رؤية..
من عاش لغيره فسيعيش متعباً.. لكنه سيحيا كبيراً.. ويموت كبيراً..

61.    قضاء الحاجات..
لما بدأتُ في دراسة الماجستير.. اطلعت على عدد  أوسع من كتب الفرق والطوائف..
من بين هذه المذاهب.. المذهب البراجماتي..
وترجمته بالعربية: المذهب النفعي..
لما تبحرت في دراسة هذا المذهب أدركت لماذا كنا نسمع في أوروبا وأمريكا.. أنه في كثير من الأحيان يهجر الابن أباه.. وإذا قابله في مطعم فكل واحد منهما يحاسب عن نفسه..
فعلاً.. مادام أني لن أستفيد منك فلماذا أخدمك؟!
لماذا أنفق مالي؟! واصرف وقتي؟! وأبذل جهدي؟! دون مردود مادي يعود علي..
الإسلام قلب هذا الميزان..
فقال الله (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) .
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لئن امشي مع اخي في حاجة حتى أثبتها له.. أحب إليَّ من أن أعتكف في مسجدي هذا شهراً)..
ومن كان في حاجة أخيه.. كان الله في حاجته..
وكان -صلى الله عليه وسلم- يمشي في الطريق فتوقفه الجارية وتقول: لي إليك حاجة.. فيقف معها حتى يسمع حاجة.. وقد يمضي معها إلى بيت سيدها ليقضيها لها..
بل كان -صلى الله عليه وسلم- يخالط الناس ويصبر على أذاهم..
كان يعاملهم بنفس رحيمة.. وعين دامعة.. ولسان داع.. وقلب عطوف..
كان يشعر أنه هو وهم.. جسد واحد.. يشعر بفقر الفقير.. وحزن الحزين.. ومرض المريض.. وحاجة المحتاج..
انظر إليه -صلى الله عليه وسلم- .. وقد جلس في مسجده يحدث أصحابه..
فإذا به يرى سواداً مقبلاً عليه من بعيد..
نظر إليهم.. فإذا هم قوم فقراء أقبلوا عليه من مضر.. من قبل نجد..
ومن شدة فقرهم قد اجتابوا النمار..
يعني يملك أحدهم قطعة قماش فلا يجد ثمن الإبرة والخيط.. فيخرق القماش من وسطه ثم يخرج رأسه ويسدل باقيه على جسده..
أقبلوا قد اجتابوا النمار.. وتقلدوا السيوف.. وليس عليهم أزر ولا شيء غيرُها.. لا عمامة ولا سراويل ولا رداء..
فلما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي بهم من الجهد والعري والجوع.. تغير وجهه..
ثم قام.. فدخل بيته.. فلم يجد شيئاً يتصدق به عليهم..
فخرج.. ودخل بيته الآخر.. وخرج.. يبحث.. يلتمس شيئاً لهم.. فلم يجد..
ثم راح إلى المسجد.. فصلى الظهر.. ثم صعد منبره..
فحمد الله وأثنى عليه.. ثم قال:
أما بعد.. فإن الله عز وجل.. أنزل في كتابه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)..
ثم قرأ..
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)..
وجعل يتلوا الآيات والمواعظ.. ثم صاح بهم.. وقال:
تصدقوا قبل أن لا تصدقوا.. تصدقوا قبل أن يحال بينكم وبين الصدقة..
تصدق امرؤ من ديناره.. من درهمه.. من بره.. من شعيره.. ولا يحقرن أحدكم شيئاً من الصدقة.. وجعل يعدد أنواع الصدقات  حتى قال:
ولو بشق تمرة..
فقام رجل من الأنصار بصرة في كفه.. فناولها رسول الله  -صلى الله عليه وسلم- وهو على منبره..
فقبضها رسول الله  -صلى الله عليه وسلم- يعرف السرور في وجهه..
وقال: من سن سنة حسنة.. فعمل بها كان له أجرها.. ومثل أجر من عمل بها لا ينقص من أجورهم شيء..
ومن سن سنة سيئة.. فعمل بها.. كان عليه وزرها.. ومثل وزر من عمل بها لا ينقص من أوزارهم شيء..
فقام الناس.. فتفرقوا إلى بيوتهم.. وجاءوا بصدقات.. فمن ذي دينار.. ومن ذي درهم..
ومن ذي تمر.. ومن ذي ثياب..
حتى اجتمع بين يديه -صلى الله عليه وسلم- كومان.. كوم من طعام.. وكوم من ثياب..
فلما رأى -صلى الله عليه وسلم- ذلك تهلل وجهه حتى كأنه فلقة من قمر..
ثم قسمه بين الفقراء.. رواه مسلم..
ولما سئلت عائشة عن حاله -صلى الله عليه وسلم- في بيته.. قالت:
كان يكون في حاجة أهله.. أو في مهنة أهله..
أفلا تجعل من طرق دخولك إلى قلوب الناس.. قضاء حاجاتهم..
احتاج شخص إلى مستشفى.. فأوصلته إليه..
استعان بك في مشكلة فأعنته عليها..
يراك تقضي حاجته.. وتقف معه في كربته.. وهو يعلم أنك لا ترجو من ذلك جزاء ولا شكوراً..
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم
فطالما استعبد الإنسان إحسان.