سادسًا: لماذا أَقُومُ الليل (نِيَّات قيام الليل)
سادسًا: لماذا أَقُومُ الليل (نِيَّات قيام الليل) Ocia_213
قيام الليل شريعة ربانِيَّة، وسُنَّةٌ نبوية، ومدرسة تربوية، وخصلة حميدة مرضية، ودموع وعبرات قلبية، وآهات وزفرات شجية، وخُلُوٌ بِرَبِّ البريَّة، وسعادة رُوحية، وقوة جسمانِيَّة، تتعلّق الروح فيها بالجنَّات العلية، وفيها من الثمرات والفوائد الجلية، ويبقى السؤال لماذا أقوم الليل؟

1- أقُومُ الليل بنِيَّة شكر النعم والتأسي بالرسول -صلى الله عليه وسلم-:
فالنبي ﷺ قام الليل حتى تورَّمت قدماه، وذلك تحقيقًا لمعنى العبودية لله -تعالى- وشكر النعم.

فقد ثبت في "صحيح البخاري ومسلم" عن المُغيرة بن شُعبة -رضي الله عنه- قال: "إن كان النبي ﷺ ليقوم أو ليُصلِّي حتى تَرِمَ قدماه أو ساقاه فيُقالُ له: فيقول: أفلا أكون عبدًا شكورًا".

وفى رواية أخرى عند البخاري ومسلم عن عائشة -رضي الله عنها-: "إن رسول الله ﷺ كان يقوم من الليل حتى تتفطّرَ قدماه، فقلت: لِمَ تصنعُ هذا وقد غُفِرَ لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟ قال: أفلا أكونُ عبدًا شكورًا".

وقد روى عن سفيان الثوري -رحمه الله- أنه شبع ليلة فقال: "إن الحمار إذا زيد في علفه زيد في عمله"، فقام تلك الليلة حتى أصبح.

وثبت عند أبي داود وابن خزيمة عن عبد الله بن أبي قيس قال: قالت عائشة- رضي الله عنها-: "لا تدع قيام الليل فإن رسول الله ﷺ كان لا يدعه، وكان إذا مرض أو كسل صلَّى قاعدًا".

2- أقُومُ الليل بنِيَّة التأسِّي بالصَّالحين والتَّشَبُّه بهم:
فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: "عليكم بقيام الليل فإنه دأبُ الصالحين قبلكم...". (صحيح الجامع: 4079).

فقيام الليل مضمار المُتسابقين، ورأس مالُ الفائزين، وطريق السَّالكين إلى رَبِّ العالمين.

3- أقُومُ الليل بنِيَّة أن أكون من الصِّدِّيقِين والشُّهداء:
فقد أخرج البزار وابن خزيمة وابن حبان عن عمرو بن مُرَّة الجُهني -رضي الله عنه- قال: "جاء رجل من قضاعة إلى رسول الله ﷺ، فقال: إني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وصلَّيت الصلوات الخمس، وصُمْتُ رمضان وقُمْتُهُ، وآتيتُ الزكاة؟ فقال رسول الله ﷺ: "مَن مات على هذا كان من الصِّدِّيقين والشهداء". (صحيح الترغيب والترهيب: 933).

4- أقُومُ الليل لكي أكون من أهل الإيمان:
{إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 15 – 17].

5- أقُومُ الليل حتى أُكْتَبَ من الذَّاكرين اللهَ كثيرًا:
فقد أخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة وأبى سعيد- رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله ﷺ: "مَن استيقظ من الليل وأيقظ امرأته، فصلَّيا ركعتين جميعًا؛ كُتِبَا ليْلَتئِذ من الذَّاكرين الله كثيرًا والذَّاكرات". (صحيح الجامع: 6030).

6- أقُومُ الليل حتى أكون من المَرْحُومِين:
فقد أخرج أبو دواد والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: "رَحِمَ اللهُ رجلًا قام من الليل فصلَّى وأيقظ امرأته فصلَّت فإن أبَتْ نضح في وجهها الماء، ورَحِمَ اللهُ امرأةً قامت من الليل فصلَّت، وأيقظت زوجها، فإن أبَى نضحت في وجهه الماء". (صحيح الجامع: 3494).

7- أقُومُ الليل حتى أكْتَبَ من القانتين المُخلصين، ولا أكتب من الغافلين:
فقد أخرج ابن خزيمة والحاكم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي ﷺ قال: "مَن صلَّى في ليلة بمائة آية لم يُكتب من الغافلين، ومَن صلَّى في ليلة بمائتي آية كُتِبَ من القانتين المُخلصين". (صحيح الترغيب: 636).

وأخرج أبو داود وابن خزيمة وابن حبان من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: "مَن قام بعشر آياتٍ لم يُكتب من الغافلين، ومَن قام بمائة آيةٍ كُتِبَ من القانتين، ومَن قام بألف أيةٍ كُتِبَ من المُقنطرين (1)".  (صحيح الجامع: 6439).

8- أقُومُ الليل لأنه أفضل الصلوات بعد المكتوبات:
فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: "أفضل الصيام بعد رمضان: شهر الله المُحَرَّم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة: صلاة الليل".

- وفى رواية:
"أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل".

9- أقُومُ الليل أبتغي القُرْب من الله تعالى:
وقد مرَّ بنا في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد والترمذي: "عليكم بقيام الليل فإنه دَأْبُ الصالحين قبلكم، وهو قُرْبَةٌ إلى رَبِّكُمْ...". (الحديث).

قال الحسن البصري -رحمه الله-:
"ما أعلمُ شيئًا يتقربُ به المُتقربون إلى اللهِ أفضلَ من قيام الليل في جوف الليل إلى الصلاة".

وفى الحديث القدسي الذي أخرجه البخاري: "وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليّ بالنوافل حتى أحِبَهُ...".

10- أقُومُ الليل للفوز بمحبَّة الله تعالى:
فقد مَرَّ بنا في الحديث القدسي الذي أخرجه البخاري: "وما يزالُ عبدي يتقرَّب إليّ بالنوافل حتى أحِبَّهُ...".

وأخرج الطبراني بسند حسن عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- عن النبي ﷺ قال: "ثلاثة يُحبهمُ اللهُ ويضحك إليهم ويستبشر بهم، الذي إذا انكشفت فئة قاتل وراءها بنفسه لله -تعالى-. فإمَّا أن يُقتل، وإمَّا أن ينصره الله ويكفيه، فيقول: انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه، والذي له امرأة حسنة وفراش لين حسن فيقوم من الليل، فيقول: يذرُ شهوته ويذكرني، ولو شاء رقد، والذي إذا كان في سفر وكان معه ركبٌ فسهروا ثم هجعوا فقام من السَّحَر في ضرَّاء وسرَّاء". (صحيح الترغيب والترهيب: 625).

11- أقُومُ الليل حتى أحُوز الشَّرف الحقيقي:
فقد أخرج الحاكم في المستدرك والبيهقي عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: "أتاني جبريل فقال: يا محمد! عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب مَن شئت فإنك مُفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزيٌ به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزَّه استغناؤه عن الناس".  (صحيح الجامع: 73) (الصحيحة: 831).

12- أقُومُ الليل للثبات على الأمر، والإعانة على الأعمال وصلاح الأحوال:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: 1-6].

قال الفراء -رحمه الله-:
{أَشَدُّ وَطْأً} أي: أثبت للعمل وأدوم لمَن أراد الاستكثار من العبادة، والليل وقت الفراغ عن الاشتغال بالمعاش؛ فعبادته تدوم ولا تنقطع.

وقال عكرمة -رحمه الله-:
{وَأَقْوَمُ قِيلًا} أي: أتم نشاطًا وإخلاصًا وأكثر بركة.

وقال ابن زيد -رحمه الله-:
أجدر أن يتفقه في القرآن، وقيل: أعجل إجابة للدعاء.

13- أقُومُ الليل للنَّجاة من الفتن ما ظهر منها وما بطن:
فقد أخرج البخاري عن أم سلمة -رضي الله عنها-: "أن النبي ﷺ استيقظ ليلة فقال: سبحان الله، ماذا أنزل الليلة من الفتنة؟ ماذا أنزل الليلة من الخزائن؟ مَن يوقظ صواحب الحُجُرات؟".

وفى الحديث تنبيه على أن الصلاة بالليل تقي من الفتن.

14- أقُومُ الليل حتى أصبح طيب النفس نشيطًا:
فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم (2) إذا هو نام ثلاث عُقد، يضرب على كل عُقدةٍ عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلَّت عُقدة، فإن توضَّأ انحلَّت عُقدةٌ، فإن صلَّى انحلَّت عُقدهُ كلها، فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان".

– وعند ابن ماجه بلفظ: "يصبح نشيطًا طيب النفس قد أصاب خيرًا، وإن لم يفعل أصبح كسلًا خبيث النفس لم يصب خيرًا". - ورواه خزيمة فزاد في آخره: "فحلُّوا عُقَدَ الشيطان ولو بركعتين".

15- أقُومُ الليل حتى يعطيني ربي ما أسأل:
فقد أخرج الإمام أحمد وابن حبان عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "الرجل من أمَّتي يقوم من الليل يُعالج نفسه إلى الطهور وعليه عقد، فإذا وضَّأ يديه انحلّت عُقدة، وإذا وضَّأ وجهه انحلّت عُقدة، وإذا مسح رأسه انحلّت عُقدة، وإذا وضَّأ رجليه انحلّت عُقدة، فيقول الله -تعالى- للذين وراء الحجاب: انظروا إلى عبدي هذا يُعالج نفسه يسألني، ما سألني عبدي هذا فهو له". (صحيح الترغيب والترهيب: 627).

وأخرج الإمام مسلم عن جابر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيرًا من خير الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة".

16- أقُومُ الليل حتى يُنير الله وجهي، يوم تبيضُّ وجُوهٌ وتسْودُّ وجُوهٌ:
قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ} [عبس: 38، 39].

قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: وجُوهٌ مُسْفِرَةٌ من قيام الليل.

وقيل للحسن البصري -رحمه الله-:
ما بال المُتهجِّدين بالليل من أحسن الناس وجوهًا؟! قال: "لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره".

17- أقُومُ الليل لتُغْفَر لي الذُّنوب والمعاصي والزَّلَّات:
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: "مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تّقَدَّم من ذنبه".

وقد مَرَّ بنا الحديث الذي أخرجه الترمذي وابن خزيمة عن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- عن رسول الله ﷺ قال: "عليكم بقيام الليل فإنه دأبُ الصالحين قبلكم، وقُربةٌ إلى ربكم، وتكفيرٌ للسيئات ومنهاةٌ عن الإثم". (صحيح الترغيب: 620).

وأخرج الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: "قلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يُدخلني الجَنَّة ويُباعدني من النار، قال. لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على مَن يَسَّرَه الله تعالى عليه، تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت إن استطعت إليه سبيلًا. ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جُنَّة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 16، 17].

يقول ابن الحاج:
"وفي القيام من الفوائد أنه يَحُطُّ الذنوب كما يَحُطُّ الريح العاصف الورق الجاف من الشجرة، ويُنَوِّر القبر، ويُحسن الوجه، وينشط البدن".

18- أقُومُ الليل ليكتب لي الحسنات:
فقد أخرج الطبرانـي عن فضالة بن عبيد وتميم الداري-رضي الله عنهما- عن النبي ﷺ قال: "مَن قرأ عشر آيات في ليلة كُتِبَ له قنطار [من الأجر]، والقنطار خيرٌ من الدنيا وما عليها، فإذا كان يوم القيامة يقول ربك -تعالى- له: اِقْرَأْ وارق لكل آية درجة حتى ينتهي إلى آخر آية معه، يقول الله -تعالى- للعبد: اقبِض، فيقول العبد بيده: يا رب أنت أعلم فيقول: بهذه الخلد وبهذا النعيم". (صحيح الترغيب: 634).

19- أقُومُ الليل حتى أنجو من النيران:
فى قصة رؤيا ابن عمر-رضي الله عنهما- قال: "فرأيت كأن ملكين أخذاني، فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان -يعنى كقرني البئر- وإذا فيها أناس قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، قال: فلقينا ملك آخر. فقال: لم ترع، فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على النبي ﷺ فقال: نِعْمَ الرجل عبد الله لو كان يُصلِّي من الليل، فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلاً". (متفق عليه).

20- أقُومُ الليل حتى أفوز بالجِنَانِ:
قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات: 15- 19].

وقال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 16 – 17].

جاء في "مستدرك الحاكم" عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "مكتوبٌ في التوراة لقد أعدَّ الله للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لم ترَ عينٌ ولم تسمع أذنٌ، ولم يخطر على قلب بشر، ولا يعلمه ملك مقرب، ولا نبى مرسل، قال: ونحن نقرؤها: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17].

وأخرج الترمذي من حديث عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- قال: "أول ما قَدِمَ رسول الله ﷺ المدينة اِنْجَفَلَ الناسُ إليه (3)، فكنت فيمَنْ جاءه، فلما تأملت وجهه واسْتَثْبَتُّهُ (4)عرفتُ أن وجهه ليس بوجه كذَّاب، قال: وكان أول ما سمعت من كلامه أن قال: يا أيها الناس، أفشوا السَّلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصَلُّوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجَنَّة بسلام". (صحيح: الجامع: 7865) (صحيح الترغيب: 610).

21- أقُومُ الليل حتى تُرفع لي الدرجات في غُرف الجَنَّة:
قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} إلى قوله -تعالى-: {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ (5) بمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان: 63- 76].

وأخرج ابن حبان عن أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- عن النبي ﷺ قال: "إن في الجَنَّة غرفًا يُرَى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها؛ أعدَّها الله لمَن أطعم الطعام، وأفشى السَّلام، وصلَّى بالليل والناسُ نيام". (صحيح الجامع: 2123).

وأخيرًا:
فثواب القيام لا تُحيطُ به العُقول، وتقصر عنه العبارات، ومن هنا نعلم معنى حديث النبي ﷺ: "لا حسد إلا في اثنتين، رجلٌ آتاه اللهُ القرآن فهو يقوم به آناء الليل وأطراف النهار، ورجلٌ آتاه الله مالًا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار". (رواه مسلم عن ابن مسعود -رضي الله عنه-).

والمقصود بالحسد هنا:
هو الحسد المحمود، وهو ما يطلق عليه "الغبطة"، وهو تمنِّي مثل ما للمُغْبَط، فإن كان المُغبَط على حالة محمودة كما في الحديث السابق فهو تَمَنٍّ محمودٌ يُثابُ عليه ويؤجر.

------------------------------------------
1.    من المقنطرين: أي ممَّن كُتِبَ لهم قنطار من الأجر.
2.    قافية الرأس: مؤخره.
3.    اِنْجَفَلَ الناس: أي ذهبوا إليه بأجمعهم مسرعين.
4.    اسْتَثْبَتُّهُ: أي تحققته وتبينته.
5.    يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ: أي الدرجة العليا في الجَنَّة.