منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 قصة سليمان بن داود عليه السلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49259
العمر : 72

قصة سليمان بن داود عليه السلام Empty
مُساهمةموضوع: قصة سليمان بن داود عليه السلام   قصة سليمان بن داود عليه السلام Emptyالأحد 11 يونيو 2023, 7:35 pm

قصة سليمان بن داود عليه السلام
قصة سليمان بن داود عليه السلام Ocia_582
نبيٌ مَلِكٌ، خَلَفَ والده في المُلك وآتاه اللهُ النبوة، وقد برز في حياة والده نابهًا ذكيًّا مؤيَّدًا من الله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا...} [الأنبياء: 78، 79].

صاحب كرم -مزرعة عنب- وصاحب غنَم، أتى صاحب الكرم داود يشكو صاحب الغنم التي دخلت ليلًا إلى مزرعته وخربتها، حيث عاثت فيها أكلًا وإفسادًا، وطلبا منه أن يحكم بينهما، وكان سليمان جالسًا مع أبيه يسمع الشكوى ويسمع حكم داود فيها، فقضى داود بالغنم لصاحب الكرم، قال سليمان: غير هذا يا نبي الله؟ فقال داود: وما ذاك؟ قال: تدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يكون كما كان، وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها -ينتفع بألبانها وأصوافها- حتى إذا كان الكرم كما كان دفعت الكرم إلى صاحبه، ودفعت الغنم إلى صاحبها.

وهذا هداية من الله لسليمان في هذه الحادثة؛ {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: 79]، وكان هذا بداية ظهور نجم سليمان نابهًا ذكيًّا وقد أعَدَّهُ اللهُ للحُكم والنبوة خلفًا لأبيه.

وحادثة أخرى:
فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «كانت امرأتان معهما ابناهما، فجاء الذئبُ فذهب بابن إحداهما، فقالت صاحبتها: إنما ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود فقضى به للكبرى -لكثرة بكائها- فخرجتا على سليمان بن داود فأخبرتاه، فقال: آتوني بالسكين أشقه بينهما، فقالت الصغرى: لا تفعل يرحمك الله، هو ابنها، فقضى به للصغرى» قال أبو هريرة: إنْ سمعت بالسكين إلا يومئذ، وما كنا نقول إلا المُدية، فسُكوت الكبرى عن ذبحه بالسكين دَلَّ على أنه ليس ابنها، فأعطاه للصغرى.

مِن هاتين القصتين يتبيَّن لنا مقدار الفهم والذكاء الذي يتمتع بهما سليمان عليه السلام، ومن الآية الكريمة نُدرك التأييد الإلهي لسليمان: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: 79] ليتابع خط والده صعدًا من أجل بناء دولة قوية مؤيدة بقدرات خارقة منحها الله لسليمان، وأيده بكل عناصر القوة لإرساء السلام والأمن في الأرض المقدسة: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} [النمل: 16].

وهذا بيان وإعلان من سليمان لشعبه بأنه خليفة داود، وأن الله تعالى أعطاه ميزة ما كانت لأحَدٍ غيره، فقد علّمه اللهُ منطق الطير ولغته والتفاهم معه؛ أي: لغة متبادلة بينه وبين الطيور كافة، وأن الله تعالى أعطاه كل شيء، بمعنى كل ما يحتاجه الملك من العدد والآلات والجنود والجيوش والجماعات من الجن والإنس والطيور والوحوش والعلوم والفهوم والتعبير عن ضمائر المخلوقات من الناطقات والصامتات: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} [النمل: 16]، هذا فضلٌ مِن الله بيِّن ظاهر، مَنَّ اللهُ به على سليمان.

وقد أراد سليمان أن يحشد أمام الناس قوة جيشه ليؤكد لهم مدى القوة التي وهبها الله له، {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} [النمل: 17] ويُعَدُّ هذا عرضًا عسكريًّا لجنود سليمان يمرون أفواجًا أفواجًا من الإنس أولًا، ثم تبعهم الجن، ثم الطير وهي تحلق فوق سليمان تظله من حر الشمس تمر فوجًا إثر فوج على حسب أنواعها كأنها في هذه الأيام الطائرات التي تشارك في العرض العسكري، قاذفات ومقاتلات وسمتيات وناقلات جنود، {فَهُمْ يُوزَعُونَ} [النمل: 17]، يتدافعون فيحجز أولهم آخرهم، يسيرون بانتظام، {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [النمل: 18].

وصفٌ دقيق لتحرُّك هذا الجيش العجيب الغريب في جيوش ذلك الزمان، وهو معجز أيد الله به سليمان عليه السلام الذي يجمع بين الجن والإنس والطير وقوى أخرى معه، ولما مروا على وادِ النمل -قيل في الطائف وقيل في الشام- والظاهر أن بهذا الوادي تجمعات للنمل كانت قد انتشرت فيه بحُريَّة وهي آمنة بأن أحدًا لن يمر من هنا إذا بالحرس من النمل يرصدون قدوم جيش سليمان تجاههم، فأسرعت النملة المسؤولة عن الحراسة والمراقبة بإنذار بني جنسها لدخول المساكن؛ خشيةَ أن يدوسهن سليمان وجنوده عن غير قصد منهم، {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا} [النمل: 19] وهذا اعتذار لطيف من النملة "جرسى" عن سليمان بأن ما يحصل منهم إن داسوا النمل فهو عن غير قصد؛ فالجيش ماضٍ في هذا الطريق وعلى النمل إخلاء المكان ريث مرور الجيش.

لذلك تبسَّم سليمان من قولها ضاحكًا لفصاحتها، وما كان من سليمان إلا أن أتبع هذه النعمة على ما آتاه الله بالحمد والشكر، {وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19]، كان عليه السلام دائم الذكر والشكر، والله تعالى قال: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7]، وكان مُلكه في ازدياد، امتد على بلدان كثيرة مجاورة للأرض المقدسة، ساعده في سَعة هذا الملك ما سخَّره الله له من الريح التي كانت تحمله وتحمل جنده معه لغزو أي بلد يريد، {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ: 12]، وقد ضرَب الله مثلًا لامتداد هذا المُلك بقصته مع بلقيس ملكة اليمن.



قصة سليمان بن داود عليه السلام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49259
العمر : 72

قصة سليمان بن داود عليه السلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة سليمان بن داود عليه السلام   قصة سليمان بن داود عليه السلام Emptyالأحد 11 يونيو 2023, 7:39 pm

(2) بلقيس والمعجزة الكبرى

قصة سليمان بن داود عليه السلام Ocia_583
قال الله تعالى: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [النمل: 20، 21] كان الطير في خدمة سليمان، ومِن هؤلاء الطيور الهدهد، وكان مكلفًا في البحث عن الماء، وهذه ميزة أعطاها الله للهدهد، فإنه يحلِّق فوق الأرض فيرى الماء الباطني فيدلهم على مكانه فيحفِرون ويستخرجون الماء، وقد احتاج سليمان إلى الماء للصلاة وهو في البر بمنقطع من الأرض، فطلب الهدهد ليبحث له عن الماء فلم يجده، وتهدَّده لهذا الغياب، خصوصًا إن كان غير مبرر، {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا} [النمل: 21].

قال المفسرون عن هذا العذاب الشديد بأنه سيأمر بنتف ريشه وتركه في الشمس، وهذا بالنسبة للهدهد مؤلم جدًّا، وعلى الهدهد أن يبرر هذا الغياب بما هو مقنع لسليمان عليه السلام، وحضر الهدهد الغائب يخفق قلبه من الإعياء وكأنه كان في سفر بعيد، {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} [النمل: 22]، وسأله سليمان عن سبب غيابه، {فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} [النمل: 22].

فسبحان الله! كل هذه الإمكانات لسليمان فقد غاب عنه ما كان يحدث في اليمن جناح الوطن الأيمن، سليمان ينشر التوحيد وأولئك كانوا في شرك ظاهر، قل أيها الهدهد ماذا رأيت؟ {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل: 23]، لقد أتى بنبأ وافٍ صادق، جمع عنه معلومات مهمة تفيد في تكوين رأي متكامل حول هذا البلد، بأن هناك دولة سبأ في اليمن تُحكم من قِبل امرأة قوية -بلقيس- مُطاعة في قومها، وأوتيت من كل شيء من القوة والسلطان والجيش، ودليل قوتها وفرض نظامها أن لها عرشًا عظيمًا من حيث الحجم والصنعة والترف في تزيينه بالجواهر واللآلئ والذهب والفضة، وغالبًا فإن هذا يدل على رسوخ الدولة وقوتها وحضارتها.

ولكن ما هو غير مقبول من أهل هذه الدولة أنهم كانوا يسجدون للشمس من دون الله، وهذا ما أزعج الهدهدَ، فعاد لاهثًا عجِلًا ليُخبر سليمان بالأمر؛ لأنه يعرف أن هذا لا يُرضيه، {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ} [النمل: 24]، وهنا سكَن عن سُليمان الغضب تجاهه، لكنه تأجج لِمَا سمعه عن دولة سبأ ومقدار هذا الانحراف الخطير عن المنهج الحق، وسجودهم للشمس من دون الله وسيطرة الشيطان على عقولهم وأفهامهم، فقال مستنكرًا عليهم فعلهم: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النمل: 25]، وقرئ: {مَا يُخْفُونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [النمل: 25].

كان الواجب عليهم أن يدركوا من خلال العقل والتفكير بهذا الكون وما فيه ليصلوا إلى عبادة الله المستحق للعبادة حقًّا، والخبء ما هو مخبوء ومخزون من مطر وعشب ونبات وكنوز، وهم على هذه الدرجة من العيش كان عليهم أن يدركوا الخالق القدير من آثار نعمه، أمَّا عبادة الشمس فهذا فعل مَنْ لفّهم الجهل وأطبق عليهم العمى والضلال، {قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النمل: 27].

وبعد سماع أقوال الهدهد أراد أن يتحقق من أقوال الهدهد أكان صادقًا أم كان ملفقًا لهذه القصة ومخترعًا لها، {اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ}  [النمل: 28] مَن بدأ المهمة فعليه أن يكملها؛ لذلك اختاره سليمان ليكون سفيره إلى قوم سبأ، وأوصاه بأن يلقي إليهم كتابه ثم ينتظر رد فعلهم وتصرفهم إزاء هذا الكتاب، فألقاه إلى بلقيس والكتاب ممهور بالخاتم، وهو في فخامته ملوكي يستدعي النظر فيه والرد عليه، والتزم الهدهد بتوجيهات سليمان، {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 29 - 31].

لقد عرفت بلقيس أن ما ألقي إليها هو كتاب كريم من ملك له شأنه وقوته، ويبدو هذا في شكل الخطاب ومضمونه، فلأول مرة تسمع بالتسمية، وفيها قوة، لم يدعُ سليمان لنفسه، وإنما بدأ بذكر الله الرحمن الرحيم، ثم دعاهم إلى أن يأتوه مسلمين؛ أي: مستسلمين مذعنين لله بالإسلام، وله بالطاعة والولاء، استمع الهدهد إلى عرض الملكة لفحوى الخطاب بموضوعية، وطلبت من مجلس الأعيان والقادة إبداء الرأي: {قَالَتْ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ} [النمل: 32].

في هذا الأمر الخطير لم تشأ أن تنفرد بالقرار، وإنما أشركت فيه أهل الرأي؛ لكي يتحمَّلوا معها المسؤولية، فكان جوابهم: {قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ} [النمل: 33]، كان في ردهم كياسة وحُسن تصرف؛ فقد عرضوا ما عندهم من قوة وجيش وشجاعة وعدم الخوف من دخول الحرب، فهم على جاهزية عالية من الاستعداد، وهذا ما يخصهم، وأمَّا القول الفصل فقد جعلوه في يدها وهم لا يُخالفون لها أمرًا فيما تتخذه من قرار.

وهنا لم تشأ أن تورط قومها بحرب غير محسوبة، فهي لا تعرف قوة خصمها، وتخشى الزلة؛ لذلك لجأت إلى الدبلوماسية بعد أن قررت قاعدة مهمة في الحرب، {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [النمل: 34]، وبعد أن مهَّدت بما ستقوم به من مبادرة دبلوماسية تعرِف فيها عدوها بشكل أوضح وتكسب الوقت لمزيد من الاستعداد، ولكي يكون في مبادرتها إقناع لقادتها، أفصحَتْ عما اعتزمت القيام به، {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: 35].

وقالت لمستشاريها: إن كان ملكًا فستعجبه الهدية ويقبلها منا ويكف عنا شره، وإن كان نبيًّا فلن يقبلها، ولن يقبل منا إلا أن نتابعه على دينه، وغادر الرسل محملين بالهدايا، وأخبارها قد وصلت سليمان قبل أن يتحركوا؛ فالهدهد نقل له كامل التفاصيل، وجاء الوفد يحمل إلى سليمان الهدايا الفاخرة من نفيس الجوهر واللؤلؤ والذهب، قال للوفد: {فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} [النمل: 36].

قال سليمان مخاطبًا رئيس الوفد بعد أن مثل بين يديه: إن ما آتاني الله خير مما آتاكم، فانظر إلى قوتنا وآثار نعم الله علينا وعلى بلادنا وما عندنا من الجنود والأموال، {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} [النمل: 37].

وعاد الوفد إلى بلقيس وقصُّوا عليها خبر سليمان ونبوته وما عنده من قوة وسلطان مؤيَّدٌ من الله، فتأكَّدت أنه نبي لا تُغريه الدنيا ولا المال، فأرسلت إليه بأنها قادمة مع وفد رفيع المستوى من رجال الدولة والمستشارين، وفي اليمن أنابت مكانها على المملكة وغلّقت الأبواب على عرش مُلكها ريثما تعود، ووكّلت به حراسة قوية، وانطلقت إلى الأرض المقدسة تقابل سليمان الحكيم، ورصد سليمان قدومها وتتبَّع منازلها يومًا بيوم فكان الجن يأتونه بهذه الأخبار.

حتى إذا اقتربت من بلاده، {قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 38]، وكانت فكرةً منه قوية يريد بها إحداث المفاجأة التي تثبت لها قوته وسلطانه، وأنه نبي مرسل، أعطاه الله من كل شيء، فلا يقهره عدو، فاختار أخذ عرشها لضخامته وعظمه، ولأنها وكلت به من يحفظه لها حتى تعود، فأخذُه بهذه الطريقة وتركيبه في مملكته وهو على حاله دون تغيير به أو مساس بأركانه معجزة خارقة، وفيه من المفاجأة لها ما يجعلها تستسلم وتسلم هي ومن معها بلا تردُّد، وبوجود عرشها في بلده يجعلها تعيش أجواء بلدها فترة إقامتها عند سليمان فكأنها في بيتها ودارها، {قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} [النمل: 39].

قوة خارقة مع تعهد بالحفاظ عليه كما هو، ولكن سليمان يريد إحضاره بسرعة أكبر ليعرف مدى جاهزية من يخدمه وسرعة إنجازهم للأعمال الخطيرة، {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل: 40]، وهذا في سرعة البرق، فلا يتصور الإنسان سرعة تفوق ذلك، فأذن له، {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل: 40].

فلم يُحضره بهذه السرعة عفريت، وإنما أحضره رجل مؤمن، هو آصف بن برخيا، كان صديقًا يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دُعِيَ به أجاب، وإذا سُئل به أعطى، {قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ} [النمل: 41]، وهنا أمَر بإجراء بعض التغيير على عرشها غير المخل بشكله العام، يريد بذلك امتحان ذكائها وقوة ملاحظتها، {فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ} [النمل: 42].

تُرى هل نجحت في الامتحان فطنةً وذكاءً؟ وإلا لَمَا كانت ملكة مُطاعة في قومها، فمنذ ورد عليها كتاب سليمان تصرفت تصرف العاقل الحكيم، ولكن ما شأن عبادتها للشمس، أليس من يفعل هذا يكون في درجة منحطة من سمو التفكير ورقي الروح وانطلاقة العقل؟!

{وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ} [النمل: 43]، وقد منعها اعتقادها السابق وهو عبادتها للشمس من الاهتداء للإسلام؛ لأنها وُلدت في بيئة كافرة؛ أبًا وعشيرة، واليوم رأت البرهان والنور والضياء والمعجزات الباهرة التي لا تتحقق إلا بقوة قاهرة غالبة من خالق هذا الكون؛ لذلك أقبلت على الإيمان، وتركت ما كانت تعبد من دون الله، وأعلنت إسلامها.

{قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: 44]، كان بناءً في غاية العجب والابتكار والفن الحالم، فكانت مقدمته من زجاج تشف عن مياه تسبح فيها الحيتان؛ لذلك لم تتمالك عندما وضعت رجلها على الزجاج إلا أن رفعت ثوبها خشية البلل، فأغضى سليمان الطرف.

وبادر: {إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ} [النمل: 44]؛ أي: لا تخافي البلل، فهذا صرح أملس من الزجاج شفاف، وكان هذا أيضًا من الأمور المبهرة لبلقيس؛ لذلك لم تتمالك من شدة إعجابها ويقينها أنها بحضرة نبي مؤيد من الله إلا أنها أفصحت عن خطأ ما كانت عليه، فأعلنت إسلامها، {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: 44]، وهذا غاية في الاعتراف بالخطأ والتكفير عمَّا فات بإعلانها الإسلام قناعة وعقيدة راسخة بدَّدت ظلام السنين التي عاشتها مع شعبها وهي تظن أنها على طريق سوي، وهكذا دخلت اليمن في حظيرة الإسلام، وشمِلتها دعوة التوحيد، الآيات من سورة النمل: [16 - 44].

حول ما ورد في هذه القصة:
• تكلَّم المفسرون كلامًا كثيرًا عن الريح التي حملت سليمان، ومنهم من قال: بساط الريح، والأولى أن يقال كما ورد في النص: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ: 12] تأتي الريح وفق طلب سليمان فتحمل ما يأمرها أن تحمله وتمضي بالحمولة حيث أُمرت، وأن غدوة منها في قطع المسافة تساوي سفر شهر على الإبل وكذلك الروحة، فالغدو: ما بين الصباح إلى الزوال، والرواح: ما بين الزوال إلى الغروب.

• تكلم بعض المفسرين عن النملة التي حذرت قومها من جنود سليمان، فقالوا: اسمها خرسا، وقيل: حرس، وقيل: كانت رئيستهم، وقيل: كانت عرجاء، وقيل: كانت بحجم الذئب، وشطح الخيال بهم بعيدًا، وقد أخذنا من أخبارها قدر ما يفيد.

• قيل عن بلقيس: كان أحد أبويها من الجن، وهذا لا يصح، فإذا اختلف الجنسان فلا حمل من معاشرة أحدهما الآخر، وقد يحدث إذا تقارب الجنس؛ كالحمار والحصان، ينتجان البغل، والبغل لا يخلف بعضه من بعض، وكالذئب والكلب، ولكن هناك بون شاسع بين الإنس والجن: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12]، وقيل: كانت كثيرة الشعر في جسمها؛ ولهذا موَّه لها الصرح لتكشف عن ساقيها ويرى صدق ما أخبر عنه، ومر في الصحيح أنه غض بصره عندما كشفت عن ساقيها، وقيل: طلب من أهل الصناعة أن يصنعوا لها ما يزيل الشعر، صنعوا له "النورة"، وهي مادة قلوية تعمل على إتلاف الشعر، وقد طورت مع الزمن، وهي في عصرنا تباع تحت مسميات عديدة لإزالة الشعر، وورد بخبر لا بأس به أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلى بالنورة، وأخرج أحمد عن عائشة قالت: "اطلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنورة، فلمَّا فرغ منها قال: ((يا معشر المسلمين، عليكم بالنورة؛ فإنها طلية وطهور، وإن الله يذهب بها عنكم أوساخكم وأشعاركم))".

• كما قيل بأن سليمان تزوجها، وقيل بأنه زوجها أحد أهل الشرف في قومها "ذا تبع" ملك هَمْدان، وأعادهما إلى اليمن، وجعله ملكًا على اليمن، وكلف أمير جن اليمن ليأتمر بأمره، فساعده، وصنع له الصنائع في اليمن، وبقي كذلك حتى وفاة سليمان.



قصة سليمان بن داود عليه السلام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49259
العمر : 72

قصة سليمان بن داود عليه السلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة سليمان بن داود عليه السلام   قصة سليمان بن داود عليه السلام Emptyالأحد 11 يونيو 2023, 7:46 pm

(3) فتنة سليمان
قصة سليمان بن داود عليه السلام Ocia_584
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} [ص: 34]، وكان أشقَّ امتحان خضع له سليمان، وقد رُوي أنه غزا عدوًّا في إحدى جزائر البحر، فقتل ذلك الملك، وأسر منهم أسرى، وكان من بين الأسرى ابنة ذلك الملك، وكانت جميلة رائعة الجمال، واسمها "جرادة"، فاختصها سليمان لنفسه وتزوجها بعد أن عرض عليها الإسلام، وقد قبلته على كره منها، ثم احتالت على سليمان بأن أظهرت نفسها حزينة، فقال لها: ما يُحزنك؟ قالت: أذكر والدي وما كنت عليه عنده من العز والدلال، قال: وقد أبدلكِ الله خيرًا منه ومِن ملكه وأنت على الإيمان، قالت: صحيح، ولكني لا أستطيع نسيانه، فلو أمرتَ الجن أن يصوروه لي فيكون لي سلوى، فأمر الرسامين منهم فصوروا لها مثل أبيها وألبسته مثل ثيابه التي كان يلبسها، فكانت تسجد له مع غلمانها وتعبده على عادتهم الوثنية في غياب سليمان، وسليمان لا يدري، ولم يكتشف أمرها إلا آصف بن برخيا بعد أربعين يومًا من عبادتها له، فأخبر سليمان، فعاقبها وحطم الصنم، وخرج إلى البرية تائبًا مما وقع يعبد الله ويستغفر لذنبه.

ولهذا الخلل الذي حصل عنده عاقبه الله بسلب ملكه أربعين يومًا، فقد كان من عادته إذا دخل الخلاء نزع خاتمه الذي فيه ملكه وقوته وأودعه عند زوجته الأمينة، فأتى ماردٌ من الشياطين بصورة سليمان منتحلًا شخصه -لأمر يريده الله- وطلب منها الخاتم فأعطته إيَّاه، ولَمَّا خرج سليمان من قضاء حاجته وطلب الخاتم أنكرته الأمينة، وقالت: أخذه سليمان، فعرف أنه فُتن.

فاختفى عن الأنظار، وعمل حمّالًا على شاطئ البحر يحمل السمك للبيوت، وجلس الشيطان المارد على كرسي سليمان، ومارَس الحكم من خلاله، وكانت أحكامه مغايرة لما كان عليه سليمان حتى أنكره الناس وتجمع كبارهم لإخراجه، فهرب وألقى الخاتم في البحر، فابتلعه حوت، وقع بأيدي الصيادين، ولما نقل سليمان الحيتان إلى أحد الأشخاص أعطاه أجرًا واحدًا منها ولما أراد شواءه شق بطنه لتنظيفه فوجد الخاتم فيه، فلبسه وعاد له ملكه، وطلب المارد حتى ألقي القبض عليه فحبسه في صندوق من الرصاص وألقي في البحر، وهنا طلب سليمان من ربه، {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص: 35]؛ فأُعطي ما سأل، وعاد له ملكه أقوى مما كان.

تعليق:
هذه القصة وردت عن روايات أهل الكتاب بأساليب متعددة، اخترنا منها هذا الذي أوردناه، لكن ربط قوة سليمان بهذا الخاتم أمر غير معقول، ولو كان الأمر كذلك لكان ذهب ملكه عندما كان يخلعه لقضاء الحاجة؛ فحكمه مؤيد من الله؛ فهو ملك نبي، فوثق الله له الملك والنبوة بتأييد من عنده، وبجنود سخرهم له فأطاعوه بلا تمرد أو عصيان، وكانوا من الجن والإنس والطير والحيوان، كل له عمله ووظيفته، ولكن فتنة سليمان التي ذكرها الله لعلها كانت من أجل الزواج من المرأة المجوسية التي عبدت الصنم في بيته، فكان أن سلبه الله الملك لأيام، فامتنعت الملائكة من دخول بيته بشأن الصنم، وفقد التأييد إلى أن انتبه للتقصير، وأزال الصنم، فعاد له ملكه.



قصة سليمان بن داود عليه السلام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49259
العمر : 72

قصة سليمان بن داود عليه السلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة سليمان بن داود عليه السلام   قصة سليمان بن داود عليه السلام Emptyالأحد 11 يونيو 2023, 7:49 pm

(4) سليمان المُلك والقوة
قصة سليمان بن داود عليه السلام Ocia_585
غاية القوة أن يعطى إنسان قدرات هائلة يمنحها الله له بتسخير قوى ظاهرة من البشر وأخرى خفية من الجن ووسيلة نقل خيالية لم ينتج البشر مثلها أو قريبًا منها إلا في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين، حيث الطائرة "إيرباص"، وهي طائرة ضخمة قد تحمل ألف راكب، وفيها أسواق، هذا أقصى ما وصل إليه عالم الطيران اليوم؛ فقد سخر اللهُ الريح لسليمان يحمل عليه ما يشاء من جنود وعتاد، ويجري بإذن الله رُخاءً؛ أي: بسرعة معتدلة تعادل اليوم سرعة الطائرات النفاثة التجارية تقريبًا، ولن أعتمد النقل عن الإسرائيليات، وإنما أنقل نص الكتاب؛ قال الله تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ} [سبأ: 12].

إضافة إلى الريح التي أعطيت له ومعجزة لم يحصل عليها نبي من قبل ولا من بعد، فقد سخر الله له عينًا تجري مِن النحاس المذاب ليعمل عنده العاملون أصنافًا من القدور والتحف والإنجازات الكثيرة من النحاس، وقد كلف الجن بالعمل دون توقف مع التهديد للمخالف بأنه سيذوق عذاب السعير: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13].

كانت هذه صنعةَ الجن له، صناعات ثقيلة لا يقدر عليها البشر، وكان نحت التماثيل في شريعته جائزًا، أو لعلها ليست من ذوات الأرواح، وفسرت المحاريب بالأبنية الكبيرة المرتفعة، والجفان بالأحواض الكبيرة التي يخزن فيها المياه، والقدور الراسيات الثابتات التي يصعد إليها بالسلالم، ولعل كل ما ذكر من أجل تغذية الجيوش الجرارة التي هي بحاجة إلى مثل هذه الأواني للطبخ، وبالطبع عليها الجن الذين يقومون بمثل هذه الأعمال الشاقة، وكل ذلك مِن باب إعداد العُدة للجهاد في سبيل الله؛ لذلك أُتبعت بالأمر بالعمل بطاعة الله وشكره، وهذه من صفات آل داود: الشكر للمنعم على نعمه، وفي سورة ص ذِكْر لنعم أخرى أنعمها الله على سليمان: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} [ص: 30 - 33].

وكان مما آتاه الله الخيلُ الأصيلة، وقد وُصفت بالصافنات الجياد؛ فالخيل الأصيلة تقف على ثلاث أرجل، والرابعة ترفعها قليلًا، وتركز على الأرض طرف حافرها، والجياد الأصيلة المعروفة النسب سريعة لا تُسبق، ومع هذه الصفات العالية لخيل سليمان التي فتنته فأحبها واستوقفته كثيرًا ليتمتع بجمالها، وهو مأخوذ بهذا الشغف بجمالها فقد صلى الظهر ثم راح يستعرضها إعدادًا لها للجهاد، وكانت ألف فرس، فما كاد ينتهي من رؤية معظمها حتى غربت الشمس وهو لا يشعر بذلك حيث فتن بمنظرها، ففاتته صلاة العصر، فاهتم للأمر وعلَتْه كربة فظيعة؛ إذ كيف ينسى الواجب تجاه ربه من أجل الانشغال برؤية الخيل وهو ليس بالأمر المهم، وكان بإمكانه التأجيل أو المتابعة بعد أداء الصلاة، ولكي يبطل هذه العادة راح إلى الخيل يجندلها بسيفه مسحًا بالسوق والأعناق، وكان هذا بمثابة الذبح لها، فوزع لحمها على الفقراء، فعوَّضه الله عنها بالريح التي تحمله وجندَه أنى شاء، وعنى بالخير: الخيل الجياد.

ووصل منتهى مد سليمان بالقوة من رب العالمين أنه دعا أن يهبه الله مُلكًا لا ينبغي لأحد من بعده، فاستجيب له، وكان من هذا المدد الريح التي ذكرناها وتسخير الجن والشياطين وهم أعتى من الجن؛ {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ * وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ}  [ص: 36 - 40].

فقد ذلل له الجن والشياطين يبنون له ما يأمرهم به على أحسن حال وبديع صنع، ويستخرجون له كنوز البحار ليرصع به البناء والقصور، فكان مُلكه أبهة وعظمة، فليس هذا من باب الإسراف وإنما يدل على عظمة الخالق الذي أعَدَّ للمؤمنين جنانًا تفوق ما صنعه سليمان؛ لذلك كافأه على هذه الأعمال التي أبرزت قدرة الله القادر بأن: {لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 40].

حبه للجهاد:
كان له من النساء مائة، وقيل أكثر، وقيل أقل، إضافة إلى الجواري، وقد حدَّث نفسه مرة أنه سيطوف على نسائه المائة فيلدون له مائة فارس يجعلهم في سبيل الله، ولم يقل: إن شاء الله، وقد ورد هذا الخبر في حديث لأبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال سليمان بن داود: لأطوفن الليلة على مائة امرأة، كل امرأة منهن تلد غلامًا يضرب بالسيف في سبيل الله، ولم يقل: إن شاء الله»، وفي رواية: -«ونسي أن يقول: إن شاء الله- فطاف تلك الليلة على مائة امرأة فلم تلد منهن إلا امرأة، ولدت نصف إنسان» وفي رواية: «ساقطًا أحد شقيه»، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو قال: إن شاء الله، لولدت كل امرأة منهن غلامًا يضرب بالسيف في سبيل الله عز وجل».

يتبيَّن مِن هذا الخبر حبُّ سليمان عليه السلام للجهاد في سبيل الله، فأراد أن يمده بأبنائه؛ طمعًا بمزيد من الثواب؛ وذلك لِما أعد الله للمجاهدين في سبيله من الثواب الكبير، وقد استعمل الريح لنقل جنوده، فغزا أقوامًا عن يمينه وعن شماله وفي جزر البحر، ويعتقد أنها قبرص وكريت، فكان عهده عهد جهاد، مسخِّرًا ما أعطاه الله من قوة في هذا السبيل.



قصة سليمان بن داود عليه السلام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49259
العمر : 72

قصة سليمان بن داود عليه السلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة سليمان بن داود عليه السلام   قصة سليمان بن داود عليه السلام Emptyالأحد 11 يونيو 2023, 7:51 pm

(5) بناء بيت المقدس
قصة سليمان بن داود عليه السلام Ocia_586
من هذا الحديث كان للمؤرخين في بناء المسجد الأقصى أقوال: أفضلها أن أول من بناه هو النبي يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، وهو الصحيح، وهذا ما يؤيده الحديث السابق، وأما فعل سليمان أو داود فكان من باب التجديد.

رُوي أنه لما عاد إلى سليمان ملكُه بعد أربعين يومًا من سلبِه الملكَ من قِبل الشيطان "صخر" الذي احتال على أخذ الخاتم، قرر سليمان عليه السلام أن يبني المسجد الأقصى، وكان مكانه قد حدده داود عليه السلام؛ وذلك أن الناس في زمانه قد أصابهم طاعون جارف، فخرج بهم داود إلى موضع بيت المقدس وكان يرى الملائكة تعرج منه إلى السماء؛ فلهذا قصده ليدعو فيه، فلما وقف موضع الصخرة دعا الله تعالى في كشف الطاعون عنهم فاستجاب له ورفع الطاعون، فاتخذ ذلك الموضع مسجدًا، وروي أنه شرع في بنائه لإحدى عشرة سنة من ملكه وتوفي قبل أن يتم بناءه، وأوصى إلى سليمان بإتمامه.

وفي رواية أخرى: أن سليمان هو الذي ابتدأ بعمارة المسجد، فبناه بالرخام وزخرفه بالذهب ورصعه بالجواهر، وقوِيَ على ذلك بالجن والشياطين، حتى غدا آية في الفن والجمال، وقد وقعت إشكالية عند عدد من المؤرخين بسبب الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه قال: "قلت: يا رسول الله، أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: «المسجد الحرام» قال: قلت: ثم أي؟ قال: «المسجد الأقصى» قلت: كم كان بينهما؟ قال: «أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصَلِّه؛ فإن الفضل فيه»؛ "أي الصلاة في وقتها أينما كنت ففيها الفضل"، وفي رواية الأعمش: ((فإن الأرض كلها مسجد)).

من هذا الحديث كان للمؤرخين في بناء المسجد الأقصى أقوال:
أفضلها أن أول من بناه هو النبي يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، وهو الصحيح، وهذا ما يؤيده الحديث السابق، وأما فعل سليمان أو داود فكان من باب التجديد، ولا يخفى أن ما آتاه الله لسليمان من الإمكانات وتسخير الجن له يعد ما بناه هو البناء الأكمل والأجمل؛ لذلك نسب إليه؛ لذلك أشكل على بعض المؤرخين فقالوا: أول من بناه سليمان، وقد روي في بنائه من قبل سليمان الكثير، وذلك من حيث الفخامة والإتقان والزخرفة والترصيع بالجواهر والتذهيب والنحاسيات والفضيات التي استخدمت في تزيينه، ورُوي عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن سليمان لما بنى بيت المقدس سأل ربه عز وجل خِلالًا ثلاثًا، فأعطاه اثنتين، ونحن نرجو أن تكون الثالثة لنا: سأله حُكمًا يصادف حكمه فأعطاه إيَّاه، وسأله مُلكًا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إيَّاه، وسأله أيُّما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد خرج من خطيئته مثل يوم ولدته أمه، فنحن نرجو أن يكون الله قد أعطانا إيَّاها».



قصة سليمان بن داود عليه السلام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49259
العمر : 72

قصة سليمان بن داود عليه السلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة سليمان بن داود عليه السلام   قصة سليمان بن داود عليه السلام Emptyالأحد 11 يونيو 2023, 7:54 pm

(6) وفاة سليمان
قصة سليمان بن داود عليه السلام Ocia_587
فشا في الناس أن سليمان كان ساحرًا، فلما جاء الإسلام وذكر نبوة سليمان عارضته اليهود؛ فأنزل الله تبرئة سليمان: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} [البقرة: 102].

كان مِن عادة سليمان إذا صلى الفجر أن يرى شجرة نابتة بين يديه، فيقول لها: ما اسمك؟ فتقول: كذا، فيقول: لأي شيء أنتِ؟ فإن كانت لغرس غرست، وإن كانت لدواء كتبت، فبينما هو يصلي ذات يوم إذ رأى شجرة بين يديه فقال لها: ما اسمك؟
فقالت: الخرنوبة.
فقال لها: لأي شيء أنت؟
قالت: لخراب هذا البيت، يعني بيت المقدس.
فقال سليمان: ما كان الله ليخربه وأنا حي، أنت التي على وجهك هلاكي وخراب البيت، فقلعها، ثم قال: اللهم عمِّ على الجن موتي حتى يعلم الناس أن الجن لا يعلمون الغيب.

وكان يقيم في بيت المقدس للعبادة لمدد متطاولة، وبينما كان قائمًا يصلي متوكئًا على عصاه أتاه أجله، فمات، ولم تعلم الشياطين بموته مدة سنة حتى أكلت الأرَضةُ عصاه فانكسرت فسقط على الأرض، وهنا علمت الجن بموته.

فلماذا كان الجن يتلهَّفون لموته؟
كان سليمان يشغلهم في أقسى الأعمال وأشقها، يعملون بلا هوادة، ومن يتمرد على العمل فإن سليمان يوقع به أشد العقوبات، فقد كانوا يعملون له كارهين عن غير رضا، فقد سخرهم الله له، فسيطر عليهم؛ لذلك ورد في القُرْآن حسرتهم أنهم لم يعلموا بوفاته إلا بعد حين: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [سبأ: 14].

ولقد ورَد في سورة البقرة: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102]، اتهم في مرحلة من المراحل أن سليمان يستعمل السحر في إدارة مملكته وقهر خصومه وسيطرته على الجن والشياطين، وذلك كما روي أن سليمان عليه السلام قد اكتشف أن الشياطين كانت تصعد إلى السماء فتقعد منها مقاعد للسمع - يستَرِقون السمع- فيستمعون من كلام الملائكة ما يكون في الأرض من موت أو غيب أو أمر فيأتون الكهنة فيخبرونهم، فيحدِّث الكهنةُ الناسَ فيجدونه كما قالوا، فلما أمنتهم الكهنة كذبوا لهم وأدخلوا فيه غيره فزادوا مع كل كلمة سبعين كلمة، فاكتتب الناس ذلك الحديث في الكتب، وفشا ذلك في بني إسرائيل أن الجن تعلم الغيب، فبعث سليمان في الناس فجمع تلك الكتب فجعلها في صندوق ثم دفنها تحت كرسيه، ولم يكن أحد من الشياطين يستطيع أن يدنو من الكرسي إلا احترق، وقال: لا أسمع أحدًا يذكر الشياطين يعلمون الغيب إلا ضربتُ عنقه.

 فلما مات سليمان وذهب العلماء الذين كانوا يعرفون أمر سليمان، وخلف من بعد ذلك خلف، تمثل الشيطان صورة إنسان، ثم أتى نفرًا من بني إسرائيل فقال لهم: هل أدلكم على كنز لا تأكلونه أبدًا؟! قالوا: نعم، قال: فاحفِروا تحت الكرسي، فذهب معهم وأراهم المكان وقام ناحيته، فقالوا له: فادنُ، فقال: لا، ولكنني ها هنا في أيديكم، فإن لم تجدوه فاقتلوني، فحفروا فوجدوا تلك الكتب، فلما أخرجوها قال الشيطان: إن سليمان إنما كان يضبط الإنس والشياطين والطير بهذا السحر، ثم طار وذهب، وفشا في الناس أن سليمان كان ساحرًا، فلما جاء الإسلام وذكر نبوة سليمان عارضته اليهود؛ فأنزل الله تبرئة سليمان: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} [البقرة: 102].
------------------------------------
الكاتب: د. محمد منير الجنباز

غفر الله له ولوالديه وللمسلمين



قصة سليمان بن داود عليه السلام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
قصة سليمان بن داود عليه السلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» لماذا لم يصم النبي -صلى الله عليه وسلم- صيام داود عليه السلام
» داود (عليه السلام)
» أيــــــــــــوب عليه السلام
» قصة سيدنا سليمان عليه السلام (كاملة)
» يونـــــــــــــس عليه السلام 

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: إلا رســـول الله صلى الله عليه وسلم :: كتابات عامة في القصص والسيرة-
انتقل الى: