسلم- بينما لم يؤذن له أن يستغفر لها لأنها ماتت على الشرك في أيام الجاهلية.

والاستغفار لأهل الشرك ممنوع بقوله تعالى: ((مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)) [التوبة: 113].

ثانياً - الدعاء للأموات والسلام عليهم عسى اللهُ أن يقبل لهم ذلك فينتفعوا به، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم عند زيارته مقابر البقيع حيث كان يقول: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين... اللهم اغفر لأهل البقيع الغرقد (8) (9).

وهذا الغرض خاص بمقابر المسلمين عابدهم وعاصيهم لأن كلاً منهم ينتفع بذلك الدعاء والسلام.

2- الزيارة البدعية: وهي التي لا يقتصر فاعلها على أداء ما هو مشروع بل يضيف إليها أموراً منكرة في الشريعة الإسلامية دون أن يترتب عليها أمور شركية.

ونذكر هنا أهمها أو أكثرها شيوعاً في هذا العصر.

من تلك الزيارة البدعية التبرك والتمسح بالقبر سواء كان المقبور نبياً أو ولياً أو غير ذلك لعدم ورود ما يدل على ذلك من الشارع.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في هذا المقام: (وقد اتفق العلماء على ما مضت به السُّنَّة من أنه لا يشرع الاستلام والتقبيل بمقام إبراهيم الذي ذكره الله تعالى في القرآن وقال: ((وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى)) [البقرة: 125].

 فإذا كان هذا بالسُّنَّة المتواترة وباتفاق الأئمة لا يشرع تقبيله بالفم ولا مسحه باليد فغيره من مقامات الأنبياء وغيرهم أولى أن لا يشرع تقبيلها بالفم ولا مسحها باليد (10).

ومن الزيارة البدعية: السفر إلى القبور لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى" (11).

وزيارة القبور ليست من الأماكن التي شرع السفر إليها قربة لخروجها من منطوق الحديث الذي نحن بصدده.

ومنها الدعاء عند القبر أو القبور رجاء الإجابة لعدم ورود ما يدل على ذلك كما ذكر الشيخ محمد بشير السهسواني: "إن ظن أحد أن الدعاء عند القبر مستجاب وأنه أفضل من الدعاء في المسجد فيقصد زيارته والصلاة عنده لأجل طلب حوائجه. فهو من المنكرات المبتدعة باتفاق المسلمين وهي محرمة وما علمت في ذلك نزاعاً بين أئمة الدين وإن كان كثيراً من المتأخرين يفعل ذلك ويقول بعضهم قبر فلان ترياق مجرب" (12).

ومنها القراءة عند القبور سواء كان المقروء قرآناً أو غيره لعدم ورود ما يدل على ذلك.

ويؤيد هذا ما أورده نعمان بن المفسر الألوسي في كتابه الآيات البينات في عدم سماع الأموات حيث ذكر أن القراءة على القبر ذات خلاف، وقال الإمام يعني أبا حنيفة: تكره لأن أهلها جيفة ولم يصح فيها شيء عنده (13).

ويقول الألباني في تعليقه على هذا القول: "وهذا التعليل الثاني هو المعتمد" (14).

وأمَّا ما ورد في هذا المقام من الأحاديث مثل حديث: "من دخل المقابر فقرأ سورة "يس" خفف الله عنهم يومئذ وكان له بعدد ما فيها حسنات" فموضوع وكذلك حديث: "من مر بالمقابر فقرأ: (قل هو الله أحد) أحد عشر مرة" (15).

وهذه الأمور التي ذكرناها هنا تعتبر ذريعة إلى الشرك أو تفضي إليه في المآل كما هو مشاهد في وقتنا الحاضر.

ويؤيد هذا بما أورده محمد بشير السهسواني في كتابه صيانة الإنسان حيث أن الشيطان له تلطف في الدعوة فيدعوه أولاً إلى الدعاء عنده فيدعو العبد عنده بحرقة وانكسار وذلة فيجيب الله دعوته لما قام بقلبه لا لأجل القبر فيظن الجاهل أن للقبر تأثيراً، فإذا وقع ما يريده الشيطان من الإنسان من استحسان الدعاء عند القبور وأنه أرجح من دعائه في بيته ومسجده نقله درجة أخرى من الدعاء عنده إلى الدعاء به والإقسام على الله به وهذا أعظم من الذي قبله (16).

3- الزيارة الشركية: وهي التي يترتب عنها الإشراك بالله وهي كثيرة ولها صور مختلفة ومن أهمها:
الذبح للمقبور لدخول ذلك في معنى ما أهل لغير الله تعالى.

يقول الشوكاني -رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ((وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ)) [البقرة: 173] ما ذكر عليه اسم غير الله كاللات والعزى إذا كان الذابح وثنياً والنار إذا كان الذابح مجوسياً... لا خلاف في تحريم هذا وأمثاله، ومثله ما يقع من المعتقدين للأموات من الذبح على قبورهم، فإنه مما أهل لغير الله ولا فرق بينه وبين الذبح للوثن" (17).

ومن السُّنَّة ما يؤيد هذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله من لعن والديه ولعن الله من ذبح لغير الله......" (18).

يقول النووي -رحمه الله تعالى- عند شرحه هذا الحديث: "وأما الذبح لغير الله فالمراد به أن يذبح باسم غير الله تعالى كمن ذبح للصنم أو الصليب أو لموسى أو لعيسى -صلى الله عليهما- أو للكعبة ونحو ذلك فكل هذا حرام ولا تحل هذه الذبيحة سواء كان الذابح مسلماً أو نصرانياً أو يهودياً كما نص عليه الشافعي واتفق عليه أصحابنا فإن قصد مع ذلك تعظيم المذبوح له غير الله تعالى والعبادة له كان ذلك كفراً. فإن كان الذابح مسلماً قبل ذلك صار بالذبح مرتداً" (19).

ومن الزيارة الشركية دعاء الأموات وسؤال المقبور تفريج الكربات مما لا يقدر عليه الأحياء من البشر فضلاً عن الأموات لأن سؤال المحلوف لا بد أن تجتمع فيه ثلاثة شروط:
1- القدرة على التصرف بمعنى أن يكون المدعو قادراً على التصرف فيعطي ويمنع. فالعاجز عن التصرف لا ينفع نفسه فضلاً عن أن ينفع غيره.
2- السمع أي بأن يكون المدعو سامعاً للنداء ومدركاً للخطاب.
3- الملك أي بأن يكون المدعو مالكاً لما يطلبه السائل إذ أن فاقد الشيء لا يعطيه. وشرط واحد من تلك الشروط لا ينطبق على الأموات كما ترى.

يقول الألوسي -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: ((دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)) [يونس: 22]، فالآية دالة على أن المشركين لا يدعون غيره في تلك الحال، وأنت خبير بأن الناس اليوم إذا اعتراهم أمر خطير وخطب جسيم في بر أو بحر، دعوا من لا يضر ولا ينفع ولا يرى ولا يسمع، فمنهم من يدعو الخضر وإلياس ومنهم من يتضرع إلى شيخ من مشائخ الأمة ولا ترى أحداً منهم يخص مولاه بتضرعه ودعاه، ولا يكاد يمر له ببال، أنه لو دعا الله تعالى وحده ينجو من هاتيك الأهوال فبالله عليك قل لي أي الفريقين من هذه الحيثية أهدى سبيلاً، وأي الداعيين أقوم فيه وإلى الله المشتكى من زمن عصفت فيه ريح الجهالة وتلاطمت أمواج الضلالة وخرقت سفينة الشريعة واتخذت الاستعانة بغير الله للنجاة ذريعة وتعذر على العارفين الأمر بالمعروف وحالت دون النهي عن المنكر صنوف الحتوف" (20).

ولذلك أقول: إن مشركي هذا الزمان يفوقون مشركي العرب زمن البعثة بأمرين:
1- أن مشركي العرب في زمن البعثة كانوا يخلصون الدعاء لله سبحانه وتعالى في وقت الشدة وإنما يشركون في زمن الرخاء كما دلت عليه الآية السابقة بينما مشركو هذا الزمان يدعون غير الله في وقت الشدة وفي وقت الرخاء كما هو معلوم.

2- إن مشركي العرب في زمن البعثة كانوا يدعون الملائكة والصالحين والحجر الذي لا ذنب له وأما مشركي هذا الزمان فهم يدعون أناساً ماتوا ولم يكونوا صالحين بل فيهم من يجهر بالفسق ومن لا يصلي أبداً.

ومما يدخل في هذا المعنى أي دعاء الأموات الاستغاثة والاستعانة بهم كما يدل عليه قول الألوسي السابق لأن الاستغاثة فيها طلب وسؤال المقبور وكذلك الاستعانة.

وعلى هذا فعلى المسلم أن يقتصر في مجال الزيارة على ما هو مشروع فقط دون الإضافات البدعية والشركية التي لم يأذن بها الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم.

وأما النوع الثاني: وهو زيارة الأحياء بعضهم البعض مودة ومحبة وعيادة فمشروعة أيضاً إذا لم تصحبها أغراض فاسدة لورود أحاديث ثابتة تدل على ذلك: من ذلك ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أنس قال: "قال أبو بكر -رضي الله عنه- بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، فلما انتهينا إليها بكت فقالا لها: ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ما أبكي أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها" (21).

ومنها ما أخرجه الإمام مسلم أيضاً في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى فأرصده الله له على مدرجته ملكاً فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تربها؟ (22) قال: لا غير أني أحببته في الله عز وجل، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك لما أحببته فيه" (23).

ومن ذلك ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عن أنس -رضي الله عنه- أنّ غلاماً ليهود كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم- يعيده، فقال: أسلم تسلم" (24).

يتبين لنا من هذه الأحاديث أن زيارة الأحياء بعضهم لبعض مشروعة أيضاً وأن الغرض منها أمران: الأول: محبة الزائر للمزور ومودته كما يدل عليه حديث أبي هريرة الآنف الذكر.

وهذا الغرض يخص المسلمين لأنهم وحدهم هم الذين يحبون في الله عز وجل، وأما غيرهم فيحبون لأغراض دنيوية بحتة، وأما في الآخرة فبينهم عداوة كما يدل عليه قوله تعالى: ((الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ)) [الزخرف: 67].

الثاني: عيادة المريض سواء كان مسلماً أو كافراً كما يدل عليه حديث أنس السابق.

وهذا الغرض يعم المسلم والكافر كما يدل عليه منطوق ذلك الحديث.

هذه هي الأغراض المشروعة لزيارة الأحياء بعضهم لبعض التي لا يجوز غيرها مثل الطلب منهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات والاستعانة بهم وغيرها من الأمور الأخرى التي ذكرناها سابقاً عند كلامنا عن زيارة القبور وأغراضها إلا ما كان في مقدور البشر عقلاً وشرعاً لأن الأحياء لهم نوع من السمع ونوع من الملك ونوع من القدرة.

وبهذا تنطبق عليهم الشروط الثلاثة التي تبيح سؤال المخلوق بشرط أن يكون ذلك في حدود الشرع وفي مقدور البشر لا أن يسند إليهم أو يسألهم ما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى مثل جلب المنفعة وسد المضرة بدون أخذ الأسباب فيترتب عليه الشرك والعياذ بالله.



الباب الثالث البدع الملحقة بالأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

الباب الثالث البدع الملحقة بالأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثالث البدع الملحقة بالأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم   الباب الثالث البدع الملحقة بالأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم Emptyالثلاثاء 19 سبتمبر - 22:30

المبحث الثاني: حكم السفر إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم:
ذكرنا في المبحث السابق أن زيارة القبور مشروعة عموماً إذا لم تصحبها أمور مشروعة سواء كانت الزيارة إلى قبر نبي أو أتباعه وغيرهم كالكفار، وأمّا في هذا المبحث فسوف نتكلم فيه عن حكم السفر إلى المزارات وخاصة السفر لزيارة قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من باب التنبيه بالأعلى على الأدنى بمعنى إذا منعنا من السفر لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم فمن باب أولى نمنع من السفر إلى زيارة قبر من دونه مهما كانت رتبته.

وقد اختلف العلماء في حكم السفر إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فمنهم من يقول بجواز ذلك بل يجعلونه من الأمور المستحبة، ومنهم من يقول بعدم جوازه ويعدونه من الأمور المحرمة. ولكل من الفريقين أدلتهم: أولاً: القائلون بالجواز: هذا الفريق استدل بأدلة من الكتاب والسُّنَّة: أما أدلة الكتاب فقوله تعالى: ((وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً)) [النساء: 64].

ووجه الاستدلال بهذه الآية كما يقول السبكي: "دلت الآية على الحث على المجيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم والاستغفار عنده واستغفاره لهم وذلك وإن ورد في حال الحياة فهي رتبة له صلى الله عليه وسلم لا تنقطع بموته تعظيماً له" (25).

ويقول أيضاً: "والمجيء صادق على المجيء من قرب ومن بعد بسفر وغير سفر ولا يقال (إن جاءوك) مطلق والمطلق لا دلالة له على كل فرد وإن كان صالحاً لها لأنّا نقول هو في سياق الشرط فيعم، فمن حصل منه الوصف المذكور وجد الله تواباً رحيماً" (26).

وأما من السُّنَّة -فقد ذكروا أدلة كثيرة نذكر منها ما هو نص في هذا الموضوع: أولاً: ما أخرجه الدارقطني بسنده قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز أنبأنا أبو الربيع بن أبي داود عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي" (27).

ثانياً: ما أخرجه ابن عدي في الكامل قال: حدثنا علي بن إسحاق حدثنا محمد بن النعمان بن شبل حدثني مالك عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني" (28).

هذان الحديثان اللذان أوردناهما في هذا المقام هما نصان في الموضوع الذي نحن بصدده ولم أجد غيرهما من الأحاديث ما يكون نصاً في الموضوع وإنما هناك أحاديث أخرى تدل على مطلق زيارة النبي صلى الله عليه وسلم.

ولا نتكلم في هذا المكان إلا على ما يكون نصاً في الموضوع.

وهذان الحديثان يحتاجان إلى النظر فيهما من ناحية السند صحة وضعفاً لكي تتبين حجيتهما فيما استدل له بهما ولكن قبل أن نتطرق إلى ذلك نذكر أدلة القائلين بالمنع ثم نناقش أدلة الفريقين معاً.

ثانياً: أدلة القائلين بالمنع: هذا الفريق استدل بالأدلة التالية:
 (أ) ما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشد الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد. المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومسجد الأقصى" (29).

 (ب) ما أخرجه الإمام مالك بسنده عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّه قال: لقيت بصرة (30) بن أبي بصرة الغفاري فقال: من أين أقبلت؟ فقلت: من الطور. فقال: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت.

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تعمل المطي إلاّ إلى ثلاثة مساجد: إلى المسجد الحرام وإلى مسجدي هذا وإلى مسجد إيليا أو بيت المقدس يشك" (31).

ووجه الاستدلال بهذين الحديثين من وجهة نظر هذا الفريق هو أن الشارع قد نهى عن السفر إلى أي مكان للعبادة غير المساجد الثلاثة المستثناة في أسلوب حصر بمعنى أن السفر إلى أي مكان للعبادة محصور في المساجد الثلاثة. وعلى هذا فالسفر إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدخل في النهي العام لعدم ورود ما يخرجه عن ذلك ولأنّ الصحابة قد فهموا ذلك كما يدل عليه قول أبي بصرة الغفاري في الحديث الثاني ومن ثم يعدون ذلك أنّه من البدع المحرمة.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا المقام: "إذا كانت المساجد التي هي من بيوت الله التي أمر فيها بالصلوات الخمس قد نهى عن السفر إليها حتى مسجد قباء الذي يستحب لمن كان بالمدينة أن يذهب إليه لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنّه كان يأتي قباء كل سبت راكباً وماشياً" (32) إلى أن قال مؤكداً ذلك: وروى الترمذي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال من تطهر في بيته فأحسن الطهور ثم أتى مسجد قباء لا يريد إلاّ الصلاة فيه كان له كعمرة" (33)، وكذلك ينهى عن السفر إلى الطور المذكور في القرآن فمن باب أولى أن ينهى عن السفر إلى غيرها من الأمكنة" (34).

ويقول شيخ الإسلام -أيضاً- في مكان آخر: "قال بعض العلماء: قوله: "من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء.." تنبيه على أنه لا يشرع قصده بشد الرحال بل إنما يأتيه الرجل في بيته الذي يصلح أن يتطهر فيه ثم يأتيه فيقصده كما يقصد الرجل مسجد مصره دون المساجد التي يسافر إليها، وأمّا المساجد الثلاثة فقد اتفق العلماء على استحباب إتيانها للصلاة ونحوها" (35).

ويقول محيي الدين البركوي: "السفر إلى زيارة قبور الأنبياء بدعة لم يفعلها أحد من الصحابة والتابعين، ولا أمر بها رسول ربّ العالمين، ولا استحبها أحد من أئمة المسلمين، فمن اعتقد ذلك قربة. وطاعة فقد خالف السُّنَّة والإجماع ولو سافر إليها بذلك الاعتقاد يحرم بإجماع المسلمين فصار التحريم من جهة اتخاذه قربة، ومعلوم أن أحداً لا يسافر إليها إلاّ لذلك" (36).

ويقول ناصر الدين الألباني في هذا المقام: "المستثنى منه في هذا الحديث ليس هو المساجد فقط -كما يظن كثيرون- بل هو كل مكان يقصد للتقرب إلى الله فيه سواء كان مسجداً أو قبراً أو غير ذلك بدليل ما رواه أبو هريرة قال في حديث له: فلقيت بصرة (37) بن أبي بصرة الغفاري فقال: من أين أقبلت؟ فقلت: من الطور فقال: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد.. الحديث" (38).

فهدا دليل على أنّ الصحابة فهموا الحديث على عمومه ويؤيده أنه لم ينقل عن أحد منهم أنّه شد الرحل لزيارة قبر ما" (39).

هذه مجمل ما ورد في هذا الشأن من قبل الفريقين المجوزين السفر إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم والمانعين لها، ولكن هذه الأدلة تحتاج إلى مناقشة حتى يتبين الصواب من الخطأ ومن ثم يمكن لنا أن نرجح ما نراه صواباً أو أقرب إلى روح الشريعة الإسلامية السمحاء التي ختم الله -سبحانه وتعالى- بها كل الرسالات بواسطة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم دون تعصب إلى فئة من الفريقين.

مناقشة الأدلة: إذا نظرنا إلى الأدلة السابقة التي استدل بها كل فريق من الفريقين نجد أنّ كل فريق يستدل بأدلة تتناقض مع أدلة الفريق الآخر مع أنّ الحق في هذا الموضوع الذي نحن بصدده لا بد أن يكون بجانب فريق واحد لأنّ الحق لا يتعدد ولا يكون لصالح الفريقين المتناقضين في آن واحد لأنّ ذلك من المستحيلات.

نناقش أولاً أدلة القائلين بجواز السفر إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ونبدأ بالآية الكريمة التي استدلوا بها وهي قوله تعالى: ((وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً)) [النساء: 64].

قبل أن نصل إلى القول بأن الآية تصلح للاستدلال لما نحن بصدده أو عدم صلاحيتها نذكر أقوال المفسرين سلفاً وخلفاً ومعاصرين في تفسيرها ومن ثم يتبين صلاحيتها لما استدل بها له.

يقول أبو جعفر الطبري -رحمه الله-: يعني بذلك جل ثناؤه، ولو أنّ هؤلاء المنافقين الذين وصف صفتهم في هاتين الآيتين (40) الذي إذا دعوا إلى حكم الله وحكم رسوله صدوا صدوداً.

إذ ظلموا أنفسهم باكتسابهم إياها العظيم من الإثم في احتكامهم إلى الطاغوت وصدودهم عن كتاب الله وسنة رسوله إذا دعوا إليها... جاءوك تائبين منيبين، فسألوا الله أن يصفح لهم عن عقوبة ذنبهم بتغطيته عليهم وسأل الله رسوله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، وذلك هو معنى قوله: ((فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ)) [النساء: 64] وأمّا قوله: ((لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً)) [النساء: 64] يقول رجعاً لهم مما يكرهون إلى ما يحبون: (رحيماً) بهم في تركه عقوبتهم على ذنبهم الذي تابوا منه" (41).

ويقول ابن كثير -رحمه الله-: "يرشد تعالى العصاة المنيبين إذا وقع منهم الخطأ والعصيان أن يأتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيستغفروا الله عنده ويسألوه أن يستغفر لهم فإنهم إذا فعلوا ذلك تاب الله عليهم ورحمهم وغفر لهم ولهذا قال: ((لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً)) [النساء: 64].

ويقول ابن الجوزي -رحمه الله-: وقوله تعالى: ((وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ)) [النساء: 64] يرجع إلى المتحاكمين اللذين سبق ذكرهما. قال ابن عباس: ظلموا أنفسهم بسخطهم قضاء الرسول: ((جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ)) [النساء: 64] من صنيعهم" (42).

ويقول الشوكاني -رحمه الله-: "((ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ)) [النساء: 64] بترك طاعتك والتحاكم إلى غيرك ((جَاءُوكَ)) [النساء: 64] متوسلين إليك منتصلين عن جناياتهم ومخالفتهم (فاستغفروا الله) لذنوبهم وتضرعوا إليك حتى قمت شفيعاً فاستغفرت لهم" (43).

ويقول الشهيد سيد قطب -رحمه الله-: "... والذين يتناولهم هذا النص ابتداء كان لديهم فرصة استغفار الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد انقضت فرصتها، وبقي باب الله مفتوحاً لا يُغلق، وَوَعْدُهُ قائمٌ لا ينقضي، فمَنْ أراد فليقدم، ومن عزم فليتقدم" (44).

من هذه الأقوال التي ذكرناها في هذا المقام يتبين لنا أن المفسرين سلفاً وخلفاً، ومعاصرين فهموا أنّ الآية وردت في قوم معينين في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تتعدى إلى ما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لأنّ حياته البرزخية مخالفة تماماً لحياته في الدنيا ولا يأخذان حكماً واحداً (45).

يقول ناصر الدين الألباني: "... فحياة الأنبياء بعد الموت حياة برزخية، ولنبينا صلى الله عليه وسلم فيها من الخصائص ما ليس لغيره... ولكن لا يجوز التوسع في ذلك بالأقيسة والأهواء" (46).

وعلى هذا لا يمكن الاستدلال بها لما نحن بصدده، وكذلك لا يقال أنّ المجيء إلى قبر الرجل مثل المجيء إلى الرجل لا لغة ولا شرعاً ولا عرفاً.

يقول محمد بن بشير السهسواني في كتابه صيانة الإنسان: "والمجيء إلى قبر الرجل ليس من أفراد المجيء إلى الرجل لا لغة ولا شرعاً ولا عرفاً، فإن المجيء إلى الرجل ليس معناه إلا المجيء إلى عين الرجل، ولا يفهم منه أصلاً أمر زائد على هذا" (47).

وأما توبة الله ورحمته المذكورتان في الآية التي نحن بصددها فلا يمكن أن ينالهما أحد بعد موته صلى الله عليه وسلم، لأنّ محلهما وقت حياته صلى الله عليه وسلم كما يظهر من أقوال المفسرين السابقة الذكر.

يقول صاحب كتاب صيانة الإنسان: "فإن الأمور الموجبة لتوبة الله ورحمته هي المذكورة في الآية وإنما هي المجيء إليه صلى الله عليه وسلم في الحياة بعد الظلم واستغفارهم عنده في الحياة بعد الظلم، واستغفار الرسول صلى الله عليه وسلم لهم في الحياة بعد الظلم، وفي زيارة القبر لا يوجد واحد من هذا" (48).

وخلاصة القول أن هذه الآية لا يمكن أن يستدل بها للموضوع الذي نحن بصدده للأمور التي بيناها سابقاً لأنّ حكمها منحصر في حال حياته -صلى الله عليه وسلم- ولا يتعدى إلى ما بعد وفاته.

وإذا بطل استدلالهم بالآية الكريمة فلننظر إلى ما يستدلون به من السُّنَّة لنرى مدى صلاحيتها للاستدلال الذي ذهبوا إليه.

الحديث الأول: قال الدارقطني: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ثنا أبو الربيع ابن أبي داود عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي" (49).

ففي إسناد هذا الحديث راويان ضعيفان وهما حفص بن أبي داود ويقال حفص بن سليمان أبو عمر الأسدي الكوفي البزار القاري فقد جرحه غير واحد من أئمة الجرح والتعديل، ونذكر هنا طرفاً من أقوالهم تجاه هذا الشخص الذي نحن بصدده. قال البخاري -رحمه الله-: "تركوه" (50).

وقال أيضاً: "سكتوا عنه" (51).

وقال ابن حبان: "كان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل، وكان يأخذ كتب الناس فينسخها ويرويها من غير سماع" (52).

وقال أبو حاتم الرازي: "لا يكتب حديثه وهو ضعيف الحديث" (53).

وقال الذهبي: "ثبت في القراءة والحروف، واه في الحديث" (54).

وأما الشخص الثاني وهو ليث بن أبي سليم فقد ضعفه غير واحد من أئمة هذا الشأن.

ونذكر هنا طرفاً من أقوالهم تجاهه: قال الإمام أحمد بن حنبل: " ليث بن أبي سليم مضطرب الحديث" (55).

وقال النسائي: "ليث بن أبي سليم ضعيف" (56).

وقال ابن حبان: "اختلط في آخر عمره حتى كان لا يدري ما يحدث به فكان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل ويأتي عن الثقات بما ليس في أحاديثهم، كل ذلك كان منه في اختلاطه" (57).

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: "صدوق اختلط أخيراً ولم يتميز حديثه فترك" (58).

من هذه الأقوال يتبين لنا أن هذا الحديث ضعيف وآفته وجود شخصين ضعيفين في إسناده ومن ثم لا يمكن أن يحتج به في هذا المقام لخروجه من دائرة الاحتجاج.

الحديث الثاني: قال ابن عدي: حدثنا علي بن إسحاق ثنا محمد بن النعمان بن شبل حدثني جدي عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني" (59).

ففي إسناد هذا الحديث شخصان ضعيفان وهما النعمان بن شبل وحفيده محمد بن محمد بن النعمان بن شبل.

وأما الأول وهو النعمان بن شبل فقد جرحه غير واحد من أئمة هذا الشأن.

ونذكر هنا طرفاً من أقوالهم تجاه هذا الشخص:
قال ابن حبان: " يأتي عن الثقات بالطامات وعن الأثبات بالمقلوب" (60).

وقال ابن عدي: "لم أر في حديثه حديثاً قد جاوز الحد" (61).

وقال أيضاً: "ثنا صالح بن أحمد بن أبي مقاتل ثنا عمران بن موسى ثنا النعمان بن شبل وكان ثقة" (62).

وقال أيضاً: "سمعت إبراهيم بن محمد بن عيسى يقول: سمعت موسى بن هارون الحمال يقول: النعمان بن شبل البصري كان متهماً" (63).

وقال الذهبي في ترجمة محمد بن محمد بن النعمان بن شبل: "وأنا رأيت له عن جده النعمان بن شبل عن مالك، فما أعتقده لقي مالكاً" (64).

وأما الشخص الثاني وهو محمد بن محمد بن النعمان بن شبل فقد جرحه غير واحد من النقاد.

ونذكر هنا طرفاً من أقوالهم تجاهه: قال الذهبي: "روى عنه أبو روق الهزاني، قد طعن فيه الدارقطني واتهمه" (65).

وقال أيضاً: "شيخ أبي روق، طعن فيه الدارقطني واتهمه، وأنا فقد رأيت له عن جده عن مالك، فما أعتقد لقي مالكاً" (66).

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: "روى عنه أبو روق الهزاني وقد طعن فيه الدارقطني" (67).

وقال أيضاً: "متروك" (68) من هذه الأقوال التي أوردناها في هذا المقام يتبين لنا أن هذا الحديث ضعيف لوجود شخصين ضعيفين ومن ثم لا يمكن أن يستدل به لما نحن بصدده لخروجه من دائرة الاحتجاج. إضافة إلى ذلك أن ابن الجوزي قد أورد هذا الحديث في الموضوعات (69).

وخلاصة القول أنّ هذا الفريق ليس لهم أدلة صحيحة تدل على ما ذهبوا إليه من تجويز السفر إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم لا من الكتاب ولا من السُّنَّة كما يظهر من مناقشة أدلتهم بل لم يرد حديث صحيح في زيارة قبره لا من قريب ولا من بعيد كما نص عليه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- حيث قال: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث واحد في زيارة قبر مخصوص ولا روى أحد في ذلك شيئاً لا أهل الصحيح ولا السنن ولا الأئمة المصنفون في المسند كالإمام أحمد وغيره، وإنما روى ذلك من جمع الموضوع وغيره.

وأجلّ حديث روي في ذلك ما رواه الدارقطني وهو ضعيف باتفاق أهل العلم بل الأحاديث المروية في زيارة قبره صلى الله عليه وسلم مكذوبة وموضوعة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ في زيارة القبور مطلقاَ بعد أن كان قد نهى عنها" (70).

ولهذا نرجّح ما ذهب إليه الفريق الآخر من منع شد الرحال إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم لعدم مشروعيتها لا في الكتاب ولا في السُّنَّة بل أنها داخلة في عموم النهي عن شد الرحال إلى أي مكان للعبادة إلاّ المساجد الثلاثة مع أنّه لم يثبت ما يخصص ذلك العموم.

ولا يفهم من هذا أنّ زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم غير مشروعة كما يقول المرجفون وإنّما هي مشروعة لمن كان في المدينة وضواحيها وإن لم يرد بها نص صحيح بها خاصة لدخولها دخولاً أولياً في ترخيصه صلى الله عليه وسلم زيارة القبور مطلقاً بشرط أن لا يترتب عنها شد الرحال، وأما إن ترتب عنها شد الرحال فالأدلة الثابتة ناطقة بالمنع لأن الفاصل بين الزيارة الشرعية والزيارة البديلة هو شدّ الرحال إذا اقتصر على الفعل المشروع من دعاء للأموات والسلام عليهم والاستغفار لهم.
--------------------------------------------------
1.    مصباح المنير (1/279).
2.    نسيم الرياض في شرح الشفا (3/510-511).
3.    انظر تفسير فتح القدير للشوكاني (5/448).
4.    تفسير القرآن العظيم (4/545).
5.    انظر صحيح البخاري، كتاب المرضى، باب عيادة الأعراب (4/4).
6.    صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه -عز وجل- في زيارة قبر أمه (3/673).
7.    صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل في زيارة قبر أمه (2/671) كالذي قبله.
8.    الغرقد: هو ضرب من شجر العضاه وشجر الشوك. والغرقدة واحدة ومنه قيل لمقبرة أهل المدينة بقيع الغرقدة لأنه كان فيه غرقد وقطع. النهاية (3/362).
9.    صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب ما يقول عند دخول القبور والدعاء لأهلها (2/669).
10.    اقتضاء الصراط المستقيم: (427).
11.    أخرجة البخاري في صحيحه، في أبواب التطوع، باب فضل الصلاة في مسجدي مكة والمدينة (1/206).
12.    صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان: (204).
13.    انظر الآيات البينات في عدم سماع الأموات: (94).
14.    انظر الآيات البينات في عدم سماع الأموات: (94)، تعليقة رقم (3).
15.    المصدر السابق، (ص:93) تعليقة رقم (3).
16.    انظر صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان (ص:205).
17.    تفسير فتح القدير (1/170).
18.    صحيح مسلم، كتاب الأضاحي والذبائح، باب تحريم الذبح لغير الله ولعن فاعله (3/1562).
19.    شرح النووي على صحيح مسلم (13/141).
20.    روح المعالي (11/98).
21.    صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة، فضائل أم أيمن: (4/1907).
22.    تربها: أي تقوم بإصلاحها وتنهض إليه بسبب ذلك.
23.    صحيح مسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل الحب في الله (4/1988).
24.    صحيح البخاري، كتاب المرض، باب عيادة المشرك (4/4).
25.    شفاء السقام (ص:80-81).
26.    المرجع السابق (ص:100).
27.    سنن الدارقطني (2/278).
28.    الكامل لابن عدي (7/248).
29.    صحيح البخاري، أبواب التطوع، باب فضل الصلاة في مسجدي مكة والمدينة (1/206). وصحيح مسلم، كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد (2/1014) واللفظ للبخاري.
30.    الصحيح لقيت أبا بصرة الغفاري.
31.    الموطأ: (1/109).
32.    (1) صحيح البخاري، كتاب فضل الصلاة، باب من أتى مسجد قباء كل سبت (1/206)، وصحيح مسلم، كتاب الحج، باب فضل مسجد قباء وفضل الصلاة فيه وزيارته (2/1016).
33.    الحديث في سنن الترمذي، أبواب الصلاة، باب ما جاء في الصلاة. في سيد قباء (1/204) بلفظ: "الصلاة في مسجد قباء كعمرة".
34.    مجموع الرسائل الكبرى (2/59) بتصرف.
35.    اقتضاء الصراط المستقيم (ص:432).
36.    زيارة القبور الشركية والشرعية (ص:22).
37.    والصحيح فلقيت أبا بصرة الغفاري.
38.    الموطأ: (1/109).
39.    سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة: (1/59).
40.    يقصد الآيتين (60-61) من سورة النساء.
41.    جامع البيان عن تأويل القرآن المعروف بتفسير الطبري (8/517).
42.    زاد المسير (2/223).
43.    فتح القدير (1/483).
44.    في ظلال القرآن (2/696).
45.    وأما حكاية العتبي التي يوردها بعض المفسرين في تفسير هذه الآية فهي قصة لا يثبت بها حكم شرعي لأنها مترددة بين أن يكون مصدرها رؤيا منامية والرؤيا المنامية لا تصلح أن تكون دليلاً شرعياً لاستثناء رؤيا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وبين أن يكون مصدرها نداء مجهول سمع من قبر النبي صلى الله عليه وسلم وروى بسند مرسل لا تقوم به الحجة أيضاً. انظر نص القصة في تفسير ابن كثير (1/52) وتفسير القرطبي (5/267).
46.    الآيات البينات في عدم سماع الأموات (ص:79) هامش رقم (2).
47.    صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان (24).
48.    المصدر السابق (ص:31).
49.    سنن الدارقطني (2/278).
50.    التاريخ الكبير (2/363).
51.    التاريخ الكبير (2/363).
52.    التاريخ الصغير (2/256).
53.    المجروحين (1/255).
54.    الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (3/174).
55.    الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (7/179).
56.    الضعفاء والمتروكين (ص:9).
57.    المجروحون (2/231).
58.    تقريب التهذيب (2/138).
59.    الكامل لابن عدي (7/2480).
60.    المجروحين (3/73).
61.    الكامل لابن عدي (7/2480).
62.    الكامل لابن عدي (7/2480).
63.    الكامل لابن عدي (7/2480).
64.    المغني في الضعفاء (2/629).
65.    ميزان الاعتدال (4/26).
66.    المغني في الضعفاء (2/629).
67.    لسان الميزان (5/358).
68.    تقريب التهذيب (2/205).
69.    كتاب الموضوعات (2/217).
70.    اقتضاء الصراط المستقيم (400 -401).



الباب الثالث البدع الملحقة بالأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الباب الثالث البدع الملحقة بالأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الباب الأول أسباب قيام الأمَّة بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم
» الجزء الثالث: بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم-
» اليوم الثالث والعشرون: هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان
» لماذا لم يصم النبي -صلى الله عليه وسلم- صيام داود عليه السلام
» قصة يوسف عليه الصلاة والسلام وكيف أنها من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: إلا رســـول الله صلى الله عليه وسلم :: التأدُّب مـــع الرســــول-
انتقل الى: