الخروج للعمل أثناء الاعتكاف
الاعتكاف وأحكامه:
ذكر العلماء ما يبطل به الاعتكاف من الخروج لغير حاجة، والجماع، والحيض والنفاس وقضاء العدة، وجعل الخروج المباح في حالات الضرورة، كالخروج للطعام والشراب إن لم يجد من يأتي له بهما، وعند بعض الفقهاء لتشييع الجنازة وزيارة المرضى وإن كان ترك ذلك أولى.

ولكن لم يذكر أحد من الفقهاء أن من الضرورة أن يخرج المرء لعمله، فالاعتكاف مطلوب فيه أن يتفرغ المسلم لعبادة الله تعالى، ولكن إن لم يستطع الإنسان التفرغ للاعتكاف، فلينو عند دخوله المسجد نية الاعتكاف، فعند الشافعية يجوز أن تكون مدة الاعتكاف لحظة.

يقول فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر -رحمه الله- في كتابه أحسن الكلام في الفتوى والأحكام...

الذي يبطل الاعتكاف هو:
الخروج من المسجد لغير حاجة، وكذلك ذهاب عقله بجنون أو سُكْر، ومثله: الحيض والنفاس للمرأة، كما يبطله الوطء لقوله -تعالى-: {ولا تباشروهن وأنت عاكفون في المساجد}.

لأن المُكث في المسجد للجُنُب حرام، ويبطله أيضاً الرِّدة لمُنافاتها للعبادة.

محظورات الإعتكاف:
ويقول الشيخ محمد صالح المنجد...

أمَّا محظورات الاعتكاف هي:
أ-الخروج من المسجد: يبطل الاعتكاف إذا خرج المُعتكف من المسجد لغير حاجة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يخرج من المسجد إلا لحاجة الإنسان، وهي حاجته إلى الطعام، إن لم يكن بالإمكان أن يؤتى إليه بالطعام، كما كان يؤتى بطعام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد إذ يقول (سالم) -أحد صحابة النبي-: ”فأما طعامه وشرابه فكان يؤتى به إليه في مُعتكفه).

وكذلك خروجه للتطهر من الحدث الأصغر، والوضوء لحديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (وإن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليُدخِلُ عَلَيَّ رأسهُ وهو في المسجد فأرجّله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان مُعتكفاً) فتح الباري 4/808.

ب- مباشرة النساء:
ومنها الجماع، فهذا الأمر يُبطل الاعتكاف، لورود النهي عنه صريحاً في قوله تعالى: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) سورة البقرة: 187.

ج-الحيض والنفاس:
فإذا حاضت المرأة المُعتكفة أو نفست وجب عليها الخروج من المسجد، وذلك للمحافظة على طهارة المسجد وكذلك الجُنُب حتى يغتسل.

د-قضاء العِدَّة:
وذلك إذا توفي زوج المُعتكفة وهي في المسجد وجب عليها الخروج لقضاء العِدَّة في منزلها.

هـ-الرِّدَّة عن الإسلام:
حيث إن من شروط الاعتكاف الإسلام، فيبطل اعتكاف المُرتد.

حكم خروج المُعتكف من الإعتكاف لحاجة:
وفي فترة الاعتكاف لا يحق للمسلم أن يخرج إلا لحاجة إيجابية ترتبط بتسهيل أمر الاعتكاف في المسجد، وما عدا ذلك يجب أن يمتنع عنه وإن كان مُباحاً.

فهو –على سبيل المثال–:
لا يحق له أن يتجوَّل في الأسواق –ولو لفترة بسيطة– ليشتري منها ما لا ارتباط له بأمر الاعتكاف، فلو خرج لشراء سواك لم يكن في هذا حرج على اعتكافه، لأنه من مُتطلبات الصلاة في اعتكافه، ولكن لو خرج لشراء هدية لزوجته، أو لأحد أبنائه، فذلك مُبطلٌ لاعتكافه، لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما ورد سابقاً كان لا يخرج إلا لحاجة الإنسان، فكيف إذا خرج المُعتكف لأمر مُحَرَّم كشُرب الدُّخان مثلاً أو لمُشاهدة برنامج فضائي قد اعتاد مُشاهدته، لا شك أن ذلك مُبطلٌ لاعتكافه لا محالة.

وكذلك لو خرج يشرب خمراً أو يتعاطى تدخيناً بطل اعتكافه.

وعموماً:
فإنّ أي خروج لغير عذر يُبطل الاعتكاف ومن باب أولى الخروج للمعصية، ولا يجوز له حتى لو خرج لقضاء حاجته أن يُشْعل في الطريق سيجارة يُدخنها.

فالاعتكاف فرصة سنوية يستطيع فيها المُعتكف أن يتخلَّص من هذه البلايا عن طريق التوبة والالتجاء إلى الله -عز وجل- أولاً، ثم عن طريق فطام النفس عن تلك المعاصي في فترة الاعتكاف، وعدم تحقيق رغبة النفس منها، وتعويدها على ذلك.

ما يُبَاحُ للمُعتكف:
وفي مباحات الاعتكاف يقول الشيخ عطية صقر -رحمه الله تعالى–:
ويُباح للمُعتكف أن يخرج لتوديع أي إنسان كان معه ـمثلاًـ كما حدث فيما رواه البخاري ومسلم أن: “صفية زوج الرسول -صلى الله عليه وسلم- كانت تزوره في مُعتكفه، فلمَّا أرادت الانصراف؛ قام وودَّعها فمشى معها إلى مسكنها في دار أسامة بن زيد، فَمَرَّ رجلان من الأنصار فأسرعا، فقال لهما: على رسلكما إنها صفية بنت حيي يعني: ليست امرأة أجنبية، ثم قال: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم؛ فخشيتُ أن يقذف في قلوبكما شراً“.

وفيما رواه البخاري ومسلم عن عائشة -رضي الله عنها- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان وهو مُعتكفٌ في المسجد يناولها رأسه من خلل الحُجرة لتغسله“.

كما يُباحُ الخروج للحاجة التي لابد منها:
كالغائط، والحيض، والبول، والطعام، والشراب إذا لم يوجد مَنْ يأتي به إليه، كما يخرج للغُسل من الجنابة إذا احتلم ـمثلاًـ وليُطهر ثوبه أو بدنه من النجاسة، كما يخرج ليُصلي الجمعة، ويحضر الجنازة، ويعود المرضى، ولكن لا يجلس معهم، وله أن يأكل ويشرب في المسجد وأن ينام مع المحافظة على النظافة والآداب، وله أن يعقد العقود، ويفعل ما يشاء من المُباحات.

من أرشيف إسلام أونلاين
جزاهم الله خير الجزاء.