ماذا بعد رمضان؟
ماذا بعد رمضان؟ Ocia_425
أقبل الشهر الكريم بالبشر والترحاب، وأهل بالخيرات والثواب، وأحل علينا بالأمن والأمان، والسلامة والإسلام، وعاش بيننا بالجود والكرم، وأفاض علينا ببواعث النعم، وحجب عنا دواعي النقم، وأقبل علينا شهر رمضان وقد اعتدنا فيه القيام، وتلاوة القرآن الكريم، والصيام، والإحسان، وإطعام الطعام، وإفشاء السلام، والتهجد بالليل والآخرين نيام.
:spades:    أتانا رمضان وقد تهيأنا له بالصبر على الحلال، والصبر عن الحرام، فتركنا الحلال حسبة لله تعالى، وامتنعنا عن الحرام قربة إلى الله تعالى، فأقلعنا عن الكذب، وجانبنا الكذابين، وودعنا الجدال والمراء وأهله، وهجرنا الفحشاء والمنكر وأهلهما، وأقصينا البذاءة وأهلها، وخاصمنا المزاح بالباطل وأهله، لقد صنا أعيننا عن التطلع إلى عورات الآخرين، وعن التطلع إلى ما في أيديهم، بل القناعة التامة بما قسم الله لنا، والرضا التام بما قدره الله علينا ولنا.
:spades:    وحفظنا أفواهنا عن الدخان والتدخين، وبطوننا عن الامتلاء بالحلال فضلاً؛ عن مقارفة الحرام، أو التفكير في نيله أصلاً، وحفظنا أنفسنا بطاعة الله تعالى من الشيطان وأهله، ونزهنا أيدينا عن ملامسة ما لا يحل لنا، وطهرنا أرجلنا وأبداننا مادياً ومعنوياً، حتى نقف خاشعين بين يدي الله تعالى في الصلوات الخمس، وفي الجمعات، وفي القيام، والاعتكاف، والتهجد، تنافسنا في الظفر بنيل الخيرات والفيوضات، وتسابقنا في الارتقاء إلى أعلى الجنات، بتخليص النفس من علائق الهوى، وعوائق الدنيا، وبوائق الشيطان، وهمزه ونفخه ونفثه.
:spades:    الآن... وبعد أن أدبر رمضان، كالنسيم الذي داعب جفوننا لحظات، أو كالعطر الفواح الذي غازل أنوفنا برهات، فما أروعها مداعبة! وما أعفها مغازلة! فهل نتذكر فيم كنا؟ وإلام صرنا؟ وماذا بعد رمضان؟
:spades:    إن المسلم في رمضان هو المسلم في غير رمضان، لأن الله تعالى هو رب رمضان، وهو رب غيره من الشهور، والمسلم يعبد الله وحده لا شريك له؛ قال تعالى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) (321)، وقال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (322).
:spades:    فحري بمن اعتاد القيام في رمضان أن يتشبث بعادته تلك، ولو بركعتين فقط يركعهما بعد كل صلاة عشاء، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (أحب الأعمال إلى الله القليل الدائم) (323).
:spades:    وحري بمن اعتاد الصيام في رمضان ألا يخلي شهراً قط عن الصيام، فليصم أحد عشر يوماً  (الأيام البيض، والاثنين والخميس من كل أسبوع) وإلا فثمان (الاثنين والخميس من كل أسبوع) وإلا فثلاث (الأيام البيض: 13، 14، 15 من الشهر العربي) أو أي ثلاثة أيام من الشهر، فكل ذلك سنة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وليبدأ بصيام ستة أيام من شوال، سواء مفرقة أم متوالية، لقوله -صلى الله عليه وسلم- (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر كله) (324).
:spades:    وحري بمن استطاع أن يقاوم شهوة نفسه، ويمتنع عن التدخين في أكثر من ثلثي كل يوم من رمضان، أن يقاوم نفسه في الثلث الباقي، ويمتنع عن ذلك الحرام، حسبة لله تعالى وخشية منه، والله يقويه ويعينه على ذلك إن أحسن النية، وأكد العزم.
:spades:    وحري بمن اعتاد الصدقة في رمضان أن يظل نبع خيراته فياضاً، ونهر عطائه مورودا، وبحر جوده لا ينضب، فإن الصدقة تطفئ غضب الله تعالى كما تطفئ الماء النار، وهي برهان صدق المتصدق، وثقته في الله تعالى، وتوكله عليه، وإيثاره مرضاة الله على مدح المخلوقين وثنائهم.
:spades:    وحري بمن اعتاد الصلاة في الجماعة الأولى في المسجد أن يحافظ على ذلك طيلة حياته، لقوله تعالى:   (فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) (325)، حتى لا يكون من هؤلاء الذين وصفهم الله بقوله: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) (326)، وقال -صلى الله عليه وسلم- (صلاة الرجل في المسجد تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه بضعاً وعشرين درجة، وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد لا يريد إلا الصلاة، لا تنهزه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في صلاة ما انتظر الصلاة...) (327).
:spades:    فهنيئا لمن كان رمضانه مثل غيره من الشهور، وتعساً تعساً لذاك الرمضاني الذي لا ينشط إلا في رمضان، فإذا أدبر رمضان أدبر بقلبه وقالبه عن الطاعة فيصرف الله قلبه عن المداومة عليها، وملأ قلبه غفلة وشغلا ولهوا.
اللهم بلغنا رمضان، واجعله شافعاً لنا عندك يوم نلقاك فيه، يا رب العالمين.
آمين.
----------------------------------------
الهوامش:
321.  يس / 60، 61.
322.  البينة / 5.
323.  رواه البخاري.
324.  متفق عليه.
325.  النساء / 103.
326.  النساء / 142.
327.  رواه البخاري وغيره.