فضائل ذي القعدة
فضائل ذي القعدة Ocia_544
عباد الله:
نحن في بداية الشهر الثاني من أشهر الحج، وأحد الأشهر الحُرُمِ الأربعة، وهو شهر ذي القعدة، وسُمّيَ بهذا الاسم؛ لأن العرب كانت تقعد فيه عن الغزو للترحال وطلب الكلأ؛ حتى يتمكنوا من تجهيز أنفسهم، وتذليل قعداتهم، وترويضها للركوب إلى الحج، وهو ثاني أشهر الحج التي قال الله عز وجل فيها: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197].

وورد فيه فضيلتان لا يُزاد عليهما:
الفضيلة الأولى:
أنه من الأشهر التي يدخل الحاج فيها للنسك سواء كان متمتعًا، أو مفرِدًا، أو قارنًا، وغالب مَنْ يُحرمون في ذي القعدة يُحرمون متمتعين؛ ولذا لَمَّا حَجَّ صلى الله عليه وسلم في أواخر ذي القعدة كان قارنًا، ثم أمر أصحابه أن يُحلوا إحرامهم إلى التمتع رفقًا بهم ورحمةً.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ، ما سقت الهَديَ، ولحللْتُ مع الناس حين حلُّوا» (رواه البخاري).

الفضيلة الثانية:
الاعتمار فيه؛ لأن جميع عُمَرِ النبي صلى الله عليه وسلم كانت في ذي القعدة، حتى عمرته التي قرنها بحجته أحرم بها في ذي القعدة، وكانت عُمَرُهُ صلى الله عليه وسلم أربعًا: عمرة الحديبية ولم يتمَّها، بل تحلّل منها ورجع، وعمرة القضاء من قابل، وعمرة الجِعرانة عام الفتح في السَّنة الثامنة لَمَّا قسم غنائم حنين، وعمرته في حَجَّة الوداع، كما دلّت عليه النصوص الصحيحة.

وعلى هذا القول جماهير أهل العلم، بل فَضَّلَ طائفة من السَّلف عمرة ذي القعدة على عمرة رمضان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في ذي القعدة؛ ولذا كان كثير من السَّلف يحرص على أداء العمرة في ذي القعدة؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم.

ويُستحَبُّ في العمرة سياقة الهَدْي، وهذه سُنَّةٌ غفل عنها كثير من الناس، مع تيسر سياقة الهدي في العمرة أكثر منها في الحج، بل وفي زماننا هذا سياقته أيسر، ولكن العجلة وانشغالنا عن كثير من السُّنن حرمنا منها ومن فضلها، إلا من رحم ربك.

وسياق الهدي في العمرة فِعْلُ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، ودليل سياقة الهدي في العمرة ما رواه البخاري رحمه الله في صحيحه؛ حيث قال: ((خرج النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية من المدينة في بضع عشرة مائة من أصحابه، حتى إذا كانوا بذي الحُلَيْفة، قلّد النبي صلى الله عليه وسلم الهَديَ وأشعرَ وأحرم)).

وروى البخاري رحمه الله في صحيحه أن: ((ابن عمر رضي الله عنهما أهلَّ بعمرة، ثم اشترى الهدي من قُدَيْد)).

وسُئِلَ الشيخ العلامة ابن العثيمين:
هل من السُّنن المُندثرة: ذبح الهدي بعد العمرة؟

فأجاب رحمه الله:
"نعم، هذه من السُّنن المُندثرة، لكن ليس من السُّنَّة أنك إذا اعتمرت اشتريت شاةً وذبحتها، السُّنَّةُ أن تسوق الشاة معك تأتي بها من بلادك، أو على الأقل من الميقات، أو من أدنى حِلٍّ عند بعض العلماء، ويُسَمَّى هذا سوق الهدي، أمَّا أن تذبح بعد العمرة بدون سوق، فهذا ليس من السُّنَّة"، انتهى كلامه رحمه الله.

قلت:
"ومن أدنى الحِلّ" يشمل جزءًا من الشرائع وعرفة والتنعيم، وغيرها.

وأنصح نفسي وإخواني من طلبة العلم بنشر السُّنَن والتحذير من البدع؛ فالسُّنن تقوم على أنقاض البدع، والبدع تقوم على هدم السُّنن، وأنصح كل امرئ يتيسر له الاعتمار في ذي القعدة أن يعتمر؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولو ساق معه هديًا كان أكمل وأفضل.
______________________________________
الكاتب:
الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي التميمي

المصدر:
موقع طريق الإسلام