في غزوة خيبر، وسرية نجد وبني فزارة
أ- في خيبر:
ضرب رسول الله حصارًا على خيبر واستعد لقتالهم، فكان أول قائد يرسله أبا بكر إلى بعض حصون خيبر، فقاتل ثم رجع، ولم يكن فتح، وقد جهد، ثم بعث عمر فقاتل ثم رجع ولم يكن فتح، ثم قال: «لأعطين الراية غدًا رجلاً يحب الله ورسوله»، فكان علي بن أبي طالب، وأشار بعض أصحاب النبي بقطع النخيل حتى يثخن في اليهود ورضي النبي بذلك، فأسرع المسلمون في قطعه، فذهب الصديق -رضي الله عنه- إلى النبي وأشار عليه بعدم قطع النخيل لما في ذلك من الخسارة للمسلمين سواء، فتحت خيبر عنوة أو صلحاً، فقبل النبي مشورة الصديق، ونادى بالمسلمين بالكف عن قطع النخيل فرفعوا أيديهم.

ب- في نجد:
أخرج ابن سعد عن إياس بن سلمة، عن أبيه، قال: بعث رسول الله أبا بكر إلى نجد وأمَّره علينا، فبيتنا ناسًا من هوازن فقتلت بيدي سبعة أهل أبيات، وكان شعارنا: أمت.. أمت.

ج- في بني فزارة:
روى الإمام أحمد من طريق إياس بن سلمة عن أبيه، حدثني أبي، قال: خرجنا مع أبي بكر بن أبي قحافة وأمره النبي علينا، فغزونا بني فزارة، فلما دنونا من الماء أمرنا أبو بكر فعرسنا، فلما صلينا الصبح أمرنا أبو بكر فشننا الغارة فقتلنا على الماء مَنْ مر قبلنا، قال سلمة: ثم نظرت إلى عنق من الناس فيه الذرية والنساء نحو الجبل، فرميت بسهم فوقع بينهم وبين الجبل، قال: فجئت بهم أسوقهم إلى أبي بكر حتى أتيته على الماء، وفيهم امرأة عليها قشع من أدم ومعها ابنة لها من أحسن العرب، قال: فنفلني أبو بكر، فما كشفت لها ثوبا حتى قدمت المدينة ثم بت فلم أكشف لها ثوبا، قال: فلقيني رسول الله في السوق فقال لي: «يا سلمة هب لي المرأة» قال: فقلت والله يا رسول الله لقد أعجبتني وما كشفت لها ثوبا، قال: فسكت رسول الله، وتركني حتى إذا كان من الغد لقيني رسول الله في السوق فقال لي: «يا سلمة هب لي المرأة» قال: فقلت: والله يا رسول الله ما كشفت لها ثوبا وهي لك يا رسول الله، قال: فبعث بها رسول الله إلى أهل مكة وفي أيديهم أسارى من المسلمين ففداهم رسول الله بتلك المرأة.

سادسًا: في عمرة القضاء وفي ذات السلاسل:
أ- في عمرة القضاء:
كان الصديق -رضي الله عنه- ضمن المسلمين الذين ذهبوا مع رسول الله ليعتمروا عمرة القضاء مكان عمرتهم التي صدهم المشركون عنها.

ب- في سرية ذات السلاسل:
قال رافع بن عمرو الطائي: بعث رسول الله عمرو بن العاص على جيش ذات السلاسل، وبعث معه في ذلك الجيش أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- وسَرَاة أصحابه، فانطلقوا حتى نزلوا جبل طَيّ، فقال عمرو: انظروا إلى رجل دليل بالطريق، فقالوا: ما نعلمه إلا رافع بن عمرو، فإنه كان ربيلا في الجاهلية، قال رافع: فلما قضينا غزاتنا وانتهيت إلى المكان الذي كنا خرجنا منه، توسمت أبا بكر، وكانت له عباءة فدكية، فإذا ركب خَلَّها عليه بخلال، وإذا نزل بسطها، فأتيته فقلت: يا صاحب الخلال، إني توسمتك من بين أصحابك، فائتني بشيء إذا حفظته كنت مثلكم ولا تطول عليَّ فأنسى، فقال: تحفظ أصابعك الخمس؟
قلت: نعم، قال: تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، وتقيم الصلوات الخمس، وتؤتي زكاة مالك إن كان لك مال، وتحج البيت، وتصوم رمضان: هل حفظت؟ قلت: نعم، قال: وأخرى، لا يؤمَّرنَّ على اثنين، قلت: وهل تكون الإمرة إلا فيكم أهل المدر؟
فقال: يوشك أن تفشو حتى تبلغك ومن هو دونك، إن الله -عز وجل- لما بعث نبيه دخل الناس في الإسلام، فمنهم من دخل لله فهداه الله، ومنهم من أكرهه السيف، فكلهم عُوَّاذ الله وجيران الله وخَفَارةُ الله، إن الرجل إذا كان أميرًا فتظالم الناس بينهم فلم يأخذ لبعضهم من بعض انتقم الله منه، إن الرجل منكم لتؤخذ شاة جاره فيظل ناتئ عضلته غضباً لجاره، والله من وراء جاره.

ففي هذه النصيحة دروس وعبر لأبناء المسلمين يقدمها الصحابي الجليل أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- الذي تربَّى على الإسلام وعلى يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 من أهمها:
1- أهمية العبادات: الصلاة لأنها عماد الدين، والزكاة والصوم والحج.

2- عدم طلب الإمارة «ولا تكونن أميرًا» تماماً كما أوصى رسول الله أبا ذر الغفاري: «وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها».
ولذلك فإن أبا بكر الفاهم الواعي لكلام حبيبه محمد جاء في رواية: وأنه من يك أميرًا فإنه أطول الناس حساباً، وأغلظهم عذاباً، ومن لا يكن أميرًا فإنه من أيسر الناس حسابًا، وأهونهم عذاباً، فهذا فهم الصديق -رضي الله عنه- لمقام الإمارة.

3-إن الله حرم الظلم على نفسه، ونهى عباده أن يتظالموا -أن يظلم بعضهم بعضاً- لأن الظلم ظلمات يوم القيامة، كما نهى عن ظلم المؤمنين: «من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب».
وهم جيران الله، وهم عواذ الله، والله أحق أن يغضب لجيرانه.

4- على عهد الصدر الأول كان أمراء الأمة خيارها، وجاء وقت فُشُوّ أمرها «الإمارة» وكثرت حتى نالها من ليس لها بأهل.
إن هذه الإمارة ليسيرة، وقد أوشكت أن تفشو حتى ينالها من ليس لها بأهل.

5-وفي غزوة ذات السلاسل ظهر موقف متميز للصديق في احترام الأمراء، مما يثبت أن أبا بكر كان صاحب نفس تنطوي على قوة هائلة، وقدرة متميزة في بناء الرجال، وتقديرهم واحترامهم، فعن عبد الله بن بريدة قال: بعث رسول الله عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل وفيهم أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- فلما انتهوا إلى مكان الحرب أمرهم عمرو أن لا ينوروا نارا، فغضب عمر وهمَّ أن يأتيه، فنهاه أبو بكر، وأخبره أن الرسول لم يستعمله عليك إلا لعلمه بالحرب، فهدأ عنه عمر.
------------------------------------------------