في غزوة تبوك، وإمارة الحج، وفي حجة الوداع
خرج رسول الله بجيش عظيم في غزوة تبوك، وكان يريد قتال الروم بالشام، فأعطى لواءه الأعظم إلى أبي بكر الصديق.

وفي هذه الغزوات ظهرت بعض المواقف للصديق منها:
أ- في تبوك: خرج رسول الله بجيش عظيم في غزوة تبوك بلغ عدده ثلاثين ألفاً، وكان يريد قتال الروم بالشام، وعندما تجمع المسلمون عند ثنية الوداع بقيادة رسول الله، اختار الأمراء والقادة وعقد الألوية والرايات لهم، فأعطى لواءه الأعظم إلى أبي بكر الصديق.

وفي هذه الغزوات ظهرت بعض المواقف للصديق منها:
1- موقفه من وفاة الصحابي عبد الله ذي البجادين:  
قال عبد الله بن مسعود: قمت في جوف الليل وأنا مع رسول الله في غزوة تبوك، قال: فرأيت شعلة من نار من ناحية العسكر، قال فاتبعتها أنظر إليها، فإذا رسول الله وأبو بكر وعمر، وإذا عبد الله ذو البجادين المزني قد مات، وإذا هم قد حفروا له، ورسول الله في حضرته، وأبو بكر وعمر يدليانه إليه، وهو يقول: «أدليا إليَّ أخاكما»، فدلياه إليه، فلما هيأه بشقه قال: «اللهم إني أمسيت راضيًا عنه فارض عنه».
قال الراوي (عبد الله بن مسعود): يا ليتني كنت صاحب الحفرة.
وكان الصديق -رضي الله عنه- إذا دخل الميت اللحد قال: بسم الله، وعلى ملة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وباليقين وبالبعث بعد الموت.

2- طلب الصديق -رضي الله عنه- من رسول الله الدعاء للمسلمين:
قال عمر بن الخطاب: خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد، فنزلنا منزلاً وأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستقطع، حتى إن الرجل لينحر بعيره فيعتصر فرثه فيشربه، ثم يجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله، إن الله قد عودك في الدعاء خيرًا، فادع الله، قال: «أتحب ذلك»، قال: نعم، فرفع يديه فلم يردهما حتى قالت السماء أي: تهيأت لإنزال مائها -فأطلت- أي: أنزلت مطرًا خفيفاً- ثم سكبت، فملأوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر.

3- نفقة الصديق -رضي الله عنه- في تبوك:
حث رسول الله الصحابة في غزوة تبوك على الإنفاق بسبب بُعدها وكثرة المشركين فيها، ووعد المنفقين بالأجر العظيم من الله، فأنفق كلٌّ حسب مقدرته، وكان عثمان صاحب القدح المعلى في الإنفاق في هذه الغزوة.
وتصدق عمر بن الخطاب بنصف ماله وظن أنه سيسبق أبا بكر بذلك، ونترك الفاروق يحدثنا بنفسه عن ذلك حيث قال: أمرنا رسول الله يوماً أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله: «ما أبقيت لأهلك»؟» قلت: مثله.
وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال له رسول الله: «ما أبقيت لأهلك»  قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدًا.
كان فعل عمر فيما فعله من المنافسة والغبطة مباحاً، ولكن حال الصديق -رضي الله عنه- أفضل منه؛ لأنه خالٍ من المنافسة مطلقا ولا ينظر إلى غيره.

ب- الصديق -رضي الله عنه- أمير الحج 9 هـ:  
كانت تربية المجتمع وبناء الدولة في عصر النبي مستمرة على جميع الأصعدة والمجالات العقائدية والاقتصادية والاجتماعية، والسياسية والعسكرية والتعبدية، وكانت فريضة الحج لم تمارس في السنوات الماضية، وحجة عام 8هـ بعد الفتح كلف بها عتاب بن أسيد، ولم تكن قد تميزت حجة المسلمين عن حجة المشركين، فلما حل موسم الحج أراد الحجَ ولكنه قال: «إنه يحضر البيت عراة مشركون يطوفون بالبيت، فلا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك»، فأرسل النبي الصديق -رضي الله عنه- أميرًا على الحج سنة تسع من الهجرة، فخرج أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- بركب الحجيج،
ونزلت سورة براءة فدعا النبي علياً ، وأمره أن يلحق بأبي بكر، فخرج على ناقة رسول الله العضباء حتى أدرك الصديق -رضي الله عنه- أبا بكر بذي حليفة، فلما رآه الصديق -رضي الله عنه- قال له: أمير أم مأمور؟ فقال: بل مأمور، ثم سار، فأقام أبو بكر للناس الحج على منازلهم التي كانوا عليها في الجاهلية، وكان الحج في هذا العام في ذي الحجة كما دلت على ذلك الروايات الصحيحة، لا في شهر ذي القعدة كما قيل، وقد خطب الصديق -رضي الله عنه- قبل التروية، ويوم عرفة، ويوم النحر، ويوم النفر الأول فكان يعرف الناس مناسكهم في وقوفهم وإفاضتهم، ونحرهم، ونفرهم، ورميهم للجمرات... إلخ.
وعلي بن أبي طالب يخلفه في كل موقف من هذه المواقف فيقرأ على الناس صدر سورة براءة، ثم ينادي في الناس بهذه الأمور الأربعة: «لا يدخل الجنة إلا مؤمن، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فعهده إلى مدته، ولا يحج بعد العام مشرك».
وقد أمر الصديق -رضي الله عنه- أبا هريرة في رهط آخر من الصحابة لمساعدة علي بن أبي طالب في إنجاز مهمته.
وقد كلف النبي علياً بإعلان نقض العهود على مسامع المشركين في موسم الحج، مراعاة لما تعارف عليه العرب فيما بينهم من عقد العهود ونقضها أن لا يتولى ذلك إلا سيد القبيلة أو رجل من رهطه، وهذا العرف ليس فيه منافاة للإسلام، فلذلك تدارك النبي الأمر وأرسل علياً بذلك، فهذا هو السبب في تكليف علي بتبليغ صدر سورة براءة، لا ما زعمته الرافضة من أن ذلك للإشارة إلى أن عليًّا أحق بالخلافة من أبي بكر، وقد علق على ذلك الدكتور محمد أبو شهبة فقال: ولا أدري كيف غفلوا عن قول الصديق -رضي الله عنه- له: أمير أم مأمور؟ وكيف يكون المأمور أحق بالخلافة من الأمير.
وقد كانت هذه الحجة بمثابة التوطئة للحجة الكبرى وهي حجة الوداع.
لقد أعلن في حجة أبي بكر أن عهد الأصنام قد انقضى، وأن مرحلة جديدة قد بدأت، وما على الناس إلا أن يستجيبوا لشرع الله تعالى، فبعد هذا الإعلان الذي انتشر بين قبائل العرب في الجزيرة، أيقنت تلك القبائل أن الأمر جد، وأن عهد الوثنية قد انقضى فعلاً، فأخذت ترسل وفودها معلنة إسلامها ودخلوها في التوحيد.

ج- في حجة الوداع:
روى الإمام أحمد بسنده إلى عبد الله بن الزبير عن أبيه أن أسماء بنت أبي بكر قالت: خرجنا مع رسول الله حجاجاً، حتى إذا أدركنا (العرج) نزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجلست عائشة جنب النبي ، وزمالة أبي بكر مع غلام لأبي بكر فجلس أبو بكر ينتظر أن يطلع عليه، فطلع وليس معه بعيره!! فقال: أين بعيرك؟ فقال: أضللته البارحة! فقال أبو بكر: بعير واحد تضله! فطفق يضربه ورسول الله يبتسم ويقول: «انظروا إلى هذا المحرم وما يصنع».
-------------------------------------------------------