أول مرحلة في هلاك الظالم..
من آيات عظمة وربوبية الله المُطلقة
من آيات عظمة وربوبية الله المُطلقة Y14
لأن هذا التحالف ما كان لينتقم من بوتين من أجل مسلمي الشيشان او القرم او سوريا وغيرهم من المسلمين ولكن كان لابد لبوتين أن يخطو خطوة غزو أوكرانيا لينتقم الغرب منه فتبرد قلوب مسلمي الشيشان وسوريا إن شاء الله عز وجل.
 
من عظمة الله تعالى وجلال قدرته سبحانه أن أول مرحلة في هلاك الظالم تكون بيد الظالم نفسه في حالات كثيرة تشتهر بين الناس، ومن ذلك مشاهد كثيرة خلّدها القرآن الكريم في آياته وخلّدها التاريخ في أحداثه.

وهذا الأمر واضح منذ قوم سيدنا نوح عليه السلام اذ حكى اللهُ عَزَّتْ قُدرته عن ظلمهم وقصة هلاكهم لكن نجد أن أول مراحل هلاكهم كانت الموقف الذي سجله قوله تعالى: {قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32)} سورة هود{، فهم طلبوا العذاب، وبالتالي كانت نهايتهم الإهلاك بالطوفان الذي سجَّله القرآن في آيات عديدة.

وقال تعالى حاكياً مراحل هلاك ثمود قوم سيدنا صالح عليه السلام: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77)} [سورة الأعراف]، فهم الذين عقروا الناقة وطلبوا عذاب الله كما أن رؤسائهم خطّطُوا لقتل نبي الله صالح قال تعالى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50)} [سورة النمل].

كل هذا حدث منهم هم أولاً فجاءهم العذاب تاليا، قال تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78)} [سورة الأعراف]، وقال تعالى أيضاً توضيحاً لعاقبة مكرهم: {فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51)} [سورة النمل].

أمَّا قوم لوط عليه السلام فإنهم رفضوا دعوة نبيهم لوط عليه السلام وطلبوا العذاب أيضاً قال تعالى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29)} [سورة العنكبوت]، فهذه كانت المرحلة الأهم قبل إهلاك قوم لوط عليه السلام إذ طلبوا هم بأنفسهم عذاب الله بدلاً من أن يطلبوا الهداية فجاءهم العذاب قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ۖ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)} [سورة هود].

ونفس أسلوب إهلاك الظالم عبر فعله هو نفسه نجده واضحاً في قصة هلاك فرعون وجنده ففرعون هو مَنْ حشد جُنده لمطاردة سيدنا موسى عليه السلام ومَنْ معه مِنَ المؤمنين ولم يقعد عن خروجهم من مصر بل طاردهم حتى بعدما رأى آية عظمى وهي انشقاق البحر كي يعبره نبي الله موسى ومعه أتباعه فرغم هذا كله أصَرَّ على أن يدخل بقدمه البحر الذي أغرقه الله فيه.

قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56) فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَٰلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59) فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ (60) فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66)} [سورة الشعراء].

ونفس الأمر تحقَّق في زعماء قريش الذين أهلكهم الله في غزوة بدر على يد الصحابة وأبرز الهالكين كان أبو جهل عمرو بن هشام، فزعماء قريش هؤلاء هم الذين خرجوا بأنفسهم لحرب الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم وحتى عندما تناقشوا حول أن يرجعوا ولا يحاربوا النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعدما تأكَّد لهم سلامة قافلة تجارتهم بحوزة أبي سفيان فإن أبا جهل وأتباعه أصرُّوا على الحرب، وفعلاً سعوا للحرب وأجَّجُوهَا بسرعة خشية أن ينتصر رأي الداعين للانسحاب، ودعا أبو جهل أن يُنزل اللهُ عذابه على المُبطل من الفريقين إذ دعا أبو جهل في بدر قائلاً: "اللهم، أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا نعرف، فأحنه الغداة"، ولذلك قال تعالى: {إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ ۖ وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَعُودُوا نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)} [سورة الأنفال].

وانظر تفسير الآية عند ابن كثير: {ونلاحظ هنا وإن كانت مرحلة الإهلاك الأولى يصنعها الظالم إلا أن قدر الإهلاك اختلف فلم يهلك كفار قريش بعذاب جَرَّاءَ كارثة كونية متمثلة في طوفان أو خسف أو مسخ أو حرق أو غرق كما حدث في أمم سابقة وإنما جاء قدر الهلاك بأيدي بشر وهم هنا المؤمنون في غزوة بدر لأن قدر الله الكوني أوجب انقضاء المعجزات في هذه المرحلة الزمنية وما بعدها خاصة في ما يتعلق بالتدافع بين الناس، قال تعالي بشأن قدر إهلاك الأمم السابقة: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)} [سورة العنكبوت] ، أما بشأن قدر اهلاك الباطل في عصر الإسلام فقال تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ (14)} [سورة التوبة].

ولعل قائل يقول إن هؤلاء انما فعلوا فعلاً لم يقصدوا به إهلاك أنفسهم فمَنْ حاربوا رسلهم او طالبوا بنزول الهلاك بهم لم يقصدوا حدوث الهلاك لهم فعلاً، ولكن هذا القول غير صحيح لأن مقصدنا ليس ظاهر الأمر بل مقصدنا هو حقيقة الأمر وجوهره ذلك الجوهر الذي ظهر في مآل عملهم ومستقبلهم، ظهر لنا وكذلك ظهر لهم، فبمجرد هلاك هؤلاء الظالمين المذكورين وانتقالهم للحياة الآخرة انكشف لهم أن أول مرحلة في هلاكهم كانت من فعلهم هم أنفسهم ومن المؤكد أنهم قالوا: "يا ليتنا لم نطلب من نبينا أن ينزل العذاب" وأكيد ندم فرعون بسبب خروجه وراء موسى عليه السلام، ولذلك يقولون وهم في نار جهنم: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107)} [سورة المؤمنون].

والدليل أنهم كانوا ذوي مقصد شرير في خطوتهم التي أدت لهلاكهم هو قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ۖ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28)} [سورة الانعام].

والشاهد هنا هو قوله تعالى: {بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِن قَبْلُ}، أي: بل ظهر لهم حينئذ ما كانوا يُخفُون في أنفسهم من الكُفر والتكذيب والمُعاندة، وإن أنكروها، في الدنيا".أ.هـ (راجع تفسير ابن كثير لهذه الآية)، فهم كابروا وعاندوا وخطوتهم الأخيرة التي بدأ بها هلاكهم كانت عناداً واستكباراً ولم تكن أمراً عابراً غير مقصود كما قد يظن البعض.

وهذا الهلاك نلاحظ فيه أنه لم يأت بكارثة كونية مثل أقوام الانبياء قديماً ولا بأيدي المؤمنين كما في غزوة بدر ولكنه من صنف التدافع والصراع الحادث بين الناس.

وأخيراً فهذه الأيام نحن شهود على خطوة اتخذها ظالم آخر ستؤدي لهلاكه -إن شاء الله تعالى- وهي خطوة فلاديمير بوتين بغزو أوكرانيا والتي مهَّدت لانتقام التحالف الأمريكي الأوروبي منه، لأن هذا التحالف ما كان لينتقم من بوتين من أجل مسلمي الشيشان او القرم او سوريا وغيرهم من المسلمين ولكن كان لابد لبوتين أن يخطو خطوة غزو أوكرانيا لينتقم الغرب منه فتبرد قلوب مسلمي الشيشان وسوريا إن شاء الله عز وجل.

وهكذا نرى عظمة الله العلي العظيم في إهلاك الظالمين بمشاركتهم بأيديهم في هذا الإهلاك وذلك من آيات ربوبيته المُطلقة قال تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18)} [سورة الأنعام].
--------------------
عبد المنعم منيب