وقفة..
قد تصبر المرأة على.. فقر زوجها.. وقبحه.. وانشغاله.. لكنها قل أن تصبر على سوء خلقه..


10.    النساء..
كان جدي يستشهد بمثل قديم: " من غاب عن عنزه جابت تيس "..
بمعنى أن من لم تجد عنده زوجته.. ما يشبع عاطفتها.. ويروي نفسها.. فقد تحدثها نفسها بالاستجابة لغيره.. ممن يملك معسول الكلام..
وليس مقصودهم بهذا المثل تشبيه الرجل والمرأة بالتيس والعنز.. معاذ الله..
المرأة شقيقة الرجل.. ولئن كان الله قد وهب الرجل جسماً قوياً.. فقد وهبها عاطفة قوية..
وكم رأينا سلاطين الرجال وشجعانهم تخور قواهم عند قوة عاطفة امرأة..
ومن مهارات التعامل مع المرأة أن تعرف المفتاح الذي تؤثر من خلاله فيها.. العاطفة.. تقاتلها بسلاحها..
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يوصيك بالإحسان إلى المرأة.. واحترام عاطفتها.. لأجل أن تسعد معها..
وأوصى الأب بالإحسان إلى بناته.. فقال: (من عال جاريتين حتى تبلغا.. جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه)..
وأوصى بها أولادها فقال فإنه لما سأله رجل فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟
قال: أمك.. ثم أمك.. ثم أمك.. ثم أبوك..
بل أوصى -صلى الله عليه وسلم- بالمرأة زوجها.. وذمّ من غاضب زوجته أو أساء إليها..
وانظر إليه -صلى الله عليه وسلم- وقد قام في حجة الوداع.. فإذا بين يديه مائةُ ألف حاج..
فيهم الأسود والأبيض.. والكبير والصغير.. والغني والفقير..
صاح -صلى الله عليه وسلم- بهؤلاء جميعاً وقال لهم:
ألا واستوصوا بالنساء خيراً.. ألا واستوصوا بالنساء خيراً..
وفي يوم من الأيام أطاف بأزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نساء كثير يشتكين أزواجهن..فلما علم النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك.. قام.. وقال للناس:
لقد طاف بآل محمد -صلى الله عليه وسلم- نساء كثير يشتكين أزواجهن.. ليس أولائك بخياركم..
وقال -صلى الله عليه وسلم-:
(خيرُكم خيرُكم لأهله وأنا خيركم لأهلي)..
بل.. قد بلغ من إكرام الدين للمرأة.. أنها كانت تقوم الحروب.. وتسحق الجماجم.. وتتطاير الرؤوس.. لأجل عرض امرأة واحدة..
كان اليهود يساكنون المسلمين في المدينة..
وكان يغيظهم نزولُ الأمر بالحجاب.. وتسترُ المسلمات.. ويحاولون أن يزرعوا الفساد والتكشف في صفوف المسلمات.. فما استطاعوا..
وفي أحد الأيام جاءت امرأة مسلمة إلى سوق يهود بني قينقاع..
وكانت عفيفة متسترة.. فجلست إلى صائغ هناك منهم..
فاغتاظ اليهود من تسترها وعفتها.. وودوا لو يتلذذون بالنظر إلى وجهها.. أو لمسِها والعبثِ بها.. كما كانوا يفعلون ذلك قبل إكرامها بالإسلام.. فجعلوا يريدونها على كشف وجهها.. ويغرونها لتنزع حجابها..
فأبت.. وتمنعت..
فغافلها الصائغ وهي جالسة.. وأخذ طرف ثوبها من الأسفل.. وربطه إلى طرف خمارها المتدلي على ظهرها..
فلما قامت.. ارتفع ثوبها من ورائها.. وتكشفت أعضاؤها.. فضحك اليهود منها..
فصاحت المسلمة العفيفة.. وودت لو قتلوها ولم يكشفوا عورتها..
فلما رأى ذلك رجل من المسلمين.. سلَّ سيفه.. ووثب على الصائغ فقتله..فشد اليهود على المسلم فقتلوه..
فلما علم النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك.. وأن اليهود قد نقضوا العـهد وتعرضوا للمسلمات.. حاصرهم.. حتى استسلموا ونزلوا على حكمه..
فلما أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ينكل بهم.. ويثأر لعرض المسلمة العفيفة..
قام إليه جندي من جند الشيطان..
الذين لا يهمهم عرض المسلمات.. ولا صيانة المكرمات..
وإنما هم أحدهم متعة بطنه وفرجه..
قام رأس المنافقين.. عبد الله بن أُبيّ ابن سلول..
فقال: يا محمد أحسن في موالي اليهود وكانوا أنصاره في الجاهلية..
فأعرض عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-.. وأبـَى..
إذ كيف يطلب العفو عن أقوام يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا!!
فقام المنافق مرة أخرى.. وقال: يا محمد أحسن إليهم..
فأعرض عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- .. صيانة لعرض المسلمات.. وغيرة على العفيفات..
فغضب ذلك المنافق.. وأدخل يده في جيب درع النبي -صلى الله عليه وسلم- .. وجرَّه وهو يردد:
أحسن إلى مواليّ.. أحسن إلى مواليّ..
فغضب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتفت إليه وصاح به وقال: أرسلني..
فأبى المنافق.. وأخذ يناشد النبي -صلى الله عليه وسلم- العدول عن قتلهم..
فالتفت إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال:  هم لك..
ثم عدل عن قتلهم.. لكنه -صلى الله عليه وسلم- أخرجهم من المدينة.. وطرَّدهم من ديارهم..
نعم المرأة العفيفة تستحق أكثر من ذلك..
كانت خولة بنت ثعلبة -رضي الله عنه- من الصحابيات الصالحات..
وكان زوجها أوس بن الصامت شيخاً كبيراً يسرع إليه الغضب..
دخل عليها يوماً راجعاً من مجلس قومه.. فكلمها في شيء فردت عليه.. فتخاصما.. فغضب فقال: أنت علي كظهر أمي.. وخرج غاضباً..
كانت هذه الكلمة في الجاهلية إذا قالها الرجل لزوجته صارت طلاقاً.. أما في الإسلام فلا تعلم خولة حكمها..
رجع أوس إلى بيته.. فإذا امرأته تتباعد عنه..
وقالت له: والذي نفس خويلة بيده لا تخلص إلي وقد قلت ما قلت.. حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه..
ثم خرجت خولة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكرت له ما تلقى من زوجها.. وجعلت تشكو إليه ما سوء خلقه معها..
فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصبرها ويقول: يا خويلة ابن عمك.. شيخ كبير.. فاتقي الله فيه..
وهي تدافع عبراتها وتقول: يا رسول الله.. أكل شبابي.. ونثرت له بطني.. حتى إذا كبرت سني.. وانقطع ولدي.. ظاهر مني.. اللهم إني أشكو إليك..
وهو -صلى الله عليه وسلم- ينتظر أن ينزل الله تعالى فيهما حكماً من عنده..
فبينما خولة عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ هبط جبريل من السماء على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ..
بقرآن فيه حكمها وحكم زوجها..
فالتفت -صلى الله عليه وسلم- إليها وقال: يا خويلة.. قد أنزل فيك وفي صاحبك قرآناً.. ثم قرأ "قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير" إلى آخر الآيات من أول سورة المجادلة..
ثم قال لها -صلى الله عليه وسلم- مُريه فليعتق رقبة..
فقالت: يا رسول الله.. ما عنده ما يعتق..
قال: فليصم شهرين متتابعين..
قالت: والله إنه لشيخ كبير ما له من صيام..
قال: فليطعم ستين مسكيناً وسقاً من تمر..
قالت: يا رسول الله.. ما ذاك عنده..
فقال -صلى الله عليه وسلم-: فإنا سنعينه بعرق من تمر..
قالت: والله يا رسول الله.. أنا سأعينه بعرق آخر..
فقال -صلى الله عليه وسلم-: قد أصبت وأحسنت.. فاذهبي فتصدقي به عنه.. ثم استوصي بابن عمك خيراً..
فسبحان من وهبه اللين والتحمل مع الجميع.. حتى في مشاكلهم الشخصية.. يتفاعل معهم..
وقد جربت بنفسي.. التعامل باللين والمهارات العاطفية مع البنت والزوجة.. وقبل ذلك الأم والأخت.. فوجدت لها من التأثير الكبير.. ما لا يتصوره إلا من مارسه..
فالمرأة لا يكرمها إلا كريم.. ولا يهينها إلا لئيم..