الفصل الرابع: الزكاة والصوم للداخل في الإسلام
وفيه ثلاث مباحث:
المبحث الأول: إعطاء الزكاة للمؤلفة قلوبهم.
المبحث الثاني: بعض أحكام زكاة الفطر لمن أسلم ولغير المسلم.
المبحث الثالث: الدخول في الإسلام في نهار رمضان.
 
المبحث الأول: إعطاء الزكاة للمؤلفة قلوبهم
تعريف المؤلفة قلوبهم لغةً:
مأخوذة من التألف وهو المداراة والإيناس، ليثبتوا على الإسلام رغبة فيما يصل إليهم من المال(1).

اصطلاحاً:
هم قوم يعطون من الزكاة سواءً كانوا من المسلمين أو من غيرهم، لكي يتألفوا على الإسلام، أو من الذين أسلموا حديثاً حتى يتمكن الإسلام من قلوبهم.

المطلب الثاني: بقاء سهم المؤلفة قلوبهم
أمَّا سهم المؤلفة قلوبهم فهو باق.

ويدل عليه ما يلي:
1- قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (التوبة: 60).

2- فإن الله تعالى سمى المؤلفة في الأصناف الذين سمى الصدقة لهم(2).

بعث علي وهو باليمن بذهيبة في تربتها إلى رسول صلى الله عليه وسلم فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة: الأقرع بن حابس الحنظلي وعيينه بن حصن الفزاري وعلقمة بن ثلاثة العامري سيد بن كلاب، وزيد الخير الطائي سيد بني نبهان قال فغضبت قريش والأنصار، فقالوا: يعطي صناديد نجد ويدعنا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني إنما فعلت ذلك لتأليفهم"(3).

فقد دل الحديث على إعطاء النبي -صلى الله عليه وسلم- للمؤلفة قلوبهم من الصدقات.

قال ابن تيمية: "وما شرعه النبي  -صلى الله عليه وسلم-معلقاً بسبب إنما يكون مشروعاً عند وجود السبب، كإعطاء المؤلفة قلوبهم، فإنه ثابت بالكتاب والسنة، وبعض الناس ظن أن هذا نسخ لما روي عن عمر رضي الله عنه: أنه ذكر أن الله أغنى عن التأليف، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، وهذا الظن غلط ولكن عمر استغنى في زمنه عن إعطاء المؤلفة قلوبهم، فترك ذلك لعدم الحاجة إليه، لا لنسخه، كما لو فرض أنه عدم في بعض الأوقات ابن السبيل، والغارم، ونحو ذلك(4).

ولأن الحاجة تدعو إلى تأليف قلوب غير المسلمين، ورعاية الداخلين حديثاً في الإسلام، وذلك لما يقوم به أعداء الإسلام من صرف الأموال الطائلة لفتنة المسلمين في دينهم وصدهم عن سبيل الله.

ويدخل في هذا السهم إعطاء الزكاة لدور رعاية المسلمين الجدد والمراكز الإسلامية التي تقوم برعايتهم وبالدعوة للإسلام.
 
المبحث الثاني: بعض أحكام زكاة الفطر لمن أسلم ولغير المسلم
المطلب الأول: وقت وجوبها لمن أسلم:
فوقت وجوب زكاة الفطر هو طلوع الفجر من يوم الفطر، وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام أمر بإخراجها قبل صلاة العيد.

ويدل لتعيين وقتها حديث ابن عمر في الصحيحين أن النبي  -صلى الله عليه وسلم-أمر بصدقة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة(5).

المطلب الثاني: أداؤها عن غير المسلم.
أمَّا زكاة الفطر فلا تؤدى عن غير المسلم، لأن زكاة الفطر طهره وتزكية للصائم وغير المسلم ليس أهلاً للتزكية والتطهير.

ويدل على ذلك حديث ابن عباس قال: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-زكاة الفطر طهره للصائم من اللغو والرفث، وطعمه للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصدقات(6).

فأخبر أنها طهره وغير المسلم لا يتطهر بها وأنها للصائم وغير المسلم لا صوم له(7).

ولحديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر في رمضان على الناس صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على كل حر أو عبد ذكراً أو أنثى من المسلمين(8).

ففي قوله صلى الله عليه وسلم "من المسلمين" ما يدل على اختصاصها بهم دون غيرهم.

المطلب الثالث: إعطاؤها لغير المسلم
والظاهر أن زكاة الفطر لا تعطى لغير المسلم لأن الغاية منها إغناء الفقير المسلم عن السؤال، لكي يتفرغ للعبادة، لذلك أمر -صلى الله عليه وسلم- بأن تخرج قبل صلاة العيد وقال "أغنوهم في هذا اليوم"(9).

المبحث الثالث: الدخول في الإسلام في نهار رمضان.

المطلب الأول: قضاء الأيام التي مضت من الشهر قبل إسلامه.
فقد ذهب أكثر الفقهاء إلى عدم وجوب قضاء ما مضى من أيام الشهر الذي أسلم فيه(10).

واستدلوا بما يأتي:
1- بقوله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (البقرة: 185).

أن من أسلم ليس عليه قضاء ما مضى من أيام رمضان لأنه إنما شهد الشهر من حين إسلامه.

2- قوله عليه الصلاة والسلام: "الإسلام يجبُّ ما قبله"(11).

أن الإسلام يجَبُّ ما قبله من الفطر فلا يجب عليه أداءً ولا قضاءً.

3- عن سفيان بن عبد الله بن ربيعة قال: حدثنا وفدنا الذين قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإسلام ثقيف، قال: قدموا عليه في رمضان، فضرب عليهم قبة في المسجد فلما أسلموا صاموا ما بقي عليم من الشهر.

فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمرهم بصوم ما بقي من الشهر ولم يأمرهم بقضاء ما مضى، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز(12).

المطلب الثاني: إمساك وقضاء اليوم الذي أسلم فيه:
الذي يظهر لي وجوب إمساك اليوم الذي أسلم فيه وعدم قضائه.

لحديث الربيع بنت معوذ(13)، قالت: أرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: "من كان أصبح صائماً فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطراً فليتم بقية يومه"(14).

فأمره عليه الصلاة والسلام بالإمساك لمن أكل في يوم عاشوراء وقد كان واجباً مثل رمضان وعدم قضاء هذا اليوم(15).

---------------------------------------------
(1) ابن منظور: لسان العرب مادة ألف  [ح2 / ص526]
(2) ابن قدامه: المغني [2ج / ص526]
(3) صحيح البخاري – كتاب التوحيد حديث رقم 7432
(4) مجموع الفتاوى: [33ج / ص56]
(5) صحيح البخاري – كتاب الزكاة – باب فرض صدقة الفطر حديث رقم 1503
(6) سنن أبي داود  - كتاب الزكاة – باب زكاة الفطر رقم 1609
(7) الحاوي الكبير  [3ج / ص359]
(8) صحيح مسلم – كتاب الزكاة حديث رقم  [984]
(9) سنن الدار قطني حديث رقم 67  [2ج / ص152]
(10) الكاساني: بدائع الصنائع  [2ج / ص233]، الذخيرة  [2ج / ص495]
(11) مسند الإمام أحمد، حديث رقم 1793 وقد أخرجه مسلم بلفظ " الإسلام يهدم ما قبله".
(12) السرخسي: المبسوط  [ج3 / ص82]
(13) الربيع بنت معوذ بنت عفراء الأنصارية من صغار الصحابة، ابن حجر، تقريب التقريب -  [ص764]
(14) صحيح البخاري – كتاب الصوم حديث رقم 1960
(15) ابن الهمام شرح فتح القرير  [ج2 / ص369]