* الفصْل الثامِن: المناسك بالتسلسل الزمني
أردنا بهذا الفصل أن نلخص مناسك الحج حسب التَّسلسل الزمني لها، وذلك لتسهيل فهمها على الحجاج والمعتمرين.
* الفصْل الثامِن: المناسك بالتسلسل الزمني Ocia_388
وقد قسَّمناها إلى أربعة أقسام هي:
* أولاً: من العزم على أداء الحج حتى الوصول إلى الميقات:
يُستحبُّ لِمَنْ عزم على أداء فريضة الحج أن يُنهي معاملاته مع الناس، فيُعيد الودائع لأصحابها، ويقضي ما عليه من ديون أو يُوكِّل بقضائها، ويكتب وصِيَّته ويُرضِي والديه، ويتوب من جميع المعاصي، ويحرص على أن تكون نفقته حَلالاً خالصًا من الشبهة، ويستكثر من الزاد، ولا يجادل فيما يشتريه للحج سواء من بلده أو في الطريق أو في الحرمين، ويختار رفيقًا أو جماعة من الحجيج يعينونه على أفعال الحج ومكارم الأخلاق، وعلى رفاق الحج أن يتحمل أحدهم الآخر ويحرص على إرضائه، وإذا كانوا ثلاثة أو أكثر فيجب أن يكون أحدهم أميرًا، وعليهم أن يطيعوه؛ ويجب عليه أن يتعلم أحكام الحج، ولا بأس أن يأخذ معه كتابًا في المناسك يرجع إليه عند الحاجة.

وإذا أراد الخروج من منزله يستحب له أن يصلي ركعتي السفر ثم يقول: “اللهمّ إليك توجَّهت وبكَ اعتصمت، اللهمّ اكفني ما أهمني وما لم أهتم به، اللهمّ زودني التقوى واغفر لي ذنبي”، ثم يودِّع أهله وجيرانه وأصدقاءه ويودِّعوه بالدعاء المأثور: “أستودع الله دينَك وأمانتك وخواتيم عملك، زوَّدك الله التقوى وغَفر ذنبك ويسَّر لك الخير حيث كنت” رواه الترمذي وأبو داود.

فإذا خرج من المنزل قال: “اللهمّ إني أعوذُ بك أن أضِل أو أُضل، أو أزِل أو أُزل، أو أظلم أو أُظلم، أو أَجهل أو يُجهل عليّ، بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلّا بالله العليّ العظيم” رواه الأربعة.

فإذا ركب دعا بدعاء السفر: “الحمد لله، سُبحان الذي سَخَّر لنا هذا وما كنا له مُقرنين، وإنّا إلى ربنا لمنقلبون… اللهمّ إنّا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهمّ هَوّن علينا سَفرنا هذا، واطوِ عَنَّا بُعدَه، اللهمّ أنت الصاحب في السَّفر، والخليفة في المال والأهل والولد، اللهمّ إنا نعوذ بك من وَعْثاء السفر وكآبة المنظر وسُوء المنقلب” رواه مسلم.

ويستحب له الرفق وحسن الخلق وتجنب المخاصمة والمزاحمة، وأن يصون لسانه عن كل قبيح، وأن يكثر من ذكر الله واستغفاره وتسبيحه وتكبيره، ويواظب على أداء الصلوات في أوقاتها، ويستصحب معه البوصلة لمعرفة القبلة حيث كان.

* ثانيًا: من الميقات حتى دخول مكة:
فإذا وصل إلى الميقات بدأ بالإِحرام، فاغتسل إن تيسر له ذلك –وهذا الغسل سنّة حتى للنفساء والحائض– ثم لبس ثياب الإِحرام، وصَلى ركعتين هما ركعتا الإِحرام يقرأ في الأولى سورة (الكافرون) وفي الثانية سورة (الإِخلاص) ثم يقول: “اللهمّ إني نويت الحج (مُفردًا أو قارِنًا أو متمتِّعًا) فيسِّره لي وتقبله مني”، ثم يُلبي بالصيغة المأثورة؛ وإن زاد عَليها فلا بأس، ويبين وجه تأديته الفريضة، ثم ينطلق باتجاه مكة، وينتبه إلى عدم الوقوع في شيء من محظورات الإِحرام.

وإذا كان السفر بالطائرة إلى جَدة مباشرة، فعليه إمَّا الإِحرام من منزله، أو من المطار، أو في الطائرة؛ لأنه إذا وصل إلى مَطار جدة وهو غير مُحرم، يكون قد تجاوز الميقات ويجب عليه دم.

فإذا وصل إلى مكة المكرمة، يُستحب له الاغتسال قبل دخولها إن تيسر له، وأن يبادر إلى البيت الحرام -بعد أن يضع أمتعته في مكان أمين- ويدخل من باب السلام -باب بني شيبة- وهو يقول: “أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسُلطانه القديم من الشيطان الرجيم، بسم الله اللهمّ صلِّ على محمّد وآله وسلم، اللهمّ اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك”.

فإذا وقع نظره على البيت قال: “اللهمّ زد هذا البيت تَشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابة، وزد من شرَّفه وكرَّمه ممَّن حجهُ أو اعتمره تَشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا وبرًا…”.

“اللهمّ أنت السلام ومنك السلام فَحيِّنا ربنا بالسَّلام”، ثم يتوجه إلى الحجر الأسود ويقبله إن استطاع، وإلّا أشار إليه بيده، ثم يشرع في الطواف، ولا يصلّي تحية المسجد، فإن تحية البيت الحرام الطواف، فإذا انتهى صلّى رَكعتي الطواف، ثم يَشرب من ماء زمزم بنية الشفاء ويرتوي منه.

وإذا كان الحاج مُفردًا أو قارنًا فهذا هو طواف القدوم وليس عليه بعَده سعي، ولكنه إن سعى فيعتبر هذا سعي الحج، فلا يجب عليه إعادته بعد طواف الإِفاضة، وإذا كان متمتعًا فهذا هو طواف العمرة، ويجب عليه بعده أن يسعى بين الصفا والمروة ثم يتحلل بالحلق أو التقصير فتنتهي مناسك العمرة، ويتحلل من إحرامه ويلبس ثيابه العادية، بينما يظل المفرد والقارن في ثياب الإِحرام.

* ثالثًا: من يوم التروية حتى يوم النحر:
إذا حلّ يوم التروية وهو الثامن من ذي الحجة، فعلى من كان متمتعًا أن يحرم بالحج من المكان الذي هو نازل فيه، ويفعل كما فعل عند الإِحرام الأول في الميقات، ويتوجه الجميع إلى منى، فيصلّون فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ويَبيتون فيها استعدادًا ليوم عرفة، فإذا حلّ يوم التاسع من ذي الحجة وهو يوم عرفة خَرج الحاج من منى بعد طلوع الشمس مكبرًا مُهلِّلاً ملبيًا حتى يصل إلى نمرة، وهي على حدود عرفة، فيغتسل إن تيسر له ذلك ثم يدخل عرفة بعد الزوال وهو بدء وقت الوقوف، ويظل واقفًا في عرفة يدعو ويكبر ويلبي ويقرأ القرآن، ويصلّي الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ويستمع إلى خطبة الإِمام، حتى إذا غربت الشمس توجه إلى المزدلفة بالسَّكينة والتَّلبية والذِّكر، فصلّى فيها المغرب والعشاء قصرًا بأذان واحد وإقامتين من غير تطوع بينهما، ثم يبيت في المزدلفة ويصلّي الفجر فيها، ثم يتوجه إلى المشعر الحرام يقف عنده ويدعو حتى يسفر ضوء النهار قبل طلوع الشمس فيتوجه إلى منى وهو يخلط التلبية مع التكبير.

* رابعًا: من يوم النحر إلى آخر المناسك:
يوم النحر هو العاشر من ذي الحجة، ومن السنّة أن تؤدى أعماله مرتبة هكذا: الرمي ثم الذبح ثم الحلق ثم الطواف بالبيت، فإذا قدَّم وأخر بين هذه الأعمال فلا حرج.

فإذا رمى وذبح وحلق، تحلل من إحرامه وحلَّ له كل شيء إلّا النساء، وهذا هو التحلل الأول، فإذا طاف طواف الإِفاضة حلّ له كل شيء حتى النساء، وهذا هو التحلل الثاني، وذلك إذا كان قد سعى بعد طواف القدوم، وإلّا فيجب عليه السعي بعد طواف الإِفاضة ولا يتم التحلل الثاني إلّا بذلك.

ثم يبيت بمنى ليالي أيام التشريق، ويقوم كل يوم برمي الجمرات الثلاث، فإذا تعجل في يومي الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة توجَّه بعد الرمي إلى مكة، وإن تأخر لليوم الثالث عشر من ذي الحجة توجه بعد الرمي إلى مكة، وهكذا تكون المناسك قد انتهت، وإن كان الحاج مفردًا يستحب له أن يعتمر فيخرج إلى (التنعيم) ويحرم بالعمرة ويطوف ويسعى ويحلق أو يقصر، ثم يستحب له الإِسراع بالعودة إلى بلده، وعندما يعزم على مغادرة مكة يطوف طواف الوداع دون سَعي، ويصلّي بعده ركعتين، ثم يدعو بما شاء، ويستحب له زيارة المسجد النبوي في المدينة المنورة إذا لم يكن قد زاره قبل الحج.