أخطاء شائعة في رمضان
محمد الحمود النجدي
 أخطاء شائعة في رمضان Ocia_266
هذه مجموعة من أخطاء تكثر بين المسلمين والمسلمات، أردتُ بذلك تذكير النَّاسي، وتنبيه الغافل، وتعليم الجاهل، وقد سلكت في ذلك مسلك الاختصار، ونسأل الله تعالى أن ينفع بها، إنه سبحانه خير مسؤول وأعظم مأمول.

1- عدم الصلاة إلا في رمضان:
وهذا من أقبح الأخطاء وأشنع الذنوب، لأن مَنْ تَرك الصلاة بعد رمضان يكون قد هدم بنيانه ونقض غزله، كما قال تعالى: (ولا تكونوا كالتى نقضتْ غزلها من بعد قوة أنكاثًا) (النحل: 92) وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: “بين الرجل وبين الشرك والكفر: ترك الصلاة“ رواه مسلم.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: “العهدُ الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر“ رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه.

والغريب العجيب مَنْ تجده يصوم ولا يصلي!! فإن من لم يصل لا صوم له، لأنه كافر كما مرَّ في الحديث، ويشترط للعبادات جميعاً الإسلام كما هو معلوم.

2- الغفلة عن أهداف الصيام وحكمه العظيمة:
فإن للصوم غايات، منها ما ذكره الله تعالى بقوله: (كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) (البقرة: 183) فالغاية من الصيام هي التقوى وليس الإمساك عن الطعام والشراب والشهوة فقط، بل الله تعالى غني عن صيام هذه الطائفة، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه“ رواه البخاري.

بل الصيام الصحيح يمنع من المعاصي كما قال -صلى الله عليه وسلم-: “الصيام جُنَّة، فلا يرفث ولا يجهل..” متفق عليه، ومعنى جُنَّةٌ: أي، وقاية، فترى بعض الناس يصوم ولا يكف عن المُحَرَّمَات، كالظلم والعدوان والحقد والحسد والغيبة والنميمة وبذاءة اللسان..

ومن أهدافه:
تحصيل الأجر العظيم والثواب الجزيل، لقوله -صلى الله عليه وسلم- يرويه عن ربه تعالى: “الصيام لي وأنا أجزي به“ يدل على عظمة العطاء، فإن الكريم إذا قال: أنا أعطيه بنفسي، دلَّ على عظم العطية.

ومن أهدافه:
تكفير السيئات، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ صام رمضان إيماناً واحتساباً، غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه“ متفق عليه.

ومن غايات الصوم:
ترويض النفس، وتعويدها على الانقياد لأوامر الله تعالى وأوامر رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وتمرينها على ترك المحبوبات إذا كانت في رضا الله تعالى.

ومن حِكَمِهِ:
ذوق طعم الجوع وألم العطش حتى لا ينسى الفقير المُحتاج.

ومنها أيضاً:
تضييق مجارى الشيطان، فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم، كما قال -صلى الله عليه وسلم-، فإذا صام العبد ضاقت العروق عليه فقل سلطانه وضعفت وسوسته.

فلا إله إلا الله، كم في الصوم من حِكَمٍ وأسرار، نغفل عنها ولا ننتبه لها، فالحمد لله الذي شرعه رحمة لعباده، وإحساناً إليهم وحماية لهم وجُنَّةً من الشرور.

3- الإكثار من العبادات والقربات والصدقات والصلوات والتلاوات:
وغير ذلك من أوجه الطاعات في رمضان، والبُعد عنها في غير رمضان!! فإن إله الشهور واحد، وقد أمر الناس بعبادته دوماً فقال: (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون) (البقرة: 21)، وكما قال نبي الله عيسى -عليه الصلاة و السلام-: (وأوصاني بالصَّلاة والزَّكاة ما دُمْتُ حَيًّا) (مريم: 31)، وقال سبحانه: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) (الحجر: 99).

قال بعض السَّلف:
بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: “أحَبُّ الأعمال إلى الله أدْوَمُهَا وإن قَلَّ“ متفق عليه من حديث عائشة -رضي الله عنها-، وبعض الناس يُقبل على الطاعات في أول شهر رمضان ثم يفتر في وسطه أو آخره!

4- الإعراض عن تعلُّم أحكام الصوم وآدابه وشُروطه ومُبطلاته:
بترك حضور حِلَقِ الذِّكْرِ ومجالس العِلْم، وعدم السؤال عن ذلك فيصوم على جهل وربما وقع فيما يبطل صيامه وهو لا يشعر.

قال سبحانه: (فاسألوا أهل الذِّكْرِ إن كُنتُم لا تعلمون) (النحل: 43).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ عمل عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌ“ رواه مسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها-.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: ”طلبُ العلمِ فريضةٌ على كل مُسْلِم“ رواه البيهقي في شعب الإيمان.

5- تضييع أوقات الصيام ولياليه بما لا ينفع:
بل بما يَحْرُم ويضر أحياناً، فبعض الناس ينام أكثر النهار ولا يستيقظ إلا قبيل الإفطار، ومَنْ نام كثيراً فاته الخير الكثير، وبعضهم يضيع وقته بمشاهدة المسلسلات والأفلام وما فيها من نساء متبرجات ومناظر مُخِلَّةٌ بالآداب الشرعية، وبعضهم يعكُفُ على المباريات واللعب وربما جعلوها على عِوَضٍ فدخلت في القمار المُحَرَّمِ، والبعض يسهر على لعب الورق، أو الحديث الخالي من الفائدة، وربما جَرَّ إلى ما حَرَّمَ من بذاءة وغيبة أو نميمة.. وبعضهم يسهر على الغناء والزَّمر والطرب في شهر القرآن!! وبعضهم يسهر في التَّسَكُّعِ في الأسواق والطرقات.

وكثير من النساء تنام إلى الظهيرة ثم تقوم إلى العمل في المنزل والمطبخ إلى المغرب، ثم بعد الإفطار تنشغل بالزيارات والجلسات والأسواق إلى آخر الليل!!

فماذا أخذ هؤلاء من خير رمضان؟! وماذا اغتنموا من أوقاته؟! وأين هم من هَدْي المُصطفى -صلى الله عليه وسلم- في هذا الشهر المبارك الذي كان يجتهد فيه ما لا يجتهد في غيره، وكان جبريل -عليه السلام- يُدَارِسُهُ القرآن كل ليلةٍ، وكان يعتكف فيه في المسجد وينقطع عن الدنيا في العشر الأواخر منه، وكان أجود ما يكون في رمضان فيتذكَّر المسلمين ويعطف على الأرملة واليتيم، ويَصِلُ الرَّحِم ويُكْرِمُ الجار وغير ذلك من أنواع الطاعات.

وهكذا المسلم ينبغي له أن يقتدي برسوله -صلى الله عليه وسلم- فيُكثرُ من قراءة القرآن وتدبره وقراءة تفسيره، إذْ لا يكفي مجرد القراءة دون معرفة المعنى للبالغ المُكَلَّف، ويحرص على دروس العلم ومجالس القرآن والحديث والذِّكْرِ، ويسمع الشريط النافع ويقرأ الكتب الفقهية والحديثية، ويجتهد في أعمال البر والصلاح والتقوى، وهذا ليس خاصاً برمضان، ولكن رمضان يزيد فيه المؤمن من عمله.

6- التوسع في الأكل والشرب:
والإسراف في تعديد أنواع الطعام حتى يصاب الإنسان بالتخمة ويثقل عن العبادة، ويكسل عن الصلاة والتلاوة، وقد قيل: مَنْ أكل كثيراً وشرب كثيراً ونام كثيراً فاته الخير الكثير.

قال -صلى الله عليه وسلم-: “ما ملأ ابنُ آدمَ وعاءً شَرًّا من بطنه، بحسب ابن آدم لُقيماتٍ يُقمن صُلبه، فإن كان فاعلاً فثلثٌ لطعامه وثلثٌ لشرابه وثلثٌ لنَفَسِهِ“ رواه أحمد والنسائي والترمذي، وقال بعض السلف: جمع الله الطب كله في نصف آية، وهي قوله -تعالى-: (وكُلُوا واشربُوا ولا تُسْرِفُوا)  (الأعراف: 31).

ومَنْ أسرف في الطعام والشراب فقد غفل عن حِكْمَةٍ من حِكَمِ الصيام وهي: تخليص البدن مما يثقله من آثار الأطعمة والأشربة وتراكمها.

7- تعجيل السحور وتأخير الفطور:
وهذا خلاف المأثور عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد كان يؤخر السحور  ويعجل الفطور، وقال -صلى الله عليه وسلم-: “لا يزال الناسُ بخير ما عَجَّلُوا الفطور“. متفق عليه.

وأخبر أن تأخير الفطور من فِعْلِ اليهود، فقال بعد أن حَثَّ على تعجيل الفطور: “فإن اليهود يؤخرون“. رواه ابن ماجه وابن خزيمة بسند صحيح.

وأمَّا تأخير السحور فهو السُّنَّة، لحديث زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: “تَسَحَّرْنَا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قام إلى الصلاة، قلتُ: كم كان بين الأذان وبين السحور؟ قال: قدر خمسين آية“. رواه البخاري.

وبعض الناس يترك السحور ويأكل من منتصف الليل، وهذا أيضاً فيه تفويتٌ للسُّنَّة، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “السحور أكله بركة، فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جُرْعَةً من ماءٍ، فإن الله -عز وجل- وملائكته يُصَلُّونَ على المُتَسَحِّرين“. رواه أحمد بسند حسن.

8- الإعراض عن فهم القرآن وتدبره:
فكثير من المسلمين يقرؤون القرآن دون فهم لِمَا يقرؤون، بل تَمُرُّ عليه الأحكام الشرعية، والأدلة القرآنية، والمواعظ العظيمة، والأمثال الباهرة، وهو لا يدري ما مَرَّ عليه! ولا معنى خطاب الله تعالى إليه! قال الله -تعالى-: (كتابٌ أنزلناهُ إليكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتهِ وليتذكَّرَ أولُو الألبَابِ). (ص: 29).

وقد ذَمَّ اللهُ -تعالى- المُعرضين عن تَدَبُّرِ القرآن، فقال: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أمْ عَلَى قُلُوبٍ أقْفَالُهَا) (محمد: 24) وقال -تعالى-: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا) (النساء:82).

وأخبر -تعالى- أن هذه صفة كثير من اليهود، فقال: (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أمانيَّ وإنْ هم إلا يظنون) (البقرة: 78).

قال أبو جعفر ابن جرير الطبري:
يعنى بقوله: (لا يعلمون الكتاب) لا يعلمون ما في الكتاب الذي أنزله الله، ولا يدرون ما أودعه الله من حدوده وأحكامه وفرائضه، كهيئة البهائم، وقال أبو عبد الرحمن السلمي: حدَّثنا الذين كانوا يُقرئوننا القرآن أنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات، لم يجاوزوهن حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قال: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً.

9- إهمال كثير من أولياء الأمور من الآباء والأمهات لأولادهم:
فلا يُحثّونهم على الصيام بحُجَّة أنهم لا يزالون صغاراً، وأنهم لا يتحملون الصيام، وهذا خلافٌ لِمَا كان عليه سلفنا الصالح من الصحابة ومَنْ بعدهم، فروى البخاري (4/200) ومسلم (8/13-14) عن الربيع بنت معوذ قالت: “.. فكنا نصومه بعد ونصوِّم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العِهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار“.

وفي رواية مسلم: “فإذا سألوا الطعام أعطيناهم اللعبة تُلهيهم حتى يُتَمّمُوا صومهم“.

أي أنهم كانوا يُعَوِّدُونَ الصبيان على الصيام ويلهونهم عن الطعام باللعبة من الصوف، وإنما لا يُشترط أن يصوم الصبي النهار كله لأنه غير مكلف، ولكن يعوَّد على الصوم بقدر طاقته واستطاعته.

10- أن بعض البنات قد تحيض في سن مُبكرة كالعاشرة أو الحادية عشرة، فلا يأمرها أهلها بالصيام ويتساهلون في ذلك، وهذا من الغفلة عن أحكام الشرع، فإن الحيض من علامات البلوغ، فمتي حاضت الأنثى فقد بلغت، ويجري عليها قلم الحسنات والسيئات، وتُلزم بالعبادات.

وعلامات البلوغ هي:
    إنزال المني بالاحتلام وغيره.
    نبات شعر العانة، وهو الشعر الخشن حول القُبل.
    بلوغ تمام خمس عشرة سنة.
     الحيض عند النساء.
    فمتى وجدت علامة منها، صار صاحبها من أهل الوجوب.

11- التلفظ بنية الصيام أو الإمساك عن الطعام:
ولا أصل لذلك من السُّنَّة المُطهَّرة، بل هو من البدع المُحدثة، والنية شرط لصحة العبادة، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: “إنما الأعمال بالنِّيَّات“ متفق عليه، ولكن النية محلها القلب، ويكفي من ذلك قيام الإنسان للسحور، أو عزمه على الصوم قبل النوم ونحو ذلك، والأصل بقاء هذه النية طوال الشهر إلا أن يعزم على الفطر لعارض له من مرض أو سفر، فيحتاج إلى تجديد النية عند إرادة الصوم ثانية.